تمر منطقة الشرق الاوسط بأخطر مراحلها فى الوقت الحالى فبعد ثورات الربيع العربى تعرضت المنطقة لهجمة شرسة من جماعات ارهابية تحاول ان تسيطر على مجريات الامور، والدخول فى عمليات اقتتال مع الجيوش النظامية كما يحدث فى سوريا والعراق وليبيا، وبجانب الحرب الشرسة التى تشنها اسرائيل على قطاع غزة.
كل ما يحدث هدفة تغيير الوجه الحقيقى الى منطقة الشرق الاوسط وتقسيمها الى دويلات لتبقى اسرائيل القوى الوحيدة فى المنطقة، وتستطيع الولايات المتحدة ان تتمتع بالقدر الاكبر من تروات تلك المنطقة الحيوية .
واذا نظرنا بعمق على توجهات الولايات المتحدة الامريكية فى منطقة الشرق الاوسط نجد أنها تنفذ خططا طويلة الاجل من أجل تدمير القوة العربية كاملة وتفتيت الدول لدرء اى مخاطر عن مصالحها بمساندة بعض دول المنطقة ،وبخاصة تنفيذ مشروع الشرق الاوسط الموسع ،والقضاء على محور الشر الذى اعلن عنه من قبل الرئيس الامريكى السابق جورج بوش فى عام 2001بعد احداث 11سبتمبر ،وكان يقصد وقتها العراق وايران وسوريا .
واستطاع البنتاجون الامريكى ان يضع خططه من اجل الوصول لذلك الهدف من خلال تدمير الجيوش العربية وجعلها بلا قوة قد تعمل على مواجهة اى خطط ترغب فى تنفيذها ،وجاءت البداية فى عام 2003 وبعد الاحتلال الامريكى للعراق ،ومع تعيين بول بريمر كأول حاكم امريكى للعراق قام بأتخاذ قراره الاول بحل الجيش العراقى ،وهو الامر الذى لم يحدث فى اى دولة فى العالم من قبل ،فالجيش يعنى هوية الدولة ،كما يعنى الاستقرار لها ومواجهة اى عمليات داخلية او خارجية ،وحتى لو كان منكسرا بعد حرب لا يمكن ان يتم حله الا لو كان هناك اسباب تهدف الى ذلك ،وهى اسباب تصب جميعها فى مصلحة الولايات المتحدة ،وأهمها جعل العراق بلا هوية لاعادة تشكيلها من جديد والعمل على تقسيمها دون اية مقاومة ،الا أن المخطط الامريكى ازداد شراسة مع دخول تنظيم القاعدة فى الاراضى العراقية وتم تدمير ما تبقى من كيان وهوية الدولة العراقية، مما جعل العراق تبتعد عن الصورة الاقليمية ؟،بعد أن كانت قوة مؤثرة بشكل كبير فيها .
لم يتوقف المخطط الامريكى الجهنمى عند هذا الحد فقط بل انها قامت فى عام 2004 بإقرار مشروع الشرق الاوسط الموسع فى قمة الثمانى ثم من بعده فى قمة اسطنبول لحلف الناتو بحيث جعلت للحلف مهام أمنية وإستراتيجية داخل المنطقة من اجل ان يكون له الغلبة من خلال اعادة نشر قواته فى مواقع استراتيجية مثل البحر الاحمر والخليج العربى وقواعد عسكرية فى دول اخرى .
وخلال تلك الفترة بدأت الادارة الامريكية فى فتح قنوات اتصال مع بعض القوى المعارضة فى بعض الدول العربية لتكون موالية لها فى حال تنفيذ اى ثورات بعد اعلان كوندليزا رايس وزيرة الخارجية الامريكية فى الادارة الامريكية السابقة ،عن مصطلح الفوضى الخلاقة الذى يجب ان يتم تنفيذه فى منطقة الشرق الاوسط والدول العربية ،وحاولت الادراة الامريكية ان يكون لها حلفاء فى حال حدوث ثورات عربية التى كانت تخطط له الولايات المتحدة لاعادة تشكيل المنطقة، كما ترغبها لحماية مصالحها وجعل اسرائيل هى القوة الوحيدة ومن ثم القضاء على القوة العربية المهددة لها .
وجاءت بعد ذلك ثورات الربيع العربى لتجد الولايات المتحدة دورا اكبر لها لتكون نصيرا للديمقراطية فى الشرق الاوسط،وهو الظاهر من خلال تصريحاتها التى دائما ما يطلقها القيادات فى الادارة ،اما الخفى منها فهى تهدف الى تنفيذ مشروعها الكبير من خلال تدمير مؤسسات الدول ،ثم تدمير الجيوش العربية ،وافقاد الدول على تحديد مستقبلها مفردة ، وتجعل من الولايات المتحدة وصية عليها تنفذ تعليماتها التى هى فى الغالب تدمير لكل ما هو قوى فى تلك الدول مثلما حدث فى النموذج العراقى ،وهو ما يظهر جليا فى تعامل الادارة الامريكية مع الملف السورى ،فبرغم ما يفعلة النظام من قتل وذبح للمدنيين ،الا ان الولايات المتحدة جاءت لها فرصة ذهبية لتدمير الجيش السورى تماما من خلال تسليح المعارضة وادخال البلاد فى حرب اهلية وتتحول الثورة من سلمية الى دموية يقتتل فيه الجانبان ،وفى النهاية تخرج سوريا مهلهلة بلا جيش مدمرة اقتصاديا ،وبها صراعات طائفية .
وقد فعلت ذلك من قبل مع ليبيا من خلال دور الناتو هناك وتسليح المعارضة ،ثم بعد ذلك صراعات قبلية تدخل الدولة فى دوامة كبيرة يتم بعدها الاحتكام للولايات المتحدة وحلفائها فى الغرب ليتم تقسيم ليبيا الى دويلات صغيرة .
أما بالنسبة الى مصر فهى نموذج مختلف بالنسبة لباقى الدول العربية، فمصر ليس بها خلافات اثنية ،وليس بها خلافات قبلية فهى دولة متماسكة، حتى بعد الثورة لان بها جيشا قويا قادرا على حماية الدولة واركانها ،برغم المحاولات العديدة من البعض لاقحام الجيش فى صراعات ،الا انه استطاع ان يبتعد عن ذلك كله ويحمى الدولة مرة اخرى .
وبعد مضى أكثر من 3 اعوام على اندلاع الثورات العربية فيما سمى عالميا بالربيع العربى ،وحتى هذه اللحظة لم تستقر الامور حتى يتم تحديد رؤية واضحة تحليلية حول مستقبل تلك الدول ، أو المنطقة بشكل أشمل ..
لكن كل حالات الصخب والفوضى التى بدأت تظهر فى دول الربيع العربى تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن دول المنطقة بدأت تدخل فى اطار الفوضى الخلاقة وهو الشعار الذى رفعته كوندليزا رايس بعد غزو الولايات المتحدة الامريكية العراق فى عام 2003 ،وذلك فى اطار مشروع الشرق الاوسط الجديد ،والذى يتم فيه تقسيم الدول العربية الى دويلات صغيرة وتصبح فيه اسرائيل القوة العظمى .
ولو نظرنا الى الحالة المصرية فيجب أن نعود أولا الى سلسلة مقالات بعنوان «مصر والحرب المقبلة» نشرها الدكتور محمد عمارة فى الثمانينيات نقلاً عن مجلة يصدرها البنتاجون (وزارة الدفاع الأمريكية) ونقلتها مجلة «كيفونيم» فى القدس ( فبراير 1982 ) كلام عن أن الخطة الاسرائيلية ـ الأمريكية تقضى بتقسيم مصر الى اربع دويلات:
1ـ سيناء وشرق الدلتا (تحت النفوذ اليهودي). ليتحقق حلم اليهود من النيل الى الفرات
2ـ الدولة النصرانية عاصمتها الاسكندرية، تمتد من جنوب بنى سويف حتى جنوب أسيوط وتتسع غربا لتضم الفيوم. ثم تمتد فى خط صحراوى عبر وادى النطرون الذى يربط هذه المنطقة بالاسكندرية، وتتسع مرة اخرى لتضم ايضا جزءا من المنطقة الساحلية الممتدة حتى مرسى مطروح.
3ـ دولة النوبة المتكاملة مع الاراضى الشمالية السودانية، عاصمتها اسوان، تربط الجزء الجنوبى الممتد من صعيد مصر حتى شمال السودان باسم «بلاد النوبة» بمنطقة الصحراء الكبري، لتلتحم مع دولة البربر التى سوف تمتد من جنوب المغرب حتى البحر الاحمر.
4ـ مصر الاسلامية عاصمتها القاهرة، تضم الجزء المتبقى من مصر، ويراد لها ان تكون ايضا تحت النفوذ الاسرائيلي. اذ انها تدخل فى نطاق «اسرائيل الكبري» كما رسم حدودها المشروع الصهيوني.
مصر الاربع دويلات هذه عادت الى التداول بعد فترة من قيام «الثورة المصرية»، عندما كشف المجلس العسكرى بصورة مفاجئة عن مؤامرة تستهدف وحدة البلاد الجغرافية محذراً من أخطار المرحلة المقبلة.
عملية الكشف تمت فى لقاء عدد من قيادات القوات المسلحة بممثلى ما يسمى «ائتلاف مجلس قيادة الثورة المصرية»، ابان فترة المجلس العسكرى بعد ثورة يناير عرضت خلاله وثائق تؤكد وجود مؤامرة داخلية وخارجية (لم تعرض تفاصيلها) لتقسيم مصر الى ثلاث دويلات نوبية وقبطية واسلامية. أحد أعضاء الائتلاف قال بعد الاجتماع: «إن هذه الوثائق تكشف عن عدة أهداف وهى الوقيعة بين الشعب والشرطة لإغراق البلاد فى الفوضي، والتأثير على الحالة الاقتصادية والاجتماعية، والوقيعة بين الأقباط والمسلمين لزعزعة استقرار البلاد، وإظهار مصر فى صورة سيئة توحى للعالم بوجود فتنة طائفية». وأضاف: المؤامرة تهدف أيضاً إلى الوقيعة بين الشعب والجيش لمعاقبة القوات المسلحة على وقوفها إلى جانب الثورة وحمايتها، وأيضاً التأثير على القوة العسكرية للدولة وإضعافها.
وأوضح الجيش أن الهدف النهائى من كل ما سبق هو تفتيت مصر إلى دويلات صغيرة، وأشارَ إلى أن ذلك يأتى فى إطار خطة أوسع لتقسيم الدول العربية مثلما حدث مع السودان، والمحاولات التى جرت فى العراق وتجرى حالياً فى ليبيا، كى تصبح مصر فى غاية الضعف أمام إسرائيل بحيث تكون اسرائيل هى مخلب القط فى الشرق الأوسط الجديد.
وبشيء من التفصيل فهناك مخطط امريكى اسرائيلى لتقسيم (أو اعادة تقسيم) العالم العربى الى كانتونات عرقية وطائفية، حيثً أن الولايات المتحدة عملت على إعداد مجموعات فاعلة من الشباب العربى تقود «الثورات» القائمة تحت شعارات «الديمقراطية» فى خدمة هذا المشروع، بدليل أن عدداً من شباب «الثورة المصرية» تدربوا فى امريكا منذ العام 2005 على برامج تحمل عنوان الديمقراطية ومهارات التنظيم السياسي
واختلاف التعبيرات بين الشرق الاوسط الكبير أو الجديد أو الموسع فى السياسة الخارجية الامريكية، تزامن مع تدشين مشروع خط انابيب النفط (باكو ـ تبليسى جيهان)، فى شرق البحر الابيض المتوسط، كما ان عبارة «الشرق الاوسط الجديد» وصلت الى اوجها، فى تصريحات وزيرة خارجية امريكا ورئيس وزراء اسرائيل، فى عز الحصار الاسرائيلى للبنان فى العام 2006، بدعم انجلو ـ امريكي، يوم أبلغ أولمرت ورايس وسائل الاعلام العالمية أن «مشروعاً لخلق شرق اوسط جديد، قد انطلق من لبنان».
هذا الاعلان شكل تأكيدا لوجود «خريطة طريق عسكرية»، بريطانية ـ اميركية ـ اسرائيلية، فى الشرق الاوسط. هذا المشروع الذى كان فى مراحله التحضيرية منذ سنوات عدة يقضى بخلق قوس من عدم الاستقرار، والفوضي، والعنف، يمتد من لبنان الى فلسطين وسوريا والعراق، والخليج العربى وايران وصولا الى حدود افغانستان الشرقية والشمالية، مرورا بدول شمال افريقيا.
833 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع