((رحلة في عبق التأريخ عن مقاهي بغداد كيف كانت وكيف أصبحت الآن؟))
أن أستعادة وأستنهاض التأريخ لحدث أو فعالية لمجريات الحياة فيه نوع من الحنين والشوق يتوجب أبرازه بحيث لا يراد له أن يمضي بعد أن سكن في الذاكرة، فالتأريخ لا يعيد نفسه وهو كالنهر الجاري الذي لا يعود الى منبعه بل يتوجه نحو مصبه، وهكذا ترانا ننحني لأجمل الذكريات والحنين أليها فنقدرها ونبرزها محبة الى ذلك الزمان الجميل والبسيط بكل مافيه من مشاهد وشواهد، فالذكريات تحمل عبق التأريخ وجمال الصور وروعة الأنسان والمكان، وخاصة حينما تكون لمكان ولد المرء فيه وتربى وترعرع بين أحضانه.
في مقهى الأونديشي الجميل والأنيق بديكوراته ومكانه المتميز والمطل على بحيرة خالد في الشارقة وزائريه من رجال الثقافة والفن والتجارة، تعودنا الجلوس فيه مع الأصدقاء ومع الزائرين من معارفنا والقادمين لزيارة ذويهم ومعارفهم، خطرت لنا كتابة مقالة عن مقاهي بغداد بعد أن كنا قد أستعرضنا المقاهي وعشقنا وتجذرنا منذ مرحلة الدراسة الثانوية، وكيف كنا نفضل أن نجلس في مقهى مشهور بتراثه في أي زيارة لأحدى الدول بعد مشاهدة متاحفها وأنسها الجميل، وأخذ الحديث مجراه مبينا ما شاهدناه من المقاهي الباريسية في دراستنا كالفوكيه في الشانزليزيه وفي الحي اللاتيني مقهى (دو فلور) والذي كان لنا الشرف بالتعرف على الفيلسوف والكاتب جان بول سارتر ورفيقته سيمون دو بوفوار وجلوسنا معهم أكثر من مرة،
ومقاهي فينا حيث كان عملنا هناك لأكثر من تسع سنوات وجلوسنا في مقاهيها الجميلة وكل منها تحوي ذكريات ومواقف يحتاج أن نكتب عنها لاحقاً، وكان أخي فلاح عندما يزور فينا ونجلس في المقهى له قول يردده(أوادم) مما يعني جمال مقاهيها المحافظة على تراثها ومكانتها، منها (اللاند مان) التي أراد أصحابها أن يغيروا المقهى الى مهام أخرى مما حدى ببلدية فينا من أتخاذ قرار بالصرف عليها وأبقاءها كمعلم تراثي وهي التي تقع قرب قصر الهوفبورك الأمبراطوري الشتوي (والبرلمان) ومقهى (زاخر) صاحب الكاتو المشهور ومقهى (ديمل) المنافسة لزاخر ومقهى (السيرك) قرب الأوبرا ومقهى (الأمباسادو) ومقهى (أوربا) ومقهى (الأمبريال) ومقهى (موزارت) ومقهى (الهافيلكا) ومقهى (السنترال) والمدعومة أيضاً من بلدية فينا.
فاالأوربيين تعرفوا على القهوة بعد أنسحاب الأتراك من حصارهم لمدينة فينا سنة 1683، بعد أن خلفت القوات التركية أكياسا من القهوة عندما انسحبوا من حصارهم لها، بعد ذلك افتتن الأوربيون بالقهوة وصاروا يستوردونها ويشترونها بكميات كبيرة، وفي القرن التاسع عشر بدأت المقاهي بالانتشار بفينا اوما يسمى ببيوت القهوة التي صارت تقدم لعامة الناس بعد ان كانت مقتصرة على افراد الطبقة العليا ويرجع الفضل في ذلك إلى حاكم المدينة انذاك كيزرفرانس جوزيف الذي كان يعشق القهوة ويشربها بشراهة، وانتشرت بعدها المقاهي بشكل واسع في شوارع المدن الأوربية، وكثيرا ما اضطرت السلطات الأوربية إلى إغلاق تلك المقاهي لمنع التجمعات والنقاشات الحادة التي كانت تدور فيها والتي كثيرا ما تنتهي بمظاهرات صاخبة ضد الدولة ورأت السلطات في تلك المقاهي أوكارا لتدبير المؤامرات والنشاطات المشبوهة.
وقد أراد شارل الثاني أن يغلق المقاهي في إنجلترا لأنها "مصدر للمشاغبات السياسية ومركز لتحريض الشعب ضد الحكومة ومنبع للحركات المخلة بالأمن".
أما في البلاد الإسلامية فقد احتج العلماء على المقاهي لأنهم رأوا فيها وسائل لهو تصرف الناس عن الصلاة والعبادة، فالقهوة التى استمد منها اسم المكان لم تدخل مصر إلا فى القرن ال 16 الميلادى وكان أول من اهتدى إليها هو المتصوف أبو بكر بن عبد الله المعروف «بالعيدروس» فقد روى أنه عندما كان يسير فى حديقته ببغداد التقط ثمرة البن وصنع منها شرابا وأرشد اتباعه إلى شرابه حتى وصل أبو بكر إلى مصر فى عام 905 هجري وهكذا أدخل الصوفية شراب القهوة إلى مصر.
وقد اختلف الناس حول هذا المشروب الجديد هل هو حرام أم حلال؟ ألا أن الصوفية اصحاب الطريقة الشاذلية التي أسسها أبو بكر بن عبد الله الشاذلي، أدمنوا شرب القهوة،لأنهم رأوا أنها تساعدهم على السهر وتنشطهم للتهجد ومن هنا سميت القهوة في نجد الشاذلية، وهنك أثباتات مكتوبة تبين فرضية أن فكرة إقامة بيت للقهوة ولدت في اليمن السعيد، إلا أن تكريس هذه الظاهرة بدأ فعلاً في الإمبراطورية العثمانية، حيث كانت تعرف تلك المقاهي ب القرأة خان، أي المكان الذي تقرأ فيه الكتب والمجلات.
من دون الخوض فيما إذا كان أصلها شرقياً أم غربياً، كانت المقاهي بديكوراتها التقليدية الجميلة بأرائكها(تخوتها) وكراسيها وأوجاغات عمل الشاي بالقوري والدلة للقهوة وأناسها، وهي تحمل بين طياتها جمالية المكان والروح المنبعثة من جدرانها وفضاءاتها تعبيراً أميناً لأهم مرحلة من مراحل التحول السياسي والاجتماعي بعد تأسيس الدولة العراقية والتي بدأ فيها ظهور منارات للفكر التنويري في الأدب والسياسة والأبداع، فالمقاهي في بغداد كان لها دورها في أثراء الحياة الثقافية والفنية والسياسية والتجارية منذ عقود طويلة ربما منذ أن عرف البغداديون المقهى، وتعد المقاهي عالماً مختلفا عن كافة التجمعات الأخرى مثل المجالس الأدبية والعلمية فهى ملتقى يومى للناس بوجد الحكايات وتروى الأسرار وتعقد الصفقات والأبداعات.
لعبت المقاهي للكثير أدوارا تجاوزت إلي حد بعيد وظيفتها الأولي وهي استقبال الرواد الراغبين في تمضية بعض الوقت حول فنجان قهوة أوأستكان أو كوب من الشاي. ولعل دور المقهي الثقافي كان من أبرز هذه الأدوار المضافة علي الوظيفة الأساسية، حتي أن بعض المقاهي دخل عالم الأدب والثقافة والسياسة بفعل رواده الذين من خلال طغيان حضورهم علي حضور غيرهم، حولوا هذه المقهي أو تلك إلي مكان أقرب إلي المنتدي، منه إلي المقهى.
وبعد أن أبرزنا لمحات وشخبطات عن كيفية نشوء المقاهي وأهميتها، فأن مقالتنا ستتركز عن مقاهي بغداد التي كانت تضم أنواع متعددة الملامح والتوجهات:
"مقاهي العابرين: وهي الموجودة في الساحات ولشوارع الرئيسية يجلس فيها من ينتظر موعداً أو لطلب الراحة.
"المقاهي الشعبية الموجودة داخل الأحياء الشعبية وهي للمعنين داخل هذه الأحياء والمعروفين لبعضهم البعض ويقصدونها يومياً وهو المنتدى الذي يلتقي فيه جيل الكبار وجيل الشباب.
"مقاهي المثقفين الذي يجتمع فيه الأدباء والكتاب والمثقفون والشعراء والفنانين والسياسين.
"مقاهي الرياضيين من عشاق الكرة وعشاق لاعبي الريسز(سباق الخيول) ،وصراع الديكة.
"مقاهي أنطلاق العمل حيث الأعداد الكبيرة من العمال والحرفيين واللذين ليس لديهم عمل منتظم بأنتظار الصخرة وهي متوزعة في الباب الشرقي والعلاوي وباب المعظم والأعظمية والكاظمية.
فالمقهى له مكانة روحية في بغداد ويحمل سحراً خاصاً فهو بالإضافة الى أنه يحمل في داخله ذاكرة لها برجالها وأماكنها، فهو أيظاً المكان الأنسب للاجتماع بالأصحاب والجوار، فكثيرون يشكل ارتياد المقاهي لهم جزءاً مهماً من حياتهم اليومية, فنجد المثقفين والفنانين والباحثين والسياسيين بالإضافة إلى المتقاعدين الذين يعتبرون الدوام في المقهى أمراً ضرورياً للنقاش في السياسة والثقافة والفن، فكل جدار وكل أوجاغ وكل أريكة(تخت) وكل أستكان له حكاية وله قصة وأبداع وفكر وشعر أخرجها رواد المقاهي، كما أن النظر الى وجوه المارة من خلال زجاج النوافذ يعطيك صورة عن حالة المجتمع ومكانته.
المتحف البغدادي
أما النكهة الخاصة بالمقهى في الماضي الذي سبق دخول الراديو والتلفزيون، فكانت في الاستماع إلى الحكايات القصصية (القصخون) ، حيث كانت تروى قصص عنتر بن شداد وأبو زيد الهلالى والمقداد والمياسة. وكانت المقاهى أماكن مخصصة لرواية قصص السيرة الشعبية والملاحم، بل إن أصحاب المقاهى كانوا يجلبون رواة القصص، أو الشعر أو مكاناً لأقامة الحفلات الغنائية وقراءة المقام أو الاستماع للمقام, وتواصلت بعض المقاهي اليوم والتي لم تندئر مع التقنيات المعاصرة، لتضع التلفزيون ليراه الحاضرون من جميع أركان المقهى.
رغم عدم وجود مراجع معتمدة وغياب الدراسات عن عمر مقاهي بغداد، إلا أن هناك نقل الى ما تحدث به الفنان الظريف فخري الزبيدي في كتابه " بغداد أيام زمان " نقلا عن مذكرات الشاعر الكبير معروف الرصافي يقول :
أن جغالة زادة سنان باشا والي بغداد سنة 995هـ/ 1586ميلادية فتح اول مقهى في بغداد في موقع خان الكمرك المتصل خلفه بالمدرسة المستنصرية وبابه على الطريق المؤدي الى سوق الخفافين وهو السوق الواقع فيه جامع الخفافين وبعدها سنة1590ميلادية فتح مقهى ثان كان يستخدم غلمانا ملاحا ملابسهم فاخرة لتقديم القهوة وقبض الدراهم وهناك جوق موسيقي في المقهى والتردد على المقهى اكثر ما يكون ليل وسمي بخان جغان.
لستذكر أشهر المقاهي القديمة والتي لازال البغداديون يتغنوها وهي عالقة بأذهانهم، وذلك أن البغدادي حين يحدد موعداً لزميله يقول له نلتقي في المقهى وهذا يدلل على تعلق وأمر جوهري في حياة العراقيين بصورة عامة والبغداديين بصورة خاصة:
*- مقهى الخفافين: كانت إحدى خانات بغداد القديمة وأستناداً الى ماذكره الشيخ جلال الحنفي مؤرخ بغداد فأن خان الخفافين بني مع بناء المدرسة المستنصرية في عهد الخليفة العباسي المستنصر بالله عام1233 ميلادية كمسافر خانة، وقبل أكثر من 300 سنة تحول الخان الى مقهى، يتميز البناء الهندسي الجميل بالطراز البغدادي الأصيل والنقوش والأقواس عتد مدخل الأبواب وسقفه المرتفع يتدلى منه ست مراوح قديمة في حين تتوزع على جدرانه قرب السقف نوافذ صغيرة للتهوية ودخول الضوء، وسمي بمقهى الخفافين المستمد من منطقة ورش الصناعات الجلدية وخصوصاً صناعة الأحذية وسروج الخيل والسيوف، وهوقريب من نهر دجلة حيث كانت السفن والقوارب التي كانت تنقل الأمتعة والبضائع تتخذ من ضفة النهر مرسى لها،
تتوزع أرائكه(تخوته) داخل المقهى ويقدم للزبائن الشاي والنراجيل التي تستخدم التبغ الأصلي الذي كان يجلب من شمال العراق(التتن)، لاوجود لوسائل اللهو كالدومينو وغيرها ولا تلفزيون ولا راديو في أجوائه التقليدية، كان ملتقى للتجار وأصحاب المهن والأدباء والشعراء وقراء القرآن الكريم عبد الوهاب محمود وعبد الستار الطيار وقراء المقام يوسف عمر وعبد الجبار العباسي وقدوري النجار،ومن رواده المستمرين شيخ بغداد جلال الحنفي وطريفته المشهورة(يطربني صوت الخاشوكة وهي تضرب أستكان الشاي ..عبالك دتغني)
ويقال أن الاغنية المشهورة(خدري الجاي خدري عيون ألمن أخدره) ألفت في المقهى، ومن رواد المقهى الشعراء الكبار معروف الرصافي ومحمد صدقي الزهاوي وملا عبود الكرخي، كما ذكرت في كثير من الروايات كالنخلة والجيران للكاتب غائب طعمة فرمان وصيادون في شارع ضيق لجبرا أبراهيم جبرا كما أن الممثل القدير يوسف العاني كان له دور بأبراز المقهى من خلال أعماله التمثيلية والمسرحية، في رمضان تمتليء بعد صلاة التراويح وتبدأ لعبة المحيبس الى الفجر تتخللها أكلة البقلاوة ويذهب روادها لأداء صلاة الفجر في جامع الخفافين، كان السواح يرتادون المقهى وحتى مفتشوأ الأمم المتحدة في التسعينات يرتادون المقهى عند ذهابهم الى سوق الصفافير.
*- مقهى الشط أو التجار: ويقع على ضفة نهر دجلة ويتكون من طابقين علوي وسفلي ويعتبر مقهيين ويعود كل واحد منهما لمالك فمقهى الشط يعود للحاج علي، اما المقهى الثاني في الطابق العلوي فيعود لحسن صفو،كان سقف المقهى من الخشب ويستند الى اعمدة خشبية ايضا ذات طلعة امامية على النهر ويحتوي على النقوش البغدادية وكانت مظللة بالالوان ويجلس الزبائن على درجات من طوف اللبن ويفرش عليها حصير من البردي وتنار بواسطة فوانيس مستوردة من المانيا وهي كبيرة الحجم ولا يوجد مثلها في بغداد وتعلق في السقف.. ويعتبر مقهى الشط من المراكز التجارية المهمة قديما على الشاطئ لان الموقع كان نقطة نهاية المراكب والدوب.. وكذلك كون المقهى سوقا للتداول بقضايا البيع والشراء حتى قضايا الخطوبة والزواج والاعراس كانت تبدأ من المقهى ...
ومقهى الشط الوحيد الذي كان يجاز ايام رمضان لموقعه واهميته ولبعده من الشارع وكونه مركزا تجاريا للمداولة ولا يمكن الاستغناء عنه حتى في رمضان.. كان يلتقي فيه وجوه بغداد المعروفة مثل عبد القادر باشا الخضيري وهو صاحب مراكب ترسو على الشاطئ امام المقهى وقاسم باشا وحسن باشا والحاج علي الجلبي وعبد القادر دله صاحب خان دله وابراهيم صالح شكر والرصافي والزهاوي في بعض الاوقات، وكان الجالغي البغدادي حاظراً بالأضافة لقراء المقام أحمد زيدان، رشيد القندرجي وكان يسمع صوته الى جانب الكرخ. وذلك لصفاء صوتهم وطاقتهم اضافة لهدوء الجو ليلا اضافة الى القراء المعروفين خضوري شمه ويوسف بتو وسيد جميل اضافة الى عتابة عكار وكان المقام يصدح يوميا. التياترو ـ كان يقام بالطابق العلوي من مقهى حسن صفو. فقد اشتهر بتقديم الحفلات الراقصة التياتروا. اذ اقتصر المقهى الاول على الجالغي والمقام فقط حيث كان يقدم حفلات يومية راقصة واحيانا مرتين عصرا ومساء ومن الراقصات المشهورات (طيره وفريدة وتنوورحل) وغيرهن.
*- مقهى الزهاوي: أفتتح الوالي العثماني خليل باشا شارع الرشيدعام 1916 ميلادية وفي المنطقة بين الميدان والحيدرخانة يطل عليك مقهى الزهاوي والذي كان في البداية مقهى أمين التي تأسس عام1917ميلادية وأستبدل ألأسم تيمناً بالشاعر الفيلسوف جميل صدقي الزهاوي أحد أهم جلساء المقهى، وكان للزهاوي عاداته المعروفة في المقهى، فاذا أبدى أحد الجالسين اعجابه بشعره، صاح على صاحب المقهى:
أمين ـ لا تأخذ فلوس الچاي.. كان المقهى ملتقى المثقفين والأدباء والسياسيين والشعراء والسواح العرب والأجانب وكبار الأعيان والتجارمن أمثال الرصافي،
والجواهري، والزعيم عبدالكريم قاسم، والوزير ورئيس الوزراء فاضل الجمالي، والدكتور علي الوردي، والأستاذ محمد بهجت الأثري، وأحمد سوسة، وخضر الولي ، و قراء المقام محمد القبانجي، وناظم الغزالي، ويوسف عمر، وشعوبي ابراهيم، وسليم طه التكريتي وأبراهيم صالح وعبد الرحمن البناء والشيخ أبراهيم الراوي وحامد البازي وعبد الأمير الحصيري ونزارالقباني وأحمد رامي ..وغيرهم..
ويقال ان الزهاوي استقبل فيه شاعر الهند الكبير (طاغور) عام 1932، وهناك طرفة أو مقلباً منقولاً( كما هو معلوم كان الرصافي والزهاوي في خصام أستمر طويلاً أذكاه أحد الشعراء، وأراد الرصافي في جمعة ما أن يلقي قصيدة في المقهى ليغيض الزهاوي وبدأ بألقاءها في حينها دخل بائع الكرزات "الحب" وهو ينادي حينها نادى عليه الزهاوي الذي كان قد فقد أسنانه بسبب العمر وحين وصل أليه سأله الزهاوي هل عندك حزام لسروالي"البنطلون" فأجابه البائع وهو يعرفه: بيك آني أبيع حب مو أحزمة،
فأستغرق الجالسون بالضحك المستمر ولم يستطع الرصافي أكمال قصيدته)،
كان من رواد هذا المقهى (أعضاء فرقة الزبانية للتمثيل) يلمون بها للراحة والتداول في شؤون الفرقة وهم الحاج ناجي الراوي وفخري الزبيدي وحميد المحل وحامد الأطرقچي وجميل الخاصكي وغيرهم من الشعراء والأدباء والصحفيين، وكان القزم الداهية الظريف (خليلو) والمكنى (أبو راسين) من رواد هذا المقهى وغيره من مقاهي الميدان والحيدرخانة.. وكان القزم محدثاً خبيراً بفنون الغناء والموسيقى وبخاصة المقام العراقي.. وحين زارت أم كلثوم العراق عام 1932م سمعت بهذا القزم وقابلته وأعجبت باجتماع النقيضين في شخصيته وقصر قامته وطول باعه في فنون الموسيقى وطلبت المطربة أم كلثوم منه مرافقتها الى مصر للاستفادة من خبرته، ولكنه اعتذر بلباقة، ويقال أن الشاعر بدر شاكر السياب بدأ بنشر أولى قصائده من هذا المقهى، كما زار هذا المقهى كثير من الزوار منهم نزار القباني وأحمد رامي، وفي نهاية الثمانينات أراد أولاد السيد أمين بيعه ليتحول الى مكتبة أو مطبعة وجاهد المخلصين من الأدباء والفانانين فأقنعوا أمانة بغداد بتبنيه وهذا ما حصل بل جرى ترميمه بشكل حافظ على جماليته وهو شامخ الى الآن..
المتحف البغدادي
*- مقهى البرلمان: مقهى جميل ومهيب وواسع واجهته النوافذ الزجاجية الكبيرة أذ تستطيع مشاهدة المارين من أمامه بكل وضوح، مشهور بشايه المهيل والحامض الذي يقدمه لرواده، مقابل جامع الحيدرخانة أحد أجمل المساجد بزغرفته وهندسته البغدادية المتميزة وواجهته المزينة بالخط العربي الذي أبدعته أنامل هاشم الخطاط ، ومن باحة الجامع ألقى الجواهري قصيدته المشهورة لرثاء أخيه الذي قتل في أنتفاضة الوثبة عام 1948 والمعنونة(أخي جعفر)هذه الأنتفاضة التي أسقطت حكومة صالح جبر والتي كانت تطالب بألغاء معاهدة(صالح- بيفن)، المقهى يذكرنا بالشاي المهيل والحامض والأركيلة الذي يقدم للزبائن ، ومن اهم رواده الشاعر الجواهري وقصائده الحماسية، وجاء تسمية المقهى بالبرلمان لان اعضاء البرلمان من الفرات الاوسط والجنوب هم من كانوا يرتادون هذا المقهى، وقد كان يرتاده أدباء وكتاب وسياسين قوميين ويسارين وليبراليين وشعراء الحلة والنجف حين مجيئهم الى بغداد والطلاب الذين وضعت زاوية لهم بعيدة عن الضوضاء ليتمكنوا من مراجعة وقراءة دروسهم ، قريب من شارع المتنبي ،
وكان يرتاده الشاعر محمد مهدي الجواهري، والشاعر مصطفى جمال الدين ، الشاعر محمد باقر الشبيبي، والأساتذة أحمد الحبوبي وفؤاد الركابي وعلي صالح السعدي وفاتك الصافي وشفيق الكمالي وعبد الله سلوم وسعد قاسم حمودي وسليمان العيسى ونزار حمدون وهلال ناجي ومحمد جميل شلش وجعفر قاسم حمودي وعبد القادر البراق وعبد المجيد الونداوي ويحي قاسم وخالد الدرة وصبيح الغافقي وصادق الأزري وحميد سعيد وعبد الأمير معلة وسامي مهدي وصلاح المختار ونجم المرسومي وعبد الفتاح محمد أمين وسعدون شاكر وصباح ميرزا وصلاح عمر العلي وفلاح ميرزا وحليم نوري ووهاب علي الكردي ومحمد دبدب وكريم الملا وأخرين لم نستطع أن ندرج أسمائهم وهم كثيرون وبالأمكان الآخرين تقديم المزيد، وللأسف الشديد وبسبب الجشع المادي تحول مقهى البرلمان الى مطعم ومحل للأسكافي.
*- مقهى حسن عجمي: هذا المقهى الجميل بكبرياءه والمشهور بهرمية سماوراته الروسية الملونة وتخوته المتلاصقة بشكل متوازي والتي جلس عليها الآلاف من بؤر الثقافة والشعر والفن والسياسة والعامة، منهم اليبرالي ومنهم اليساري ومنهم القومي وهكذا، وأوجاغه الجميل وقواريه السيراميكية ونراكيله المشهورة، شهد الصراعات الادبية والثقافية ، ويقول الأدباء اذا فقدت احدا( من كبار الكتاب والأدباء والمثقفين فانك تجده يجلس على اريكة قديمة من ارائك تلك المقهى)، كان رواده منهم مجموعة من محبي سباق الخيل ومنهم من لاعبي الدومنة والطاولي ومنهم المثقفين والشعراء والسياسين والصحفين ولكل منهم عالمه وشعبيته ومحبيه، إذ كتبت فيه عشرات القصائد والقصص ووضعت الأفكار الأساسية لبحوث ومقالات ثقافية أخذت جميعها طريقها إلى النشر فيما بعد. ناهيك بطقوس تبادل الأدباء لنصوصهم الإبداعية ومتابعة آرائهم النقدية حول ما يكتبون ويفكرون أو يتحدّثون به،
من رواده محمد مهدي الجواهري وعبد الوهاب البياتي وبدر شاكر السياب وعبد الرزاق عبد الواحد وبلند الحيدري وسامي مهدي وحميد سعيد وهلال ناجي ورشيد ياسين وعبد الملك نوري وجبرا أبراهيم جبرا وعبد الستار ناصر وخليل الخوري ووارد بدر السالم وعبد الخالق الركابي وماجد السامرائي وصباح ياسين وكزار حنتوش وهاني وهيب ومحمد جميل شلش وموسى كريدي وعبد الأمير الحصيري ومير بصري وحسين مردان وأكرم الوتري وسعدي يوسف ورشدي العامل وعبد الحسين شعبان وراضي مهدي السعيد وزهير أحمد وصباح سلمان ومالك المطلبي وعبد الأمير معلة وحافظ الدروبي وأحمد فياض وضياء حسن وفؤاد التكرلي وعلي السوداني وحسن النواب وعشرات بل المئات لم نستطع تذكرهم، أتخذ مقهى حسن عجمي تقليداً أسبوعياً قوامه التقاء الأدباء في كل يوم جمعة للنقاش وتبادل الآراء والتحاور في مختلف القضايا الثقافية.
*- مقهى البرازيلية: يقع المقهى في محلة المربعة وبالقرب من أورزدي باك، واجهنه الزجاجية جميلة وأناقة الداخل مميزة على الطراز الأوربي وبقدم القهوة والنسكافيه بالطريقة البرازيلية والشاي بالكوب بدلاً من الأستكان ، رواده من الطلبة والأدباء والشعراء والكتاب والفنانين والسياسيين، لا أتصور أحد من جيلنا من عاش في بغداد أو زارها لم يتمتع وينعم بالجلوس في البرازيليا وقهوتها اللذيذة وكان بعض من رواده بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي وبلندر الجيدري وعبد الملك ياسين وجواد سليم وفائق حسن وغالب طعمة وشاكر آل سعيد ورفعت الجادرجي وقحطان عوني وقتيبة الشيخ نوري وفؤاد الركابي وعبد الله سلوم وأياد سعيد ثابت وآخرين وآخرين..، وكذلك كان رواد البرازيلية الصيفي في الباب الشرقي يرتاده نفس الوجوه، مع الأسف تحول المقهى الى مخزن لبيع الأقمشة.
*- مقهى الواق واق: الذي يعود تأسيسه إلى العام 1946م بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وبدء تجلّي نهضة جديدة تتطلّع إلى المعطيات الثقافية الغربية من الوجودية والسوريالية،أذ يعتقد أن الأسم والمكان كان هدفه جذب الأدباء والفنانين أليه، ساهم في تمويل المقهى عدد من الفنانين الكبار أمثال جواد سليم ونزار سليم وآخرين. وقد أطلق الأدباء روَّاد المقهى على أنفسهم اسم جماعة الوقت الضائع ، وأصدروا صحيفة الوقت الضائع، وأصبح ملتقى العديد من الأدباء والشعراء والفنانين منهم الشاعر بلند الحيدري والشاعر حسين مردان والقاص فؤاد التكرلي والرسام فائق حسن والرسام أكرم شكري والرسام حافظ الدروبي وغيرهم، لم نحصل على معلومات تفيد بكيفية أنتهاء هذا المقهى .
*- مقهى المعقّدين: الذي ظهر في بداية الستينيات يرتاده الأدباء الأدباء المتمرّدين على السائد والذين يعتبرون أنفسهم هم الأفضل والمتطلّعين إلى الاتجاهات الحديثة في الأدب العالمي كالمسرح الفقير والمسرح الأسود والتغريب، وبسبب ذلك، إضافة إلى سلوكهم الانطوائي وتحفّظهم تجاه المجموعات الأدبية الأخرى، سُمِّي هذا المقهى (المعقّدين) منهم الأساتذة فاضل العزاوي وعادل عبد الجبار وسركون بولص.
*- مقهى الشابندر: يقع المقهى في نهاية شارع المتنبي قبالة سوق السراي والذي أنشأ عام 1917، وكان نوري السعيد رئيس الوزراء وحكمت سليمان وبعض من الوزراء والنواب من والمثقفين والأدباء والفنانين من رواده، وفي الظهيرة القضاة والمحامين والصحفين والطلبة (الذي كنت أحدهم) لقرب المحاكم ودوواين الدولة والأعدادية المركزية، ومابعد المغرب الى منتصف الليل يحضره قراء المقام ومنهم رشيد القندرجي وكان الرصافي والسياب وأبراهيم أدهم الشاعر المتصوف من زواره أيظاً، وكانت أنتخابات النواب تجرى هناك، موقعه متمبز وهندسة بناءه الجميل بشكله البغدادي، تخوته مريحة وشايه المهيل والليمون ونراكيله مشهود بها، وجدرانه مليئة بالصور الفوتغرافية للشخصيات السياسية وجسور بغداد واللوحات الترائية لحياة بغداد يعتبر مقهى للمحامين والقضاء، كانت جلساته مليئة بالمناقشات والأدبية والسياسية والشعرية وهذا المقهى أقرب الى المنتدى وهو متحف ترائي لازال شامخا، ويكون يوم الجمعة ملتقى للأدباء البغدادين والأدباء الذين يأتون من المحافظات الذين يزورون شارع المتنبي لشراء الكتب القديمة والحديثة.
*- مقهى البلدية: كان سابقاً يسمى مقهى وهب وهو في محلة ( البقجة ) والتي كانت في موقع ساحة الميدان الحالي ، حيث كانت عبارة عن حديقة صغيرة ولذلك سميت بهذا الاسم ، وفي هذا المقهى كان يلتقي رواد المقام العراقي منهم ملا مهدي ، وملا فتاح المعروف ، وكذلك القبنجي ويوسف عمر ، وكان هناك مكاناً لرواد الصحافة العراقية ومنهم روفائيل بطي وشاكر علي التكريتي وسعد قاسم حمودي وحميد سعيد وعبد الأمير معلة وضياء حسن والسياسين فؤاد الركابي وعلي صالح السعدي وأياد سعيد ثابت وسمير النجم وجعفر قاسم حمودي وفيصل حبيب الخيزران وبعض من طلبة الأعدادية المركزية حيث التناوب بين الجلوس للمطالعة في البلدية أو في الشابندر وكنت من ضمنهم، أزيل المقهى وشيدت المكتبة الوطنية على أنقاضه.
*- مقهى عارف أغا: يقع بجانب جامع الحيدر خانة .. كان يلتقي في هذا المقهى كبار التجاروكبار الساسة والوجهاء والنواب والاعيان. وقد اتخذه معروف الرصافي مجلسا له يحيط به محبوه ومريدوه، وارتاده من الساسة ياسين الهاشمي، وحكمت سليمان. تحول المقهى بمرور الزمن الى دكاكين عامة.
*- مقهى أم كلثوم: يقع في شارع الرشيد قرب الميدان، أسسه الحاج عبد المعين الموصلي والذي كان متأثراً بأم كلثوم‘ وكان يحظر حفلاتها وشارك في تشيعها ،المقهى مليء بصورها حيث تغطي جدرانها وكأنه متحف صغير يمثل مشوار لمراحل حياتها، لا تسمع غير أغانيها وجهاز التسجيل لا ينقطع، ويقال عندما توفيت عام 1975 أقيمت لها مراسم العزاء لمدة ثلاثة أيام، وكان ترتيل القرآن بصوت أم كلثوم نفسها،ومن رواد المقهى كان محمد القبنجي ويوسف عمر وحسبن الأعظمي وحقي الشبلي وجواد سليم وفائق حسن ومحمد القيسي وشعوبي وداخل حسن وكذلك عشاقها من بغداد ومن المحافضات، ولازال المقهى يعمل دون أن تلامسه يد الغلق.
*- مقهى الدفاع: يقع مقابل وزارة الدفاع وكان يرتاده طلبة الكليات القريبة من باب المعظم وكذلك بعض من السياسين من أمثال فؤاد الركابي وفيصل حبيب الخيزران وعبد الكريم شنتاف وعبد الكريم الشيخلي وتحسين معلة وأحمد الحبوبي وغيرهم،أغلق بسبب توسع وزارة الدفاع.
*- مقهى الآداب: يقع مقابل الملكة عالية في الباب المعظم، وكان أكثر رواده من الطلبة وطلبة الأقسام الداخلية،ومن رواده عبد الوهاب الغريري وكريم شنتاف وكريم الشيخلي وجعفر قاسم حمودي ومقداد العاني وتحسين معلة وصفاء محمد علي وهكذا، أغلق المقهى بعد التوسع.
*- مقهى سيد شكر(القلعة): يقع بجوار وزارة الدفاع بين الميدان وباب المعظم، وقد اشتهر هذا المقهى بسباقات (الديكة) و (نطاح الكباش) وكذلك جلوس (الخرس والبكم) و(المطيرجية)، مقهى فريد يجمعهم جميعاً ولكن كل له زاويته المعتادة، زاوية لهواة الطيور، وزاوية لجماعة الخرس والبكم، وزاوية لهواة مناطحة الاكباش، وزاوية لهواة مصارعة الديكة (الهراتي)،
فهواة الطيور ونفخياتهم حدث ولا حرج صياح وأبتهاج وتفاخر عن طيورهم ومايملكونه من أنواع الزاجل والكمرلي والمسكي وغيرها .
المتحف البغدادي
اما هواة الديكة فالرهان على الهراتي الصامد، فمن المعروف ان الديكة الهراتية تتعارك حتى يسيل الدم من جسمها ولا سيما الرأس ويقع الديك المغلوب المكسور على الارض ثم يأتي صاحبه فيأخذه، فيخسر الرهان،
اما الخرس فالكلام بينهم بالاشارة المعهودة فلا تسمع منهم الا همسا وغالبيتهم ظرفاء وودودون، أما هواة مناطحة الخراف فالرهان على كسرالقرون .....
كان الظرفاء يقصدون المقهى بالزيارة بين آن واخر ليصغوا لنكات هؤلاء الهواة من الناس الذين يضمهم سقف هذه القهوة.. وقد ذهب هؤلاء بزوال هذه القهوة.
أذاً كانت مقاهي الحيدرخانة والميدان بؤر تنطلق منه التجمعات الثقافية والسياسية وكانت حناجرهم هي المغذية لتطلعات وأماني الحركات التنويرية.
*- مقهى كلويز: ذكرهالرصافي في مذكراته، ملتقى الطبقة البرجوازية في بغداد، يقع بجانب باب وزارة الدفاع وبالقرب من معمل احذية الكاهجي، هدم عام 1915 بعد توسعات شارع الرشيد.
المتحف البغدادي
*- مقهى خليل: يقع في قلب ساحة الميدان خلف الشارع الرئيسي الذي يربط بين شارع الرشيد والجمهورية، معلماً من معالم بغداد وليس لمجرد كونه مقهى فحسب، فالحاج خليل أعطى لهذا المقهى خصوصية جعلته مميزا من بين كل مقاهي بغداد، فبالأضافة كون المقهى ملتقى المثقفين وكبار الموظفين والعسكريين والتجار والطلاب القادمين من مدن العراق للدراسة الجامعية في بغداد وكنت ترى الحاج خليل يتفقد هذا أو ذاك ويمازح الآخرين بروحه البغدادية المرحة الأصيلة وكرمه وحسن سلوكه، فالمتظاهر المطارد من قبل الشرطة السرية يأتي إلى زاوية من زوايا المقهى في الداخل ويكون في حماية الحاج خليل لأن الشرطة السرية لاتجرؤ الدخول إلى مقهى الحاج خليل، والطالب الذي تأخرت حوالته يساعده، والذي ليس له مبيت ينام على أحدى التخوت في أحدى زوايا المقهى، والموقوف يزوره ويحاول مساعدته لأخراجه من السجن، والمقهى فيه (رف ) توضع فيه الرسائل الواردة للطلبة والموظفين من ذويهم من خارج بغداد اي أن المقهى الوحيد الذي يعد مركزاً للأستعلامات ومحطة للبريد والحوالات، أسدل الستار عن هذه المقهى وبقيت ذكراها الجميلة أسوة بالمقاهي الأخرى.
*- مقهى سبع: صاحبه سبع اشهر قهوجي في بغداد، يقع المقهى في الميدان، تحول الى ملهى،وكان يستقدم عدد من المغنيات ومنهن(رحلو والملية جرادة وشفيقة الحلبية) وقد ذكرها الملا عبود الكرخي في أحدى قصائده.
*- مقهى عزاوي: وهو من اشهرمقاهي بغداد، في باب المعظم قرب جامع الأحمدي، التي تخلدت من خلال اغنية ( ياگهوتك عزاوي بيها المدلل زعلان وفراكهم بچاني ) وسميت گهوة عزاوي وصاحبها حميد القيسي ، وكان يعمل فيها شاب وسيم من الناصرية هرب من اهله وجاء ليعمل في هذا المقهى ، وكان هذا الشاب محبوب وخدوم واكتسب حب جميع رواد المقهى لدرجة انهم اطلقوا إسمه على المقهى، في هذا المقهى كان هناك مسرح يقدمه ارشد أفندي بعنوان قرقوز في ليالي رمضان ، وبعد فقرة قرقوز يقوم احمد زيدان ونجم الشيخلي بقراءة المقام العراقي .
ومقهى عزاوي كان فيه كذلك المنلوجات ،وقد بدأ عزيز علي حياته الفنية في هذا المقهى، وكان يعرض مسرحيات خيال الظل "عيواظ وكركوز"، كما مثل في هذا المقهى اشهر الكوميديان الفطري "جعفر آغا لقلق زادة" وكذلك مثلت فيه الفنانة عفيفة اسكندر،أغلق المقهى ولم يعد له وجود بسبب التهدبم لتوسعة الشارع الذي يربط باب المعظم بالميدان.
*- مقهى البلابل: هذا المقهى مخصص لمحبي البلابل في بغداد، يقع في محلة البارودية، ويحتفظ اصحاب البلابل بالأنسال من البلابل ويشترون ويبيعون في المقهى وتدور اغلب احاديثم عن البلابل.
*- مقهى أبراهيم عرب: يقع في الكرنتينة مقابل سرية الخيالة وكان منتدى للكثير من الأدباء والشعراء منهم بدر شاكر السباب والظرفاء وطلاب الكليات، يعتبر من المقاهي العراقية المشهورة، وإبراهيم عرب(أبو رحومي) كان مشهوراً بالخيال الواسع والسخرية من الأحداث بأساليبه الفكاهية، وهوعندما يلقي قصصه الخيالية على رواد المقهى فهو يرويه بطريقة تشعرك بجديته ، وله طرائف كثيرة كتب عنها وهي لازالت تردد بأستمرار الى يومنا هذا، كانت المقهى عامرة بروادها والمعجبين بشخصية أبراهبم عرب، أغلق المقهى وأفتتح مقهى آخر في راغبة خاتون والتي كانت مزدهرة بروادها وأدارها أبنه الرياضي رحومي بعد وفاته.
*- مقهى التبانة: يقع في محلة الفضل بجانب الرصافة، كان يمثل فيه الممثل الكوميدي ابن الحجامة ويتبارى في النهار "الخرفان" وقد ذكر من قبل العديد من الشعراء الشعبيين في قصائدهم وهو من أقدم مقاهي بغداد.
وفي الفضل أقيم مقهى الى جوار المدرسة عرف بمقهى الفضل وصاحبه محمد كركر وكان يرتاده شخصيات وتجار ووجوه المنطقة، وقد غنى في هذا المقهى المغني أحمد زيدان.
ﻓﻲ ﻣﻧطﻘﺔ ﺑﺎب اﻟﺷﯾﺦ ﻛﺎن ھﻧﺎك ﻣﻘﮭﻰ راس اﻟﺳﺎﻗﯾﺔ، ﻣﻘﺎﺑل ﺟدار ﺟﺎﻣﻊ اﻟﺷﯾﺦ ﻋﺑد اﻟﻘﺎدر ﻋﻠﻰ ﺳﺎﺣﺔ اﻟﻛﻔﺎح (ﺷﺎرع ﻏﺎزي) ومقهى الياس مقابل جدار الحضرة الگيلانية ومقهى الجمالي.
*- مقهى ياسين: يطل على نهر دجلة من جهة الباب الشرقي .
مقهى لم يخل بعضه من تمايز فكري وطبقي . ومن زبائن مقهى"ياسين " كان الفنان "شاكر حسن آل سعيد والموسيقي فريد الله وردي وشعراء وموسيقيين وكتاب وفنانين ، العازف سلمان شكر ،كاظم جواد، عبد الزهاب البياتي، بدرشاكر السياب، حسين مردان وبلند الحيدري وآخرون توطدت صلته بهم . كان هذا المقهى أولى المحطات المؤثرة للفنان ( آل سعيد) وفضاء خاصا لأعماله.
الأمير / عبدالأله..الوصي
*- مقهى زناد دروش: يقع المقهى أمام نصب تمثال السعدون في ساحة النصروصاحبه زناد (جاكي الوصي عبد الآله) حيث زينت جدران المقهى بصوره مع الوصي وكذلك وضعت الكأوس على الرفوف، كان رواده من التيارات اليسارية، وقد قتل خليل أبو الهوب أحد اشقياء بغداد عند مدخل المقهى.
وأكتسب شارع أبو نؤاس الذي أستقر في ذاكرة وضمير العراقين ورمزا من قيم الحياة لهم فأخذ مجاله وجماله بعد تطويره في منتضف السبعينات من قبل أمانة العاصمة ،فأنشأت الأمانة عدة مقاهي متلاصقة وسميت بأسماء الألوان وهي الخضراء والبيضاء والحمراء.. وأستقطبت الشباب والأعلامين والفنانين والشعراء وكانت أحداها وهي البيضاء يديرها الممثل القدير محمد القيسي، أما كازينو الخيام فقد كان من رواده الأساتذة علي صالح السعدي وسليم الزيبق والشعراء عبد الوهاب البياتي وسعدي يوسف والمؤرخ جميد المطبعي والممثل حمودي الحارثي.
*- مقهى البيروتي: يقع في الجهة الغربية لنهر دجلة ( كرخ بغداد ) وتحديداً عند نقطة إلتقاء محلتي الجعيفر والعطيفية على شاطيء دجلة وهي من أوقاف داود باشا في الجهة المقابلة منها الخانات، وأختير أسمه نسبة الى مقهى كان يقع في ساحة الشهداء والذي غرق بفيضان الخمسينات، ذوا بناء هندسي جميل وموقعه متميز جعله من المقاهي التراثية القديمة، المقهى مرتب بشكل منسق زاوية منه للتجار وأصحاب الخانات، وزاوية لطلبة الثانويات والكليات والمثقفين والأدباء، والركن الثالث لشرائح المجتمع والحرفيين ، اشتهرالمقهى بكونه أحتضن مجموعة كبيرة من الادباء والشعراء والفنانين .
وكان من رواد مقهى البيروتي المرحوم ملا عبود الكرخي ومحمد سعيد الحبوبي ويوسف العاني وخضر الطائي وعباس عبد الرحمن وعبد الحميد الهبش والحاج محمد مكية وكاظم الفنهراوي ومصطفى باقي الحيدري وتوفيق الخانجي وآخرين.
*- مقهى حضيري أبو عزيز:يقع في منطقة الصالحية، صاحبه الفنان الخالد حضيري أبوعزيز أشهر فنان في مجال الاغنية الشعبية العراقية، وهو صاحب الاغنية الخالدة:
عمي يا بياع الورد.. گلي الورد بيش
ومن المقاهي التقليدية في الكرخ حسب ما كتبه السفير عبد الستار الراوي في مقالاته قمر الكرخ(سيرة حارة بغدادية) وقد بلغ عددها فى الأربعينيات أكثر من عشر منها ماكان ملتقى لذوي الرأي وكبار السن, من شيوخ ووجوه المحلة , كمقهى (جاسم الدرب) في السوق الصغير ,كانت تكتفي بتقديم الشاي والنارجيلة، وقراءة (القرآن) و(المقام)، تليها (مقهى علي)، الواقعة على رأس الطريق النازل إلى طرف (المعدان)، قبالة دكان كاظم الجميلة، وقد عرفت فيما بعد باسم مقهى (أحمد الكاظم) وهو شقي ؛ يؤمها رجال دربونة زنكو والأطراف المجاورة لها، أما مقهى جسام (أبو نصيف) فقد كانت ملاذا لابناء طرف جميلة والمعدان والسعدية تختلط على تخوتها السياسة بالثقافة والطيور بالخيل وفيها أمضى جيلنا أعذب لياليه في المسامرة ولمة الصحبة ولقاءات الاصدقاء.
وفي مقهى كاظم البربوتي كان صوت أم كلثوم يصدح في أمسيات الخميس ، وكاننت أغاني كوكب الشرق هوية المقهى وفضاؤها، يجتذب الصوت العبقري عشاق الموسيقى الشرقية.ومثقفي الاطراف والمحلة.
أما مقهى (عبد الله أبو ماشة)، فكانت أشبه بالنادي الثقافي، يتواصل فيها المتعلمون وطلاب الجامعة وبعض الموظفين، والسمة الغالبة عليها، هي (الحوارات) السياسية، وحرية الرأي، مما يفصح عن وجود وعيّ ثقافي وسياسي بين روادها، حيث كانت معظم التظاهرات الوطنية والقومية تنطلق من هذه المقهى، وقد عرفت على امتداد تأريخها منذ أواسط أربعينيات القرن العشرين إلى جانب مقهى (عريبي) بان معظم زبائنها، ينتمون إلى تيارات سياسية مختلفة، وإن كثيرا من خلايا الاحزاب والحركات القومية والاسلامية واليسارية , تشكلت على آرائكها، فيما يظل دور (مقهى عريبي) دورا طليعيا في ميلاد التنوير الوطني، إذْ شهدت أيامها البداية الأولى لمقاومة قوات الاحتلال البريطاني، وعلى تخوتها إتخذ رجال الفحامة قرار مقاتلة العدو الانكليزي الذي جاء العراق غازياً معتدياً،..
لذلك فإن هذه المقهى لم تكتف بتأييد ثورة العشرين أو مبايعة قادتها، بل بادر الكثير من شباب الفحامة ورجالاتها إلى أن يتطوعوا في صفوف الثورة ويصبحوا جزءاً منها) أنتهى الأقتباس.
وهناك مقهى أعكيل في جانب الكرخ يرتاده بعض عشائر أعكيل التي نزحت من نجد، وكانت هناك عدة مقاه في منطقة علاوي الحلة، وهناك مقهى فاضل ويقع في منطقة رأس جسر الأحرار، وكان هناك مقهى الشابندر في سوق حمادة، وفي محلة التكارته مقهى الباشا، وفي محلة المشاهدة مقهى المشاهدة، ومقهى السوامرة، ومقهى الصالحية وغنى فيه رشيد القندرجي.
بأتجاه الأعظمية وفي الكسرة
هذه صورة لأحد المقاهي الشعبية بالأعظمية يظهر فيها الدكتور عبدالقادر زينل أيام شبابه حين كان لاعبا ومعه مجموعة من الرياضيين الصورة تعود لأوائل الستينات..
*- مقهى الساجي وصاحبها عادل الساجي حيث يجلس الرياضين ومشجعي الكرة بأعتبار ملعب الكشافة قريب منه وبعض من الرواد كانو اللعب جمولي والحكم الدولي أسماعيل حمودي ومدرب أتحاد الكرة اللواء شوقي عبود ومدرب الكرة محمد حسون والمصارع الدولي الدكتور أموري أسماعيل والدكتورعبد القادر زينل رئيس والملاكم الدولي فلاح ميرزا واللاعب مجبل فرطوس، ومحمد دبدب وصلاح هاشم ، وبعض من وجوه محلة الكسرة وبعض من الصحفين منهم ضياء حسن وجليل موسى وهكذا.
*- مقهى النعمان: يقع في رأس الحواش قرب سينما الأعظمية،مقهى جلوس كبار العسكريين والساسة والادباء ووجهاء المنطقة والرياضيين يحوي على فسحة كبيرة وهنا ترى الفيصلية والسدارة والعقال واجواء المناقشات والنكات والطرائف، جلس فيها الرئيس عبد السلام عارف بعد خروجه من السجن، كما كانت تحتضن التيارات القومية ومن روادها الاساتذة تايه عبد الكريم وسمير النجم وأياد سعيد ثابت ونعمان الدليمي وحسن محمود طه وجعفر وسعد قاسم حمودي وصباح ميرزا ووهاب علي الكردي وأخيه أبراهيم ونزار العزي وعصام الصفار وفلاح ميرزا وفيصل عبد السلام وآخرين.
*- مقهى العروبة:يقع في شارع عشرين وكان ملتقى العسكرين والسياسيين والأدباء والرياضيين، أحتضن المقهى الأجتماعات السرية لقادة حركة مايس 1941 وهم العقيد صلاح الدين الصباغ والعقيد فهمي سعيد والعقيد كامل الشبيبي والعقيد محمود سلمان.
كانت هناك مقاهي عامرة بجلساءها في محلة الشيوخ ولكنها أندثرت وهي الحجازي وسامح وأمين.
*- مقهى الجسر في السفينة وأكثر روادها من رياضي المصارعة من أمثال رحومي جاسم وعوسي الأعظمي وكريم الأسود وقاسم السيد وأموري أسماعيل، كما يجلس فيها المتقاعدون وبعض من وجهاء المنطقة.
*- مقهى الجرداخ: يقع في السفينة وهو ملتقى للسياسيين والأدباء والرياضيين ،ومن رواده فخري الزبيدي وثامر الحافظ وسعد ونة وفيصل عبد السلام ونهاد ملا حمادي وضياء حسن وعصام الصفار وآخرين
*- مقهى نجم: يقع عند عكد السادة في مدخل شارع الشريف الرضي وهو ملتقى الكثيرمن الأدباء والفنانبن والكتاب ووجهاء الكاظمية، والمقهى يحفظ الكثير من الذكريات والتواريخ والنوادر.
*- مقهى سوق الأسترابادي: مقهى صغير يحتوى على مقاعد خشبية قديمة علقت على جدرانه صور لشعراء ورجال سياسة حكموا العراق في زمن مضى .وكان من رواد المقهى شعراء محليون ورجال فكر واخرون يمتهنون الغناء أمثال حضيري أبو عزيز وداخل حسن، موضحا ان مقاعد المقهى احتضنت الشعراء الشعبيين، اذ كانت المباريات الشعرية تشتد تحت سقف مقهى السيد صاحب وكان ابطالها شعراء من سامراء وبغداد والعمارة والناصرية والحلة والديوانية وبغداد
*- مقهى السيد جعفر يقع قرب باب الدروازة، يتميز هذا المقهى بـ النظافة والسعة والأوجاغ الذي كان قريبا من الباب حيث كانت تصف السماورات باحجام كبيرة وصغيرة تجلب انظار الجالسين من رواد المقهى بمنظرها الجميل،
مقهى السيد جعفر كان ملتقى وجوه الكاظمية واعيانها ، وما وعته الذاكرة فقد كان يجلس فيها جميع شرائح المجتمع، وكان يحظر الى المقهى الصحفين ورجال الفكر والشعر منهم محمد البريفكاني وراضي مهدي السعيد وغيرهم.
في منتصف التسعينات وللحد من أندثارالمقاهي التراثية أوعزت الدولة الى أمانة بغداد بجرد المقاهي التراثية والمحافظة عليها، ورصدت الأموال اللازمة لتطويرها وتأثيثها بالشكل التراثي مما حافظ على تلك المقاهي من الأندثار.
عسى أن أكون قد وفقت بتقديم خريطة تحتاج الى أن تكون مكتملة لأغلب مقاهي بغداد القديمة، وبلا شك فإن عددا من هذه المقاهي قد أندثرت بعد ان اتسعت بغداد ما افقد البغداديين بعض تراثهم المهم لأن هذه المقاهي كانت مراكز لشعراء وأدباء وسياسين وأعلاميين ومربين ورياضيين وتجار وعلميين وفنين..، وفيها من الذكريات والاحداث التي كانت تضفي الكثير من البهاء والرونق مما يستوجب أن يؤرخ له للأجيال الحالية والقادمة، كما أرجو ان أسامح ان نسيت بعض من المقاهي أو ألاشخاص، في الختام لا بد وأن نقول بأن جميعنا قد أرتبط روحيا بواحد أو أكثر من هذه المقاهي، وها نحن اليوم نسمع بأن المقاهي أصبحت ملاذاً للعاطلين من الشباب والمتسكعين بعد ان هاجرأو شرد أو قتل من أصحاب العقول والعسكريين والعلميين والأدباء والفنانين، وبعد أن فقدنا بالأمس القريب أبو نؤاس ولياليه ومسارحنا ودور السينما ومتاحفنا وآثارها والبيوت التراثية وصالوناتها الأدبية.. ومن الله التوفيق
سرور ميرزا محمود
1137 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع