"الهمبرغر ليس مجرد طعام، انه اكثر الوجبات الجامعة للمعارف والاصدقاء"

"الهمبرغر ليس مجرد طعام، انه اكثر الوجبات الجامعة للمعارف والاصدقاء"

يقول الكاتب الإنجليزي الشهير جورج برناردشو "لا يوجد حب مخلص أكثر من حب الطعام"، وقد يكون هذا صحيحا تماما، فتاريخ البشرية مرتبط بالطعام منذ أن وجد الإنسان على هذه الأرض،

يعد البرغر من أكثر الوجبات شعبية في العالم؛ إذ يعتبر هذا السندوتيش اختيارًا مفضلًا لمحبي الطعام السريع، يتكون الهمبرغر من خبز مخبوز وشريحة لحم بقري، خردل، كاتشب، بصل، مخلل، مع اختيار وارد من الجبن، ويتميز البرغر المشهور عالميًا بأنه ملائم ورخيص ولذيذ وله تاريخ مكتوب وغير مؤكد، يحظى برواج يجعلنا نتساءل عن أصله وتاريخ ظهوره، وفي أي بلد ظهر لأول مرة؟.

هناك العديد من الروايات عن أصله، وجميعها تؤكد أنه ليس أمريكيًا، يعود تاريخ شطائر البرغر إلى منغوليا في القرن الثالث عشر، خلال المعارك الدائرة بين المغول والتتار، و "التتار على ما يبدو، كانوا يستسيغون لحم الضأن النيئ، حتى أنه كان يرافقهم طوال اليوم تحت سروجهم، وعندما يستقرون في خيم، كانوا يأخذون لحم الضأن الساخن، ويقطعونه، ويضيفون إليه بعض التوابل على الأرجح، ثم يأكلونه على هذا النحو"، ومن ثم شقّ هذا الطبق طريقه إلى البحّارة، والموانئ الممتدة على سواحل بحر البلطيق ما سمح له بالوصول إلى المناطق الغربية من أوروبا، ومنها إسكندنافيا،

من هناك، وصل إلى ألمانيا ومرفأ هامبورغ، وفي القرن الثامن عشر والتاسع عشر كانت حركة الملاحة كبيرة بين ميناء هامبورج الألماني وميناء نيويورك، ليصبح الميناءان أشبه بجسر بين الوصفات الأوروبية القديمة والوصفات الجديدة التي تم تطويرها في أمريكا؛ ففتحت الأكشاك الصغيرة في ميناء نيويورك لتقدم هذه الوجبة ولكن باسم (ستيك هامبورج) وذلك لاجتذاب البحارة الألمانيين القادمين من هامبورج، وكان ستيك هامبورج مختلفا، فكان قطعة من اللحم المفروم المدخن (وهنا بدأت مرحلة الطهي بالشواء) ويقدم مع البصل وقطع الخبز المفتت، ومن المحتمل أن المهاجرين الألمان هم من نشروا تلك الطريقة لعمل اللحم المفروم أثناء سفرهم إلى العالم الجديد، وهناك ما يشير إلى أن شرائح لحم الهمبرغر كانت من ضمن قوائم مطعم "دلمونيك" في عام 1837 وكان يتم تقديمه للزبائن بسعر 10 سنتا، وكان يقوم بطهي تلك الوجبة الشيف الأمريكي تشارلز رانهوفر، وهذا السعر كان يعتبر غالى في تلك الفترة، حيث كان ضعف ما يتم دفعه لشريحة لحم بقري بسيطة "بيف ستك، بعد ذلك بفترة بدأ تقديم هذه الوجبة بنفس المكونات لكن بعد وضعها في الزيت المقلي، ويعد بطريقة أشبه بالموجودة الآن، وهناك جدل كبير حول كيفية انتقال الوجبة من الميناء الألماني إلى أمريكا،

فتقول الرواية الأولى إنه في عام 1885 كانت عائلة المنشيز، من سكان حي هامبورج في نيويوك، يملكون كشكا لبيع النقانق أو السجق، وفي إحدى الكرنفالات في نفس الحي نفذ مخزون السجق فاستبدوله مباشرة باللحم المفروم ومن ثم أطلقوا مسمى "الهمبورغر" على هذا السندويش الجديد وذلك تيمنا بموقع الكرنفال

وهناك رواية أخرى تقول إنه في نفس العام أطلق تشارلي نجرين مسمى الهامبرجر على سندويش أعده من كرات اللحم المفروم، ولكن وسط قطعيتن من الخبز وذلك تيمنا بطبق "ستيك هامبورج"، والذي كان يبيعه في كشك مهرجان أبليتون الذي يقام في المعرض السنوي، ووفقًا لمكتبة الكونجرس الأمريكي فإن أول من أخترع البرغر في أمريكا هو لويس لاسن صاحب مطعم بمدينة نيو هافن عام 1895، عندما قدم اللحم المفروم بين الخبز، لأنه كان يبقى لديه شرائح لحم بعد إعداد الأطباق الكبيرة، فقرر تجميعها وفرمها مع التوابل وتقديميها مع الخبز، وذات مرة أكل عنده أحد الجنود الألمان هذا السندوتيش" فأطلق عليه "هامبوغر" لأنه كان يشبه طبق "ستيك هامبورج"، وعائلة لويس تقدم الهامبرغر حتى الآن، بنفس الطريقة التي أعده بها في أول مرة، فكان يضيف على السندويتش الطماطم والبصل والجبنة فقط،

وفي عام 1921م ظهرت أول مطاعم الأكل السريعة في ولاية كانساس في أمريكا، و اصبح الهمبرغر يباع في المطاعم الصغيرة التي تنتشر على جوانب الطرق السريعة، و في محلات المشروبات الغازية، وفي عام 1938 بلغ هذا الطبق ذروته عندما افتتح الأخوان ريشارد وموريس دونالد، مطعما خاصا لبيعه في مدينة سان برناردينو في ولاية كاليفورنيا، و في أثناء الحرب العالمية الثانية جلب الجنود الامريكيون معهم عبر البحار للقارة الاوروبية، حيث كان الجنود يتناولون ساندويتشات الهمبرغر بكثرة،، ومع انتشار الهمبرغر في جميع أنحاء العالم، بدأت تطور أساليب تقديمه، إلا أنها تقاربت، وتكاد تكون توحدت مع انتشار سلسلة مطاعم الوجبات السريعة، ما جعل اسعار الوجبات متقاربة، حتى أصبح الهمبرغر من المؤشرات الاقتصادية وسعره يستخدم كوسيلة لمقارنة القدرة الشرائية للأفراد في البلدان حول العالم.


في بغداد، لا يقتصر طعام الشوارع والازقة على توفير سبل العيش فحسب؛ إنه احتفال بالنكهات، وشهادة على روح المدينة القلبية وطقوس يومية للسكان المحليين، إن المشي في شارع السعدون والرشيد والكاظمية والاعظمية والكرخ يعني دعوتك بجاذبية إلى وليمة من ألوان التنوع أن هناك وجبات صباحية وأخرى مسائية والبعض الآخر طوال اليوم، حيث يتم إعداد الوصفات التقليدية التي تنتقل عبر الأجيال بحب وتقديمها بكل فخر يقدم كل كشك ومطعم وعربة أكثر من مجرد طعام؛

فهو يقدم مأكولات متنوعة ذات طعم من تراثه وتأريخه، تكمن جاذبية ألاطعمة من طاوة العروك والكباب والكبة، إلى الأطباق من الرز والمرك، والباجة والباقلاء بالدهن والمخلمة وشوربة العدس..،

وعربات اللبلبي والباقلاء والعنبة والشلغم، وشعر البنات والبيض المسلوق

والكاهي، وقيمر الصباح والبقلاوة والزلابية والكعك والبقصم والدوندرمة، هذه المدينة بفسيفساء من النكهات الصالحة للأكل، ففي كل وجبة قصة من التقاليد المتوارثة، ففي منتصف الخمسينات وبداية الستينات بدأت تدخل الى بغداد وجبات جديدة لاقت استحسانا واقبالا وهي:

الهمبرغر والشاورما والبيتزا والسباكيتي والفلافل لتضاف الى قائمة الاكل في المطاعم ا والاكشاك والعربات.

لم تعد أكلة الهمبرغر توجد في أمريكا فقط مثل قبل، ولكن انتشرت مطاعم الهمبرغر بكثرة في مختلف الدول خاصة في المجتمعات العربية، كما أن الطلب عليها أصبح مزايدً فنجد أن الجميع يبحثون عن أفضل مطعم همبرغر في مدينتهم، وكل مطعم يقدم البرجر على طريقته الخاصة والذي يختلف مذاقه عن أي مطعم آخر، لكن الطريقة الرئيسية لطهيه وتقديمه، والتي تُعرف أيضاً بالطريقة الغربية الرئيسية لتقديم الهمبرغر، هي تقديم الهمبرغر مع الخبز الخاص وقطعة من اللحم المشوي أو المقلي وحلقات البصل صلصة الشواء، يمكن أن تكمل الخضار مثل الطماطم أو القليل من أوراق الخس،

وكان لبغداد حصّته من المطاعم التي تصنع وتبيع الهمبرغر، وكان ابو يونان من الاوائل الذين ساهموا في انتشار اكلة الهمبرغر لدى المجتمع العراقي والذي ترك اثرا واضحا في تراث الاكل البغدادي، أبو يونان من الشخصيات التي تميزت بحسن الخلق والتعامل الطيب مع رواد مطعمه..،وبقي أسمه خالداً في الذاكرة العراقية: ابتدأ بطرس عوديشو "ابو يونان" طباخاً في مطعم بمحافظة دهوك في بداية ألخمسينات .. وفي منتصف الخمسينات، افتتح كشكاً صغيراً في منطقة العلوية مقابل بريد العلوية وكان هو وزوجته يصنعون الهمبرغر يدوياً باستخدام اجود انواع اللحوم مع التوابل الخاصة التي كانت مزيج من المطبخ العراقي والغربي، في العام 1968 افتتح ابو يونان، وفي ركن صغير من بناية دائرة الكمارك التي كانت واقعة في شارع الرشيد قبل هدمها لبناء جسر السنك الحالي، مطعماً صغيراً قدم فيه وجبات سريعة من الهمبرغر التي صارت عنواناً لأفضل وجبات الطعام التي بدأت العوائل والشباب وكبار السن وحتى الأطفال يقبلون عليها.

عمل أبو يونان مساطحة للبناية القريبة من الكشك والتي تقع بين ساحة كهرمانة وساحة الفتح في شارع السعدون، وافتتح في البناية مطعماً وفرناً للصمون الاوتوماتيكي، اصبح مطعم أبو يونان حديث المجتمع العراقي ونال شهرة واسعة حديث كل الأوساط بما فيهم المسؤولين الذين كانوا يحرصون على تناول همبرغر أبو يونان، في ثمانينات القرن الماضي أصبح ابو يونان كبير في السن لم يستطيع مزاولة مهنة المطعم و سفر أولاده إلى الخارج لجأ إلى إنشاء مصنع لإنتاج الهمبرغر و الكبة و الحم المفروم في منطقة الكرادة حي الرياض قرب الكنيسة بعلامة ابو يونان و كانت ابنة أخيه تدير العمل و هو يشرف على الإنتاج، وفي عام 1992 توفى أبو يونان.


ونتيجة للمذاق الجيد لبرغر أبو يونان افتتحت مطاعم أخرى ومنها:
مطعم (على كيفك)في مدخل سينما روكسي مطل على شارع الرشيد كان يقدم (برغر) لذيذ جدا في نهاية الخمسينيات (1959)، اغلق بعد تغيير معالم البناية.

في بداية عام 1967 افتُتِحَ في (الحارثية قرب معرض بغداد الدولي) مطعم انيق سمي مطعم فاروق، نسبة الى احد اصاحبه السيد فاروق عبد الرحمن الياسين، وبفترة وجيزة اصبح هذا المطعم قبلة العوائل العراقية المتوسطة والغنية، ثم اصبح ملتقى معظم الوفود الرسمية للدولة العراقية، وقد كان المطعم مكوّن من قاعتين (الحمراء والزرقاء) اضافة الى قسم البيع الخارجي (سفري)، ناهيك عن الهمبرغر الشهي الذي يقدمه في هذا القسم، وكانت جودة البرغر بنفس مستوى برغر أبو يونان، واخذت اكلة البرغر تحظى بشُهرة كبيرة، نتيجة الاقبال الكثير للأجانب المشاركين في الدورات السنوية لمعرض بغداد الدولي، إضافة للشباب والعوائل التي تزور المعرض سنوياً.

وفي المنصور سنة 1988 جرى افتتاح مطعم الملتقى للوجبات السريعه على طراز ماكدونالدز والذي كان يراد منه انه يكون أحد فروع ماكدونالدز، وكان ملتقى العشاق والشباب، لكنه أغلق في بداية التسعينات لعدم الموافقة على ألأسم التجاري له كما أن شركة ماكدونالدز ألأمريكية اعترضت هي الأخرى ، باعتباره تقليداً لأسمها التجاري، وافتتح أيضا في المنصور مقابل سباق الخيل فتح مطعم اخر باسم وهبي قبل مستشفى الهلال الاحمر ..في المنصور، وكان تقليد لعلامة ويمبي البريطانية واغلق هو الاخر بسبب الاسم التجاري.
اما في الجادرية فلا يزال مطعم علي اللامي الذي تأسس سنة 1970 يقدم ساندويتشاته اللذيذة من البرغر بأفضل جودة وألذ طعم، ومنذ الثمانينات وهو يعج يومياً بالناس ومن جميع شرائح المجتمع.
وفي نهاية السبعينات افتتح كشك جميل على نهر دجله القريب من ساحة عنتر في الاعظمية والذي اختص بالبرغر، والذي اداره اكرم السعدي، وكان من رواده طلبة كلية العلوم وشباب المنطقة واستمر لسنوات واغلق في نهاية الثمانينات.
ما لا شك فيه ًفان كثيرا من البيوت ما زالت تُحافظ على اكلاتها المحلية، ومع ذلك، أيا كانت الأسباب عولمة ام انفتاح، فقد دخلت اليها اكلات اخذت طريقها الى الانتشار ومنها البرغر والسباكيتي والبيتزا، واخذ يتهافت عليها الشباب في كلِّ الأَماكن كنوع من «طعام العصر» الذي يجعل متناوله يواكب كلّ «الحداثة»!! فبات يحضّر في كلِّ بيت، ويحضر كذلك في كثير من المطاعم، وهكذا بات مطبخنا يعج بالمأكولات السريعة والمستوردة التي اخذت تدخل في طبيعتنا وثقافتنا، سنين مضت منذ مغادرتنا بغداد، وكثيرا ما جربت مع الأصدقاء والعائلة اكل البرغر في المطاعم، ومع ذلك لازلت أتذكر طيبة طعم البرغر العراقي، انه سحر لا يمكن نسيانه ومن الله التوفيق.
سرور ميرزا محمود

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1167 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع