مدير شركة ريثون للانظمة الاستخبارية التكتيكية يؤشر بإصبعه على وسط بغداد المعروض بشاشة سيطرة لطائرات من دون طيار
بغداد ـ ناصر الجمّال:انتقد ضباط في المخابرات الاميركية سابقون وحاليون نشاط زملائهم ببغداد بشأن عدم قدرتهم على توقع سقوط الموصل، إلاّ ان ضابطا في جهاز المخابرات الوطني العراقي قال ان السي آي أي نشطة كفاية في البلد لتعرف تحركات داعش وما حدث في الموصل وغيرها قبل اكثر من عام.
وانتقد تقرير اميركي ضباط وكالة المخابرات المركزية الأميركية، CIA، واصفا اياهم بـ"المحاصرين" الى حد كبير في العراق بالمجمع المحصن بشدة ببغداد منذ مغادرة القوات الاميركية في 2011، حسب ما يقول ضباط حاليون وسابقون في المخابرات الاميركية، الامر الذي جعل شبكتهم الاستخبارية الثرية بالمصادر سابقا تذبل وتضعف.
ويقول ضباط اميركيون ان هذا هو السبب الكبير، الذي جعل الولايات المتحدة تؤخذ على حين غرة بالهجوم، الذي نفذته مجموعة سنية مدعومة من تنظيم القاعدة، واستولت فيه على مساحة واسعة من العراق.
جون ماغواير، الذي اسهم بإدارة عمليات السي آي أي في العراق في العام 2004، يقول ان "هذا مثال ساطع على تآكل عملنا في الشارع وشغلنا وقدرتنا على العمل في مكان صعب".
وكان ماغواير ضابط مخابرات في بيروت في أواخر الثمانينيات خلال حرب لبنان الأهلية الدموية. وأمضى اسبوعين يتنقل في بيوت آمنة بعيدة عن مقر السفارة الاميركية، يراوغ المسلحين الذين كانوا يريدون اختطاف الاميركيين وقتلهم. وفي العراق، حيث عمل ماغواير ايضا، بقيت محطة السي آي أي ببغداد واحدة من اكبر محطات المخابرات الاميركية حجما في العالم.
لكن المخابرات الاميركية في العراق لم تكن مستعدة للمخاطرة بإرسال أميركيين ليقوموا بنشاط تجنيد المخبرين واللقاء بهم.
والعراق مثال على الصعوبة التي يلاقيها الوعي الامني لدى المخابرات الاميركية في ممارسة التجسس الفاعل القوي في مناطق خطرة من دون وجود حماية عسكرية، حسب ما يقول ماغواير وضباط مخابرات حاليون وسابقون.
ويقول ماغواير وزملاؤه ان المناطق العمياء استخباريا تركت الولايات المتحدة وراء حركة الاحداث المتسارعة في العالم، سواء كان الأمر يتعلق بالتفكك في العراق، أو بتحرك روسيا في القرم، أو انهيار عدد من الحكومات خلال الربيع العربي.
لكن المتحدث باسم المخابرات الاميركية دين بويد، ومن دون ان يتعرض في حديثه بشكل مباشر عن موضع السي آي أي بالعراق، لاحظ ان 40 ضابطا قتلوا في الواجب منذ ايلول 2001. وقال ان اي ايحاء بأن "ضباط مخابراتنا جالسون في مكاتبهم، مختبئين في المناطق الخضراء، او انهم يعودون بسهولة الى السفارة" يعد "تجنيا" وهجوما على السي آي أي.
وقال بويد ان المنظومة الاستخبارية قدمت تحذيرات كثيرة الى ادارة اوباما بشأن امكانية تحرك داعش على مدن عراقية. وقال ان "أي أحد اطلع فعلا على حجم المعلومات التي قدمتها السي آي أي عن داعش والعراق لا ينبغي ان يتفاجأ بالوضع الحالي".
النائب مايك روجرز، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الاميركي، اتفق مع هذا الكلام قائلا ان "الامر لم يكن فشلا استخباريا ـ بل فشلا في سياسة التعامل" مع المعلومات الاستخبارية.
لكن مع ان ضباط المخابرات توقعوا سعي داعش للاستيلاء على أراض في العراق في العام الحالي، لكنهم على ما يبدو لم يتكهنوا بهجوم داعش في 10 من حزيران الجاري للاستيلاء على الموصل، الامر الذي منح المسلحين دفعا لتحقيق نجاحات أخرى. كما أعرب ضباط المخابرات عن تفاجئهم بسرعة انهيار الجيش العراقي، فضلا عن ان قادة الجيش الذين يتأملون حاليا تنفيذ ضربات جوية سريعة قالوا ان ليس هناك معلومات استخبارية كافية لتحديد الاهداف التي ينبغي ضربها.
ضابط كبير في المخابرات الاميركية اعترف ان "معلومات استخبارية كثيرة كنا نحصل عليها تدنت كثيرا في اعقاب الانسحاب من العراق في العام 2011، عندما فقدنا بعضا من عيون (وجودنا على الارض) على ما يجري".
وكشف المتحدث عن ان المخابرات الاميركية لا تعرف من يسيطر فعلا على أكبر مصافي العراق النفطية. وقال ان احد اكبر مصادر المعلومات الاستخبارية للمحلل الاميركي هو تعليقات "فيسبوك" و"تويتر".
وأنفقت الولايات المتحدة ما يقرب من 72 مليار دولار على جمع المعلومات الاستخبارية في العام 2013.
كيفن كارول، ضابط عمليات سابق في السي آي أي، له خبرة بمنطقة الشرق الاوسط، قال ان "من غير المعقول ان نتوقع" من المخابرات ان تجمع "من داخل سفارة بمنطقة حرب محصنة المعلومات الواسعة والعميقة، التي كانت تجمعها حينما كانت قواعد الجيش الاميركي وقواتها المنتشرة في العراق تساعد في اسناد عمليات السي آي أي".
إلا ان ماغواير وضباطا سابقين آخرين في المخابرات يرون أن السي آي أي سمحت بضمور النشاط التجسسي. ويقولون ان ضباط المخابرات الاميركية كانوا يعيشون في قواعد حصينة في عموم العراق خلال الاحتلال الاميركي، وكانوا يلتقون مرارا بعراقيين. لكن منذ ذلك الحين، لم يعد هناك نشاط تجسسي تقليدي. وكثيرا ما كان ضباط المخابرات يسافرون بحماية مواكب منظورة للجميع للقاء مصادرهم. وكانوا مطمئنين اثناء تجوالهم الى ان الجيش الاميركي كان موجودا في مكان ما قريبا منهم إذا ما حدث شيء. والمشكلات الامنية عادة ما كانت تجعل ضباط المخابرات السابقين يقتصرون في عملهم داخل قواعدهم.
ويقول ضباط مخابرات حاليون وسابقون، ان نهج السي آي أي يقوم الان على تفادي حدوث اشياء حدثت في العام 1984، عندما خطف مدير محطة السي آي أي ببيروت، وليم باكلي، من شقته بيد حزب الله وعذب حتى الموت. لكن هناك قواعد مخبرات تعرضت لهجمات، كما حدث في العام 2012 في بنغازي، في ليبيا، حيث قتل اثنان من متعاقدي السي آي أي الأربعة الاميركيين.
لكن اجهزة مخابرات اخرى تقبل بممارسة نشاطها بمزيد من الخطورة. ففي جهاز المخابرات الاسرائيلي، الموساد، معظم الضباط يمارسون عملهم خارج السفارات، بوصفهم مدنيين تحت ما يسميه الاميركيون "غطاء غير رسمي"، حسب ما يقول رونن بريغمن، الذي يغطي الشؤون الاستخبارية بجريدة يديعوت احرونوت الاسرائيلية ويعمل على وضع تاريخ الموساد.
ففي بلدان مثل ايران، حيث لا وجود لسفارة اسرائيلية، يرسل الموساد ضباطه للعيش في ايران والعمل على جمع المعلومات، وهم يعلمون انهم يعدمون إذا اكتشف أمرهم، حسب ما يقول بريغمن.
كما ان اسرائيل تستطيع استقطاب كثيرين من العرب الذين يتيح لهم مظهرهم التغطية على حقيقة عملهم كثيرا. لكن قادة المخابرات الاميركية كانوا يتحدثون منذ سنوات عن الحاجة الى تجنيد ضباط عمليات يمكن ان يعملوا تحت غطاء شديد وتدريبهم على اجادة لغات صعبة، غير ان ضباط مخابرات اميركية حاليين وسابقين يقولون ان هذا الاسلوب لم يتحقق بالمستوى المتوقع بعد هجمات 11/9.
مصادر في جهاز المخابرات الوطني العراقي قالوا إن الجهاز توقع ما يحدث في العراق منذ مدة طويلة.
وقال مصدر، شدد على حجب اسمه لعدم تخويله بالتصريح لوسائل الاعلام، إن معلومات كثيرة وفرها الجهاز الوطني لوزارتي الدفاع والداخلية إلاّ انهما لم يأخذا بها.
وأكد أن جهاز المخابرات الوطني زود وزارة الدفاع بمعلومات خاصة بسقوط الموصل تحديدا، وأن الوزارة تحركت.
إلاّ أن المصادر في المخابرات العراقية قالوا انهم لم يتوقعوا بالضبط انهيار المحافظة والقوات الامنية بهذه السرعة.
ومع ان المتحدثين قالوا ان هناك تعاونا جيدا بين المخابرات العراقية والسي آي أي، وأن الاخيرة توقعت ما يحدث في العراق الآن منذ ما يزيد عن السنة، بفضل شبكتها الاستخبارية في العراق ومعداتها، إلا ان المصادر من المخابرات العراقية قالوا ان السي آي أي لم تزودهم بمعلومات عما سيحدث.
1779 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع