جلال الحنفي يتذكر بغداد مطلع القرن العشرين .. من باب المعظم الى المربعة - البيوت التجارية - شرائع بغداد - المطبخ البغدادي
من كتاب (بغداد) للشيخ الحنفي
ادركت بغداد واستوعبت طراز الحياة فيها على مستوى شعبي، ولم تكن على عهدنا ذاك إلا مدينة صغيرة تبدأ بباب المعظم وتنتهي بالمربعة - طولا - ومن نهر دجلة الى ما يقرب شيئاً غير كثير من مقابر الشيخ عمر السهروردي - عرضاً - والمراد بهذا التحديد هو صوب الرصافة،..
اما صوب الكرخ فكان اصغر من ذلك ويربط بين الرصافة والكرخ جسر واحد من خشب يعتمد في ذلك على جساريات اشبه شيء بالقوارب الكبيرة وسيرد الكلام على ذلك غير مرة. وأدركت من ابوابها باب المعظم وقد هدم في العشرينيات والباب الوسطاني - وما زال قائماً - والباب الشرقي وقد هدم بعد ذلك.
وكان في بغداد شارع واحد هو جادة خليل باشا التي لم يكن قد مر على شقها سوى وقت قصير، لذا كانت ارصفتها ظاهرة عليها آثار التهديم ولم يدب دبيب العمران إلا في انحاء قليلة منها، ثم اطلق على هذه الجادة اسم شارع الرشيد.
واتذكر اني كنت اخرج من هناك احيانا من اجل الحصول على شيء من التراب الاحمر النقي لاقوم بعجنه وصنع بعض التماثيل منه اذ كان مطلوبا منا ذلك في درس (اعمال اليد) وانا في الرابع الابتدائي.
وقد اعتاد اهل بغداد ان يخرجوا الى جهة الشيخ عمر ايام العيد للتفرج والنزهة، وكانت تقام هناك مراجيح الاطفال ودواليب الهواء والفرارات، ويجتمع خلق من الناس معظمهم من الاطفال من اول الصباح حتى تجنح الشمس للغروب.
فان انتهت ايام العيد وهي ثلاثة للفطر واربعة للاضحى، انتهى كل ذلك الى انفضاض اذ (تفلش) المراجيح وتنقض عرى الدواليب. وكان مثل ذلك او بعضه يقع في باب المعظم وباب الشيخ وغيرهما من الاحياء الشعبية، وكان امتطاء الحمير المستأجرة من بعض حاجات الصبيان ذات الاولوية في العيد.
وادركت بغداد وهي مصيف الطيور المهاجرة وفي مقدمتها اللقالق التي كانت تتخذ اعشاشها على اعالي قباب المساجد والمآذن وبعض قباب الكنائس واجراسها وتظل ليالي الصيف تلقلق باصواتها التي الفها اهل بغداد وكانوا يستطيبونها ولا يضجرون منها.
على ان الناس لم تكن تأمن هذه اللقالق التي كانت تسطو على بعض القطع من الملابس وغيرها فتنقلها الى اعشاشها التي يأوي اليها ذكران اللقالق واناثها ومعها صغارها.
ولم يكن احد يؤذيها او يصطادها حتى ولو سقطت في البيوت والطرقات، مما قد يقع لها احياناً، ومن الطيور المهاجرة التي كانت كثيرة الظهور في بغداد ما يسمى (السند وهند) وهو الخطاف والسنونو اذ كانت هذه الطيور تبني اعشاشها في غرف البيوت الآهلة بالسكان ولا تخشى شيئاً ولم نكن نمسها بسوء اذ كنا نسمع التحذيرات الكثيرة من الاهل بأن الذين يتعرضون لهذه الطيور بشيء من الاذى يصابون بحمى شديدة وكانت الناس تخاف الحمى وتخشاها كل خشية.
وطريقة بناء العش الذي يقيم فيه هذا الطائر طريقة جميلة ونادرة في اعشاش الطيور.
وفي جيل الناس اليوم انتهى عهد هجرة اللقالق الى بغداد بالمرة. وهي هجرة كانت قد لفتت انظار كثير من السياح الاجانب ممن كانوا يزورون بغداد صيفاً.
وقد حاك العامة اقاصيص واناشيد في الكلام على اللقالق ومخاطبتها فكان الصبيان يرددونها في بعض العابهم ومن بعض الفاظها (لگلگ لگلگ بواگ الصابونة من جوه الرازونة) يلفظون ذلك بلحن يحفظونه. اذ كانت اللقالق تسمى لگالگ واحدها لگلگ. وادركت بغداد تمخر دجلتها البواخر التي تسمى مراكب واحدها مركب وغالب عملها النقل والتجارة وقد عرفت شريعة المصبغة بانها ميناء هذه البواخر. وما من احد في بغداد من ابناء جيل العشرينات لم يشاهد ذلك.
وهذا مما زال من بغداد نهائياً.
ونشأت لدى البغداديين في هذا امثال ومقولات كثيرة فيها ما هو جد وما هو هزل. فقولهم (مراكبه غرگانه) يقولونه في المغموم غما شديدا من دون ما يستوجب الاغتمام فكأنه تاجر غرقت مراكبه في البحر بما فيها من بضائع وسلع تجارية فركبه بذلك الهم العظيم. ومن اغانيهم الهزلية التي شاعت ايامذاك على عهد التسجيل الاسطواني اغنية (مركب فجل سويت وجروخة شلغم).
ومن هنا تكدست البيوتات التجارية في شارع النهر كبيت الشابندر وبيت الخضيري والبيت التجاري الانكليزي المسمى ستيفن لنج كما ان القنصلية البريطانية كانت في هذا الشارع حتى اوائل القرن العشرين اذ اتخذت مقرها بعد ذلك في السنك ولم يكن ثمة جسر في هذه الجهة بل كانت مكانه سكاليل تباع فيها الاحطاب والمواد الخشبية المستعملة في البناء. ولقد كنا نرى سكاليل الحطب كثيرة في البلد منها ما كان في محلة السور وفي محلة الحاج فتحي وفي شارع النهر وغيرها.
لقد الف المطبخ البغدادي استعمال الحطب في الطبخ وما من رجل كان صبياً في تلك الايام ولا امراة إلا نفخت النار تحت قدر الطعام لاسيما ان كان الحطب طرياً. ومن هنا جاء قول القائلة: (نفخت وطبخت) وفي الامثال البغدادية (خلص النهار بنفخ النار) اي انتهى النهار بهذا الجهد الثقيل المتعب.
وقالوا في بعض امثالهم: (دخانك عماني وطبيخك ماجاني) يقال في الجار لا يكرم جاره ببعض طعامه . وربما تأثر الطعام المطبوخ بدخان الحطب فظهر ذلك في مذاقه فيقال فيه (مدخن).
ونحن ادركنا هذا وعشناه وعايشناه. وكنا نرى باعة الحطب يحملون على ظهورهم حزما منه ينادون عليها في الطريق، ومن اغلى انواعها (البرماجة) وعرفنا انواعاً من حطب الطبخ احسنها الطرفة. وربما اشترى الفقراء العاكول الاخضر فطبخوا به طبيخهم فاكثروا النفخ فيه. والاستعانة بالاطفال على هذا كانت مالوفة. والموقد الذي رايناه ايام طفولتنا هو الموقد العربي القديم باثافيه الثلاث.
ورأينا بعض التطور في ادوات الطبخ والاته اواخر العشرينات اذ ظهرت البريمزات – جمع بريمز – التي تعمل بالنفط وشاهدنا مطابخ نفطية تعمل بالفتائل الثلاث بعضها بفتيلتين ولم تظهر المواقد النفطية المكتملة التطور إلا بعد حين طويل.
وكان الفحم وهو انواع منه (فحم كراجي) ويستحسن الناس استعماله في اعداد الشاي بالسماورات والمناقل.
ويستعمل ايضاً للاوتيات جمع اوتي اي المكواة التي تسوى بها الملابس المغسولة ويستعمل في النواركيل كذلك وقالوا في المفلس: (مضروب جيبه اوتي) ومن انواع الفحم فحم الشوك ويستعمله جماعة الجايجية في الغالب..
وشاهدنا بغداد والناس تشرب ماءها من الحباب التي تملأ من قبل السقاقي الذين كانت لهم في بغداد احياء تلم شملهم احيانا. وللعامة في السقاقي – جمع سقا وعمله انه يساقي امثال عديدة منها في صفة المكدود الضيق الرزق: مثل (السقا من يطلع من المي تيبس ذياله) وفيها (كالوا له للسقا جب صار جيرة ولزك بالحب) اي ان السقا اذا طلب منه عدد من القرب زاد على ذلك ليصيب من اثمان قربه ما يعيش به. ولكن المثل يضرب في اللجاجة!!.
ادركت بغداد واهلها يشربون من حباب الماء، وكنا اذ نشرب الماء منها نرى "العلك" – العلق – يسبح فيه فننحيه ما استطعنا ثم نشرب الماء – وانما ننحي ما كبر منه وظهر للعين المجردة اذ كان السقاء يملا الحباب هذه بماء يغترفه من ساحل النهر، وهو وغيره وبعض الدواب تخوض فيه بالاقدام الى جوار من يسبح من الناس ومن يغسل في النهر ما يغسل من اشياء. واذا اخلص السقاء واراد ان يحسن الخدمة ويرضي مستأجريه في اداء المهمة اوغل في النهر فاستقى من مواقع بعيدة عن الشاطيء.
وكانت في بغداد شرائع تنفذ منها بغداد الى دجلة منها شريعة المجيدية – مدينة الطب – والميدان والنواب (في شارع المستنصر) والمربعة. وكانت للقرب سوق – للحاجة اليها في اكثر من امر – فانها كان يقوم عليها بناء الاكلاك – جمع كلك واسطة نهرية انتفت الحاجة اليها منذ حين - .
كما كانت القرب تتخذ اوعية لنقل المياه الثقيلة واقذار البلاليع – البالوعات – وخنس المرافق ويقال لهذه القرب "صلوخ" – واحدها صلخ – ويستفاد من هذه المياه احيانا في تسميد المزروعات لاسيما الخس.
وكان بعض السقائين يرشون الاسواق وبعض الساحات امام المقاهي وغيرها لقاء ما ينفحهم به اصحاب هذه المقاهي وغيرهم من نقود مياومة او في اوقات متفق عليها.
كما كان بعض السقائين يبيعون الماء البارد بقربهم ومعهم طوس معدنية وربما وزعوا الماء بالمجان "السبيل" اي ان يتبرع بعض محبي الخير بثمن ما في القربة من ماء لتشربه السابلة.
ولقد ادركت الثلج ينادي عليه باعته ويكثر ظهورهم بعد العصر – بقولهم: "الليلة وغرة يا ثلج" والوغرة شدة الحر في الفصيح. وكان الثلج يباع بالميزان، ويكون لدى باعته التبن يعطون منه لمشتريه شيئاً يضعه تحت الثلج فيحمله فلا تتعرض يده للتثليج والبرد الشديد لا سيما ان كان من الصبيان.
وكان اهل بغداد يعنون بتبريد الماء من الليل في مشاربه من قلل وغيرها على السطوح وتيغها ويسمون ذلك عند الصباح "مي بيوتي" .
ومن مزايا نساء البيت اعداد الماء البارد وتدبيره دون الاحتياج للثلج. ومن هنا قالوا " بتشرين يتساوى مي النادرة والجايفة" لان اثر الجو ظاهر في هذا الموسم على الماء وغيره.
وادركت الناس تتعاطى من الاشربة الباردة – مما يسمى اليوم بالمرطبات – شربت الزبيب الذي كان ينادي عليه باعته بلفظ "شربت زبيب واليندب الله ما يخيب"غير ان في الناس من كان يتخذ من هذا الشربت مادة غذائية يفطر عليها في الصباح ولا اعلم في الاشربة ما يغالب هذا الشربت في نكهته وطيب مذاقه.
ومثل ذلك شربت "التمر هند" و"البلنكو". اما الشنينة وهي اللبن يكون فيه الماء الكثير مع الثلج فكان من خيرة اشربتهم في الصيف ولا سيما ساعة الافطار في رمضاناته. على انه كانت لهم ملاعق خاصة بذلك تصنع من الخشب المنقور او النحاس لها هيئة لا تشبه سائر الملاعق.
وكان باعة اللبن يضعونه في الانجانات فان زاد نشفوه في اكياس من الخام الابيض ليمكث قيد الانتفاع الزمن الطويل فاذا ارادوا استعماله اخرجوا منه مايكفي ومردوه مع الماء وقالوا في اللبن المنشف "ما يعرفك يالبن غير اليمردك".
كان لعلب اللبن المتنوعة الاحجام "كشوة" يفطر عليها كثير من الناس ولا الذ منها شيء من نحو كيمر وما اليه ولكن الكشوة لا وجود لها اليوم.
اما النامليت والسودة فقد ادركت ظهورهما في قنان كان فتحهما من الصعوبة اذ كانت تسد بكرة زجاجية – دعبلة – سداً محكماً فاذا اريد تنحية الدعبلة هذه عن مكانها وكانت تكمن في تجويف لها خاص داخل القنينة فانهم يضعون ابهام اليد اليسرى على الدعبلة ويضربون الابهام بجمع الكف فتنزاح الكرة الزجاجية عن مكانها فيتهيأ افراغ ما في القنينة من الاشربة الغازية المحلاة بشيء من السكر وتكون مبردة في العادة. اما السودة فلا سكر فيها. ولم يعرف اهل بغداد شراب البرتقال وغيره إلا بعد حين طويل. ولكن كانت هناك اشربة مصنوعة من الصبغ والسكر توضع في اوعية يحملها الباعة معهم كانت تلفت نظر الصبيان اذ يستخرج منها الشربت بانبوبة يكبسها البائع بأصبعه فان رفع اصبعه عنها تساكب منها ما يراد افراغه في الطوس او الكؤوس.
ولم تكن "الدوندرمة" إلا من بعض ما يرغب فيه الاطفال والشباب ولم تكن هناك حوانيت لصنعها وبيعها، بل كان باعتها يتجولون بها في الطرقات ينادون عليها بلفظ "قيما غلي".
وهناك من يتخذ له مكاناً في السوق يبيع به هذه المادة التي كنا نغرم بها ونحن صغار. وقد كنت اشتريت قوطية مما يصنعه التنكجية – السمكرية – لصنع الدوندرمة فكنت اتفنن في صنعها من شتى الانواع والمواد والاصباغ. ولا وجود لهذه القواطي في الوقت الحاضر ولم يعد للهو والتشاغل بها من مجال بعد ان كثرت في عالم المرطبات انماطها الكثيرة وغلبت الناس على اوقاتهم امور اخرى غيرها.
ادركت بغداد ومطبخها لا يعرف من انواع الدهن سوى الدهن الحر الذي هو الزبد منتزعاً منه اللبن ويباع مجلوباً الى بغداد بالعكك فيضعه اهل البيوت في الخمام والبساتيك.
وكان في الناس من يشتري الزبد ثم يعالجه باستخلاص الدهن منه فيستعمله في الطبخ.
وادركت بغداد اذا طبخ التمن اي الرز في مطابخها طبخ على حالتين اولاهما ويقال لها "التطبيك" وذلك بخلط الماء والدهن المدوغ في اسفل القدر فاذا غلي الماء وضع فيه التمن المغسول من قبل فترة حتى يتم نضجه، فاذا اوشك ان يتم له ذلك خففوا من ناره كي يتهدر اي يتهدى اي يأخذ سبيله الى النضج على نار هادئة، وفي مثل للبغداديات "التمن المهدى للسلاطين يتودى" اي الرز الذي يكون مجود الطبخ يصلح ان يهدى للملوك والسلاطين وذلك لتميزه بالنفاسة واللذة وحسن النضج.
والطريقة الاخرى وهي المفضلة في طبخ التمن وقد انقرضت هي ان يطبخ بالماء فاذا تم له النضج فرقعوا عليه الدهن الحر بالطاوة اي اذابوا الدهن على النار اذابة تامة ثم سكبوه على وجه التمن في القدر فيبدو لمرأى التمن وقد رش عليه الدهن، المفركع ما يثير شهية المشتهي. وكلمة (فركع) اتية من صوت فرقعته عند سكبه على التمن اذ يكون ذلك بصوت مسموع مصحوب بالفرقعة.
ولا يصب او يفرغ من هذا التمن من قدره هذه شيء إلا لصاحب البيت او الضيف المقرب.، ومن هنا قالوا "يأكل من رأس الجدر" للمحظوظ الذي تتجه العناية اليه دون سواه فيأكل الذ المطبوخات قبل الاخرين.
ومن عادتهم بعد افراغ الدهن الذي في الطاوة على التمن في قدره ان يأخذوا بالجفجير شيئاً من التمن المطبوخ فيضعوه في الطاوة ليصيب من بقايا الدهن فيها وهذا يقدمونه لاعزاء صبيانهم، او تأكله الطابخة متلذذة بما تم على يدها من طبخ الرز الذي كان اهل بغداد يغالون في امره ويجعلون وجوده على المائدة من بعض معالم الخير في بيوتهم.
فاذا لم يكن ثمة دهن كاف للرز وصفوه بانه "تمن كفار" باسكان الكاف – واصل اللفظ من القفار في الفصيح بمعنى مقارب.
وقد زال دور الطاوة في هذه المهمة من المطبخ البغدادي منذ عقود.
وادركت يهود بغداد لا يستعملون سوى الشيرج في التمن فكنا لا نرتاح لرائحته وهو يفرقع في الطاوة ثم علمنا ان هذه الطريقة هي طريقة للبغداديين القدامى من عهد بعيد، وقد اكدت ذلك كتب الطبيخ القديمة، وحين عشنا في الصين كان غالب ما نستعمله من الدهن دهن السمسم الذي هو الشيرج عينه.
لم تكن بغداد تعرف بعد الدهن الحر إلا الدهن المتخذ من اللية المسلية وكانت في بغداد بيوت تصنع هذا وتبيعه. وكان اهل بغداد اذا طبخوا الدولمة فلعلهم يستعملون في طبخها احياناً دهن الزيت "اي زيت الزيتون" فترى لها به على لهوات الاكلين لذة ظاهرة وهي بهذه الطريقة اكلة مترفة وادركت اهل بغداد يطبخون السمك بالمرق ويلاحظون صبيانهم عند اكله ويسمونه "المطبك".
ورأيتهم يطبخون الشجر – القرع – باكثر من طريقة منها ان يطبخوه بالكركم وبعد ذلك يرشون عليه مسحوق الفلفل الاسود، وهي اكلة في غاية اللذة رايت القدر البغدادي الحديث قد اقلع عنها.
وكانت الكفتة المدورة بحجم الجوزة الصغيرة يطبخونها في قدر ملأى بالمرق مع معجون الطماطة والكرفس من الاكلات البغدادية الشهية ويسمونها احياناً "آية كفته سي" اي الكفتة المكورة بامرارها على راحة اليد.
ومن المآكل البغدادية الكبة بانواعها وفي مقدمتها "كبة الحامض شلغم" ومنها ما يسمى بكبة حلب ولا علم لاهل حلب بمثلها، غير ان هذه الكبة تصنع لافطار الصائمين في رمضان ولم تكن تعرف في غيره وكانت تحشى باللوز المقشر والكشمش وتغمس في صفار البيض عند المباشرة بعملية القلي فتكون عليها قشرة ترق من جانب وتثخن من جانب والكبة هذه من الحجم بحيث لا تكاد تكون منها سوى لقمتين يقضمهما الآكل بلذة لا تعدلها لذة.
ومن المآكل البغدادية اكلة البراصة التي تطبخ من البصل الاخضر يقطع بطول يقرب من "الفتر" ويبدأ اولاً بقليه ثم وضع المرق عليه فتسرط لقمه سرطاً إذ لا يدركها المضغ لسرعة انزلاقها في بلعوم الآكل. ويكون مع البراصة الرز المطبوخ فهي به امرى واشهى.
ومن المآكل البغدادية التي ادركناها المحشيات التي تصنع من لب الخس أو الخيار او البيتنجان وغيرها تقلى قلياً تاماً ثم تحشى باللحم المثروم ويكون معها المرق بمعجون الطماطة بمقدار.
وكان للبورك المقلي بالدهن يغرق فيه تغريقاً، اكثر من نوع، وما نراه في المطابخ البغدادية الحديثة من انماط البورك يبتعد عما الفناه في مطابخها قبل اليوم، ولعل السبب في هذا يرجع الى ان البغداديين القدامى كانوا يرون كل اللذة في المطبوخات الدهينة المبالغ فيها وفي امثالهم "فلوسك بالدهن ولحمك بلاش" وكانت الخبازة اذا اخرجت رغيف الخبز حاراً من التنور بادر بعض القوم فوضع على الرغيف شيئاً من الدهن الحر الخالص ودافه بقدر من السكر الناعم وراح يلتهمه بشراهة لا تجد في مواجهتها ما يدعو الى الانكار والاستغراب ويسمى ذلك بالمريس.
اما انواع الشوربة والحساء فانها كانت كثيرة اشهرها شوربة الهرطمان وغالباً ما كانت تعد لاكلات الصباح ايام الشتاء ومنها شوربة الماش وتكون بقشره او مصفاة منه. وشوربة العدس وهي اكثر ظهوراً في قدورهم ومما كان سائداً في المطبخ البغدادي الشعبي شوربة الجشج يكون متحجراً شديد الحموضة اذ اصله عجين مخلوط باللبن يجففونه ويدخرونه ويضعون معه عند الطبخ شيئاً قليلا من الرز، وبعد النضج يسكبون عليه الدهن المدوغ، ومن انواع الشوربة شوربة الشعرية وغالباً ما تصنع للمرضى والناقهين.
وكان لصنع المحلبي في المطبخ البغدادي طريقة غير الطريقة المعروفة اليوم باستعمال انواع من النشا. فان النساء كن يغسلن مقداراً من التمن ويتركنه ليجف قليلا بعد ابعاد الماء عنه فاذا بلغ درجة الجفاف المطلوبة دقوه بالهاون دقاً وصنعوا منه الدقيق. وبهذا الدقيق نفسه يطبخون المحلبي فاذا القوا على الحليب وهو يخاط داخل القدر خوطاً بمهارة ودقة شيئاً من ماء الورد والهيل بات المحلبي من الذ مآكل المائدة، وعادتهم ان يفرغوه في الصحون غير العميقة وهو ساخن ثم يتركوه ليبرد على الهواء فيتم لهم بذلك التوفيق التام. ورايت البغداديين يرجحون في صنع المحلبي حليب الجاموس لما فيه من دسم على حليب البقر. وبديهي ان المحلبي يكون ذا حلاوة ظاهرة وكان بعض اهل بغداد يحلونه بسكر القند مبالغة في تجويد طبخه، وهي طريقة يجهلها المطبخ البغدادي اليوم. ويمتاز المطبخ البغدادي باجادة صنع الحلوى البغدادية التي لا تضاهيها إلا الحلاوة المسكتية.
وكنا نأكل من مطبوخات المطبخ البغدادي مما لم يعد له وجود اليوم نوعاً من شجر الاسكلة ويكون طبخه مصحوباً بشيء من السكر وهو من المآكل البغدادية القديمة وكان يهود بغداد يغرمون به اشد الغرام. ويمكن شراء القطعة منه دون الزام المشتري بشراء القرعة الواحدة كلها.
الگاردينيا: هذه المادة البغدادية الرائعة أرسلها الأستاذ الدكتور/أكرم المشهداني..فشكرا جزيلا له وبارك الله فيه ورعاه الباري..ننتظر المزيد من هذه الروائع البغدادية..
831 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع