خلال القرن الـ16 أصبحت الأزرار الحاملة لصور الأشخاص، والصور الملونة بالأصباغ شائعة في فرنسا.
سوسن مهنا/ الأندبيندت عربية:هل صادفك هذا الموقف يوماً؟ أن تكون على موعد وتأخرت، وأنت تحاول إقفال أزرار قميصك أو معطفك بسرعة وعصبية، يتحلل الزر من خيطانه ويقع أرضاً! على الأغلب صادفنا جميعاً مثل هذا الموقف. ولكن لهذا الزر تاريخاً طويلاً، ووظيفته تتعدى جمع أطراف الملابس، لتصل إلى حدود تهريب المخدرات.
رحلة الأزرار
لا أحد يعلم تحديداً متى بدأ استعمال الأزرار. لكن وفقاً لبعض المراجع أن علماء الآثار عثروا على أزرار عظمية، تعود إلى ما قبل التاريخ، وكانت موجودة في الحضارات القديمة، قبل أن يستخدمها الإنسان لتثبيت ملابسه. وتقول ومراجع أخرى إنها اكتشفت في حضارة بلاد السند، عام 2000 قبل الميلاد تقريباً، وكانت مصنوعة من الصدف أو الأحجار أو الفخار أو العظام أو الخشب وقرون الغزلان أو الأيائل، وكذلك من المعادن مثل البرونز والذهب. واحتوى بعضها على نقوش هندسية، وبعضها كان مثقوباً، ليدخل به الخيط ويثبت في الملابس، وعلى ما يبدو كان الغرض من هذه الأزرار الزينة، وإضفاء شكل ديكوري مختلف على الملابس، بغرض إظهار الثراء والتميز، وليس لأجل تثبيت الملابس وإحكام غلقها، فقد استخدمت لذلك في وقتها الأربطة والخيطان والدبابيس والأحزمة. وقد استعمل اليونانيون والرومان القدماء الأزرار زينة للملابس، وظهرت كذلك في العصر البرونزي في الصين، وفي روما القديمة للأغراض الخاصة بالزينة والزخارف نفسها. ولم تظهر الأزرار بوظيفتها الحالية، أي تثبيت أو إغلاق الملابس، إلا في القرن الـ13، تحديداً في ألمانيا، فصنعت فتحات في الملابس لربطها في الأزرار، وصاحب ذلك ظهور ورش صناعة الملابس الجاهزة في أوروبا كلها، خلال القرنين الـ13 والـ14. وشاع حينها استخدام الأثواب المحبوكة، واخترعت العروة أثناء ذلك. لكن خلال القرن الـ16، أصبحت الأزرار الحاملة لصور الأشخاص، والصور الملونة بالأصباغ شائعة في فرنسا، حيث كانت الأولى تحمل صوراً جانبية لرجال ونساء من ذوي الشأن، بينما عرضت الثانية صوراً للأشجار والأزهار ومناظر أخرى. وعقب الثورة الفرنسية (1789-1799)، ظهرت في فرنسا أزرار تحمل صور مواضيع وطنية كأبطال الحرب، والعلم الفرنسي، وأصبحت هذه الأزرار مقدمة لعادة استخدام الأزرار الحاملة للشعارات، أو لعبارات أخرى. وما زالت كلمة زر تستخدم في الولايات المتحدة الأميركية للدلالة على شارات تحمل عبارات، أو صوراً مطبوعة على وجه الشارة الأمامي، ودبوساً على الخلف.
الوضعية التي اختار نابليون أن يتم تخليد صوره فيها تسمى "اليد في الصدرية"
علاقتها بطقس روسيا
تقول بعض الروايات، إنه خلال وجود جنود القائد الفرنسي نابليون بونابرت في روسيا، أصابهم برد الصحراء السيبيرية القاتل بالإنفلونزا. واضطر الجنود وبسبب ذلك الرشح، أن يمسحوا أنوفهم بأكمام معاطفهم، فيلتصق المخاط ويتراكم تاركاً منظراً منفراً، تقززت له نفس نابليون. وجاء اقتراح خياطي جيشه أن يصفوا عدداً من الأزرار في الكم، وفي المكان الذي يمسح الجندي أنفه، مما يسبب جرحاً في أنوف الجنود إذا حاولوا مسحها فيها، فوافق نابليون. الأمر الذي كان له أثراً مباشراً، إذ أقلع الجنود عن تلك العادة مجبرين. وتنسب روايات أخرى الحادثة نفسها لـ "هوراشيو نيلسون"، قائد القوات البحرية الملكية البريطانية، وقت الحروب النابليونية في القرن الـ18، الذي كان حريصاً أيضاً، على مظهر البحارة والجنود. بينما تشير روايات أخرى إلى أن ارتداء البدلات والسترات في وقت ما كان ملازماً للرجال في كل أحوالهم، في الاجتماعات الرسمية أو عند تسلق الجبال، وكان خلع الرجل لسترته تحت أي ظرف يشبه الظهور بملابس داخلية أمام الناس، لذلك كان من الضروري في بعض الأحيان فك الأكمام، وتشميرها أو ثنيها عند القيام بأي عمل قد يسبب اتساخ أطرافها، ولذلك اخترعت أزرار الكم.
اكتشفت أزرار في حضارة بلاد السند عام 2000 قبل الميلاد تقريباً مصنوعة من الصدف أو الأحجار أو الفخار أو العظام أو الخشب .
على الجانب الأيمن أو الأيسر؟
تلفت الأزرار البراقة في بدلات القادة العسكريين والرؤساء الذين يتباهون ببزاتهم الرسمية، التي تتوزع على جانبيها عامودياً، الأنظار. وتوضع أزرار الرجال في الجانب الأيمن من الثوب، وأزرار النساء في الجانب الأيسر، علماً أن معظم الناس يستخدمون يمناهم. تقول إحدى النظريات إن الأزرار وضعت في الجانب الأيمن لتسهيل ارتداء الرجال لملابسهم، حيث كانوا يحملون سيوفهم باليمنى، ووضع الأزرار على الجانب الأيمن مكن الرجال من فك أزرار ستراتهم باليسرى، أثناء سحبهم سيفاً، أو سلاحاً آخر بيمناهم. كما يقال إن الرجال كانوا يتمكنون بسهولة من إدخال يدهم اليمنى بين زري القميص أو السترة لتدفئتها، بعد استخدامها مطولاً في المسايفة، وكمثال على ذلك صورة نابليون بونبارت الشهيرة وهو يدخل يده اليمنى بين زري سترته. وبحسب موقع "ستايلبوك. دي إيه" اختلف الأمر بالنسبة إلى ملابس النساء، حيث النساء الثريات هن فقط اللاتي توجد أزرار في قمصانهن. هؤلاء السيدات كن يمتلكن خادمات، بالتالي يساعدنهن في ارتداء الملابس يومياً، لذا تم تصميم الأزرار إلى الناحية اليسرى من أجل تسهيل عمل الخادمات، بغلق الأزرار مستخدمات أياديهن اليمنى. بينما ترجح فرضية أخرى وجود أزرار قمصان النساء على اليسار لكون الجهة المفتوحة بين الزرين تظهر مناطق من أجساد النساء، فكن يضعن الأزرار في اليسار لأن العادات حينها كانت تحتم على النساء الوجود يسار أزواجهن، وبذلك يكون الزوج وحده من يمكن له النظر إلى تلك المناطق المكشوفة من جسد زوجته. وذهبت فرضية أخرى لتقول إن للأمر علاقة بامتطاء النساء للخيل في وضع جانبي، إذ وضعت أزرارهن على الجانب الأيسر حتى لا يتسرب الهواء البارد إلى قمصانهن. وهناك رأي آخر بهذا الشأن يتعلق بالرضاعة، إذ يقال إن النساء يحملن أطفالهن باليسرى ويفتحن أزرار القميص باليمنى لإرضاعهم، وعندما توجد الأزرار في اليسار سيكون ذلك أسهل بالنسبة لهن، وذلك وفقاً لـ "ديلي ميل" البريطانية. إضافة إلى أن لوحات نابليون كانت تظهره بيده اليمنى مدسوسة داخل معطفه، وهو أمر ممكن فقط لأن الأزرار على الجانب الأيمن. وقد أمر نابليون أن تزرر كل قمصان النساء على الجانب المعاكس، لأنهن كن يضعن أيديهن في قمصانهن ليسخرن منه.
استعمالات أخرى
مع تطور وانتشار صناعة الأزرار، صنع بعضها من المعادن، على هيئة صندوق صغير يمكن فتحه أو فصل أجزائه، ويبدو أن هذا الابتكار لم يكن بريئاً أبداً. فخلال القرن الـ17 تقريباً، استخدمه مهربو المخدرات لإخفاء المواد المخدرة الممنوعة، والمرور بها بعيداً من أعين الشرطة وحرس الحدود. وفي شهر مارس (آذار) 2009 نقلت وكالة "رويترز" خبراً مفاده بأن سلطات الجمارك في طاجيكستان اعتقلت امرأة فيليبينية، للاشتباه في محاولتها تهريب هيروين مخبأ في مئات الأزرار. وقال ضابط الجمارك حينها، إن المرأة التي كانت تحمل ما يصل إلى ثلاث كيلوغرامات من الهيروين مخبأة في 758 زراً خيطت في 33 معطفاً اعتقلت في مطار دوشانبي، بينما كانت تستعد للحاق بطائرة متجهة إلى تركيا. وأضاف "تخيلوا كم من الساعات قضاها مهربو المخدرات لعمل ذلك". كما استعانت القوات البريطانية وقوات الولايات المتحدة بأزرار البدلات العسكرية للجنود، ووضعت بداخلها بوصلات مصغرة، لتحديد المواقع والاتجاهات، إضافة إلى استخدامها لتمييز الرتب المختلفة داخل الجيش. أيضاً استعملت للتجسس، آخرها قطع بيعت في المزاد العلني وتعود لجواسيس روس.
"طبقية"
كانت الأزرار المصنوعة من الجواهر النفيسة مثل الذهب والفضة واللؤلؤ والألماس والكريستال للأثرياء والنبلاء فقط، وكانت توضع في أماكن مختلفة مثل ياقات القمصان والأكمام وعلى القبعات، بينما ارتدى العامة أزراراً من العظام والخشب والنحاس والقصدير والبرونز. وفي أواخر القرن الـ18 كان الاتجاه السائد قد أصبح رافضاً لاستخدام الأزرار النفيسة المبالغ في مظهرها وكلفتها، وطورت أزرار أكثر عملية وأكثر تواضعاً، لكنها على الجانب الآخر كانت أكثر حرفية، وأعلى جودة في ما يخص وظيفتها الأساسية. وكانت إنجلترا هي الصانع الرئيس للأزرار في ذلك الوقت، والولايات المتحدة وبقية أوروبا تستورد حاجاتها منها. وفي الوقت الحالي فإن 60 في المئة من إمدادات العالم من الأزرار يأتي من مدينة "كيوتو" في اليابان، وتصنع من البلاستيك الصلب والصدف والمعادن لبنطلونات "الجينز". ويعود وضع الأزرار على أطراف "الجينز" إلى الوقت، الذي انتشر فيه ارتداء الجينز وسط العمال، الذين يقومون بأعمال صعبة. وكانوا يشتكون من سهولة تمزق جيوب الجينز، بسبب حركاتهم الشاقة والعنيفة طوال اليوم. حينها عرض "جاكوب ديفيس" مصمم الجينز الأميركي عام 1873، على شركة “Levi Strauss”، فكرة وضع أزرار نحاسية على أطراف الجيوب لمنع تمزقها، مهما كان الجهد والتحميل عليها، فاستمر وجود هذه الأزرار حتى الآن في كل أنواع الجينزات حتى التي ترتديها النساء والأطفال.
985 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع