"الصابئة المندائية عراقيون، منهم العلماء.. والشعراء والمهنيين والصاغة، كيف كانوا واين اصبحوا!؟"
من المتعارف عليه أن الحضارات الأولى لم تنشأ في كل أنحاء الأرض في وقت واحد، بل أخذ المد الحضاري يمتد شيئاً فشيئاً من جزيرة العرب مهد آدم وحواء إلى المناطق القريبة المجاورة لها، فنشأت في بلاد الرافدين والشام ومصر بواكير الحضارات الإنسانية الأولى، كما يعد فضاء بلاد الجزيرة العربية ومابين النهرين والشام ومصر مهد التوحيد و مهبط الوحي و ارض الانبياء، وهو ما افرز زخما دينيا اسس لحضارات عظيمة نشأت على انقاض الحضارات القديمة و تمثلت اساسا في الحضارة العربية الاسلامية و الحضارة الغربية المسيحية، لذلك ليس من الغريب أن نجد جميع الكتب السماوية تسجل أحداثها على هذه الرقعة الجغرافية.
بلاد الرافدين ومنها بدأ التاريخ بكل اوجهه، فتاريخ بلاد الرافدين هو تاريخ الحضارة الإنسانية، وهي تلك الأرض الواقعة بين نهري دجلة والفرات، التي اطلقت ألأنوار في بنية الحضارة الرافديني، حيث أبدع الإنسان الرافيديني وقدم حضارة عريقة سبقت حضارات شعوب العالم، بلاد الزقورات، والجنائن المعلقة، والكتابة المسمارية، وشرائع تعود إلى العهد السّومري، منها شرائع أورنمو، شرائع أشنونا، وشريعة حمورابي، فانطلقت وازدهرت فيها أهم العلوم.
يُعرف الباحثون مصطلح "ديانة بلاد ما بين النهرين" بأنها المعتقدات والممارسات الدينية التي كان يؤمن بها كل الأقوام التي سكنت العراق وبابل قديمًا، من السومريين والأكاديين الساميين الشرقيين والأشوريين والبابليين، ومن ثم آمن بها المهاجرون الآراميون والكلدان الذين كانوا يعيشون في بلاد ما بين النهرين التي كانت تحكم المنطقة لمدة 4200 سنة، منذ الألفية الرابعة قبل الميلاد في جميع أنحاء بلاد ما بين النهرين وحتى القرن العاشر تقريبًا بعد الميلاد في آشور.
أرض العراق وبعث فيها الانبياء: يونس، ابراهيم، نوح، وادريس، وفيها عرفت الانسانية في تاريخها شخصية دينية يعتز بها الصابئة المندائية واليهود والمسيحيون والمسلمون، مثل شخصية النبي ابراهيم "ابراهام" من اور في بلاد الرافدين، ومع أختيار الله تعالى لأبراهيم وجعله نبيا لأبناء قومه في بلاد الرافدين، كان افرازا لمعطيات واقع متطور يحمل في ثناياه افكار عظيمة لشعب واع مبدع ومبتكر، النبي ابراهيم الأنسان ثمرة جهد حضاري كبير تأسس على تأملات وتصورات وتخمينات نضجت في ذهنه وقلبه وروحه في بيئة رافدينية عراقية، تلك البيئة التي اختارها الله تعالى لتكون وعاءا لدعوة ابراهيم القادم من أصول سومرية والذي عاش في حياة بابلية حاملا رسالة السماء للأنسانية.
المندائية جماعة عرقية دينية، وتعد المندائية أقدم ديانة موحدة عرفتها البشرية،
هناك بعض المستشرقين الأوروبيين في القرن التاسع عشر، ومن بينهم الألمان، يعتقدون بأن أصل الصابئة هو المشرق، إذ رأوا أن كثيراً من الأمور يمكن تفسيرها من خلال الأصول البابلية. ولاحقاً، بعد ترجمة ليدزبارسكي للنصوص المندائية الى اللغة الألمانية، تغيّر رأي المستشرقين وعلماء الأديان والمؤرخين. فهناك مؤشرات في النصوص المندائية تقول انهم قدموا من الغرب، أي فلسطين وسورية، لأن هناك نصوصاً تشير الى أن المندائيين الأوائل تعرضوا لاضطهاد اليهود، الأرثوذوكس منهم على وجه الخصوص ومن قبل الحكام الرومان، وهاجروا من فلسطين إلى العراق بعد وفاة النبي يحيي بسبعين عاماً؛ أي عام 30 ميلادية، وقطنوا على ضفاف دجلة والفرات ومناطق الأهوار وشط العرب ونهر الكارون في الاحواز، ويكثرون في مدن العمارة بعد بناء المعابد فيها، والناصرية والبصرة، وقلعة صالح، والحلفاية، والزكية، وسوق الشيوخ، والقرنة، ، ربما في رحلة استغرقت نحو 100 عام وبدأت في القرن الأول الميلادي قبل أن يصلوا الى جنوبي وادي الرافدين في القرن الثاني، اما المندائيان المعروفان نعيم بدوي وغضبان الرومي يؤكدان:
صلة قومهما بالعراق القديم بالقول: الصابئين طائفة عراقية قبل ان تكون اي شيءاخر، كما تشير طقوسها " صلة الحاضر بالماضي البابلي والاكدي والنبطي في العراق. ونحيل من جعل لفظة الاردن او يردنا دليلا على نزوح الصابئة من جهة فلسطين الى معنى الكلمة المذكورة، وبالتأكيد قد يكون هناك أفراد من بابل أو جنوب وادي الرافدين ممن اعتنقوا المندائية، لكن لا بد أنه كان هناك أشخاص آخرون على معرفة بالطقوس والتعميد قدموا من الغرب، ومن المحتمل أن يكون أمر الهجرة ابتكر لاحقاً، اذاً فالمندائية وجدت وتواجدت في بلاد الرافدين في وسط وجنوب وادي الرافدين قبل ظهور المسيحية، تاريخها هو جزء من دراسة تاريخ العراق الموحل بالقدم، هم الذين عاصروا هذه الحضارة وساهموا في أنشائها، وتحديدا جنوب العراق في اور والعمارة والمناطق المحيطة بها من الاهوار والانهار، ويطلق عليهم في اللهجة العراقية "الصبّة" كما يسمون، وكلمة الصابئة مشتقة من الجذر (صبا) والذي يعني باللغة المندائية اصطبغ، غط أو غطس في الماء (أقرب إلى معنى المعمودية في الديانة المسيحية)، وهي من أهم شعائرهم الدينية وبذلك يكون معنى الصابئة أي المصطبغين بنور الحق والتوحيد والإيمان، هناك بوذية متداولة على نطاق واسع:
صبي يا دموع العين صبي...على الخشب الطلع من بيت صبي
عفت دين الاسلام وصرت صبي... وصرت خادم انا لشميد هيًة
اما هم فيقولون نحن مندائيون.
«المندائيين» وهي لفظة آرامية مشتقة من الجذر الآرامي «مندع»، بمعنى «عرف»، فهم «أهل المعرفة»، العِرفانيون، الكتاب المقدس الأهم عند المندائيين هو "كنزا ربّا" أي "الكتاب العظيم". ويحتوي على صحف الأنبياء الذين يؤمنون بهم كآدم وشيت وإدريس ويحيى، هناك أيضا كتب أخرى أقل أهمية.
هي ديانة توحيدية غير تبشيرية، فالخلق عندهم معروف، وهو أن الخالق (الله) سبحانه وتعالى، يبعث بالنفس وهي مكرهة للهبوط لتستقر بجسد الإنسان الذي خلقته قوى الظلام، ثم لا تلبث تتحرر منه عند سكون هذا الجسد راجعة إلى خالقها، وهي لا تؤمن بدخول أحد إليها، وتحرم الزواج من خارج الديانة، من بين طقوسها الصلاة، والصوم، والصدقة، والتعميد وهو أحد أهم أركان هذه الديانة، يقدسون الماء الجاري ويعتبرونه رمزاً للحياة، ولا يجوز العماد إلا فيه، اذ أن المياه الجارية محروسة من قبل الأرواح الخيرة النورانية، فالمياه الجارية تمثل الخير بينما الشر هو الظلام والمياه الميتة المالحة في إشارة واضحة للبحر الميت في فلسطين في مقابلة نهر الأردن الذي عمد فيه يحيى تلاميذه، لكن التعميد عندهم ليس طقساً للندم وإعلان التوبة كما في المسيحية، لكنه طقس تطهري بامتياز، في طقوس التعميد حيث يتعين أن يرتدي الملابس البيضاء ويفعل المندائي الشي ذاته عند التعميد. إذ يرتدي ملابس بيضاء تعرف بـ"الرستة".
يسمي المندائيون معبدهم بـ (المندي ) وهو عبارة عن كوخ من القصب منصوب على شاطئ نهر جار أو نبع ماء جار حي وباب المندي متجه نحو الجنوب ومحرابه نحو الشمال لاعتقادهم انه المكان الذي يحكم فيه على إعمال الناس بالصلاح أو الفساد يوم القيامة، ومعابد المندائية خالية من إي تمثال أو صنم لتعظيمهم الماء الحي الجاري، وفي المندي يمارسون صلواتهم العلنية بعد تعمدهم بالماء الجاري وفيه يعقدون قران زواجهم وفيه يقدمون القرابين في الأعياد. جاء في كتاب الكنزا ربا: "كل من صنع تمثالا أو صنما أو جسما ليعبده من دون الله تكتوى شفاهه ويداه بنار حامية ويتمنى الموت ولكن الموت لايدركه". بينما بنى الحرانية معابدهم الحجرية على الطرز المعمارية للمعابد الوثنية الرومانية وأقاموا فيها هياكل وتماثيل للكواكب السبعة وفيها يمارسون صلواتهم بصورة سرية.
تفوّق الصابئة بصناعة الذهب والفضة والأحجار الكريمة والحلى المرصّعة والأواني والساعات، وكانت هذه الصناعات تنحصر بهم لتشددهم في حفظ أسرارها، كذلك امتهنوا الزراعة والفلاحة وقاموا بتنظيم قنوات الري، بحيث أطلق عليهم العرب تسمية أنباط (نبت) كونهم ينبتون الأرض القاحلة، كما برعوا في صناعة القوارب الخشبية والحدادة وصناعة الخناجر.
اعترف لهم القرآن الكريم كأهل دين وكتاب في ثلاث من سوره، وبالرغم من ذلك افتى بعض فقهاء الاسلام الخليفة أبا جعفر المنصور بجواز إقرار الصابئة على دينهم ووجوب أخذ الجزية منهم قياساً على موقف النبي (صلي الله عليه وسلم) من مجوس هجر، وسمح هارون الرشيد لهم بممارسة شعائرهم واحتفالاتهم وأعيادهم شرط أن تمارس داخل هياكلهم وألا يجهروا بها، برز من بين المندائيين في العصر العباسي، شخصيات علمية كبيرة، وظهرت أخبارهم في كتب التاريخ، فنبغوا في علوم الطب حتى تبوّأ بعضهم إدارة المستشفيات والفلسفة والأدب وسائر علوم الأقدمين، وبخاصة الفلك والتنجيم وتقربوا من السلطة من دون رغبة حقيقية في المناصب السياسية، إذ كان وضع طائفتهم الحساس كقوم يعاملون معاملة أهل الذمة من أكبر الدوافع التي دفعتهم إلى هذا الحذر، حتى تبوّأ بعضهم إدارة المستشفيات، ويعد ثابت بن قرة مؤسس مجد الصابئة في بغداد في زمن الخليفة المعتضد الذي عيَّنه مستشاراً ونديماً له وأصبح للصابئة نفوذ كبير في بلاط الخلافة وازدهرت أوضاعهم الاقتصادية والمالية، ومن ال زهرون "أَبو الحسن ثَابت بن إِبراهِيم بن زهرون الحرّانِي" كانَ طبيبا فَاضلاً كثير الدراية وافر الْعلم بارعاً فِي الصناعة موفقاً فِي المعالجة مطلعاً على أسرار الطب، واستطاع الطبيب بن زهرون التقرب من الخليفة المكتفي وأصبح طبيبه الأثير ومن أخص منادميه، وأصبح نفوذ الصابئة أشبه بنفوذ جماعة التكنوقراط في مجتمعاتنا الحديثة، فقد كانوا يؤسسون نفوذهم في دار الخلافة على تخصصاتهم العلمية، وبعض كبار المؤرخين والأدباء مثل "أبي الحسن هلال بن المحسن بن أبي إسحاق إبراهيم بن هلال بن إبراهيم بن زهرون بن حيون"، الصابئ الحراني الكاتب، هو حفيد "أبي إسحاق الصابئ" من أبرز علماء البلاغة العرب وساهم في تطور فن النثر صاحب الرسائل المشهورة …. ، وكان أبوه المحسن صابئياً على دين جده إبراهيم، فأسلم هلال المذكور في آخر عمره، وسمع من العلماء في حال كفره، لأنه كان يطلب الأدب له تصنيفاً جمع فيه حكايات مستملحة وأخباراً نادرة، وسماه كتاب "الأماثل والأعيان ومنتدى العواطف والإحسان"، وكان ولده "غرس النعمة أبو الحسن محمد بن هلال" المذكور ذا فضائل جمة وتآليف نافعة، منها التاريخ الكبير المشهور، ومنها الكتاب الذي سماه: "الهفوات النادرة من المغفلين الملحوظين، والسقطات الباردة من المغفلين المحظوظين " جمع فيه كثيراً من الحكايات التي تتعلق بهذا الباب، وبحسب المستشرقة المتخصصة في الديانة الصابئية وتاريخ الصابئة فقد كان (الفيزياويون والفلكيون والفلاسفة والشعراء الصابئون زينة الحضارة العربية وقد ساعدوا على تأسيس شهرتها). وبعض المندائيين اعتنقوا الإسلام، وباتوا من الفقهاء والقضاة، واستمر لقبهم "المندائي" مثل القاضي أبو العباس المندائي، الواسطي، وكان فقيهاً، إماماً، بارعاً فِي كتابة الشروط، بارعاً فِي اللّغة والأدب، ولي قضاء واسط مدة، وهو والد أبي الفتح المندائي. وحدث عن الحريريّ "بالمقامات" ، وصنَّف كتاب "القضاة" وغير ذلك، وكان ثقة صدوقاً، وقاضي بغداد "أبي سعد"، و"عمران الصابي" نديم الخليفة المأمون، المهندس ابراهيم بن سنان، ومن هؤلاء العلماء الصابئة، كانوا من مدينة حران، وساهموا بتحسين أوضاع صابئة ميسان وجنوب العراق، كما برزت على الساحة الثقافية أسماء لامعة شعرية؛ منها ونثرية وفنية. كما أدى نزوح كثير من الأقوام إلى مدينة بغداد خصوصا من حرّان، التي شهدت الحياة فيها أجمل صورها، إلى بروز تلك الإعلام في العصر العباسي الثاني رغم وجودها في الخصوصيات وفي درجات السلطة والقضاء الرسمية بل لم يسمح لغير المسلمين باعتلاء تلك المناصب، فأشير إليهم تارة بالترغيب وأخرى بالترهيب، إلا من استطاع بعلمه أو أدبه أن يشار إليه بالبنان، ظلت حران معقل علم الفلك ونشطت الدراسات الفلكية في بغداد، ويعد ثابت بن قرة من أشهر علماء الفلك الحرنانية، فقد أنفق شطراً كبيراً من حياته في مراقبة الشمس وله ملاحظات على التقويم الشمسي ضمّنها في كتابه «رسالتان في سنة الشمس» وكان من أشهر الأطباء، ليس في العصر العباسي فقط، وإنما في تاريخ الإسلام قاطبة، يقول ثابت بن قرة في حديثه عن حرّان: «ليت شعري من عمّر المسكونة وابتنى المدن، أليس خيرة الصابئة وملوكهم؟ من أسس المرافئ والأنهار والقنوات؟ ومن شرح العلوم الغامضة؟ فلولا علوم الصابئة لأمست الدنيا قفراء فارغة متقلبة في العوز، ولو تم التوثق مما وصفت به هذه الدنيا بأنها مدينة إبراهيم ومدينة أخيه حاران ومدينة التنافس الآشوري والبابلي ومن ثم المسيحي والإسلامي، لما تم رميها بباطل. فليس من الصحيح أن تكون مدينة بهذه القيمة وهي على ضلالة وبطلان. إن قيمتها "حرّان" ليست بالقيمة الجغرافية أو وفرة مياهها، بل إن قيمتها فيما أسس الأوائل القاطنون فيها...هو ما كان وراء هذا الاعتبار الذي جعل من يحظى به كأنه قد ملك زمام الدين والحكمة، وكذلك البتاني الذي يعد من أشهر علماء الفلك في التاريخ، صاحب كتاب «الزيج» الذي يعد أحدى المحطات الرئيسة لنظرية كوبرنيكوس عن القطع الناقص، ولم نعد نسمع عن الحرنانية مرة أخرى عقب اقتحام جحافل هولاكو خان، حران عام (657هـ – 1258م) والذين أعملوا القتل في سكانها، ثم سووا المدينة بالأرض فلم تقم لهم بعد ذلك التاريخ قائمة، وأن يصل إلى درجة عليا يسمو بها عن الآخرين.
ويعتبر عصر بني بويه هو العصر الذهبي للصابئة في العراق، حيث مال البويهيون إلى الاعتماد عليهم وزاد نفوذهم وانتعشت أحوالهم الاقتصادية، وحققوا أكبر مكاسب مادية من دون الاستئثار بالسلطة، لكونهم يفتقرون إلى أهم مقوماتها وهو الإسلام وفق شروط الولاية في الاصطلاح الفقهي الإسلامي.
يختلف الصابئة المندائيون مع اليهود والمسلمين بخصوص الختان، فهم لا يختنون مثلهم، ووفق رأيهم أن الجسم من خلقة الله لا يجوز الزيادة والنقصان به، وبهذا الرأي يتعاملون مع الشعر، اللحية والرأس والشارب، لكن الشعر ليس من الفروض بقدر ما أن الختان منه، فمن يختتن يخرج من الدين المندائي.
عرفوا بالمندائية أو المندائيين نسبة إلى مفردة المندا، ومعناها ذرة العقل، وبهذا عرف مكان عبادتهم بالمندي، وقديما كانوا يقيمون المنادي
بعد تأسيس الحكم الوطني الملكي في العراق، حدثت هجرات كبيرة قام بها ابناء الطائفة من مناطقهم الاصلية الى المدن الكبرى في العراق مثل بغداد والبصرة، وقد احدثت هذه الهجرات تغيرات جوهرية في البناء الاجتماعي للطائفة تمثل في تغير نمط العيش من التقليدية الى الحداثة، وبدأو في الدخول للمعترك السياسي الذي ابتعدوا عنه طيلة الفترة السحيقة من حياتهم، ودخل ابناؤهم إلى الأحزاب الوطنية، فصار منهم قادة في الحزب الشيوعي، ودخل بعضهم في حزب البعث وبقية الأحزاب، لكن أكثرهم كانوا ينتمون إلى اليسار، كما وتمثل في تغير نمط القيادة ومراكز القوة في المجتمع المندائي، نجد ابناء الطائفة بعد هجرتهم الى المدن الكبرى ودخولهم المدارس الحديثة والجامعات قد ولجوا الى كل مجالات المجتمع، منهم العالم، والشاعر، والفنان، والاديب، والصائغ الا انهم ركزوا على اعمال صياغة الذهب والفضة، وبدأت دكاكين الصاغة الصابئة تنتشر في اسوق بغداد الرئيسية وبعدها بمحلاتها الشعبية رويدا رويدا، بدءاً من شارع النهر ومقترباته والشورجة والقشلة و بجانب الرصافة والكريمات والازرملي والفحامة في جانب الكرخ، وتميزوا بالنقش على الفضة بمادة "المينة" والمصوغات الذهبية، يُشهدنا القرن العشرين على شخصيات مندائية مرموقة حازت مكانة عالية في مجالات العلم والادب والفلسفة والرياضيات والطب، اسماء لها حضور طاغ في المجالات العلمية والثقافية انجبتها البيئة المندائية الخصبة بالمعرفة،، ومن هذه الشخصيات على سبيل المثال لا الحصر:
الاستاذ الدكتور عبد الجبار عبد الله عالم الفيزياء والفلك: "1911-1969"، ولد في قلعة صالح - محافظة ميسان، أكمل عبد الجبار دراسته الابتدائية في قلعة صالح في مدرسة أفتتحت عام1917على أيدي السلطات البريطانية في لواء العمارة آنذاك، ودخل في المدرسة عام1918وتخرج منها عام 1925، ومن ثم أكمل دراسته الثانوية بالثانوية المركزية في بغداد في عام 1930، بفضل درجاته المتفوقة، خصوصاً في مادتي الرياضيات والفيزياء، حصل على منحة دراسية إلى الجامعة الأمريكية في بيروت، وكانت رحلته إلى لبنان من خلال البحر عبر ميناء البصرة، وقبل سفره للالتحاق بالجامعة شهد العالم تأسيس أول جمعية طلابية عراقية خارج البلد، وضمت تلك الجمعية شخصيات مؤثرة ومهمة في تاريخ لاعراق*كمحمد حديد*وعبد الفتاح إبراهيم* وعلي حيدر سليمان*وأنضم إليهم عبد الجبار عبد الله، وشكلت النواة الأولى لجمعية الرابطة الثقافية التي تأسست في بغداد، وفي ذلك الوقت أصدرت مجلة الرابطة التي شغل في وقتاً لاحق سكرتير التحرير فيها منذ صدورها عام 1944، وثم أستلم شهادة البكالوريوس بدرجة أمتيازفي*الفيزياء والرياضيات*من الجامعة الأمريكية في بيروت*عام 1934.
سنحت الفرصة لعبد الجبار مجدداً في التمتع ببعثة دراسية لنيل شهادة الدكتوراه في جامعات الولايات المتحدة عام 1944، فغادر إلى هناك، وحصل عبد الجبار عبد الله على شهادة الدكتوراه في العلوم الطبيعية "الفيزياء" من معهد مساتشوست للتكنولوجيا في الولايات المتحدة الأميركية "ايم آي تي"، وهو من أهم المعاهد العلمية في العالم وتمكن بفضل موهبته العلمية العالية من انجاز مهمته في وقت قصير ورجع عائدا إلى وطنه عام1946 حاملا شهادة الدكتوراه، ليمارس تخصصه في دار المعلمين العالية، التي كانت تعد في تلك المرحلة من أهم المعاهد العلمية في الشرق الأوسط كله، وشغل عبد الجبار عضوية مجلس جامعة بغداد منذ بداية تأسيسها، وكان وجوده في المجلس فاعلاً ونشيطاً على عهد مؤسسها ورئيسها العالم العراقي الشهير الدكتور متي عقراوي وكان أول رئيس للجامعة، فكان أن اشتغل بمعيته وكيلا له رفقة الدكتور عبد العزيز الدوري، وعند حدوث ثورة 14 تموز 1958 أحيل الأستاذ متي عقراوي على التقاعد، فتحول وكيله عبد الجبار إلى منصب الرئاسة من الناحية الفعلية، وأمين عام لها حتى شهر شباط 1959، إذ صدر مرسوم جمهوري بإناطة مهمة الرئاسة إليه، بعد تنافس شديد مع الدكتور عبد العزيز الدوري، وهو شخصية علمية لامعة أخرى.
عمل عندما كان رئيس قسم الفيزياء وكذلك كرئيس لجامعة بغداد التي سعى حثيثاً لتنظيمها ورفع مستواها وترسيخ الأسس الثقافية المتطورة فيها سواء بأساتذتها أو بتطوير مناهجها والعمل على استقلاليتها، كان الدكتور عبد الجبار عبد الله يسابق الزمن للنهوض بمشروع الجامعة ولذلك شجع الأساتذة العراقيين في الخارج للعودة إلى الوطن ليشغلوا مواقعهم في الجامعة الوليدة وفي ذات الوقت نشط حركة إرسال البعثات العلمية إلى الخارج بالتعاون مع مجلس الوزراء ومديرية البعثات.. ومن الأمور التي شغلت باله كثيرا مسألة الكادر الوسطي أو الفني، كان يرى الزيادة في حملة الشهادات الجامعية ستؤدي إلى قلب الهرم في عدد المثقفين إذا لم تقترن هذه الزيادة بتوسع مقابل في أعداد الكادر الوسطي من حملة الدبلوم واعتبر أن معالجة المسالة مهمة من مهمات الجامعة لذلك أنشأ عددا من المعاهد.. يلتحق بها من أكمل الدراسة الثانوية ليمضي بها سنتين مثل معهد اللغات، ومعهد الإدارة العامة، ومعهد الغابات، ومعهد التمريض.. وانصرف في الجانب المقابل إلى العناية بقمة الهرم وإعداد دراسات الماجستير والدكتوراه.. وقرن هذه المهمة بالعمل لتنشيط البحث العلمي وكان يرى أن تنشيط البحث العلمي، وكان أول معهد ينشأ للبحث والدراسات العليا هو معهد بحوث المناطق القاحلة.
عمل رئيس لتحرير مجلة المجمع العلمي العراقي (1957-1962) بعد تشكيل المجمع العلمي عام 1956، وكانت مجلة المجمع العلمي تنشر البحوث في مجالات الرياضيات والفيزياء والفيزياء الجيولوجية والهندسة والكيمياء وعلم الاحياء ولتسهل التفاعل الدولي، كتبت جميع المقالات باللغة الانجليزية والفرنسية والالمانية مع ملخص باللغة العربية.
حرص الدكتور عبد الجبار عبد الله على أن يمتلك العراق مصادر الطاقة الذرية للأغراض السلمية في الفترة التي شغل فيها منصب نائب رئيس لجنة الطاقة الذرية العراقية للفترة من 1958 ـ 1963.
مما يؤسف له جرى اعتقال الدكتور عبد الجبار عبد الله من قبل الحرس القومي عام 1963 وبتصرف صبياني، بالرغم من انه لم يكن منتميا الى اي حزب سياسي، بل لكونه يساري وتفدمي التفكير، اهين وشتم في السجن من قبل عناصر في الحرس القومي، تحرك الدكتور عبد العزيز الدوري وسعى في إطلاق سراحه بالتنسيق مع وزير المعارف آنذاك أحمد عبد الستار الجواري، وفعلاً كانت النتيجة أن عبد الجبار أُطلق سراحه بعد ان قضى ستة اشهر في معتقل رقم واحد، وخرج من المعتقل يوم 8 تشرين الاول من العام نفسه وتم احالته على التقاعد رغم عدم توجيه اي تهمة رسمية له.
مع الزعيم عبدالكريم قاسم
كان عبد الجبار يجيد التحدث بأكثر من لغة فضلاً عن"العربية" و"الآرامية" فأنه يتحدث اللغات"الإنجليزية" و"الفرنسية" و"الألمانية"، وله العديد من النظريات والبحوث العلمية وخاصة في مجال الأنواء الجوية، حيث يعود له الفضل الكبير في العديد من الاعمال بمجال الأعاصير والزوابع من فيزياء الجو، علمًا بأن إنجازاته العلمية والثقافية كبيرة في حقل اختصاصه، حيث جمع بين فيزياء الجو والرياضيات العالية جدا، وله العديد من المؤلفات في مجال الفيزياء والعلوم"باللغة العربية" وترجم العديد من الكتب العلمية الأجنبية إلى اللغة العربية.
عاد إلى الولايات المتحدة، كعالم مرموق في المنهج الذي كان يتعهده مركز البحوث الجوية في بولدر، كولورادو، ثم، كأستاذ في علوم الغلاف الجوي في جامعة ولاية نيويورك في ألباني، كان زملاؤه يدركون دائمًا أنه يعتبر بغداد وطنًا له، حتى الوصف الأخير لعبد الله في "رجال العلوم" تم إدراج بغداد كوطنه بينما مكتبه هو المركز الوطني للبحث العلمي في بولدر، كولورادو.
قال الشاعر المبدع الجواهري بحق الدكتور عبد الجبار عبد الله:
اهز بك الجبل الذي لا تهزه....نوابعه حتى تزور المقابرا
بعد فترة من مكوثه في الولايات المتحدة بدأ يعاني من مرض عضال وبقى يصارع مرضه حتى وافاه الأجل في التاسع من تموز 1969 حيث نقل جثمانه الى العراق وتواراه الثرى في مقبرة الصابئة المندائيين في أبوغريب بناءاً على وصيته.
أن الجمعية الأمريكية للأنواء الجوية عند نشرها تأبيناً لوفاته 1969 نشرت قائمة تشمل على 32 كتاباً ودراسة قيمة من انتاجه في مجال الأنواء الجوية.
لقد فقد العراق مسقط رأس عبد الله أحد علماءه البارزين. يتقاسم هذه الخسارة المجتمع العلمي بأكمله والذي حصل عبد الله على مكانة بارزة فيه من خلال عمله، سيتذكره زملاءه الذين حظوا بفرصة طيبة لأنهم ارتبطوا به شخصيًا بشكل احترافي وكأصدقاء، ليس فقط لإسهاماته في الأرصاد الجوي، ولكن أيضًا لصفاته الإنسانية الرفيعة، محي الدين يوسف قال "أن للدكتور عبد الجبار عبد الله قلماً سهلاً وسلساً مع الدقة المتناهية الواضحة بالتعبير حيث أنك لو اضفت او أنقصت كلمة واحدة اليه يختل المعنى".
نعاه صديقه وقريبه الشاعر العراقي الراحل عبد الرزاق عبد الواحد بقصيدة، قال فيها:
قالوا وأنت تموتُ كـانت مقلتاك تُرفـرفانِ... كحمامتين غريقتينِ عن العمـارة تبحثـانِ
وبقيتَ حتى آخرِ الأنفاسِ تلهج في حــنانِ... لو نسمةٌ هبت بقلعـةِ صالـحٍ لك بالأمـان!
لو نهرُها ناداك آخرَ مرةِ والشّـاطئانِ... لو طوقاكَ فنمت في حُضنيهما والفجـرُ دانٍ
فترى إلى شمسِ العراقِ ومقلتاك تحـدرانِ... مشوبة هي في المياهِ وأنتَ مشوبُ المحـاني.
نشر أكثر من ثلاثين بحثًا عالميًا في المجلات العلمية الكبرى المرموقة في أمريكا وأوروبا باللغة الإنجليزية.
الدكتور عبد العظيم السبتي العالم الفلكي: من مواليد العمارة 1945 "قلعة صالح"، حصل على البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في العلوم الفلكية من جامعة مانشستر، مارس التدريس في جامعة بغداد، كما اسهم في تقديم برنامج العلم للجميع الاستاذ كامل الدباغ،
امرالرئيس أحمد حسن البكر ببناء مرصد فلكي كبير هو الأكبر من نوعه في الشرق الأوسط، وخصص للمرصد موقع قمة جبل كورك كموقع له نظراً لارتفاع الجبل نسبيا وموقعه الجغرافي المميز، ولقد بدأ بناء المرصد عام 1973م، وقد شاركت أربع دول كبرى في بنائه، وكان المشروع على وشك الاكتمال حين بدأت الحرب العراقية الإيرانية، دمرت بعضاً من أجزاء المرصد في الغارات والضربات الجوية اثناء الحرب العراقية الإيرانية مما أدى إلى وقف العمل فيه، اسهم الدكتور السبتي والدكتورة مي قفطان والدكتور حميد مجول في تأسيس القبة الفلكية، والمرصد الفلكي العراقي فوق قمة جبل كورك – اربيل، ترك الدكتور عبد العظيم العراق وهاجر الى المملكة المتحدة في تسعينيات القرن الماضي، و فيها حصل على عضوية المجموعة المتقدمة لتطوير مشاريع اتحاد الفلكيين الدولي و عضوية المرصد الفضائي العالمي، و قد عادالى العراق في عام 2005 واجرى اتصالات عديدة لمحاولة احياء مرصد كورك، و لكن جهوده لم تثمر بشيء، فعاد من جديد الى المهجر و هو حالياً يعمل في مرصد جامعة لندن.
جرى تسمية أحد الكويكبات التي تقع بين المريخ والمشتري باسمه، هذا الجرم السماوي الذي يبعد عن الأرض(308) مليون كيلومتر وعن الشمس (411) مليون كيلومتر، يدور هذا الكويكب بانتظام بين المريخ والمشتري تثميناً لانجازاته العلمية في مجال علم الفلك وتقديراً لمكانتهُ العلمية، فقد استحق هذا العالم هذا التكريم الكبير ليصبح أسماً في الفضاء ويحلق فوق العراق.
الشاعرة لميعة عباس عمارة، ايقونة العمارة ونخلة العراق الباسقة: ولدت بمنطقة الشواكة عام 1929م ونشأت بمدينة العمارة مسقط رأس اهلها وعشيرتها، اكملت الثانوية العامة في بغداد، وحصلت على إجازة دار المعلمين العالية سنة 1950م، وعينت مدرسة في دار المعلمات، تخرجت في دار المعلمين العالية سنة 1955، زاملت ايام دراستها الجامعية السياب والبياتي والعيسى، وهي ابنة خالة الشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد والتي كتب عنها في مذكراته الكثير حيث كانت ذات شخصية قوية ونفس أبية، عملت كملحقة ثقافية ونائبة الممثل الدائم للعراق في اليونسكو باريس للفترة 1973-1975، وحينها كانت مسؤولة عن الطلبة الذين يدرسون في باريس بنفس الفترة التي كنت طالبا للدراسات العليا هناك، عملت بجد كعضوة الهيئة الإدارية لاتحاد الأدباء العراقيين في بغداد "1973 – 1963". كذلك عضوة الهيئة الإدارية للمجمع السرياني في بغداد، كانت تعاني المرض بطفولتها، اغتراب والدها عنها فتح لها جرحا كبيرا، لكنها بقيت وفيةً لذكراه بشعرها.
بدأت الشاعرة كتابة الشعر في وقت مبكر من حياتها منذ أن كانت في الثانية عشرة من عمرها، كانت بصباها الغض تلقي الشعر بلكنتها الجنوبية، وكانت ترسل قصائدها إلى الشاعر المهجري ايليا أبو ماضي الذي كان صديقا لوالدها، ونشرت لها مجلة السمير أول قصيدة وهي في الرابعة عشر من عمرها، وقد عززها ايليا ابو ماضي بنقد وتعليق مع احتلالها الصفحة الأولى من المجلة إذ قال: "ان في العراق مثل هؤلاء الاطفال فعلى اية نهضة شعرية مقبل العراق".
منحها لبنان درجة فارس.
تبدأ لميعة عباس عمارة حكايتها مع بدر شاكر السياب:
"كان شاعرا .. وكنت شاعرة .. تجنبته سنة كاملة، كنا خلالها نلتقي ضمن مجموعة كبيرة من الطلاب والطالبات .. فأسمع له شعره ..
صمت في كل ارتعاشة … صوت راهبة كان صوتها، الكلمات كتراتيل حزينة .. فنحن في حضرة الموت، والتذكر..
تعمدت أن لا أكون قريبة منه .. فقد كنت أدرك مكامن شخصيتي، وأعرف أي انسان هو، فلم أشــأ أن أدخل المأساة إلى حياته … وشغلنا كلانا بمراقبة الطالبات الجميلات .. أسمع له قصيدة بشعر هذه، وأخرى بعيني تلك وغمازتي الثالثة .. فأشغله مبتعدة به عما أحسه خطرا .. وأنتهى العالم بسلام".
تقول الشاعرة لميعة عباس عمارة عن الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد "أنا وعبد الرزاق عبد الواحد، من بيت شعرٍ واحد، أنا أرقُّ منه وأغزَل، وهو أوفرُ عطاءً وأجزل"، وكانت تُعدُّ عبد الواحد، سببا للتباري معه، غير أنها تختلف عنه في عذوبة صورها، وجمال معانيها في عموم قصائدها، ما يؤكد رهافة حسها، وشدة الإحساس بالأنوثة المفرطة، والغنج الأخّاذ في الإلقاء الذي يشدنا إليها، ويبعث فينا نشوة التأمل في المعاني المتجسدة في صورها الشعرية وقصائدها الساحرة.
اصدرت لميعة عباس عمارة سبع دواوين شعرية باللغة الفصيحة وديوانا واحدا باللهجة العامية منها، الزاوية الخالية 1960، عودة الربيع 1963، يسمونه الحب 1972، أغانى عشتار 1969، ولو أنبأني العراق 1980، البعد الأخير 1988، وعراقية.
غادرت الشاعرة لميعه عباس عمارة منذ اربعة عقود لتسكن لندن ثم أمريكا بمدينة سان دييغو، قاربت الثمانين تصرّ على خوض غمار الشعر، ملؤها الحنين الى ماضٍ لم يغب عن بالها.
الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد من أبرز القمم الشعرية العربية: ولد في بغداد عام 1930، انتقل مع عائلته وعمره ثلاث سنوات إلى محافظة ميسان .. وفيها قضى طفولته وصباه المبكر متنقلا ًبين شبكات الأنهار في لواء العمارة وقضاءي علي الغربي والمجر الكبير، عاد إلى بغداد طالبا في الصف الثاني المتوسط ، وفيها أكمل دراسته المتوسطة والثانوية والجامعية ، متخرجا ًفي قسم اللغة العربية بدار المعلمين العالية عام 1952 ،عمل مدرسا، ومعاونا للعميد في أكاديمية الفنون الجميلة ببغداد، وفي عام 1970 نقلت خدماته من وزارة التربية والتعليم إلى وزارة الثقافة والإعلام، فعمل فيها سكرتيرا لتحرير مجلة " الأقلام "، ثم رئيسا ًلتحريرها.. فمديرا ًفي المركز الفولكلوري، ثم أصبح مديرا ً لمعهد الدراسات الموسيقية ، فعميدا ًلمعهد الوثائقيين العرب، وفي عام 1980 منح درجة مستشار خاصة، وعين مديرا ًعاما ً للمكتبة الوطنية ، ثم مديرا ًعاما ًلثقافة الأطفال ، فمستشارا ًثقافيا ً لوزارة الثقافة والإعلام.
بدأت محاولاته الشعرية عندما كان طفلاً في الابتدائية وفي الصف ثاني متوسط كتب محاولته الفصيحة الاولى، وعندما بلغ سن الخامسة عشر نشر اولى قصائده في جريدة الوطن لصاحبها عزيز شريف وكانت بعنوان "الى سائلة"، ذاق طعم الخريط في الاهوار وتتبع سمك الحمري بالوانه الزاهية بين القصب ووقع المشاحيف وهي تنساب في الماء لتنشر اغاني الملاحين، فاعطته سماء من الخيال والرغبة الشعرية التي نمت مع مرور الزمن.
نشر أولى قصائده عام 1945، وأول مجموعة شعرية له عام 1950، و صدرت له اثنتان وأربعون مجموعة شعرية، منها عشر مجموعات شعرية للأطفال هي أعز شعره عليه .. ومسرحيتان شعريتان، حصل على العديد من الأوسمة وسام بوشكين في مهرجان الشعر العالمي "بطرسبرج" 1976، ودرع جامعة كامبردح وشهادة الإستحقاق منها عام 1979، وميدالية "القصيدة الذهبية" في مهرجان ستروكا الشعري العالمي في يوغوسلافيا عام 1986وجائزة صدام للآداب في دورتها الأولى في بغداد 1987 و الجائزة الأولى في مهرجان الشعر العالمي في يوغوسلافيا عام 1999 ووسام "الآس"، وهو أعلى وسام تمنحه طائفة الصابئة المندائيين للمتميزين من أبنائها عام 2001 و نوطي "الإستحقاق العالي" من رئاسة الديوان عام 1990، و جرى تكريمه ومنحه درع دمشق برعاية وزير ثقافة الجمهورية العربية السورية، في 24 و 25 / 11 / 2008 بمناسبة اختياردمشق عاصمة للثقافة العربية، وحضر التكريم عدد من كبار الأدباء العرب، وألقي فيه عدد كبير من البحوث والدراسات.
لُقب بشاعر القادسية.
طبعت له بعد الاحتلال: "انسكلوبيديا الحب" مجموعة شعرية اتحاد الكتاب العرب، دمشق 2005 و "قمر في شواطي العمارة"، و" في مواسم التعب" مجموعة شعرية من إتحاد الكتاب العرب دمشق عام 2006، و 120 "قصيدة حب" مجموعة شعرية وزارة الثقافة دمشق عام 2007، وملحمة "الصوت" الطبعة الثانية دمشق عام 2008، و"الحر الرياحي" مسرحية شعرية الطبعة الرابعة دمشق عام 2008، وقصيدة مشهورة عن الإمام الحسين بن علي، و" ديوان القصائد " الطبعة الثانية دمشق عام 2008، و"زبيبة والملك" عمل شعري بين الرواية والمسرح دمشق عام 20008.
وقد ابحر باحدى قصائده وهو على فراش الموت ككلمات تفوح شذا بحب العراق:
ياعراق هنيئا لمن لا يخونك
هنيئا لمن إذ تكون طعينا يكونَك
هنيئا لمن وهو يلفظ آخر انفاسه
تتلاقى عليه جفونك
كما كان ينشد:
لا تطرق الباب .. تدري أنهم رحلوا
خذ المفاتيح وافتح أيها الرجل!
أدري ستذهب .. تستقصي نوافذهم
كما دأبت وتسعى حيثما دخلوا
تراقب الزاد .. هل ناموا وما أكلوا؟
وتطفئ النور .. لو .. لو مرة فعلوا
أن كثيرين من ثوار تشرين في بغداد ومدن عراقية أخرى، ظلوا يرددون شعر عبدالرزاق عبدالواحد، حتى كأنه حاضر بينهم، فعبد الرزاق عبد الواحد، وإن كان ينتمي إلى طائفة الصابئة المندائيين التي تفخر به، لكنه لا ينتمي إلى طائفة أو قومية أو مذهب، بل هو ملك العراق.
رحل الممتلئ والمشغول بالعراق، فملأ الدنيا وشغل الناس وهو مسجّى في غربته، مغتربا عن وطن يقيم في خلاياه وشعره وأدبه …، عام 2015، الشاعر العملاق عبد الرزاق عبد الواحد عن عمر بلغ 85 عاماً، إثر معاناة مع المرض، حيث وافته المنية في أحد مستشفيات العاصمة الفرنسية باريس.
الصاغة: زهرون الملا خضر الذي عرفه ملوك واشراف العالم، قام بصياغة الناركيلة الخاصة بالسلطان عبد الحميد ،
بعد الاحتلال الانكليزي ونشوء الدولة العراقية اصبح زهرون صائغ الملوك والامراء والساسة الكبار ومنهم الملك فيصل الاول والملك غازي والجنرال مود ومن خلال تكليفه صاغ للملكة اليزابيث والملك ادور عدة تحف وهدايا فضية موجودة في المتحف البريطاني، وصاغ لتشرشل علبة سيكار من الفضة وقد رسم على وجه العلبة صورة تشرشل رافعاً يديه، كما صاغ هدايا للملك فاروق، وهو اول من ادخل الألوان الى ما تسمى المينة الى العراق، وكان امراء البحرين عندما يقبلون على الزواج يعهدون اليه باللؤلؤ ليصنع لهم قلادات وأساور وغيرها من الحلي، وابدع من عائلته مثل الصائغ المشهور حسني زهرون الذي ابدع في رسم صور" البورتريت " للأشخاص. كما برع آخرون في هذا المجال منهم عباس عمارة، والشيخ عنيسي الفياض (الصائغ الخاص للملك فيصل الأول والذي صنع سيف ملك السعودية) وخليل مال الله (أصبح صائغ البلاط في زمن الملك فيصل الثاني وما تلاه من عهود) وياسر صكر الحيدر وجاني سهر وأحمد مجيد وصبري وعزيز عودة وبقال خنجر وجبار خضر الخميسي وأسمر زهرون وصالح العياش وعبد سلوم وابو القاسم وياسر صكر الحيدر وخليل مال الله وشذر النشمي ومجيد عذاب وعمارة حران واسمر هرمز وسعد رهيف وصالح جاسم وضامن حويزاوي وتوفيق بقال وخضير كيطان وجودة سهر وناشور الخدادي وسكران هرمز ومحسن كطان وشدود نعاش وسالم شيب ورحيم صادق وفاضل سيف وعمران مران وابنه عباس وناصر صكر وزهرون سيف...، ولكن ما يؤسف له ان هذا الفن الجميل للصياغة في العراق، وهو منشأ هذا الفن منذ القدم، في طريقه للإندثار، ومما يؤسف له ان الدولة العراقيــة لم تولي اهتماما بهذا النوع من الفنون فتدخله في المناهج التدريسية لأكاديمية في الفنون الجميلة باعتباره ركنا اساسيا من اركان التراث العراقي القديم للمحافظة عليه، كما في البلدان المتحضرة.
القادة والاباء الروحانيون: الشيخ دخيل بن الشيخ عيدان وكان الرؤساء الروحانيون هم الشيخ جوده بن الشيخ داموك والشيخ رومي بن الشيخ سام، الشيخ عبد الله الشيخ سام، ستار جبار حلو
في الاحزاب السياسية: مالك سيف، خيري يوسف الحيدر، ستار الحيدر، عزيز اسباهي، صبحي سباهي، عبد الهادي السبتي، فيصل السبتي.
وجهاء الطائفة ومختاريها: عبد الجبار سيف، عيال ال نصار،عبد الرزاق دفتر، ياسر صكر الحيدر، مجيد خالد السهيلي، ديري السبتي، حيدر جودة، خوجة جالس، عامر ضمد.
الاكاديميون والتربويون والاعلاميون: الدكتور ابراهيم عزيز السهيلي، التربوي غضبان الرومي، الاستاذ صبيح السهيري، الدكتور عبد الرزاق مسلم، الدكتور قيس مغشغش السعدي، الاستاذ عايش جبر، الاستاذ عبد الفتاح الزهيري، السيدة ناجية المراني، الاستاذ نعيم بدوي، الدكتور موحان منهل، السيدة باشا عبد الله مسلم، الدكتور خالد ياسر صكر الحيدر، الاستاذ نعمان عبد الجادر، الاستاذ خالد عبد الرزاق، الاستاذ خالد ميران، الاستاذ مؤيد سعيد، الاستاذ نزار الحيدر، حامد مغشغش، زهرون وهام الشيخ، صدام الهلالي، فوزي الشذر
الاطباء: الدكتور فرحان سيف، الدكتور تحسين عيسى السليم، الدكتور جبار الحيدر، الدكتورة ليلى غضبان رومي، الدكتور وسام البريجي، الدكتور زهير ياسر الحيدر.
الطاقة الذرية: الدكتور ابراهيم خماس، الدكتور مثيل السبتي.
المهندسون والجيولوجيون: خلف منصور الخميسي، عبد الاله سباهي، مأمون عبد الزهرة شلتاغ، موفق ياسر الحيدر، زميل الدراسة الجيولوجي نمير خلف جابر.
العسكريون والطيارون والفنيون: النقيب جبار خضير صكر، الملازم اسعد جابر، الكابتن الطيار طارق الخميسي، المراقب الجوي يحي الجابري.
الفنانون: حازم عطية، سوسن يوسف، منعم مظلوم الحيدر، سهام السبتي، مكي البدري، مديح الصادق، غالب ناهي الخفاجي، عباس عمارة المخرج ابراهيم فرحان البدري .
في عام 1972 صدر مرسوم جمهوري يتوقيع الرئيس احمد حسن البكر بتمتع الصايئة المندائيين (باربع عطل رسمية يومان للعيد الكبير ويوم للعيد الصغير ويومان لعيد الخليقة"البنجة" ويوم واحد لعيد يحي المعمدان).
وعند مطلع عقد الثمانينات من القرن العشرين حدث تحول واضح في بنى الطائفة الاجتماعية والسياسية والثقافية، تمثل في حركة جادة ودؤوبة لبلورة الهوية الثقافية الدينية والعصرية، وقد تمثلت جهود الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد والدكتور قيس السعدي والاستاذ عبد الآله سباهي والاستاذ غضبان الرومي والاستاذ نعيم بدوي من ابناء الطائفة في هذا المجال في تشكيل النظم الجديدة المتمثلة في ثلاثة مجالس تقود الطائفة وتمثلها في التعاطي مع الاخر، وهذه المجالس هي: مجلس العموم برلمان الطائفة، المجلس الروحي والذي يخص رجال الدين منهم، ومجلس الطائفة الذي يدير شؤون الطائفة، منحهم الرئيس صدام حسين وسام الطائفة الذهبية وخصص لهم قطعة ارض على ضفاف دجلة لبناء معبد ومركز ديني واجتماعي.
ترجم كتابهم إلى اللغة العربية رجال دين مندائيون، بصياغة لغوية قام بها الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد.
في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي كان للطائفة نادي تعارف ثقافي على ارض الزوراء تقام فيه الامسيات الشعرية والندوات الثقافية يحضره الشعراء والادباء والفنانين والمسؤولين ووجهاء الطوائف.
كان عددهم في العراق، حتى نهاية الاربعينات، نحو سبعة آلاف نسمة، ثم صعد العد إلى خمسة عشر ألفا، ووصل العدد الى 75 ألف مندائي قبل،2003 واليوم لا يتجاوز من 5 إلى 7 آلاف شخص.
الصابئة المندائية طائفة تاريخية جذورها تعود إلى آلاف السنين تحمل أسرار التوحيد الأول، بعد الغزو عام 2003، وما تلاه من الأحداث السياسية والعسكرية والاقتصادية التي شهدتها السنوات الأخيرة أصبحت أهدافًا للميليشيات بسبب ثروتهم كصائغين مهرة ومبادئهم الدينية الصارمة التي لا تسمح بالعنف أو ملكية الأسلحة حتى في حالة الدفاع عن النفس، بعد أن ضاق بها العيش ونهبت محالها وهددت بالقتل والتهجير والخطف والاضطهاد من زعماء الإرهاب، ما اضطرهم إلى هجرات جماعية، الهجرة إلى أوروبا وأميركا وكندا، حيث شكّلوا جمعيات تحافظ على تراثهم وتقاليدهم وهويتهم الأصلية، او إلى الشمال، بعد أن ضاق بها العيش ونهبت محالها وهددت بالقتل والتهجير والخطف والاضطهاد من زعماء الإرهاب.
الصابئة طائفة عراقية قبل أن تكون أي شي آخر، بل إننا كما نشير طقوسها صلة الحاضر بالماضي الأكدي والنبطي في العراق، لا يمكن تحويلها إلى أوابد أثرية وشواهد على وجود غائب، مما يعني وضع مأسوي يخلق خللًا بنيويًا في التركيبة الديموغرافية والثقافية والدينية والتاريخية للعراق والمنطقة، ولا تكتمل الحياة بدونهم، ولا بدون المكونات الدينية والقومية الأخرى، ومن الله التوفيق.
سرور ميرزا محمود.
499 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع