ماء دجله لم يذهب سدى ... ريمه ام عظام
خاص بمجلة الگاردينيا:يعرف العراقيين وخاصة البغاده منهم منطقة في بغداد تسمى (ام العظام ) ولايعرف اصلا لهذه التسميه سوى وجود تل كانت الناس تدفن فيه موتاها في نهاية القرن التاسع عشر وبدأت عظام الموتى بالظهور نتيجة الامطار وعوامل التعريه فسميت بهذا الاسم ..
الارض تعود في ملكيتها الى شخص ارمني يعتقد انه من الارمن الذين جاؤوا مع السلطان مراد الرابع في فتح بغداد وقد سكنها في النصف الاول للقرن العشرين بعض المزارعين والوافدين من خارج بغداد في بيوت طينيه...
كما سكنت فيها امرأه اسمها (ريمه ) في قصر عامر ويعتقد انها ارمنيه واصبحت الارض يشار اليها باسم ( ريمه ام عظام ) مأخوذا من الاصل على اكثر الاقوال وهي موضوع مقالتنا هذه ,, وهذه المنطقه التي تقع اليوم داخل المنطقه الخضراء بعد ان كانت ملكا خاصا وحدودها من يسار الجسر المعلق بمحاذاة نهر دجله والى الحارثيه وامتدادا الى الشاكريه وكانت فيها محطة وقود حكوميه تسمى باسم ام العظام وتجاورها صرائف الشاكريه ( القصر الجمهوري الحالي ) وكرادة مريم وقد استملكتها الدوله لصالحها على مراحل في عهود امتدت من العهد الملكي وحتى عهد صدام حسين وقد انشأت بها الدوله بنايات ومنشآت وفتحت فيها طريق موازي لنهر دجله يصل بين الجسر المعلق والحارثيه وقد كانت مزروعه بالنخيل والبعض منها تعود ملكيته الى الاهالي وتم استملاكها ايضا في نهاية القرن العشرين ..
سقت هذه المقدمه للتعريف بالمنطقه وخاصة للجيل الجديد كمدخل للمقاله باسم ( ريمه ام العظام ) والتي كانت أمرأه لها صيت وصطوه في بغداد ويلجأ الى وساطتها الكبار والصغار وسنتحدث عنها بما تمكنا من الحصول عليه من نتف الاخبار كما هي حال كل الشخصيات العراقيه من هذا الطراز واعتقد ان الاسم ( ريمه) هو اسم مستعار كما هو حال من يعمل في هذه مهنه غير مقبوله اجتماعيا خاصة من النساء ..
موضوع المقاله يدور حول امرأه على قدر كبير من الجمال ساقتها الاقدار والظروف الى الهجره من بلدها بعد عمليات قتل وتهجير وقطعت مئات الاميال بحثا عن الامن والامان وملاذا تأوي اليه وساقها القدر الى بغداد في وقت كان عصيب على بغدا د التي كانت تعاني العوز والتخلف وقلة المال وسوء الاوضاع ولم تتمكن هذه المرأه من ايجاد فرصة للعمل تحت هذه الظروف فأضطرت الى اللجوء الى احدى( السمسارات) في جانب الرصافه حيث المبغى العلني العام لكي تأويها وتطعمها وتكسيها لقاء ماتقدمه من متعه للرجال ولكن هذه المرأه وبالرغم من صعوبة اللغه والمناخ الجديد الا انها كانت ذات عقليه حيث انتبهت الى ان جانب الكرخ في بغداد يفتقر الى مبغى عام كما هو حال الرصافه...
وان الرجال يضطرون الى عبور دجله على جسر الكطعه للوصول الى الميدان ( الكلچيه) متحملين نظرات الناس وتعقيب البعض من الاصدقاء ,, بالاضافه الا انها لم تكن تتقاضى من عملها سوى طعام وايواء وملابس والاموال توزع بين القواده والشقاوه والشرطه والمختار!!
ومن هذا الحال فكرت بفتح مبغى عام في جانب الكرخ وكانت اول قواده في الكرخ تدير عدد من البيوت ..هذه المرأه التي كان لها دور في المجتمع البغدادي هي ( ريمه ام عظام ) وقصتها اقرب الى قصة رابعه العدويه المشهوره في التاريخ ..
المعلومه الوحيده التي استقيتها بشكل مباشرمن شخص من عائلة مالك الارض كانت من صديق ارمني في فترة الستينات ( اسمه سيروب ابكار) وهو الوريث الوحيد لابيه وعمه الغير متزوج ولقد ورث منطقة ام العظام ولم يعرف سبب تسمية المنطقه بام العظام ولكنه قال ان ريمه هي زوجة جده ولم ندخل في التفاصيل...
في البدايه اعتذر من الاخوه القراء مما سيرد من الفاظ ومصطلحات بغداديه كانت متداوله في تلك الفتره وذلك لغرض وضع الواقعيه على المقاله كما هو الحال على الارض في حينه كما اتمنى ان يرفد المقاله من له اطلاع عن الموضوع لزيادة الفائده للقارىء الكريم ولتصحيح الاخطاء في تاريخ هذه المرأه ان وجدت لان المتوفر عنها شحيح جدا ..
لابد من التطرق الى الحالة الاجتماعيه التي كانت سائده و موجوده في بغداد وعلى الخصوص موضوع البغاء العلني وحالته التي تطورت ثم انحسرت ورافقتها الكثير من المشاكل والمآسي والطرائف ...
تعتبر مهنة البغاء وممارستها ظاهرة اجتماعية وجدت منذ أقدم العصور، وكان الرومان والإغريق يتخذون من العشيقات والبغايا تسلية ومتعة جنبا إلى جنب مع أزواجهم الشرعيات،ومثلهم فعل إقطاعيوا القرون الوسطى وأباطرة الوثنية. كما كان البغاء موجودا في العصر الجاهلي بنوعيه العلني والسري وحرمته الاديان السماويه ( الإسلام ، المسيحية ،اليهودية ) من قبل ولكن الجواري والبغايا المملوكات راجت سلعتهن تحت فقرة (وماملكت ايمانكم )..
في العصرين الاموي والعباسي وامتدادا للعصور اللاحقة ولقد ضرب عليهن في بعض الاحيان بعض الحجاب المانع لارتكاب الخطيئه الاخلاقيه ولذلك لانجد غرابة أن تكون مجالس اللهو والأنس والطرب وهي وسائل إغراء جامحة لجنوح بعضهن إلى ممارسات خاطئة بعلم أو بدون علم ذويهم او مالكيهم ..
في العهد العثماني كانت هذه الظاهره موجوده مع وجود القوانين التي تمنع ذلك لكن ( المحترفات) منهن أخذن يتعاطين الحرفة بصور واشكال مختلفة منها تحت ستار الفن من رقص وغناء وطرب وعن طريق السحر والفال فضلا على دور اللهو والمراقص في بعض الأزقة المشبوهة التي تسكنها فئة من السماسرة والمومسات اللواتي يتعاطين الخطيئة بصورة سرية، ولكنها كانت في بغداد أشبه بالعلنية في المنطقة المحيطة بساحة الميدان في باب المعظم وبعض الأزقة التي يسكنها اليهود في منطقة التوراة وعقد الكنيسة وسبب اختيار هذه المنطقه يعود الى انها كانت قديما مكانا ينفذ فيه احكام الاعدام ومكانا جمعت فيه رؤوس وجثث الايرانيين والتي بلغت تلا عاليا من الجثث اثناء فتح بغداد من قبل السلطان مراد الرابع وهي تعتبر مكان غير مرغوب للسكن ومعزول نوعا ما ..
مصطلح (القحبة) كناية عن المرأة الوسخة السفيهة، بمعنى المرأة التي سلمت نفسها فأصبحت لا تستحي من احد. واسم القحبة مشتق من القحب ، وهو (السعال)، لان القحبة عندما تكون على قارعة الطريق ، فإن مر بها احد سعلت له ، للدلاله على موقعها.
بعد دخول الانگليز بغداد وتطوير شارع الرشيد أصبحت هذه ( الحرفة) علنية، فقد تم جمع المومسات في منطقة معينة من بغداد وهي ( محلة الكلجية وكوكز نظر ) المقابلة لسوق هرج، وفي هذين الزقاقين كانت مجموعة من الدور المتلاصقة القديمة ومقاه ذات مدخل واحد تطل على بداية شارع الرشيد وكذلك على عدد من الدكاكين والمقاهي. كانت المومسات المقيمات في تلك الدور ملزمات رسميا بإجراء الفحص الطبي والمختبري الدوري عليهن في مواعيد معينة، ولدى كل واحدة منهن اجازة ( ممارسة ) مهنة (البغاء) بصورة رسمية، ويغرّم ( القواد) السمسير إذا قام بتشغيل من لم تحصل على اجازة أو لم تخضع إلى الفحص الطبي.
وكانت المنطقه مؤلفه من دربونه وفيها مختار يدعى ( السيد حسين ) وكان يأخذ خاوات من المومسات والقوادات وقد رثاه ملا عبود الكرخي بقصيدة عند وفاته وقال :
مختار الحبايب ما يجي دونه وصاير سور للساكن الدربونة
تاهت بنت ابو حجرين امونه وبنت الدودكي وضحه وشكرية
وكانت القوادة مهنة سنت لها وزارة الشؤون الاجتماعية في العراق نظاما خاصا ينظم العمل وقد نعتت فيه (القواد) بالسمسار واشترطت فيمن يقوم بالقوادة شروطا معينه منها أن يكون حسن السير السلوك ، وان لا يكون محكوما عليه بجنحة أو بجناية ، الأمر الذي أشاع موجة من التندر بين الناس بشأن هذا النظام.
ويذكر الشاعر العراقي المشهور عبود الكرخي رثاء عند وفاة احد السماسره :
يكنديره ... يمسكينة راح الجان يحمينا
عمت عينك عكب عينه دظلي عاد سمسيرة
لقد كان جانب الرصافه مشهورفي بغداد بممارسة البغاء اما الكرخ فقد كان بعيدا نوعا ما الا في السر ولكنه التحق لاحقا بالرصافه واصبح يمارس العمل فيه كما في جانبه المقابل ..
سليمة مراد
أشتهرت في بغداد في اوائل القرن العشرين قوادتان – الأولى في جانب الرصافة ( الجانب الشرقي من بغداد ) واسمها (ريجينة) وتكنى بـ (نجية)، وريجينة هي الأخت الكبرى للمغنية (سليمة مراد) المعروفة في وسط الغناء باسم ( سليمة باشا )، والثانية في جانب الكرخ ( الجانب الغربي من بغداد ) واسمها ( ريمة ) وتلقب ( ريمة أم عظام ) وكان عملها في محلة الذهب ( تقع محلة الذهب في بداية شارع حيفا حاليا للقادم من جهة الصالحيه وتمتد الى الجنوب الغربي وصولا الى مستشفى العزل – الكرامه حاليا ) وتعتبر ريمه اول من اسس البغاء العلني في جانب الكرخ وكان لها اول دار في الدربونه ولديها عدد من الفتيات ..
كان محمد النجفي احد اهم معاوني القوادة ( ريمة أم عظام ) وكان طويل القامة يرتدي العكال ويلبس افخر أنواع العبايات ويشاهد يتبختر في شوارع بغداد وكأنه من الشيوخ ...
يروى ان احد الاغنياء كان يتردد على ريمه ام عظام وتوطدت بينهم علاقه قويه تطورت الى عشق ومن ثم الى زواج ويقال انه تزوجها واسكنها في منطقة ام العظام ومنها اكتسبت الاسم وبقيت فيها بعد ان ورثت الكثير من الاموال من زوجها وماتت في هذا المكان ..
في منطقة ام العظام كانت هناك عوائل فقيره تسكن بالقرب من قصر ريمه ام عظام ويحكى ان احد هذه البيوت الطينيه كان لرجل يدعى ابو حسين وهو عامل بناء وقد اصيب اثناء العمل وتوفي واقيمت له فاتحه في المنطقه وعلمت ريمه بهذا الحدث وانتظرت حتى ينتهي العزاء فجاءت وعلى وجهها غشاء لتلافي الانتقاد لها ولصاحبة العزاء وادت الواجب واعطت ام حسين مبلغا من المال كان لابأس به في تلك الايام ونصحتها ان تعمل في (شيرزة العبي ) واوصت بها وبعد بضع سنين كما يبدو ان ام حسين كانت غير قادره على الاستمرار في عملها لضعف نظرها و اعالة الاولاد والثلاثه والبنتين وهم في عمر صغير حتى جاءت احدى النساء ممن كانوا يعملون عند ريمه ومن جيران ام حسين الى ريمه وكان الجميع يتحاشاها خوفا وعيبا وقالت لها سمعت ام حسين وهي تصلي الفجر تطلب من الله ان يعينها ويعيد اليها نظرها لكي تستمر في عملها على اعالة اولادها حيث كانت تعمل في (شيرزة العبي ) و لم يبقى لديها اي شيء....
وهنا قررت ريمه زيارة ام حسين ونصحتها بان تعمل خياطه على ماكنة خياطه واعطتها خمسة دنانير لشراء ماكنه خياطه ( سنكر) يدويه وطلبت من احدى خداماتها ان تعلم ام حسين الخياطه لتعيل اولادها وهكذا سارت الحياة وبعد عشرين سنه حضرت ريمه ام عظام الوفاة وكانت اول الناس حضورا ام حسين وريمه على فراش الموت فقالت لام حسين : لقد كنت خير الجار انتى واولادك وهم مثل اولادي ولقد وزعت كل ثروتي على الفقراء ولم يبقى لدي سوى خمسة دنانير اعطيها لبناء قبري ومفاتيح الجامع الذي بنيته معلقه خلف الباب اعطيها الى الشيخ محي والبيت بما فيه لكم ... ويقال انها اعتنقت الدين الاسلامي بعد وفاة زوجها ..
ثم فارقت الحياة ومافعلته لايفعله كثير من اصحاب الدين والتدين ويقولون عنها كانت ( قواده ) وهذا الموضوع يذكرني بحكاية سائق التاكسي عندما ركب معه قواد معروف وفي الطريق اشرت للتاكسي امرأتان واراد سائق التكسي ان يقف ليحملهما طمعا بامال اضافي الا ان القواد منعه وقال انا اعطيك اجرتهما فقال سائق التاكسي لماذا فقال القواد : انا قواد واذا ركبت هاتين المرأتين معنا فأن من يراهما قد يعتقد انهما معي وانا اقود عليهما وتأتيتهم شبهه ومشاكل .. هل يوجد في ايامنا هذه مثل هذه المرؤه ؟؟
لقد كانت تقاليد الحب والهيام بالمومسات متفشيه بين كبار رجال الدولة وأحيانا لا يخجل بعض الساسة من الزواج منهن ، وبعضهم يتزوج منهن بصورة سرية أو تصبح خليلة له وحده بعد أن تتعاهد معه على ذلك..
واذكر هنا على سبيل المثال زواج اللواء الطبيب عبد الواحد من الفنانه احلام وهبي الذي كان حدثا كبيرا في مطلع الستينات .
ومن طرائف هذه المهنه الكثير منها :
من القصص التي يتندر بها اهل بغداد أن رجلا من الريف قصد بغداد للمرة الأولى في حياته ودخل محلة الذهب وجاء إلى دار (ريمة أم عظام) بناء على نصيحه من احد الظرفاء وطرق بابها وهو لا يعرفها، يريد عملا فاطعمته وكسته وأجلسته في دهليز الدار وأوصته بان يفتح باب الدار إذا طرقه طارق ، وأن يغلقه خلف من يغادر الدار، وقام الريفي بمهمته وأتقنها وحسنت صحته وسمن من طعام (ريمة) ومن الهبات التي كان يتلقاها من الزوار. وحدث ذات يوم أن انزعج منه احد المراجعين فصاح به : (اسكت يا گواد) .
فهاج الريفي وجن جنونه وهجم على الرجل يريد قتله،وعندما حِيل بينهما عاود الهجوم وهو يقول : لن تنجو مني ، يقول عني إني گواد ، لابد أن اقتله وسمعوه الناس وضحكوا منه وقالوا له : لماذا غضبت من هذه التسمية ، الست تعمل قوادا ؟ وقال لهم هل أن ما أقوم به من عمل سهل وبأجور وطعام فاخر هو الگوادة ؟ قالواله نعم قال : إذاً لابد لي أن أسافر غدا واحضر جميع اولاد عمي و أقربائي لأشغلهم قواويد .
المرحوم / ارشد العمري
كان في بغداد خلال الأربعينيات فندق في محلة السيد سلطان علي مطل على نهر دجلة اسمه فندق متروبول يقوم على إدارته فتى اسمه ( صادق حنا ) وكان صادق يحضر فتيات جميلات من اوروبا باعتبارهن فنانات (ارتيست) وينزلهن في فندقه ويتقاضى مبالغ كبيره عن زيارة الرجال لهن واصبح لصادق حظوه وواسطه وتأثيرفي شؤون الدوله. وغضب عليه ارشد العمري وكان آنذاك امين العاصمة وكان ارشد عصبيا وكلامه جارح فاحضره وصرخ فيه: (ولك صادق بغداد ما تتحمل گواويد اثنين.. لو آني لو انت!! )
وهناك قصة يرويها احد المحامين الذين كانت له صلة بقوادة تدعى (حليمة ) وكان لديها خادم يقوم على خدمة فتياتها اسمه ( عبد) وكان المحامي عندما يزورهم لقضاء المتعة يعطيه درهما أو درهمين.. وذات يوم كان في مكتبه جالسا واذا بالقوادة ( حليمة ) تقتحم الباب بدفعة من رجلها وتدخل عليه من دون استئذان وعلى وجهها علائم الالم والانزعاج وسألها : ما بك؟
قالت : اخوك عبد!
فقال لها: ومن هو اخي عبد؟
قالت : أها، هل نسيته، اخوك عبد الذي يشتغل عندي خادما لفتياتي.
عندها تذكره وقال لها : وماذا جرى لاخي عبد ؟ قالت : القت الشرطة القبض عليه واتهم بالقوادة .
فأجابها : فعلوها هؤلاء الملاعين،الا يخافون الله ؟
فقالت : هذا ما حصل.
فقال لها : اطمئني فسوف اعمل على اطلاق سراحه غدا.
وفي اليوم التالي راجع المحامي حاكم التحقيق وكفل (اخاه عبد ) وأطلقه من الحبس ..
وعن كساد المهنه في البصرة أثناء فترة القحط جاءت قوادة مديونة إلى مأمور الإجراء في البصرة لسداد الديون التي عليها ومطالبة الحكومة بذلك فخيرها مأمور الاجراء بسداد الدين جملة أو تقسيطه عليها فقالت له: ( والله يا سيدنا لا استطيع سداد الدين دفعة واحدة ولا باقساط كبيرة لان الشغل واكف والرزق شحيح والمعاميل قل عددهم ) ، وانزعج مأمور الإجراء من أقوالها وصرخ فيها مستنكرا.. وظنت القوادة المدينة أن رئيس الأجراء لم يقبل عذرها ولم يصدق أقوالها فقالت له:
( والله يا سيدنا أن ما أقوله صحيح ، وإن لم تصدقني فتعال والزم الدخل بيدك واقبض الوارد بنفسك لترى صحة أقوالي!!!) .
وروى عبود الشالجي في الكنايات البغدادية انه عندما كان رئيسا للمحاكم في البصرة في الأربعينيات من القرن الماضي، توجه صباح احد الأيام إلى مكتبه في المحاكم ليجد امرأة جالسة بين المراجعين وتكررت رؤيته لها أياما، فحسب أن لها قضية في المحكمة ، وأنها تأتي لإنجازها ، وأحس بالرأفة تجاهها، وأمر الفَراش أن يحضرها ، فلما وقفت أمامه سألها عما إذا كانت لديها قضية تراجع بشأنها من اجل أن يأمر بتعجيل انجازها ، فأجابته بأن لا قضية لها وإنها ( على باب الله ) فلم يفهم مرادها، وتنحنح الفَراش وسكت فأدرك انه يريد إن يوضح له القصة فأمر المرأة بمغادرة الغرفة ، فأخبره الفَراش بان هذه المرأة (قوادة) وأنها تحضر إلى ساحة المحكمة في كل يوم من اجل الحصول على زبائن تأخذهم إلى فتياتها!!!! على باب الله ..
ويحكى ان عبد العزيز الخياط كان حاكما في محكمة جزاء بغداد، وكان حاد الطبع صارما في احكامه، وجيء ذات يوم بشاهد فسأله عن صنعته ، فقال له انه صاحب مقهى في الكلجية ( دار القحاب ) فالتفت الى كاتب الضبط وقال له : سجل أن شغله قواد . فانزعج الشاهد وقال له : يا سيدي الحاكم أنا صاحب عمل شريف.. انا صاحب مقهى هناك. فقال له الحاكم : تكون صاحب مقهى في الكلجية وزعلان حضرتك لان سجلنا مهنتك گواد؟ ثم التفت الى كاتب الضبط وقال له : سجله گواد ابن گواد ..
ومن مشاركات المومسات والقوادات والقوادين في فعاليات الكوارث :
في عام 1938 عندما فاض نهر دجلة وكسرت سدة ناظم باشا من ناحية الوزيرية وراحت المياه تتدفق في الشوارع ، والمعتاد في مثل هذه الحالات أن تقوم الشرطة بتجنيد الناس فيما يسمى بعمل السخرة لدرء الفيضان وتقوية السور. في هذه الاثناء دق تلفون معاون شرطة السراي عدنان محيي الدين وطلب منه مدير شرطة بغداد بتعئبة الناس فورا لوقف تدفق المياه. وضع المعاون عدنان حاكية التلفون من يده فقد كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل وآوى الناس لبيوتهم نائمين وخلت الشوارع من المارة. فمن أين يأتي بالسخرة ؟ وجد الحل بعد أن هداه فكره إلى محلة واحدة ما زالت تعج بالناس وبالنشاط على قدم وساق وهي محلة الكلجية.
اقتاد المعاون ثلة من افراد الشرطة وهرع الى ازقة الكلجية وكوك نزر.. حيث جمع كل من وجده هناك من القحاب وزبائنهن وحشرهم في سيارات الشرطة وهرع بهم الى محلة الكسرة، وهناك انكب الشباب بحفر الارض وملء اكياس من الجنفاص بالتراب وحملت القحاب الاكياس على ظهورهن لردم الكسرة وايقاف تدفق المياه حيث واصلن (الشيل والحط ) وانقذن الجوامع والمساجد والبيوت في الوزيرية . وبعد صلاة الفجر عادت بهم سيارات الشرطة الى الكلجية.. كل الى بيته. وفي اليوم التالي بعث امين العاصمة رسالة شكر وتقدير لكل القحاب والقوادين الذين ساهموا بحملة العمل الشعبي لدرء الفيضان عن بغداد .
هناك بعض الامثال التي استقاها الناس من خلال هذه الظاهره الاجتماعيه اذكر بعضا منها :
1 . گحاب ششتر .. وششتر منطقه ايرانيه ونسائها مشهورات بصلافتهن وقباحتهن وقلة حيائهن .
2 . طلعه من بيت هيبو .وهيبو هي قواده يهوديه كانت مشهوره برداءة الخلق وزبائنها من اردىء النوعيات ويضرب المثل لمن يوبخ ( يرزل ) بشكل قوي ..
3 . عينه عين الگحاب .. ويضرب المثل على الصلافه وعدم الاحترام ..
4 . گحبه عوره ... وهي التي تحمل عوق ولكن لسانها طويل وسليط .
5 . قرج .. وهي مختصر لكلمة جورجيا ويشار الى نساء جورجيا اللواتي كن من السفاهه بمكان وكثيرات الصياح .
6 . بنت الدربونه ..ويقصد بها المرأه غير الشريفه وانها من مكان المومسات .
الى هنا ننتهي من هذه المقاله والتي اكرر فيها اعتذاري لورود بعض الكلمات التي لم تألفها اذان بعض الاخوه القراء ولكن للضروره احكام اضافة الى عدم توقع البعض من الاخوه ان اطرق مثل هذا الموضوع ولكن احداث بغداد تتطلب ان نذكر فيها كل ماهو ممكن والى لقاء آخر ..
عبد الكريم الحسيني
المصادر
1 .رسالة الدكتوراه / ( البغاء السري والعلني في بغداد )
للدكتور معتز محي عبد الحميد
2 . مقال في الحوار المتمدن حسين علوان حسين
3 .الموسوعه العراقيه
1080 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع