العرب/بغداد – يشتد في بغداد هذه الأيام صراع الغنائم وهو التعبير الذي يقول المحللون إنه الأدق في توصيف صراعات تشكيل الحكومة، وتتجه الأنظار بشكل خاص إلى مصير البنك المركزي العراقي الذي يعد المفتاح الحاسم للإشرف على ثروة البلاد.
في غمرة الصراع على تشكيل الحكومة العراقية وتوزيع المناصب، وجه رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي ضربة استباقية في الأسبوع الماضي للاحتفاظ بنفوذه على خزانة الدولة.
فقد أصدر المالكي قرارا بتعيين أحد أتباعه في منصب محافظ البنك المركزي العراقي، رغم أن الخبراء القانونيين يؤكدون أن القرار خارج صلاحياته بسبب انتهاء ولايته وكون منصبه ينحصر في تصريف الأعمال إلى حين تشكيل الحكومة الجديدة. وصوت مجلس الوزراء، الأسبوع الماضي بالاجماع على تولي الأمين العام لمجلس الوزراء علي العلاق المنتمي إلى حزب الدعوة، منصب محافظ البنك المركزي.
وفي يوم الخميس الماضي أصدر القضاء حكما بالسجن 7 سنوات بحق محافظ البنك المركزي السابق سنان الشبيبي، الذي أقاله المالكي نهاية عام 2012، والذي يجمع المراقبون على أن إقالته جاءت بسبب مقاومته لمحاولات المالكي السيطرة على احتياطات البنك المركزي.
ويرى المحللون أن تزامن تعيين العلاق، الذي يؤكدون أنه لا يتمتع بأي مؤهلات لتولي هذا المنصب الحساس، مع إصدار الحكم على الشبيبي، يهدف إلى خلط الأورواق وإغلاق ملفات الفساد الكثيرة بتوجيهها غيابيا إلى الشبيبي.
ويضيف المحللون أن إدانة الشبيبي خطوة إضافية لتأكيد بقاء العلاق في المنصب واستمرار نفوذ المالكي على خزانة الدولة العراقية.ويقول مراقبون إن الهيمنة على البنك المركزي العراقي يعد حجر الزاوية في النفوذ الإيراني في العراق، بسبب عزلة النظام المالي الإيراني عن النظام المالي العالمي بسبب العقوبات الغربية، وإن المؤسسات المالية العراقية وخاصة البنك المركزي تعد أكبر نافذة لطهران للتعامل مع النظام المالي العالمي.
علي محسن إسماعيل العلاق، محاسب وصاحب محل بيع ألعاب يصبح محافظا للبنك المركزي!
ويرى المحلل الاقتصادي فاضل عباس مهدي أن “فرض تعيين عضو حزب الدعوة علي العلاق محافظا للبنك المركزي يمثل استمرارا لسياسة المالكي بإخضاع الهيئات المستقلة لنفوذه عبر تعيين أتباعه في مناصب لا يستحقونها مهنيا".
وكان مجلس الوزراء قد أحال بداية الشهر الحالي محافظ البنك المركزي عبدالباسط تركي على التقاعد تمهيدا لتكليف العلاق بمهام محافظ البنك المركزي.
ورغم أن القرار ذكر أن التعيين “وكالة” إلا أن محللين يخشون من سعي المالكي لإبقائه في منصبه في إطار المساومات السياسية، خاصة بعد إدانة الشبيبي من قبل القضاء، الذي يجمع المراقبون على أنه تحت وصاية المالكي.
ويخشى البعض من أن التعيين يهدف إلى التأثير على القرارات المالية للبنك المركزي، الذي يعقد جلسات يومية لبيع وشراء العملات الأجنبية بمشاركة المصارف العراقية، وتكون المبيعات إما بشكل نقدي، أو على شكل حوالات مباعة إلى الخارج مقابل عمولة معينة.
ويضيف مهدي أن القرار يأتي في أواخر ولاية حكومة تصريف الأعمال التي يرأسها المالكي، الأمر الذي يثير الكثير من التساؤلات حول المغزى الكامن وراء هذا التوقيت؟
ويقول المراقبون إن نفوذ المالكي المطلق على البنك المركزي بدأ في أكتوبر 2012 وتمكن منذ ذلك الحين من التحكم بالاحتياطي النقدي الذي شهد خروقات كثيرة خارج بنود الموازنات العامة للبلاد. وشنت حكومة المالكي حينها حملة إعلامية مفتقرة إلى المهنية والمصداقية على قيادة البنك المركزي، أثارت استهجان وسخرية الخبراء الماليين والمصرفيين والأوساط المهنية والثقافية العراقية.
وتمخضت تلك الحملة عن إقالة الشبيبي وتعيين رئيس ديوان الرقابة المالية آنذاك عبدالباسط تركي محافظا بالوكالة، فيما اعتبر خرقا لأهم مبادئ التدقيق القانوني.
وسخر الخبراء حينها من أنه جمع بين مهمة “الخصم والحكم” أي بين رئاسة السلطة التنفيذية في البنك المركزي ورئاسة ديوان الرقابة الذي يفترض أن يكون يراقبها ويدقق قراراتها. ويقول الخبير مهدي إن ذلك التناقض تبين في ظل قيام البنك المركزي بإيداع مبلغ كبير في فرعه بالموصل لا يقل عن 400 مليون دولار استولت عليه الدولة الإسلامية.
المراقبون يؤكدون أن إقالة الشبيبي كانت بسبب مقاومته لمحاولات المالكي الهيمنة على احتياطات البنك المركزي
ولم يتردد مهدي عن التساؤل “هل كان تركي يعرف بما سيحدث، وأودع ذلك المبلغ الضخم هناك لتيسير تمويل مجرمي داعش؟ أم كان قليل الإدراك بالمهام الإساسية للبنك المركزي في تحقيق استقرار الدينار والحد من التضخم" ؟
ويضيف أن “فعاليات نينوى الاقتصادية، دون شك لم تكن بحاجة إلى ذلك المبلغ الضخم في خزائن فرع البنك المركزي بالموصل، الذي استولت عليه داعش، وأن تركي خلط في أحسن الأحوال بين مهام البنوك التجارية ومهام البنك المركزي، وفي أسوأها يمكن للبعض التكهن بأشياء قد تكون أسوأ من ذلك بكثير!”
ويتفق المراقبون مع تصريحات الشبيبي بأن الإطاحة به كانت بسبب عدم خضوعه لإرادة المالكي في التصرف باحتياطات البنك المركزي، وأن المالكي تمكن منذ أكتوبر 2012 من التحكم بالبنك.
ويقول مهدي إن من ضحايا هيمنة المالكي على البنك المركزي وتعيينه مسؤولين يفتقرون إلى المهنية والحصافة، “إخراج أفضل الكفاءات الاقتصادية والمهنية العراقية ناهيك عن موظفات وموظفين عرف أغلبهم بالمهنية والجدية في عملهم، الأمر الذي أفقد البنك المركزي الكثير من سمعته دون مبر".
ويأتي تعيين العلاق في منصب محافظ البنك المركزي العراقي حتى إشعار آخر، في إطار تهافت المسؤولين المحيطين والتابعين للمالكي، وخاصة في مكتب رئيس الوزراء على الاستحواذ على المناصب الحكومية قبل تشكيل الحكومة الجديدة.
وقد تم فعلا تعيين الكثير من أتباع المالكي على رأس الكثير من المؤسسات الحكومية والهيئات التي يفترض أن تكون مستقلة. ويخشى المراقبون من تثبيت أولئك الأشخاص في مناصبهم حتى بعد تشكيل الحكومة الجديدة بموجب صفقات المحاصصة وتوزيع الغنائم. ويقول مهدي إن تكليف المالكي للعلاق بمنصب محافظ البنك المركزي يمثل استمرارا لسياسة إلحاق البنك المركزي بالسلطة التنفيذية وهو خرق لمبدأ الاستقلالية في صياغة السياسة النقدية المنصوص عليه في قانون البنك المركزي.
ويضيف أن تعيين العلاق تأكيد “لسياسة المالكي في إخضاع الهيئات المستقلة لنفوذه عبر تعيين حوارييه في مناصب لا يستحقونها مهنيا في ما يعرف بسياسة تعيين الأزلام".
فاضل عباس مهدي: استمرار سياسة المالكي بتعيين أزلامه في مناصب لا يستحقونها مهنيا
ويؤكد أن هذه السياسة “لن تنفع الاقتصاد العراقي العليل بل ستسبب أضرارا مستقبلية فادحة إن لم يتدارك رئيس الوزراء المكلف حيدر العبادي هذا الأمر وذلك بإعادة تفعيل الاعتبارات المهنية في التعيينات الأساسية في ظل حكومته المرتقبة".
وتشير البيانات الموثقة إلى أن علي محسن إسماعيل العلاق حاصل على شهادة أولية في المحاسبة وإدارة الأعمال من الجامعة المستنصرية في بغداد.
وتظهر خلفيته الأساسية أنه محاسب، وبالتالي فإنه غير مؤهل علميا في اقتصاديات النقد (مونيتري ايكونوميكس) وهو مؤهل مطلوب بالحد الأدنى لإدارة البنك المركزي والسياسة النقدية للبلاد.
أما مؤهلاته العملية فتشير إلى أنه عمل في المجال المحاسبي في الكويت لفترة قصيرة انتقل بعدها إلى مدينة مونتريال الكندية حيث قام بتأسيس مخزن لبيع الألعاب وهذه ممارسة عملية لا علاقة لها باقتصاديات النقود والسياسة النقدية.
بعد عودته إلى العراق بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، عين السيد العلاق مفتشا لوزارة النفط، حيث عمل لقرابة العامين وهذه خبرة عملية لها علاقة بالتدقيق والمحاسبة وليس بالسياسة النقدية.
وعندما تولى نوري المالكي رئاسة الوزراء تم تعين العلاق مديرا عاما في مجلس الوزراء، وهي وظيفة تنفيذية لا علاقة لها بإدارة السياسة النقدية.
ويقول المراقبون إن العلاق كان يقود محاولات التدخل لإخضاع البنك المركزي لنفوذ مكتب رئيس الوزراء الأمر الذي قوبل بالرفض من قبل الدكتور سنان الشبيبي لتناقضه مع مبدأ استقلالية البنك المركزي.
728 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع