صفحات مطوية من حياة الدكتورفاضل الجمالي

         

         صفحات مطوية من حياة الدكتورفاضل الجمالي

           

الجمالي احد الساسة الذين صنعوا تاريخ العراق الحديث وبعضهم كان شديد الحضور فيه. لقد طوتهم الذاكرة وغمر اسماءهم الضباب وظلمهم الفكر السياسي المعارض انذاك، فيما الذين صادروا الوطن وقتلوا شعبه وغامروا بمصيره يتربعون على عرشه . 

                

هو محمد فاضل عباس الجمالي، ولد في الكاظمية ببغداد في 20 نيسان 1903 وتوفي في تونس يوم 24-05 -97 عن عمر ناهز 94 عاما.وهو من عائلة يعود نسبها الى " بني شيبة الحمد" وهم فرع من قبيلة" قريش" بمكة المكرمة. وقد هاجرت العائلة من الحجاز الى العراق قبل حوالي ثلاثة قرون وحصلت على فرمان- ارادة سلطانية- من السلطان العثماني في الاستانة- استنبول حاليا- وذلك عام 1202 هجرية المصادف 1611 ميلادية وما يزال في حوزة العائلة التي يعهد اليها خدمة ضريح الامام ( ابو يوسف) احد الائمة الحنفية المدفون قرب مرقد الامامين موسى الكاظم وحفيده محمد الجواد. فالتحق الجمالي بمدرسة الامام الخالصي لدراسة علوم الدين واللغة العربية وليتخرج عالما دينيا الا انه آثر السير في طريق اخر وهو الالتحاق بالمدارس المدنية ، فانتسب الى مدرسة الـ ( نمونه مكتبي) اي المدرسة النموذجية التي انشأها الحكم العثماني الاتحادي الجديد التي فتحت ابوابها لابناء الشيعة للمرة الاولى، اذ كان الجمالي يؤكد في احاديثه انه لم يشعر مطلقا بأي تمييز بين السنة والشيعة في تلك المدرسة التي لم تستمر بسبب الاحتلال البريطاني للعراق. حيث انشئت مدرسة لتخريج المعلمين فالتحق بها وهي دار المعلمين الابتدائية ببغداد وتخرج فيها عام 1920 وكان عمره آنذاك سبعة عشر عاما. وعين بعد ذلك معلما في مدرسة الكاظمية الابتدائية للبنين.
ثم اوفد الجمالي باول بعثة توفدها وزارة المعارف العراقية الى خارج العراق للدراسة في الجامعة الامريكية ببيروت في كانون الاول 1921 حيث نشط هناك واصبح رئيسا لجمعية الطلاب العراقيين ومن ثم جمعية الطلاب العرب المسماة ( العروة الوثقى). فكانت هذه الفتوة والشباب المستشرق دفعا الجمالي الى اعلى التحصيل والبحث العلمي في ارقى الجامعات . وتخرج في الجامعة الامريكية ببيروت عام 1927 عاد بعدها الى بغداد حيث مارس التعليم في دار المعلمين الابتدائية في بغداد. وكان لدراسته في الجامعة الامريكية في بيروت ومشاركته في النشاطات الاجتماعية الواسعة أثر في تحريره من المحيط المحدود الذي نشأ فيه. وكان لاختلاطه بالشباب العربي الجامعي وفي مقدمتهم الدكتور قسطنطين زريق أثر كبير في نفسه. فاصبح من المتحمسين للقومية العربية وتحديث المجتمع العربي .

والجمالي متزوج من سيدة كندية وله ثلاثة اولاد الكبير واسمه ( ليث) مريض وكان يعالج في اسكتلندا وياتي باستمرار لزيارته والاطمئنان عليه. والثاني اسامة وهو دكتور والثالث عباس وهو ايضا دكتور ومقيم في الاردن.

لقد عانى الجمالي في خريف عمره من الخيبة بسبب السياسة الخارجية الامريكية الا ان خيبته من الاطروحات والممارسات القومية العربية لم تكن اقل. فقد كتب في سنوات الغربة يقول" انه مما يؤلم القومي العربي اشد الالم ان يرى انه مضطر الى ان يتوقف ثماني مرات في سفرة بين عمان وبيروت في العهد الوطني بعد ان كان يمر بسهولة في ايام الاحتلال الاجنبي".
كان الدكتور الجمالي كارها للطائفية فكان يقول" ليس ادل على ان الطائفية ليست من الدين" مستندا الى قوله تعالى" ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء" ويضيف الجمالي " انه من المؤسف ان بعض البلاد بنيت على اسس طائفية . لذلك يجب ان ينشأ الجيل الجديد تنشئة تقوم على القضاء على هذه الاحوال وان يعرف جيدا بان الفرص المتساوية والاخوة القومية والشعور الانساني العام هي جوهر الدين وليست الطائفية من الدين في شيء".
وفي كتابه الذي نشر في بيروت عام 1969 تحت عنوان( رسالة مفتوحة الى الشعب العراقي الكريم) شخص فيه علل العراق وسبل خلاصه انطلاقا من ضرورة الوحدة الوطنية القائمة على الانتماء والولاء للعراق اولا.
لقد ندد الدكتور الجمالي بالعدوان الامريكي على العراق اثناء ازمة الكويت فكتب مقالا في صحيفة القدس العربي بتاريخ 12 حزيران 1991 جاء فيه" سمعنا عن طريق الاذاعة الامريكية نبأ تنظيم استعراضات عسكرية تقوم بها القوات المسلحة الامريكية العائدة من حرب الخليج في كل من واشنطن ونيويورك ابتهاجا بانتصار الحلفاء على العراق.
وتساءل الجمالي في مقاله: هل كان احد يشك في ان قوة الولايات المتحدة في وسعها ان تسحق جيش بلد صغير كالعراق ، وان تدمر العراق كله؟ اننا نتساءل هل ذلك فخر للولايات المتحدة ؟ وهل هو دليل عظمتها؟"
ويضيف الجمالي" الاكثرية الساحقة من العقلاء ومحبي السلام في العالم مقتنعون بان ما قامت به الولايات المتحدة من تدمير للعراق وحرمان لشعبه يسجل لطخة سوداء في تاريخ المدنية الغربية. هل في ذلك فخر للولايات المتحدة؟"
ويقول الجمالي" بوصفي صديقا قديما للشعب الامريكي ومدينا في حياتي للثقافة التي استقيتها من المعين الامريكي أخجل والله ان أقرأ وأسمع بان الولايات المتحدة تقيم استعراضات عسكرية لانتصارها على العراق. فهل تعلم بان كل ظلم وحرمان يسلط على الشعب العراقي بحرمانه الطعام والماء والدواء. وكل تفريق بين سكانه على اساس الدين والمذهب او العنصر هو جريمة بحق الانسانية. لماذا كل هذا الافتخار بعدوانكم على العراق؟ لماذا هذه القسوة والوحشية على العراق وشعبه؟ اخدعتم العالم باسم الشرعية الدولية؟ ولكن مفهومكم للشرعية الدولية برزت حقيقته في موقفكم من الاحتلال الاسرائيلي للاراضي العربية في فلسطين وجنوب لبنان والجولان السورية"
ويختتم الجمالي مقاله مخاطبا الامريكان: ان تدميركم العراق وقوة العراق كان من اجل اسرائيل وليس من اجل الكويت . هذه هي الحقيقة. انكم تعملون لكي تصبح اسرائيل الدولة المهيمنة على البلاد العربية توجه سياستها وتستغل خيراتها، وكلكم مخطئون. السلام لا يتحقق الا بالعدل واحقاق الحق، وهذا يتطلب استرجاع الفلسطينيين لحقوقهم المشروعة في وطنهم اولا"
وعندما وجه الرئيس الامريكي بيل كلنتون الدعوة الى الدكتور الجمالي لحضور احتفالات مرور خمسين عاما على تأسيس الامم المتحدة في سان فرنسيسكو باعتباره احد الموقعين على ميثاقها رد عليه برسالة مطولة رافضا الدعوة ومبررا هذا الرفض بالموقف الامريكي الذي استخدم المنظمة الدولية كاداة لقمع الشعوب العربية وقتل اطفال العراق وفرض الحصار عليهم.
كان الجمالي خطيبا مفوها وصائلا مجليا في الدفاع عن المقدسات العربية على المنبر الدولي فاستحق بشرف رئاسة حكومة بلاده التي قيل فيها انها الثورة البيضاء حيث اكد على اختيار اعضاء حكومته من الشباب اذ كان يرى فيهم مستقبل العراق الزاهر.
وقف الجمالي دون تردد مؤيدا جمال عبد الناصر في صفقة السلاح التي عقدها مع الكتلة السوفييتية عام 1955 بالرغم من العلاقات المتوترة بين مصر والعراق. وانتقد الجمالي الدول الغربية لعدم تلبتها طلبات مصر المتواضعة من السلاح بعد الهجوم الذي شنته القوات الاسرائيلية على مركز القيادة المصرية في قطاع غزة في شباط 1955.كما ايد الجمالي حق مصر في تاميم قناة السويس والقى خطابا دان فيه العدوان الثلاثي على مصر واستهجن التواطؤ البريطاني الفرنسي الاسرائيلي. كما ان الجمالي لم يتوقف عن انتقاد السياسة الامريكية المنحازة الى اسرائيل. وقد حاول الجمالي ومنذ عشرات السنين اقناع الولايات المتحدة باتخاذ مواقف اكثر توازنا والاستجابة الى المطالب العربية.
كان الدكتور فاضل الجمالي من المعادين للشيوعية .اذ كان من اسس سياسته ومبادئه الراسخة مقاومة الشيوعية ويعتبرها استعمارا من نوع جديد يهدد كيان الامة العربية ومبادئها وقيمها. اذ كان الجمالي يعتقد بوجود خطر شيوعي داهم على البلاد العربية ولم ينس ان الدولة الشيوعية ناصرت الحركة الصهيونية وزودت اسرائيل بالسلاح عام 1948. وفي مؤتمر باندونغ دافع الجمالي عن حلف بغداد الذي تعرض العراق بسببه الى انتقادات شديدة في المؤتمر قائلا ان من حق العراق التعاون مع جيرانه لدرء خطر التوسع السوفييتي ورفض الوقوف على الحياد في الصراع الدائر بين الغرب والسوفييت.
اي ان الجمالي عاد الى بغداد شخصا آخر جديدا غير الجمالي الذي ترك بغداد قبل بضع سنوات للدراسة في بيروت. كان الجمالي طموحا لتحقيق المزيد من الدراسة فتشبث للحصول على منحة دراسية . ونجح في سعيه فحصل على منحه مكنته من الدراسة في كلية المعلمين في جامعة كولومبيا بالولايات المتحدة، اذ التحق بها عام 1929 حيث حصل على شهادة الدكتوراه في علوم التربية من جامعة كولومبيا بنيويورك سنة 1932. وكان موضوع رسالته حول تعليم ابناء الريف والعشائر والتي نشرت بالانكليزية بعنوان( مشكلة تعليم البدو) بعدها عين مرشدا عاما في وزارة المعارف العراقية ثم مديرا عاما لها وبعد ذلك مفتشا عاما في ذات الوزارة.
وفي اوائل عام 1932 وصلت الى بغداد لجنة الكشف التهذيبي التي كانت وزارة المعارف العراقية قد استدعتها من بعض الجامعات الامريكية لدراسة نظام التربية والتعليم النافذ وقتئذ في العراق. وجاء بمعية اللجنة الدكتور فاضل الجمالي الذي عين مرافقا رسميا لها .

                 

وكان ذلك في عهد الملك فيصل الاول باني كيان العراق ومؤسس نهضته. وقد قامت اللجنة بمهمتها خير قيام وشخصت النواقص التي كان يعاني منها نظام التربية والتعليم في العراق انذاك تشخيصا دقيقا وقدمت تقريرها وتوصياتها الى وزارة المعارف العراقية.
وعقب عودة الجمالي من الولايات المتحدة شغل منصب مرشد التعليم العام بوزارة المعارف ثم مديرا عاما للوزارة ثم انتقل الى وظيفة مفتش المعارف العام ومنها نقل الى وزارة الخارجية.
وفي عام 1943 نقلت خدمات الدكتور محمد فاضل الجمالي الى وزارة الخارجية حيث عين مديرا عاما وانضم الى الوفد العراقي الى مؤتمر سان فرانسيسكو عام 1945 حيث وقع باسم العراق على ميثاق تاسيس الامم المتحدة.حيث تجلت موهبته الممتازة بمشاركته في وضع ميثاق الامم المتحدة وفي خطبه ونشاطاته فيها. لقد جعلت منه هذه النشاطات وهذا الجهاد المتواصل شخصية عالمية مرموقة، ورغم ذلك فقد ظل الجمالي يجاهد لخدمة وطنه العربي الكبير حيث ظل دائم الحنين الى وطنه الاول والى حقل عمله الاول وهو التربية والتعليم لخدمة الشعب العراقي وببناء الدولة العراقية. كما تراس الوفد العراقي الى المؤتمر الاسيوي الافريقي وما سمي بمؤتمر عدم الحياد الايجابي في باندونغ باندنونيسيا عام 1955 .
ففي مؤتمر باندونغ عارض رئيس وزراء بورما(او- نو) ادراج قضية فلسطين في جدول اعمال المؤتمر مدعيا انه طالما كانت اسرائيل غير ممثلة في المؤتمر فان الموضوع لا تجوز مناقشته. فانبرى له الجمالي قائلا اذا كان غياب اسرائيل يحول دون بحث قضية فلسطين فان غياب الدول الغربية التي لها مستعمرات في آسيا وافريقيا يجب ان يحول دون مناقشة مشاكل تلك الاقطار التي لا تزال تحت الاستعمار . وهدد الجمالي بالانسحاب من المؤتمر اذا لم تدرج قضية فلسطين. فادرجت قضية فلسطين بفضل اصرار الجمالي وموقفه هذا.

          

بل وكان الجمالي قد بعث برسالة الى الى وزير خارجية الولايات المتحدة جون فوستر دالاس قال فيها بصراحة غير مألوفة ان العلاقة بين امريكا والعرب لن تستتب ما لم تحل قضية فلسطين ويتحرر شمال افريقيا وما لم يتم الجلاء عن مصر. كما دافع الجمالي عن استقلال اندنونيسيا وكافح لاجل استقلال الصومال وحارب التمييز العنصري في جنوب افريقيا وآزر الشعوب الاسيوية والافريقية في نضالها.

                            


كان الجمالي من الداعين لوحدة الاقطار العربية فقد قدم مشروعا وحدويا الى الامير عبد الاله من اجل ان يعرضه على الحكومة البريطانية خلال زيارة الامير لها في السابع من تموز 1949 وتضمن المشروع ثلاثة مبادىء وهي:
اولا- ضرورة اتجاه البلاد العربية نحو الاتحاد، اهمية اتحاد سورية والاردن مع القسم العربي من فلسطين.
ثانيا- ضرورة معاونة بريطانيا في تطمين مصر والسعودية في ان اي اتحاد دفاعي تقتضيه مصلحة العرب لصد خطر اسرائيل.
ثالثا- مساعدة العراق في تحديد الحدود مع الكويت والبحث في ضم جزيرتي ووربة وبوبيان لتستعمل في انشاء ميناء عراقي.
ولعلها المرة الاولى التي تدخل فيها الكويت طرفا في سيناريو العلاقات العراقية السورية. ففي الوقت الذي يدعو فيه الدكتور الجمالي لاتحاد عراقي سوري ليكون من شأنه ان تصبح الموانىء السورية على البحر المتوسط منافذ عراقية ، ويدعو مشروع الجمالي البحث في قضية جزيرتي ووربة وبوبيان كمنفذ مائي للعراق.
واخيرا وقف الجمالي بشدة ضد الولايات المتحدة في حرب الخليج الثانية وانتقاده للسياسة الامريكية الهادفة لتدمير العراق وتجويع شعبه . وموقف الجمالي هذا موقف وطني لاعلاقة له بالنظام الحاكم ببغداد وانما لفهمه الصحيح لميثاق الامم المتحدة الذي وقعه هو باسم العراق عند تأسيس الامم المتحدة والذي يجعل استمرار الحصار على العراق أمرا غير شرعي. لان الحصار قد فرض على العراق بهدف اخراجه من الكويت . الامر الذي جعل استماره بعد خروج العراق منه غير مبرر من الناحية القانون الدولي.
شغل مناصب حكومية عليا في عهد الملكية في العراق حيث تولى رئاسة الوزراء مرتين الاولى عام بعد استقالة وزارة جميل المدفعي واستمرت من 17 ايلول 1953 الى 8 اذار 1954.1954 والثانية كانت من 8 اذارعام 1954 الى 19 نيسان 1954 وهي لم تزد في مجموعها عن ثمانية اشهر حاول ان يقوم بما في وسعه من اصلاحات فقد الغت وزارته الاحكام العرفية وسمحت للصحف المعطلة بالصدور حتى الشيوعية منها والتي كان النظام السائد انذاك في العهد الملكي يعتبر ترويجها جريمة يعاقب عليها القانون وفقا للمادة (89 آ) سيئة الصيت. وافرجت عن الطلاب المعتقلين واطلقت حرية الصحافة الى حد لم يعرفه العراق في اي عهد. وقد تعرضت وزارته لهجمات الصحافة وانتقاداتها المحقة والظالمة فتحملها بصدر رحب كما توجه الجمالي الى اصلاح الاوضاع الداخلية. فقد قاد ثورة بيضاء ضد التخلف والمرض والفقر اعداء الشعوب الثلاثة وانطلق مجلس الاعمار بمشاريعه خططه الاصلاحية في البناء والاعمار وحمل على المحسوبية والمنسوبية وضخ دماءا جديدة من الوزراء الشباب في الحكومة العراقية منهم عبد الكريم الازري وعبد الغني الدلي وعبد الامير علاوي وازال مظاهر العسف والتسلط في الدولة العراقية والغى الاحكام العرفية التي كانت تطبق في البلاد منذ عهد وزارة نور الدين محمود في 23 تشرين الثاني 1952 وسمح للاحزاب بمعاودة نشاطاتها السياسية وافسح المجال امام الاعلام وحرية الصحافة ، بالرغم من كل تلك الانجازات وقصر عمر الحكومة لم تتعرض وزارة في حياة الدولة العراقية وقتذاك نكبات وهزات كالتي تعرضت له وزارة الجمالي. ففي عهدها اجتاح العراق اخطر فيضان عرفه تاريخه الحديث.
كان الجمالي على النقيض من سياسة نوري السعيد فهو يقول : نحن من مدرستين مختلفتين في كل شيء، فنحن من مدرستين متباينتين في النشأة وممارسة الحكم. لنا عقليتان متمايزتان متنافرتان. حكم نوري السعيد العراق حكما بوليسيا . كان يريد الغاء الاحزاب ومنع الصحف وحرية التعبير عن الرأي. عمل نوري السعيد على انهاء الشيوعيين وابعادهم عن الحكم. اما انا فخلافه تماما.
ويقول الجمالي في حديث لصحيفة الشرق الاوسط بلندن نشرته عقب وفاته وذلك بتاريخ 14/7/ 1977 كانت لي امنيات كثيرة لم استطع تحقيقها. كنت اتمنى ان ارى الدول العربية موحدة . وقد بدأنا بفكرة الوحدة مع سوريا وانا صاحب فكرة الاتحاد الهاشمي بين مملكتي العراق والاردن، وانا اول من استخدم مصطلح ( الناصرية) بحق المرحوم جمال عبد الناصر. وكنت وراء ادخال محمد رضا الشبيبي وعبد الواحد آل سكر في مجلس الاعيان. وقد ساندت الدول الضعيفة والمستعمرة( بفتح العين) ودعمت مطالباتها في التحرر والاستقلال والتخلص من الاستعمار ولم ابخل بشيء. ان حب فلسطين يسري في دمي ولحمي. يجب ان تتحرر هذه الدولة ويعود اهلها اليها وتعود اسرائيل من حيث اتت.
ويضيف الجمالي: وقفت الى جانب الحق طوال حياتي ولم اخش في الله والحق لومة لائم، ولهذا حين حكم عليّ المهداوي بالاعدام وقف الى جانبي مسؤولو دول العالم وطالبوا الحكم الجديد باطلاق سراحي رادين الجميل اليّ. امثال الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وامين عام الامم المتحدة انذاك داغ همرشولد ورئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو والعاهل المغربي الراحل الملك محمد الخامس الذي زار في تلك الفترة دولا عربية عدة ورفض زيارة العراق قائلا لعبد الكريم قاسم الا ان تطلق سراح الجمالي، فاعطاه قاسم وعدا بذلك . فزار العراق في شهر رمضان وبقي اياما في بغداد يلح على عبد الكريم قاسم لاطلاق سراحي حتى خفض الحكم بحقي الى عشر سنوات . ولم يرض محمد الخامس رحمه الله حتى اطلق سراحي عام 1961 وبعد خروجي من العراق عرض عليّ ولده الحسن الثاني الاقامة في المغرب لكني اخترت تونس.
وعن راتبه في العراق حينما كان وزيرا او رئيسا للوزراء فيقول الجمالي: كان راتب الوزير على عهدي مائة دينار عراقي وليس هناك اية مخصصات اضافية لسيارة او سائق وما الى ذلك . كان على الوزير ان يحضر سيارته الخاصة وسائقه معه الى الدوام او الاجتاماعات والحكومة ليست ملزمة بتغطية هذه المصاريف. اما راتب رئيس الوزراء فكان مائتا دينار. وحين اصبحت رئيسا للوزراء اقترحت مضاعفة راتب الوزير الى 200 دينار على ان يطبق هذا الاقتراح بعد انتهاء حكومتي، كما الغيت وظاهر الحراسة وغيرها.
ويضيف الجمالي عقب مجيء البعثيين الى السلطة في 1968 قطعوا راتبي التقاعدي وهو حق لي ولاسرتي . اذ خدمت العراق ومنت موظفا في الدولة العراقية ، والدولة تقتطع جزءا من الراتب لاغراض التقاعد. ومنذ ذلك التاريخ لم استلم درهما واحدا من الدولة لا من السفارة العراقية ولا من غيرها. فالحكومة التونسية خصصت لي راتبا اعيش منه اذ لم اكن املك شيئا يذكر. كان لي بيت في بغداد صودر مني وحين اسأل بعض الناس عنه اليوم يقولون انه تحول الى خربة يسكن فيها بعض البدو الذين لا اعرفهم.

        

كما تولى رئاسة مجلس النواب مرتين وشغل عدة مناصب وزارية وخاصة الخارجية التي شغلها ثماني مرات وممثلا للعراق لدى الامم المتحدة كما انه كان اخر من بقي على قيد الحياة ممن وقعوا على ميثاق الامم المتحدة في مؤتمر سان فرانسيسكو عام 1945 اذ كان من اوسع الساسة العراقيين في العهد الملكي ثقافافة واكثرهم نشاطا حيث عرف بدفاعه المسميت عن القضايا العربية وخاصة قضية فلسطين والمغرب العربي. فقد تبنى قضية المغرب العربي كما لم يتبن اية قضية اخرى سواء في نضاله داخل الجامعة العربية مع عبد الرحمن عزام باشا او في الامم المتحدة، وقد عمل مع الوفد المغربي الذي كان يرأسه احمد بلافريج الامين العام لحزب الاستقلال نذاك فاصبح كما لو كان عضوا في الوفد المغربي. واتاح للوفد فرصا للعمل حتى ان وفد حزب الاستقلال كان يجلس في الجمعية العمومية للامم المتحدة بصفته عضوا في الوفد العراقي وبذلك كان يرفع صوت المغرب منددا بالاستعمار ومطالبا بالاستقلال. كما تزعم الجمالي الدفاع عن القضية المغربية في اجتماع الجمعية العمومية في باريس سنة 1951. وكانت خطبه وتصريحاته محرجة للوفد الفرنسي.

        

وحينما استقل المغرب كان الجمالي أول من وفد الى المغرب على رأس وفد عراقي . وحينما عاد الوفد الى بغداد بقي الجمالي في ضيافة العاهل المغربي الملك محمد الخامس وولي العهد الامير الحسن وذلك اعترافا من المغرب بجهود الجمالي في سبيل القضية المغربية.

       

حكم على الجمالي بالاعدام عقب قيام ثورة 14 تموز 1958 مع 55 عاما من السجن و200 الف دينار غرامة. الا ان تدخل عدد من رؤساء الدول والحكومات في العالم من اجل انقاذ حياته . كما تمكن العاهل المغربي الراحل الملك محمد الخامس من التدخل لدى الزعيم عبد الكريم قاسم لالغاء عقوبة الاعدام تمهيدا لاطلاق سراحه. حيث افرج عنه عام 1961 بعد ثلاث سنوات توجه بعدها الى جنيف. فقد جاء موقف جلالة العاهل المغربي الملك محمد الخامس ليدل على وفاء الشعب المغربي واعترافه بالجميل. اذ رفض الملك محمد الخامس ان يزور العراق حين قام بجولة شملت مصر وسوريا وكان مقررا ان يزور العراق وقال لا ازوره وفاضل الجمالي معرضا للموت بعدما صدر عليه حكم الاعدام.

    

وكان هذا الموقف سببا لانقاذ حياة الجمالي اذ قرر الزعيم عبد الكريم قاسم الغاء عقوبة الاعدام وبعدها قام العاهل المغربي بزيارة العراق يرافقه رئيس الوزراء الراحل عبدالله ابراهيم زعيم اتحاد الشغل المغربي. ومن هناك دعاه الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة للاقامة في تونس حيث كرمه ومنحه وساما ودرجة وظيفية وبيتا يدف ايجاره من خزينة الدولة وسيارة وسائقا, حيث عمل استاذا في جامعتها الى ان احيل على التقاعد، حيث عاش عيشة بسيطة وفقيرة معظم سنواته في منزل صغير على الشاطىء التونسي يكتب ويؤلف ويتردد على الجامعة وحيدا مع زوجته بعد ان كبر ابناؤه حتى وفاته عام 1997.حيث جرى له تشييع جماهيري حاشد رعاه رئيس الجمهورية التونسية زين العابدين بن علي وتراسه مفتي تونس الحاج محمد المختار السلامي كما اقيمت له مجالس الفاتحة في تونس والكاظمية ولندن.
وبوفاته انطوى علم من اعلام الفكر والثقافة وصفحة ناصعة من صفحات الجهاد والتضحية في سبيل الحرية والاستقلال والامن والتقدم للعراق وسائر الاقطار العربية والاسلامية ودول العالم الثالث.
لقد عاش الجمالي 36 عاما معززا مكرما في وطنه العربي الثاني تونس التي رحبت به واكرمته ايما كرم حيا وميتا واطلقت اسمه على احد شوارع العاصمة.
كان الجمالي يعيش حياة اقرب الى الزهد والتقشف ينفق مما بيده في اقتناء الكتب ومتابعة الصحف والفنون الرفيعة اكثر مما ينفق على مطاليب الحياة المادية ومظاهرها مقضلا العيش ببساطة وترفع واباء.
وكان الجمالي مسلما ورعا متمسكا بممارسة الشعائر الاسلامية متفهما لروح الاسلام وملتزما باداء الفرائض الدينية في مواقيتها وبكامل شروطها. يحفظ الكثير من آيات الذكر الحكيم ويحمل دائما في جيبه والى القرب من قلبه نسخة صغيرة من القرآن للبركة يرجع اليها مستشهدا بها في الرد على خصومه كلما دعت الحاجة ويأنس بتلاوتها في وحدته واسفاره. وكان مسلما مجددا يمقت التفرقة بين المذاهب والاديان والعناصر ويرى انها من البلايا والعقبات التي لابد من زوالها اذ اريد نحقيق الصفاء والسلام والوحدة الوطنية. وكان الجمالي مؤمنا ايمانا عميقا بالديمقراطية اليبرالية القائمة على التعددية ومبادىء الحرية والعدالة والمساواة. كا كان مؤمنا بالقومية العربية اشد الايمان.
وكان الجمالي ديمقراطي النزعة في سياسته وفي حياته الخاصة وعلاقاته مع الناس ، متفتحا ومتواضعا بعيدا كل البعد عن الغطرسة والتعالي يحترم الرأي المخالف ولا يحاول فرض ارادته على الاخرين. وكان يتمنى لو اتيحت له الفرصة لتطوير النظام السياسي في العراق وتوجيهه تدريجيا نحو الديمقراطية. فقد تشبع الجمالي منذ شبابه بالافكار والمبادىء الليبرالية وعلى الاخص احترام حقوق الانسان الاساسية التي نصت المواثيق والمعاهدات الدولية التي شارك في وضعها وصياغتها الوفد العراقي الى الامم المتحدة برئاسة الدكتور فاضل الجمالي ، وبعد رحلته الطويلة الصعبة في عالم التعليم والدبلوماسية والسياسية عاد الجمالي الى جذوره الاسلامية العميقة التي وجد فيها ما يغنيه عن كل شيء.
وكان الجمالي دائما هو ذلك الانسان الوفي لاخوانه المتواضع في سلوكه المتسامح حتى مع الد خصومه والمتفائل ابدا في اشد الظروف حلكة وظلاما صادقا في اقواله ومخلصا في عمله متمسكا بالمثل العليا. وكان قنوعا لاتغره مباهج الدنيا وزينتها عفيف اللسان متسامحا يغفر اساءة المسيئين اليه ويقول سامحهم الله.
كان الجمالي قد اعد نفسه لخدمة وطنه العراق ولبناء الدولة العراقية في حقل اختصاصه وهو حقل التربية والتعليم ، ولم يدر في خلده ان يعمل في حقلآخر او مجالات اخرى، ولكن ظروفا سياسية داخلية وخارجية تضافرت على ابعاده عن هذا الحقل الى حقل اخر، هو حقل السياسة الخارجية ، فاتيح له المجال لتسخير مواهبه وقابلياته للعمل لتحرير امته العربية من الظلم والاستعمار ، وقد ظل الجمالي يجاهد في هذا السبيل حتى تحقق تحرير الشمال العربي الافريقي( ليبيا وتونس والجزائر والمغرب) حيث تراس لجنة جمع التبرعات للثورة الجزائرية.
ففي عام 1946 حينما انعقد مجلس جامعة الدول العربية في بلودان بسوريا لاتخاذ ما يجب من التدابير ضد اصرار الرئيس الامريكي – ترومان- على بريطانيا الدولة المنتدبة على فلسطين بالسماح بهجرة مائة الف يهودي الى اسرائيل. تقدم الجمالي باسم العراق باقتراح فاجأ اعضاء المجلس حين طالب اولا بتخصيص مليوني باون استرليني من قبل دول الجامعة يذهب نصفها لتمويل مكاتب الاعلام العربية للوقوف ضد الدعاية الصهيونية في بريطانيا وامريكا خاصة ويذهب النصف الاخر لشراء الاراضي العربية والحيلولة دون شرائها من قبل الصهيونيين. وثانيا استخدام النفط كسلاح في محاربة الصهيونية والدول المناصرة لها ووقف ضخ النفط عن تلك الدول اذا استمرت في تحيزها للصهيونية.
وقد اعتبرت غالبية اعضاء مجلس الجامعة هذا الاقتراح خطوة متطرفة لا يمكن قبولها واتخذت قرارا بشطب كلمات الجمالي من محضر الاجتماع الامر الذي دفع الجمالي القول( لكم ان تشطبوا الكلمات ولكنكم لن تشطبوا الواقع، ان الحقائق ستفرض نفسها)

                           

وحينما تقدمت الولايات المتحدة بايعاز من الرئيس ترومان في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1947 باقتراح الى هيئة الامم المتحدة يقضي بتقسيم فلسطين اثار الجمالي بشدة موضوع شرعية هذا الاقتراح وصلاحية هيئة الامم لاتخاذ قرار بتقسيم بلد دون موافقة سكانه الاصليين. وطالب بضرورة استشارة محكمة العدل الدولية قبل الدخول في مناقشة الامر. وقد حظي اقتراح الجمالي بتأييد مندوبي الدول العربية والاسلامية وفي مقدمتهم فارس الخوري مندوب سوريا وظفر الله خان مندوب باكستان ودول العالم الثالث واحدث ارباكا في الجانب الامريكي ادى الى استعمال الرئيس الامريكي نفوذه الشخصي لدى عدد من دول العالم الثالث خاصة في امريكا اللاتينية لتمرير هذا القرار باكثرية ضئيلة.
ان حياة الجمالي وسيرته وكفاحه وتراثه ووصاياه هي بحق منار الاجيال وقيادة روحية وفكرية وريادية لمواجهة المستقبل واعبائه. فقد ترك الجمالي ثروة من المؤلفات ستبقى تغذي العقول والنفوس وتضيء سبل الخير والسعادة منها كتابه بعنوان( الخطر الصهيوني- بقيم ابن العراق) الصادر في القاهرة عام 1943 والذي اعيد طبعه عام 1977 في تونس والذي كان اول انذار بالخطر القادم ليس على فلسطين بل على جميع البلاد العربية من المخطط الصهيوني العالمي للتغلغل في تلك البلاد وتسخيرها للهيمنة والمصلحة الصهيونية والقضاء على مقوماتها. اذ يقول الجمالي في مقدمة الطبعة الثانية من كتابه هذا" حررت هذه المقالات اثناء الحرب العالمية الثانية يوم كان الصهاينة في بريطانيا والولايات المتحدة يخططون لانشاء الدولة اليهودية وكان العرب بعيدين عما يجري وراء البحار.. وان الاخطار التي حذرت منها أمتي قبل ثلث قرن من الزمن قد داهمتهم بالفعل. . ان المعطيات الاساسية للقضية الفلسطينية لم تتغير وحقوق العرب المشروعة في وطنهم فلسطين ثابتة ما دامت في الكون شرائع سماوية وحقوق وقوانين انسانية".
رفع الجمالي صوته اكثر من مرة حينما كان وزيرا للخارجية او مندوبا عن العراق لدى الامم المتحدة مستنكرا المجازر الصهيونية في دير ياسين وفي قبية ونحالين وغزة وكفر قاسم.
ولما تسلم فاضل الجمالي رئاسة الحكومة كان يظن انه يتمتع بتاييد نوري السعيد ولكنه حين تعرض للنقد والهجوم من قبل العناصر القومية واليسارية ولم ينبر اتباع نوري السعيد من اعضاء الحزب الدستوري للدفاع عنه في البرلمان اضافة الى الخلافات التي برزت بين نوري السعيد والجمالي الذي اشار اليها في مقال نشره في مجلة( فورم) الفصلية التي تصدرها باللغة الانكليزية جمعية خريجي الجامعة الامريكية في بيروت فابدى توضيحا في قضية الاستقالة هذه فقال انها لم تكن بسبب الانتقادات الموجهة الى وزارته حول معالجتها مشكلة الفيضان الذي حدث عام 1054 وانما هو استقال لاختلافه مع نوري السعيد حول سن قانون بتقييد الاحزاب والصحافة وسحب الجنسية العراقية عن بعض العناصر العراقية بتهمة ( الافكار الهدامة) ورغبته في تشريع قوانين للاصلاح الزراعي والمعونة الاجتماعية ورفض نوري الموافقة عليها . اما السبب المباشر للاستقالة فكان على حد قول الجمالي اختلافه مع نوري السعيد في سياسته الخاصة بالاتحاد مع سوريا لانه بمساعدة صالح جبر تعاون على اسقاط حكم اديب الشيشكلي في سوريا وكانت الخطوة التالية هي اتخاذ الخطوات الدستورية نحو الاتحاد وكان تنفيذ السياسة يتطلب بعض النفقات التي كان لابد من استصدار قوانين بها ولكن نوري عارض في ذلك ولما كانت الاغلبية في مجلس النواب الى جانب نوري قرر الجمالي الاستقالة.
وحينما قدم الجمالي استقالته قبلها القصر واتجه نحو نوري السعيد كعادته طوال ربع قرن من الزمان فوافق نوري على القيام بتشكيل وزارة جديدة ولكنه اراد ان يدخل الجمالي فيها وقيل ان نوري يرمي من ذلك الحصول على تاييد الجماعة الملتفة حول الجمالي من ذوي الميول المتحررة ليقابل بها معرضة منافسه الاول صالح جبر وحزبه حزب الامة والعناصر اليسارية المتفرقة وربما كان هناك ايضا بعض الضغط على نوري من القصر لايجاد مكان للجمالي لان الجمالي كان مقربا من ولي العهد عبد الاله الذي كان يوفده احيان بمهمات ذات طابع شخصي.الا ان الجمالي ينفي ذلك ويقول انه لما كان ملحقا بالسفارة العراقية في لندن سنة 1947 جاءها الجمالي موفدا من عبد الاله ليبحث عن مدرسة ملائمة للملك فيصل الثاني . كما ان الجمالي يذكر كذلك انه اوفد الى احدى الدول العربية بمهمة خاصة قيل في حينه انها تتعلق بزواج الملك فيصل الثاني
يقول السفير الامريكي في بغداد والدمار غولمان للفترة من 1954 الى 1959 ان نوري السعيد حدثه عن الجمالي عقب اختياره رئيسا للوفد العراقي الى مؤتمر باندونغ في نيسان 1955 وذلك لاسترضاء الجمالي وقال ووصفه نوري بانه شيطانه الصغير وقد وجد من الحكمة ان يسترضيه من وقت لاخر بتعيينه لمهمات مختلفة.
اراد نوري السعيد ان يشرك الجمالي في وزارته لاسباب دينية كذلك فقد اعتاد رؤوساء الوزارات في العراق ان تمثل في وزاراتهم الطائفتان الاسلاميتان السنة والشيعة وكان الجمالي وهو شيعي محترم وذو خبرة في الشؤون العامة يفي باغراض نوري في هذا الشان ولكن الجمالي لم يكن مزاجه يمكنه من تلبية الطلب مباشرة بعد تخلي رجال نوري عنه في البرلمان فرفض عرض نوري مظهرا روحا استقلالية.
كان رفض الجمالي مفاجأة لنوري الذي ساعده كثيرا في حياته العامة والواقع ان الجمالي في مناسبات عديدة اظهر استعداده لتلبية رغبات نوري وهكذا لم يواصل نوري محاولته لتاليف الوزارة بعد ان رفض الجمالي عرضه وظن بعض المراقبين ان نوري شعر بان ولي العهد لم يكن جادا حين طلب اليه تاليف حكومة في ذلك الوقت.
كان فاضل الجمالي من مؤسسي- العروة الوثقى- مع قسطنطين زريق واسماعيل الازهري وذلك قبل دخول مؤسسي حركة القوميين العرب اليها والسيطرة عليها اذ كان الجمالي وجماعته غير الاشتراكيين من المطالبين بمصالحة الغرب ومناصرة امريكا في سعيها لازاحة الاستعمار التقليدي القديم( الفرنسي والبريطاني)
كانت وزارة الجمالي الاولى التي تشكلت في 17 ايلول عام 1953 قد الغت الاحكام العرفية التي كانت قد اعلنت سابقا في حكومة الفريق نور الدين محمود عام 1952 اثناء قيام الانتفاضة ولم تكتف وزارة الجمالي برفع الاحكام العرفية وانما اعادت النشاط للاحزاب السياسية التي كانت قد حظر نشاطها مع الصحف المحلية في المرحلة نفسها
وفي رسالة وجهها الجمالي الى الشعب العراقي نشرتها صحيفة الحياة البيروتية في 2/2/1969 اعرب فيها عن حزنه لما يتعرض له العراق من ازمات منذ 14 تموز 1958 فقال" اؤكد لكم باني لم تغمض لي عين في يوم من الايام دون ان افكر في احوال العراق وما حلّ بالعراق في السنوات العشر الاخيرة. فقد كان ينتظر من العراق ان يقوم بدور حيوي في انتاج الخيرات والبركات لابنائه خاصة وللانسانية جمعاء.كما كان ينتظر من العراق ان يقوم بدور فعال في الدفاع عن الحرية والعدالة في العالم ولاسيما في حقل الدفاع عن اخواننا عرب فلسطين.
وتساءل الجمالي : ما الذي جعل العراق الغني يلجأ الى الاستجداء والاستقراض.ما الذي جعل العراق بلد الخيرات والبركات يستورد الطعام من الخارج.
وقال ان العراق بكل ترابه يشكل وحدة وطنية جغرافية وتاريخية تتآخى فيه كل العناصر التي اتخذت من العراق موطنا نعمت بمائه وهوائه وخيرات ترابه.فالرابطة الوطنية تؤاخي بين العربي والكردي والتركماني والفارسي والاشوري والارمني وبين المسلم والمسيحي واليهودي والصابئي واليزيدي وبين ابن الموصل وابن بغداد وابن كركوك وابن الديوانية وابن كربلاء وابن البصرة..وبين البدوي والقروي والمتحضر. وبين المثقف ثقافة غربية او ثقافة دينية او شعبية. كل العراقيين اخوة. هو عراق الجميع ويجب ان يساهم الجميع في جهاز الحكم وان يكون للجميع صوت مسموع في سياسة بلدهم مباشرة بواسطة ممثليهم المنتخبين بصورة حرة وشرعية. وراي الاكثرية هو المعمول به على شرط ان لا يسحق الاكثرية حقوق الاقليات وتخمد اصواتها. يجب القضاء على العصبيات العنصرية والمذهبية والاقليمية كما يجب التخلص من من الانانية التي تدفع الى الاستيلاء على الحكم بالعنف والقوة وذلك بان يشارك الجميع في انتخاب المسؤولين وجعل المواطنين يشعرون ان العراق هو عراقهم وان حكومة العراق هي حكومتهم. وهذا يتطلب العودة الى التمثيل النيابي الصحيح في الحكم.

يقول فاضل الجمالي ليس صحيحا ان نوري السعيد شجع ايدن على ضرب مصر ولم يكن العراق يعلم بالعدوان الثلاثي انها مجرد دعاية ضد العراق في ذلك الوقت. بل لقد علم نوري السعيد بنوايا بريطانيا وخططها لمهاجمة مصر في اواخر شهر تموز/يوليو حيث طلب منه نوري السعيد ومن توفيق السويدي العودة من لبنان حيث كانا في زيارة هناك فقام نوري السعيد باخبارهم حول الهجوم الوشيك وطلب من الجمالي ان يذهب الى مصر ويبلغ عبد الناصر بذلك. الا ان الجمالي يقول بانه رفض الطلب فتم تكليف السويدي بالذهاب بدلا منه والذي ذهب فعلا الى القاهرة وابلغ عبد الناصر بامر الهجوم. ويذكر الجمالي ان نوري السعيد قد قام في شهر آب 1956 باصدار تعليماته الى الجمالي بالعودة من روما الى بغداد حيث كان يزورها انذاك لمناقشة بعض المشاكل التي قد تحصل في العراق نتيجة الهجوم الوشيك على مصر. ويقول الجمالي في رسالة بعث بها للدكتور وليد الاعظمي بانه طلب من السفير البريطاني في بغداد ان يبلغ وزير الخارجية البريطاني سلوين لويد بعدم تورط بريطانيا في اي عدوان على مصر . ولا اعتقد ان طائرات القوة الجوية البريطانية الملكية استخدمت قاعدة الحبانية خلال حرب السويس لضرب مصر والتزود بالوقود اذ انها مجرد دعاية معادية للعراق.
وكانت اذاعة صوت العرب المصرية قد اذاعت خبرا مفاده قيام الطائرات البريطانية باستخدام القواعد الجوية البريطانية في العراق لضرب مصر وقصفها بالقنابل.
وبعد العدوان البريطاني الفرنسي بادر نوري السعيد في 10 تشرين الثاني الى قطع العلاقات الدبلوماسية مع فرنسا وليس مع بريطانيا بالرغم من ابعاد لندن عن حضور اجتماع حلف بغداد.ولعبت التماسات نوري السعيد في اقناع حكومة ايدن بالموافقة على وقف اطلاق النار . كما رحبت الحكومة العراقية بعد ذلك بقرار بريطانيا وفرنسا بسحب قواتها من مصر اذ قام وزير الخارجية العراقي برهان الدين باش اعيان يوم 5 كانون الاول 1956 بتكرار طلب حكومته الذي اذيع يوم 13 تشرين الثاني ببيان اخر لهذا لغرض .
كما طالب هاشم جواد ممثل العراق في الامم المتحدة بتطبق بنود ميثاق الامم المتحدة لمعاقبة المعتدين الذين رفضوا تنفيذ قرارات الامم المتحدة بوقف اطلاق النار واكد ان وفد العراق متلهف لانهاع الصراع وعودة السلام والعدل الى المنطقة.
واشار رئيس الوفد العراقي الى الامم المتحدة الدكتور فاضل الجمالي في خطابه الافتتاحي الى التطلعات العربية لوقف التسلل البريطاني والفرنسي ضدها بعد الحرب العالمية الاولى وذلك من خلال استخدام الاساليب الاستعمارية للقرن التاسع عشر " فرق واحكم" وبدعم الصهيونية وجلب اليهود من كافة انحاء العالم الى فلسطين وطرد الفلسطينيين من ديارهم . وجه الجمالي اللوم الى القوى العظمى والاتحاد السوفييتي الذين سببوا مأساة فلسطين. وارجع الجمالي في خطابه معضلة الشرق الاوسط الى ثلاثة اسباب: الاولى رغبة العرب في التمتع باستقلالهم التام. وثانيا استعادة الحق والعدل الى فلسطين والاعتراف بحقوق الفلسطينيين بالعودة الى اراضيهم. وثالثا صراع الشرق والغرب لادامة نفوذهم في المنطقة. ثم اكد الجمالي بعد ذلك بان اسم اسرائيل مرادف في منطقة الشرق الاوسط للعدوان وبان التحالف البريطاني الفرنسي مع اسرائيل المعتدية سوف لا يقدم حلا لقضية الشرق الاوسط . ثم اشار الجمالي بانه من وجهة نظر وفد العراق فان المسألة الفلسطينية هي اساس معضلة الشرق الاوسط . واقترح حلين للتعامل مع المعضلة الاول بالوسائل السلمية استنادا الى روح ومضمون ميثاق الامم المتحدة والاعلان العالمي لحقوق الانسان وذلك بعودة كافة اللاجئين من الشعب الفلسطيني الى ديارهم في فلسطين والعودة الكاملة لحقوقهم السياسية من بلادهم فلسطين. ثانيا: ترك الموضوع لسياسة القوة لملائمة والتي قد تؤدي بالتالي الى اندلاع الحرب بين الشرق والغرب كل منهما يتخذ موقفا لا ينسجم مع الحق والعدل بل يتلاءم مع المصالح الذاتية والمكاسب الوقتية.
وعلق الجمالي حول موضوع العدوان الاسرائيلي ضد مصر قائلا بان العراق يرتبط بمصر بروابط الاخوة ويهمه وحدة اراضي وأمن مصر القومي . وقال بان اي عدوان ضد مصر يعتبر عدوان ضد العراق وان العراق اصيب بالفزع من هذه الهجمة التي تعتبر خرقا للسلام في المنطقة والتي وضعت العالم على حافة حرب عالمية ثالثة . ودافع الجمالي بعد ذلك عن حق مصر في تاميم قناة السويس معبرا عن وجهة نظر حكومته في ان يوضع حلا عادلا وسليما للمعضلة.
واضاف الجمالي ان الحكومة العراقية اصيبت بالدهشة من تصرف بريطانيا في انضمامها الى فرنسا واسرائيل لتسهيل عملية الاحتلال الاسرائيلية لغزة وشبه جزيرة سيناء. واشار الجمالي ايضا الى الاساليب البريطانية والفرنسية في مهاجمة مصر والمشابهة لاساليب القرن التاسع عشر. وقال الجمالي ان العراق كان وسيبقى نصيرا للتحرر العربي والوحدة العربية . واكد ان حلف بغداد جاء كاداة دفاعية وسلمية في منطقة الشرق الاوسط وان العدوان على مصر اثار مشاعر كل عراقي . ودعا الجمالي الى انسحاب القوات الغازية واشار الى التآمر الخفي بين الاطراف الثلاثة وخاصة بين فرنسا واسرائيل .
ويتحتم عليّ في هذا المقام ان اسرد المواقف الاخرى المشرفة التي انتهجها نوري السعيد والحكومة العراقية اثناء ازمة السويس في لندن وفي العراق وعلى الصعيد الدولي وذلك لفضح الافتراءات المزيفة التي سجلتها الدعاية المصرية ضد رجل ساهم وضحى في بناء اركان العروبة ووحدتها بالنفس والنفيس.
لقد توالت محاولاته بعد ذلك في الاوساط السياسية البريطانية لتهدئة جو ملبد بالغيوم وتمسك نوري السعيد في كل محادثاته بابراز اخطاء المعسكر الغربي في معاملاته مع حكام مصر والبلاد العربية.
لقد ذكّرّهم بمحادثات سابقة بالغ هو خلالها في الالحاح على امريكا وبريطانيا بوجوب تسليح الجيش المصري فورا وعدم ترك المجال لتسرب نفوذ امم اخرى في المنطقة عن طريق التسليح نظرا لخطورته على الاستقرار في المنطقة، كما انتقد الموقف السلبي الذي اتخذه البنك الدولي تجاه مصر عندما سحب موافقته على تمويل مشروع السد العالي ، وتحاشت امريكا وبريطانيا تقديم اية مساعدة لمصر في هذا الشأن .وبيّن نوري السعيد للمسؤولين ايضا ان هذه المواقف السلبية هي التي دفعت عبد الناصر الى اتخاذ هذا السبيل.

في تأبين الجمالي
قسطنطين زريق
يتحدث الدكتور قسطنطين زريق عن الجمالي اثناء تأبينه فيقول: عرفت الجمالي فتى ناشطا حين كنا من طلاب الجامعة الامريكية في بيروت في اواخر العشرينات وكنت انعم بصحبته وازهو. وكثيرا ما كنا نتناقش في احوال امتنا العربية وما يجيش في صدور ابنائها من آمال وما يواجهها من افكار وتحديات فنأسى احيانا ونضطرم احيانا اخرى تطلعا الى المستقبل الرهيب وتحريا لواجبنا في اعداده وفي تحمل مسؤولياته الجسام. وظللنا نلتقي خلال السنوات السبعين التالية في بيروت أو بغداد او غيرهما من حواضر الشرق او الغرب. واشهد اني لم اسمع منه خلال تلك المدة المديدة والشديدة الاضطراب اية فكرة جائرة او كلمة نابية بشأن القضايا التي كنا نعالج أو الاشخاص الذين وافقوه وساندوه او اولئك الذين خالفوه وعادوه.

عدنان الباجه جي

اما عدنان الباجه جي فيتحدث عن الجمالي في تأبينه فيقول: عملت معه عضوا في الوفد العراقي الى الجمعية العامة للامم المتحدة خلال خمس دورات كانت آخرها الدورة الحادية عشرة في سنة 1956- 1957 كنت وقتئذ أمثّل العراق في لجنة الوصاية والمستعمرات، وقد شجعني الجمالي على اتخاذ مواقف واضحة ومتشددة في مساندة حركات التحرر في افريقيا وآسيا وكان الجمالي رحمه الله يقول : اذا كنا نطلب الحرية لانفسنا فكيف لا ندافع عن حق الاخرين في نيلها؟ وان تأييدنا لكفاح الشعوب للتخلص من الاستعمار نابع من مبادئنا القومية العربية التي لا يمكننا المساومة بشأنها .
ويضيف الباجه جي : لقد كان الجمالي قوميا عربيا ملتزما التزاما كاملا بالفكرة القومية ومؤمنا ايمانا مطلقا بضرورة الوحدة العربية وحتميتها. عالج بهذه الروح القضايا المعروضة على الامم المتحدة وفي مقدمتها قضية العرب الكبرى فلسطين. وكفاح شعب تونس والمغرب والجزائر من اجل الحرية والاستقلال. وكان رحمه الله يعلق اهمية كبرى على ضرورة تضامن الوفود العربية ووقوفها صفا واحدا في المجتمع الدولي.

عفيف صافية

وقال عنه عفيف صافية المفوض الفلسطيني العام لدى المملكة المتحدة اثناء حفل تابين الجمالي: انه رجل مخلص لامته ، شاءت التناقضات العربية والدسائس الصهيونية والدولية ان يتهم بالباطل وان يصدر عليه حكم الاعدام وبالغرامات الباهضة وان يقضي نحو اربع سنوات في السجن لا رفيق له سوى ( القرآن الكريم) وهو مهدد كل يوم لان يدعى للمشنقة الى ان انقذه الله بوساطة عدد من رؤساء الدول العربية والاسلامية وبالاخص جلالة الملك محمد الخامس ملك المغرب.

برهان الدجاني

اما برهان الدجاني فقد قال في تأبين الجمالي انه كان من الرعيل التأسيسي للفكر القومي العربي جنبا الى جنب مع الاستاذين الكبيرين ساطع الحصري وقسطنطين زريق وكان له مثلهما فضل على اجيال عديدة من خلال مهماته التربوية الكبيرة والتي كان لها الاثر العظيم في بناء الصرح التربوي في العراق. ولن تنسى له الامة العربية ولا شعب فلسطين دفاعه عن قضية فلسطين في الامم المتحدة وعمله لهذه القضية في جميع المجالات العربية والدولية باندفاع وايمان كان لهما ابلغ الاثر في الفترات الصعبة التي مرت بها القضية والتي لا تزال وستبقى حتى تحرير ارض فلسطين كلها محط النضال لكل مناضل شريف يؤمن بالحق والعدل.
واضف الدجاني: كان الجمالي يمثل دعوة التعقل والاعتدال والنظرة الموضوعية الهادئة الى الاحداث والافكار والرجال. فكان بذلك يمثل اللقاء العظيم ما بين النظرة العلمية الحديثة والايمان الراسخ بالله عزوجل وبالاسلام ورسالته الى البشرية جمعاء. واذا تحدثنا عن القيم والاخلاق فهو رجل القيم والاخلاق. واذا تحدثنا عن الايمان فهو رجل الايمان. واذا تحدثنا عن التفاعل ما بين تراثنا العظيم والحضارات المستجدة والمحيطة فهو العراف بجوهره واصالته وثباته على مدى الدهر.
نجدة فتحي صفوة

وفي تأبين الجمالي قال نجدة فتحي صفوة : على الرغم من تأثر الجمالي بالفكر الغربي والثقافة الغربية وقضائه سنوات طويلة في امريكا وزواجه من سيدة كندية قد حافظ على القيم الاساسية لمجتمعه ، فكان لا يشرب الخمر، ولا يدخن ولا احسبه اضاع دقيقة من وقته في ملهى او جلس على مائدة ميسر وكان بسيطا في مأكله ومتواضعا في حياته اليومية. وكان متابعا للحركات الفكرية والسياسية في العالم ، جماعا للكتب تواقا الى المعرفة ، محبا للموسيقى، حريصا على الاستماع الى كل محاضرة يسمح وقته بحضورها، وكل نشاط ثقافي يجده مفيدا، ينتمي الى كل جمعية خيرية او ثقافية بدعى لعضويتها وكان من مؤسسي نادي المثنى ( القومي) ونادي القلم ( الدولي) ورابطة التربية الحديثة وعشرات الجمعيات والنوادي ذات الاهداف القومية والثقافية المتنوعة.
وقد اثرى الجمالي المكتبة العربية بزهاء ثلاثين مؤلفا في التربية والايمان والفلسفة والسياسة.

غسان العطية

وقال عنه الدكتور غسان العطية: ان البعد الاخر لثقافة الجمالي بعد اسلامية مدارس الخالصي وقومية الجامعة الامريكية في بيروت هو نزعته التربوية التي تلقنها على يد ابرز التربويين. جون ديوي في جامعة كولومبيا فطالما اختلط المربي بالسياسي فكان يقول " العروبة اخلاق قبل كل شيء"
ويضيف العطية: ولكن طالما ظلم الجمالي من جيل الاربعينات والخمسينات وانا احدهم عندما اعتبرنا اجتهاده خيانة واختلافه جريمة . فكتب الدكتور الجمالي اخيرا في هذا الشأن يقول" علاقتي بالولايات المتحدة هي علاقة ثقافة وصداقة عمرها 73 سنة، وعلاقتي بالسياسة الخارجية الامريكية علاقة الصديق مع الصديق، اقترح وانتقد ولا اسكت اذا اعتدي على امتي خاصة والانسانية عامة، وربما كنت العربي النادر الذي يخاطب الامريكيين مخاطبة الند للند وليس مخاطبة الضعيف للقوي. شعاري معهم . صديقك من صدقك وليس من صدّقك. لم اسكت على الظلم الذي الحقوه بالشعب الفلسطيني في انحيازهم المفرط لاسرائيل. كما لم اسكت على المظالم التي اوقعوها على الشعب العراقي وانا انتقدهم دفاعا عن حقي وحفاظا لسمعتهم وكرامتهم ومصالحهم في الشوط البعيد . فالولايات المتحدة دولة عظمى ليس بقوتها العسكرية وثروتها فحسب بل بمبادئها السامية التي ترتفع بالانسانية".
وقال عنه عبد الغني الدلي اته صاحب الفضل الاول في تطوير سياسة العراق الدولية وتوجيهها بقوة نحو خدمة اهداف الامة العربية والاسلامية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. اذ كانت له مواقف جريئة وخطب بليغة مدوية باللغة الانكليزية التي كان يتقنها في قاعات هيئة الامم المتحدة التي كان احد الموقعين على ميثاق تأسيسها دفاعا عن حقوق الشعوب العربية في الحرية والاستقلال خصوصا دول الشمال الافريقي. وقد حظي بتقدير زعماء العالم الثالث واحترامهم.

عبد الباري عطوان

وتحدث عنه عبد الباري عطوان صاحب صحيفة القدس العربي بلندن فقال : كانت وقفة الجمالي اثناء أزمة الاجتياح العراقي للكويت عندما وقف وقفته الوطنية الشجاعة وعارض العدوان الامريكي على بلاده بصلابة ، في الوقت الذي كان الكثير من العراقيين يرقصون طربا مع كل صاروخ امريكي او عربي يضرب الامنين العزل في بغداد وباقي المدن العراقية الاخرى. وانه لابد من الاعتراف بان موقف الدكتور الجمالي الواضح والقوي المعادي للولايات المتحدة وعدوانها على العراق كان نقطة تحول جذرية في السياسة العراقية من حيث مضمونه ومن حيث توقيته. فقد خيب آمال الكثيرين خاصة في صفوف بعض اوساط المعارضة العراقية التي راهنت على الولايات المتحدة كاداة للتغيير المنتظر في العراق. فالرجل محسوب على الملكية والتوجهات الغربية ومحكوم عليه بالاعدام من قبل الثوريين في العراق ، وكان متوقعامنه ان يقف في الخندق الامريكي البريطاني الخليجي ، ولكنه لم يفعل وكان فارسا اصيلا في موقفه هذا الذي ظل وفيا له حتى اللحظة الاخيرة من حياته.
عرفان نظام الدين:وقال عنه عرفان نظام الدين: انه السياسي الفذ ورجل الوطنية الحقة والعروبة الحقيقية والمربي والاديب والمؤرخ.

   

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

3301 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع