لعبتان تدوران حاليا في العراق، احداهما تحت قبة البرلمان ووراء كواليسه يتخللها لوي الاذرع والتقاوي والاخرى تدور في العراء بين مسلحين ومدنيين عزل. أدوات الاخيرة الدين والسلاح والقوة.
منذ حزيران ومسؤولون دوليون وأجانب يصفون ما يجري في العراق بكونه خطرا وجوديا ويحثون جميع السياسيين على تجاوز المشاكل في اقرب وقت ممكن لمنع الانهيار.
آخر المتحدثين في هذا الاطار كان امين عام الامم المتحدة بان كي مون الذي زار العراق ليوم واحد توجه خلاله الى ثلاث مدن فيه هي اولا بغداد حيث التقى رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي ورئيس مجلس النواب سليم الجبوري ثم النجف للقاء المرجع الديني علي السستاني وأخيرا انهى الزيارة في اربيل حيث عقد لقاءا مع رئيس اقليم كردستان مسعود برزاني.
وفي كل مكان زاره تحدث كي مون عن ضرورة الاسراع في تشكيل الحكومة وتوحيد الصفوف لحل الازمة.
هذه التحركات السياسية الدولية رافقها في اليوم نفسه اختيار رئيس للجمهورية من كتلة التحالف الكردستاني في مجلس النواب وهو الشخصية السياسية المعروفة فؤاد معصوم تمهيدا لتشكيل الحكومة المقبلة واختيار رئيس الوزراء الجديد.
كل هذا يعطي انطباعا بأن هناك بالفعل جمهورية قائمة وفعلية في العراق وان هناك سلطة حقيقية للدولة في جميع المناطق ... غير ان متابعة بسيطة للواقع تثبت ان واقع الحال مختلف تماما.
فالجميع يعرف ان مسلحي ما يدعى بالدولة الاسلامية قاموا بإلغاء كل وجود للسلطات الحكومية في مناطق واسعة من البلاد ابتداءا بالموصل في الشمال ونزولا الى حزام بغداد تقريبا رغم وعود المسؤولين في بغداد بأنهم سيحررون الارض السليبة.
المسلحون الغوا الدولة وازاحوا السكان
اهم ما فعله هؤلاء المسلحون بعد سلبهم الارض هو اخلاؤها من سكانها من الاقليات وتحدث مسؤولون عن نزوح اكثر من مليون شخص من ابناء هذه الاقليات تحت مرأى ومسمع من العالم اجمع وعن اوضاعهم المأساوية، ومنهم محمد الخزاعي الامين العام المساعد في جمعية الهلال الاحمر العراقي.
النار تشتعل في كنيسة في الموصل عمرها 1800 عامالنار تشتعل في كنيسة في الموصل عمرها 1800 عام
واضافة الى اخلاء الارض من سكانها ارتكب المسلحون فظائع بحق الآثار والمباني التاريخية في المناطق التي فرضوا سلطتهم فيها حيث احرقوا الكنائس ونبشوا قبورا تاريخية وفجروا مراقد وحتى مساجد وحسينيات.
ويرى مراقبون تحدثت اليهم اذاعة العراق الحر، تعقيبا على ما يجري تداول الحديث عنه، بشأن خطر وجودي يتربص بالعراق كدولة، يرى هؤلاء ان خارطة جديدة يتم رسمها في العراق مشيرين الى ان التطهير الذي ينفذه الاسلاميون الان سينتهي الى انشاء منطقتين واضحتي المعالم والانتماء احداهما تقوم على الطائفة والاخرى تقوم على القومية.
الاولى تمثل السنة المتشددين والاخرى تمثل الاكراد الذين وسعوا نطاق منطقتهم منذ سقوط الموصل بنسبة تصل الى 40 بالمائة مقارنة بالفترة السابقة.
هذا الواقع الجديد وضع الاخرين من غير الاكراد ومن غير المتشددين امام وضع صعب للغاية لأنهم اقتلعوا من جذورهم بين عشية وضحاها وسيكون عليهم ان يقرروا الان الى اي جزء من هذه الارض ينتمون وفي اي مكان يمكنهم ان يقيموا وان يتم قبولهم فيه.
وامام هذا الخيار الصعب يجد الالاف انفسهم يعيشون في العراء او تحت خيم مؤقتة ولا يعرفون اين يولون وجوههم.
وكالة رويترز للانباء لاحظت في احد تقاريرها ان التطهير العرقي شمل المسيحيين والتركمان الشيعة والشبك واليزيديين.
وقال يونادم كنا، رئيس كتلة الرافدين المسيحية لإذاعة العراق الحر إن هناك قرى وبلدات كاملة تم اخلاؤها من سكانها ووصف المناطق المحاذية لاقليم كردستان بكونها مناطق صراع حقيقي وامن ضعيف حيث لم يعد للسلطة الاتحادية اي جندي او عسكري ولا يؤدي دور اللاعب فيها غير قوتين فقط. الاولى تمثل مسلحي الدولة الاسلامية والثاني تمثل قوات البيشمرغة. اما الحكومة فلم يعد لها وجود عسكري في هذه المناطق على الاطلاق، حسب قوله وهذا يعني ان الحكومة ليست قادرة على حماية احد هناك وهو ما دفعنا، والكلام ما يزال لكنا، الى المطالبة بدعم وحماية دوليين لانقاذ هذه المكونات من الابادة.
في هذه الاثناء تؤكد السلطات في بغداد وفي اربيل وقوفها الى جانب المرحلين وسعيها الى تقديم العون والمساعدة لهم.
هل تستطيع الدولة حماية ابنائها
يعتقد رئيس مركز الدراسات الستراتيجية واثق الهاشمي أن الدولة العراقية تقف عاجزة عن مد يد العون للمتضررين من ابنائها ايا كان انتماؤهم وعزا ذلك الى ضخامة المشكلة اولا والى عمق الخلافات السياسية ثانيا كما اشار ايضا الى عدم وجود مؤسسات فاعلة قادرة على التعامل مع الازمات عند وقوعها.
في الموصل، في 21 تموز 2014في الموصل، في 21 تموز 2014
ورأى انور الحيدري استاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، أن ما يحدث اليوم وما تتعرض له الاقليات يمثل حلقة جديدة من مسلسل طويل في خطة تستهدف وجود العراق بشكل عام منفذوها قادمون من الخارج وهؤلاء لا يحترمون اي شئ في البلد لا الحكومة ولا الشعب ولا الاقليات كما يقضون على كل من يعارضونهم فكريا.
الحيدري لاحظ أن الحكومة تمر بمرحلة انتقالية ثم اقر بعدم قدرتها على اعانة النازحين بالشكل المطلوب كما اشار هو الاخر الى غياب المؤسسات المعنية بالتعامل مع الازمات بمستوى الحدث.
وقال فلاح الياسري عضو مفوضية حقوق الانسان إن من واجب الدولة ان تحمي جميع المكونات لا مكونا واحدا فقط غير ان ذلك يحتاج الى دعم اقليمي ودولي، حسب قوله، باعتبار أن العراق يواجه الارهاب نيابة عن العالم، مشيرا الى ان عدد المهجرين تجاوز المليون شخص واغلبهم يفتقد الى اساسيات الحياة الكريمة.
العالم يكتفي بالادانة
زار امين عام الامم المتحدة بان كي مون العراق يوم اختيار رئيس الجمهورية في مجلس النواب وعبر عن تضامنه مع العراقيين واعلن ادانته انتهاكات حقوق الانسان في المناطق التي يسيطر عليها مسلحو داعش.
من جانبه اكد رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي في المؤتمر الصحفي الذي جمعه بكي مون، اكد ان زيارة المسؤول الدولي إنما تؤكد بشكل واضح مدى الدعم الدعم الدولي الذي يتمتع به العراق.
وكان مجلس الامن الدولي قد عبر عن قلقه من انباء اشارت الى تعرض الاقليات الدينية والعرقية في الموصل الى تهديدات ثم أدان الارهاب بجميع اشكاله ونبه الى ان ممارسات داعش تمثل جريمة ضد الانسانية، غير انه اكتفى بدعوة الحكومة العراقية الى تكثيف الجهود للتصدي لهذه التهديدات.
وما لبث العراق أن طالب المجلس لاحقا بعدم الاكتفاء بالادانة وببيانات الاستنكار كما جاء على لسان مندوب العراق في المنظمة الدولية محمد علي الحكيم الذي دعا المجلس الى اتخاذ اجراءات فعلية ودعم تنفيذ بيانات المجلس وقراراته وفرض العقوبات وحظر الانشطة الداعية للفكر التكفيري.
ورأى محللون تحدثت اليهم اذاعة العراق الحر، ومنهم واثق الهاشمي أن زيارة بان كي مون الى العراق تعبر بالفعل عن الدعم غير انه دعم معنوي لا غير.
ورأى حميد فاضل استاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد هو الاخر ان الدعم الدولي للعراق يقتصر على الجانب المعنوي والدبلوماسي وعبر عن استغرابه لموقف الولايات المتحدة كما عبر عن استغرابه للصمت الدولي عن قضية النازحين الذين تجاوز عددهم المليون وهي قضية انسانية قبل اي شئ آخر.
996 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع