بغداد ايام الزمن الجميل /19جسور بغداد
عيون المها بين الرصافة والجسر- - جلبن الهوى من حيث ادري ولاادري
اعدن لي الشوق القديم ولم اكن -- ولكن زدن جمرا على جمر
علي بن الجهم
لم تكن بغداد قبل ان يبنيها ابو جعفر المنصور سوى قريه صغيره في منطقة الصالحيه الحاليه يمتهن اهلها الزراعه وتحيط بها البساتين والاراضي الزراعيه ولكنها بعد ان وضع حجر اساسها المنصور وقام ببنائها حتى اصبحت ام الدنيا وحاضرة البلدان واصبحت المدينه المدوره ومخزن العلم والعلماء والادب والادباء ...
وكان من الطبيعي ان يكون لها رابط بين كرخها ورصافتها على نهرها الخالد دجلة الخير فلم يكن فيها سوى جسران واحد في شمالها وآخر في وسطها وظلت هكذا حتى مطلع القرن العشرين والذي بدأت فيه حملة لبناء مجموعه من الجسور بلغت 13 جسرا ولم يشهد القرن الجديد 21 اية اضافه لهذه الجسور وسنتناول قصة الجسر الاول في بغداد :
الجسر العتيق ومن اسمه يستنبط انه اول جسر عائم وضع على دجله يربط الكرخ في منطقة الشواكه والرصافه في منطقة الميدان وسراي الحكومه وكان عباره عن الواح خشبيه مربوطه مع بعضها وموضوعه على عوائم حديديه بعد ان كانت خشبيه وهي زوارق عائمه متراصفه ويربط الجسر بالحبال من الاتجاهين وتوضع الاثقال على جانبه في الماء من جهة جريان النهر لضمان عدم حركته ومع ذلك كان كثيرا ما يهرب بعد صعود الماء وازدياد سرعة جريان النهر حيث يتوقف كله او اجزاء منه في منعطفات النهر ليعود به الاهالي بطريقة (الفزعه ) مع التهليل والنقر بالدفوف ليعاد ربطه في مكانه مرة اخرى ومن الحوادث التي سجلها المؤرخون حادثة عربة الحمل التي سقطت من الجسر وقصتها هي :
تمكنت عربه يجرها حصانان وهي تحمل كميه من الحديد من العبور على الجسر من اتجاه الرصافه الى الكرخ واقتربت من نهاية الجسر تقريبا واذا باحد الخيول يبدأ بالرفس ويركل برجليه وكان في مقدمة العربه الحوذي (السايس ) وامرأتان يجلسان على الحديد في وسط العربه وازدادت ثوره الحصان حتى بدأ بركل سياج الجسر الضعيف اصلا حتى سقط في الماء ساحبا معه الحصان الاخر والعربه ومعها المرأتين والسايس....
وكان احد صيادي الاسماك في ( زورقه / كفته ) يجمع شباك الصيد وهو ينظر الى الحادث حيث تدخل لانه كان قريبا من مكان الحادث وتمكن من انقاذ السايس واحدى المرأتين ولقت الاخرى حتفها...
ناظم باشا
وكان هذا الحادث في علم 1927 ,, شيد هذا الجسر الوالي المصلح ناظم باشا في عام 1910 وكان هناك جسر اخر في بغداد يقع على دجله في شمالها يربط الاعظميه بالكاظميه ومن نفس النوع وهذا ظل موجودا الى منتصف الخمسينات ولازلت اتذكره جيدا وفيه آثار القير على الخشب وينحدر من الاعلى الى الاسفل على النهر ثم يصعد الى الاعلى للضفه الاخرى .
ويتندر البغداديون في انقطاع الجسر عندما يقول شاعرهم الشعبي :
ريت الجسر مكطوع واعبر بكفه --- والمايحب الكيف سليمه التكرفه
كان اهل بغداد لايعتمدون على الجسور كثيرا بل كانت لديهم وسيله بديله وهي الزوارق النهريه وكانت في بغداد العديد من المواقع التى تتواجد فيها الزوارق على ضفة دجله / الكرخ وتسمى بالشريعه وفي المنطقه المحصوره بين الرحمانيه في الكرخ وبين الشواكه فقط اكثر من عشرة شرائع كانت تسمى باسماء مختلفه مثل ( شريعة القبطان / وبيت ابو رواله / وابن طوبان / وخضر الياس / السويدي / سوق الجديد / وراس الجسر الخ ) وكانت الزوارق تتوقف اكثرها امام مستشفي المجيديه (الملكيه ) مدينة الطب حاليا ومنطقة راس الجسر العتيق من جهة الرصافه وكان الكثير من رواد الزوارق من موظفي الدوله من العسكريين والمدنيين لوجود مؤسساتهم في سراي الحكومه او وزارة الدفاع او المستشفى او الميدان وكانت الاجرة في مرحلة الخمسينات لاتتجاوز 10 فلوس للشخص ومنهم من كان يشترك شهريا بنصف دينار .
ومن الطرائف التي تروى عن الجسور ان احد الاغنياء طلب من عبالله الخياط (وهو شخصيه بغداديه مشهوره بطرافتها ) ان يعبر الجسر من الرصافه الى الكرخ في عز الظهر وفي يوم قائض شديد الحراره من ايام تموز على ان لايفتح فمه باي كلمه لحين اكمال العبور وله ليره ذهب جزاء ذلك .. ونفذ الرهان عبد الله ولكنه في نهاية الجسر من جهة الكرخ شاهد رجل يرتدي فروه وهو يعبر الجسر فوقف عبد الله وصاح (يگولون لاتحچي اكو واحد بهال الحر يلبس فروه ودنيا الظهر؟؟؟؟) وخسر الرهان .
عبد الله هذا في احد الايام عاد الى بيته راكضا ودخل مسرعا وقال لزوجته غطيني بكل الاغطيه فقالت زوجته لماذا قال ان الحكومه تلقي القبض على الحمير فقالت الزوجه ومالك انت والحمير هل انت حمار ؟ فوقف ورد عليها قائلا كيف لااكون حمار وانا متزوجك منذ خمسة عشر سنه !!!!!
استمرت حملة الاعمار وتم تشييد عدد من الجسور كان اهمها جسر الصرافيه (الحديدي ) والذي يربط المنطكه (جامع براثا حاليا) العطيفيه ومنطقة الصرافيه وكان مصمم لسير القطار عليه العابر من المحطه العالميه الى بعقوبه
ثم توالت الجسور وانشأ جسر الشهداء الذي سمي لاحقا بالعتيق بعد انشاء جسر (مود) وهو جسر الاحرار..
ثم تلاه جسر الائمه الذي يربط منطقتي الاعظميه والكاظميه...
واخر جسر انشأ في العهد الملكي هو جسر الملكه عاليه (جسر التحرير ) الباب الشرقي عام 1957 ولم تشهد بغداد اي جسر جديد حتى عام 1965
الزعيم عبدالكريم قاسم يضع حجر الأساس لجسر المعلق
عبدالسلام عارف يتفقد أعمال جسر المعلق
عندما افتتح جسر 14 تموز المعلق ومن ثم انطلقت حمله من الجسور في عام 1975 لانشاء جسر المثنى وجسر الاعظميه وجسر الجادريه وجسر بغداد الكبير (صدام سابقا ) ..
وجسر السنك وجسر باب المعظم وجسر الطابقين في مرحلته الاولى .
وشهدت جسور بغداد في الحقبه الملكيه وقائع سياسيه مشهوره منها (دكة الجسر ) في كانون الثاني 1948 وخرجت فيها مظاهرات عارمه مندده بمعاهدة ( بورت سموث ) التي ابرمتها الحكومه الملكيه مع بريطانيا واحتشدت الجموع في مدخل جسر الشهداء واستخدمت الشرطه الرصاص الحي واستشهد ابن صاحب محل لبيع الحبال بالشواكه فثارت ثائرة الجماهير واندلعت اشتباكات مع الشرطه وجرح الكثير من المتظاهرين وسالت الدماء حتى ان احدى نساء المتظاهرات قد لفت عبائتها حول خصرها وحملت قميصا مضرجا بدم احد الجرحى وهي تهتف ( الله اكبر ) وتشحذ همم المتظاهرين حتى ثارت ثائرتهم وهاجموا الشرطه بالحجاره واضطر الشرطه الى الهرب باتجاه الرصافه التي كانت تنتظر فيها مجموعه اخرى من المتظاهرين ووقع الشرطه في وسط المتظاهرين وكان قسم من الشرطه يتمركز على جامع الاصفيه وبدأ اطلاق النار الحي وسقط العديد من المتظاهرين جرحى وشهداء وهرب الشرطه في الاسواق يمين ويسار الجسر من جهة الرصافه واستطاعت مظاهرة الكرخ من عبور الجسر والالتقاء مع متظاهري الرصافه وكانت المظاهره تضم عدد من طلاب الجامعات والاتحادات والنقابات ..
واستشهد في الحادثه شقيق الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري (جعفر) الذي رثاه الشاعر الكبير في قصيدة في جامع (الحيدر خانه ) وبحضور وفود من النجف وكربلاء وانتهت التظاهرات بسقوط حكومة صالح جبر وتشكيل حكومه جديده مع وعود للمتظاهرين ..
لوحة بغدادية من أعمال الدكتورة/ وسماء الأغا
ولم تقتصر الجسور على التظاهر بل كانت مكانا مناسبا للغزل والتمتع بمناظر دجله وخاصة اوقات الغروب ونسيم دجله العليل والسفور من النصارى واليهود يمرن على الجسر باحلى ثياب وملبس مما يجعل الشباب يتجمع على الجسور مراقبا ومطلعا وناظرا ...
الجسور الان
الجسور البغداديه البالغه 13 جسرا تشكو الاهمال والفوضى وكثيرا منها وضعت عليها عوارض كونكريتيه او سيطرات عشوائيه واتلفت اسيجتها وارضيتها ولم تشهد اي صيانه تذكر بالرغم من محاولات بعض الجهات من تلميع الجسور بالاصباغ والالوان ولكنها لاتزال تسنخدم بشكل عشوائي من حيث الاوزان حيث تمر عليها عجلات الحمل بدون اي ضوابط ولا توقيتات ولاتخصيص واسيجة الجسور تالفه وارصفتها مهشمه ولاتدري من هي الجهه المسؤوله عنها ومديرية الطرق والجسور لاتؤدي 10% من واجبها تجاه الجسور والطرق واذكر ان عمليه تبديل رابط حديدي مشبك مع وسائد مطاطيه ( جوين ) لجسر الجادريه استغرق ثلاثة شهور في حين كانت نفس الجهه تقوم بالعمل خلال ليله واحده .
ادناه الجسور الموجوده حاليا في بغداد من شمالها ومع مجرى النهر :
1. جسر المثنى وهو يربط نواحي الكاظميه من جهة التاجي في منطقة الفحامه والراشديه وقد شيد في الاعوام بعد 1975 .
2. جسر الائمه . وهو يربط الاعظميه بالكاظميه .وقد شيد في العهد الملكي .
3. جسر الاعظميه وشيد في السبعينات والثمانينات .ويربط منطقة علي الصالح بالاعظميه
4. جسر الصرافيه وقد شيد في العهد الملكي . ويربط العطيفيه بالصرافيه
5. جسر باب المعظم وقد شيد في السبعينات .ويربط منطقة خضر الياس في منطقة الدفاع ومدينة الطب .
6. جسر الشهداء وقد شيد في العهد الملكي .ويربط الكرخ الشواكه في الميدان والسراي الحكومي .
7. جسر الاحرار وقد شيد في العهد الملكي ويربط منطقة الصالحيه بساحة الوثبه في شارع الرشيد
8. جسر السنك وقد شيد في السبعينات والثمانينات ويربط منطقة الصالحيه وكرادة مريم بالسنك .
9. جسر التحرير وقد شيد في العهد الملكي عام 1957 ويربط كرادة مريم بالباب الشرقي .
10. جسر المعلق وقد شيد في العهد العارفي ويربط كرادة مريم من جهة الشرق بالكراده الشرقيه داخل .
11. جسر الجادريه وقد شيد في الثمانينات ويربط بين الكراده الشرقيه داخل ومنطقة وسطيه بين البياع والسيديه من جهة الكرخ .
12. جسر الحسنين ( الطابقين ) وقد شيد خلال فترة الحصار (التسعينات ) وبمرحلته الاولى وهو يربط الدوره بالكراده الشرقيه خارج ويوصل بالجسر المعلق في مرحلته الثانيه .
13. جسر بغداد الكبير وهو من اطول جسور بغداد وشيد في الثمانينات ويربط منطقة السيديه وجنوبها مرورا بالدوره ثم بمنطقة معسكر الرشيد ويستمر باتجاه بغداد الجديده .
هذه هي الجسور اليوم حيث لم تشهد بغداد منذ عقدين من الزمن اي جسر اخر يضاف الى الجسور اعلاه .
وعادت الزوارق للعمل وبكثافه من شريعة التقاعد اليوم لمواجهة الازدحامات المروريه ولاختصار الوقت والمسافه في الوصول الى اماكن العمل .....
والى حكايه اخرى من ايام بغداد الجميله
والى لقاء آخر مع اجمل تحياتي عبدالكريم الحسيني
للراغبين الأطلاع على (الحلقة/18) النقر على الرابطادناه:
http://www.algardenia.com/tarfiya/menouats/4312-18.html
765 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع