الصحفيون العراقيون وكتابة التاريخ

   

       الصحفيون العراقيون وكتابة التاريخ

  

     

          

من المؤكد أن الصحفيين العراقيين ليسوا وحدهم من كتب في التاريخ.. أو لنقل  كتبوا على هوامش التاريخ . فثمة صحفيون عرب وأجانب ولجوا هذا الميدان ، وأبدعوا ، وقدموا شهادات مفيدة للتاريخ ، بحكم معرفتهم ، وتجاربهم مع الاحداث ، وصناعها عبر سنوات طويلة .

ومن الصحفيين العراقيين الذين كتبوا في التاريخ وهوامشه : الاستاذ أحمد فوزي ،  والاستاذ محسن حسين ، والاستاذ محمود شبيب،  والاستاذ عبد القادر البراك ، والاستاذ فيصل حسون،  والاستاذ حسن العلوي ، والاستاذ فائق بطي ،والاستاذ زيد الحلي ، والاستاذ صبري الربيعي وغيرهم .
يقينا ان هؤلاء وامثالهم ، لم يدعوا أنهم مؤرخين ، ولم يقولوا  انهم يكتبون تاريخا . وكلهم أكدوا ان ما كتبوه ، ليس إلا شهادات أمام محكمة التاريخ . وانا اقول ان ما كتبوه يعد مادة خام لمن يروم كتابة التاريخ أو لنقل من مراجع التاريخ ومصادره التي ينبغي ان لاتترك بأي حال من الاحوال بل تؤخذ وتدرس وتحلل وتقارن مع غيرها من المصادر والمراجع ولاسيما الوثائق والصحف .
أكتب هذا وأمامي كتاب الاستاذ فيصل حسون الصحفي العراقي المخضرم الموسوم :" شهادات في هوامش التاريخ " والذي نشرته (دار الوراق للنشر )في بيروت سنة 2001 وقدم له  الكاتب والدبلوماسي العراقي الشهير الاستاذ نجدت فتحي صفوت .وفي هذه الشهادات يغطي فترة مهمة من تاريخ العراق المعاصر تنحصر بين سنة 1930 حين وقع نوري السعيد معاهدة 1930 مع بريطانيا الى سنة 1967 عندما واجه العرب الهزيمة أمام الكيان الصهيوني في حرب الايام الستة 5 حزيران 1967 .
وتكاد كتابات الصحفيين العراقيين الذين ذكرنا اسماؤهم ومنهم احمد فوزي وعبد القادر البراك  وحسن العلوي وزيد الحلي وصبري الربيعي وفيصل حسون تتشابه في أنها تتميز  بالخلو من القيود البحثية الاكاديمية الصارمة ، وتنساب طبيعية في عقل ووجدان القارئ بسبب طرافتها  وغنى معلوماتها  ، ورقة اسلوبها  وجماليته . ومن هنا فإن الايدي سرعان ما تتلاقفها ، وتسعد عند قراءتها ، وتفيد منها خاصة وانها تكشف  خبايا وخفايا واسرار وأمورا لايتطرق اليها المؤرخ الاكاديمي ولايجدها في أي مصدر أو مستند تاريخي او وثيقة رسمية .
إن ما يذكره الصحفيون الذين يكتبون في التاريخ جديد ، وطريف وهو انعكاس لاهتماماتهم ، وتجاربهم في اقتناص الاخبار والحرص على القاء حزمة من الضوء عليها وتكبيرها بما يساعد على فهمها وادراك مكنوناتها ووضعها في مكانها وسياقها التاريخي المعتاد وتلك فضيلة وميزة تسجل للكتب التي يصدرها الصحفيون .

                      

الاستاذ نجدت فتحي صفوت ذهب المذهب نفسه الذي أذهب اليه انا في حديثي عن شهادات الصحفيين عن الاحداث التي عايشوها  بقوله ان ما كتبوه يعد " شهادات تحتوي مادة دسمة تغني تاريخ العراق السياسي الحديث وتضيف مصدرا جديدا ومهما الى مصادره " .
والاستاذ فيصل حسون  مثلا وهو يكتب  شهاداته  يعرف بأنه ليس من صناع القرار السياسي لكنه كان شاهدا على الاحداث التي مر بها العراق خلال ال50 سنة الماضية . ويقينا ان من بين ما كتبه ( هو  وزملاءه الصحفيين العراقيين ) يستند الى اوراقه وذكرياته وملاحظاته  لذلك يشكل مادة خصبة سوف يستعين بها المؤرخ في قابل الايام عندما يتصدى لكتابة تاريخ العراق واتصاله بمحيطه العربي والاقليمي والدولي .
الاستاذ فيصل حسون مثلا من الصحفيين العراقيين البارزين وكذلك الاستاذ احمد فوزي والاستاذ عبد القادر البراك  والاستاذ محسن حسين والاستاذ فائق بطي والاستاذ زيد الحلي والاستاذ صبري الربيعي وغيرهم ممن كتب شهاداته في هوامش التاريخ هؤلاء صحفيون قضوا عمرهم في عالم الصحافة ،ومهروا حياتهم العملية ، وسني شبابهم وكهولتهم وشيخوختهم حتى اصبح حبر المطابع يجري في عروقهم،  ونكهة ورق الجرائد ينعش  انوفهم .تولى بعضهم مناصب صحفية من قبيل مدير التحرير ، ورئيس التحرير بل وتولى بعضهم رئاسة نقابة الصحفيين لسنوات ، واحتكوا برجال الحكم وسافروا معهم ، ورافقوهم في زياراتهم الرسمية وعرفوا ما كان يدور في كواليس اجتماعاتهم ، واكتووا بنارهم ، وفصلوا من أعمالهم ، والقي بهم في السجون والمعتقلات .
لم يكونوا جالسين على ريش نعام ، وفي الغرف المكيفة ، ولم يكونوا يسيرون على ما يقوله اخواننا في مصر (جنب الحيط ) ، بل كانوا يجهرون بكلمة الحق ، ويؤدون أمانة الكلمة ، ويحافظون على قدسيتها بجد ، ونزاهة ، وصبر ، وكبرياء .
وأية مراجعة لسيرهم،  تكشف لنا كم كابدوا ، وعانوا في مهنة المتاعب هذه .. وكم كان دورهم ناصعا متقدما في بلاط صاحبة الجلالة هذه .التزموا بالخط الفكري  والسياسي الذي انتهجوه ، وتفرقت بينهم السبل واعتنقوا من المبادئ ما كان في اعتقادهم يهدف الى الاستقلال والسيادة والحرية والكرامة .... كانوا يمثلون تيارات الفكر السياسي التي عرفها العراق في تاريخه المعاصر ، واختلفوا مع بعضهم الا انهم ظلوا حريصين على ان يقولوا كلمتهم الطيبة الصادقة النزيهة .
كان بعضهم على صلة بأحزاب العراق فيما بعد تشكيل الدولة العراقية .. وارتبط البعض الاخر بأحزاب الثلاثينات من القرن الماضي ، ومنهم من كان على صلة بأحزاب الخمسينات والستينات واقصد الاحزاب البرلمانية والاحزاب العقائدية ، وما انفكوا يحرصون على ان يكونوا لسان حال ما يرون انه في صالح بلدهم وأمته ... إجتهدوا فأصابوا ، وأخطأوا واصابوا وكان لهم فضل الاجتهاد ، ولاتثريب عليهم .. أنا شخصيا اعتز بكل صحفي حمل رسالة ، واعتنق مبدأ وعمل من اجله لكني أحتقر الصحفي الذي كان لعبة بيد الاجنبي ، وأداة من ادوات التخريب .. آكلا للسحت الحرام ، فما ذاك بالصحفي بل الالوعبة،  والدمية والقره قوز الذي يردد ما يقال له ، ويعزف على نغمة من دفع له .

     

إقرأوا سير الصحفيين الذين كتبوا  شهادتهم ، وجمعوا مقالاتهم ، وقدموا ما لديهم من تجارب.. إقرأوا سير كل من الاستاذ احمد فوزي والاستاذ عبد القادر البراك والاستاذ حسن العلوي والاستاذ محسن حسين والاستاذ فائق بطي والاستاذ زيد الحلي والاستاذ صبري الربيعي ، تجدون بأنها غنية ، وتعكس ثقافة راقية ، واطلاع جم على ما يدور حولهم  .. ولا أقول  أنني اتفق مع كل ما كتبوه في الرأي ولكني اقول انني اقدر جهدهم ، واثني على محاولاتهم ومبادراتهم ، وأعرف معرفة يقينية،  أنهم كانوا مدفوعين بأخلاصهم ، وجدهم ، وتعبيرا عن رسالة مهنية ووطنية وقومية وانسانية .
قد يسأل سائل ، وما هي الموضوعات التي تطرق اليها الصحفيون العراقيون في شهادتهم ؟  واجيب فأقول انها كثيرة منها على سبيل المثال : " نوري السعيد في الميزان " و" القوى القومية في العراق وثورة 23 تموز –يوليو 1952 في مصر " و" اللقاء الوحيد بين نوري السعيد وعبد الناصر " و" أسرار لم تنشر عن حركة 18 تشرين 1963 " ، و"أزمة بين العراق والبحرين " ، و" هكذا كانت تؤلف الوزارات وهكذا كانت تقال " ، و" لماذا نزعت الجنسية العراقية عام 1941 عن ساطع الحصري ؟ وكيف اعيدت اليه ؟ "،  و" فائق  السامرائي ومحمد مهدي كبة وعدنان الراوي من الشخصيات القومية في العراق " ، و" صراع الجواسيس في العراق " ، و" اشهر الاغتيالات السياسية في العراق " ، و" جريدة الجريدة وصراعها مع السلطة " ، و"  قاسم والكويت " ، و"ليلة سقوط الملكية في العراق 13 تموز 1958 " و" الانقلاب الخائب ..قصة عارف عبد الرزاق " ، و" كيف اصيب صالح جبر بنوبة قلبية اودت بحياته وهو يلقي كلمته في مجلس الاعيان 1957 ؟ " ، و"عبد الكريم قاسم في ساعاته الاخيرة " ، و" قضية اتهام مزاحم الباجه جي بالتشهير بالملك " ، و" لماذا اختاروا الشيخ محمد رضا الشبيبي لمجلس الاعيان ؟ " ، و" أسرار وخفايا في رسائل انستاس الكرملي مع علماء عصره " ، و" تأسيس  أول حزب فاشستي في العراق " ، و" سيرة الملك غازي منذ اعتلائه العرش حتى مصرعه " ، و"الجبهة الشعبية في العراق اكبر تجمع سياسي زاول المعارضة تحت قبة البرلمان " ، و" من خفايا الكواليس السياسية في العهد الملكي "،  و"قصة تعديل الدستور بين مجلسي النواب والاعيان " ، و" صفحات مطوية عن استقالات وزراء ونواب الحكم الملكي " ، و" حبزبوز في تاريخ صحافة الهزل في العراق " ، و"كيف شرع القانون المدني في العراق " و" 12 رئيس وزراء في العراق " ، و"قاسم والاكراد " و" الشيعة وعبد الكريم قاسم " ، و"تمذهب الثقافة العراقية " ، و"فتوى تحريم الشيوعية " و" لماذا انتخب الشريف شرف وصيا " و" لماذا سافر الامير عبد الاله الى باريس سنة 1954 ؟ " و" لماذا هاجم عبد الناصر ميثاق بغداد سنة 1955 " و" مناقشة اضراب عمال نفط البصرة ف مجلس النواب 1953 " و"ماذا نشرت الصحف العراقية في آخر يوم في العهد الملكي ؟" و"فيضان دجلة سنة 1954 " و" موقف القوى الوطنية من تأميم النفط " و" يوميات وثبة كانون الثاني 1948 " و"من كتب كراس الى الحليفة الغضبى من معمر العدواني(كتبه الاستاذ  مصطفى علي  ونشره  قاسم الرجب في القاهرة وسربه الى العراق سرا  ومصطفى علي اول وزير للعدل بعد ثورة 14 تموز 1958 ) 1948 ؟ "  .....الخ من الموضوعات المهمة والخطيرة والحساسة احيانا في تاريخ العراق المعاصر .
رحم الله من غادرنا منهم ، واطال عمر من بقي .. وتمنياتي لهم بالبركة والعافية والسعادة والعمر المديد.تحية لصحفيينا الشرفاء .. تحية لهم وهم لايتوانون عن تقديم ما يفيد ،وشعارهم الدائم هو :"خير الناس من نفع الناس ".. أجل "خير الناس من نفع الناس " .

     

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

2130 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع