آل جقماقجي ....أول شركة تسجيل في العراق
بقلم/سهام سامي جقماقجي
آل جقماقجي... عائلة موصلية معروفة توزعت داخل العراق بين الموصل وبغداد، لها بصمات واضحة في ترسيخ التراث الموسيقي والغنائي العراقي والعربي واشاعة روح المحبة والسلام من خلال رسالتها الداعمة للفن، وأسست شركتها "جقمقاجي" التي ذاع صيتها في ارجاء الوطن العربي واضحت مركز جذب للفنانين والمطربين والموسيقيين في الوطن العربي خلال القرن الماضي.
وعن نسبهم يذكر الأستاذ أزهر العبيدي:هم أبناء قاسم بن يونس بن قاسم بن أحمد بك بن محيي الدين بك بن خالد بك بن الأمير أحمد بك العبّاسي، وهم من محلّة باب النبي.
برز منهم في أوائل القرن الماضي الحاج فتحي يحيى قاسم جقماقجي (1888-1969م)، المولود في الموصل وعقب اربعة ابناء وابنتين و (33) حفيد وحفيدة.
وأبنائه هم: محمد عارف (1914 - 1977) (أبو سمير ورياض وعماد) ، وعبد الله (1925-7/6/1976) (أبو نجم)،وسامي(1927- 4/4/1988) (أبو سرمد وسهيل)، ومحمد واجد ( 1939- 31/7/2008) (أبو فتحي وأحمد)، وهم جميعا في ذمة الله (رحمهم الله جميعا واسكنهم فسيح جناته).
أسس الحاج فتحي جقماقجي شركته "شركة جقماقجي" عام 1918م، وكانت الانطلاقة من شارع غازي في الموصل واقتصرت البداية على استيراد الأجهزة الكهربائية وبصورة خاصة التلفزيونات والكرامافونات، وساعده فيما بعد ابنه الأكبر محمد عارف حتى عام 1940م.
وفي سنة 1940 انتقل الأبن الأكبر محمد عارف إلى بغداد وفتح له فرع لشركة جقماقجي في منطقة ساحة الغريري، وفي عام 1942 انتقلت العائلة إلى بغداد والتحقت بابنهم الأكبر وتولى مسؤولية إدارة الشركة في الموصل (الأبن الثاني) المرحوم عبد الله بالتعاون مع ابن عمه وصهره محمد النجم (ابو صلاح). وبعد سنتين التحق هو الآخر بالعائلة في بغداد.
وفي عام 1944 فتح الأبن الثاني عبد الله فرعا للشركة في منطقة الحيدر خانة (مقابل مقهى خليل) في منتصف شارع الرشيد، ثم توسعت وفتح الأبن الثالث سامي، الذي كان طالبا في كلية التجارة، فرعاً آخر في الباب الشرقي عام 1951 عند مدخل شارع الرشيد بالإضافة الى فرع الحيدر خانة. في حين سافر محمد واجد الى انكلترا لغرض الدراسة.
تميز المرحوم عبد الله بالتركيز على هوايته المفضلة وهي التسجيلات والمسجلات وكان يهتم بتسجيل حفلات المطربين العرب والعراقيين. في حين ركز المرحوم سامي على تسجيل الأسطوانات وتطويرها وتصنيعها في السويد والباكستان بالإضافة الى مد جسور تواصل مع الفنانين العرب، مثل: أم كلثوم، ومحمد عبد الوهاب، وعبد الحليم حافظ، ومحرم فؤاد، وصباح وفائزة أحمد...الخ ومع الفنانين العراقيين، مثل: ناظم الغزالي، وحضيري ابو عزيز، وزهور حسين، وسليمة مراد،...وغيرها
كتب الأستاذ لميع اللامي بتاريخ 27/1/2012م مقالة، نشرت على موقع "شهريار"، بعنوان من التراث: ذاكرة العراق الموسيقية، الجقماقجي ، حيث ذكر فيها:
((تأسست الشركة بشكل رسمي في العام 1918 في بغداد باسم (شركة الحاج فتحي جقماقجي واولاده) وفي بدايتها كان الاهتمام منصبا على الاستيراد للمواد والاجهزة الكهربائية ومن ضمنها “الحاكي الكرامافون” والاسطوانات حتى تطور الامر إلى تسجيل اغاني المطربين العراقيين والعرب، وقد تعلم اولاد الحاج فتحي (عبد الله ونجم الدين) اسرار المهنة فاصبحوا كثيري السفر الى القاهرة لعقد الاتفاقات مع المطربين والمطربات لتسجيل اغنياتهم في ستوديوهات مؤجرة ثم ترسل الى الخارج لطبعها على اسطوانات وتكون الحقوق محفوظة لشركة جقماقجي.
بعد وفاة مؤسس الشركة تسلم ادارتها ولده عبد الله فتحي جقماقجي، وكان مولعا بأغلب المطربين المصريين وبالأخص عبد الوهاب وأم كلثوم، واحتفظ عبد الله بنسخ اصلية لتسجيلات نادرة كانت تغلط فيها ام كلثوم فتعيد التسجيل اكثر من مرة وهي جزء من مكتبة صوتية ضخمة فيها اكثر من تسجيل للاغنية الواحدة، بالإضافة الى الاشرطة التي تسجل الاحداث والوقائع النادرة، وهي مازالت موجودة لدى احفاده، وقد عرضت الحكومة الكويتية عرضا لشرائها في سبعينيات القرن الماضي، الا ان حفيد جقماقجي رفض بيعها رغم المبالغ الكبيرة التي دفعها الكويتيون اذ اعتبرها ثروة وطنية ثمينة وجزءً من تاريخ الشركة والتراث العراق.
ويضيف قائلا: (وفي كثير من الاحيان كانت الاذاعة والتلفزيون تستعين بتسجيلات الجقماقچي لتقديم بعض البرامج الفنية التي لا تجد لها ارشيفا في مكتبتها الحكومية).
ناظم الغزالي وشركة جقماقجي:
تشير مذكرات المرحوم سامي جقماقجي (غير المنشورة) إلى:
(كانت هناك ثمة محاولات لتسجيل الأغاني العراقية باطار جديد. ولكن هذه المحاولات كانت محفوفة بالتردد؛ وذلك لأن "البستة" كانت تابعة للمقام العراقي ، ولم يكن من الممكن أن يصبح للأغنية كيان خاص رغم أن فرقة الإنشاد في الإذاعة كانت قد سجلتها. ولما دخلت شركات التسجيل الصوتي إلى العراق سجل الأستاذ محمد القبنجي مجموعة من البستات منها: "سودتوني هل النصارى" و "بنية بنت البيت"، ..وغيرها.
وقد نجحت هذه الأسطوانات نجاحا متميزا، وهذا ما حدى بالشركات الأخرى إلى استقطاب المغنيين وظلت أكثر هذه الشركات تواصل عملها حتى الخمسينات، حيث بادرت شركة جقماقجي إلى طبع الأسطوانات على حسابها الخاص. فكانت الخطوة تصب على إعادة تسجيل الأغاني العراقية باطار وروحية جديدة... فكانت البداية مع الفنان الراحل ناظم الغزالي...)
ويقول الأستاذ الدكتور سمير بشير حديد الذي تربطه صلة القرابة والمصاهرة بين عائلة أل حديد وعائلة آل جقماقجي:
كنت ارافق أخي الأكبر أمير (كان ملازم ثاني وحاليا لواء متقاعد، وكنت طالب جامعي) عند زياراته المتعددة الى بغداد، وكنا نحرص على زيارة كل من العم عبد الله (رحمه الله) والعم سامي (رحمه الله). كان المرحوم عبد الله يفتح لنا ارشيف المحل في الحيدرخانة ويسلمنا المفاتيح ويتركنا في المحل حسب رغبتنا، واحياننا نقضي مع التسجيلات اكثر من خمس ساعات نستمع الى التسجيلات النادرة لأم كلثوم ونسجل ما نرغب وبعض هذه التسجيلات لازالت في عهدة أخي أمير، كان رحمه الله يحبنا كثيرا ويعزنا، ويعد زيارتنا له والى العم سامي بمثابة تذكيرهم بابن خالهم المرحوم الوالد بشير سعيد حديد، وكان يأخذنا الى دارهم ولا يتركنا الا بعد ان نتناول العشاء وفي بعض الأحيان كنا نقضي الليل عندهم)، ويضيف قائلا:
لقد عاصرتهم جميعا في بغداد وفي انكلترا، وبصورة خاصة العم سامي والعم محمد واجد: وجدتهم كرماء أوفياء طيبين يتسابقون لحب الخير ومساعدة الناس، قضيت أطيب الأيام معهم ولا انسى مواقفهم طالما حييت.
وبعد فأننا - نحن بعض من أحفاد آل جقماقجي - نعرب عن اسفنا الشديد لاندثار شركة جقماقجي وعدم استطاعتها مقاومة العصرنة وتداعياتها فقد التحقت كباقي الرموز التراثية التي اندثرت بسبب الاهمال وعدم الاهتمام من قبل المؤسسات الرسمية المعنية.
ان من المؤسف الا تستطع اخر بقايا (اول شركة تسجيل في العراق) من مقاومة رياح التجدد في تقنيات علم التسجيل والسماع وبروز اقراص السي دي وأنظمة البلوتوث وغيرهما من الوسائل الاخرى، مما جعلها تغلق ابوابها في منتصف تسعينات القرن الماضي ولم يبق منها سوى الاسم الذي ما زال عالقا في اذهان محبي الفن والموسيقى والغناء... ترى هل سيظهر احد من احفاد العائلة من يعيد اليها مجدها؟
801 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع