مصر - مهد الحضارة وملتقى الأرواح /الحلقة الأولى
في الأسبوع الاول من سنة 2020 كانت اخر زيارة لي الى مصر عندما كانت كورونا ماتزال في الصين ولم يتم تصديرها بعد الى العالم, وزيارتي الأخيرة كانت ثلاث أسابيع قضيتها في بداية هذا الشهر حزيران 2024 كانت من اجمل واصعب رحلاتي السياحية, لقد كانت الزيارة بالأساس بهدف الاتفاق مع دور نشر مصرية لنشرة بعض كتبي في مصر لكني وفي خضم الفوضى التي لم أتمكن من استيعابها لم أتمكن من الاتفاق مع دور النشر الستة التي تواصلت معهم فقررت ان اعتبر زيارتي للسياحة بقدر الإمكان, لقد نزلت في فندق في وسط البلد طمعا بالتعرف على الحياة اليومية للمواطن المصري وعشت خمسة عشر يوما كانت من اجمل واطرف واصعب أيام حياتي , لقد تم تنظيم وتنظيف وسط البلد لكنه ما يزال يحتاج الى الكثير من الاعمال وقد لاحظت ان السيارات في القاهرة تسير باتجاه واحد وليس باتجاهين كما هي عادة بقية دول العالم فأما ذهابا او إيابا والناس لا يلتزمون بإشارات المرور ولا بخطوط العبور التي نادرا ما تكون موجودة فالمشاة يعبرون الشوارع بخفة عجيبة ولامباليين للسيارات والسيارات من جانبها تسير بسرعة عالية وتطلق ابواق التنبيه وتحاول تجنب عابري الشوارع بقدر الإمكان واذا ما اصطدمت سيارة بسيارة أخرى فلا يهتم احد وتسمع كلمة معلش حصل خير ويذهب كل واحد في طريقه, وانت تسير في شوارع القاهرة لا تسمع سوى ابواق السيارات واصوات مختلفة للمذياع الذي يبث الغناء او القران الكريم مختلطة بين أصوات الباعة والناس الذي في الشارع حيث تسود الأصوات العالية سواء للحديث فيما بينهم او غناء بعضهم وقد اخذ مزاج الطرب منه كل مأخذ, وبعد خمسة أيام من الاجتماعات مع دور النشر فقدت الامل في طباعة أي كتاب وقررت ان أكون سائحا فاتصلت مع شركة سياحية في يوم الجمعة وارسلوا لي مرشد السياحي شاب.
وبدأت الجولة السياحية من القلعة ونزلنا بعدها لزيارة مدينة القاهرة الفاطمية وشارع المعز لدين الله ومسجد الحسين, كان يوم الجمعة مزدحما جدا بالمتسوقين الذين يملؤون الشوارع غير مهتمين بمرور السيارات وقد وجدت صعوبة كبيرة في الوصول الى القلعة للقاء المرشد السياحي البير عند بوابتها, بدأنا جولتنا من الأعلى أي من مسجد محمد علي باشا , والقلعة وتسمى خطأ قلعة محمد علي واسمها الحقيقي هي قلعة صلاح الدين واما قلعة محمد علي فتقع مقابل قلعة صلاح الدين وحاليا هي موقع عسكري ضخم للجيش المصري وحولها اعمال صيانة وتطوير كبيرة, وقد بنى القلعة السلطان صلاح الدين الايوبي سنة 1176م واكمل بنائها السلطان الكامل محمد بن العادل وهو ابن اخ السلطان صلاح الدين الايوبي وذلك سنة 1238م , وقد سمي السلطان محمد بن العامل بالكامل لأنه اكمل بناء تلك القلعة العظيمة وقد كان الهدف في بنائها في البداية كمقر عسكري للدفاع عن مدينة القاهرة لكنها أصبحت فيما بعد مقرا لحكم مصر لفترة طويلة .
قلعة صلاح الدين هي مجموعة من الأبنية تقع على جبل المقطم المرتفع عن سطح البحر بخمسة وسبعين مترا وتحتوي القلعة على مسجد محمد علي الذي بني في زمن محمد علي باشا في سنة 1803م، والساحة الخارجية للمسجد مكسوة بالرخام الأبيض مما يعطي المكان شعورا بالفرح والنظافة في وقت واحد وفي وسط الساحة مكان جميل للوضوء والساحة الخارجية عبارة عن مربع من الاروقة المسقوفة التي تحملها الاعمدة الرخامية البيضاء الجميلة , ومن تلك الاروقة حيث مئات الشبابيك الزجاجية يتمكن الزائر من الاطلال على منظر جميلة لمدينة القاهرة من الأعلى وقد شهدت تلك الساحة عبر تاريخها صلوات وحلقات ذكر وتأمل صوفية لما تحتويه من نقوش إسلامية وبهاء المنظر وهدوء المكان, ومكان الوضوء العثماني الطراز تغطيه قبه من المرمر الأبيض وحوله أزار من المرمر الأبيض الجميل وتحيط به مظلة حجرية ضخمة باللونين الأخضر والاصفر وفي وسط مكان الوضوء وتحت القبة في مكان توزيع انابيب المياه قبة صغيرة الحجم مليئة بالنقوش النباتية, وفي الجدار المقابل لباب مدخل المسجد تم بناء برج الساعة المربع الشكل على الطراز العثماني سنة 1805م بلون اخضر مطم باللون الأصفر مما يعطي روحانية للمكان وتناغم بين مكان الوضوء وبرج الساعة في وسط الاعمدة المتراصة على شكل مربع, وتلك الساعة هي هدية من ملك فرنسا لويس الرابع عشر الى محمد علي باشا, ويحتوي المسجد على ضريح محمد علي باشا على يمين الداخل الى المسجد وقد بني المسجد على الطراز العثماني الفخم حيث ان مئذنتا المسجد من أطول واجمل مآذن لقاهرة وفيهما زخارف عثمانية جميلة تشد الناظر اليها وسقوف المسجد تضم الاف الزخارف الذهبية والفضية والرخام الفاخر وتحتوي جدران المسجد الداخلية على العديد من النوافذ الزجاجية بألوانها الزاهية وزخارفها الهندسية والنباتية لتعطي للمسجد ضوءا طبيعيا إضافة الى الاف القناديل المعلقة في سقف المسجد, وتم بناء المسجد بأربعة أعمدة ضخمة جلست عليها القبة الرئيسية التي كتب على جوانبها أسماء الخلفاء الراشدين الأربعة وتم بناء مقرنصات قد أوصلت كل عمود بالحائط الأساسي من اليمين واليسار والامام وتم عمل اول قبة عند المدخل وتم عمل اربعة قبب حول القبة الرئيسية بنفس الطريقة وتم اصال الجدران الجانبية لتصبح اربع انصاف قبب حول مجموعة القبب الخمسة وفي منتصف المسجد هناك ثريا ضخمة من الكرستال هي هدية ملك فرنسا لويس الرابع عشر الى محمد علي باشا وفي مقابل هدايا ملك فرنسا لويس الرابع عشر العديدة فقد اهدى محمد علي باشا الى لويس الرابع عشر مسلة فرعونية موجودة حاليا في ميدان الكونكورد الذي يقع في نهايته شارع الشانزيليزيه, وللمسجد منبر بديع ذو لون اخضر ما يزال كما هو وهناك منبر اخر صغير هدية من الملك فاروق قرب المحراب , والمسجد مفتوح لصلاة الجمعة فقط ويحق للزوار الصلاة فيه في بقية الأيام في زاوية المسجد, وتحتوي القلعة كذلك على مسجد السلطان قلاوون الذي بني على الطراز المملوكي بقبابه الصغيرة الجميلة والتي فيها من الدقة والتفاصيل ما يجعلها تحفة فنية وما يميز المسجد هي مأذنته الملوكية المعقدة التفاصيل وكذلك النقوش المملوكية لكل محتويات المسجد الخشبية حيث الألوان الزاهية والدقة في العمل, وتحتوي القلعة كذلك على متحف الشرطة الذي يضم تاريخ الشرطة المصرية منذ نشأتها والأسلحة المستخدمة والملابس والسيارات وهناك قسم لتاريخ الشرطة النسائية وقصص تفاعلية لأشهر الجرائم التي حصلت في تاريخ مصر وتحتوي القلعة كذلك على متحف قصر الجوهرة وهو قصر تاريخي تم بنائه في عهد محمد علي باشا ويحتوي المتحف على الاثار الذهبية والفضية والمجوهرات والاثاث العثماني الخاص بعائلة محمد علي باشا وكذلك لوحات فنية في غاية الروعة كانت تزين قصر محمد علي باشا وعائلته والملابس الملكية التي كانت تستخدم في قصور محمد علي لكافة من كان يعمل في القصور وملابس عائلة محمد علي وهناك جانب للأسلحة والدروع وتضم القلعة كذلك قصر الحريم الذي كانت تسكنه عائلة محمد علي باشا مع حمام تركي في غاية الروعة وفي القلعة برج الطبلخانة وهو برج استراتيجي في داخل القلعة حيث كانت تدق فيه الطبول والابواق لتصل الى المدينة وضواحيها وتحتوي قلعة صلاح الدين كذلك على المتحف الحربي ويحتوي على التاريخ العسكري المصري منذ القرون الوسطى لغاية منتصف التسعينات وفي ساحة مكشوفة من المتحف العسكري وضعت اعداد كبيرة من الأسلحة والتماثيل كان أهمها تمثال اصلي الى القائد إبراهيم ابن محمد علي باشا ,وتحتوي القلعة كذلك على مجموعة كبيرة من المباني الإدارية تحيطها جميعا اسوار عظيمة البناء مرتفعة الأركان تشرف على مدينة القاهرة, وقد كان يتم قصف القلعة بالمنجنيق من فوق قبه مسجد السلطان حسن المقابل له في الجهة الأخرى والذي يماثله في الارتفاع, ولو وقفت في الجهة الخلفية للقلعة وعلي يسارك برج الطبلخانة تطل عليك مدينة القاهرة ومسجد الرفاعي ومسجد السلطان حسن.
الى اللقاء في الحلقة القادمة
بسام شكريعنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
898 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع