" شذرات من كنوز العراق على مر العصور، منها ماهو مكتشف، ومنها لم يكتشف بعد "
من ارض الرافدين ابتدأت البشرية وجودها، فالنبي آدم وذريته ترعرعوا فيها، وأن الحضارات القديمة، بدأت بعد الطوفان الذي حصل في عهد النبي نوح عليه السلام، وكشف الجيولوجي المصري البسطويسي، بأنه «من الثابت تاريخياً أن (ملحمة جلجامش) التي كتبها السومريون منذ بضعة آلاف من السنين قبل الميلاد، تعد أقدم النصوص الأثرية التي تروي قصة الطوفان، مما يدل على أن حضارات بلاد الرافدين القديمة بدأت بعدما غطى الطوفان معظم الجزيرة العربية»، فالآثار كنز من مرايا الماضي والحاضر وأساسه، فالعراق يطفو على بحر من آثار مغمورة تحت سطح الأرض، حتى ان أي منقب للآثار لا يجد صعوبة في أن يحدد أي مكان آثاري لأن تحت بقعة من أرض العراق توجد آثار حتى لو كانت في عمق الصحراء، وآثأر الحضارة االسومرية والبابلية والآشورية تعكس الماضي الذي بناه العراقيون في وادي الرافدين والتطور الذي كانوا فيه، ولو عدنا الى التاريخ القديم ودرسنا كل ما تركوه لنا في أثارهم من الألواح الحجرية، سنكتشف بان من حضارتهم بدأت بالزراعة، وظهرت فيها أولى الكتابات باللغة المسمارية وتم تدوين الأساطير على الألواح الحجرية، وسنت أولى القوانين وتم دراسة علم الفلك ورصد النجوم، ووضعت أولى المسائل الهندسية حيث صنعوا العربة والبناء، وبنو السدود على الأنهار، واشتهرت حضارتهم بفن النحت والعمار وعبر ومنحوتاتهم سنكتشف قيمة حضارة ما بين النهرين التي هي الأقدم والأعرق والأكثر حضارة تأثرا على البشرية حتى يومنا هذا، فهذه الحضارة المدنية وصلت إلى أعلى درجات الرقي والتقدم في كل المجالات و امتدت مابين النهرين الى مصر وتخوم الصين، ونشرت المدنية والعلم والمعرفة في كل أرجاء العالم، نينوى مدينة الأشوريون، مدينة الشموخ والمجد،عانقت الشمس قبل سبعة ألاف سنة او يزيد ونهضت شامخة على الضفاف نهر دجلة، شع بريق ظهورها منذ فجر مبكر، حيث ألاف الكتب والمجلدات تتحدث انبهارا عن فنونها وعلومها ومجدها العملاق،
فليس هناك على كوكب الأرض من بحث عن تاريخ الا وكانت (نينوى الأشورية ) محطة تستوقف الباحثين والعلماء في الأدب والحكمة والفنون والفلسفة والتاريخ والعلوم، كونها امتلكت كل مكونات الحضارة ومقوماتها في أعظم انجاز خلد تاريخ (الأشوريين) الا وهي مكتبة ( اشور بانيبال ) والتي تعد أول مكتبة عامة في تاريخ البشرية ، حيث احتوت على كنوز المعرفة الإنسانية، ومنحت مؤسسها (آشور بانيبال) المكانة المرموقة بين رعاة العلم و المعرفة العظام بصفته ملكا مثقفا اهتم بالعلم والمعرفة، وجعل من مكتبته أول وأشهر وأغنى مكتبة عرفت في التاريخ القديم، سبقت مكتبة الإسكندرية بأكثر من ثلاثة قرون، وجاءنا منها نصوص ما لم يأتنا من أية مكتبة قديمة غيرها، لقد ضمت تلك المكتبة في أجنحتها أروع وأثمن ما تم الكشف عنه من الكنوز خلال القرنين الماضي والحالي.
ثم ان العراق كان مركز الأمبراطورية العبّاسية الأسلامية، ومدينته بغداد كانت عاصمة هذه الخلافة وكونه تبعاً لهذا مركز النشاط السياسي والديني والفقهي والفكري والأدبي واللغوي والعلمي والثقافي والزراعي، وهو الى هذا مركز الدراسة والتدريس والأجتهاد والتأليف والترجمة والمناظرة والتفاعل والحوار ، ويكفي ان هناك مدرستين لنحو وفقه اللغة العربية لغة القرآن كتاب المسلمين الأول،والمدرستان في البصرة والكوفة، والمدينتان - المدرستان في العراق
لانريد ان نتطرق تاريخياً للمنجز العلمي والمعرفي والأدبي في العراق العباسي على مدى خمسة قرون فهو منجز مذهل في ضخامته ونوعيته كان مركزه بغداد والعراق عموماً واشترك فيه كل ابناء الأمة العربية والأسلامية واتسع ليشمل المسيحي واليهودي والصابئي وغير العربي الى جانب العربي والمسلم وقدموا للعالم كنوزهم من المعرفة والعلم واستفادوا منها وبرعوا في تطويرها، وقد قدم العراق فرصة لهؤلاء جميعاً واستحق جهدهم الرعاية والأنتباه والتكريم.
البيئة العراقية ظاهرة متنوعة، وهي محصلة لسلسلة من التغيرات الجيولوجية والمناخية والطبيعية، التي حدثت قبل ملايين السنين، فمنطقة حوض وادي الرافدين تبلورت صيرورتها من خلال عدد من المراحل الجيولوجية والمناخية، العوامل الجيولوجية(وفقا لنظرية الحركات الجيولوجية القارية) ابتدأت منذ 25 مليون سنة تقريبا، حينما انفصلت منطقة الجزيرة العربية عن القارة الأفريقية، وتبلور البحر الأحمر، ومن الجانب الآخر أفضت العملية الارتطامية والانزلاقية (الجيولوجية) الى تكوين جبال زاغروس وطوروس نحو الأعلى، ومنخفضا يمر بالخليج العربي باتجاه الشمال الغربي مرورا ببغداد نحو الأسفل، والعامل الاخر في تبلور البيئة العراقية هو نهري دجله والفرات الحاليين، الموجودان منذ بداية العصر الرباعي أي منذ حوالي 3 مليون سنة، وأسهمت عمليات التعرية بتبلور السهل الرسوبي، وظهور ثلاثة أقاليم بيئية متجاورة (هضبية، سهلية وصحراوية)، تتميز بالتنوع النسبي للأمطار ودرجات الحرارة والتنوع الإحيائي، كشفت دراسة جيولوجية جديدة، تجلى سحر الطبيعة في توفر مناظر تقف لها الحواس وقفة استشعار وتأمل، فتجدها ترسم لوحات فنية من خلال النحت وعوامل التعرية، فتتكون هضاب شامخة وسهول غنّاء وشلالات، وغيرها من التشكيلات الجيولوجية، وقد وضع الله الجمال في عقل الإنسان إذا إستخدمه بالشكل الصحيح ليذهل العقل صاحبه من ابداعه، فالطبيعة بدون الإنسان وعقله وعمله غاية في الروعة والجمال وهذه الطبيعة التي نعيش فيها تذهلنا بجمالها وروعتها.
ان التاريخ الجيولوجي والبنيوي للعراق جعل منه ذو طبيعة تحمل امكانيات معدنية متنوعة فهو بين وحدتين تركيبيتين رئيسيتين هما الطيات(التقعرات) اللبية والرصيف العربي، وقد تركت هاتين الوحدتين انعكاسات على طبيعة المعادن المتكونة فيه حيث يلاحظ ان هناك علاقة بين نوعية المعدن وطبيعة توزيعها بالصخور وبين التراكيب الجيولوجية المتكونة بفعل هذه الحركات.
فالعراق غني بثرواته النفطية والغازية والمعدنية، ففيه يوجد 530 تركيبا جيولوجيا تشتمل على احتياطات نفطية كبيرة، وهناك ثمة 115 موضعا تم حفرها حتى الآن، تقدر احتياطاتها بنحو 311 مليار برميل من النفط، بالإضافة إلى 415 موضعا غير مكتشفا تزيد احتياطاتها عن 215 مليار يرميل، يملك الأحتياطي الثاني أو الثالث على أقل تقدير من النفط ومشتقاته على مستوى العالم أجمع ، بل ان هناك آراء وأن تراجعت في الفترة الأخيرة تقول بأن العراق في الحقيقة صاحب الأحتياطي الأكبر في العالم كله، بالاضافة الى مخزونه الكبير من الغاز الطبيعي، حيث يمتلك ثروة هائلة من الغاز المصاحب للانتاج النفطي والغاز الحر، حيث يبلغ احتياطيه 137 ترليون قدم مكعب، وهناك أيضاً خزين من المعادن والخامات ألأخرى لايستبعد ان تكون من بينها المعادن والفلزات النبيلة،، وهو يمتلك الاحتياطي الأول في العالم من الكبريت الحر، والثاني من الفوسفات، فضلا عن احتياطيات هائلة من رمال السيليكا وأطيان السيراميك والحجر الكلسي والدولومايت والجبسم والاملاح التي تتواجد في مملحة السماوة والفاو وبشقيه الصناعي وملح الطعام، كما انه يمتلك المواد الأولية الصالحة لصناعة الاسمنت ومواد البناء الأخرى، بهذه الثروات، وأن "محافظة الانبار تعد الأغنى في مجال الثروة المعدنية اللافلزية، و كردستان العراق الأغنى في مجال الثروة المعدنية الفلزية، وهناك موارد معدنية مهمة في محافظات أخرى هي نينوى والنجف الأشرف والمثنى وواسط، ومن أشهر الفلزات هناك الألمنيوم والنحاس والذهب والفضة والحديد والرصاص واليورانيوم، كما أن من أشهر اللافلزات الهيدروجين والنيتروجين والأوكسجين والفلور والكلور واليود، العراق فيه من كنوز وحقائق وجيولوجية العراق تخفي اسرارا عظيمة و خلابة تجعل الحواس البشرية تقف متأملة باعجاب وذهول و هناك اماكن كثيرة لم تكتشف بعد وهناك من يتطلع لهذا التحدي لاستكشافها و اظهارها للعالم ليشاركوا العراقيين متعة تأملها.
في نهاية الثمانينات اكتشفت بعض من قطع للذهب في منطقة الكعرة في الصحراء الغربية من قبل الكوادر الجيولوجية التابعة للمديرية العامة للمسح الجيولوجي والتحري المعدني واعتبر التحري في غاية السرية، كما أن 4 كنوز ذهبية اكتشفت أواخر ثمانينيات القرن الماضي في مقابر نمرود،
أهمها الكنز المسمّى باسمها 'كنز نمرود' الذي اكتشف في عام 1988، وهو عبارة عن 613 قطعة من الأحجار الكريمة والمجوهرات المصنوعة من الذهب، ووصف العديد من علماء الآثار هذا الاكتشاف بأنه الأهم منذ اكتشاف قبر الملك الفرعوني توت عنخ آمون في العام 1923..
عن قصة كنز نمرود الأسطوري، يقول خبير الآثار العراقي بهنام أبو الصوف إن الكنز يتكون من حوالي 45 كيلوغراما من المصوغات الذهبية ومجموعة من القطع الأثرية النادرة، وكشف أن المصوغات الذهبية تعود إلى ملكتين آشوريتين وأنها دفنت بعد موتهما في قبريهما بالقصر الشمالي الغربي للملك آشور ناصربال الثاني في نمرود، ويشير أبو الصوف إلى أن مهندسين من دائرة آثار الموصل، اكتشفوا هذا الكنز خلال عمليات حفر في نمرود العام 1988 أثناء ترميم لغرف القصر الشمالي، وكشف أنه تم نقل المصوغات الذهبية إلى البنك المركزي العراقي وحفظت هناك في خزينة خاصة، أما القطع الأثرية النادرة، فقد نقلت إلى أحد ملاجئ بغداد المحصنة ضد الضربات النووية وحفظت هناك،
وبخصوص المعلومات التي تتحدث عن سرقة كنز نمرود من قبل القوات الأميركية، أكد خبير الآثار العراقي أن تقارير لإذاعات عالمية ذكرت أن الأميركيين نقلوه إلى أميركا، وأضاف أبو الصوف أن خبراء الآثار والمختصين لم يطلعوا على المكان الذي تقول السلطات الحكومية إنه محفوظ فيه، وجدير بالذكر أن الموقع الذي اكتشف فيه كنز النمرود قد شهد عمليات بحث وتنقيب جديدة بعد الاحتلال الأميركي، قام بها فريق تنقيب من القوات الأميركية بحراسة مدرعات أميركية، وأجرى مسحا واسعا دون السماح بمرافقة أو وجود أي شخص من الجانب العراقي.
وفي ميسان هناك اسطورة حفيظ حيكت حولها الروايات والأحداث الخيالية ويقال ان هناك جن يحرس كنوز النبي سليمان وهي مطمورة هناك!!، واتخذوها مسكناً لهم، وأن الجن لا يود من الانسان ان يطأ تلك البقعة، وتشير المعلومات بأن المنطقة فيها آثار سومرية، كما ان هناك روايات بوجد الزئبق الأحمر في ميسان، لحد الآن لم يثبت وجود مادة تدعى “الزئبق الأحمر” حيث اختلفت التفسيرات والتكهنات بشأنها، ولكن مما لا يدعو للشك أن الإجابة عن حقيقة وجود “الزئبق الأحمر” موجودة في ملفات سرية للغاية لم يتم الكشف عنها وربما تمس الأمن القومي لدول مثل روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وبأعتقادي هي مادة مزيفة يراد بها النصب والاحتيال، حيث يروج البائعون لها من المافيا (ربما تعمل لصالح مخابرات دولة معينة) على أنها مادة تساعد في صنع الأسلحة النووية ولذلك تباع بأسعار عالية جداً ولكنها في الحقيقة هي مجرد مادة زهيدة الثمن من مزيج أوكسيد الزئبق وثنائي أيوديد الزئبق أو الزئبق مخلوط بصباغ أحمر، عندما كنت أعمل في فيينا اتصل بنا احد الأشخاص مفيدا بوجود المادة عنده ويود بيعها للعراق، أهمل طلبه منذ البداية رغم محاولاته المتعددة.
بدأ عصر الزراعة في بلاد الرافدين، وهو أول عهد للإنسان بتعلم الزراعة, بحدود سنة 9000 قبل الميلاد وتطور حوالي سنة 5500 ق.م. في قرية (جرمو) في شمالي العراق في أواسط العصر الحجري الحديث، ومن البديهي أن تكون الزراعة عصرئذ محدودة وعلى نطاق ضيق جدا، بعدها شهد العراق اتساع الزراعة و بداية الحياة الحضرية و نشوء أولى المدن، وعرف بناة الحضارة في حينها فن التعدين وابتدعوا دولاب الخزاف وصنعوا الآجر المفخور والعربة ذات العجلة وكذلك المحراث، كل ذلك كان بجهود العراقيين الأوائل في تفاعلهم مع البيئة الطبيعية في وسط وجنوبي العراق، فمن المعروف أن الزراعة تعتمد في هذا الأقليم دوما على الإرواء الصناعي الذي كان لا يتم إلا بالسيطرة على الأنهار وإقامة السدود وتجفيف الأهوار، إن الري كما هو معروف كان الدعامة الأساس في الحياة الاقتصادية لهذا الإقليم وعلى ذلك فقد تجلت عبقرية الإنسان هنا بأجلى مظاهرها في الإرواء الصناعي وإن نشوء أول حضارة في بلاد الرافدين قد تحقق بلا أدنى ريب بعد أن سيطر سكان هذا الإقليم على الأنهار فيها وذلك عن طريق إقامة السدود وحفر الأنهار والجداول وتجفيف الأهوار، فذللوا البيئة الطبيعية واستغلوا إمكاناتها العظمى، ليس هذا فقط بل استغل العراقيون الأقدمون ارتفاع مناسيب نهر الفرات قياسا إلى دجلة فشقوا أنهارا عظيمة من الفرات إلى دجلة لتروي أراضي واسعة كانت بأحوج ما تكون إلى الماء، لقد طغت أخبار شق الأنهار والجداول على غيرها من أخبار الملوك وأعمالهم، إن حفر أو شق نهر جديد كان يعد بحد ذاته حدثا هاما يؤرخ به الكتبة الرسميون للدولة الأحداث الجسام، نتيجة لكل هذا نلاحظ أن أول شيء يلفت النظر في العراق شهرة البلاد الزراعية إلى الأزمان المتأخرة, حتى أن الكتاب اليونان "مثل هيرودوتس" قد تحدثوا عن وفرة المحاصيل الزراعية في هذا الإقليم، وهو ما يذكرنا بتسمية المؤرخين والعرب لأرض العراق بـ (السواد) لكثرة زرعها وخضرتها. ومن الأمور المتفق عليها إن فن زراعة البساتين نشأ في العراق مما ساعد الإنسان كثيرا على الاستقرار ومن ثم نشوء الحضارات المتقدمة وتطورها.
والنخلة على ما يرجح كانت أقدم وأهم شجرة في تاريخ العراق الزراعي القديم حيث اختص العراق بزراعة النخيل منذ فجر التاريخ، وكانت العادة أن تزرع الفراغات بين النخليل بالأشجار المثمرة الأخرى مثل التين والرمان والتفاح والكروم وغير ذلك، و يعد أعظم وأوسع مركز لزراعة النخيل في العالم لاسيما المنطقتين الوسطى والجنوبية منه، واثناء الدولة العباسية أطلق على العراق بأرض السواد، أما اسم السواد فلقد جاءها من خضرة بساتينها المائلة إلى السواد ولوفرة الخير فيها.
الى جانب دجلة والفرات تتراءى واحات الأهوار الممتدة على طول وعرض جنوب العراق، وتكونت منذ آلاف السنين من تغذية هذين النهرين،
تعتبر اهوار الجنوب مأمنا للطيور المهاجره ويتسلل جمالها وروعتها وهدوئها الى الأعماق فانطبعت في حدقات العيون وفيها الراحة والستجمام، للأهوار تأثير إيجابي على البيئة فهي تعتبر مصدر جيد لتوفير الكثير من المواد الغذائية من الأسماك والطيور والمواد الزراعية التي تعتمد على وفرة وديمومة المياه مثل الرز وقصب السكر، ويعتقد البعض أن المنطقة هي الموقع الذي يطلق عليه العهد القديم "جنات عدن"، وهناك واحة البصية والتي تشتهر"بالغزلان" حيث تتوفر في صحراء البصية جميع أنواع حشائش الرعي وهي منطقة واسعة ، وتلقى السياحة الصحراوية رواجا بين الأشخاص الذين لم يألفوا أجواءها سواء كان من داخل العراق أو خارجه، وصحراء بصية تتوفر فيها بشكل كبير أنواع عديدة من الرياضات الصحراوية منها رياضة الصيد ومن الممكن قيام سباق الرالي ان توفر الامكانات المادية لاقامة مثل هذا السباق لانه سيضع محافظة المثنى ضمن قائمة الدول السياحية والرياضية العالمية، وهناك زوار من دول الخليج يتوافدون على صحراء بصية من اجل اصطياد الصقور متنوعة منها الصقر الحر الأبيض والأشقر وهو معروف لدى الصقارين بأنه النموذج الحقيقي والمثالي للصقر الحر.
وسط تلك الصحارى المتباعدة في وسط العراق تصادفك على بعد حوالي 80 كيلو مترا عن مدينة كربلاء واحة خضراء وبساتين من النخيل شكلت علامة فارقة جدا بين رمال واشواك تلك الصحراء، انها مدينة "عين التمر، وهي تعتمد بالأساس على مجموعة من العيون والينابيع الطبيعية، تكثر فيها السواقي العذبة وتزينها الاسماك الملونة، هذه العيون جعلت من المدينة واحة للبساتين جمالها آخاذ وفيها حلة خضراء يقصدها الوافدون للسياحة والاستجمام.
بحيرة ساوة من البحيرات الفريدة لا تملك انهارا تصب فيها او تخرج منها وانما تتزود بالمياه الجوفية التي تترشح اليها عبر الصدوع والتتشققات، وجزء من غرائبيتها أن مياهها إذا ما سحبت خارج البحيرة، تتحول إلى أحجار كلسية وكأنها ترفض مغادرة رحم البحيرة الأم، تماماً مثل بعض الحيوانات الحية التي تعوض ما يقتطع من أجسادها، فإن ساوه تعوض الأماكن التي تتهدم من سياجها الكلسي بتكلسات جديدة، ومن دون أن يتدخل الإنسان في ذلك، وهو ما لا يمكن لأي بحيرة أو نهر أو لكثير من الكائنات الحية القيام به كما تفعل (ساوه)، ومن هنا تجيء قناعة من يطالب بإضافتها كأعجوبة ثامنة تضاف إلى أعاجيب العالم السبع، كما ان هناك بحيرات غنية بالثروة السمكية والاحياء المائية التي جعلت تلك المناطق جنة ومكانا للسياحة والرحلات النهارية وعطلة نهاية الاسبوع وممارسة الصيد، تلك البحيرات انشأت نتيجة لبناء السدود، وهي بحيرة سد الموصل ودوكان ودربنديخان وبخمة وحديثة والثرثار والرزازة والحبانية، كما توجد واحات في الصحراء الغربية عند الكيلو متر 98 ومهيدة لا تقل جماليتها عن الواحات الاخرى.
تعتبر الصحراء في العراق من أروع الصحاري في المنطقة، وهي غنية جدا بالشواهد التاريخية التي هي جزء من الذاكرة المحفوظة للمنطقة، حيث تروي لزوارها تلك الحقب الزمنية المتعاقبة والحضارة الإنسانية التي عرفتها، والمتجلية أساسا في الصخور والمعادن التي تعود إلى أزمنة جيولوجية غابرة إضافة إلى مواقع حركة القوافل التجارية، حيث كانت الصحراء محطة عبور مهمة تربط المملكة العربية السعودية والاردن وسوريا وهي نفس الصحراء التي خط سيرها نبي الله ابراهيم عند هجرته الى فلسطين، وفي تسعينات القرن الماضي كان البابا يود زيارة العراق و السير بنفس الطريق ولم تتحقق زيارته!!.
تعد الصحراء فسحة التأمل لعشاق الليل العابق برائحة القهوة والمتسلل إليها ضوء القمر تسود في الصحراء الغربية الكثبان الرملية والأخاديد والواحات والهضاب الجبلية والوديان التي تغطي معظم أراضي غرب العراق وجنوبها الشرقي، وتحتوى بيئة الصحراء البكر على كثير من الظواهر الطبيعية والجيولوجية والحضارية وتنوعاً بيولوجياً في مملكتي الحياة البرية، وهي تمتلك إمكانيات سياحية مما يجعلها مقصدا سياحياً.
هناك كنوز فيها سمات روحية عبقها التأمل وهي محل مزار ضمن السياحة الدينية، هي تنتشر من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه، وعلى مختلف الديانات والمذاهب. إلا الصابئة المندائيين فلم يحتفظوا بمزار، لأن تقليدهم الديني يوصي أن لا يحتفظ بالقبر لأكثر من خمسة وأربعين يوماً، فهي الفترة الكافية لأن تغادر الروح إلى مكان الحساب، ومع ذلك تعلموا من المحيط، فأقاموا مقابرهم، لكن بلا كرامات ونذور، فالعراق بلد الأنبياء ومقرهم ومستودعهم ومحل سكناهم وترحالهم، وهو بلد الأضرحة والمشاهد والقباب والمزارات في بغداد وفي أوائل القرن الرابع عشر الهجري كان يوجد فيها أكثر من مئة وخمسين جامعاً، وقل أن يخلو جامع منها من ضريح، وفي الموصل يوجد أكثر من ستة وسبعين ضريحاً مشهوراً كلها داخل جوامع، وهذا كله بخلاف الأضرحة الموجودة في المساجد والأضرحة المفردة، ويعتبر من البلاد الأسلامية القليلة التي حظيت باحتضانهم عليهم السلام كأنبياء الله ادم ونوح وهود وابراهيم ويونس وعزير وذي الكفل واليشع ودانيال، ومنها ما هو قبرهم قائم لليوم ومحل مزار الناس كقبر نبي الله يونس بنينوى شمال العراق، وقبر عزير"العزير" في محافظة العمارة جنوب العراق، وقبر ذي الكفل في بابل ودانيال في كركوك ويوشع في بغداد، وبيت نبي الله ابراهيم في مدينة الناصرية جنوب العراق، وفيه من الصحابة والأولياء والصالحين واصحاب بعض من مؤسسي المدارس الفقهية والمتصوفة، وهي منتشرة في انحاء العراق، منهم الامام علي بن ابي طالب وولديه الأمامين الحسين والعباس، الامام موسى الكاظم والامام محمد بن الجواد ومحمد الهادي والامام االحسن العسكري، وعبد الله بن الزبير والحسن البصري وعبد الله الانصاري والبجلي والحذيفة بن اليماني وسلمان الفارسي وعبد الله جابر الانصاري، واحمد بن حنبل وابو حنيفة النعمان والشيخ عبد القادر الكيلاني واحمد الرفاعي والشيخ معروف الكرخي والجنيد البغدادي وابو الحسن السري وبشر الحافي وابو بكر الشبلي وحبيب العحمي وأويس والبهلول وذنون المصري وزبيدة العباسية ورابعة العدوية وبعد وبعد، كما ان هناك كثير من المزارات للأيزيدين، هي أماكن جذب للزوار من داخل العراق وخارجه الاقليمي والدولي، ما يدفع إلى تنشيط السياحة الدينية.
نتشر الكهوف في معظم أرجاء العالم، فالكهوف عالم مجهول ومنظومة من الأسرار، تظهر على شكل فجوات في باطن الأرض أو في الجبال، تنفرد بفتحاتها الغريبة وعمقها وظلامها الدامس وتكويناتها النادرة، وتكشف تاريخ المنطقة وجغرافيتها، ولكنها في الوقت نفسه تحتاج إلى دراسة لرصد أشكالها البديعة من صواعد وهوابط ودهاليز، ومازالت عوالم وأسرار الكهوف في العراق مجهولة، ولم تستثمر اقتصاديا وسياحيا، ولكن لا يتم استكشاف وتدوين إلا القليل منها من قبل المختصين، حيث اثبتت التحريات والبحوث الآثارية وجود مخلفات انسان العراق الأول في اكثر من بقعة في شمالي بلاد الرافدين وغربه وجنوب غربه خلال العصور الحجرية القديمة بمراحلها المختلفة، وقد عثر على مخلفات انسان العصر الحجري في صحراء الرطبة ومنطقة الرزازة واور واسكي كلك، وفي الشمال فايدة وكهف شانيدار وكهف بالي كورة وكهف بيخال وكهف باراك.
وفي كربلاء وباتجاه الصحراء الغربية وبالقرب من بحيرة الرزازة هناك آثار لما تزل مطمورة وأخرى شاخصة تعود الى فترات زمنية متباعدة ما بين العصور الاولى للتاريخ والعصر الإسلامي الحديث وجميعها تحدت عوامل التعرية والاندثار بكل قوة وهي تنتظر معاول التنقيب والبحث والتحري أو أيادي الإعمار والصيانة وإعادة الحياة لها، من بين هذه الآثار التي تعود الى آلاف السنين قبل الميلاد هي آثار الطار وتقع على بعد حوالي 40 كيلو مترا إلى الجنوب الغربي من مدينة كربلاء المقدسة.. وهي تقع الى الغرب من بحيرة الرزازة وبأقل من 15 كم جنوب قصر الاخيضر، ويصل عدد هذه الكهوف الى أكثر من 400 كهف وحين تنظر اليها تدرك عظمة انسان وادي الرافدين الذي كان ينحت نحتا كل ما يريد بناءه وكان بذلك انسانا مبدعا، كما توجد بعض من الكهوف في منطقة الصحراء الغربية منها في الكعرة ومكر الذيب وقد لامسنا بعض منها وقسم هي أوكار للذئبة ولهذا سميت بمكر الذئب، كما هي موجودة في صحراء بادية الجنوب والجنوب الشرقي، وتعتبر ملاذا آمنا للمسافرين من حر الشمس ومن برودة الجو ومن عواصف الرياح ( كثبان رملية)، إضافة إلى إمكانية احتواءالكهوف على الماء في بعض المناطق الصحراوية.
ففي الجبال علامات واضحة وبنية حية، ولا سيما أنها تضم الكثير من المغاور والكهوف المغرقة في القدم، تم اكتشاف بعضها والآخر لم يكتشف بعد، الكهوف إحدى المكونات الطبيعية التي تكون في ظل ظروف جيولوجية معينة، وتسمى بالمتاحف الجيولوجية المخبأة في باطن الأرض، ويتواجد الكهوف غالبا في التراكيب الجيولوجية السطحية (الجبال) وتحت السطحية( السهول والصحاري) المكونة من صخور الكلسية مثل صخور(حجرالكلس، الجبس، الدولومايت وغيرها) ، وهي كنوز طبيعية وجزء من التراث الطبيعي والبيئي يتطلب ضرورة حمايتها، عرفت الكهوف منذ القدم على انها الملجأ والملاذ الأول للإنسان الذي كان يسكنها لتقيه تقلبات الطقس وتغيرات الطبيعة وأخطار الضواري والزواحف والحشرات، كما استخدم الإنسان الكهوف لتخزين المواد، وأخرى استخدمها كملاجئ حرب، كهوف رائعة في كردستان مثل كهف شاندر، هزارميرد، هوديان، وديان، بستون، بيخال، جوارستين، كيه لاتي في عقره، مسلتا، كيله شين، طوبزارة، جنديان وكهوف جبال رانية ، كهوف جبال كارة متين، لينك، بيخير، أن الأشكال الغريبة الموجودة على جدار مغارة جاسنا وعلى سقفها تكونت بحكم عوامل الطبيعة، ولا يزال بعضها في طور التشكل، ومنها النوازل الكلسية "الستالكتايت" تتدلى أو تلتصق بالسقف بطريقة رائعة وبألوان مختلفة وهناك مغارات الصواعد الكلسية "الستالكمايت"، وتتكون هذه الصواعد والنوازل عندما يترشح الماء ببطء على جدران المغارات وسقوفها، حيث يأخذ عندئذ بالتجمع نقطة فنقطة، ويتبع ذلك انفصال كربونات الكالسيوم في الماء فيكوّن نوازل متدلية من السقف، وتتراكم الصواعد بشكل مماثل من القاع، هذه المغارات جميلة ليست بجمال مغارة جعيته في لبنان ولكن يمكنها ان تكون معلماً سياحيا لو جرى استكشافها بشكل علمي ومهني.
ولا بد من الأشارة بأن ملكة الابداع المعماري الراحلة زها حديد جعلت هذا العالم أجمل بأفكارها، وكانت تهتم بالعلاقات بين الهندسة المعمارية والمناظر الطبيعية والجيولوجيا، وادخلتها في ممارسة مهنتها مع تكنولوجيا خلاقة وترجمت في غالب الاحيان عبر اشكال هندسية غير متوقعة ودينامي.
في ختام مقالتنا لا بد لنا وأن نشير الى ما نقله البغدادي في كتابه تاريخ بغداد إلى حديث رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، (أن أبي إبراهيم عليه السلام هَم أن يدعو عليهم فأوحى الله تعالى إليه لا تفعل فإني جعلت خزائن علمي فيهم وأسكنت الرحمة قلوبهم) اي كل علوم الأرض في هذه البقعة، وكل خيرات الأرض في هذه البقعة، ثروات تحت الأرض لاتقدر بثمن، لقد مر العراق بمحنة بدخوله الكويت و ما تبعه من حصار لمدة ثلاث عشر سنة وبعدها جاءت المحنة الكبيرة عتدما احتل من قبل الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وحلفائهم وحصل ما يحصل الى يومنا هذا، ومع ذلك رغم التضحيات والمآسي التي حصلت، فالعراق كبير وغني ويمتلك الطاقات الخلاقة وكنوزه التي لا تنضب: بشر، وصناعة، وزراعة ومياه، ونفط، وغاز، وفوسفات، وكبريت، ويورانيوم، وذهب، وبعد وبعد، مرات عديدة كبا فيها العراق، أو كبل، لكنه في كل مرة كان ينهض من كبوته، كما تنهض العنقاء من تحت الرماد وتنفض الغبار وتقتلع ما حل به، ولا نظن هذه المرة سيخلف ما عهدناه فيه، ومن الله التوفيق.
سرور ميرزا محمود
3143 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع