"طارق عزيز" لغز "البعث" العراقي الغامض ؟!!

      

النخيل-المقابلة الصحفية ألأخيرة التي أجراها القيادي البعثي ونائب رئيس الوزراء العراقي السابق طارق عزيز مع صحيفة الغارديان البريطانية من سجنه البغدادي ربما تمثل عودة إعلامية قوية وملفتة للنظر لتسليط الأضواء الدولية الخافتة مجددا على ملف طارق عزيز الذي كان واحدا من أهم رموز نظام صدام حسين في العراق ، كما كان رمزا بعثيا مهما من رموز الحزب الذي أشتهر بقلة الكفاءات العاملة في صفوفه و بكونه الحزب العراقي الأفقر على صعيد المفكرين السياسيين المحترفين.

طارق عزيز ليس فقط المسيحي العراقي الوحيد في النظام البعثي العلماني السابق بل كان يعتبر من المفكرين البعثيين و من العاملين في مكتب الإعلام القومي التابع للحزب ...

  

كما أنه أحد رجال الإعلام البعثي الأوائل إضافة لتكليفه منذ الثمانينيات بملف الدبلوماسية العراقية في الخارج و الذي على يديه و يا لسخرية الأقدار تمت إعادة العلاقات الدبلوماسية بين العراق و الولايات المتدة عام 1984 رسميا وهي المقطوعة منذ عام 1967 أيام نظام الرئيس الراحل عبد الرحمن عارف

    

لقد عرف طارق عزيز بعلاقاته الوثيقة مع العديد من القيادات الغربية الأوروبية كالفرنسية و الألمانية و النمساوية كما كانت له لقاءاته مع الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريغان إضافة لدوره المعروف في التغطية على قصة ضرب الطيران العراقي للفرقاطة ألأمريكية ( ستارك ) في مياه الخليج العربي ومصرع 37 من رجال المارينز الأمريكي عام 1987 .

وحيث قال وقتها عبارته المشهورة ( لقد كان الأمر مجرد خطأ )!، ولعل سخرية الأقدار أن يتم القبض عليه من قبل القوات الأمريكية ذاتها بعد أيام من سقوط سيده صدام حسين وأن يظل معتقلا وهو في حالة صحية حرجة طيلة أكثر من سبعة أعوام قبل أن يسلم قبل أسابيع قليلة لمسؤولية الحكومة العراقية وهو الذي عمل طويلا في ملفات تعاون سياسي و أمني كبيرة للغاية مع الولايات المتحدة و الغرب عموما!! بينما لم تتم محاسبة و ملاحقة العديد من القياديين البعثيين السابقين من أمثال وزير الخارجية العراقي الأخير ناجي صبري الحديثي الذي يحمل اليوم الجنسية القطرية!!..

               

ولا المهرج و الإرهابي المعروف محمد سعيد الصحاف الذي يعيش متعة اللجوء على سواحل الخليج العربي الساحرة وأولئك كانوا شركاء لطارق عزيز في النظام السابق و تحملوا مسؤوليات مشابهة تماما لما تحمله طارق عزيز لا بل أن عدوانية وصفاقة وحقارة الصحاف مثلا تتفوق بمراحل على أساليب طارق عزيز؟ ومع ذلك فقد نجا الآخرون فيما غرق عزيز في البهذلة الأمريكية المطلقة و الغريبة؟ والطريف أنه حتى اخو صدام المعتقل حاليا وهو(وطبان التكريتي) كان قد وجه قبل شهور في قفص المحكمة وعلنا أمام الناس إهانات بالغة بالشتائم وحتى البصق ضد طارق عزيز وكان أن يهجم عليه و يضربه علنا رغم أنه كان يدافع ولا زال عن صدام حسين ولم يقل كلمة سوء ولا حتى إنتقاد بحقه وظل ملتزما بولائه له حتى وهو في أضعف حالاته!!.

فما السر ياترى ؟ ولماذا أفلت الآخرون فيما غرق هو ؟ رغم أنه على مستوى إتخاذ القرار في العراق في ظل النظام الشمولي السابق فإنه لاقيمة أبدا لطارق عزيز في الفعل القيادي بل كان شخصا منفذا للسياسات وليس صانعا لها ، وكان منذ بداية عهد نظام البعث عام 1968 مكروها من الرئيس السابق أحمد حسن البكر لأسباب شخصية محضة حيث كان يصفه بكونه ( إبن الق...)؟ وفقا لمعلومات خاصة؟ ورغم ذلك فإن صدام حسين بسط عليه حمايته وتقلد طارق عزيز في عهد البكر مسؤولية وزارة الأعلام و التثقيف القومي في القيادة القومية للحزب كما كان من رجال السلطة البارزين وهو من البعثيين القدماء وسبق له أن أمضى فترة من الحبس في سجن النظام السوري في الحلبوني في دمشق بعد عام 1966 بعد ما عرف بحركة 23 شباط 1966 و إنقلاب أهل اللجنة العسكرية السورية على القيادة القومية للبعث و الإطاحة بأمين الحافظ وعفلق و العيسمي و منيف الرزاز ، و من ثم حملات التصفية للبعثيين و الذين كانوا مرتبطين بالقيادة العفلقية!!.

    

وطارق عزيز الذي دخل لمسارب السلطة العراقية إعتبارا من عام 1970 هو واحد من أقدم وجوه النظام السابق و يمتلك معلومات هامة جدا عن كل مداخل و مخارج التاريخ السري و الدبلوماسي لنظام البعث وهو منجم للمعلومات الخاصة و السرية جدا ومع ذلك فقد تم إهماله أمريكيا بدرجة مروعة جدا و مثيرة للإستغراب لكون إرتباطه ومجمل النظام البعثي بالدوائر الغربية كان إرنتباطا مصيريا و فاعلا ومع ذلك فقد تم إهماله عند أول منعطف و تحول في المسار التكتيكي للسياسات الغربية المتحولة و التي لا تعرف الوفاء و لا الصداقات الدائمة بل المصالح الدائمة ..

  

ولعل الصورة النمطية و المشهورة التي إرتبطت بطارق عزيز هي صورة ذلك اللقاء ألأخير الذي جمع بينه و بين وزير الخارجية ألأمريكي الأسبق جيمس بيكر في التاسع من يناير 1991 في جنيف حينما رفض عزيز تسلم رسالة الإنذار الموجهة لصدام من الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب و التي كانت تنص على ضرورة الإنسحاب من الكويت و إنهاء الإحتلال فورا و إلا كانت العواقب وخيمة وهو ما حصل بالفعل ؟ .

وحيث ترك طارق الرسالة على طاولة المفاوضات ورفض أن يتسلمها وحصل ما حصل بعد ذلك و تحررت الكويت و أنهزم النظام وشارف على الإنهيار الحتمي لولا ملفات الدبلوماسية الدولية الغامضة و المعقدة و التي تركت نظام البعث في حالة شلل سريري تام لمدة ثلاثة عشر عاما كاملات قبل أن يطاح به في واحدة من أغرب عجائب التحولات الدولية ، لقد أتهم طارق عزيز بملفات تورط في عمليات قمع داخلية في عهد نظام صدام حسين رغم أنه للحقيقة والتاريخ ليس من صلاحياته تلك الأمور بل كان وجها للدبلوماسية البعثية ولم يكن يملك قرارا على مستوى الفعل الداخلي الذي كان صدام حسين وحده هو من يقرره بكل حذافيره و تفاصيله ، وكان عزيزا كما أظهرته الوقائع و الأحداث مواليا بدرجة ملفتة للنظر لسيده السابق حتى وهو في أقسى حالات الضعف و الهوان و المذلة ، كما أنه يرفض إدانة العديد من الممارسات الخاطئة لنظام البعث رغم إقراره بالخطأ مبدأيا ، وهو موقف لم يظهره العديد من القياديين البعثيين السابقين سواءا من هرب منهم أو من تم إعتقاله ؟.

                 

ويبدو أنه مؤمن بقدره بعد أن شبع من السلطة و الإمتيازات التي تمرغل بها طيلة أكثر من ثلاثة عقود ، ولكن الأهمية التاريخية لذاكرة طارق عزيز و للأسرار التي يحملها لا تقدر بثمن ، ففي تلافيف دماغه وزوايا ذاكرته تكمن أسرار مهمة و حساسة للغاية عن التحالفات الدولية السابقة للنظام الراحل و عن الكثير من الخفايا و الملفات الحزبية الداخلية و التي لم تلق المحاكمات الجنائية التي تمت أية أضواء عليها ، أعتقد بضرورة تشكيل لجنة من المؤرخين العراقيين العلميين و الموضوعيين لنبش ذاكرة و تجربة طارق عزيز و معلوماته السرية و التاريخية عن أعقد مرحلة من تاريخ العراق السياسي المعاصر ؟ طبعا لا أتوقع أي إستجابة لهذا الإقتراح لأن الحكومة العراقية في واد آخر لا علاقة له أبدا بمصالح العراق بقدر مصالح الأحزاب الطائفية و الدينية المريضة و إمتيازاتها الخرافية ، لقد تشتت و تبخر النظام الذي كان بفعل القوة الأمريكية المفرطة فيما فشل العراقيون في الحفاظ حتى على الذاكرة التاريخية القريبة و التي عوضوها بالنبش في تاريخ معارك ( الجمل ) و ( صفين ) و ( عين الوردة )!! فضلا عن الصراع العلوي / العباسي ودور المخابرات السورية في معركة (صفين )؟.. ثقوب الذاكرة العراقية قد تجاوزت حدود الفضيحة بكثير.. أما طارق عزيز و ما يمثله فقد كان صرحا من خيال فهوى!!.

المصدر:http://www.nakhelnews.com/pages/news.php?nid=21484

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

875 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع