هذه المرة يمتعنا كاتبنا الرائد الأستاذ صبري الربيعي بورقة مستلة من كتابه القيم (اوراقي ..في الصحافة والحياة), لم تتناول أمرا سياسيا , بل يذهب بنا الى معركة خاضها مع (كر), في محاولة منه ومن قبلنا للتمتع بأسلوبه المميز في صياغة الكلمة .
معركتي مع (كر)
ما اتحدث عنه ليس مزحة , او احدى حكايات (الفبركة الصحفية), بل ان الأمر حدث حقيقة وبكل تفاصيله !
عصر احد الايام من شهر مايس , وبعد عودتي من قاطع (ميسان) حيث تابعت أحدى المعارك الكبرى في (الحرب الإيرانية العراقية ) , ولما تزل انفاسي معبقة برائحة الموت , وعضلات جسمي تأن من قلة النوم وكثرة الحركة وقلق الترقب , جلست في حديقة داري بمنطقة (الخضراء -الصدك) , محتسيا القهوة , وبعد حين سمعت جلبة في الشارع فأنصتّ حتى اقتربت الجلبة من باب الدار , عند ذلك عرفت ان ولداي رغيد واديب في السادسة والخامسة عشرة من العمر على التوالي, قد تعاونا على امساك حمار صغير له من الرشاقة والجمال نصيب وافر , واعذروني ان قلت ربما يفوق ذوق وجمال ورشاقة العديد من سياسيينا الفاشلين , حيث نجح الصبيان ب(القوة ) احيانا وب(المروّة) أحيانا اخرى, في اقتياده الى حيث اجلس .. رفعت رأسي متطلعا الى الباب الخارجي وقلت .."ماذا تفعلان ؟ "اجاباني بوقت واحد " بابه..لكينا لقطة ! "
التفت يمينا ويسارا, فلم اجد اية لقطة, وكل الذي وجدته حمار صغير جميل بلون ابيض مع بعض البقع السوداء , وبأذنان منتصبتان, تدوران ذات اليمين وذات الشمال, و (من المؤكد انه هو الآخر لايعرف ما الامر) ؟
اقتربت من الولدين و(لقطتهما) , وتفحصت الحمار فوجدته لطيفا هادئا , ينظر لي باستغراب واستعطاف , آملا في انقاذه من محنة الأسر, وأسركم ..انمي لطالما صرعت هياما بعيون الحمير , لتوفرها على سعة , و(تلوزها) ,وكحلتها الربانية التي لم تستفد من خبرات (الميكآب) , وقد اخذ نفسه وارتاح بعض الشيء من مخاض معركة خسرها هو, وربحها الولدان, إذ اسرع احدهما الى داخل الدار مستصحبا ما تبقى من خبز الغداء ,مع (سطلة) ماء قراح , وضعها امام (الحمار الضيف) , الذي أبت نفسه ان يأكل, وهو في (الاسر).. قلت " والآن..لقد أسرتما الحمار..مالذي ستفعلان به " ؟..
اجاب أحدهما .. "بابا الله ايخليلك.. نحتاج بالمزرعة حمار, نحمّل عليه ويساعد الفلاح ".وقال الآخر"راح نتونس بالحمار ونركب عليه" , ويبدو ان خيالي انا الاخر قد جنح الى متمنيات مضافة , الى درجة أني تفاعلت مع رغبات الولدين فقلت "..
ويمكن نسويله عربانه (كرته مصرية )" ؟, عند ذاك تحقق تطابق في الرأي , رغم ان هناك اعتراضات موضوعية قد صدرت من الداخل , الا ان (الديكتاتورية الذكورية), حسمت الامر, بنقل (الضيف) الى المزرعة ,التي تبعد حوالي 15 كيلومترا عن الدار !
هرع (اديب) الى الحبل المعلق في الحديقة لنشر الغسيل, وانتزعه من مربطه , وتعاونّا نحن الثلاثة على ربط قوادم وقوائم الحمار الاربعة,
وهو(يرافس) بيننا ف(يزكط) هذا , ويصيب ذاك , ولما اصبح جاهزا رفعناه بمنتهى (الشجاعة) , التي تتطلبها مقاومة حمار , الى مستوى صندوق سيارتي من نوع (تويوتا سوبر صالون) , وبعد جهد جهيد, وعديد (الرفسات) , الكثير منها كان مؤذيا , وقليله ب(الريش) , استطعنا جعل الحمار مستلقيا على جانبه, وقد ربطناه بعتلات داخل صندوق السيارة , ولكن.. ما أن احتواه صندوق السيارة ,حتى (جن) ذلك (الكر)الأسير, وبدأ (برفس ) الغطاء الخلفي لصندوق السيارة , فيما اخذت السيارة تهتز بعنف ذات اليمين وذات الشمال , ولم يكن أمامي سوى فك قيود الحمار الصغير المتمرد, ومحاولة إخلاءه من السيارة , فقد صار خطره أكثر من فائدته , ولابد من التصرف ..هنا تمنيت لو كنت بيطريا , لبادرت الى حقنة بحقنة مخدرة , ( والعب بيه طوبة) ! ولكن.. ليس في اليد حيلة , وعلينا التصرف السريع , والا (تراصفت) السيارة عند أحد ( التنكجية ) !
دعوت الولدين الذين أبديا من الشطارة الكثير, ان يتعاونا معي على فك اربطة الحمار المتمرد.. ولكن كل منهما نأى بنفسه بضعة أمتار من موقع (المعركة) , توكلت على الله , وبمساعدة بسيطة من السيدة الخائفة هي الأخرى , نجحت في فك وثاق يدا الحمار, الذي ما أن احس برفع بعض قيوده , حتى ( نط) من صندوق السيارة الى الأرض , وهو موثق الساقين , وبصعوبة أكثر , حاولت فك وثاق قائمتيه الخلفيتين , وقبل نجاحي في فك قوادمه , قفز ذلك الحمار الوديع , بقوة ثور , ليغادرنا الى حيث لاندري !
ابطال الحكاية:
المذيع رغيد
مدير التصوير أديب
(كر) ضائع
1936 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع