يهود عراقيون يروون ذكريات "مخيفة" ويطالبون باسترداد جنسيتهم: أسهمنا ببناء الدولة
رووداو ديجيتال:كلما تلتقي بعراقيين يهود، نساء او رجال، في المدن الاوربية، خاصة لندن، تجدهم يتحدثون بحنين مؤثث بالدموع عن بغداد وذكرياتهم هناك، وعندما تدخل الى بيوتهم ستشاهد صورهم مع عوائلهم وجيرانهم وفي مناسبات اعراسهم ومقاهيهم، في بغداد، اضافة الى صور شارع الرشيد والبتاويين وشارع ابو نؤاس وشارع النهر والسعدون والكرادة.
صور عن بغداد التي ولدوا بها هم وآبائهم واجدادهم، عن بغدادهم التي كانت مزدهرة في جميع الجوانب الحياتية، وليست بغداد اليوم التي تعتبر حسب المنظمات الدولية الموثوقة "أسوأ مدينة للعيش في العالم".
أقول بغدادهم لان اليهود كانوا قد بنوا أول: مدرسة، مصرف، مستشفى، مكتبة، ملجأ ايتام للاطفال المسلمين، وجددوا في العمارة البغدادية، حيث ما تزال دورهم وابنيتهم ومعابدهم قائمة والتي يعاني الاهمال، وهم أسسوا اول فرقة موسيقية (الجالغي البغدادي)، ولا تستغرب عندما تستمع من يهودي عراقي تجاوز الثمانين من عمره، وهو يقيم في لندن، عندما يحدد لك مناطق بغداد زقاقاً إثر آخر، وكأنه يتمشى معك الان في عكد اليهود والنصارى والعمار وباب الآغا في شارع الرشيد، فهذه خرائط موشومة في ذاكرتهم ولن تغادرهم رغم الزمن ورغم ما عانوه من جحود وظلم الحكومات والغوغاء الذين نهبوا املاكهم بحوادث (الفرهود) سيئة الصيت، التي استهدفت اليهود ببغداد، خلال احتفالهم بعيد (الشفوعوت) اليهودي، وراح ضحيتها حوالي 175 قتيلاً وألف جريح يهودي، ودُمِّرَ 900 منزل تابع لليهود.
أسرة يهودية عراقية
هذه المذابح أرهبت يهود العراق، وتركت في نفوسهم أثراً عميقاً، وساعدت على سرعة هجرتهم إلى إسرائيل، حيث هاجر من العراق أكثر من 80% منهم.
وهنا لا يسعنا المجال للكتابة عن تاريخ وانجازات يهود العراق الذين يصرون على انتمائهم وعراقيتهم بالرغم من انهم يعيشون منذ سنوات طويلة في اسرائيل وبريطانيا والولايات المتحدة ودول اوربية اخرى ويحملون جنسيات هذه البلدان.
المطالبة بالجنسية
لقد اسقط القانون رقم 5 لسنة 1951 الجنسية العراقية عن اليهود الذين غادروا العراق سواء بطريقة شرعية او رسمية، ونص القانون على "كل يهودي عراقي اكتسب الجنسية الاجنبية من تاريخ نفاذ القانون رقم 5 لسنة 1951 تسقط عنه الجنسية العراقية اعتباراً من تاريخ اكتسابه الجنسية الاجنبية، وتجمد امواله وتطبق بحقه احكام القانون المذكور والانظمة الصادرة أو التي تصدر بموجبه"، مع ان الحكومة العراقية وقتذاك كانت على علم بالضغوط التي تعرض لها اليهود التي اجبرت غالبيتهم على الهجرة القسرية، ثم صدر التشريع رقم 12 بتاريخ 22/3/1951، والذي نص على ان "تجمد من تاريخ نفاذ هذا القانون اموال اليهود العراقيين الذين غادروا العراق بجواز سفر. اعتبارا من اليوم الاول من سنة 1948 وتطبق عليها احكام القانون رقم 5 لسنة 1951 والانظمة الصادرة او التي تصدر بموجبه".
ويعتبر غالبية من يهود العراق موضوع استرداد الجنسية العراقية حقاً مشروعاً لهم، كما يؤكد اليهودي العراقي أدوين شكر، المقيم في لندن، في رسالة بعثها مؤخرا الى رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وحصلت رووداو على نسخة منها، والتي جاء فيها "استبشرنا خيرا بدعوتك الأخيرة الى مختلف الطوائف العراقية الاصيلة للعودة الى العراق والمساعدة في اعادة بناء البلاد، هذه دعوة اثلجت صدورنا، ولاسيما العرض الذي قدمته للمكون المسيحي الذي سميته بشكل خاص. لكن مرة اخرى، هل يحق لنا ان نسأل لماذا كان من الصعب ذكر واحدة من اقدم الطوائف الدينية التي كرمت ارض بلاد ما بين النهرين المقدسة بوجودها لأكثر من 2600 عام، الا وهي الطائفة اليهودية".
أسرة يهودية عراقية
واضاف شكر، الذي وقع رسالته باسم (المواطن العراقي) مخاطبا الكاظمي "لقد عانت طائفتنا من جميع الوان الظلم والحرمان في وطنها الأم، لكن من دون ان يثلم ذلك احساسها بعمق هويتها والتزامها بذاكرة ألفية، نشأت ونمت مع نمو هذا الوطن الذي نسميه الان: العراق"، متسائلا: "هل يعقل مع عظمة هذا الاحساس ان نحرم من حقنا الاساسي في استعادة الجنسية وحماية رموزه الدينية المقدسة التي هي رموز جميع الاديان السماوية، بما فيها الاسلام؟".
ذكريات ومعاناة
بالرغم من حنينهم وذكرياتهم، الا ان بعض اليهود العراقيين في الخارج مازالوا يعانون من هذه الذاكرة ومن سوء المعاملة التي لاقوها من الحكومة العراقية وقتذاك.
نيران سليم بصوون تركت العراق مع عائلتها عام 1973، تقول لشبكة رووداو الاعلامية: "تركت العراق بعد ان خرج اغلبية اليهود بعد الهجرة الجماعية القسرية في بداية الخمسينيات من القرن الماضي"، معللة اسباب تركهم للعراق: "كنا مراقبين على مدار الساعة، حيث عشنا فترة مخيفة خاصة بعد اعدام 9 من اليهود وتعليق جثثهم في ساحة التحرير في 27 كانون الاول عام 1969 وقُتل عدد آخر جراء التعذيب في السجون واختُطف عدد آخر من ضمنهم نساء ولا نعرف حتى مواقع دفنهم".
نيران، مقيمة في لندن، لكنها زارت اربيل في عام 2013 عندما دعيت للإشتراك في مؤتمر اصدقاء برطلة عن التغيير الديمغرافي في سهل نينوى ولكن مع الاسف لم ازر بغداد التي ولدت وترعرعت فيها".
أسرة يهودية عراقية
نيران تشبه اي امرأة عراقية اخرى في عاداتها وتقاليدها وتواصلها مع العراقيين، وتضيف: "انا مصرة على استرداد جنسيتي العراقية التي سُحبت مني عنوة فقط لأني يهودية. ديني لن يغير الواقع بأني واجدادي ولدنا في العراق فلماذا هذه العنصرية في حين الكثير من العراقيين، غير اليهود، الذين غادروا العراق هجرة او تهجيرا لم تسقط عنهم جنسيتهم العراقية، بل ان من أسقطت عنه جنسيته خلال الانظمة السابقة منحه الدستور الحالي الحق بإسترداد الجنسية، ونفس الدستور يستثني (اليهود من هذا الحق)"، منبهة الى ان "استرداد الجنسية العراقية هو حق لأولادي واحفادي ايضاً وليس لي فقط".
وأعربت نيران عن اسفها وشعورها بـ"الظلم لأني ابعدت عن العراق بسبب القوانين التعسفية والاضطهاد والعنصرية ضد مكون عاش في العراق اكثر من 2500 سنة وربما هو اقدم مكون ساهم بكل حماس ووطنية في بناء بلاد الرافدين منذ زمن البابليين والى تأسيس الدولة العراقية ولا تزال اسهاماتهم قائمة الى يومنا هذا".
وبالرغم من ان نيران لا تعتقد بامكانية عودة اليهود الى العراق اليوم، الا انها تقول: "اعتقد لو استقرت الامور واستطاع يهود العراق زيارة العراق بكل حرية فأرى من الممكن ان يقتني احدهم بيتاً او ملكاً او يستثمر في مشروع ما، او يقيم مشروعاً في العراق كما يحدث مع بقية العراقيين المقيمين في الخارج".
نيران تعمل على مشروع هو توثيق حياة اليهود العراقيين وذكرياتهم عن الاماكن او المدن التي عاشوا فيها في العراق"، وتوضح: "اشعر ان هذا المشروع مهم جدا بما ان اغلبية هؤلاء الاشخاص هم الان كبار في السن فيجب العمل على توثيقهم بأسرع وقت ممكن".
وتختتم حديثها بالقول إنه "مع الاسف كل الحكومات العراقية ظلمت اليهود بدرجات مختلفة، تأملنا جميعا ان تتغير الامور بعد عام 2003 ولكن مع الاسف خاب ظننا".
أما أميل كوهين، اليهودي العراقي المقيم في لندن، تحدث لشبكة رووداو الاعلامية بالقول: "تركت العراق سنة 1959 لغرض الدراسة في انكلترا، وعدت لزيارة بغداد سنة 1961 لمدة شهر، ثم عدت لاكمال دراستي في لندن، لكن الحكومة العراقية سحبت مني جنسيتي العراقية خلال دراستي في الخارج مع اني خرجت بصورة رسمية، مما اضطرني لطلب اللجوء في المملكة المتحدة وحصلت على الجنسية البريطانية عام 1973".
يتحدث بمرارة عن عائلته التي بقيت في العراق حتى عام 1970 لانها رفضت الهجرة من بلدها، العراق، وعاشت في سنواتها الاخيرة هناك معاناة قاسية بسبب قرارات مصادرة الاموال والتضييق الامني، ما اضطرها الى الفرار لايران ومنها الى بريطانيا بدون مال، وبدأوا حياة الغربة التي لم يألفوها سابقا وهم كبار السن ولاقوا صعوبات عديدة في بريطانيا وبالأخص التكيف للمجتمع البريطاني و"العمل المهين".
كوهين، أشار الى انه زار اربيل سنة 2013 لحضور مؤتمر عن العراق وبقي لمدة اسبوع، "حيث شعرت بالامان هناك".
أما حول استرداد الجنسية العراقية الان، فيوضح أن "الجنسية العراقية حق مشروع لنا مع انه موضوع رمزي اكثر منه عملي، وأهم ما يعنيني هو اني عراقي ولا احتاج أوراقا لاثبات ذلك".
ويضيف كوهين: "أشعر أن الحكومات العراقية اجحفت بحقي وحق عائلتي وجردتني من جنسيتي بدون سبب، ولكن الاكثر قسوة من هذا انها عاملت العائلة بظلم واضطهاد بدون اية اسباب"، معرباً عن اعتقاده بـ"عدم عودة أي يهودي عراقي الى العراق".
وأردف أنه "في حالة الاستقرار والأمان يجوز أن يرجع البعض للزيارة لأن لديهم حنيناً قوياً ورغبة شديدة لاستعادة ذكرى الزمن الجميل".
كوهين المنحدر مع عائلته من محافظة البصرة، التي كانت تضم اعداداً كبيرة من اليهود الى بغداد، ثم لندن، عمل لفترة طويلة في انكلترا على احياء التواصل بين العراقيين والموسيقى والغناء العراقي باعتباره متعهداً للحفلات، يضيف: "استضفنا فنانين ومطربين وموسيقيين عراقيين يجسدون التراث الغنائي الاصيل كقراء المقام والاغاني البغدادية لنستعيد من خلالها ذكرياتنا الجميلة، ونلتقي هنا كعراقيين بغض النظر عن الدين والقومية، لكنني توقفت عن هذا النشاط، كما انحسرت نشاطاتنا في الطائفة اليهودية العراقية بسبب جائحة كورونا".
"أنا عراقية"
لندا منوحين، المقيمة حاليا في تل أبيب، هربت من العراق عام 1970 بعد ان ادركت انهم "رهائن" بأيدي الحكومة العراقية، وبعد ان رفضوا منحهم جوازات سفر للمغادرة، توضح: "هربنا انا وأخي الى ايران، ومنها الى اسرائيل، وتم القاء القبض على والدي المحامي يعقوب عبد العزيز لمرات عدة واخيرا تم تغييبه ولا نعرف مصيره مع انه كان محبا ومخلصا لوطنه العراق".
عن اسباب هروبهم من العراق، تقول لندا لشبكة رووداو الاعلامية: "بعد اعدام 9 من اليهود الابرياء وتعليق جثثهم في ساحة التحرير في 27 كانون الثاني عام 1969 وذلك ضمن حملة شرسة ذهب ضحيتها العشرت من اليهود العراقيين بتهم ملفقة وتحويلهم الى كبش فداء لترهيب العراقيين، وللاسف هذا الاسلوب تجذر في العراق".
تصر لندا على "استرداد جنسيتي العراقية اسوة بكل العراقيين الذين اضطروا للهروب من بطش حزب البعث، ومنحهم الدستور العراقي هذا الحق لكنه استثنى يهود العراق بغير حق"، مشيرة الى ان "موضوع استعادة الجنسية العراقية حق مشروع لنا وأستمده من الحضور اليهودي في بلاد الرافدين منذ السبي البابلي قبل ما يزيد عن 2700 عام، وليس منة علينا، ناهيك عن المساهمات الحقيقية في بناء العراق الحديث التي قدمها اليهود لوطنهم".
وتعرب لندا عن اعتقادها بأن "اعادة الجنسية ليهود العراق تخدم بالدرجة الاولى العراق في وقت يكثر فيه الحديث عن الهوية العراقية الشمولية التي تعكس كل مكونات البلد وخاصة السكان الاصليين. اذا نظرت الى المغرب بلد التسامح تجد ان هذا النهج كان متبعا حتى قبل استئناف العلاقات بين اسرائيل والمغرب، كما ان المولود في المغرب وبضمنهم اليهودي يعتبر مغربياً مدى الحياة حتى لو تجنس في بلد آخر".
يهود عراقيون
واشارت الى امكانية "عودة الشباب او الاجيال الجديدة من يهود العراق الى بلدهم بعد ان تستقر الاوضاع الامنية أسوة بتجارب يهود اوربا وحكوماتها بعد الهولوكوست، وحتى عودة اليهود للسكن في البلدان التي قامت بتصفية ابائهم واجدادهم باعتبار انه جيل جديد وامكانية فتح صفحة جديدة هو امر وارد".
واعربت لندا عن اسفها لعدم امكانيتها زيارة العراق "ففي عام 2010 حاولت الادلاء بصوتي في الانتخابات التشريعية في عمان، لكن المحاولة انتهت بتوقيفي".
"الجنسية حق دستوري لليهود"
الخبير القانوني طارق حرب أكد لشبكة رووداو الاعلامية ان "الدستور العراقي منح الحق لكل العراقيين، بضمنهم اليهود، باسترداد جنسيتهم العراقية، لكن قانون الجنسية العراقية رقم 26 لسنة 2005 نص على عدم منح الجنسية لليهود العراقيين"، مشيرا الى ان "هذا القانون باطل كونه يتعارض مع احكام الدستور العراقي".
ونبه حرب الى أنه "لم يتقدم اي شخص الى المحكمة العليا لابطال القانون رقم 26 لسنة 2005، وبامكان اليهود العراقيين توكيل اي محام لحسم هذا الموضوع لصالحهم وهي قضية مضمونة لانها دستورية".
يذكر ان اليهود كانوا يشكلون 2.6% من مجموع سكان العراق في عام 1947 وانخفضت نسبتهم إلى حوالي 0.1% عام 1951.
ويبلغ عدد من تبقى من اليهود في العراق 4 أشخاص، احدهم يسكن في اربيل، بعد وفاة الطبيب ظافر فؤاد إلياهو الذي لقب بـ"طبيب الفقراء"، وهو واحد من آخر اليهود العراقيين الذين كان مايزال مقيما في بلاده بعد ان رفض عروضا للهجرة خارج العراق، وتم دفنه في مقبرة الحبيبية، أكبر مقبرة لليهود في العراق، والتي تقع شرقي بغداد، ويحرسها رجل مسلم، يعتني بالمدافن وبزوارها النادرين.
ويوضح (حازم.م) الباحث بالشأن اليهودي، وهو على تواصل مع يهود العراق في اوربا، لشبكة رووداو الاعلامية ان "غالبية املاك اليهود، باستثناء املاك الطائفة، اما تمت مصادرتها او اهملت تماما"، مشيراً الى ان "بيت ساسون حسقيل، وزير المالية تعرض للاستيلاء والتخريب، وكان يضم ثلاثة قبور، ساسون وشقيقتيه نعيمة وصالحة، حيث تم تخريب القبور ورمي الشواهد في نهر دجلة".
631 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع