هكذا تأسست دوائر البريد والبرق والهاتف والاذاعة اللاسلكية

     


هكذا تأسست دوائر البريد والبرق والهاتف والاذاعة اللاسلكية


المدى/زينة مسلم درويش

كانت عملية نقل الأخبار والمكالمات والرسائل تجري بصعوبة بالغة في العهد العثماني، وكان العراق في هذا العهد مبعثر الأطراف والساكن في شرقة، ولا يعرف ما يجري في غربه، وشماله منقطع عن جنوبه، وبعد هزيمة الدولة العثمانية، واحتلال العراق، وتشكيل الحكومة العراقية ظهرت فكرة تأسيس إدارة البريد والبرق ومدّ خطوط الهاتف والبرقية وتأسيس مراكز هاتفية في المدن العراقية كافة. وتشمل الاتصالات خدمات البريد والبرق والهاتف والإذاعة.

مديرية البريد والبرق العامة:
بعد احتلال بريطانيا للعراق في أثناء الحرب العالمية الأولى، كانت أعمال إدارة البريد والبرق محدودة، وبيد القوات العسكرية، وفي عام1920 أُسست إدارة البريد والبرق العراقية، وأصدرت السلطة المحتلة البيان الخاص بالبريد والبرق بتوقيع  قائد القوات البريطانية في العراق Haldane في 27 نيسان 1920، واسماه (بيان تلغراف العراق لعام1920)  بهدف وضع الرقابة على البريد والبرق، وقد أجاز هذا البيان للحاكم الملكي العام أو أي مأمور يأذن له أن يضع يده على أي تلغراف عائد لشخص ما، وبحجز أي رسالة واردة من أو إليهم أي شخص أو فريق من الأشخاص وله أن يأمر بإفشاء مضمونها للحكومة.

     

                   السير/ ارنولد ولسن..في اليسار

واصدر Arnold Wilson وكيل الحاكم المدني في6 تشرين الأول 1920 بياناً ألزم بموجبه أن تكتب البرقيات فقط بالإنكليزية أو الفرنسية، وان تقدم البرقيات المختزلة مع نسخة تبين معنى ألغازها، ولا يسمح بأن تحتوي على ألغاز مستخرجة من قاموسين مختلفين، ومن طريق ذلك يتبين تخوف السلطة المحتلة من أي اتصالات برقية بين سكان البلاد، والبلاد الأخرى فضلاً عن أن البيان قد أعطى للسلطة صلاحية إفشاء مضمون تلك البرقيات، والتعرف على مختزلاتها.
فتحت أول مصلحة بريد جوية بين العراق، ومصر (بغداد-القاهرة) في آب  1921 إذ كان البريد ينقل مرتين في الشهر بطائرات القوة الجوية الملكية البريطانية، ولكن هذه المصلحة اقتصرت في بدايتها على المراسلات العادية الرسمية العسكرية والمدنية وبعد ذلك شملت المراسلات الخصوصية.

 

وعين حكمت سليمان في 15 تشرين الثاني 1922، أول مدير عام للبريد والبرق، أُلغيت الامتيازات الممنوحة للبريطانيين العاملين في مؤسسات البريد  والبرق. في 1 نيسان 1923 وُحدت أنشطة البريد والبرق تحت اسم المديرية العامة للبريد والبرق وألحقت بوزارة الأشغال والمواصلات.

     


شهدت الخدمات البريدية توسعاً بافتتاح عدد من دوائر البريد في أنحاء متعددة من العراق حتى بلغت 78 دائرة في 31 آذار 1923. وفي عام 1924 أصبحت مديرية البريد والبرق عضواً في اتحاد البريد الدولي تمثلها إدارة البريد البريطانية. وفي عام 1925 استحدثت مصلحة الضمان الداخلي للرسائل والرزم، عرف بنظام البريد المسجل. وصدر إعمام إلى الدوائر البريدية كافة باستعمال اللغة العربية إلى جانب اللغة الإنكليزية في المراسلات البريدية، وقررت مديرية البريد والبرق الغاء الختم البريطاني (m) تعني (Military) على المراسلات العسكرية، والمدنية الرسمية، وإعفاء هذه المراسلات من دفع الأجرة البريدية، واصبح الزاماً وضع الطوابع البريدية العراقية عليها. وفي نيسان 1929 أصبح العراق عضواً مستقلاً في اتحاد البريد الدولي.
شهدت خدمات البريد الجوي تطوراً مهماً؛ فلم يقتصر على نقل البريد بين بغداد والقاهرة فقامت بتلك الخدمات شركة الخطوط الجوية الإمبراطورية البريطانية بدلاً من القوة الجوية الملكية البريطانية التي كانت تنقل البريد بين العراق والقاهرة. وفتح خط بريدي جوي بين بغداد وطهران وبغداد ودمشق.
توسعت الخدمات البريدية وارتفعت كفايتها بعد تطور وسائط النقل والمواصلات النهرية والبرية: السيارات والسكة الحديد، التي عملت على نقل البريد داخل البلاد وخارجها، وفي عام1932 أُسهمت شركة الطيران الإمبراطورية البريطانية في نقل البريد مرتين في الأسبوع حتى عام 1935 ثم ارتفع إلى خمس مرات عام 1938. فضلاً عن استعمال الطائرات في نقل البريد فقد استعملت السيارات في نقل البريد علاوة على التعاقد مع وكلاء للنقل يُختارون في إطار مواصفات خاصة تتعلق بالأمانة والسرعة في نقل البريد، واستحدثت في عام 1937 مصلحة التسليم السريع للرسائل والبطاقات إلى اصحابها، وذلك باعتماد وسائل نقل خاصة وسريعة تقوم بنقلها حال وصولها إلى الدائرة وقبل إجراء التوزيع الاعتيادي لقاء أجرة إضافية.

  

أما تاريخ الطوابع، فقد كان العراق يستعمل طوابع البريد العثماني أيام السيطرة العثمانية، فقد أنشئ في كل مركز ولاية دائرة للبريد لبيع الطوابع البريدية للأهليين وتبطيلها بالختم البريدي العائد لتلك الولاية، فالشخص الذي يرسل رسالة من البصرة إلى شخص في ولاية أخرى يبطل الطابع الموجود على رسالته بختم البصرة وكذلك الحال في الولايات المتعددة كافة المنتشرة في البلاد العربية كلها، هذه الطوابع لم تكن خاصة بالعراق وحده بل كانت توزع في البلاد الخاضعة للدولة العثمانية كافة.

                

وبعد الاحتلال البريطاني على العراق استولى البريطانيون على دوائر البريد وعلى كل ما موجود فيها من الطوابع البريدية العثمانية وطبعوا عليها عبارة (Baghdad Under British Occupaion) وتعني بغداد تحت الاحتلال البريطاني. وفي عام 1923 صدرت أول مجموعة طوابع بريدية عراقية ذات مناظر تاريخية (كالثور المجنح).

           

استعملت الطوابع العراقية بصورة كبيرة عام1931  وكانت الموشحة بصورة الملك فيصل الأول وفي نيسان 1932 صدرت العملة العراقية التي حلت محل العملة الهندية واستعملت شعارات العملة في الطوابع. وصدرت طوابع بوفاة الملك غازي في نيسان 1939.
والملاحظ هنا أن وزارة الأشغال والمواصلات قد أولت أهمية كبيرة للخدمات البريدية لما لها من أهمية في إيصال أوامر الحكومة وعممتها إلى مختلف أنحاء العراق، ولزيادة التواصل بين السكان في جهات العراق.

                                       
 
ب- الهاتف:
كان دخول أول خدمة هاتفية إلى العراق عام 1910 لأغراض معينة ومحدودة وفي عام 1919 نصبت في بغداد بدالة يدوية صغيرة في جانب من جامع الإمام الأعظم ربط بها عدد من الهواتف الخاصة بالدوائر الرسمية، ونصبت بدالة في البصرة وكانت أوتوماتيكية وعرفت ببدالة العشار.

            

وبعد تأسيس الحكومة العراقية الملكية عام1921 كان أول بيت دخله الهاتف في بغداد بيت توفيق السويدي، وقد حصل على رقم (1) وكانت طريقة الاتصال بالأشخاص تتم من طريق تدوير القرص لكي يتصل بالبدالة ويكون مأمورها مسؤولاً عن الحصول على الرقم المطلوب. أما عن المكالمات التلفونية العمومية فقد وضع لأول مرة في بغداد دائرة بريد باب الأغا، قرب جامع مرجان بتاريخ 15 نيسان 1927 بسبب عدم إقبال المواطنين على نصب الهواتف في مساكنهم ومتاجرهم ..

              

عملت مديرية البريد والبرق العامة على تشجيع الأهالي على نصب الهواتف في مساكنهم، فأصدر أرشد العمري، المدير العام للبريد والبرق منشوراً برقم 23 وبتاريخ 15 آذار 1931 قرر فيه منح مبلغ  نقدي مقداره 10 روبيات حوالي 750 فلساً عراقياً مكافأة لكل موظف بريدي يقنع مواطن على نصب هاتف في مسكنه أو محله. فأصبح عدد الهواتف المركبة في عموم العراق عام 1932 حوالي 1876 هاتفاً وحدث تطور في مدّ خدمة الهاتف إلى الألوية، والمدن العراقية المهمة، ففي عام 1924 مُدّت أسلاك الهاتف بين الناصرية وسوق الشيوخ. وفي عام 1929 مدّت أسلاك الهاتف بين بغداد والحلة. ونظراً لأهمية الهاتف فقد سعت الدائرة إلى مدّ خدمة الهاتف إلى الدول المجاورة للعراق، ففي عام 1935 مدت أسلاك بين العراق، وسوريا، ولبنان، وفلسطين، وشرق الأردن، ومصر.

    


ولتحفيز الناس على الاستفادة من خدمة الهاتف فقد خفضت أجور المخاطبات للمسافات البعيدة داخل العراق وأصبحت هذه الأجور بسعر موحد للمخاطبات وقسم اليوم إلى ثلاثة مدد لكل منها تسعيرة خاصة المدة الأولى من الساعة السابعة صباحاً حتى الساعة الثانية ظهراً، والثانية من الساعة الثانية ظهراً حتى الساعة السابعة مساء، والثالثة من الساعة السابعة مساء صباحاً وحتى الساعة السابعة مساءً، وأصبحت وحدة المخاطبة في المدة الثالثة، خمس دقائق بدلاً من ثلاث دقائق.

     

ونتيجة للتطورات العالمية للاتصالات أدركت وزارة الأشغال والمواصلات أهمية الأخذ بالتطورات التكنولوجية الحديثة، ولاسيّما مع تزايد الشكوى من الارتباكات التي تحدث في أثناء الاتصالات فقررت استبدال البدالات اليدوية بالبدلات الأوتوماتيكية، ورصدت المبالغ لهذا المشروع، ونصبت أول بدالة أوتوماتيكية في عام 1938 في الكرادة الشرقية ذات 350 رقم سميت بدالة الجنوب. وبعد إكمال مد خط السكة الحديد بين الموصل وتل كوجك قررت مديرية البريد والبرق مَدّ أسلاك هاتفية وبرقية من تل كوتشك إلى الموصل بمحاذاة سكة القطار لربط المحطات، ومخافر الشرطة بعضها ببعض وقد وضعت الترتيبات اللازمة لتجهيز خط تلفوني منفصل إلى الحدود السورية يوصل العراق بسورية بلا توسط فلسطين بعد إكمال الخطوط في داخل حدودهم، وقد أوفدت مديرية البريد والبرق هيئة خاصة للقيام بمدّ الخطوط المذكورة تحت إشراف الشعبة الفنية في الموصل.
استمرت الوزارة بالتوسع في مجال الخدمة الهاتفية، فا بدلت بدالة الصويرة ذات 25 خطاً بالقديمة ذات 18 خطاً، وانجز نصب بدالة ذات ستة خطوط في حمام العليل. وأنجز نصب بدلات في المدن العراقية الأخرى. وفي 18 كانون الثاني 1938 أجرى أول اتصال لاسلكي مباشر مع لندن، وكندا، والولايات المتحدة الأمريكية، وفي عام 1939 نصبت 14 بدالة في بغداد بلغت سعتها 1085 خطاً هاتفياً.

                       

ج- الإذاعة اللاسلكية:
لم يعرف العراقيون الإذاعة حتى الثلاثينيات، ففي الثلاثينيات نصب بعض المقاهي في بغداد محطات إذاعية سلكية لتبث إلى روادها الأغاني، والمقامات العراقية، كان صاحب المقهى ينصب جهاز راديو كبير في ركن المقهى،ويوصله بأسلاك إلى الحاكي المكرافون الذي تذاع منه الأغاني، وتراتيل القرآن الكريم المسجلة على اسطوانات كبيرة، ويعود أول مقهى أنشأ هذه الإذاعة إلى الحاج عبد العزيز الكائن في منطقة البارودية التابعة لمحلة الفضل الواقعة في جانب الرصافة ببغداد.
تعود فكرة إنشاء محطة الإذاعة في بغداد إلى عام 1932 لمناسبة افتتاح المعرض الصناعي الزراعي في بغداد، إذ استعملت المرسلتان اللتان كانتا في دائرة اللاسلكي في المعرض المذكور، وكانت الإذاعة اللاسلكية تبث على موجتين طولهما 900,49 متر وقد دامت ليوم واحد. ومنذ عام 1932 بدأت التجارب تجري على نحو متواصل لإخراج الإذاعة إلى حيز العمل.
طرحت قضية إنشاء محطة إذاعة لاسلكية في الجلسة التاسعة والثلاثين من الاجتماع الاعتيادي لمجلس النواب لعام 1934 في أثناء مناقشته ميزانية   عام 1934 والباب المخصص لدائرة البرق والبريد، تحدث سليم حسون نائب الموصل بشأن أهمية إنشاء محطة لاسلكية موضحاً أن الميزانية لا تكفي لإنشائها، على الرغم من أن دائرة البرق والبريد صار لها واردات، ويمكن تخصيص هذه الواردات لإنشاء محطة لاسلكية، ولاسيّما أنها أصبحت من الضروريات، رد عباس مهدي وزيرالاقتصاد والمواصلات على ذلك قائلاً:

"إن الآلة تكلفنا عشرة آلاف دينار، وان مصاريف تشغيلها تكلفنا ثلاثة آلاف دينار وأنا لا أعتقد بأننا يمكننا أن نصرف هذه المبالغ في الوقت الحاضر".

أما رأي أحمد الداود نائب بغداد هو أن يفرض رسوم على أصحاب الراديوات الذين يستفيدون من هذه المحطة، لكن سعد صالح  نائب كربلاء عدَّ إنشاء المحطة من الكماليات غير الضرورية وإن اشباع الجياع هو أهم، فرد إبراهيم حييم نائب بغداد على كلام سعد صالح بأنه لا يعدّ الراديو من الكماليات لأنه يبث المعلومات التجارية وبعض الأسعار، ويبث المعلومات الأجنبية ويتعلم منه بعض اللغات الأجنبية وهذه المحطة تقوم بالدعاية للعراق، فعقب عباس مهدي وزير الاقتصاد والمواصلات على كلام النائب إبراهيم حييم وقال:

"إنه كان يود أن يتطرق النائب لتعليم الأميين لا لتعليم اللغات الأجنبية في الراديو".

وحدث نقاش حاد بين سليم حسون نائب الموصل الذي طرح فكرة إنشاء الإذاعة وسعد صالح الذي عارض هذه الفكرة، وقال حسون : "إن محطة لاسلكية ليست كماليات ومن الغريب أن يوجد راديو ولا توجد محطة لاسلكية"، ثم ذكر بأنه يشارك النائب سعد صالح بأنه يجب أن نشبع الجياع وكسو العراة والحفاة، أن يلغى الهاتف والبرق، ونشبع الجياع، رد سعد صالح على كلام سليم حسون بأنه لا يقصد الغاء الهاتف أو البرق لنشبع الجياع بل لا نبذر الأموال على المسائل الكمالية، إن الناس لا تسمع من الراديو الخطابات السياسية والاقتصادية بل تسمع غناء سليمة باشا.
استمر النقاش بشأن هذا الموضوع إلى أن اختتمه عباس مهدي وزير الاقتصاد والمواصلات قائلاً: " لا ينكر فوائد الراديو خصوصاً من يحسن اللغات الأجنبية ولكن الوقت لم يحن لصرف هذا المصرف في حين أننا بحاجة تامة إلى مشاريع أخرى".

                                   

عادت الدعوة إلى تأسيس الإذاعة مرة أخرى في منتصف العام 1935 فقد وجه رئيس الوزراء ياسين الهاشمي كتاباً إلى الوزارات العراقية في 24 حزيران 1935 يطلب رأيها في المشروع فلاقت الفكرة استحسان جميع الجهات لإنشاء محطة صغيرة للإذاعة، وعهد إلى وزارة الأشغال والمواصلات تنفيذ الفكرة، عملت وزارة الأشغال والمواصلات على بناء هذه المحطة وصرفت على مواد البناء وأجور العمل (الجص-الأسمنت-الطابوق) مبلغ ألف دينار ثم أضيف عليه مبلغ  2800 الف دينار لكي يصبح المبلغ الكلي 3800 دينار، وقد سلمت البناية لمديرية البرق والبريد العامة، بوصفها الجهة الفنية المسؤولة عن إدارتها. وكان القسم الفني يتألف من مهندسين، وملاحظين، وفنيين، ومأمورين فنيين، وعدد من العمال.

  

شيدت بناية الإذاعة بجانب الكرخ  عام 1936 مقابل تمثال الملك فيصل الأول، وبُنيت هذه المحطة على الطريقة الهندسية (اليونانية) بطابق واحد أرضي بأروقة واسعة تطلّ على الشارع تتقدمه درجات مستطيلة على طول البناء وافتتحت الإذاعة بتاريخ في شهر 1936، وكان أول صوت يقول هنا بغداد هو صوت المذيع عبد الستار فوزي بعد أن افتتح الإذاعة وزير المعارف صادق البصام.

     

وكانت المطربة سليمة مراد أول مطربة تغني في يوم الافتتاح وكان طول الموجة التي تبث عليها إذاعة بغداد هي 391 متر و767 كيلو سايكل.
بدأ منهاج الإذاعة لليوم الأول بتلاوة للقرآن الكريم ورتلها القارئ عبد العزيز الخياط وحديث ديني بعدها نشرة أخبار واحدة، ومن ثم مجموعة من الأغاني (أسطوانات)، وثم حفلة لمدة ساعة أحيتها المطربة سليمة مراد. وكانت إذاعة بغداد هي الثالثة في العالم العربي بعد إذاعة القاهرة، وإذاعة القدس، ثم جاءت بعدها إذاعة بيروت وقد أسماها الفرنسيون راديو الشرق. وفي السنوات الأولى كان بث الإذاعة غير منتظم تبث يومين في الأسبوع ابتداءً من 1 تموز 1936 إلى أن توقفت في 16 أيلول 1936 بناءاً على رغبة رئيس الوزراء وانحلت اللجان الخاصة بالإذاعة. وكانت الحجة في توقف الإذاعة الحاجة إلى اختصاصيين بشؤون العمل الإذاعي، وهذا المسوّغ لم يكن مقنعاً لأحد،  يضاف إلى ذلك الخلافات الحادة بين الحكومة والمعارضة في زمن الملك غازي، مما أنعكس بدوره على الإذاعة التي يرأس اللجنة المشرفة على شؤونها رئيس الوزراء ياسين الهاشمي، فاضطر إلى إيقافها تحاشياً لتأجيج تلك الخلافات واتساعها وهذا هو السبب الرئيسي لإيقاف الإذاعة.
عادت فكرة إعادة الإذاعة مرة أخرى في عام 1937 بعد تأليف لجنة وزارية برئاسة وزير المعارف، وأعضاء يمثلون وزارات الداخلية، والاقتصاد والمواصلات، والدفاع وأعيد البث وأصبح ثلاث مرات في الأسبوع بمعدل ثلاث ساعات ونصف لكل مرة واستمر العمل بهذا النظام حتى نهاية تشرين الثاني 1937، وفي 1آب1938 بدأت الإذاعة البث يومياً، وحاولت وزارة المعارف تطوير المحطة وتحسينها وزيادة وارداتها باتخاذ إجراءات كان من أهمها فرض ضريبة مقدارها نصف دينار على أجهزة الراديو في البيوت، والمحلات التجارية، والسيارات، والأماكن الخاصة والعامة وجاء في الأسباب الموجبة لصدور قانون ضريبة المذياع (الراديو) رقم 59 لعام 1938 حاجة البلاد إلى الأموال اللازمة لتطوير الإذاعة، وعدم وجود موارد كافية أخرى للتمويل وقدرت عدد الأجهزة الموجودة بعشرة آلاف جهاز فتكون ضريبتها خمسة آلاف دينار. وعملت على استعمال الإعلانات التجارية، وخصصت لها 30 دقيقة لقاء أجور معينة لدعم الإذاعة مادياً.
كانت للإذاعة سكرتارية تابعة لوزارة المعارف، وفي عام 1939 انتقلت الإذاعة من سكرتارية إلى مديرية ألحقت بمديرية الدعاية في وزارة الداخلية.
وكان الغرض من إنشاء الإذاعة هو دعاية للحكومة العراقية من حيث طرح مناهجها وأفكارها إضافة إلى معرفة أخبار العالم والاتصال به زيادة على الجانب الترفيهي الذي حوى على الموسيقى والغناء.

      

والجدير بالذكر كان للملك غازي  إذاعة خاصة به وبدأت الفكرة في إنشاء هذه الإذاعة في مطلع 1936، وقد كلف أحد المهندسين الأجانب بنصب جهاز إرسال بقدرة كيلو واط واحد في القصر الملكي الذي يطلق عليه قصر الزهور، وأخذت الإذاعة اسم القصر، وسميت إذاعة الزهور، وكان الملك غازي يعمل في إذاعته وحده فهو يعد البرامج والأغاني التي كان يؤديها المطربون في بث حي ومباشر على الهواء ويقدمها، فضلاً عن القاء الخطب السياسية التي كان الملك يهدف منها إيصال أفكاره المعادية للبريطانيين إلى الناس وكانت تبث على الموجة المتوسطة، ولا تسمع إلا في بغداد وضواحيها من طريق أجهزة محدودة للاستقبال وزعها على الأماكن العامة في بغداد، توقفت الإذاعة بعد وفاة الملك غازي في حادث السيارة في 3 نيسان 1939.
والخلاصة يمكن القول أن وزارة الأشغال والمواصلات قد وضعت الأسس الرصينة لبناء الاتصالات في العراق وتطويرها، وقد أثر على جهودها في هذا المجال قلة التخصيصات المالية؛ لأن ميزانية العراق كانت آنذاك لا تساعد على التطور السريع والواسع.
عن رسالة (وزارة المواصلات والأشغال)

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

826 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع