سوق الشورجة..من أرشيف المجلة
بغداد/ قيس عيدان:كنت وما زلت أستغرب كيف يتم بيع ثلاث علب من ( جبن المثلثات ) بألف دينار فقط ،
وأستغرب أكثـر كيف يتم بيع علبتي قيمر بـ ( 500 ) دينار، والمواد الغذائية المعلبة تباع بأرخص الأثمان، وغالبا كنت وما زلت أتساءل لماذا هذه المواد الغذائية المعلبة رخيصة بهذا الشكل؟
زميلي وهو احد أصحاب محال المواد الغذائية قال : لا تستغرب من رخص هذه المعلبات لان اغلبها ان لم اقل كلها منتهية الصلاحية.
قلت: لكني اقرأ تاريخ النفاذ وأرى أنه صالح للاستهلاك لأن التاريخ لم ينته بعد .
ابتسم زميلي وهو يقول : كل هذه التواريخ مزورة ، إذ يتم طبع ( ليبلات ) جديدة بتاريخ جديد.
حينها علمت فقط سبب رخص ثمن تلك المعلبات ، لكن ألم يفكر أولئك المزورون بصحة المواطن؟
سؤال ربما يعتقده البعض منكم بأنه ( بايخ) أمام جشع التجار .
إذن .... تعالوا نتعرف على كيفية تزوير تاريخ المعلبات.
نصحني فتاح وهو صاحب محل مواد غذائية بالقرب من سكني بان لا اشترى معجون الطماطم المعتاد وهو المفضل للطبخ كما حرص جمال وهو صاحب محل آخر عن عدم شراء أجبان معلبة أغلبيتها مستوردة ، هذه النصح جعلتني اسأل عن الأسباب. ابلغني فتاح أن كميات كبيرة من المواد الغذائية غزت الأسواق حالياً بسبب الأوضاع الأمنية وغلق العديد من المنافذ مما جعل من أصحاب المخازن يستعينون بمواد طباعية بغية تغيير مدة الصلاحية لغرض تمشية مخزونهم .
الغريب ان تغيير تأريخ هذه المواد المنتهية الصلاحية تحمل ماركات معروفة وعالمية .
المدى ... سلطت الضوء على هذه الحالة الواسعة والمنتشرة لكن وبعد زيارة العديد من المحال وجدت ان الكميات التي سوقت إلى الأسواق تعد بالأمر الخطر جدا لما فيه من مشاكل صحية على الفرد.
( المدى ) استطلعت العديد من آراء المواطنين والعاملين في تلك المحال وتترك للقارئ الرأي بذلك .
الدعوة إلى تفعيل الأمن الاقتصادي وتشديد العقوبة
المواطن جاسم محمد 24 عاماً بين لـ ( المدى) لقد اصبح من الضروري وبإلحاح ان تقوم الجهات الأمنية والرقابية المختصّة بدورها المنوط بها إزاء مكافحة الغش والفساد الذي يشيع في الأسواق ،لأن ما يحدث الآن وبشكل معلن بيع مواد منتهية الصلاحية بشكل معلن يعد جريمة بحق المواطن . خاصة أنها تسهم بشكل مباشر في انتشار الأمراض السرطانية والمعوية خصوصاً في مجتمع يعاني العديد من الأمراض المزمنة بسبب المشاكل الداخلية الثى عصفت بالبلاد .
جاسم أضاف:ان المشكلة الأساس والحقيقية هي أخلاقية الذين يتعاملون ويتاجرون بتلك المواد ،فقد أصبحت معلنة وأصحابها لا يهابون أحدا ، فمن لا يردعه ضميره وأخلاقه ويعمل على تسميم المواطنين الأبرياء فلن يردعه أي رادع آخر رغم الإجراءات المشدّدة التي تقوم بها الجهات الرقابية .
جاسم دعا المعنيين في وزارة الداخلية إلى تفعيل وتشديد الجهد الرقابي وتنشيط دور الأمن الاقتصادي ويكون دوره بارزا ،كذلك دور مجلس القضاء في سن تشريعات قانونية تصل إلى عقوبة السجن بدلا من القوانين السارية حالياً ،إضافة إلى الضرر المباشر الذي يتعرض له المواطن في صحته وجسده كنتيجة حتميّة للأمراض التي تتسبب بها اللحوم والمواد الاستهلاكية الفاسدة والمنتهية الصلاحية مع الإشارة في هذا السياق إلى انه سُجل خلال السنوات والأشهر الماضية حدوث حالات تسمم كثيرة جرّاء تناول هذه المواد ولم تحرك الجهات المعنية ساكناً لمكافحتها فإن تجاوز هذه الأزمة لا يكون إلاّ من خلال تفعيل عمل الهيئات الرقابية في الوزرات المعنية والمختصّة وكذلك التشدّد باتخاذ الإجراءات بحق المرتكبين والعقوبات بحق الفاسدين والمفسدين لأن استمرار الحال على ما هو عليه يعني أننا أمام كارثة حقيقية .
القضية لاتهمّ المسؤولين
المواطن عباس عبد من سكنة الزعفرانية 52 عاماً يشير لـ ( المدى ) إلى أن موضوع المواد الفاسدة أو المنتهية الصلاحية والدواء المغشوش وغيرها من القضايا التي سيطر التجار عليها لا تشغل بال المسؤولين ،فانشغالهم في القضايا الكبرى يمنعهم من متابعة شؤون وشجون المواطنين فجمع الثروات أهمّ بكثير من وجهة نظرهم من مجرد التفكير بغلاء السلع والبضائع والمواد الاستهلاكية ووضع حدٍ للفلتان الحاصل في الأسواق والتلاعب بالأسعار ومكافحة الفساد ومحاربة انتشار المواد الغذائية المنتهية الصلاحية بلا قيمة، إذا ما قيست بمتابعة المشاريع التجارية الشخصية التي قد يكون منها صفقات الأغذية والأدوية الفاسدة.
عباس يتأسف لانتشار هذا الكم الهائل والكبير من الأطعمة والمأكولات الفاسدة في الأسواق والمحال التجارية يُؤشّر إلى حقيقتين كلتاهما مُرة ومؤلمة، فالأولى هي الغياب الكلّي والفاضح للجهات الرقابية التي لو قامت بما يمليه عليها الواجب المهني ولو بالحدود الدنيا لما وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه من فلتانٍ .
لاتوجد إحصائيات رسمية عن عدد المصابين بالتسمم الغذائي
الدكتور عمار صبحي زيدان اختصاص أمراض باطنية قال: إن فسح المجال للاستيراد بهذه الصورة العشوائية وبدون رقابة يأتي بمردود سلبي حيث يترك آثارا سلبيه خطرة من الجانب الصحي والبيئي إذ يؤدي إلى العديد من الحالات السلبية من خلال الجشع وهو هدف الثراء على حساب صحة وحياة الناس سواء كانت عن طريق الأغذية المستوردة الفاسدة أو من مجالات أخرى . عمار أشار إلى أن للجانب الغذائي دورا مهما في الحياة فكلنا نسعى للتبضع والتسوق بشكل يومي وما مطروح في الأسواق من بضائع وسلع غذائية نحن كمواطنين نجهل صلاحيتها للاستخدام وبالتالي أصبحت حياتنا مهددة بالخطر و أنها فوضي لاسيما تعددت المناشئ المثبتة أسفل كل علبه أو مادة غذائية وقيام المصدر نفسه بطباعة رقمية متخصصة في (الليبلات ) داخل المخازن .إن سلع المواد الغذائية المنتشرة بكثرة في الأسواق ما هي إلا استهانة بأرواح العراقيين فأغلب البحوث المختبرية تؤكد وجود مادة ملوثة قاتلة وساهمت هذه الأغذية بشكل مباشر في نشر حالات وبائية كثيرة وأخطرها الأمراض السرطانية، بالإضافة لحالات التسمم الكثيرة لمختلف الأعمار. عمار أضاف إلى أن الأغذية المستوردة المنتهية الصلاحية التي تنشط تجارتها في أسواق العراق انعكست سلبياً على الحياة العامة حيث لا توجد إحصائيات دقيقة للذين تعرضوا لحالات التسمم الحاد في مستشفيات العراق وبشكل يومي كالتسمم الكيماوي الميكروبي وأن بيع هذه المواد والسلع المستوردة الفاسدة بصورة غير شرعية نتيجته وباء مستديم وبالتالي يصعب القضاء عليه إلا بتضافر الجهود من قبل الجهات المعنية. إن أغلب الدول المنتجة للمواد الغذائية تفكر في تزايد الأرباح، على حساب المنتج .
سوء إدارة السياسة الاقتصادية والتجارية
أستاذ مادة الاقتصاد مجيد جهاد بين لـ ( المدى ) ان سوء إدارة السياسة الاقتصادية والتجارية في البلاد كانت من أهم أسباب تأخر العديد من القطاعات ومنها الصناعية وعدم تغطيها للسوق العراقية من المنتج المحلي وغيره لحماية الاقتصاد العراقي وتجارته التي أصابها العطب في السنوات الأخيرة . جهاد أوضح ان بقاءالاقتصاد العراقي وحسب الدراسات التي قام بها الخبراء والمختصون الاقتصاديون وكذلك السياسيون معتمدا على استيراد السلع والبضائع يؤدي بالضرورة إلى تكوين اقتصاد ومجتمع استهلاكي أحادي الجانب إذ تصبح الأموال المتحققة من تصدير النفط لا قيمة فعلية لها وإننا نقوم باستعمالها للتوريد بدلا من الاستفادة منها لإنتاج البضائع والسلع وإعادة تحصيل أموال أخرى وتشغيل الأيدي العاملة العاطلة والارتقاء بالبناء والخدمات وهي الأمور التي تفعلها معظم دول العالم حتى الفقيرة منها مع استثناءات قليلة .جهاد وفي ذات الصدد يرى ثمة أمران مهمان أولهما إن السلع التي يستوردها العراق التي تغزو السوق الآن النسبة الساحقة منها يمكن القول عنها إنها سلع كمالية (برغم ضرورتها) وان من السهل صناعتها في العراق إذا توفرت الإرادة والمصداقية والتخطيط المطلوب ولا نعتقد أن العراق بجميع طاقاته البشرية والمالية غير قادر على بناء مصانع عملاقة وان يكون للقطاع الخاص دورة بهذا المجال وان تسرع الحكومة على تفعيل القطاع الصناعي وتقديم جميع التسهيلات الخاصة بذلك وان تعفيه من الضريبة لمدة عشر سنوات قادمة .
المنتج المحلي غالي السعر
المواطن مصطفى يعمل في أسواق الربيع يشير لـ ( المدى ) إن المواد الغذائية التالفة وجدت طريقها إلى معدة أغلب المواطنين بدلاً من إلقائها في النفايات وأن هناك العديد من المواد الغذائية منتهية الصلاحية التي تباع بأسعار زهيدة ،فالمواطن البسيط والفقير لا يعرف مخاطر وضرر ذلك على صحته وحياته وعادةَ يفرح بسعرها .
مصطفي أشار إلى وجود أشخاص متخصصين باستيراد البضائع التالفة المنتهية الصلاحية ويقومون بتوزيعها في الأسواق المحلية وبيعها بأسعار أرخص من مثيلاتها السليمة. مضيفاً أن هناك بعض المنتجات لا تستطيع قراءة ما هو مطبوع عليها بسبب عدم تمييز أرقام وتواريخ الإنتاج المدمجة مع بعضها البعض، مبينا :يجب التأكد جيدا من تاريخ نفاد أي منتج مستورد ترغب في شرائه.كما ان انقطاع التيار الكهربائي وسوء التخزين إضافة إلى تكديس البضائع في المخازن لفترات زمنية طويلة، قياسا مع الفترة المحددة للبضاعة كذلك عدم وجود منتج محلي ينافس وان وجد فنشاهد عدم وجود طلب من المواطن للمنتج المحلي بسبب ارتفاع الأسعار وكلفة الإنتاج وعدم وجود استجابة من التجار لشراء المواد المنتجة في المصانع الأهلية لاعتبارات مالية .
التجار يستعينون بالطباعة الرقمية
نعمان عباس صاحب محل للمواد الغذائية أوضح لـ ( المدى ) أن غلق العديد من المنافذ الحدودية وخطورة دخول البضائع إلى البلاد بسبب الأوضاع الأمنية الحالية وقيام الحكومة بالعمل على اعتماد إجازة المنشأ من الدولة المستوردة سهل للتجار إدخال كميات كبيرة من المواد الغذائية المعلبة والمشروبات الغازية واللحوم والزيوت النباتية والأجبان من دول متعددة عبر منافذ العراق الحدودية ،وبهذا يعني عدم خضوع هذه المواد إلى فحص يؤكد صلاحيتها للاستخدام.
نعمان أكد لنا ان التجار استعانوا حاليا بالخزين القديم وقيام البعض منهم بطباعة حديثة لمدة الصلاحية ،إذ تتوفر طباعة رقمية وقد نجحت هذه التجربة وهناك كميات كبيرة مثل معجون الطماطم وسمك التونة والأجبان وحليب الأطفال وغيرها من المواد المستعملة بشكل مستمر في الطعام المنزلي وأغلبها منتهي الصلاحية .
أكثـر المواد المنتهية الصلاحية تأتي من دول الجوار
الدكتور الاختصاص ظافر سلمان هاشم يشير لـ ( المدى ) أن أغلب أمراض الجهاز الهضمي يأتي من سوء التغذية سواء كانت بسبب نقص الغذاء أو الإكثار منه أو انه يحتوي على بكتريا وفايروسات أخرى، كما ان الأغذية غير المستوفية للشروط الصحية تتسبب في أمراض عديدة ،فضلا عن وجود مواد غذائية منتهية الصلاحية وتباع في الأسواق بصورة علنية ، وهذه الأغذية ما لم يتم وضع ضوابط ورقابة عليها فإنها ستؤدي إلى شيوع العديد من الأمراض الخطرة. ظافر أشار إلى انتشار الاستيراد العشوائي للأغذية والعصائر والحلوى والمثلجات بشكل غير طبيعي .وقد لاحظت من خلال عملي كطبيب ان بعض الأمراض لا يمكن تشخيصها باكرا من قبل الأطباء نظرا لتشابه أعراضها مع أعراض أمراض أخرى بسيطة يمكن السيطرة عليها. وأنا من خلال اطلاعي على بعض التقارير الخاصة بالرقابة الصحية أستطيع ان أؤكد ان الأغذية القادمة من دول الجوار هي الأكثر ضررا كونها تستطيع استغلال فتح الحدود وتركها بدون رقابة كافية وإدخال البضائع التي لا تحتوي على شروط صحية وافية ،كما ان بعض التجار أدخل للعراق أغذية تحوي مواد مسرطنة أو حاملة للبكتريا كما ان الفحوصات التي أجرتها وزارة الصحة وجهاز التقييس والسيطرة النوعية أثبتت ان اغلب المنتجات القادمة من بعض دول الجوار تحتوي على مخالفات صريحة في مجال الصلاحية. وهناك اكثر من مادة أعلن عن عدم صلاحيتها من خلال وسائل الإعلام، لكن للأسف ما زال السوق العراقي يعج بأغذية ومشروبات وعصائر وألبان وحلويات غير مستوفية للشروط الصحية، والكارثة أنها تباع بأسعار منخفضة مما يجعل الإقبال عليها أكثر من غيرها.
مواد طباعية تسهّل عملية الغش
حسين الدهلكي وهو أحد تجار السبعينات بين لـ (لمدى) ان عملية بيع المواد المنتهية الصلاحية أصبحت ظاهرة بعد أحداث 2003 التي حصلت بالبلاد وظهور تجار جدد همهم الربح فقط ولا تهمهم صحة المواطن المبتلى بالأزمات، والمصيبة كما يقول التاجر ان البضاعة التي يطرحونها تنافس بضاعتنا من حيث السعر لكونها اقل سعرا من بضاعتنا المستوفية الشروط لكن مع ذلك زبائننا باقون معنا ويواظبون على التبضع منا لأنهم يعرفون من هو التاجر الذي يخشى الله عن التاجر الذي يمارس هذه الجريمة من دون رادع ديني أو أخلاقي وغياب هيبة القانون وان وجد فهناك مجال الرشوة للملمة القضية . حسين كشف ان تجار المواد التالفة تجدهم مسنودين من جهات متنفذة وهناك غياب واضح للرقابة من قبل الدولة على ما يحصل وهو حالة تجاهل لصحة المواطن ،فضلا عن كون تلك المواد رخيصة. وهناك مواد دخلت لبلد تسهل عملية الغش ،مثل الطبع والأدوات الحديثة بذلك .
إذن .... وبعد هذه اللقاءات نقول إن المعلبات المنتهية الصالحة ستبقى تملأ الأسواق والمحال التجارية ما دامت الرقابة ضعيفة ، وما دامت الطباعة الرقمية تعمل دون رقابة ، وربما تهون المواد الغذائية المنتهية الصالحة ، لكن ماذا تقولون عن علبة السكائر التي تباع بـ ( 250) ديناراً ! ماذا تحوي هذه السكائر من سموم ؟ ولماذا تباع بهذا السعر الرخيص جدا؟
أسئلة لا نجد إجابة عنها إلا عند أولئك التجار الذين باعوا ضمائرهم .
1480 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع