"حركة الضباط الاحرار، محمد نجيب الربيعي ونشاطه العسكري والسياسي للفترة (١٩٢١- ١٩٦٥)"
شهد تاريخ العراق المعاصر العديد من فترات التمرد التي أدى وصفها بمصطلح "ثورة" إلى ظهور تفسيرات مختلفة. تُعرَّف الثورة بأنها حدثٌ قاطع لا يمكن التنبؤ به يعبر وقوعه عن تطلع الناس إلى تغيير جذري لجزء كبير من المجتمع. وحتى عام 1958، ففي أعقاب الحرب العالمية الأولى، أُثيرت مسألة الاستقلال بشكل واسع بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية،
وكانت ثورة عام 1920 من أهم الثورات ضد القوات البريطانية في العراق، التي غرست بذور الاستقلال والوحدة والسيادة والكرامة الوطنية، وكان وراء اندلاعها أسباب متعددة، من أبرزها سوء الإدارة البريطانية وتعسفها في إدارة البلاد، فضلا عن الضرائب الثقيلة التي أرهقت كاهل الشعب العراقي،
وبالتزامن مع ذلك، حدثت انتفاضة أخرى قام بها الأكراد ضد البريطانيين في شمال العراق، وكان الشيخ محمود الحفيد من أبرز قادتها، تلك الثورة ساهمت في تأسيس هوية وطنية للشعب العراقي، وإنشاء قوى وتيارات سياسية نادت بدولة موحدة مع تراجع للهويات العشائرية والمناطقية الفرعية، بذلك دفعت ثورة العشرين انجلترا إلى أن تعيد النظر في قرار رفضها منح العراق الاستقلال واجبرتها ان تعيد سياستها وعلى تغيير أساليب إدارتهم في العراق، وبعد الكثير من المماطلة، والتفكير بشكل جدي حثهم على الإسراع بتشكيل حكومة وطنية من جهة، والتقليل من قواتهم العسكرية وتأسيس جيش عراقي يحل محل الجيش البريطاني لإحلال الامن، و تأسست الحكومة العراقية المؤقتة برئاسة نقيب اشراف بغداد في الخامس من تشرين اول سنة 1920،
ثم تلا ذلك عقد في القاهرة مؤتمر لمناقشة اوضاع العراق بعد ثورة العشرين والتي دارت بين الاطراف المشاركة من العراقيين والبريطانيين فيه واهم الشخصيات التي شاركت فيه:المندوب السامي البريطاني برسي كوكس، المس بيل سكرتيرة المندوب السامي في العراق ومن الجانب العراقي كان وزير الدفاع جعفر العسكري وساسون حسقيل وزير المالية وتم مناقشة نوع الإدارة في العراق
وتم الاتفاق على تأسيس حكومة عراقية ملكية دستورية وترشيح الامير فيصل بن الحسين ملكا عليها وفي عام 1921 أسست الدولة العراقية الحديثة، وتمكن الملك فيصل الأول وبجهود ومحاولات من قبل أعضاء حكوماته من نيل استقلاله بعد انتهاء فترة الانتداب البريطاني وقبوله عضوا في عصبة الأمم عام 1933.
ثورة او انقلاب الضباط الاحرار
بعد مشاركة الجيش العراقي في حرب فلسطين، شعر بعض من ضباط الجيش عدم الاهتمام الجدي لتسليح الجيش والسيطرة الاستعمارية على الوطن العربي التي كان من ابرز مظاهرها رغبة بريطانيا بإبقاء الجيش العراقي ضعيفا، بالأضافة الى المماطلة المتعمدة بتزويده بالعتاد والسلاح،
فصار التفكير بإنشاء نواة لتنظيم سري حيث بادر المهندس النقيب رفعت الحاج سري بإبداء الحل المثل هو تجمع الضباط في تكتل وطني يكون نواة التغيير، واتضح ان النقيب لم يكن الوحيد الذي يمتلك تلك المشاعر، مع انه اول من فكر فيها، وانما وجد تجاوبا حينما فاتح سواه من الضباط، فحين وضع الامر للعقيد الركن محمد نجيب الربيعي امر اللواء وافق من فوره مع شرط مفاتحة الضباط الاخرين وهكذا كانت بداية تشكيل تنظيم الضباط الحرار، فتشكل التنظيم من قبل رفعت الحاج سري ورجب عبد المجيد سنة 1949، وهو أول نواة لتنظيم عسكري داخل الجيش العراقي، كان الحس الوطني والقومي للضباط المنتمين للحركة، السمة العامة والبارزة لغالبية الجیش العراقي منذ نشأته سنة 1921، وفي عام 1952 ظهرت بعض الخلايا للتنظيم في صفوف الجيش، اغلبهم كانوا يمثلون جميع الأحزاب ويمثلون مختلف الفصائل السياسية، ومعظمهم كان من العرب، الذين جاءوا من الطبقة الوسطى الحديثة، وفي عام 1956 اصبح اللواء الركن محمد نيب الربيعي رئيسا للحركة، وبعد توحيد جميع الخلايا والتنظيمات في هيكل تنظيمي واحد، وصل عدد أعضاء هذه المنظَّمة 15 ضابطًا سنة 1957: واحد عميد ، وسبعة برتبة عقيد، وستة برتبة مقدم، وواحد برتبة رائد، وهم كل من: الزعيم عبد الكريم قاسم، والعقيد عبد السلام عارف، والعقيد محي الدين عبد الحميد، والعقيد ناجي طالب، والعقيد عبد الوهاب الشواف، والعقيد صبيح علي غالب، والعقيد عبد الوهاب الأمين، والعقيد عبد الرحمن عارف، والعقيد محسن حسين الحبيب، والعقيد طاهر يحي،، والمقدم المهندس رجب عبد المجيد، و المقدم عبد الكريم فرحان،، والمقدم رفعت الحاج سري، والمقدم وصفي طاهر، والرائد الطيار المتقاعد محمد سبع، وكانت أكثر اللقاءات تُعقَدُ في منزل الرائد الطيار محمد السبع، وبعد ذلك أصبح عدد المنتمين إلى تنظيم الضباط الاحرار (203) عضواً في مختلف الوحدات العسكرية، والذين اصبحوا يشكلون ثقلاً سیاسیاً، ادى دوراً كبیراً في رسم مستقبل العراق، استلهم الضباط الأحرار عدداً من الأحداث في الشرق الأوسط في العقد السابق لعام 1952، كانت حرب عام 1948 ضد إسرائيل ابرزها، وقيام ثورة 1948 في اليمن والقضاء على الحكم الملكي،
وكذلك قيام ثورة 1952 في مصر والإطاحة بالحكم الملكي، هذه التطورات اسهمت في تنامي التخطيط للقيام بالانقلاب في العراق وكانت هناك محاولات ولكنها فشلت، وبالرغم من تنامي الجوانب الإيجابية للنظام الملكي في بداية الخمسينات المتمثلة بمشاريع تحديث الدولة وتسخير موارد النفط للتنمية وتطوير التعليم وبناء دولة مدنية حديثة بكل المعايير وغيرها، الا ان إصرار النظام على اتباع نفس السياسة المبنية على الخضوع لبريطانيا وتكرير نفس الوجوه القديمة في الحكم وعدم إفساح المجال للمعارضة في المشاركة بالسلطة، والإصرار على تزوير بعض الانتخابات وإعدام المعارضين، حتى وإن كانوا يقودون حركات سلمية، وعدم الانتباه إلى الفوارق الاقتصادية، وخاصة تلك التي نتجت عن تفشي النظام الإقطاعي، والبطالة المنتشرة، كل ذلك خلق تذمراً شعبياً واسعاً شجع قيادة حركة الضباط على التحرك لقلب النظام في عام 1958، اذا هي حركة تغيير اخذت شكل الانقلاب او الثورة يوم 14 تموز على النظام الملكي الهاشمي في العراق الذي استمر 37 عاماً وأُسست الجمهورية العراقية، يمكن القول بانها كانت مستوحاة من الحركة القومية العربية وحركة عبد الناصر المصرية التي أطاحت بالنظام الملكي المصري في عام 1952،
قادها ضباط الجيش بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم في 14 تموز سنة 1958ومساعدة العقيد عبد السلام عارف، فقتل اخر ملوك الهاشميين ببغداد فيصل الثاني بن غازي وبعض من اقربائه وبضمنهم الوصي عبد الاله ورئيس الوزراء نوري باشا السعيد، واقام النظام الجمهوري ، فكان عبد الكريم قاسم اول رئيس للعراق، وجعل نفسه رئيس لمجلس الوزراء وقائدا عاما للقوات المسلحة والى جانبه مجلس لا يحل ولا يعقد سماه مجلس السيادة .
على صفحات ذاكرة بغداد ومحطاته كتبت أسماء، ونحتت صور وقصص وحكايات عن رجال من حركة الضباط الاحرار تركوا بصمة واضحة في حياتها، من أعمال وإنجازات وصفحات منها ناصعة البياض قلما تجد لها نظيراً في مختلف الميادين، بعضها غادر الحياة تاركا وراءه ارثاً وعملا تنهل منه الأجيال، واعطت حياتهم العسكرية وحتى السياسية مناراً للاقتداء، مما يشكل دفعا معنويا والاجيال القادمة في مواصلة المسيرة ، فيستمر خيرهم زمنا طويلاً، فهناك رجال يبقون في ذاكرة الشعوب والأفراد، وقد سطرنا بعض من رموز الحركة أعلاه، ويتوجب علينا ان نتطرق، بشكل أوسع عن أحد الشخصيات وهو الفريق الركن محمد نجيب الربيعي الذي يعد واحدا من ألذين انيطت به مسؤولية شرفية ومعه شخصيتان اثناء التحول من النظام الملكي الى النظام الجمهوري، وجدت نفسي ان نستذكره ونكتب ونوثق عنه في سرد توضيحي بعيدا عن الرتابة والانحياز بشكل مهني.
ولد نجيب الربيعي عام 1904 في بغداد، والده عثمان بن محمد مصطفى بك بن علي بن عبد الله بن علي باشا الطيار الذي حارب الفرس واخرجهم من بغداد بصحبة السلطان مراد الرابع سنة 1638، ينتمي لقبيلة ربيعة العربية، كانت دار الربيعي ملجأ لذوي الحاجات في بغداد، ومجمعا لذوي الفضل والعلم والأدب، ومجلسا لمناقشة أمور السياسة والتجارة، يحضرها وجهاء بغداد وعلماؤها.
دخل المدرسة الحربية الملكية لدى تأسيسها والتحق بدورتها الاولى (1924-1927) كما التحق معه في نفس الدورة أخوه حسيب الربيعي و رفيق عارف و بسيم الذويب والتحق بعدها بكلية الأركان العراقية، و من ثم التحق بكلية الاركان في كونيا، تولى مناصب عسكرية عديدة يمكن ادراجها وهي: آمر اللواء الأول في حرب فلسطين عام 1948، وقائد الفرقة الثالثة عام 1951، وفي عام 1957 بلغ رتبة فريق ركن، نال مجموعة كبيرة من الأوسمة منها وسام الرافدين من الدرجة الثالثة ومن النوع العسكري.
اتخذ العقيد فؤاد عارف الذي كان مرافقاً للملك غازي حتى مقتله، والذي كان يدرك خفايا التدخلات البريطانية ودورها في ما حصل للملك!!، كان العقيد فؤاد وطنيا وله موقفاً مؤيداً للضبّاط الأحرار، اذ كان يتعاطف معهم ويشاطرهم الرأي في مسالة تغيير نظام الحكم القائم من جهة، وكان يثق بهم وبنيّاتهم الوطنية من جهة ثانية، وعلى الرغم من ذلك، فإنه لم ينخرط في صفوفهم، خلافاً لما ذكره بعض المؤرخين ممن اعتقدوا انه كان من بين ضباط تنظيم المنصور، كما أن زملاءه من الضبّاط الأحرار لم يطلبوا منه الانضمام إليهم، لعلمهم بموقفه من التنظيمات السريّة، اذ اتخذ على نفسه عهداً بعدم الانخراط في أي تنظيم سياسي سري أثر تجربته السابقة مع حزب هيوا غير أن ذلك لم يمنعه من القيام ببعض النشاطات لصالح زملائه من الضبّاط الأحرار، كلّفه كل من عبد الكريم قاسم وطاهر يحيى، بأن يتولى مهمة مفاتحة قائد الفرقة الثالثة اللواء الركن محمد نجيب الربيعي، للانضمام الى تنظيم الضبّاط الأحرار والمساهمة في تفجير الثورة، وكان ذلك بعد عدة أيام من كشف الجهات الأمنية لاجتماع الكاظمية في الخامس من تشرين الأول عام 1956، الذي كان الغرض من عقده مناقشة خطة الثورة المؤمل القيام بها اثناء اجراء تمرين عسكري في منطقة جبال حمرين، إذ كان من المقرر أن يحضره الملك فيصل الثاني والوصي عبد الإله ورئيس الوزراء آنذاك نوري سعيد في الحادي والعشرين من تشرين الأول 1956، فقرر الضبّاط الأحرار الغاء الخطة وتأجيل موعد قيام الثورة بعد ذلك الاجتماع.
على اثر تواتر المعلومات الاستخبارية للحكم الملكي العراقي بوجود تحركات سرية معارضة لدى بعض من قادة الجيش العراقي، اقدم نوري على حركة تنقلات في مناصب الجيش الكبيرة محاولاً ابعاد الضباط الذين يعارضون وجود الإنكليز وبكل اشكاله في العراق، ويضع مكانهم الذين يشايعونه وذلك ايام احتشد الجيش التركي على حدود سوريا، وممن اصابهم التغيير كان اللواء نجيب الربيعي حيث صدرت الارادة الملكية بتعيينه سفيراً للعراق في جدة بالمملكة العربية السعودية،
وعين غازي الداغستاني محل نجيب قائدا للفرقة الثالثة، في ذلك اليوم وقبل ان يسافر الربيعي الى جدة مر على مكتبه السابق بالفرقة الثالثة ودخل على غازي الداغستاني يحييه ويهنئه بالمنصب ويعلن استعداده لتقديم أي خدمة يطلبها.
في 14 تموز1958 اختير الفريق نجيب الربيعي رئيساً لمجلس السيادة الذي كان يضم الأعضاء خالد النقشبندي ومحمد مهدي كبة، بترشيح من عبد الكريم قاسم والعقيد الركن عبد السلام محمد عارف والعقيد عبد اللطيف الدراجي، فالمجلس هيئة رئاسية مؤقتة هدفها التهيئة لانتخابات رئاسة الجمهورية بعد ستة أشهر من انقلاب او ثورة 1958، في عام 1959 استقال العضو الأول الشيخ محمد مهدي كبة من منصبه، في حين توفي العضو الثاني السيد خالد النقشبندي عام 1962، فجرى تعيين رشاد عارف سعيد عضوا بديل عن خالد النقشبندي و عبد المجيد كمونة بدلا عن محمد مهدي كبة في المجلس مع بقاء السيد نجيب الربيعي رئيسا له حتى سقوط النظام عام 1963.
كان نجيب الربيعي "مثالا للوطنية والإخلاص للواجب وقدوة في النزاهة والتواضع والتفاني في العمل و كان نهجه السياسي يتراوح بين الوطني المستقل المعتدل والمخلص للواجبات التي كلف بها، امتاز بالنزاهة والتواضع وكان يسكن في دار مؤجرة في شارع الحريري في الاعظمية حتى مماته عام 1965".
قدم أعضاء مجلس السيادة وهم: اللواء محمد نجيب الربيعي والسيدين محمد كبة وخالد النقشبندي طلبا لوزارة المالية لتخصيص قطعة ارض لتشييد مساكن لهم
وكان الوزير هو محمد حديد، اعتبر الطلب هو نوع من استغلال المنصب، فذهب الى الزعيم عبد الكريم قاسم، واطلعه على الطلب مبدياً تحفظه عليه، مقترحاً ان يسحب الطلب من مقدميه وغلق الموضوع، فوافق الزعيم على المقترح.
يعتقد الكثيرون بان تسمية شارع الربيعي في مدينة الضباط، إلى الفريق (نجيب الربيعي) في حين أن الصحيح هو أن تسمية هذا الشارع قد تمت وفاءً لذكرى حسيب الربيعي مؤسس صنف الهندسة الآلية الكهربائية ومؤسس جمعية بناء المساكن التعاونية للضباط، في احدى المقالات كتب اياد حسيب الربيعي نجل اللواء الركن حسيب الربيعي" عند عودتي من بريطانيا عام 1961 بعد أن أكملت دراسة الهندسة الميكانيكية وكانت على نفقة وزارة الدفاع، ارسل علي الزعيم عبد الكريم قاسم (حيث كان يعرفني منذ أن عمل بمعية المرحوم الوالد في جحفل لواء المشاة الثالث عام 1944-45)، ولما قابلته سألني هل تم تخصيص دار سكنية للمرحوم الوالد فأجبته بالنفي، وذكرت له أن المرحوم الوالد لم يسجل على دار بسبب كونه يمتلك دارا سكنية ، ولأن الشروط لم تنطبق عليه آنذاك . لكن الزعيم عبد الكريم قاسم قال كلا، إن والدك هو أول المستحقين كونه هو من أسس الجمعية، لذا سأخصص لكم دارا بصفتكم ورثته. وفعلا خصصت لنا دار في مدينة القاسم (اليرموك حاليا) حيث كانت الدور في مدينة الضباط قد وزعت جميعها. وقال أيضا انه تخليدا لأسم المرحوم الوالد حسيب الربيعي، فقد أطلق اسمه على الشارع الرئيسي في مدينة الضباط، ليكون اسمه (شارع الربيعي)"،
تم تخصيص دور سكنية بثمن لكل من نجيب الربيعي رئيس مجلس السيادة، وعبد الكريم قاسم رئيس الوزراء وعبد السلام محمد عارف نائب رئيس الوزراء كونهم ضباط اسوة بالآخرين، وكان موقعهم ضمن دور مدينة الضباط وفي احدى مناطقها الداخلية وليست على الشارع العام.
أجريت له مقابلة واحدة مع مجلة المصور المصرية، ومن الأسئلة التي طرحت عليه هذا السؤال: ماذا كان شعورك قبل الثورة وبعدها؟
- وكانت اجابته "شعور المريض الذي تشتد وطأة المرض عليه يوما بعد يوم ومع ذلك لا ييأس من رحمة الله ويترقب ساعة الخلاص في عقيدة وايمان بقدرة الخالق ومعجزاته ...وكان هذا شعور كل عراقي لقد كان اصل بلائنا في العراق التطاحن السياسي وكان الشعب ضحية هذا التطاحن ... هذا هو شعوري قبل الثورة اما شعوري بعدها فهو نفس شعورك وشعور كل عربي يفك عنه قيود واغلال الاستعمار ويطير حرا طليقا ... كنت اركب الطائرة في عودتي وانا احس بانني انا الذي اطير بالطائرة وليست هي التي تطير بي وكان العراق كله ينتظر هذا اليوم وهو يشهد معركة التطاحن السياسي ... وكان الامل في العسكريين الذين لم يشتغلوا بالسياسة وانحدروا معها اولئك العسكريين من طراز رجال ثورتكم في مصر الذين يلتزمون في السياسة ما يلتزمونه في العسكرية من نظام واستقامة ... وكان الله رفيقا بالعراق عندما ايد بنصر من عنده عبد الكريم قاسم وصحبه الاحرار الذين كتب القدر على ايديهم الحرية والخلاص لبلدهم".
وقف موقف الحياد من الصراع بين عبد الكريم قاسم وعبد السلام محمد عارف ولم يحرك ساكنا عند استقالة الوزراء القوميين في ٧ شباط ١٩٥٩ احتجاجا على الحكم بالإعدام الصادر عن المحكمة العسكرية ضد العقيد الركن عبد السلام محمد عارف، حاول الربيعي التأثير في إيقاف حكم الإعدام بحق المشاركين في محاولة العقيد الركن عبد الوهاب الشواف الانقلابية ضد عبد الكريم قاسم واشرك معه الوزير وصديقه فؤاد عارف بهذا الموضوع وكرر الربيعي محاولاته مع قاسم، ابلغ الربيعي زوجات الضباط المتآمرين بان عبد الكريم قاسم سوف لن يعدمهم ولما فشلت محاولاته غضب الربيعي واقسم انه سينتقم من قاسم.
يذكر شكري صالح زكي الذي أصبح وزيرا للتجارة في حكومة انقلاب ٨ شباط العام ١٩٦٣: ان نجيب الربيعي كان على علم بخطة اغتيال الزعيم قاسم في ٧-١٠-١٩٥٩ في شارع الرشيد والتي أصيب جراؤها إصابة طفيفة،
وعندما علم بذلك تحمس لإنهاء الحكم وأبدى استعداده لارتداء الزي العسكري فور تنفيذ الاغتيال حيث كان الاعتماد بالدرجة الأولى على نجيب الربيعي ( رئيس مجلس السيادة )
واحمد صالح العبدي (الحاكم العسكري العام)، وبالفعل حال تنفيذ العملية وما ان سمع نجيب الربيعي بذلك وصل الى وزارة الدفاع مرتديا الزي العسكري وهذا ما أثار الانتباه، وبعد فشل المحاولة برر نجيب الربيعي مجيئه الى وزارة الدفاع بالملابس العسكرية لمنع الضباط الشيوعيين من السيطرة على الحكم والذين دخلوا بأعداد كبيرة الى وزارة الدفاع. احل الزعيم قاسم حل مجلس السيادة، واصدر مرسوما جديدا بإعادة تشكيل مجلس السيادة، وبرئاسة نجيب الربيعي وعضوية رشاد عارف، وعبد المجيد كمونة، وكان مجلس السيادة في ذلك الوقت يواجه خللا بسبب تقديم محمد مهدي كبة استقالته واعتكافه في منزلة ووفاة خالد النقشبندي ويبدو ان تجديد رئاسة مجلس السيادة للربيعي من قبل عبد الكريم قاسم كانت درسا مؤثرا في نجيب الربيعي فلم يسهم بشكل او باخر باية محاولة اغتيال لقاسم استمر نجيب الربيعي في موقعه، واستمر في علاقته بعبد الكريم قاسم، ولكن بفتور سافر الربيعي الى اسبانيا، قبل مدة قصيرة من قيام انقلاب 8 شباط العام 1963 للعلاج ، حيث تعرض الربيعي الى جلطة دماغية، ، وقد مكث الربيعي في اسبانيا بعض الوقت مستثمرا وجود ابن خالته عبد الكريم الكيلاني سفير العراق في مدريد آنذاك. عاد الربيعي بعد يومين من انقلاب او ثورة 8 شباط 1963، فاستقبله عدد من المسؤولين، واعطيت السيارة التي اقلته رخصة التجول في بغداد تصحبها سيارتان مسلحتان أوصلتاه الى داره حيث مكث فيها ولم يتعرض للاستجواب او المحاكمة ، وجرى اعفاؤه من منصبه بموجب البيان رقم (16) الصادر من المجلس الوطني لقيادة الثورة، واصبح عبد السلام محمد عارف رئيسا للجمهورية والغي (مجلس السيادة).
توفي يوم 6 كانون ثاني 1965 بعد تعرضه الى ازمة قلبية، عن عمر مبكر (61 عاما) بعد سنتين من عزله عن منصبه دون ملاحقة أو اقامة جبرية، وقد شيع بموكب عسكري مهيب سار فيه أعيان بغداد ووجوهها وكبار ضباط الجيش والوزراء وكبار موظفي الدولة وحضر ممثل عن رئيس الجمهورية، وصلوا عليهِ صلاة الجنازة في جامع الإمام الأعظم ثم دفنت رفاتهِ بجوار أبيه وأخيه قرب ضريح والي بغداد العثماني رشيد باشا الكوز كلي في مقبرة الخيزران، له أربعة أولاد أكبرهم محمد براء و وفراس وعثمان وسنان، وابنتين هما جهينة وهند.
ابنه براء الربيعي فقد كان برتبة لواء في الجيش العراقي المنحل قبل ان يحال إلى التقاعد في 1989. غادر الى لندن في التسعينات، اشترك في مؤامرة انقلابية فاشلة اثناء الحصار، جرى ترشيحه اكثر من مرة لحقيبة وزارة الدفاع بعد الاحتلال.
كان كثير القراءة لكتب التأريخ والسياسة، ومع ذلك كقائد لم يدون أي سطر من ذكرياته المهمة ومشاهداته لكافة مراحل واحداث عمله العسكري والسياسي بعد عزله من منصبه بعد 8 شباط، ومن الله التوفيق.
سرور ميرزا محمود
1294 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع