واشنطن ــ أسامة أبو ارشيد:كان من المفترض أن يُنظر إلى استضافة البيت الأبيض للإفطار الرمضاني السنوي السادس، تحت إدارة الرئيس باراك أوباما، كبادرة رسمية إيجابية نحو المسلمين الأميركيين، بشكل خاص، والمسلمين بشكل عام. غير أن الإفطار البيضاوي الرمضاني لهذا العام، والذي ضم دبلوماسيين عرباً ومسلمين، وشخصيات مسلمة أميركية، أثار جدلاً حاداً.
فسياق هذه المائدة الرئاسية الرمضانية، وخصوصاً في ما يتعلق بموقف واشنطن المساند لإسرائيل في عدوانها على قطاع غزة، والكشف قبل ذلك بأسابيع قليلة عن تنصت وكالة الأمن القومي الأميركي على شخصيات إسلامية أميركية، ومن ثمَّ كيفية إخراج هذا الإفطار ودعوة السفير الإسرائيلي إليه، ودفاع أوباما خلاله عن "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، غطّى على أي "بوادر حسن نية" رئاسية، هذا إن توفرت أصلاً.
إهانة المضيف للضيوف
غير أن أكثر ما أثار الجدل في حفل الإفطار، يوم الاثنين الماضي، تمثّل في أمرين اثنين، الأول: دعوة السفير الإسرائيلي إليه، وهي ليست المرة الأولى، فقد سبق أن دعي سفير إسرائيل إلى إفطارات رمضانية سابقة في البيت الأبيض. والثاني، وهو الأكثر إهانة، فقد تمثل في دفاع أوباما عمّا وصفه بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها أمام صواريخ المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، من دون أدنى إشارة إلى جرائم الاحتلال، اللّهُمَّ إلا تعبيره البارد عن التعاطف مع المدنيين من الجانبين.
ولكي تكتمل أركان الإهانة الرئاسية للضيوف من المسلمين الأميركيين، وغيرهم من الدبلوماسيين العرب والمسلمين، فإن السفير الإسرائيلي، رون ديرمر، لم يفوّت الفرصة، فغرّد من داخل الإفطار الرمضاني البيضاوي: "في إفطار البيت الأبيض، نقدّر البيان القوي من قبل الرئيس أوباما عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".
كل هذا تمَّ دون إبداء أدنى مظهر امتعاض من قبل المدعوين المسلمين الذين تلقوا الإهانات وبلعوها وكأن شيئاً لم يكن. بل إنه، وحسب أحد الحاضرين المسلمين الشباب من أصول فلسطينية، والذي كتب في ما بعد عمّا حصل في ذلك الإفطار، فإن معظم الدبلوماسيين العرب والمسلمين، والشخصيات الإسلامية المدعوة، كانت مشغولة أكثر بالحديث عن نوعية الطعام وترتيب مقاعد جلوسها.
وما ضاعف من جرعات الإهانة التي تلقاها أولئك المدعوون، ومن بينهم عضوا الكونغرس المسلمَين، أندري كارسين وكيث أليسون، وهما من الحزب الديمقراطي، حزب أوباما نفسه، أن أوباما لم يلبث إلا قليلاً بعد الإفطار، وسارع إلى المغادرة، وترك ضيوفه مع مسؤولين آخرين من إدارته. وَجْهُ الإهانة هنا، أن النائب كيث أليسون، مثلاً، كان من الذين جادلوا بأن المسلمين الأميركيين لا ينبغي أن يقاطعوا حفل الإفطار السنوي في البيت الأبيض. فبحسب منطق أليسون، فإن حركة الحقوق المدنية السوداء التي استخدمت "سلاح" المقاطعة في خمسينيات وستينيات القرن الماضي في سياق سعيها للتحرّر من التمييز العنصري، لم تكن تتمتع بقنوات للتواصل مع البيت الأبيض، على عكس المسلمين الأميركيين اليوم. وبالتالي، جادل أليسون بأنه من الأفضل الحضور لطرح قضايا التجسس على المسلمين الأميركيين وموقف الإدارة من العدوان الإسرائيلي على غزة، وغيرها من الأمور التي تهم المسلمين الأميركيين، مباشرة مع الرئيس، غير أن الرئيس لم يعطهم تلك الفرصة.
وكانت نقاشات ساخنة قد دارت في صفوف الجالية العربية والمسلمة الأميركية حول الإفطار الرئاسي، إذ دعت بعض المنظمات العربية والإسلامية، كـ"الجمعية العربية لمكافحة التمييز" (إي. دي. سي)، وهي منظمة علمانية عربية، إلى عدم تلبية دعوة البيت الأبيض للمائدة الرمضانية هذا العام، على خلفية مواقف إدارة أوباما من حقوق العرب والمسلمين الأميركيين، فضلاً عن موقفها المتواطئ مع العدوان الصهيوني على قطاع غزة. في المقابل، جادلت منظمات أخرى، كـ"مجلس الشؤون العامة الإسلامية" (إمباك)، وهي منظمة ذات تأثير محدود في صفوف الجالية المسلمة، بضرورة تلبية الدعوة بذريعة التواصل مع أركان الإدارة الأميركية حول القضايا التي تهم المسلمين الأميركيين، فضلاً عن قضية العدوان على قطاع غزة.
وفي سياق الجدل داخل صفوف الجالية، فقد أثارت دعوة السفير الإسرائيلي إلى مأدبة الإفطار الرمضانية، استنكاراً واسعاً من قبل عديد من الناشطين. وتساءل كثيرون منهم حول ما إذا كان أوباما سيجرؤ على دعوة أي مسلم إلى احتفال يهودي سنوي يقام في البيت الأبيض، وهو ما لم يحصل يوماً. وذكّر هؤلاء بأنه حتى الرئيس جورج بوش الإبن، لم يدعُ سفيراً إسرائيلياً إلى حفل إفطار رمضاني في البيت الأبيض طيلة سنوات حكمه الثماني.
وعند التدقيق في هوية المدعوين إلى الإفطارات الرمضانية "الأوبامية"، يتبيّن أن معظمهم غير معروفين في صفوف الجالية المسلمة، بل إن الدعوة إلى الإفطار الأول تحت إدارة أوباما شملت ممثلة عن منظمة تسمى "الفاتحة"، أنشأها "مسلمون" أميركيون من المثليين الجنسيين.
بُعدٌ آخر يتعلّق بمَن استُثني من الدعوة، فكل المؤسسات الإسلامية الفاعلة والموجودة عملياً في صفوف الجالية المسلمة، جرى استثناؤها من هذه الدعوة، ومثال ذلك مجلس العلاقات الأميركية ـ الإسلامية، "كير"، وهي المؤسسة المدنية الحقوقية المسلمة الأكبر، والحلقة الأميركية ـ الإسلامية في شمال أميركا، "إكنا"، وهي تمثل المسلمين من أصول باكستانية، و"الجمعية الإسلامية ـ الأميركية" (ماس)، والتي تمثل كثيراً من العرب الأميركيين، و"الجمعية العربية لمكافحة التمييز" (إي. دي. سي)، وهي منظمة حقوقية مدنية عربية. المؤسسة الوحيدة التي لها وجود ودعيت لهذا الحفل، كما في السنوات السابقة، كانت "الجمعية الإسلامية في شمال أميركا" (إسنا)، وقد دعيت ممثلة بشخص رئيسها، الإمام محمد الماجد، وهو من أصول سودانية، وله مواقف كثيرة سابقة تحابي إسرائيل ولوبيها الأميركي.
وبحسب بعض قادة المؤسسات الإسلامية الأميركية من غير المدعوين، فإن كل المؤسسات التي تعمل في السياسة الأميركية، ولها موقف واضح في سياق القضية الفلسطينية، لم تُدعَ لحضور هذا الإفطار. بل إنه حتى الأئمة المسلمين المدعوين للإفطار، مشهود لهم بـ"حسن السلوك"، رسمياً، وذلك لابتعادهم عن كل ما هو موقف متعاطف مع قضايا العرب والمسلمين، أو المتورطة فيه الولايات المتحدة بشكل أو بآخر. واستثناء قادة المسلمين الأميركيين ذات التأثير الحقيقي، تقليد ورثه أوباما من حقبة بوش الإبن.
تقليد قديم وتوظيف سياسي
والإفطار الرمضاني في البيت الأبيض، هو تقليد بدأ في عام 1996 تحت إدارة الرئيس الأسبق، بيل كلينتون، بمبادرة من السيدة الأولى في ذلك الوقت، هيلاري كلينتون، واستمر خلال سنوات إدارة الرئيس السابق، جورج بوش، أي حتى بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001.
محافظة بوش الإبن على هذا التقليد المتّبع منذ سنوات كلينتون، جاء في سياق مختلف. فكل الإفطارات الرمضانية السنوية التي شهدها البيت الأبيض تحت رئاسته، سعت إدارة بوش إلى توظيفها كدليل، وإن لم يكن مقنعاً، على أن حربها على ما سمّته "الإرهاب"، لم تكن حرباً على الإسلام والمسلمين، والدليل الذي ساقته هو مثل تلك الإفطارات وبعض عبارات المديح والتقريظ التي كان يطلقها بوش بين الفينة والأخرى على الدين الإسلامي.
1130 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع