عبد السلام عارف ١٩٢١ -١٩٦٦
ولد عبد السلام في 21 اذار /مارس عام 1921 في محلة سوق حمادة في منطقة الكرخ ببغداد وهو حي شعبي من احياء بغداد الفقيرة او المتوسطة الحال وكان والده محمد عارف الجميلي " من عشيرة الجميلات" يشتغل بزازا بالمفرد اي بائع اقمشة ، وقد انتقل من مدينة الرمادي الى بغداد.
ينتمي عبد السلام عارف الى عائلة لها ماضيها في الجهاد ضد الاستعمار البريطاني فخاله الشيخ ضاري الذي قتل الكولونيل لجمن القائد البريطاني اثناء ثورة العشرين ، وعمه السيد عباس الذي قتله الانكليز في الرمادي.ولا يزال ابناء عمومته وابناء اخواله يسكنون في تلك المنطقة حتى يومنا هذا .
دخل عبد السلام عارف المدارس الابتدائية والثانوية في منطقة الكرخ ببغداد وتخرج في ثانوية الكرخ الرسمية عام 1938 وبنفس السنة دخل الكلية العسكرية وتخرج فيها عام 1941 برتبة ملازم ثان وعمره لا يتعدى العشرين عاما.
واشترك في حركة مايس 1941 فكان آمرا لرعيل المدرعات في القوة الالية ومهمته محاصرة القصور الملكية. وبعد فشل الحركة عين مسؤولا عن حراسة سجن معسكر الرشيد الذي زج فيه مئات الوطنيين من قادة الحركة. وكان عبد السلام يساعد هؤلاء الضباط المعتقلين عن طريق تدبير لقاءات ليلية مع ذويهم وعائلاتهم. كما اخذ ينقل الرسائل التي يطلب منه توصيلها، والسبب الذي دعاه لذلك هو شعوره بوجوب مساعدتهم لان حركتهم قد فشلت الا ان دورهم لم ينته. وحينما علمت السلطات بما يقوم به عبد السلام عارف تم نقله من بغداد الى البصرة حيث عين ضابطا في الاستخبارات العسكرية وبقي هناك حتى عام 1944 عندما نقل الى لواء الناصرية واختير عام 1946 مدربا في الكلية العسكرية فامضى فيها عاما كاملا نقل بعدها الى كركوك ومنها سافر الى فلسطين للاشتراك في حرب 1948.كما يذكر عارف نفسه في مذكراته التي نشرتها مجلة روز اليوسف المصرية في مايس/ايار عام 1966
اما علاقته بعبد الكريم قاسم فانها كما يقول ناصر الدين النشاشيبي في كتابه( ماذا جرى في الشرق الاوسط) بدأت عام 1938 عندما كان تلميذا في الكلية العسكرية وكان عبد الكريم يحاضر الفصائل الاربعة الموجودة فيها وكان عبد السلام تلميذا في الفصيل الاول فنشأت علاقات صداقة بينهما. وبعد تخرج عبد السلام عارف افترقا لمدة عام كامل بعدها التقيا في البصرة وتكلما عن سوء الاوضاع الداخلية في العراق واعربا عن تذمرهما من التدخل البريطاني السافر في شؤون القوات المسلحة بصورة خاصة والبلاد بصورة عامة وانه لا يمكن تخليص البلاد من هذا الوضع السيء سوى تدخل الجيش. واستمرت صداقتهما حتى فرق بينهما اللواء بهاء الدين نوري فامر بنقل عبد الكريم قاسم الى جلولاء وعبد السلام عارف الى الناصرية. (ص 289 ).
وفي عام 1947 نقل عبد السلام عارف الى كركوك فالتقى مرة اخرى بعبد الكريم قاسم الذي كان آمرا للفوج وعبد السلام مساعدا له، وعندما وقعت حرب فلسطين عام 1948 سافرا معا وكان عبد السلام في مدينة جنين
وعبد الكريم في مدينة كفر قاسم القريبة منها، فكانا يلتقيان باستمرار، ويبدو انهما تكلما عن مهزلة الحرب وما يدور فيها من مؤامرات ضد القضية الفلسطينية. وعند انتهاء حرب فلسطين وعودة القوات العراقية عاد عبد السلام الى بغداد ثم نقل الى الموصل فكركوك مرة اخرى. وعندما اصبح الفريق نور الدين محمود رئيسا لاركان الجيش نقل عبد السلام عارف الى مقر قيادة الجيش وتولى فيها عدة مناصب مهمة استطلاع من خلالها ان يسدي بعض الخدمات الى صديقه وزميله قاسم. وفي عام 1952 نقل الى دائرة تدريب المناورات كما نقل قاسم الى الدائرة نفسها وعملا معا حتى عام 1954 عندما نقل قاسم الى منصب آمر اللواء التاسع عشر ونقل عارف الى منصب آمر فوج في اللواء نفسه. (النشاشيبي ، المصدر السابق ، ص 290 ).
وفي السنة نفسها ارسل عبد السلام عارف في دورة للالتحاق بالقطعات العسكرية البريطانية في دسلدورف بالمانيا الغربية للتدريب ، وبقي فيها حتى عام 1956 وعاد الى بغداد وبلغ للاستعداد للسفر مع اللواء التاسع عشر الذي يقوده قاسم الى الاردن.
وفي تشرين الثاني 1956 تحرك اللواء التاسع عشر الى المفرق على الحدود العراقية الاردنية ليكون على اتم الاستعداد لمعاونة الاردن ضد اسرائيل بينما كان الغرض الحقيقي من تحركه هو تهديد سوريا واسقاط نظامها التحرري وضمها الى العراق الملكي منتهزا فرصة الاعتداء الثلاثي على مصر ، ولكن عبد الكريم قاسم وزميله العقيد الركن عبد السلام عارف اتصلا بالضباط السوريين ومنهم رئيس اركان الجيش السوري اللواء عفيف البزري واكدا لهم بان الجيش العراقي لن يقوم بحركة عدائية ضد سوريا ، وانهما لا يتأخران عند الاقتضاء عن الانضمام اليها بقواتهما ،كما جاء في كتب "ثورة 14 تموز 1958 في العراق لليث عبد الحسن الزبيدي ، ص 343 ).
كان عبد الكريم قاسم قد ادخل عبد السلام عارف في حركة الضباط الاحرار سنة 1957 عندما كان الاخير آمر فوج في لوائه بالاردن ، ففرضه ايضا عضوا بالخلية الجديدة التي تم الاتفاق على تشكيل لجنة مركزية عليا تتولى الاشراف على قيادة حركة الضباط الاحرار واختير الزعيم عبد الكريم قاسم رئيسا لها.
ويتحدث العميد الركن اسماعيل العارف في كتابه ( اسرار ثورة 14 تموز) عن عبد السلام عارف فيقول" كان عبد السلام عارف قد رشح للانضمام للحركة عام 1955 الا ان بعض الضباط ومنهم العارف نفسه الذي فضل عدم مفاتحة عبد السلام لقربه من رئيس اركان الجيش رفيق عارف ولتسرعه وثرثرته وعدم اتزانه".
في صيف عام 1958 قررت الحكومة العراقية ارسال بعض القطعات العسكرية الى الاردن بدعوى مساندتها ضد التهديد الاسرائيلي الا ان الغاية الاساس كانت لدعم حكومة الرئيس كميل شمعون في لبنان وذلك بتهديد سوريا بالجيش العراقي المحتشد على حدودها مع الاردن. فتقرر ارسال اللواء العشرين الذي كان يعسكر في منطقة جلولاء على بعد سبعين ميلا تقريبا من بغداد للقيام بالمهمة ، فصدرت الاوامر يوم 3 تموز/يوليو .
وعندما علم الضباط الاحرار بهذا الامر استقر رأي اللجنة العليا على انتهاز فرصة مرور اللواء في بغداد لتنفيذ الثورة. فاختمرت الفكرة في ذهن الزعيم عبد الكريم قاسم والعقيد عبد السلام محمد عارف وقررا ان يخططا لها باقصى درجات الكتمان والسرية فحاولا اخفاء نواياهما عن معظم اعضاء اللجنة العليا للضباط الاحرار بمختلف الطرق لكي لاتتسرب المعلومات الى السلطات الحكومية. كما حاول عبد الكريم قاسم تبديد شكوك السلطات حول تحركاته فاخذ يرتاد المحلات العامة البارزة عند مجيئه الى بغداد خلال العطلة الاسبوعية وهو بصحبة اشخاص لا يشك باتجاهاتهم السياسية.
واتفق قاسم مع عارف والمقدم عبد اللطيف الدراجي ان يقوم الاخير بابلاغ اعضاء اللجنة العليا ان الثورة قد تاجل تنفيذها اثناء مرور اللواء العشرين ببغداد بينما قررا ابلاغ عدد محدود جدا من الضباط الاحرار قبل التنفيذ بيومين, وحضر قاسم وعارف سرا الى بغداد يومي 10 و11 تموز واتصلا بالمقدم وصفي طاهر وكلفاه تبليغ كل من الرؤساء جاسم العزاوي وعبد الستار عبد اللطيف وابراهيم جاسم التكريتي وابراهيم عباس اللامي ليكونوا ادلاء للقطعات ليلة 13/14 تموز .
لقد وضع خطة الاستيلاء على اللواء العشرين الزعيم عبد الكريم قاسم بالتعاون مع العقيد عبد السلام عارف آمر الفوج الثالث في اللواء العشرين والمقدم عبد اللطيف الدراجي آمر الفوج الاول . وتضمنت الخطة اقناع آمر اللواء الزعيم الركن احمد حقي محمد علي الذي لم يكن من الضباط الاحرار. بان يستصحب المقر المتقدم وجماعة استطلاع وماوى اللواء ويسبق الرتل الى مدينة الفلوجة الواقعة على نهر الفرات غربي بغداد بمسافة ستين ميلا لاختيار معسكر مؤقت يقضي فيه اللواء ليلته ثم يتابع مسيرته في اليوم التالي باتجاه الاردن. وبعد اقناع آمر اللواء بالفكرة سلم قيادة جحفل اللواء الى العقيد عبد السلام عارف باعتباره اقدم آمر فوج.
وعندما تسلم عارف قيادة اللواء سار في مقدمة الرتل وبدأ في اعطاء وقفات قصيرة متعددة لتقليل سرعة المسير وترك فجوة بعيدة بينه وبين آمر اللواء وجماعة الاستطلاع التي تحركت باتجاه بغداد وكان يتابع مراحل تقدمها بواسطة جهاز اللاسلكي. ولما تاكد عبد السلام عارف من اجتياز آمر اللواء مدينة بغداد في طريقه الى الفلوجة قرر اعطاء وقفة طويلة في نقطة ( كاسلزبوست) الواقعة على بعد خمسة عشر كيلومترا من بغداد. وعندها قرر هو والضباط الاحرار في اللواء الاستيلاء عليه ، في ذات الوقت كان الزعيم عبد الكريم قاسم قد وضع اللواء التاسع عشر في حالة الانذار وتهيأ للزحف على بغداد حالما يستلم اشارة من عبد السلام عارف بدخوله الى بغداد.
تحرك اللواء العشرون من جلولاء بشكل طبيعي وقد ودعه اللواء الركن غازي الدغستاني قائد الفرقة الثالثة وكبار الضباط منهم عبد الكريم قاسم نفسه والزعيم الركن احمد صالح العبدي الذي لم يخبر بالحركة لحد ذلك الوقت ، واجتاز ذلك اللواء بعقوبة في طريقه الى بغداد.
وتوقف اللواء منتصف الطريق عند منطقة خان بني سعد بدأ عبد السلام عارف آمر الفوج الثالث من اللواء يسيطر على اللواء ويوزع العتاد كما قام باعتقال العقيد الركن ياسين محمد رؤوف آمر الفوج الثاني لرفضه الانضمام للثورة وحل محله العقيد عادل جلال الذي شغل فيما بعد منصب وزير الزراعة . وبعد انجاز هذه الاجراءات تحرك اللواء نحو اهدافه بعد التقائه الادلاء .
ودخل بغداد فجر يوم 14 تموز 1958 حيث توزعت القطعات على الاهداف المرسومة اذ وصلت قوة عسكرية الى مبنى اذاعة بغداد بقيادة عبد السلام عارف وسيطرت عليه حيث اتخذ عارف مقر جمعية الشبان المسلمين المجاور للاذاعة مقرا له ثم انتقل الى دار الاذاعة ، وهكذا نفذ الفوج الثالث من اللواء العشرين بقيادة عبد السلام عارف واجبه كله وكذلك نفذ الفوجان الاول والثاني واجبهما دون صعوبات تذكر لعدم وجود مقاومة تحول دون ذلك. وفي الساعة السادسة صباحا بدأ عبد السلام عارف باذاعة البيان الاول للثورة جاء فيه:
وهذا نصه :
ايها الشعب العراقي الكريم
بعد الاتكال على الله وبمؤازرة المخلصين من ابناء الشعب والقوات الوطنية المسلحة اقدمنا على تحرير الوطن العزيز من سيطرة الطغمة الفاسدة التي نصبها الاستعمار لحكم الشعب والتلاعب بمقدراته لمصلحتهم في سبيل المنافع الشخصية.
ايها الاخوان
ان الجيش هو منكم واليكم فما عليكم الا ان تؤازروه في رصاصه وقنابله وزئيره المنصب على قصر الرحاب ومقر نوري السعيد ، واعلموا ان الظفر لا يتم بترصينه والمحافظة عليه من مؤامرات الاستعمار واذنابه ، وعليه فاننا نوجه اليكم نداءنا للقيام باخبار السلطات عن كل مفسد ومسيء وخائن لاستئصاله.
وقد كثر الكلام عمن كتب البيان الاول للثورة ، هل هو عبد الكريم قاسم ام عبد السلام عارف؟ ولم يظهر اي دليل على انفراد احدهما بوضع صيغته. وقد طلب عبد السلام عارف من عبد الكريم قاسم في اللحظات التي سبقت اعدامه، وبمثل هذا الموقف المتشنج ان يقسم بالقرآن فيقول من هو وضع صيغة البيان الاول للثورة ، فاجابه عبد الكريم قاسم "انه انت"
ثم اذيع بيان تشكيل مجلس السيادة من الفريق الركن محمد نجيب الربيعي رئيسا وعضوية كل من العقيد الركن خالد النقشبندي والشيخ محمد مهدي كبة، كما اذيع بيان تشكيل الوزارة الاولى في العهد الجمهوري بالشكل الاتي:
1- عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء ، وزيرا للدفاع
2- عبد السلام عارف نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للداخلية
3- ناجي طالب وزيرا للشؤون الاجتماعية
4- عبد الجبار الجومرد وزيرا للخارجية
5- محمد صديق شنشل وزيرا للارشاد
6- محمد حديد وزيرا للمالية
7- فؤاد الركابي وزيرا للاعمار
8- هديب الحاج حمود وزيرا للزراعة
9- جابر عمر وزيرا للمعارف
10- ابراهيم كبة وزيرا للاقتصاد
11- محمد صالح محمود وزيرا للصحة
12- مصطفى علي وزيرا للعدل
13- ويظهر ان الوزارة قومية بشكل واضح واكثر اعضائها من حزب المؤتمر الوطني الذي تشكل قبل الثورة من اندماج حزبي الاستقلال والوطني الديمقراطي.
استقبل الشعب العراقي الثورة بفرح غامر وتاييد منقطع النظير وتقاطرت الوفود الشعبية القادمة من شتى انحاء العراق الى بغداد لتقديم التهاني لرجال الثورة ، كما اخذ عبد السلام عارف يزور المحافظات ويلقي خطبا كرسول للثورة، وقد جرت على عبد السلام عارف خطبه المرتجلة كثيرا من المشاكل كانت تثيرها في وجهه عناصر محسوبة على الحزب الشيوعي فتقاطع خطبه بهتافات معادية له ، خاصة ان عبارات مضحكمة وغريبة كانت ترد في خطبه كان يصف الثورة بانها ، الهية سماوية خاكية او يذكر اسم جمال عبد الناصر فيثير حفيظة عبد الكريم قاسم.
بدأ الخلاف ياخذ طريقه بين عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف واخذ هذا الخلاف يؤثر في الشارع وتتناقله الالسن
ان هذا الموقف كما يقول العميد الركن جاسم العزاوي في كتابه ( ثورة 14 تموز) (دفع قسما كبيرا من الضباط الاحرار الى رفع شعار وحدة الصف والزعامة الواحدة حتى وان تطلب ذلك التضحية بعبد السلام عارف كان من هؤلاء الضباط رفعت الحاج سرس وطاهر يحيى وناظم الطبقجلي وناجي طالب وكانوا يعتقدون ان عبد الكريم قاسم اكثر نضجا وهدوءا وكياسة وهو بالتالي رئيس اللجنة العليا لحركة الضباط الاحرار قبل الثورة وبعدها ومع الشرعية في زعامته وقيادته للبلد وما دام لم يظهر منه اي انحراف عن الثورة حتى ذلك الوقت انه على النقيض من عبد السلام ذلك الشخص المندفع المتهور ومن غير روية)
ويستطرد العزاوي قائلا ( ان ما في قلب عبد السلام موجود على لسانه يعادي بوضوح ويحب بوضوح ، لا يظهر الحب لمن يكره ولا يخفي الكره لمن لا يحب في حين ان عبد الكريم قاسم كان كتوما قليل الكلام له القدرة على كتم مشاعره امام الاخرين ، كما انه يتمتع بقدرة معروفة على اقناعهم برايه واطلاق الوعود لكل من هب ودب ، ومن بين هذا التباين بين الشخصيتين المتنازعتين تبرز اسباب نجاح عبد الكريم قاسم وسقوط عبد السلام فقد استطاع عبد الكريم ان يقنع الجميع بما اظهره من كياسة وصبر وطول اناة جعلتهم يعتقدون انه اكثر اهلية وصلاحية من عبد السلام لقيادة العراق وفي وقت كان يزيد اتصالاته بكل القوى الوطنية الاخرى غير القومية بواسطة وصفي طاهر وطه الشيخ احمد ويعقد معها الاجتماعات بسرية على وفق مخطط يرمي الى كسب الانصار والاصدقاء رافعا شعار الديمقراطية ورفع مستوى الفقراء الى مستوى الاغنياء)
حدث اول صدام علني بين عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف في اجتماع مجلس الوزراء والسبب هو ترشيح ممثل العراق لدى منظمة الامم المتحدة بعد ان اعلن الممثل السابق عبد المجيد عباس انه يمثل الملك حسين رئيس الاتحاد الهاشمي واعلن عدم اعترافه بحكومة الثورة في العراق حيث رشح عبد السلام الرئيس الاول الركن – رائد- صالح مهدي عماش معاون الملحق العسكري العراقي في واشنطن في حين رشح عبد الكريم قاسم العقيد الركن اسماعيل العارف الملحق العسكري العراقي في واشنطن وكان لكل منهما وجهة نظره في الموضوع.
وكانت الحادثة الثانية التي حصل فيها الاصطدام العلني بين الرجلين هي نقل عبد اللطيف الدراجي من منصب آمر اللواء العشرين الى منصب آمر الكلية العسكرية ، فبعد نقل الدراجي رشح عبد السلام لقيادة اللواء العقيد احمد حسن البكر الذي كان آمرا لاحد افواج ذلك اللواء في حين اصر عبد الكريم قاسم على تعيين العقيد الركن هاشم عبد الجبار الذي كان ايضا آمرا لاحد افواج اللواء والاقدم بين الضباط في اللواء فافضى ذلك الى حدوث خلافات بين الرجلين لم تنته الا بتدخل الضباط القوميين وضغطهم على عبد السلام للتنازل عن رايه حفاظا على وحدة الصف وتم تعيين هاشم عبد الجبار آمرا للواء العشرين .
بعد هاتين الحادثتين شعر عبد السلام ان نجمه بدأ في الافول فاخذ ينشط في استقطاب الضباط القوميين حوله ولكن بعد فوات الاوان لان عبد الكريم نجح في جمع الانصار الذين وجدوا الثغرة المناسبة للنفوذ منها لعلهم يجدون المناصب او في الاقل الاماكن بين الضباط الثوار والتف حول عبد الكريم عدد كبير من امثال هؤلاء الضباط في وقت لم يجد فيه عبد السلام نصيرا له حتى من بين اخوانه الضباط القوميين فهم في احسن الاحوال ان لم يكونوا ضده فقد كانوا على الحياد.
بعد ازدياد شقة الخلاف بين قاسم وعارف راح قاسم يضع الخطط للتخلص من عبد السلام عارف فاصدر في 11 ايلول 1958 مرسوما يقضي باعفاء عارف من منصب نائب القائد العام للقوات المسلحة مبررا ذلك باستياء قادة الفرق من ان نائب القائد العام اقل رتبة عسكرية منهم ، وقد اذيع المرسوم في وقت لم يعرف عبد السلام عارف عنه شيئا ، وكان اعلانه مفاجأة للجميع وعلى هذا فقد رفع ذلك المرسوم الخلاف الى السطح.
حاول عبد السلام عارف ان يتهيأ لحركة خاطفة سريعة واخذ يجمع حوله بعض الضباط ولكن لم يلتفت اليه احد لانكشافه لدى الجميع. اما عبد الكريم قاسم فقد اتخذ خطوة اخرى في 30 ايلول اذ اصدر مرسوما باعفاء عبد السلام عارف من جميع مناصبه وتعيينه سفيرا للعراق في العاصمة الالمانية الغربية انذاك بون. واذيع هذا المرسوم ايضا دون علم احد ثم طبع ووقع من قبل مجلس السيادة ، اذ كان الاعفاء صدمة شديدة لعبد السلام عارف وللقوميين في حين كان انتصارا لعبد الكريم قاسم والشيوعيين.
اصر عبد السلام على عدم السفر الى بون وحاول عبد الكريم وبعض الضباط القوميين امثال رفعت الحاج سري وناظم الطبقجلي وطاهر يحيى وناجي طالب وفؤاد عارف وغيرهم اقناع عبد السلام عارف بضرورة السفر الى بون وبحجة الحفاظ على وحدة الصف ايضا، الا ان عارف اصر على عدم الذهاب وقدم استقالته وقد جرت عدة محاولات بين وعيد ووعود وبين توسلات وتهديدات لكن عبد السلام عارف استمر على اصراره وكان ذلك من حقه.
عبد الكريم قاسم بدوره لم يترك وسيلة الا وسلكها لاقناع عبد السلام بالسفر وابعاده عن العراق وفي يوم 11 تشرين الاول 1958 استمر قاسم اقناع عارف داخل مكتبه بوزارة الدفاع بوجود فؤاد عارف صديق الاثنين من الساعات الاولى من الصباح حتى ساعة متأخرة من الليل يعاونه في ذلك الضباط والوزراء القوميون كافة وفي منتصف ذلك اليوم والازمة على اشدها وحينما ادار عبد الكريم قاسم ظهره ليخرج من الغرفة حاول عبد السلام عارف اشهار مسدسه لاغتياله الا ان فؤاد عارف تمكن من امساك المسدس وانتزاعه من يد عبد السلام الذي اكد انه حاول الانتحار فقال له عبد الكريم – اذا اردت الانتحار لماذا لم تنتحر في بيتك او في اي مكان اخر، هل تريد من الشعب ان يقول انني قتلتك؟-
ثم انتقل الجميع الى غرفة رئيس اركان الجيش احمد صالح العبدي واستمرت الوساطة من الاخرين امثال الدكتور الشواف مدير الامور الطبية انذاك وطاهر يحيى واخرون. وفي مساء ذلك اليوم انفرد قاسم بعارف ولم يعلم احد ما دار بينهما بعد فترة خرج عبد الكريم ونادى على من كان حاضرا وهم محي الدين عبد الحميد قائد الفرقة المدرعة الرابعة وعبد العزيز العقيلي قائد الفرقة الاولى وناظم الطبقجلي قائد الفرقة الثانية وخليل سعيد قائد الفرقة الثالثة اضافة الى السكرتير جاسم كاظم العزاوي والمرافق وصفي طاهر وقال قاسم ان الازمة قد انتهت وان عبد السلام قد وافق على السفر الى بون وتعانقا امام الحاضرين كما قبل الحاضرون عبد السلام فجيء بطعام العشاء واكل الجميع معا لانهم لم يتناولوا شيئا منذ الصباح.
وفي اليوم التالي 12 تشرين الاول غادر عارف متوجها الى بون وكان في وداعه عبد الكريم قاسم وجميع الوزراء وكبار الضباط وتعانق الاثنان عند سلم الطائرة وسافر عبد السلام وانفرجت الازمة ظاهريا ولكنها في حقيقة الامر ازدادت تعقيدا.
خلال فترة اشتداد الصراع بين قاسم وعارف كان عارف يعتمد على العقيد احمد حسن البكر آمر الفوج الاول للواء العشرين الذي يعسكر في بغداد لاحتلال وزارة الدفاع واعتقال عبد الكريم قاسم الا ان سلطات قاسم كشفت المحاولة بوشاية من احد الضباط انتقاما لقتل اخيه الشيوعي من قبل القوميين فابعدت الفوج عن بغداد واعتقلت البكر وعددا من الضباط يوم 16 تشرين الاول اي بعد اربعة ايام من مغادرة عبد السلام الى بون كما اعتقل صالح مهدي عماش وضابطين اخرين.
ولم تكد تمضي ثلاثة اسابيع على سفر عبد السلام حتى عاد الى بغداد مساء يوم 4/11/1958 بناءا على وعد قدمه عبد الكريم قاسم يتلخص في ان يسافر عبد السلام مدة لا تزيد على ثلاثة اسابيع كحل وسط ثم يعود بعدها الى بغداد الا ان عبد السلام قد خدع اذ بمجرد وصول عبد السلام الى بون بعث قاسم ببرقية جاء فيها( ابلغوا عبد السلام عارف بالبقاء حاليا في بون وعدم العودة الى بغداد الا بامرنا) الا لن عارف استقل الطائرة عائدا لى بغداد بعد انتهاء الثلاثة اسابيع واتصل من الطائرة في سماء بغداد لارسال سيارته وترتيب استقباله فعلم الجميع بعودته وهو في الطائرة فاستقبله طاهر يحيى مدير الشرطة العام وفؤاد عارف وجاءا به الى وزارة الدفاع مباشرة بدلا من التوجه الى البيت وفي وزارة الدفاع جرت مناقشة طويلة بين عارف وقاسم الذي خاطب عارف لماذا عدت الى بغداد وقد ارسلت لك برقية للبقاء؟ فرد عارف انك وعدتني بان السفر ثلاثة اسابيع. ثم عرض قاسم على عارف السفر مرة ثانية الى اية جهة يريد فرفض عبد السلام الامر الذي زاد من غضب عبد الكريم عليه وامر بايداعه التوقيف واصدر بيانا اذيع من المذياع ثم جرى تحديد موعد لمحاكمته التي جرت يوم 27 كانون الاول 1958 ووجهت له عدة تهم ابرزها تدبير مؤامرة انقلاب ضد عبد الكريم قاسم والثانية محاولة اغتياله . فقد برىء من الاولى لعدم توفر الادلة ولان الشهود نفوا ذلك .
اما التهمة الثانية فقد ثبتت ضده وحكم عليه بالاعدام مع توصية بتخفيض العقوبة الى الحكم بعشرين عاما . وبقي في السجن ثلاث سنوات وثلاثة اشهر بمصير معلق فالعقوبة لم تصدق ولم تخفض فقد عومل معاملة سيئة اذ لم يسمح له بمقابلة اي شخص حتى اهله وحورب حربا نفسية مريرة
وبخاصة من قبل آمر الانضباط العسكري العقيد عبد الكريم الجدة الذي حاول الانتقام منه فلم يترك وسيلة الا واستخدمها معه امعانا في ايذائه وتشفيا منه واشباعا لحقده الدفين.
حاول عبد الكريم قاسم من وراء محاكمة عبد السلام ان يظهر للراي العام ان عبد السلام لم يكن له دور فاعل في الثورة وانما شانه شان اي ضابط صغير اعطي واجبا فنفذه ، بالرغم ن الشهود من الضباط الاحرار الذين اكدوا في المحكمة على دور عبد السلام عارف في تنظيم الضباط الاحرار وقيادة الثورة ومن هؤلاء كان ناجي طالب وجاسم العزاوي وصبحي عبد الحميد وعبد الستار عبد اللطيف.
كما اراد عبد الكريم قاسم من محاكمة عارف ان يبرهن ان عبد السلام فرض على الضباط فرضا لانهم لم يثقوا به وان عبد الكريم رئيس التنظيم هو الذي اقنع هؤلاء الضباط بانه قد نظم عبد السلام وتكفل به ، وقد افاد القسم الاول من الشهود ومعهم وصفي طاهر بالايجاب في حين نفى القسم الثاني من الشهود ذلك.
لقد اراد قاسم ايضا ان يبرهن على انه صاحب الثورة وقائدها ومفجرها وحده وان الكل قد نفذ ارادته ، فقد كان رايه يتلخص في ان وجود شخصين في القيادة يعود بالضرر على البلاد.
كما ارادت المحكمة بدورها ان تنفي وجود اي شيء في اهداف الثورة يخص الوحدة العربية وان عبد السلام اختلقها لغرض البلبلة وشق الصفوف ، بل ان المحكمة ارادت ان تنفي حتى مجرد بحثها ولو مرة واحدة في اجتماعات اللجنة العليا للضباط الاحرار ، لكنها لم توفق في ذلك كما يقول العزاوي. اذ ان النتيجة جاءت عكسية .
فقد استقال ستة من الوزراء في حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم احتجاجا على سياسته وموالاته للشيوعيين ومعاداته للقوميين والوزراء هم الزعيم ( العميد) الركن ناجي طالب وزير العمل والشؤون الاجتماعية والدكتور عبد الجبار الجومرد وزير الخارجية ومحمد صديق شنشل وزير الارشاد وبابا علي الشيخ محمود وزير المواصلات والدكتور محمد صالح وزير الصحة وفؤاد الركابي وزير الدولة اضافة الى الشيخ محمد مهدي كبة عضو مجلس السيادة.
وعقب قيام حركة 8 شباط/فبراير 1963 اصدر المجلس الوطني لقيادة الثورة البيان رقم 15 الذي تم بموجبه تاليف المجلس الوطني لقيادة الثورة وخوله ممارسة السلطة العليا في الجمهورية العراقية بما فيها السلطة التشريعية وصلاحيات القائد العام للقوات المسلحة وانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة.
واصدر المجلس الوطني لقيادة الثورة البيان رقم 17 في 8شباط/فبراير 1963 الذي تم بموجبه اختيار العقيد عبد السلام عارف رئيسا للجمهورية جاء فيه( استنادا لما جاء في بياننا رقم 15 انتخب المجلس الوطني لقيادة الثورة من بين صفوفه السيد عبد السلام محمد عارف رئيسا للجمهورية حتى انتهاء فترة الانتقال .
كما اصدر المجلس الوطني لقيادة الثورة قرارا برقم 2 تم بموجبه منح العقيد الركن عبد السلام محمد عارف رتبة مشير ركن. جاء فيه( بناءا على ما ابداه العقيد الركن عبد السلام عارف من خدمة جليلة للبلاد والامة العربية في ثورة الرابع عشر من تموز 1958 . ونظرا لما قام به من عمل باهر في ثورة الرابع عشر من رمضان 1382 الموافق للثامن من شباط 1963 فقد قرر المجلس الوطني لقيادة الثورة ما يلي:
اولا- الغاء المرسوم الجمهوري المرقم 274 والمؤرخ 11/9/1958 الخاص باعفاء العقيد الركن عبد السلام محمد عارف من منصب معاون القائد العام للقوات المسلحة في حينه.
ثانيا- منحه رتبة مشير ركن اعتبارا من 8/2/1963 .
ثالثا- اعتبار الفترة الواقعة بين 11/9/1958 و 8/2/1963 خدمة له لغرض احكام قانون خدمة الضباط وقانون التقاعد العسكري.
359 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع