ما هو دور احمد صالح العبدي في ثورة ١٤ تموز ١٩٥٨ ؟
اتفق الزعيم عبد الكريم قاسم مع العقيد عبد السلام عارف وعدد قليل من اعضاء تنظيم الضباط الاحرار على تنفيذ الثورة والسيطرة على العاصمة بغداد عند المرور بها متوجهاً إلى قاعدة اج ثري (H3) بعد ان يتم السيطرة على اللواء العشرين . وتم الاتفاق على ان يتولى العقيد عبد السلام عارف ابلاغ المكلفين بتنفيذ العملية .
واجتمع الزعيم عبد الكريم قاسم والعقيد عبد السلام عارف والعقيد عبد اللطيف الدراجي في 12 تموز 1958 قبل التحرك نحو بغداد واطلعوا على صيغة البيان الأول للثورة وعلى أسماء أعضاء مجلس السيادة والوزراء وإحالة بعض الضباط على التقاعد والتعيينات في المناصب الكبيرة العسكرية والمدنية واتفقوا على تقسيم الأعمال. حيث يقوم الزعيم عبد الكريم قاسم ولواؤه التاسع عشر بحماية مؤخرة الجيش الزاحف بمساعدة الزعيم الركن أحمد صالح العبدي والسيطرة على مقر الفرقة الثالثة واعتقال قائدها اللواء غازي الداغستاني.
أما العقيد عبد السلام عارف فكانت مهمته السيطرة على اللواء العشرين واحتلال دار الاذاعة وقصر الرحاب ودار نوري السعيد ومقر الشرطة السيارة. ثم يتولى العقيد عبد السلام عارف اذاعة بيانات الثورة.
ويتحدث عبدالكريم الجدة عن اتصالاته بالزعيم عبد الكريم قاسم قبيل يوم الثورة فيقول (( في صبيحة يوم 13 تموز 1958 اتصل الزعيم عبد الكريم قاسم بالزعيم أحمد صالح العبدي وطلب منه التوجه إلى مقره في معسكر المنصور للمداولة معه بشأن إلحاق كتيبة مدفعية بلوائه التاسع عشر، فأدرك الزعيم أحمد صالح العبدي من سياق الحديث بأن الزعيم عبد الكريم قاسم لا يطلبه لهذا الأمر، إنما للمشاورة معه في أمر آخر، فسافر الزعيم أحمد صالح العبدي إلى معسكر المنصور والتقى بالزعيم عبد الكريم قاسم الذي أطلعه على تفاصيل الخطة واعلمه بتنفيذها في صباح يوم 14 تموز، والتحرك بلوائه بعد اللواء العشرين وطلب إليه أن يلتحق صباح اليوم المذكور عند سماعه التعيينات من دار الإذاعة بمنصبه الجديد رئيساً لأركان الجيش.
وقد استقل الزعيم عبد الكريم قاسم سيارة الزعيم أحمد صالح العبدي وسافرا معاً إلى جلولاء لحضور توديع اللواء العشرين الذي سوف يسافر ليلة 13/14 تموز 1958 إلى الأردن. وعندما وصلا إلى جلولاء لتوديع اللواء العشرين قبل تحركه باتجاه بغداد, التقيا بالعقيد عبد السلام عارف وأخبراه بأنّ اللواء التاسع عشر الذي يقوده سيكون من ورائهم .
بعد إذاعة البيان الأول في الساعة السادسة صباحاً من دار الإذاعة في بغداد. وانه على استعداد كامل لنجدتهم في حالة اشتباكهم بمعركة مع الحرس الملكي أو قوة شرطة السيارة)). يذكر الملازم الثاني خالد عبد الجبار الخياط والذي كان ضابط خفر في ذلك اليوم انه (( في ليلة 13/14 تموز 1958 خرج اللواء غازي الداغستاني قائد الفرقة الثالثة لتفتيش اللواء العشرين من مقر اللواء وخرج معه الزعيم الركن عبد الكريم قاسم والزعيم الركن أحمد صالح العبدي والزعيم الركن أحمد حقي محمد علي، وعندما بدأ اللواء غازي الداغستاني بتفتيش افواج اللواء وصل الفوج الثالث وآمره العقيد عبد السلام عارف شاهد احدى السيارات وهي سيارة المطبخ حملها غير نظامي فشاط غضباً وقال لعبد السلام عارف أهكذا تعلمت تحميل السيارات العسكرية فأمره بتفريغ حمولتها على الأرض لتفتيشها واعادة ترتيبها. فيقول أحمد صالح العبدي فتغير وجه العقيد عبد السلام عارف ونظر إلى عبد الكريم قاسم ومن ثم إلى وجهي – أحمد صالح العبدي – فأدركنا انه خبأ العتاد في هذه السيارة. فبادر الزعيم عبد الكريم قاسم ومسك يد اللواء غازي الداغستاني وقال له باللهجة العامية باشا الجماعة متهيئين ومتوكلين على الله وسيارة وحدة مخربطة ما تأثر يقول فامر بعدم انزال الحمولة وتفتيشها.
ويذكر العقيد جلال عادل (( عندما رجع قائد الفرقة الثالثة اللواء غازي الداغستاني إلى مقر الفرقة في ليلة 14 تموز 1958 استدعاني الزعيم الركن عبد الكريم قاسم وكان معه الزعيم الركن أحمد صالح العبدي وقد تحدثا معي على انفراد بعيداً عن العقيد عبد السلام عارف الذي كان واقفاً على جانب آخر فطلب مني الزعيم عبد الكريم قاسم ومعه الزعيم أحمد صالح العبدي أن أكون في إمرة عبد السلام عارف عندما يتحرك اللواء العشرين متوجهاً إلى بغداد وكلفني أن أكون على رأس الفوج الثاني. ومن هاتين الشهادتين لكل من الملازم الثاني خالد عبد الجبار الخياط و العقيد جلال يحيى ما هو الا التأكيد على دور واهمية احمد صالح العبدي في ذلك اليوم المهم من تاريخ العراق المعاصر.
عندما عاد الزعيم أحمد صالح العبدي إلى داره في الليلة نفسها, في وقت متأخر, غيّر ملابسه وجلس فوق سطح الدار يستمع إلى الاخبار بواسطة المذياع وكان في حالة من التوتر والقلق وظلَّ مستيقظاً حتى الصباح. وفي الساعة السادسة صباحاً سمع بيان الثورة الأول من اذاعة بغداد وعلامات الفرح ظاهرة على وجهه ظهوراً كبيراً غير طبيعي, أسرع إلى ارتداء ملابسه العسكرية حتى جاءه النقيب قاسم الجنابي ومعه ثلاثة ضباط وقالوا له تفضل سيادة رئيس أركان الجيش نود أن نوصلك إلى وزارة الدفاع في بغداد ونحن بأمرتك، هذا بعد أن تلقى النقيب قاسم الجنابي أمراً من الزعيم عبد الكريم قاسم عند مروره باللواء التاسع عشر من معسكر سعد في الساعة السابعة صباحاً فأمره بأن يقوم بحجز كل من الزعيم افرام هندو مدير إدارة و ميرة الفرقة الثالثة والمقدم الركن رمزي عبد المجيد ضابط الركن الثاني وغيرهم من ضباط مقر الفرقة. واخبره الزعيم عبد الكريم قاسم أن عليه وعلى الجميع تلقي الأوامر من الزعيم الركن أحمد صالح العبدي بصفته رئيساً لأركان الجيش. وقد غادر الزعيم الركن أحمد صالح العبدي معسكر سعد قبيل الساعة الثانية عشرة ظهراً مستصحباً معه الرائد الركن جاسم السامرائي ضابط ركن قيادة الفرقة والنقيب زاهد إسماعيل من كتيبة هندسة الفرقة إلى بغداد. وقد وصل إلى الوزارة بعد دخول الزعيم عبد الكريم قاسم لها.
بالمقابل فقد ذكر جميل الاورفلي في مذكراته إشارةً إلى أن أحمد صالح العبدي أخبره بوجود تململ وتذمر بالجيش لإرساله إلى الأردن وطلب منه أن يتدخل بوصفه وزيراً لمنع ذلك التذمر خشية حدوث شيء. ويبدو ان هذه الرواية ضعيفة لم تستند إلى أدلة لإثبات صحتها حيث لم يرد سوى اتهام احمد صالح العبدي في مذكرات جميل الاورفلي هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فان هناك عدة اعتبارات تفند ما جاء بهذه الرواية أولها:
أن أحمد صالح العبدي لو أراد الوشاية بالثورة لقام بأخبار السلطات عن التنظيم وقائد التنظيم منذ عام 1956 هذا أولاً وثانياً: انه لو أراد الوشاية بالثورة لما أضاع فرصة كبيرة وهي عندما اخبره عبد الكريم قاسم بموعد الثورة وتفاصيل الخطة والمناصب والإحالات على التقاعد يوم 13 تموز 1958 فباستطاعته أن يخبر المسؤولين في بغداد وفي وزارة الدفاع وثالثاً: كان بإمكانه إخبار اللواء الركن غازي الداغستاني عندما قام بالتفتيش للواء العشرين وإخبار قائد الفرقة عن وجود العتاد في سيارة المطبخ وبعلم عبد السلام عارف. رابعاً: إن الزعيم عبد الكريم قاسم لم يكن بهذه البساطة والسذاجة في أن يعطي سر الثورة إلى شخص غير أمين ولا يثق به. وأن أحمد صالح العبدي كان صديقه وزميله منذ عام 1932 ويعرف مدى أمانته ومحافظته على الأسرار ، خامساً : أن ما جاء على لسان جميل الاورفلي لم يكن محط اهتمام من قبل الباحثين المعاصرين لثورة 14 تموز 1958 سوى كاظم جاسم العزاوي على ىالرغم من انه قد دافع عن أمانة أحمد صالح العبدي بقوله (( انه لا علم له بحركة الضباط الأحرار وليس له أي اتصال . وانه علم بالثورة مساء يوم 13 تموز 1958 حيث فاتحه عبد الكريم قاسم . أي قبيل ساعات من بدء التنفيذ)) علماً أن جاسم العزاوي كان في الهندسة العسكرية في بغداد وليس لديه أي معلومات دقيقة عن تنظيم الضباط الأحرار في المنصورية سوى ما كان يخبره به النقيب قاسم أمين الجنابي حيث كان جاسم كاظم العزاوي آمره قبل يوم الثورة حيث كان هناك اتصال فيما بينهم .
عن رسالة ( احمد صالح العبدي ونشاطه العسكري والسياسي )
المدى/محسن حسن البديري
659 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع