حسـين جميــل .. رجل كرس حياته من أجل اقامة الديمقراطية في العراق
ولد حسين جميل في كربلاء في 8 شباط عام 1908 وتخرج في معهد الحقوق في دمشق عام 1930 وعمل في المحاماة في العراق في بداية عام 1931 وهو احد مؤسسي جريدة الاهالي عام 1932 وساهم في تاسيس الحزب الوطني الديمقراطي عام 1946 وعند تاسيسه اصبح سكرتيرا عاما للحزب . اصبح عضوا في مجلس النواب خلال السنوات 1947 و1948 و1954 كما شغل منصب وزارة العدل في حكومة على جودة الايوبي عام 1949 -1950 كما انتخب نقيبا للمحامين العراقيين لاربع دورات متوالية منذ عام 1953 0 1957 كما انتخب امينا عاما لاتحاد المحامين العرب للفترة من 1956- 1958.
بدأ حسين جميل حياته داخل اسرة اسلامية محافظة دافعت عن العدالة وحاربت الظلم فقد كان جده احمد جميل قاضيا وعمه عبد الجليل مفتيا ووالده قاضيا تجول في انحاء متعددة من العراق اما جده الاكبر عبد الغني آل جميل الذي اختاره علي رضا باشا الذي انهى حكم المماليك في العراق سنة 1831 لتولي منصب الافتاء وكان اعلى منصب يشغله عراقي من غير الاتراك كما اختار حسين جميل هو الاخر مهنة المحاماة ليواصل ما سارت عليه عائلته في سبيل احقاق الحق والكفاح ضد الباطل
اختار الطريق الصعب وجاهر بالحق ودافع عنه في وقت كان فيه الحق في نظر الكثيرين هو ان تصمت فيه كل صوت , لم تكن له اطماع بثروة او باملاك فقد ظلت قضية الديمقراطية والحرية هاجسه الاول والاخير , حرية الوطن وحرية المواطن وحرية الفكر من اجل هذه الحرية العزيزة, عاش حياة مختلفة عن حياة العاديين فاصبحت الحرية والديمقراطية هي قضيته وحياته ومصيره وهدفه وراحته وعذابه وحينما كان يسمع كلمات ارهاب وقهر وتسلط وظلم وسجن وجوع تهتز مشاعره الى حد الاعماق انه ظاهرة فريدة على مستوى سيرته الانسانية وفي مستوى المهمة الكبرى التي ناضل من اجل انجازها وتحقيقها لما يملك من ايمان قوي وعقيدة راسخة وثبات في الموقف فهو من بين القلة من الرجال الذين صنعوا التاريخ وحولوا مجراه واخضعوه لاهدافهم النبيلة وتصدى لرياح الشر . هذه الصفات والمؤهلات الانسانية والخلقية التي تميز بها المرحوم حسين جميل ووسط الجو الذي تربى وترعرع فيه وسط اسرته وعائلته في اجواء كانت تعج بالعلماء والمحدثين لم تفتنهم الدنيا ولم يذعنوا للباطل او للظلم فقد تربى بين رجال المواقف يدعون دون الحق حياتهم.
في السنة الدراسية 1926- 1927 وحينما كان حسين جميل في الصف الرابع الثانوي – القسم الادبي وهو الصف المنتهي وكان مدرس التاريخ فيها انيس زكريا النصولي - لبناني من بيروت وكان واحدا من اربعة شباب استقدمتهم الحكومة العراقية سنة 1924 –1925 للتدريس في الثانويات وهم عبد الله المشنوق ودرويش من بيروت المقدادي من طول كرم وجلال زريق من اللاذقية وكان شابا دون الثلاثين من عمره لطيفا في تعامله مع الطلاب فكان قريبا الى قلوب طلبته وكان يوزع ملازمه المطبوعة على التلاميذ ملزمة بعد اخرى ثم طبعها في كتاب حيث جاء في الصفحة 360 نصا يقول ( من احق بتاريخ امية من ابناء امية ومن احق بتاريخ معاوية والوليد من ابناء معاوية والوليد فاقبلوا ياابناء سوريا الباسلة المتحدة المستقلة هذه الثمرة الصغيرة.
لقد احدث الكتاب هذا ضجة وصدى سيئا في بعض الاوساط الجعفرية واخذوا يحتجون عليه فقررت وزارة المعارف وكان يشغلها السيد عبد المهدي فصل النصولي ومنع تدريس كتابه مما اثار استياءا شديدا بين المعلمين وبين الطلبة كما سرت بين طلاب الثانوية ودار المعلمين المدرستان اللتان كان يدرس فيهما النصولي فكرة الاحتجاج على الفصل ثم تبلورت الفكرة اولا بعريضة الى وزارة المعارف ثم بالاضراب عن دخول الصفوف واخيرا بالتظاهر. كما ابدى المدرسون الاخرون الثلاثة المشنوق والمقدادي وزريق استياءهم من القرار وقدموا كتابا الى وزير المعارف والى رئيس الوزراء ورئيسي مجلسي النواب والاعيان قالوا فيها انكم طعنتم الحرية الفكرية في صميمها فرجعتم بالبلاد القهقرى. اما الطلبة فكان رد فعلهم الاضراب وعدم الدخول الى الصفوف باجمعها واتفقوا على التظاهرامام وزارة المعارف وانتخبوا وفدا منهم لمقابلة المسؤولين في الوزارة واتفقوا ان يكون اغلبهم من الطلاب الجعفريين لكي يبعدوا عنها تهمة الباعث الطائفي المذهبي وكان من بينهم محمد حسن سلمان – اصبح طبيبا وزيرا للصحة- وعبد الرزاق الظاهر – اصبح محاميا ونائبا ووزيرا للاقتصاد- وكلاهما من الطلاب الجعفريين وخرجوا بتظاهرة كان حسين جميل من بينها وكذلك فائق السامرائي حيث اشار اليهما خيري العمري في كتابه – حكايات سياسية- ( واصلت المظاهرة سيرها يتقدم صفوفها – الزعماء- و- القدة- هذا الفتى الاسمر النحيف- حسين جميل- وذاك الصبي البدين- فائق السامرائي- وذلك الشاب الاحمر الذي يتصبب عرقا – عبد الرزاق الظاهر- وحينما تجمع الطلبة امام الوزارة مما تدخلت الشرطة لتفريقهم بعد ان طلب منهم يوسف زينل رئيس نادي التضامن واستاذ الكيمياء في الثانوية الذي ابدى تضامنه مع الطلبة في اضرابهم ومظاهراتهم ذلك الا انهم لم يدخلوا الصفوف . وفي المساء قامت الشرطة بحملة اعتقالات لعدد من الطلاب كان حسين جميل احدهم حيث قضى ليلته في موقف شرطة السراي ثم اطلق سراحه بكفالة اما وزارة المعارف فقد شكلت لجنة للتحقيق استغرق عملها نحو عشرة ايام قدمت بعدها تقريرين احدهما عن الطكلاب والثاني عن المعلمين وصدرت بموجبهما قرارات وزارية بعقوبات مختلفة وجاء في الفقرة-1- من القرار الوزاري الخاص بالطلاب ما يلي: ان الطلاب الذين تجاسروا على ضرب افراد الشرطة زيادة على تحريضهم رفاقهم اثناء المظاهرة يطردون طردا نهائيا وهمعبد اللطيف محي الدين وفائق السامرائي وحسين جميل وانور نجيب من طلاب المدرسة الثانوية .كما تقرر طرد سبعة طلاب لمدة شهر واحد واحد عشر طالبا لمدة اسبوعين على ان يطردوا طردا نهائيا اذا عادوا الى مثل هذه الاعمال. اما بالنسبة للاساتذة فكان قرار وزارة المعارف يقضي بفصل عبد الله المشنوق وجلال زريق ودرويش المقدادي وفصل يوسف زينل باعتباره محرضا وتخفيض درجة يوسف عز الدين الناصري مدير المدرسة الثانوية الى مدرس في دار المعلمين باعتباره مهملا في واجبات وظيفته. لم يسكت الطلبة المطرودون من الدراسة فاخذوا يراجعون الصحف ويتصلون بالنواب للدفاع عنهم كما قدموا عرائض الى الملك ورئيس الوزراء ووزير المعارف التي قررت اعادة الطلاب المفصولين الى صفوفهم بعد المداولة مع الملك فيصل الاول وواصل حسين جميل دراسته مع فائق السامرائي ونجحا وواصلا دراستهما في مدرسة الحقوق .
في اوائل شباط 1928 نشرت الصحف ان السير الفريد موند البريطاني من كبار زعماء الصهيونية سيزور العراق وحينما سمع حسين جميل بالخبر اتصل بزميله عبد القادر اسماعيل الطالب في كلية الحقوق مع حسين جميل واقترح عليه القيام بمظاهرة احتجاج على الزيارة كما اطلع يوسف زينل بذلك فايد الفكرة واتصل كذلك بالعديد من الطلبة الذين يحملون افكارا وطنية وقومية فوافقوا على ذلك كما اتصل بعدد من خطباء الجوامع والواعظين امثال الحاج نجم الدين الواعظ ونعمان الاعظمي وبعد ان علم حسين جميل بموعد وصول السير الفريد موند وعائلته وحاشيته بسيارات –نيرن- قادما من الشام الى بغداد يوم 8 شباط 1928 حتى عمل على اعداد لافتات تحمل شعارات معادية للزيارة وطلب من احد الخطاطين امام شرطة السراي مما ادى الى مراقبتها من قبل الشرطة وشاهدت حسين جميل وعبد القادر اسماعيل وهما ياخذانها من الخطاط وبالفعل تجمع المتظاهرون في بغداد وتوجهوا نحو شارع دمشق باتجاه جسر الخسر واخذوا يراقبون السيارات الا ان الشرطة علمت بالمظاهرة فغيرت اتجاه سيارة الفريد الى الكاظمية اما المتظاهرون فقد اشتبكوا مع الشرطة التي هجمت عليهم واعتقلت عددا منهم كان من بينهم حسين جميل حيث اطلقوا سراحهم بكفالة اما يوسف زينل فقد ابعد الى الفاو كما تقررطرد عدد من الطلاب من بينهم حسين جميل وعبد القادر اسماعيل وغلق نادي التضامن. وهنا قرر حسين جميل السفر الى سوريا للدراسة في معهد الحقوق بدمشق.
يذكر ان الطرد شمل كل من مزاحم ماهر وسعيد عباس وصالح عبد الوهاب الخطيب وعبد الحميد الخالدي وعبد الرزاق قاسم ومحمود الحموي وحسين مرهون وعزيز علي واساعيل علي وعبد الحافظ ابراهيم وسعيد عبد الله واحمد قاسم راجي وادهم مشتاق وعزيز شريف وعبد اللطيف محي الدين وجواد حسين ووديع فتح الله ومحمود عبد الجبار وعبد الهادي عبد الخالق وعبد الجليل علي وحسين راجي وخضر الحاج طالب وعبد العزيز علي الخليل وسعيد حميد
يعتقد حسين جميل ان سبب طرده وعبد القادر اسماعيل من كلية الحقوق يعود الى مشاهدة الشرطة لهما وهما يتسلمان من الخطاط ( جلال) الكائن امام مديرية شرطة بغداد اللافتات التي كتب عليها شعارات المظاهرة.
عقب طرد حسين جميل وعبد القادر اسماعيل من كلية الحقوق لمساهمتهما في المظاهرة المعادية للصهيونية غادر حسين جميل الى سوريا حيث التحق بالصف الاول من معهد الحقوق بدمشق بالرغم من مرور عدة اشهر على بدء العام الدراسي نظرا لتعاطف العميد والاساتذة معه كونهم من متزعمي الحركة الوطنية المعادية للاستعمار والصهيونية والنفوذ الفرنسي في سوريا يومذاك. في حين اعيد عبد القادر اسماعيل الى الدراسة في السنة التالية في الصف الاول نفسه الذي كان فيه وذلك بعد الغاء قرار الطرد. حيث يقول حسين جميل في مذكراته( ذهبت الى معهد الحقوق وقبلت العميد الاستاذ عبد القادر العظم ولما اخبره السكرتير بطلبي قابلني حالا فعرضت عليه قضيتي فطلب مني ان اعطي السكرتير طلبا بالانتماء الى المعهد. بعد ذلك قابلت الاستاذ فايز الخوري استاذ القانون الجنائي وهو شقيق الاستاذ فارس الخوري وعرضت عليه قضيتي فوعد بالمساعدة وكذلك كان موقف الشيخ عبد القادر المغربي استاذ الادب العربي في المعهد).
ويضيف حسين جميل قائلا:
( كان اكثر اساتذة المعهد من الكتلة الوطنية المناوئة للانتداب والمناهضة للصهيونية ومن اقطابها البارزين فوزي الغزي استاذ القانون الدولي في المعهد وفارس الخوري استاذ المرافعات المدنية وفايز خوري الامر الذي يسر لي قبولي طالبا في المعهد بالرغم من السنة الدراسية كانت على وشك الانتهاء. واشتركت في الامتحان ونجحت الى الصف الثاني بمعدلات جيدة).
في دمشق زار فؤاد الشمالي احد مؤسسي الحزب الشيوعي في لبنان حسين جميل وعرض عليه الذهاب الى موسكو للدراسة في جامعة – كادحي الشرق- على نفقة الدولة السوفييتية فاعتذر حسين جميل ورشح له عاصم فليح صاحب دكان خياطة للملابس الافرنجية في بغداد العضو في الحزب الوطني العراقي الذي سافر الى موسكو وعاد الى بغداد وعمل على تاسيس الحزب الشيوعي العراقي سنة 1934 واصبح اول سكرتيرا له .
وفي تموز 1930 عاد حسين جميل الى بغداد قادما من دمشق بعد ان انهى دراسته هناك وعاود نشاطه السياسي من جديد فاتصل باصدقائه الذين لم تنقطع صلته بهم وهو في دمشق في حين كان عبد القادر اسماعيل لا يزال طالبا في كلية الحقوق حيث تخرج في العام التالي.
في ذلك الوقت كان نوري السعيد قد عقد المعاهدة العراقية البريطانية لعام 1930 واراد الشباب عقد اجتماع في كازينو الاوبرا في منطقة الميدان ببغداد لمناقشة بنود المعاهدة فقدموا طلبا الى متصرف لواء بغداد لاجازة عقد الاجتماع واعدوا بيانا دعوا فيه المواطنين الى حضور الاجتماع واعلان الاضراب العام والتظاهر احتجاجا على صيغة المعاهدة.
الا ان الحكومة رفضت الطلب وشنت حملة اعتقالات ضد المتهمين بطبع البيان وتوزيعه شملت الاعتقالات كل من حسين جميل وفائق السامرائي وخليل كنة وعبد القادر اسماعيل ومحمد يونس السبعاوي وجميل عبد الوهاب واحمد قاسم راجي وسليم زلوف وعمر خلوصي وعبد المجيد حسن مدير مطبعة الاداب واحيلوا الى المحاكم التي اصدرت احكاما مختلفة ضدهم.كما برات المحكمة ساحة حسين جميل وعمر خلوصي اذ يعلل حسين جميل تلك البراءة بعدم اشتراكه في التوقيع على طلب عقد الاجتماع استجابة لطلب زملائه خشية ان يؤدي ذلك الى رفض طلب كان قد تقدم به لاصدار صحيفة.
لم يقف معارضو الحكومة مكتوفي الايدي فرفعوا عريضة في 9 تشرين الاول 1930 الى الملك فيصل وقع عليها كل من ياسين الهاشمي وناجي السويدي ومحمد جعفر ابو التمن شرحوا فيها احوال البلاد ودعوا الملك باعتباره حامي الدستور الى صيانة احكام الدستور والقوانين من العبث . وقد جاء رد الديوان الملكي عليها ان صاحب الجلالة ياسف لما وقع من احكام على بعض التلاميذ الذين عليهم ان يكونوا خارج المنافسات السياسية.
كان حسين جميل وهو ما يزال طالبا في مدرسة العمارة الابتدائية يكتب في مجلة( التلميذ العراقي) التي تعتبر اول مجلة مدرسية في العراق صدرت في 29 تشرين الاول 1922 بست عشرة صفحة لصاحبها ورئيس تحريرها سعيد فهيم وكتب فيها حسين جميل مقالين حول ( فضل العرب على الافرنج) ومما جاء فيها( لا يخفى على كل ذي فكر ما للعرب من الفضل على ترقية بلاد اوربا حيث الغربيين لم يقتبسوا علومهم وفنونهم الحالية الا من العرب) ويضيف حسين جميل( هذا ما علموه اجدادنا , والتاريخ ينتظر ما سنعمله نحن بانفسنا فالى العمل).
اما المقال الثاني فكان عن( فتح الاندلس) يتضمن عرضا تاريخيا مبسطا نقله او استشفه من كتبه المدرسية. كما ساهم حسين جميل عام 1929 في مجلة ( الشباب) لصاحبها سعيد السامرائي ومديرها المسؤول عبد القادر اسماعيل التي صدرت في شباط من العام نفسه فكتب حول (تطور الروح القومية منذ مئة عام) وثالث بعنوان( انكلترا في جزيرة العرب) وكان حسين جميل قد كتب
في صحيفة ( الشعب ) السورية اثناء دراسته في دمشق لصاحبها توفيق جانا حيث نشرت له عام 1929 فصلا من فصول البحث كما اعادت صحيفة النداء البيروتية لصاحبها كاظم الصلح نشره.
كان الطابع القومي هو الغالب في كتابات حسين جميل في بداية عهده السياسي وخاصة حينما كان طالبا في سوريا لمدة ثلاث سنوات في حضور دائم مع الطلاب العرب الموجودين هناك واكثرهم من ذوي الاتجاهات القومية حيث كان الجو مشحونا في ظل صعود الحركة الوطنية المناهضة للانتداب الفرنسي
كان حسين جميل معجبا بالثورة البلشفية في روسيا واطلع على البيان الشيوعي كما قرا كتابات محمود احمد السيد وسلامة موسى ونقولا حداد اذ يقول حسين جميل عن فترة وجوده في سوريا انها اضافت بعدا قوميا الى ارائه ومواقفه في القضايا العامة وخفف من اتجاهه الفكري نحو اليسار هذا الاتجاه الذي خرج به من بغداد فاصبح شخصية وطنية معتدلة في اتجاهاته اليسارية الا انه ظل تقدميا.اذ انه رفض وهو في دمشقا طلبا عرضه عليه فؤاد الشمالي ابرز قيادات الحزب الشيوعي اللبناني لا رساله الى موسكو للدراسة فيها وقال (انه لم يستطع ان يجعل مني شيوعيا فقد كانت الافكار القومية العربية تملأ حيزا في تفكيري ليس من السهل استبعاده كما ان الجو العربي واتصالاتي بالحركة العربية الاستقلالية ورجالها الشباب كان احد الموانع دون اعتناقي الشيوعية ولكن لم اخرج عن معتقداتي التقدمية في اي حال من الاحوال وفي اي وقت من الاوقات) ويضيف ( كان اتصالي في الشام مع الكتلة الوطنية اكثر مما كان مع العناصر اليسارية . يعني اني كنت اتصل بالكتلة الوطنية ولي اصدقاء كثيرون ازورهم حتى ولو كانوا اكبر مني بكثير منهم فخري البارودي وفائز الخوري ورجال الكتلة الوطنية مثلا سهيل الخوري ومصطفى العظم واسعد كوراني)
نشأت علاقة وثيقة بين حسين جميل وعبد القادر اسماعيل البستاني عندما كانا في الثانوية ببغداد وفكرا بالعمل السياسي وفسرا معنى الوطنية بالاضافة الى المطالبة بالاستقلال ووجدا بعد ذلك هي العناية بمصالح الشعب او الاهالي واوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية وانضم محمد حديد وعبد الفتاح ابراهيم الى الجماعة وكان محمد حديد قد تخرج في مدرسة الاقتصاد والعلوم السياسية بلندن وتاثر باستاذه ( هارولد لاسكي) والفابية البريطانية فيما كان عبد الفتاح ابراهيم شديد التاثر بالتجربة السوفييتية ابان دراسته في جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة ثم اتصلوا بالمحامي خليل كنة الذي انضم اليهم واتفق هؤلاء الخمسة على تقديم طلب بامتياز جريدة باسم ( الاهالي) الى وزارة الداخلية صيف عام 1931 على ان يكون صاحبها ومديرها المسؤول حسين جميل.
وفي 2 تموز 1931 منحت وزارة الداخلية امتياز جريدة ( الاهالي) وصدر العدد الاول منها في الثاني من كانون الثاني 1932 حيث اكد حسين جميل عبر مقالاته على الحرية وبناء الدولة كضرورة لضمان الاطمئنان والاخاء والتقدم للشعب على ان تكون السيادة للشعب في هذه الدولة التي عليها ان تضمن سير الحياة الاقتصادية وفق خطة معينة ملائمة لوضع البلاد الاقتصادي وحاجات الشعب وان تؤمن سيطرتها الاقتصادية على الصناعات وحدها او بالمشاركة في راس المال وان تقوم بتوزيع الاراضي الاميرية على الفلاحين مباشرة وتاسيس المزارع الرسمية وتشجيع الجمعيات التعاونية بمنحها اعانات مالية وتهيئة فرص العمل للجميع وتقوم بتاسيس البنوك وتحصر التمويل فيها ودعت الاهالي الى وجوب ان يكون التعليم عاما ومجانيا ومكافحة الامية وتاسيس معاهد التثقيف والتنوير والمكتبات تكفل استفادة افراد الشعب وتاسيس دور السينما والتمثيل والموسيقى وتنمية الروح الرياضية البدنية والالعاب وتاسيس المستشفيات ودور الةلادة والحضانة بصورة تكفل الاستفادة منها بما يضمن وقاية الفرد من الامراض وحمايته منها وضمان السكن الصحي من خلال تنظيم المدن على اساس صحي وانتشار دور بسيطة ورخيصة وتاجيرها او تمليكها بالاقساط.
وقد انضم كامل الجادرجي احد مؤسسي حزب الاخاء الوطني الى جماعة الاهالي بعد ان انفصل عن حزب الاخاء الذي كان يراسه ياسين الهاشمي حينما تولى رشيد عالي الكيلاني رئاسة الوزارة في 20 اذار/مارس 1932 واعلنت الوزارة احترامها للمعاهدة العراقية البريطانية التي تم التوقيع عليها عام 1930 التي عارضها الاخائيون كما اعتزل محمد جعفر ابو التمن زعيم الحزب الوطني العمل الحزبي بعد اختلافه مع زملائه في قيادة الحزب وتحت تاثير الجادرجي انضم ابو التمن الى الاهالي وكذلك انضم حكمت سليمان الى الاهالي .
بعد محاكمة عبد السلام عارف ورشيد عالي الكيلاني بداية عام 1959 اللذين احالهما الزعيم عبد الكريم قاسم الى المحكمة بتهمة التامر قرر عدد من الوزراء القوميين تقديم استقالاتهم احتجاجا على صدور الاحكام بالاعدام في 5شباط 1959 وهم فؤاد الركاب وزير الاعمار وجابر عمر وزير التربية وعبد الجبار الجومرد وزير الخارجية وناجي طالب وزير العمل والشؤون الاجتماعية والدكتور محمد صالح محمود وزير الصحة وبابا علي الشيخ محمود وزير الاشغال والمواصلات وصديق شنشل وزير الارشاد وقدم كذلك محمد مهدي كبة عضو مجلس السيادة استقالته وحل حسين جميل وزيرا للارشاد محل صديق شنشل كما حل طلعت الشيباني للاعمار وحسن الطالباني للاشغال العامة وهاشم جواد للخارجية ومحمد الشواف للصحة وفؤاد عارف للدولة ومحي عبد الحميد للتربية وعبد الوهاب الامين للعمل والشؤون الاجتاماعية.
لكن ما ان تسلم حسين جميل مسؤوليته في الوزارة حتى اعدت صحيفة ( اتحاد الشعب) الناطقة بلسان الحزب الشيوعي مقالا افتتاحيا بعنوان( حول التعديل الوزاري الاخير) شنت فيه هجوما عنيفا على الوزراء المستقيلين ووصفت التعديل بانه عمل ايجابي ذو اهمية كبيرة واتهمت المستقيلين بالعطف المباشر على النشاطات المعادية للجمهورية في الداخل والخارج وكذلك المساهمة الفعلية في حملة الافتراءات على سياسة العراق وقالت الجريدة ( ما ان بدات الثورة تقطع خطواتها الاولى حتى بدات بوادر التخلف عن مسايرة نهج الثورة تتضح لدى فريق من المسؤولين الذين حملتهم الثورة الى سدة الحكم) وقد عرض الرقيب مسودة المقال على الوزير حسين جميل الذي حاول منع الجريدة من نشره لما يتسبب في تازيم الموقف بين القوى السياسية او حاول التخفيف من حدة لهجة المقال فلم يفلح حيث صدرت الجريدة في اليوم الثاني لاستلام حسين جميل مهمته وذلك في 9 شباط 1959 وفيها المقال المذكور وحينذاك اصدر حسين جميل امرا برقم 22 بتاريخ 9/2/1959 بمصادرة الجريدة وجمعها من الاسواق كما اصدر امرا بتعطيلها خمسة عشر يوما فقط فاحتج الحزب الشيوعي وتوجه عبد القادر اسماعيل فورا الى وزارة الدفاع وقابل الزعيم عبد الكريم قاسم حول الموضوع فاصدر قاسم امرا بالغاء امر الوزير حسين جميل الذي قام بدوره بتقديم استقالته الى قاسم احتجاجا على تدخله في شان يتعلق بعمل الوزير وجاء في الرسالة التي وجهها الى قاسم ( ليس من شك في ان من الاسس السليمة في ادارة شؤون الحكم ممارسة الوزير صلاحياته بصورة كاملة وصحيحة سواء في ما يخص شؤون الوزارة التي عين لها او كعضو في مجلس الوزراء الذي قرر الدستور المؤقت انه يتولى السلطة التشريعية ويتولى ايضا والوزراء كل ما يخصه اعمال السلطة التنفيذية والا تحمل الوزير المسؤولية الناجمة عن اشتراكه في الحكم من غير ان يمارس السلطة في تقرير تلك الامور التي يتحمل مسؤوليتها بالاضافة الى ذلك فانه لا يمكن تحقيق اي نجاح في العمل ولا الوصول الى اي هدف من اهداف الحكم في ظل وضع كهذا الذي اشير اليه.
وجاء في رسالة الاستقالة : يبدو لي ان هذا المبدأ غير مرعي في اوضاع الحكم الحاضر ففي اليوم الاول لمباشرتي في وزارة الارشاد وقبل بحث الاوضاع العامة والمذاكرة في خطة العمل ومنهج الوزارة عرضت عليّ مسالة جريدة اتحاد الشعب ففي مساء ذلك اليوم 8/2/1959 احتكم الي بشان مقال افتتاحي ارادت الجريدة المذكورة نشره تعليقا على استقالة الوزراء الستة من الوزارة فاشرت بعدم النشر على اقسام من المقال المذكور غير ان جريدة اتحاد الشعب نشرت المقال المذكور كما هو في الاصل دون ان تحذف منه الاقسام المؤشرة عليها بعدم النشر فاصدرت امرا استنادا الى الصلاحية التي املكها بحكم القانون امرا بتعطيل الجريدة المذكورة لمدة خمسة عشر يوما غير ان جهة غير مختصة اوقفت تنفيذ الامر المذكور وعطل تنفيذ امر قانوني صادر عن جهة مختصة لذلك ارجوك قبول استقالتي من الوزارة شاكرا لسيادتكم ثقتكم باختياري عضوا في الوزارة وتفضلوا بقبول فائق الاحترام.
عن دخوله حكومة قاسم واستقالته منها بعد يوم واحد يتحدث حسين جميل للعميد خليل ابراهيم حسين في سلسلة موسوعة تموز الجزء الاول بعنوان – ثورة الشواف في الموصل- ص 326فيقول( تركت بغداد الى نيودلهي بتاريخ 18آب 1958 لاشغل مركز سفير العراق في الهند وبعد مدة من وجودي في الهند عدت الى بغداد يوم 2شباط 1959 للتعرف على حقيقة الوضع فيه وحنما ذهبت الى وزارة الخارجية وطلبت مقابلة الوزير الدكتور عبد الجبار الجومر اخبرني وكيل الوزارة حسن زكريا انه قدم استقالته وترك الوزارة. بعدها طلبت موعدا لمقابلة قاسم وتمت المقابلة يوم 5 شباط وكان حديثي معه خلال ثلاث ساعات ونصف صريحا حول الصراع الذي بدا مبكرا اثر استلام الحكم بنجاح الثورة بين الشيوعيين والقوميين اولا ثم امتد وتوسع واصبح بين الشيوعيين وغير الشيوعيين ةقلت له ان استقالة الوزراء الذين يمثلون احزابا قومية وبعضهم الاخر قوميون مستقلون امر خطير يعزل الحكم عن الحركة القومية وان الحكم يجب ان يبقى وان الحكم يجب ان يبقى ممثلا لجميع اطراف- جبهة الاتحاد الوطني- التي قامت في سنة 1957 وعملت على تقويض النظام الملكي واسقاطه ليستمر النظام الجديد الذي قام اثر ثورة 14 تموز لجميع القوى الوطنية في العراق لا لفريق منها فقط وان خروج الوزراء القوميين من الوزارة سوف يجعلهم والاحزاب التي يمثلونها والحركة القومية بوجه عام في المعارضة ومعارضتهم سوف تحمل الحكم على مقاومتهم وكلما اشتدت المعارضة سوف يشدد من اساليبه في مقاومتهم وهكذا سيكون لكل فعل من طرف ردفعل من الطرف الاخر )
ويضيف حسين جميل( وقلت لقاسم ان من رايي عدم قبول استقالة الوزراء المستقيلين وارى ان تقنعهم بالبقاء في الوزارة واذا لم يقتنع الوزراء المستقيلون على البقاء في الوزارة واصروا عليها ففي رايي يجب ان يحل محلهم في الوزارة وزراء قوميون لا يقلون في مركزهم السياسي وفي تمثيلهم للحركة القومية عن الوزراء المستقيلين. وقلت له اني اشم رائحة حرب اهلية اذا لم نبادر بمعاجة الوضع وازالة اسباب هذا الصراع الذي يحتدم يوما بعد يوم)
ويقول حسن جميل( رد قاسم على حديثي قائلا ان الصورة لديك عن الوضع غير صحيحة ومخالفة للواقع ولا بد ان الذين اعطوك هذه الصورة اثروا عليك حتى اقتنعت بها. فقلت له اني كونت هذه الصورة باسقراء الاحداث التي مرت من صباح 14 تموز الى هذا اليوم وقرات ما تكتبه الصحف في الداخل والخارج وتابعت ما يجري في المحكمة العسكرية العليا وقبلت وتحدثت وسمعت اراء مختلف الاشخاص من مختلف الاحزاب والانتماءلات السياسية والاجتماعية حتى تكونت لدي صورة عن الوضع القائم اليوم في العراق)
ويواصل حسين جميل حديثه قائلا( بعد هذه المقابلة بيومين اي مساء 7 شباط وانا في بيت كامل الجادرجي وقادة الحزب الوطني الديمقراطي موجودون وقد بحثوا الوضع السياسي في ضوء استقالة الوزراء الستة طلبت بالتلفون لمقابلة رئيس الوزراء الزعيم قاسم فذهبت لمقابلته واذا به يعرض علي الاشتراك في وزارة الارشاد لاحل محل الاستاذ صديق شنشل فاعتذرت وقلت له انت تعرف بالوضع وحلولي للمشاكل القائمة وقد حدثتك عنها بصراحة قبل يومين واني لا ازال ارى نفس الراي الذي ابديته والح علي قبول الاشتراك بالوزارة وقال انه سوف يعالج الامور وفق ما ابديت من اقتراحات وكنت قد تحدثت معه عن تدهور العلاقات مع الجمهورية العربية المتحدة وان هذا ليس في صالح العراق ولا في صالح الحركة التحررية العربية ولا في صالح معسكر دول الحياد وقال لي ان سوء العلاقات مع العربية المتحدة سحابة صيف وانه خلال اسبوعين سيقيم احسن العلاقات معها وقلت له اني سوف اعود في اول طائرة الى الهند وخرجت وانا معتذر عن قبول طلبه لكن في مساء اليوم نفسه وعند اذاعة نشرة الاخبار الساعة العاشرة فوجئت بمرسوم جمهوري صدر بشان التعديل الوزاري وفيه تعييني وزيرا للارشاد)
حصل اول خلاف بين حسين جميل وزميله عبد القادر اسماعيل بعد ان خطت جماعة الاهالي وصحيفتهم خطواتها الاولى ويعيد حسين جميل سبب الخلاف الى تباين وجهتي نظريهما او اختلافهما بمعنى ادق حول الشكل الذي يجب ان تصدر به الصحيفة اذ اراد اسماعيل ان تكون الصحيفة في كل موادها ( صحيفة دعوة وتبشير) على غرار صحيفة( الشورى) التي كانت تصدر في مصر انذاك. كما كان يوسف اسماعيل شقيق عبد القادر المشرف على الاخبار ينشر الاخبار بعد ان يضع لها عناوين مثيرة لم تكن مقبولة من حسين جميل. في حين كان يرى حسين جميل وجوب تتولى الصحيفة التبليغ دون اثارة اي لميل اسماعيل للتطرف وجميل للاعتدال. لكن الخلاف لم يكن بسيطا ولا شكليا انتهى بانسحاب حسين جميل من العمل في الصحيفة حيث يصفه عبد القادر اسماعيل بانه لم يكن يؤمن بالاشتراكية الا انه لم يعارضها في مرحلة التلمذة وان معارضته الحقيقية للافكار الاشتراكية جاءت عند اصدار صحيفة الاهالي فيما يتحدث عبد الفتاح ابراهيم عن حسين جميل فيقول كان يهوى العمل الصحفي اضافة الى النشاط السياسي على الطريقة التقليدية.
وبانسحاب حسين جميل من العمل الصحفي اختفى اسمه نهائيا كصاحب ومدير مسؤول لها ابتداءا من العدد 130 اي في 17 حزيران 1932 .الا انه ظل على صلة بالعاملين في الصحيفة دون المساهمة فيها ولفترة طويلة اعقبت تعيينه حاكما في المحاكم المدنية اذ يقول حسين جميل عن هذا الموضوع انه في ربيع سنة 1933 تولى محمد زكي المحامي وزارة العدلية في حكومة رشيد عالي الكيلاني . ولما كان محمد زكي من المعجبين بصحيفة الاهالي وكان يعرفني شخصيا فقد عرض علي ان يعينني حاكما في المحاكم المدنية ولاسباب قدرتها حينذاك قبلت عرضه وعينت حاكما في مدينة الحلة القريبة من بغداد.
وبالرغم من انقطاع صلة حسين جميل بصحيفة الاهالي الا انه لم يسلم من عداء حكومة ياسين الهاشمي له فتم نقله من الحلة الى مدينة عانة على الحدود السورية.وحينما وقع انقلاب بكر صدقي وتشكلت وزارة حكمت سليمان التي ضمت اثنين من ابرز قادة الحزب الوطني وهما كامل الجادرجي ومحمد جعفر ابو التمن استدعي حسين جميل من مقر عمله في عانة ليتولى العمل في مديرية الدعاية حيث كانت دائرة المطبوعات جزءا منها وذلك بناءا على اقتراح من كامل الجادرجي فيما اصبح محمد حديد مديرا عاما للواردات وكالة
ساهم حسين جميل في العديد من النشاطات السياسية داخل العراق وخارجه كان ابرزها حضوره الندة الفكرية التي عقدت في قبرص عام 1983 تحت عنوان( ازمة الديمقراطية في الوطن العربي) كما تناول تاريخ العراق الحديث في كتابه ( العراق ..شهادة سياسية) استعرض فيه فترة الحكم العثماني وفترة حكم الملك فيصل الاول .
عين حسين جميل وزيرا للعدل عام 1949 في حكومة علي جودت الايوبي التي تشكلت عقب استقالة حكومة نوري السعيد حيث اشترط الايوبي على الوزراء الدخول الى الوزارة بصفة شخصية وليس حزبية ووافقوا على ذلك وكان من بين الوزراء سعد عمر من الحزب الدستوري وعبد الرزاق الظاهر عن حزب الاحرار وحينما فوتح الشيخ محمد مهدي كبة رئيس حزب الاستقلال للاشتراك بصفة شخصية اشترط قبول فائق السامرائي ايضا الا ان شرطه رفض وبذلك اعتذر الشيخ كبة عن المشاركة في الحكومة . وقد برر حسين جميل اشتراكه في الوزارة بصفته الشخصية بان الحزب الوطني الديمقراطي الذي ينتمي اليه كان مجمدا انذاك. كما انتخب نقيبا للمحامين العراقيين عام 1953 ووقف كثيرا في سوح المحاكم العراقية كماحام يدافع عن العناصر السياسية القومية منها واليسارية التي كانت تحال الى المحاكم لاسباب سياسية.
يبدي حسين جميل رايه بعبد المحسن السعدون وبعدد من رجال الحكم انذاك فيقول ان نظرتنا الى اولئك في عهد الانتداب لم يعد هو الراي فيهم الى الاخير اذ ان توالي السنين تكشف عن مواقف ومعارف فاذا كنت وانا طالب ارفض تفسيرات رجال الحكم للمواقف السياسية التي اتخذوها وهي مرفوضة من قبلي ومن قبل زملائي الا ان الزمن والتجارب علمتنا ان هذه المواقف ليس هو الموقف الصحيح في الحكم على الامور وان ما قاموا كان هو الممكن في ذلك العهد وفي ظروفه وتفسير ذلك قالوا ان ما قاموا انهم لم يجدوا العراق مستقلا فعقدوا معاهدة مع الاجنبي تنتقص من استقلاله فالعراق كان قد احتل عسكريا من قبل بريطانيا في سني الحرب العالمية الاولى وان عملهم كان في حدود الممكن في ظل تلك الظروفوهدفهم الاخير كان الوصول الى الاستقلال.
توفي حسين جميل باشهر معدودة قبل سقوط نظام صدام تاركا وراءه سجلا حافلا بالمواقف المبدئية وتاركا مكتبة كبيرة تعد من اكبر المكتبات الشخصية اذ كان رحمه الله لايترك معرضا للكتاب الا وزاره واقتنى منه ما يريد وما يرغب كما لا يترك فرصة السفر الى الخارج والعودة منه الا وهو يتأبط العديد من الكتب فقد تحول منزل المرحوم حسين جميل خلال نصف قرن واكثر ملتقى للعديد من السياسيين والمثقفين واعيان بغداد ووجهائها اذ كان يتمتع بذاكرة سياسية وقانونية حديدية كانت عونا ومرجعا له رحمه الله.
2084 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع