أطباء البصرة الروّاد في القرن العشرين – الجزء السادس
في البداية، أعتذر بشدّة عن تأخر ظهور هذا الجزء من المقال لانشغالات متفرقة سببها البحث والتقصي للوصول الى مصادر تتيح الكتابة عن أكبر عدد من الكوادر الطبية والصحية من التي لها علاقة بالبصرة، سواءً كان لغرض العمل فيها أو التولد أو المعيشة. وأعد القراء الأعزاء بالتواصل وإكمال ما بدأته لغاية نفاذ ما لدي من معلومات لأختمها بتنظيم ما نشر وإضافة الكثير من المعلومات والصور التي لا يتسع مجال المقال لنشرها بشكل كتاب موسوعي مطبوع يتيح لعوائل المكتوب عنهم والمهتمين والباحثين الاحتفاظ بنسخة منه كتوثيق لما قاموا به من جهود وأنقذوا الكثير الكثير من الناس، في البصرة العزيزة، من المرض على مدى قرن كامل.
الدكتور محمد وداد الكاتب
ولد محمد وداد الكاتب في مدينة حلب بولاية حلب العثمانية عام 1895 تحت حكم الدولة العثمانية ودرس في كلية الطب في جامعة إسطنبول العريقة والتي بدأت المرحلة التعليمية فيها منذ القرن الخامس عشر بكنيسة آيا صوفيا وكنيسة زايراك المجاورة لها وتمثل هاتان الكنيستان الجذور الهيكلية الأساسية لجامعة إسطنبول، التي كانت تدرّس أيضا إلى جانب تعليمها العلوم الدينية، بعضاً من العلوم الدنيوية مثل علم الفضاء (والنجوم) والاجتماع والرياضيات والحقوق والآداب والطب الذي كان يدرّس في أكبر مستشفى في إسطنبول في تلك الفترة وهو مستشفى “دار الشفقة واستمرّت جامعة إسطنبول في بنائها المدرسي حتى تاريخ 21 تموز/ يوليو 1846، حيث قرّرت الدولة العثمانية بعد هذا التاريخ إضافة مجالات جديدة إلى المجالات التي تُدرّس في جامعة إسطنبول، تكون تقنية بهدف تطوير قدرات الدولة العثمانية البيروقراطية والعسكرية التقنية، وتم تحويل الجامعة اسم “دار الفنون” (الصورة أدناه). وشملت عدة مبانٍ تخرج منها العديد من رجالات الدولة أمثال الشريف حسين، والملك فيصل الأول ونوري باشا السعيد وغيرهم الكثير.
وبعد تخرج الدكتور الكاتب وتدريبه على الجراحة تعين عام 1922 كأول جراح في البصرة وبالتحديد في المستشفى الأهلي الذي تم تأسيسه في محلة السيف في مدينة البصرة القديمة. وكانت المستشفى تضم ردهتين للرجال وغرفة صغيرة للنساء عند إنشاء المستشفى عام 1917 وتم تأجير بيت ملاصق وتحويله الى ردهات للنساء بعد سنتين. تم بناء هذا المستشفى الأهلي من خلال جمع التبرعات من وجهاء وأهالي البصرة وبإشراف المحامي والسياسي سليمان فيضي وقامت السلطة الإنكليزية وقتها بمسؤولية تجهيز وإدارة المستشفى. كما قام الدكتور الكاتب بالعمل جراحاً في مستشفى تذكار مود (لاحقاً المستشفى الجمهوري في البصرة باب الزبير) منذ افتتاحها عام 1923 كما تسلم رئاسة صحة البصرة في العشرينات ومديرا للمستشفى في الثلاثينات. وكان الدكتور وداد حريصاً على متابعة التقدم في المجالات الطبية والجراحية وكان يتردد على المانيا للاطلاع على مجال عمله كجراح وكان موجوداً في المانيا عند نشوب الحرب العالمية الثانية واستطاع الرجوع للعراق بصعوبة. يقول الدكتور طلعت الخضيري بحقه: " قابلت ممرض في المستشفى الجمهوري في البصرة كنت اعرفه قبلا وكان يعمل بعيادة الدكتور وداد ومدح لي انسانيته وتساهله مع المرضى بعكس ما كان يقال. كما اخبرتني الجدة (القابلة) سوزان وكانت في وقت ما رئيسة ممرضات في مستشفى مود عن حزم الدكتور وداد في ادارة المستشفى وكان يمتنع عن اجراء العمليات الجراحية في أيام هبوب الرياح الجنوبية (الشرجي) القادمة من الخليج والتي تكون حارة ورطبة لأنها تسبب مضاعفات في العمليات وهذا ما كان يجري ايضا في مستشفى لوزان في سويسرا عند قدوم الرياح الجنوبية الحارة والرطبة. كان الدكتور وداد محترم الشخصية وأحاديثه عامة ولا يذم او يأخذ غيبة أحد"والدكتور محمد وداد الكاتب هو والد المهندس الدكتور محمد طارق الكاتب الذي كان يغل منصب رئيس المهندسين في مصلحة الموانئ والذي اشتهر في التسعينات بتكليف الرئيس الراحل صدام حسين له بالتخطيط لبناء الجسر الفريد في بغداد الذي أحتوى على طابقين (جسر الطابقين في الجادرية والذي سمي بعد عام 2003 جسر الحسن والحسين). وكانت فكرة الجسر مدار مشروع المهندس محمد طارق اثناء دراسته للماجستير في مصر وهو الذي خطط ونفذ مشروع شط البصرة ما بين نهر الكرمة والخليج وكذلك مبنى مستشفى الموانئ وغيرها من مشاريع الموانئ الهامة وفي الثمانينات كتب أحد منتسبي الموانئ تقريراً سيئاً بحقه وقام الرئيس الراحل صدام حسين بالتحقق من ذلك التقرير فبرأ الدكتور طارق وعاقب كاتب التقرير.
وكان للدكتور محمد وداد يمارس المهنة كذلك في عيادته الكائنة ضمن بيت العائلة الكبير في بداية شارع الاستقلال مقابل ثانوية العشار وهو متزوج بفتاة تركية أثناء دراسته في تركيا وعاشت معه في البصرة ولديه ولدين محمد طارق (المهندس) ومحمد فاتح (الطبيب). توفي الدكتور محمد وداد الكاتب في لندن يوم 11 تموز عام 1952 ونقل جثمانه الى البصرة ودفن ضمن المقابر العائدة لعائلة آل الخضيري في مقبرة الحسن البصري الشهيرة في قضاء الزبير رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
الدكتور هاشم علّاوي
ولد الدكتور هاشم الحاج حسين علاوي في بغداد عام 1910 وتخرج من الكلية الطبية الملكية ببغداد عام 1934 وينتمي إلى أسرة عربية كريمة من منطقة واسط في العراق ويعود أصلهم العربي إلى عشيرة ربيعة وكما ورد في كتاب "العشائر العراقية" لمؤلفه عباس العزاوي فهي من أقدم العشائر العربية التي استوطنت العراق قادمة من شبه الجزيرة العربية وكان والده الحاج حسين علاوي من كبار التجار العراقيين ومن الشخصيات البارزة في الدولة العثمانية والتي كان يسمح لها بمخاطبة الباب العالي العثماني. ينتمي لأسرته عدد من الأطباء منهم الدكتور عبد الأمير علاوي (أخصائي طب الأطفال ووزير الصحة في الخمسينات) والدكتور صادق علاوي (طبيب الاطفال) وكذلك ولده الدكتور أياد هاشم علاوي (رئيس وزراء العراق 2004-2005). كان الدكتور هاشم علاوي قد تخصص بالأمراض الصدرية ويعتبر من أوائل استشاريّ طب الأمراض الصدرية في العراق وقام بدور رئيسي في تأسيس أول مستشفى للأمراض الصدرية والتدرن في العراق في ثلاثينيات القرن الماضي وهو المستشفى الأشهر في العراق ويعرف باسم "مستشفى التويثة" في سلمان باك جنوب بغداد. في العام 1957 شغل الدكتور هاشم علاوي منصب مدير مستشفى مرجان للأمراض الصدرية في الحلة بعد افتتاحه كما كان مديراً لمستشفى السليمانية وحتى قيام ثورة 14 تموز 1958. عمل الدكتور علاوي قبل ذلك في البصرة لسنوات عديدة حيث شغل منصب مدير صحة لواء البصرة منذ عام 1947 وحتى أواسط الخمسينات كما كان في الوقت ذاته مديراً لمستشفى البصرة الملكي وإضافة لمنصبه الإداري وتطويره لمستشفى البصرة وبناء ردهات الأمراض الصدرية فيه فقد كان للدكتور هاشم علاوي حضور بارز في معالجة الأمراض الصدرية في البصرة وعلى وجه الخصوص التدرن الرئوي الذي كان وباءاً منتشراً أصاب وقتل الكثير وكانت عيادته في البصرة تغص بالمراجعين حسب شهادة أحد مرضاه الأحياء. توفي الدكتور هاشم علاوي عام 1965 رحمه الله.
الدكتور محمد علي الإمام
الدكتور محمد علي الامام الطبيب العسكري الأشهر والجراح الاول في مستشفى الرشيد العسكري. علم من اعلام الطب في العراق وصاحب ومؤسس أول مستشفى أهلي ببغداد. ولد الدكتور الإمام في مدينة البصرة عام 1914 وأكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة في البصرة ثم انتقل الى بغداد ليكمل دراسته في الثانوية المركزية وعندها تقدم وقبل في كلية الحقوق ببغداد ولكن الدراسة في الحقوق لم تشده اليها ولم يستسغها فتركها وتحول للدراسة في كلية الطب في جامعة آل البيت ببغداد فتخرج منها عام 1939 وكان عدد خريجي دورتهم 25 طبيبا بينهم أول خريجة وهي الطبيبة ملك غنام وكذلك الدكتور عادل الدوغرمجي.
خدم الدكتور الإمام طبيباً في الجيش العراقي طيلة حياته الوظيفية المهنية ولا تتوفر معلومات كافية لتبيان فيما إذا كانت دراستُه للطب على نفقة وزارة الدفاع أم أنه استمر في الخدمات الطبية في الجيش العراقي بعد أدائه خدمة الاحتياط. احيل على التقاعد عام 1958 وكان برتبة زعيم طبيب وآمر مستشفى الرشيد العسكري فتفرغ لممارسة الجراحة والعمل الخاص وتأسيسه في بداية الخمسينات لأول مستشفى أهلي يؤسس في بغداد وهو مستشفى متخصص بالجراحة وعرف باسم "مستشفى الامام" في منطقة الكرادة داخل قرب محطة وقود ابو قلام والذي لا يزال قائماً لحد الان وتسجل له خلال مسيرته الحافلة مساهمته في عمل الطبابة العسكرية الميدانية في اسعاف الجرحى في معارك الشرف مع العدو الصهيوني عام 1948. يقول السيد انس احمد زكي المدرس بحقه أنه "كان إنساناً زاهداً وطبيباً متقناً لمهنته وصاحب خلق مهني عالي حيث كان لا يتقاضى اي مبلغ من الزملاء والاهل والاصدقاء مهما كلفه ذلك (وكنت من ضمنهم) باعتباري ابن لأحد اصدقائه والذي زامله في مرحلة الابتدائية والمتوسطة في مدينة البصرة كما انه أسس جناحاً خاصاً للفقراء في مستشفاه الخاص لتقديم الخدمة بالمجان او بأجور رمزية وأستمر بالعمل في المستشفى ولم يتركه الى ان وافاه الاجل رحمه الله .
الدكتور بوغوس طوروس
ولد الدكتور بوغوس طوروس جينفيزيان في الموصل عام 1927 وأكمل فيها دراسته الابتدائية والمتوسطة في المدرسة الأرثودكسية السريانية في الموصل، من 1930الى 1939 وأكمل دراسته المتوسطة والإعدادية في الثانوية الشرقية بالموصل من 1939-1944 وحصل على المركز الثاني في البكالوريا على مستوى العراق فسافر الى لبنان والتحق بالجامعة الأميركية في بيروت فدرس هناك وحصل على البكالوريوس في العلوم لكي تؤهله تلك الشهادة للدخول الى كلية الطب في الجامعة الأميركية في بيروت ولكنه آثر الدراسة في العراق فعاد ودخل كلية الطب في بغداد في العام 1946-1947 وأنضم إليها طالباً في الصف الثاني وتخرج من كلية الطب في بغداد عام 1951. وقضى سنة الإقامة بعد تخرجه في مستشفى "ميرة الملكة عالية" في بغداد عام 1952 وهو المستشفى الذي سُمي فيما بعد مستشفى الحريري للولادة وكان كذلك يحتوي على عيادة خارجية كبيرة للأطفال. عُين بعدها في المركز العراقي للبحوث في شركة نفط العراق في كركوك لمدة سنتين التحق بعدها بشركة نفط البصرة ال (BPC) في البصرة في العام 1955 وفي العام 1960 سافر الى بريطانيا للتخصص من 1960 وحتى 1962 وحصل بعدها على شهادة الدبلوم في أمراض المناطق الحارة والصحة العامة من جامعة لندن وعاد بعدها للبصرة من جديد وعين في رئاسة الصحة وشارك في النشاطات الصحية الوقائية الكثيرة في ارجاء المحافظة 1لك الوقت وكان يعمل في وزارة الصحة في البصرة في الصباح وفي عيادته الخاصة في فترة ما بعد الظهر والمساء وحتى وفاته عام 1979. ويذكره الدكتور داود الثامري أنه كانت له شخصية محبوبة إلى حد كبير وأنه كان على وجه الخصوص نجماً بين أقرانه الأطباء خلال سفراتهم في ضواحي البصرة. توفي رحمه الله يوم 20 آذار عام 1979 وله ولد هو الدكتور روبرت ويسكن بين الأردن وبريطانيا.
الدكتور حسن كاظم
ولد الدكتور حسن كاظم عام 1937 وتخرج من كلية الطب في بغداد عام 1960 وهو جراح الكسور الشهير والحاصل على زمالة الكلية الملكية للجراحين والماستر في جراحة الكسور وأستاذ في كلية طب البصرة ثم أنتقل في الثمانينات الى كلية طب بغداد. يحكي عنه أحد تلامذته في طب البصرة واصفا إياه بشيخ جراحي العظام والكسور واستاذهم فهو علما من اعلام جراحة العظام والكسور وكما العادة كانت البداية في مدينة البصرة وفي المستشفى الجمهوري بالذات حيث كانت له جولات وجولات وله ايادٍ بيضاء على اطباء الكسور والعظام بالبصرة وعلى مرضاه ومرضاهم. إنسان رائع وهادئ ومبدع حفظه الله اينما حل او رحل فقد كان صاحب لطائف ونكتة وفي يوم من الايام في العام 1983 ونحن في المرحلة السادسة واثناء احدى الجلسات العلمية لمجموعتنا مع الاستاذ حسن كاظم دخل علينا احد المرضى وكان شابا لطيفا قائلا :السلام عليكم ,فرد الجميع السلام عليه والظاهر انه من مراجعي الاستاذ في عيادته الخاصة لكن الاستاذ لم يتذكره ويبدو ان المريض لاحظ بان الاستاذ لم يتذكره فبادر بالقول : دكتور انا محمد .فأجابه الاستاذ بوجه بشوش اهلا محمد شلونك في الوقت الذي التفت فيه الينا قائلا: "منو محمد."
الدكتور صباح شاكر
يذكر الدكتور صباح شاكر بدوره الريادي والمؤثر في أعماله الميدانية الواسعة وإنقاذ السكان في لواء البصرة والمنطقة الجنوبية من براثن الأمراض المتوطنة والأوبئة وعلى وجه الخصوص في أرياف وأهوار وبراري تلك المناطق الشاسعة دون كلل أو ملل. وكان الدكتور صباح رائداً في تطبيق برامج الرعاية الصحية الوقائية واستراتيجيات الصحة العامة وسجّل بمدادٍ من ذهب خُلوَ المنطقة من تلك الأوبئة. وتؤرخ سيرة الدكتور صباح مسيرة هامة في تطور الخدمات الصحية الوقائية في محافظة البصرة بعد عقود طويلة من الإخفاقات وتحقيق فرقه أهدافاً كان قد بدأها الأطباء الإنكليز عند دخولهم البصرة في تشرين الثاني عام 1914.
ولد الدكتور صباح شاكر الملّا في قضاء "أبو الخصيب" يوم 25 كانون الثاني عام 1935 وبدأ دراسته الابتدائية في مدرسة المحمودية في القضاء وعندما انتقلت العائلة الى البصرة عام 1936 داوم في مدرسة الخليل بن أحمد ومن في مدرسة عاصم بن دلف ومنها الى متوسطة غازي وأنهى دراسته الإعدادية في الثانوية المركزية بالعشار عام 1954 والتحق بالكلية الطبية ببغداد وتخرج منها عام 1960 وكان عدد الخريجين وكان عدد الخريجين في هذه الدورة 113 خريجاً وخريجة منهم 63 فقط دخلوا الكلية معه سنة 1954 والباقين (50) كانوا دخلوا الكلية قبل دورته. بعد انتهاء التدريب في كلية الضباط الاحتياط في بغداد، عين طبيباً برتبة ملازم في مستشفى الموقع في البصرة ويذكر من زملائه الذين تعينوا معه في المكان ذاته كل من الدكتور نائل سيد أحمد النقيب (وكيل وزارة الصحة الكويتية فيما بعد) وطبيب الأسنان المعروف الدكتور عادل السياب الذي عمل في مستشفى الموانئ.
الدكتور نائل النقيب والدكتور صباح شاكر 1960
وبعد إنهائه خدمة الاحتياط عام 1962 قضى سنة إقامة في مستشفى الأطفال بالبصرة تعين بعدها طبيباً في مستوصف قضاء الفاو وقضي فيه سنتين تم خلالها توسيع المستوصف وفتح ردهات فيه وأصبح مستشفى الفاو. ويذكر بمحبة أهل الفاو الطيبين والمسالمين حيث لم يصادفه في ذلك القضاء كما يقول الدكتور صباح إلا ثلاث حالات فقط أحالها الى الشرطة خلال السنتين. وكان معظم أهالي الفاو يعملون في صيد الأسماك وفي الزراعة وفي دائرة الموانئ وشركة نفط البصرة كان يراجعه في المستوصف عدد من المرضى يتراوح عددهم بين 200- 250 يوميًا.
نُقلت خدماته بنهاية السنتين وبناءً على طلبه إلى المستشفى الجمهوري في البصرة وداوم في قسم الأطفال لأكثر من سنة مع الدكتور داود الفداغ والدكتور سامي بني. وفي 1966 كلّفه رئيس الصحة الدكتور شاكر توفيق بطبابة الصحة الريفية بالإضافة إلى عمله وكان ذلك من ناحية المبدأ لمدة شهر وتهيؤاً لزيارة السيد وزير الصحة ولكن عمله في الصحة الريفية استمر بعد زيارة الوزير وكُلّف بمكافحة الأوبئة وأصبح طبيبَ الوقاية بالإضافة إلى الصحة الريفية ومن ثم استلم مسؤولية مكافحة الكوليرا والجدري في ذلك الوقت والقيام بالأعمال الوقائية والتقصي عن المرض ومتابعة المرضى والقيام بالمسح والتحري عن المرضى في منازلهم ومدارسهم وكذلك إجراء حملات التلقيح ضد الجدري والذي كانت نتائجه ممتازة وضد الكوليرا والتي كانت عديمة الفائدة وفي بعض الحالات تركت لدى المرضى الاختلاطات التي قد تصاحب التلقيح و كان أهمها التهاب الكبد الفيروسي. وقد كان الدكتور صباح يقود أربع فرق صحية متنقلة لهذا الغرض ومكونة من سيارة وموظف صحي ومضمد وممرضة مع سائق السيارة ويزداد عدد الفرق حسب الحاجة. وكما معروف لدى كل من عمل مع او عرفه فقد كان الدكتور صباح انساناً محباً ومتواضعاً في عمله مما حبّبَ العمل المضني في المناطق النائية الى نفوس الفريق الصحي وأبلوا بلاءً حسناً في نتائجهم. ولازال الدكتور صباح يتذكر أسماء كل فرد من أعضاء هذه الفرق رغم مرور ما يزيد على عقود طويلة فيذكرنا بالواقفين في الصورة أدناه ويتذكر الدكتور صباح أسماء جميع أعضاء الفرق الأخرى فرداً فرداً لا يسمح لنا المجال هنا لذكرهم بالتفصيل وربما نعود إليهم عند نشر الكتاب عن أطباء البصرة الرواد.
فريق عمل صحي ميداني. من اليمين: المضمد عبد النبي والدكتور صباح شاكر والموظف الصحي حميد شوبك وموظف صحي آخر والمضمد عبد الستار أحمد وخلفه السائق ابراهيم والجالسين: عبد الساحق بطوش والمضمد محمد عون.
فريق عمل صحي ميداني. من اليمين: المضمد عبد النبي والدكتور صباح شاكر والموظف الصحي حميد شوبك وموظف صحي آخر والمضمد عبد الستار أحمد وخلفه السائق ابراهيم والجالسين: عبد الساحق بطوش والمضمد محمد عون.
استمر الدكتور صباح شاكر بالعمل في الصحة الريفية حتى عام 1968 حين عُيّن "معاون رئيس الصحة للشؤون الريفية" وأصبح المسؤول عن جميع المنشآت الصحية وفرق الصحة الريفية المتنقلة في الأقضية والنواحي والقرى في محافظة البصرة وكذلك كان طبيب الوقاية في المحافظة فترك العمل في ردهة الأطفال وتفرغ للعمل الجديد القديم وبالتعاون مع مديرية الأمراض المتوطنة في البصرة في مكافحة الملاريا والبلهارزيا.
ويحدثنا الدكتور صباح عن الجهود المبذولة للقضاء على الملاريا فيقول: "ذلك الوقت كان الدكتور توما هندو طبيب الأمراض المتوطنة قد أبلى بلاءً مشهوداً له (أنظر الجزء الثاني من هذا المقال) في السيطرة على مرض الملاريا حيث كان يزور المرضى في بيوتهم بالقرى وكنت أقوم بمرافقته في زياراته للفاو عندما كنتُ طبيباً في قضاء الفاو فدعاني لزيارته في الدائرة وقتما كان يزوره طبيبٌ خبير من منظمة الصحة الدولية كان مختصاً بمكافحة مرض الملاريا وكان الخبير قد طلب مقابلتي للاطلاع عن كثب على النشاط المكثف الخاص بمكافحة الملاريا بعد أن وصلته التقارير التي كان يرفعها الدكتور توما للمنظمة وتقديره لجهودنا في ذلك." وكان الدكتور كامل الدوركي قد كفّى ووفّى في مكافحة مرض البلهارزيا في مركز المحافظة (حيث تكثر قنوات شط العرب) عندما كان طبيباً لصحة الطلاب ومن ثم طبيباً للأمراض المتوطنة حيث نجح بالقضاء على مرض البلهارزيا في مركز المحافظة وقام الدكتور صباح من بعده بالتوسع نحو مناطق الأهوار شمال المحافظة وتم القضاء على المرض تمامًا في البصرة وكان ذلك كجزء من عمل فرق الصحة الريفية المتنقلة وفي الوقت ذاته ساهمت هذه الفرق بالسيطرة على مرض الملاريا وتعاونت مع فرق الأشعة المتنقلة التابعة إلى مركز الأمراض الصدرية بقيادة الدكتور جلبرت فرج عبدالرحيم طبيب المركز بتحقيق هدف استراتيجي آخر متمثل بالسيطرة إلى حد بعيد على مرض السل الرئوي واسع الانتشار وقتها.
كانت البصرة في الستينات وبدايات السبعينات تعاني من مشاكل صحية كبيرة في انتشار الأمراض المتوطنة والوبائية وكان العمل على السيطرة على مرض الكوليرا مكثفاً جدًا حيث خُصّصَ مختبر خاص لهذا الغرض يديره الدكتور زكريا سرسم ويساعده مساعد المختبر عبدالحي وكانا من المخلصين في العمل ويستمرون بالدوام في المختبر لإنجاز العمل أكثر من الدوام الرسمي ويحضرون في المساء إلى المختبر لتكملة العمل مما ساعد ذلك لدرجة كبيرة جدًا على السيطرة على مرض الكوليرا في المحافظة، وكانت فرق الصحة الريفية المدرّبة على العمل لمكافحة مرض الكوليرا تقوم بالعمل الميداني في كافة أنحاء المحافظة، وكان الدكتور صباح يرافقها في هذا العمل وفي بعض الأحيان يرافقهم الدكتور فيلكس جرجي من مديرية الوقاية في وزارة الصحة وكذلك أحيانًا الدكتور عليم حسون الذي كان يتصف بعلمه الغزير في مجال مرض الكوليرا على وجه الخصوص. كانت فرق الصحة الريفية تقوم بجمع نماذج من المياه في الأنهر ومن ماء الاسالة ونماذج البراز من المناطق التي يتوطن بها أو يُشك أن بها مرض الكوليرا. وكان الجميع يعمل بكل إخلاص وهم غالبًا ما يعملون لوقت أطول من ساعات الدوام الرسمي وبذلك العمل المميّز وغير المنقطع، استطاعوا السيطرة على مرض الكوليرا في محافظة البصرة وفي قضاء الجبايش التابع للواء الناصرية، وكذلك في قضاء العزير بلواء لعمارة، حيث كانت الفرق ذاتها تكلف بالعمل بهذه الأقضية من قبل مديرية الوقاية من الوزارة وقد وصف أحد العاملين في الصحة الدولية وكان يعمل في البصرة، قائلاً: "لو لا الدكتور صباح شاكر لأنتشر مرض الكوليرا في البصرة". ويقول الدكتور صباح عن تلك الشهادة بكل تواضع: " الحقيقة كنا نعمل كفريق متكامل ولم تحدث أي وفاة في مريض الكوليرا خلال السنوات ال 15 التي عملتُ فيها كطبيب وقاية بالإضافة إلى عملي طبيب الصحة الريفية ومعاون لرئيس الصحة".
حدث مرض الجدري في تلك الفترة مرتين في العراق. ولكن لم تحدث أي إصابة بمرض الجدري في البصرة، حيث كنا نقوم بحملات تلقيح ضد مرض الجدري بين فترة وأخرى حسب الحاجة لذلك. وقد حدثت إصابة لطفل في قضاء الجبايش التابع لمحافظة الناصرية “ذي قار” وكلفتنا مديرية الوقاية في الوزارة للسيطرة على الوضع في القضاء وعملنا مع فرقنا الصحية المتنقلة وتمت السيطرة ولم تحدث أي إصابة بعد ذلك. وسنة ١٩٧٢ حدثت إصابات بمرض الجدري في العراق، وجاءت طفلة مريضة بالجدري من بغداد إلى البصرة محلة الهادي (خمسة ميل(، وقمنا بالتعاون مع الدكتور كامل عباس الدوركي رئيس الصحة لتكوين حوالي المائة فرقة كل فرقة مكونة من مضمد أو موظف صحي و ممرضة أو طالبة تمريض، واستطاعت هذه الفرق من عمل لقاح ضد الجدري لحوالي 280 ألف شخص هم كل سكان المنطقة وما حولها. تمت السيطرة على المرض ولم تظهر أي إصابة في محافظة البصرة.
ويذكر هنا أننا قد قمنا بحملة تلقيح ضد الجدري قبل سنتين من هذا التاريخ وهذا يعني أن جميع سكان محافظة البصرة لديهم مناعة ضد مرض الجدري وللسيطرة على المرض عقد السيد وزير الصحة في حينها اجتماع مع المسؤولين عن الصحة في محافظات الجنوب ) البصرة والعمارة وذي قار والسماوة) قد أفاد جميع المسؤولين بأنه تم تلقيح جميع المواطنين في محافظاتهم بعمل مستمر ليل نهار وأحدهم قدم رقم عدد الملقحين أكثر بقليل من عدد مواطنين المحافظة، أما رئيس صحة محافظة البصرة الدكتور كامل الدوركي فقد أعطى العدد الصحيح وكان 280 ألف) وكان نفوس محافظة البصرة في حينها يقارب250 ألف نسمة) وقد لُقّح هذا العدد باللقاح الذي كان لدينا للحالات الطارئة، ولا يوجد لقاح لمرض الجدري في الوقاية في ذلك الوقت. وقد ارسلت موظف صحي دقيق ومخلص في عمله ويعتمد عليه لنقل اللقاح بصورة صحيحة ثلاث مرات إلى بغداد مع وسائل التبريد وسيارة وتعتذر الوقاية عن تزويده باللقاح، لعدم توفر لقاح الجدري لديهم في ذلك الوقت، وذلك الموظف هو السيد جميل زهرون. وكان انطباع السيد الوزير الرضا عن عمل المحافظات الجنوبية عدا البصرة فهو كان غير راضٍ عن الدكتور كامل الدوركي رغم اخلاصه وعمله الدؤوب المشهود له وعمل المحافظة) وبعد أسبوع واحد فقط من تاريخ هذا الاجتماع، أتصل الدكتور فلكس جرجي الدكتور صباح وطلب منه العمل على السيطرة على مرض الجدري في قضاء العزير في العمارة، وقضاء الجبايش في الناصرية. وفهم د صباح منه أن المرض أنتشر في المحافظات الجنوبية عدا البصرة. وقد توفر اللقاح في ذلك الوقت وقامت الفرق بالعمل على خير ما يرام وتمت السيطرة بأسرع مما يتوقعون فجاء شكر من وزارة الصحة إلى رئاسة صحة البصرة وشكر خاص للدكتور صباح شخصيًا ب مع هدية ساعة يد من الوزارة.
ويؤرخ الدكتور صباح شاكر لحادثة تسمم وبائي دفع ثمنها الكثير من الفلاحين العراقيين وهي حادثة التسمم الذي حصل نتيجة استعمال الحنطة المعالَجة لأغراض الزرع واستخدامها خطأً في الخبز والأكل نتيجة لعدم الثقة من قبل الفلاحين بالمسؤول الزراعي الذي وزع لهم أكياس الحنطة المعالَجة بالزئبق وقد أخبرهم بطريقة التعامل معها وأنها سامة فقام بعض الفلاحين للتحقق من صحة ما يقوله المسؤول من عدمه، بإعطاء كمية من الحنطة المعالَجة إلى الدجاج ولما لم يمت الدجاج في اليوم الثاني لأن التسمم بالزئبق بطيء ولا يحصل خلال أيام قليلة، قاموا بطحن الحنطة المعالَجة وعملها كخبز وأكلها. ويقول الدكتور صباح في هذا المجال "قمتُ شخصيًا ومع الفرق الصحية بزيارة كل القرى التي وُزعت بها الحنطة لإفهام الجميع الأمر وفعلاً توقفوا عن أكلها، ولكن حدثت سبعة وفيات في عائلة واحدة في منطقة كثبان (خمسة أطفال وأمهم) حيث كانوا يأكلون ثلاث وجبات من الخبز ولما كان الأب يعمل عاملاً في جامعة البصرة في التنومة، فقد كان يشاركهم الطعام في وجبة العشاء فقط ولذلك بقي على قيد الحياة وكان قد أخذ خمسة أكياس من الحنطة المعالَجة والتي كانت توزع مجانًا للفلاحين وكذلك توفيت طفلة عمرها 11 عام في جزيرة الطويلة حيث حصلوا على الحنطة من الباخرة مباشرة حيث اعتاد الأهالي في هذه المنطقة على تبادل البضائع مع البواخر في شط العرب في هذه المنطقة وهكذا تم وقف تناول الخبز المصنوع من تلك الحنطة بوقت مبكر وقلل عدد الضحايا في البصرة حيث كانت الوفيات أكثر في مناطق العراق الأخرى.
حصل الدكتور صباح على خبرة ميدانية واسعة وبشهادة الخبراء وكذلك أنتظم بدورات تدريبية مكثفة حيث حصل على شهادة دبلوم تدريبي عام 1974 من المعهد العالي للصحة العامة في الإسكندرية، وهو مركز متعاون مع منظمة الصحة العالمية، بعد حضوره دورة لمدة أربعة أشهر لدراسة علم الوبائيات نظمتها منظمة الصحة العالمية للخبراء الميدانيين الوطنيين من دول عديدة وأجريت في المركز السوفييتي الرئيسي للتدريب المتقدم في موسكو وفي المعهد العالي للصحة العامة في الإسكندرية. كما حضر دورتين منفصلتين أقامتهما منظمة الصحة العالمية في الكويت لمدة شهر واحد لكل منها. وأستمر في العمل الإداري في رئاسة صحة البصرة مع الدكتور شاكر عبد الكريم والدكتور حيدر الموسوي وعاصر فيها عدداً من رؤساء الصحة وعمل رئيساً لمجلس انضباط صحة البصرة وبعضوية الدكتور داوود الفداغ والدكتور أحمد خالد البدر. تقاعد لأسباب صحية من قبل اللجنة الطبية في وزارة الصحة وكان يرأسها الدكتور فائق الصماد وصدر كتاب التقاعد من مديرية الخدمات الطبية وأنفك بتاريخ 30 نيسان عام 1981. عمل في عيادته الخاصة بعد التقاعد صباحًا ومساءً عدا يوم الجمعة والخميس. ينتمي الدكتور صباح الى عائلة بصرية عرفت بالعلم والأعمال النافعة فأخيه الأكبر هو الأستاذ الدكتور فؤاد الملّا الحاصل على الدكتوراه في الرياضيات، والأخ الأصغر هو الأستاذ الدكتور سعد الملّا الحاصل على الدكتوراه في الهندسة المدنية والماجستير في الهندسة الإلكترونية والأخت الكبرى الست أمل الملّ والحاصلة على الليسانس في الفيزياء من كلية الملكة عالية وكانت أول مدرسة فيزياء في العراق والأخت الأصغر هي السيدة نجلاء الملّا الحاصلة على بكالوريوس الفيزياء وعملت في شركة نفط الجنوب. وله من الأبناء خمسة بنات: لُمى الملّا مهندسة معمارية والدكتورة صبا الملّا خريجة جامعة البصرة وكانت الثانية على دورتها وتخصصت بالطب العائلي في جامعة تورونتو في كندا والدكتورة مها الملّا خريجة جامعة البصرة وقد تخصصت في الجراحة في الولايات المتحدة (شهادة البورد الأمريكي والزمالة) وبان الملّا وتحمل بكالوريوس بالكيمياء كلية العلوم جامعة البصرة والماجستير في علوم الحاسوب من الولايات المتحدة وأخيراً وليس أخراً علا الملّا التي غادرت البصرة وهي في الصف الخامس في كلية الطب ودرست علوم الحاسوب في جامعة رايرسون تورونتو في كندا. وكان للدكتور صباح ولد واحد اسمه محمود في الصف السادس الإعدادي عندما قتلته قذيفة سقطت على دار الدكتور صباح في حي الجزائر بالبصرة أثناء الأحداث التي تلت انسحاب الجيش العراقي من الكويت في آذار عام 1991 وقد أصيب الدكتور صباح أيضًا بشظيتين وأجرى له الدكتور ثامر حمدان عمليتين لإخراج الشظايا ومعالجة الكسر في عظمي الساق الأيسر. رحم الله الشهيد محمود الملّا وصبّر ذويه وأهلهن مأساة كبيرة لا تنسى ضمن المآسي التي أحاطت وتحيط بالعراق وبالعراقيين. وتحية حب وتقدير للدكتور صباح على ما قدمه للبصرة وأهلها.
الدكتور فيصل الحويزي
ولد الدكنزر فيصل حسين الحويزي سنة 1937 وتخرج مع شهادة الدكتوراه بالطب البشري من جامعة اسطنبول بتركيا سنة 1963 كما حصل على الدبلوم العالي بأمراض الأذن والأنف والحنجرة من جامعة لندن سنة 1973 وشهادة الماجستير في السمع والتخاطب من جامعة سالفورد ببريطانيا عام 1983 وشهادة زمالة جامعة فيينا بالنمسا في علوم السمع عام 1989. كان يعمل اختصاصيا في امراض الانف و الاذن والحنجرة والسمع و التوازن في البصرة وفي كلية الطب فيها ثم أنتقل الى بغداد ليعمل في كلية الطب بالجامعة المستنصرية وحصل على مواقع ادارية و علمية كثيرة منها معاون العميد و عميد وكالة في كلية الطب الجامعة المستنصرية ونائب رئيس مجلس ادارة مستشفى اليرموك.
الدكتور صبيح الشوك
ولد الدكتور صبيح الشوك مواليد العراق 1937. دخل الكلية الطبية ببغداد عام 1955 وتخرج منها في عام 1961 وبعد تخصصه في بريطانيا وحصوله على زمالة الكلية الملكية للجراحين عاد في السبعينات الى العراق وعين للعمل على ملاك كلية طب البصرة ومستشفى البصرة الجمهوري وحتى عام 1979 حين أنتقاله الى كلية طب المستنصرية والعمل في مستشفى اليرموك. ويقيم حاليا وزوجته الدكتورة أميرة شبر أستاذة الطب الباطني في طب البصرة وطب المستنصرية خارج العراق.
الدكتور سبهان الخضيري
ولد الدكتور سبهان الخضيري عام 1939 وتخرج من كلية الطب في بغداد دورة 1962 وحصل على زمالة كلية الجراحين الملكية البريطانية عام 1970 والماجستير في العظام والكسور من جامعة ليفربول وعين في كلية الطب بجامعة البصرة استاذاً في جراحة العظام والكسور في فرع الجراحة ومن ثم أستاذاً في كلية الطب ببغداد. حتى وفاته مؤخراً رحمه الله.
الدكتور فؤاد القصب
الدكتور فؤاد القصب من مواليد 1939 وتخرج من كلية الطب ببغداد عام 1962 وفور عودته الى العراق بعد حصوله على عضوية الكليات الملكية للأطباء في بريطانيا باشر في فرع الطب الباطني بكلية طب البصرة ونقلت خدماته منتصف الثمانينات الى كلية طب بغداد حتى تأريخ وفاته هناك رحمه الله. ويقول فيه تلميذه الشاعر الدكتور ذر شاهر الشاوي خريج طب البصرة 1978 واصفاً إياه:
القلبُ في ذكرى مقامِك يخفقُ
وكل يوم لكَ في النفوس أشوقُ
الدكتور فائق الألوسي
الدكتور فائق الالوسي من مواليد 1939 وأنهى دراسته الثانوية عام 1956 وتخرج من كلية الطب عام 1962. ارتبط بإسمه تخصصُ أمراض الجهاز التنفسي حيث عاد الى العراق ليباشر في فرع الطب الباطني بكلية طب البصرة والمستشفى الجمهوري فيها بعد حصوله على عضوية الكلية الملكية للأطباء والدبلوم العالي في أمراض المناطق الحارة من جامعة لندن وترأس فرع الطب الباطني لفترة طويلة في السبعينات والثمانينات قبل انتقاله الى كلية طب بغداد حيث ترأس كذلك فرع الطب الباطني والدكتور فائق إنسان مثقف وهادئ ويذكره الألاف من تلامذته في البصرة وبغداد وأطباء البورد والدبلوم ويقول في حقه أحد تلامذته "كان ولايزال استاذي العظيم والقدوة الحسنة في كل حياتي العلمية والمهنية فقد تعلمت منه الكثير عندما تشرفت بأشرافه على دراستي العليا للاختصاص واتمنى له الصحة وطول العمر والسعادة الدائمة واقول له والله ان زملاءك وابناءك من الاطباء يذكرونك دائما بالخير ونتذكر كل اساتذتنا العظماء من جيل استاذنا فائق الالوسي بالخير والوفاء حفظهم الله جميعا." كان الدكتور الألوسي مقتدراً في علمه وعمله محباً لطلابه ودوداً وكان من اشد المناوئين لعادة التدخين أطال الله بعمره. ويقول فيه تلميذه الشاعر الدكتور ذر شاهر الشاوي خريج طب البصرة 1978 واصفا إياه:
حنوتَ على فتيةٍ همهم
من العلم ما يرتجيه البشرْ
وكنتَ لهم منهلا طيبا
فأبقيتَ فيهم جميلَ الأثرْ
الدكتور علاء بشير
ولد الدكتور علاء حسين بشير عام 1939 وأنهى دراسته الثانوية عام 1956 حين دخل الكلية الطبية ببغداد وتخرج منها عام 1963 وبعد أداء خدمة الاحتياط والتدريب الأساسي سافر الى بريطانيا وحصل على شهادة زمالة كلية الجراحين الملكية عام 1972 وعاد الى العراق ليعين على ملاك فرع الجراحة بكلية طب البصرة حيث بدأ ممارسة تخصصه في المستشفى الجمهوري بالبصرة وليس الكثير يعرف أن بدايات الدكتور علاء التخصصية كانت في البصرة حيث أستمر بالعمل فيها حتى عام 1979 عندما نقلت خدماته الى بغداد وأفتتح عيادته الخاصة في شارع المنصور.
ارتبط أسم الدكتور علاء بمستشفى الواسطي منذ انتقاله اليها عام 1980 واستلامه إدارتها وتطويرها ومع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية ساهم بمعالجة المصابين المتضررين من حروق وتشوّهات أثناء المعارك وهو من أبرع جراحي الجراحة التقويمية وله انجازاته في الطب والجراحة التي تعد فخراً للعراق وما قدمه في مستشفى الواسطي سيبقى كذلك فخراً للطب العراقي أما إنجازات الدكتور الفنية في الرسم والنحت فقد ذاع صيتها عالميا واعتبرت قمة إنجازات إبداعية خلاقة حيث أقام ولازال معارض كثيرة في عواصم وبلدان العالم وهو عضو في جمعيات عالمية متعددة وقد خاض علاء بشير تجربته الفنية الأولى برسم اللوحات الانطباعية في خمسينيات القرن العشرين ثم تغيّر أسلوبه الفنّي تدريجياً في نهاية الستينيات ليُعانق السريالية فوق الواقعية. وعلاء بشير جراح عملاق في الجراحة التقويمية وفنان عظيم امتد نشاطه الفني الى ارجاء المعمورة وهو كذلك استاذ الجراحة التقويمية ورئيس ومؤسس مجلس الجراحة التقويمية في المجلس العراقي للاختصاصات الطبية وعمل جاهداً من اجل تأسيس مستشفى الواسطي وكان أول من أدخل الجراحة المجهرية لزراعة العضلات والعصاب وذاع صيته حسن أعاد زراعة يد مقطوعة الى مكانها بعد حادث بآلة حادة عام 1983 وقد حاز أثناء مسيرته على أوسمة وجوائز كثيرة منها جائزة تقديرية في معارض السنتين (بينالة) العربي في الكويت غلم 1980 وجائزة المرتبة الثانية في معرض الملصقات الدولي في باريس 1982 و الجائزة الأولى في معرض بغداد الدولي 1988 وجائزة الإبداع في الفنون التشكيلية ببغداد 1987 ويتوجها بنيله وسام العلم بغداد غلم 1999 ويكون عالماً من بين مجموع 40 عالماً مكرماً في العراق. ويتميز الدكتور علاء بأخلاقه بأعلى الدرجات وبوفائه صدقائه وهي موضع إعجاب وتقدير الجميع. هجر العراق عام 2004 وبعد تردي الحالة الأمنية ولازال يعمل ويعيش في دولة قطر. تمنياتنا للدكتور علاء بشير الصحة والتقدم في انجازاته المهنية والفنية الغنية بالأفكار المبدعة. يخاطبه تلميذه الشاعر الدكتور ذر الشاوي خريج طب البصرة قائلاً في حقه:
تأملتَ حتى صافح العلمُ صورةً
وضعتَ بها علماً وفنّاً سواسيا
فذا كنتَ فيه للنفوس محاوراً
وذاكَ به أصبحتَ للجرح آسيا
الدكتور يحيى الأنصاري
ولد الدكتور يحيى زكريا الأنصاري عام مواليد 1939 وأنهى دراسته الثانوية عام 1956 ودخل الكلية الطبية ببغداد وتخرج منها عام 1962 وحصل على شهادة زمالة كلية الجراحين الملكية وتخصص في جراحة الأطفال وأنتمى الى فرع الجراحة بكلية طب البصرة إثر عودته الى العراق أوائل السبعينات وعمل جراحاً اختصاصيا في مستشفى البصرة الجمهوري وغادر العراق عام 1980 وهو يعمل حاليا طبيباً عاماً في بريطانيا. يذكره تلميذه الشاعر الدكتور ذر الشاوي خريج طب البصرة قائلاً في حقّه:
بسماحةٍ وبراءةٍ ونقاءِ
غالبتَ حتى ألسن الشعراء
بوركتَ من مترفعٍ متوشّحٍ
ثوب َالوقار وبزة العلماء
الدكتورة فوزية الشمّاع
الدكتورة فوزية الشماع عملت استشارية بقسم النسائية والتوليد في المستشفى الجمهوري وأستاذة في كلية طب البصرة. بعد تخرجها من الكلية الطبية ببغداد وإنهائها للتدريب الأساسي سافرت الدكتورة فوزية الى بريطانيا حيث عملت وتخصصت في مجال الأمراض النسائية والتوليد وحصلت على شهادة عضوية الكلية الملكية (لجراحي) النسائية والتوليد لتعود الى العراق وتلتحق أوائل السبعينات بكلية الطب بالبصرة حيث كانت من أوائل أساتذة مادة النسائية والتوليد عند تأسيس فرع النسائية والتوليد في الكلية بعد أن كان تدريس المادة مرتبطا بفرع الجراحة وأصبحت رئيسة للفرع للأعوام 1975-1977 وفي نهاية العقد انتقلت وزوجها الدكتور رياض الشماع الى كلية طب المستنصرية ومستشفى اليرموك حيث لازال الكثير من طلبتها والأطباء الذين تدربوا على يديها في الكليتين في البصرة والمستنصرية، يذكرونها بأحلى الكلام كما يقول أحد طلبتها في البصرة: لقد لمسنا في جميع محاضراتكم صدق العطاء وكرم السخاء في نقل ما حباكم الله به من علم في مادة النسائية لمن تتلمذ على أياديكم البيضاء وكنتم وستظلون محط عين الوفاء في جميع الاختبارات التي قدمتموها لطلابكم حيث لم يكن القصد منها سوى قياس محصلة الطالب مما رسخ في عقله واستوعبته نفسه من تلك المحاضرات والتدريب وليس تعجيز الطالب وتحميله فوق ما يستطيع. بعد مغادرة الدكتورة فوزية وزوجها الدكتور رياض الشماع العراق أقاموا ولازالوا في مدينة نيوكاسل ببريطانيا. ويقول فيها تلميذها الشاعر الدكتور ذر شاهر الشاوي خريج طب البصرة 1978 واصفا إياها:
ثقةً نطقتِ وكان علمكِ باهرا
أرسى بأعماقِ النفوس مآثرا
الدكتور رياض الشماع
الدكتور رياض الشماع من مواليد الثلاثينات وبعد تخرجه من الكلية الطبية ببغداد وإنهائه للتدريب الأساسي سافر الى بريطانيا حيث عمل وتخصص في الطب الباطني وأمراض الكلى وحصل على شهادة عضوية الكلية الملكية للأطباء ليعود ويلتحق أوائل السبعينات بكلية الطب بالبصرة وعمل استشاريا في مستشفى البصرة الجمهوري وكان مسؤولاً عن وحدة الكلية الاصطناعية ودرب الكثير من الأطباء على تقنياتها. وفي نهاية العقد ينتقل الى كلية طب المستنصرية ومستشفى اليرموك حيث يذكره طلبته الكثر والأطباء الذين تدربوا على يديه بالخير ويقول أحدهم: من أرقي الأطباء والأساتذة الذين عملت معهم، انه إنسان في غاية الرقي، دمث الأخلاق، عطوف على مرضاه وطلبته، محبوب جدا من كل من يعرفه، لك مني يا استاذي ومعلمي وزميلي وصديقي أسمى آيات المحبة والتقدير والاحترام متمنيا لك وافر الصحة والعافية والعمر المديد انشاء الله. بعد مغادرة الدكتور رياض وزوجته الدكتورة فوزية العراق أقاموا ولازالوا في مدينة نيوكاسل ببريطانيا. ويقول فيه تلميذه الشاعر الدكتور ذر شاهر الشاوي خريج طب البصرة 1978 واصفا إياه:
نطقتْ بأفضال الكبار مآثرُ
بكَ يُحتَذى، بكَ يُقتدى ويُفاخَرُ
الدكتور محمد رضا الدباغ
استشاري الباطنية في المستشفى الجمهوري بالبصرة ومستشفى اليرموك والأستاذ في كليتي طب البصرة والمستنصرية. الدكتور محمد من مواليد الثلاثينات وبعد تخرجه من الكلية الطبية ببغداد وإنهائه للتدريب الأساسي سافر الى بريطانيا حيث عمل في مستشفياتها وتخصص في الطب الباطني والغدد الصماء وحصل على شهادة عضوية الكلية الملكية للأطباء ليعود بعدها ويلتحق في السبعينات بفرع الطب الباطني بكلية الطب بالبصرة ويترأس فرع الطب الباطني أوائل الثمانينات وفي منتصف العقد ينتقل الى كلية طب المستنصرية ومستشفى اليرموك حيث يذكره طلبته الكثر والأطباء الذين تدربوا على يديه بالخير. وصلني أنه توفي عام 2015 رحمه الله.
صورة حديثة للدكتور محمد رضا الدباغ
ويقول زميل له من التدريسيين: "تحياتي وامنياتي لأخي العزيز للأستاذ الفاضل الدكتور الدباغ ذي الخلق الراقي والتواضع حيث كان أبو أمجد محبوباً من قبل زملائه وطلابه في طب المستنصرية وله لازمة محببة يرددها مشجعاً أثناء محادثته وسجلت له: وردة." غادر العراق وعمل في اليمن ثم ما لبث وعاد وتقاعد وظيفياً ولكنه لازال يعمل في عيادته الخاصة في الحارثية في بغداد. أمنَّ الله عليه بوافر الصحة والعمر المديد.
الدكتور نزار الشابندر
الدكتور نزار الشابندر من مواليد عام 1942 وتخرج من الكلية الطبية ببغداد عام 1967 وعمل في البصرة مديراً عاما لصحة المحافظة من عام 1973 خلفاً للدكتور محسن الخفاجي ولعب دوراً بارزاً في أداء الدوائر الصحية والمستشفيات في البصرة وفي عام 1979 خلفه الدكتور عبد الأمير الثامري حيث نقلت خدمات الدكتور نزار الى ديوان وزارة الصحة فشغل مناصب قيادية مهمة حيث أصبح مديراً عاماً لدائرة صحة بغداد وترأس مؤسسة التعليم والتدريب الصحي في ديوان الوزارة ثم عين مديراً عاماً للتخطيط ودوائر أخرى في ديوان الوزارة وقد تقاعد قبل سنوات ويمارس المهنة في عيادته الخاصة بشارع المغرب ببغداد. تمنياتنا للدكتور نزار بوافر الصحة والعافية.
الدكتور عبد الهادي الصيّاح:
الدكتور عبد الهادي الصياح طبيب اختصاصي في الجراحة وكان مدرساً في فرع الجراحة بكلية طب البصرة في السبعينات هو حاصل على شهادة الاختصاص (الفاخآرتز) بالجراحة من المانيا وعاد الى العراق مشمولاً بقانون ذوي الكفاءات وبعد سنوات عمل فيها في البصرة غادر العراق عائداً الى المانيا ولازال يعيش هناك وكان يعمل جراحاً في دردسن. كان الدكتور عبد الهادي شخصية طيبة يحبه الطلبة بوجه خاص وفيه قال شاعر كلية طب البصرة الدكتور ذر شاهر الشاوي خريج الدورة السادسة:
ما بين كفك والندى عهدُ
يفنى الزمانُ ويمكثُ المجدُ
الدكتور نصرت سلمو
الدكتور نصرت سلمو مواليد الثلاثينات وتخرج من كلية الطب في بغداد وتخصص في علم الأمراض وحصل غلى شهادة الدكتوراة من بريطانيا وتعين أولا في كلية طب الموصل أوائل الستينات إلا أنه عاد وأنتقل الى كلية طب البصرة بداية السبعينات وكان من أوائل أساتذة فرع علم الأمراض في كلية طب البصرة ولكن بعد سنوات قليلة اختلف مع رئيس الجامعة الدكتور نزار الشاوي المتخصص بالأحياء المجهرية فأُقاله من الوظيفة على ملاك جامعة البصرة وتحول الى ملاك الصحة وأفتتح له مختبراً للتحليلات المرضية في العشار قبل أن يغادر العراق بعد سنوات قليلة. كان الدكتور سلمو قد درسنا علم الأمراض في كلية طب الموصل عام 1967 وكنا في الصف الرابع وكان صعب التعامل رغم غزارة علمه واتذكر كان أثناء محاضراته يتوجه نحو السبورة وقد أعطانا ظهره فيكتب كلمات ويرسم رسوم غير واضحة في الوقت ذاته فنفقد متابعة ما يقول ولا نرى ما يرسمه ويكتب الا بعد ان يغادر القاعة وهو لم ينظر الينا وكنا نجلس في حلقات لكي نستطيع اكمال ما كتبه كل منا للحصول على محاضرة غير مكتملة وبعد شكاوى الطلبة تم استقدام أستاذ سلوفاكي ( الأستاذ رودولف) من جيكوسلوفاكيا أعاد تدريسنا كل ما فاتنا.
الدكتور صالح الشيخ گمر
هو الدكتور صالح عبد القادر محي الدين الشيخ گمر، ولد في بغداد عام 1941 من عائلة بغدادية دينية ترتبط أصولها تاريخيا ولفترة طويلة ببغداد وهي أسرة هاشمية حسينية يمر نسبها بالسيد الشيخ قمر (گمر) الذي ينتهي نسبُه الى السيد احمد عز الدين الصيادي الرفاعي ومنه الى الامام الحسين ابن علي بن ابي طالب رضي الله عنه. أكمل دراسته الابتدائية في مدرسة الفضل سابقاً والمتوسطة في متوسطة الرشيد للبنين والاعدادية في الاعدادية المركزية للبنين عام 1959 ليدخل كلية الطب جامعة بغداد ويتخرج منها طبيباً عام 1966. ولعد أنهائه متطلبات التدرج الطبي من الإقامة الدورية والخدمة في القرى والأرياف عاد الى بغداد وعين طبيباً في العيادة الخارجية للأمراض العصبية في المستشفى الجمهوري القديم (التابع الى مؤسسة مدينة الطب) وضمن تدريبه هناك تدرب في مادة الطب النفسي على يد استاذه المرحوم الدكتور يوسف القاضي وبعد قضاء أربعة أشهر حصل على إجازة دراسية ثم بعثة علمية للتدرب والتخصص في بريطانيا فواصل دراسة اختصاص الطب النفسي في بريطانيا وحصل على شهادة الدبلوم العالي في الطب النفسي من كليتي الاطباء والجراحيين الملكية البريطانية عام 1974 وأعقبها بشهادة عضوية الكلية الملكية للأطباء النفسانيين في المملكة المتحدة عام 1976 وهي أعلى شهادة في الاختصاص، وكان أثناء ذلك يعمل في مستشفى مودزلي جنوب لندن وهو المستشفى الوطني للأمراض النفسية في عموم بريطانيا وكان يعتبر السنوات التي عمل فيها هناك من أحسن أيام عمره إعداداً ودراسةً ونتاجاً فوجد خلالها ضالته من المصادر في مجال اختصاصه وتيسرت له كذلك الفرص للاطلاع على تطورات ووجهات النظر والتفسيرات الطبية النفسية واكتساب خبرة عملية بها ساعدته في بدء عمله بقوة لدى عودته الى العراق أواخر عام 1976 مشمولاً بقانون رعاية أصحاب الكفاءات وعين استشاريا للأمراض النفسية في مستشفى البصرة الجمهوري التعليمي وأصبح مسؤولا عن وحدة الامراض النفسية والعقلية ساهم خلالها بالتدريس النظري والسريري لطلبة كلية طب جامعة البصرة.
في العام 1983 نقلت خدماته الى مستشفى ابن رشد التعليمي للطب النفسي في بغداد والذي يتضمن قسم مكافحة الادمان على الكحول والعقاقير ومارس تخصصه كطبيب استشاري وقام في الوقت ذاته بالتدريس السريري لطلبة البورد العربي والبورد العراقي في تخصص الطب النفسي كما قام بالتدريس في كلية التمريض ولحين احالته على التقاعد بناءاً على طلبه عام 1989. وواصل الدكتور صالح ممارسة اختصاصه في مجال الطب النفسي في عيادته الخاصة وأستمر في نشاطه ضمن فعاليات جمعية أطباء الأمراض النفسية. وشارك في العديد من لجان ومؤتمرات الطب النفسي، وترأس مركز الإدمان في مستشفى ابن رشد التعليمي للفترة 1988-1989.
ويسجل للدكتور صالح أنه كان أول طبيب يسجل حالة الادمان على شراب التوسيرام وهو الشراب الذي يستعمل في حالات السعال ويحتوي على مادة الكودائين وتم القاء بحثه عن ذلك في المؤتمر الطبي السنوي الثاني والعشرين للجمعية الطبية العراقية عام 1984 ونال تكريماً على ذلك. وفي مجال التأليف والفعاليات العلمية والبحث فله ستة كتب مطبوعة هي: كتاب "الجوانب النفسية والعقلية للجريمة" المنشور عام 1989 وكتاب "الادمان على الكحول" ونشر عام 1985 وكتاب "الهستيريا" نشر عام 1988 "التخلف العقلي في الطفولة" ونشر عام 1997 وكتاب "النفس والشيخوخة" (غير مطبوع) وكتاب "النفس في القران الكريم" (غير مطبوع) كما نشر ما يزيد على المائة مقالة طبية في مختلف الصحف والمجلات العراقية مساهماً من خلالها بنشر الوعي الطبي النفسي لجى مختلف شرائح المجتمع وخاصة في مواضيع مكافحة الادمان على الكحول والعقاقير والتدخين ومواضيع متفرقة اخرى، وكذلك أسهم في نشر (14) بحثاً علمياً في مجلات علمية عراقية وعربية وأجريت معه (17) تحقيقاً صحفياً كما أسهم في وقائع (27) حلقة من حلقات برنامج "الأسرة والحياة" التلفزيوني في الاعداد والتقديم للفترة 1986-1988 وكذلك في حلقتين عن الجوانب الطبية والنفسية لبطء التعلم في التلفزيون التربوي. وقد عمل عضواً في عدد كبير من اللجان والجمعيات والهيئات العلمية منها: اللجنة الوطنية العلمية للتربية الخاصة في وزارة التربية ولجان الرقابة والفحص لبرامج التلفزيون وترأس لجنة فحص ذوي الإعاقات وعمل في إعداد القانون النموذجي العربي الموحد للمخدرات في مجلس وزراء الصحة العرب وهو عضو في الجمعية الطبية العراقية وجمعية اطباء الامراض النفسية اتحاد النفسانيين العرب.
وعلى المستوى الشخصي كان الدكتور صالح الشيخ كمر يمتاز بشخصية سمحة، عطوفاً على مرضاه، ولا جدال في مهارته الفائقة المشهد لها حيث يذكره الدكتور طلعت الخضيري قائلاً: "زاملتُ الدكتور صالح في السبعينيات من القرن الماضي في المستشفى الجمهوري في البصرة فعهدتُ به صديقاً وفياً ورجلاً متواضعاً وعالماً في اختصاصه. لقد ترك هو وزميله الدكتور فاضل زيا ذكرى ووفاء عند اهل البصرة وانا واحد منهم". تزوج الدكتور صالح عام 1965 من أقاربه وهي حفيدة مفتي الديار العراقية العلامة الشيخ قاسم القيسي ورزق منها ببنتين وولدين هما (د. مصعب واحمد). وبعد خدمة جليلة لوطنه وطلابه ومرضاه انتقل الى رحمة الله تعالى في 9/3/2005 بعد صراع طويل مع المرض، وقد شُيّع جثمانُه الى مثواه الأخير من قبل زملائه واصدقائه وعارفي فضله واخلاقه الى مقبرة اجداده مقبرة الشيخ عبد الرحيم الشيخ كمر الواقعة في منطقة الشيخ عمر، وقام برثائه نقيب المعلمين الاسبق الاستاذ نجيب محي الدين. وكان رحمه الله غالباً ما يردد وسط تفاؤله بالحياة وسعادته بعمله ودنياه بيتَ الشعر التالي لعبد الكريم العلاف: "فإن عشتُ في الدنيا فإني سيعدها...وإن متُ لاشئَ من الموتِ يسلم".
الدكتور سعيد عبدُه
هو الدكتور سعيد عبده أحمد المصري الجنسية والذي كان من أوائل الأطباء الذين قدموا وعملوا في البصرة. هو الطبيب والأديب والزجال المصري صاحب الصولات والجولات في عوالم الأدب والفن إلى جانب ريادته في الطب والصحة العامة وقد يكون أشهر الأطباء العرب قاطبة بنشاطاته في الطب وفي المناحي الأخرى فمن منا لم يسمع ويطرب بأصوات خالدة مثل الصوت الأميري لمحمد عبد الوهاب والصوت الذهبي لأسمهان ومن منا لا يطرب حين يستمع الى أغنية عبد الوهاب: "في البحر لم فتكم في البر فتوني... بالتبر لم بعتكم بالتبن بعتوني...أنا كنت وردة في بستاني قطفتوني...وكنت شمعة جوه البيت طفيتوني...لو عدت بالمرة هاتوا المر وأسقوني." نعم تلك هي كلمات سعيد عبده الذي ألفها وألف عدد اخر من أغاني عبد الوهاب وكذلك فعل لأسمهان وكما يذكر كتاب زكي مبارك "وحي بغداد" الصادر عام 1938. ولكن، ومع الأسف، نجد اليوم، ومع تعدد المواقع والمنتديات على الأنترنت، إهمالا للمؤلف الأصلي وهي تذكر بأن المؤلف إما "زجل شعبي؟ أو تسمي مؤلفين وهميين غير المؤلف الحقيقي وهو سعيد عبده.
ولد الدكتور سعيد عبده أحمد في قرية "كفر أبو ناصر" بمركز دكرنس بالدقهلية بدلتا مصر مع إشراقة القرن العشرين يوم 12 آب أغسطس عام 1901 وأثناء دراسته المدرسية برزت ميولُه الأدبية والثقافية ونظمه مبكراً للأزجال وكتابته القصص القصيرة والمقالات الأدبية فحصل على دبلوم الصحافة ودخل كلية طب القصر العيني في القاهرة على الرغم من تلك الميول والنشاطات الأدبية. ولذلك قضى وقتا أطول من المعتاد في إنهائه لدراسة الطب إضافة الى أسباب أخرى كمرضه أثناء دراسته فتخرج طبيباً عام 1930 والتحق فيما بعد بالدراسات العليا للتخصص فحصل على الدبلوم في أمراض المناطق الحارة والصحة العامة ومن ثم حصل على الدكتوراه في الصحة العامة والطب الوقائي وعين لاحقا أستاذاً في كلية الطب بجامعة عين شمس في العباسية بالقاهرة. كما عمل اواخر الأربعينات وفي الخمسينات خبيراً لدى منظمة الصحة العالمية فسافر لبلدان كثيرة. وكان الدكتور عبده قد خدم رئساً لقسم الصحة العامة في كلية طب عين شمس ولمدة ثمان سنوات في خمسينيات القرن الماضي. ويذكر الدكتور أحمد الخفاجي، رئيس قسم الصحة العامة في جامعة البصرة، ان عبده ترك موروثاً علمياً جماً في حقل الصحة العامة فهو الذي اكتشف الترابط بين الحالات التي تعاني من نقص او فقدان حامض الهيدروكلوريك في المعدة وسهولة الاصابة بمرض الكوليرا. ونشر هذا الاكتشاف وسجله باسمه عالمياً في مقالين علميين كان هو الباحث الوحيد فيهما ونشرهما لإثبات هذا الترابط المهم في مجلة "المشرط - ذي لانست" البريطانية الشهيرة حيث نشر المقال الأول تحت عنوان "وباء الكوليرا في مصر وطرق انتشاره" بالعدد رقم 6480 عام 1947 والمقال الثاني تحت عنوان "عوامل الإصابة بالكوليرا" ونشر بالعدد رقم 6511 عام 1948. وللدكتور عبده منجزات علمية متفردة منها عمله على إثبات ان التنمية الاجتماعية بكافة ركائزها الزراعية والتربوية والبيئية والطرق والمواصلات في الريف المصري تؤدي الى التنمية الصحية وتحسن صحة الناس. وقد كان رائداً على مستوى المنطقة والعالم بما أنجزه من أعمال في صحة المجتمع فأثناء ما كان رئساً لقسم الصحة العامة في جامعة عين شمس وبمشاركة المجتمع المحلي استحدث مشروعَ التنمية الاجتماعية في قرية قرب القاهرة وهي قرية "سرس الليان" حيث استمر المشروع عدة سنوات وأتى بفوائد عديدة لمجتمع تلك القرية إضافة الى فوائد جمة على مستوى صحة المجتمع والفرد وقام بنشرها في المجلات الطبية المتخصصة.
وللدكتور سعيد عبده أفضال على الصحة ليس في مصر فقط وإنما امتدت خدماته الى العراق بصورة خاصة. فبعد سنوات قليلة من تخرجه في أوائل الثلاثينات، قرأ إعلاناً منشوراً في جريدة "الأهرام" ينبئ عن حاجة الحكومة العراقية الى طبيب للعمل في دائرة الصحة في لواء البصرة ويكون مسؤولاً عن قسم الصحة المدرسية في اللواء. قدم الدكتور سعيد طلبه وانتدبته الحكومة العراقية فجاء البصرة عام 1934 وعُيّن مسؤولاً للصحة المدرسية. وحسب المعلومات المتوفرة لدينا فإنه يعتبر من أوائل الأطباء العرب غير الأجانب ممن التحق بالمجال الصحي في البصرة حين كان الأطباء الإنكليز والهنود هم وحدهم من يعمل هناك. قضى الدكتور عبده في البصرة ست سنوات وسكن محلة السعودية في العشّار وعاد بعدها الى القاهرة مع اندلاع الحرب العالمية الثانية. عاد الدكتور عبده الى العراق مرات عديدة لا تحصى بعد ذلك وعمل أستاذاُ في كلية طب بغداد ومن ثم في كلية طب الموصل في الستينات وفي كلية طب البصرة في السبعينات. أتذكره عندما كنتُ طالباً في كلية طب الموصل أواسط الستينات حينما كتبَ مقالاً نشر في مجلة "أم الربيعين" التي كنا نصدرها نحن طلبة الكلية وكنتُ أحد أعضاء لجنة تحريرها. كان مقالُه عن اللهجة الموصلية وأصلها ونحوها وصفاتها وكان مقالاً لغوياً بارعاً في لغته وأصيلاً في براهين محتواه حيث ذكر أن اللهجة هي أكثر قربا من اللغة الفصحى من جهة نطق الحروف وأصول النحو. ولم ينقطع هواه مع العراق فعاد مرة أخرى ولكن الى البصرة عام 1972 وعين أستاذاً في كلية الطب الحديثة الإنشاء وقتها وأستمر يأتيها كل عام ويقضي فصلاً دراسياً ويعود الى مصر وحتى نشوب الحرب العراقية الإيرانية فغادر البصرة مع بدايات الحرب أواخر كانون الأول ديسمبر عام 1980.
أتذكر أنني أثناء دراستي للدكتوراه أواسط السبعينات وفي مستشفى سان توماس بلندن طلب مني أستاذ بريطاني شاب هناك أن أراجع له تقريراً كان ينوي نشره ويدور حول زبارة له لكلية طب البصرة فأتذكر ورود أسم سعيد عبده الذي كنتُ أذكره من أيام كلية طب الموصل مقرونا باسم أحمد الخفاجي الذي لم أكن قد ألتقيته من قبل. وكانت المقارنة، في المقال، بين رؤيتهما في مفاهيم وممارسات الصحة وهما يعملان بقسم واحد كما شبهها كاتب المقال ب"المقارنة بين عَراقة الحضارة الأفريقية وتجدد حضارة القرن العشرين". وقد أبديتُ وقتها للكاتب عن إعجابي بتلك المقارنة ضمن ملاحظات عديدة عن العراق والبصرة والصحة واحتفظت لنفسي استكشاف عصرنة وتجدد عالم مثل أحمد الخفاجي لقابل الأيام. كان هذا الأستاذ الصديق هو "جارلس دي فلوري" وهو أبن الطبيب الأشهر اللورد "هوارد والتر فلوري" الذي كان أول من أستخدم عَفَن الخبز في علاج التهاب خطير في وجه مريض وحاز بذلك على جائزة نوبل في الطب عام 1945 عن اكتشافه وتطويره استعمالات أشهر دواء مضاد للالتهاب وهو البنسلين.
يقول الدكتور أحمد الخفاجي رئيس فرع الصحة العامة في كلية طب البصرة عن سعيد عبده وهو الذي رافق زياراته لكلية طب البصرة متذكراً إياه: "كان سعيد عبدو (حسب لفظه هو لاسمهِ) عالماً وأديباً متمكناُ ومن الأجيال الأولى لأطباء الصحة العامة في الوطن العربي ويقول: كنا نجلس سوية ويسألني عن الجديد في علوم وممارسة الصحة العامة في بريطانيا والتي كنتُ للتو قد أنهيت فيها دراستي للدكتوراه وأحكي وهو يصغي إصغاء العالم. وأتذكر مرة تحدثت له عن مفاهيم الرعاية الصحية الأولية فكان يصغي ويسأل ثم يصغي ويفاجئني بعد أيام قلائل ويأتيني بعدد جديد من مجلة العربي الصادرة في الكويت وفيها مقال جميل كتبه لها عن الرعاية الصحية الأولية ونجلس في وقت آخر ونتحدث عن المفاهيم الحديثة للتعليم الطبي وكيفية إعداد الطبيب فأراه يأتيني مرة أخرى بعددين من مجلة العربي وفي كل منهما مقال مطول عن التعليم الطبي. وكان للدكتور عبده فضلٌ لا أنساه له رحمه الله حيث كان خلال كل وقتنا يذكرني ويحثني على أن "أي عمل مهما كان جليلاً ومهماً وشاقاً ومفيداً فإن فائدتَه تفتر ويُصبح غير ذي فائدة بعد فترة من الزمن إن لم يوثق ويكتب وينشر". وفعلاً كان يسألني كل يوم متى تنشر عن ما تفعله من أعمال في تدريب الطلبة حيث كنتُ بدأت مشروع طموح للخروج بالطلبة الى المجتمع والميدان وليس التقوقع في قاعات المحاضرات فقط وكان المشجع الذي تعلمتُ منه اكثر من ما كنتُ أعرفه عن أهمية النشر."
وللدكتور عبده مآثر كثيرة وكبيرة في التأليف والنشر فهو من أقنع الراحل أحمد بهاء الدين عندما كان رئيساً لمجلس إدارة دار أخبار اليوم بإصدار مجلة متخصصة بالتوعية الصحية للجمهور فترأس سعيد عبده تحرير مجلة "طبيبُك الخاص" وأصدر أول عدد منها عام 1969 ولازالت هذه المجلة تصدر اليوم وبعد 48 سنة على إنشائها وتوزع لقراء العربية أينما كانوا.
غلاف العدد الأول من مجلة "طبيبك الخاص" 1969
كما أن لسعيد عبده مؤلفات كثيرة وكتب مطبوعة منها "هياكل في الريف" الصادر عام 1953 وكتاب "خدعوك فقالوا" والذي جمعت فيه ما أقترن باسمه من سلسلة مقالات كان ينشرها على الصفحة الأولى لصحيفة "أخبار اليوم" تحت عنوان "خدعوك فقالوا" يستخدم فيها ببراعة موهبتَه الأدبية في الكتابة ليبثَ من خلالها الوعي الصحي لجمهور القراء حيث كانت المقالات تدور حول الأخطاء الشائعة والأقوال والأفعال السائدة في المجتمع فيما يخص الصحة والمفاهيم الصحية كترجمة القول في أن "دمك شربات" حين يُكتشف أحدهم مصابا بمرض السكري وهو تهوين لمرض السكري والفرح بالإصابة وترك العلاج من باب لا أحد يتمنى أن لا يكون "دمه شربات" أو مقولة "اغسل نفسك بالترعة" وهو قول فيه تشجيع القفز الى مياه الترع المنتشرة في أرياف مصر والتسبب بالإصابة بالبلهارزيا القاتلة وهو الداء الذي حملَ الدكتور سعيد عبده لواءَ مكافحته في الريف المصري. ويحكي بأسلوبه القصصي المبهر وهو رائد من رواد الوقاية من البلهارزيا في مصر كيف أنه جهدَ في جمع العون المادي من المنظمات لتنفيذ برامج وقائية قبل العلاجية للقضاء على البلهارزيا عن طريق بناء مرحاض عام في كل قرية لمنع تغوط الفلاحين في الترع ونشر المرض فكان يذهب الى القرى لإقناع عُمدات القرى كقادة مجتمع بتبني المشروع في كل قرية فكان العِمدة بدوره يعين للمرفق عاملاً عليها من بلدياته وبنصح كثير من الدكتور سعيد عبده يأمر العامل لأدامه المرفق وأن يجهد لإبقاء المرحاض نظيفاً حسب توصية الدكتور ولما عاد سعيد عبده بعد فترة وأثناء تفتيشه على المشروع وجد مرحاضاً في قرية من القرى نظيفاً بشكل ملحوظ ووجد في الوقت ذاته الناس تستخدم الترعة في قضاء حاجتها فلما سأل عن ما يجري من مفارقات تبين له أن العامل قد أوفى بوعده في ان يُبقي على المرحاض نظيفا فقام وبكل بساطة وغلظة فمنع الناس من استخدام المرفق لكي لا يعبثوا بنظافتها! ولازال إرث سعيد عبده جارياً الى اليوم حيث تنسر يومياً مقالات كثيرة في الصحافة المصرية لمعالجة أمور هذه الأيام مثل: خدعوك فقالوا: السجائر الإلكترونية غير مضرّة.. (أخبار اليوم 17 يونية 2017) وخدعوك فقالوا ...تهنئة المسيحيين بأعيادهم حرام (جريدة اليوم السابع 6 يناير 2017) وخدعوك فقالوا: «الكرة في مصر بس أهلي وزمالك" وخدعوك فقالوا "الإمارات ستحتل جزيرة سقطرى اليمنية" وخدعوك فقالوا "السلحفاة بطيئة...الخ." وكتبت عنه جريدة الأهرام بعددها المرقم 46757 بسنتها ال 139 يوم الجمعة 12 ديسمبر 2014: الدكتور سعيد عبده الطبيب الأديب كما وصفه عملاق الصحافة مصطفى أمين «كان من أعظم الكتاب والشعراء الذين عرفتهم في حياتي.. ومن أحسن من كتبوا المقال السياسي». والدكتور عبده كان من أخترع «خدعوك فقالوا» لمواجهة ما يقال ويتردد عن الصحة والمرض تحديداً. أما الرجوع أو اللجوء للمفهوم ذاته واجب هذه الأيام ويجب أن يشمل الكثير من حياتنا بعد أن كثرت الأمراض والعلل...وما يتردد حولها. وكتابات سعيد عبده بشكل عام في حاجة الى تجميعها ودراستها ونشرها والاستفادة منها. عبده يكتب <لقد خدعنا أولئك الذين قالوا لنا أن الصحة تاج على رءوس الأصحاء لا يراه الا المرضى! .. ان الصحة تاج حقيقة ولكنه تاج يشعر به صاحبه كفاية وعافية وقوة ووفرة انتاج فان لم يره على راسه، فليبحث عنه أين ضاع فذلك خير له من أن يبحث عنه على رءوس الناس» وهو يتعرض للمفهوم المنتشر «أن ختان البنات عاصم لها من الشهوات» يكتب منذ عشرات السنين ما يجب قوله الآن أيضا ونحن في نهاية عام 2014 فيقول «عادة أثيمة مجرمة لا تخدم غرضا نافعا، ولا تعصم من شر آت، وقصاراها أن تحرم المرأة في مستقبل حياتها من المتعة بنعمة من نعم الله، حرمانا يتناسب مع القدر الذي تحرمها منه مدية أو سكين. أن العلاقة وثيقة بين هذه العادة الوحشية الآثمة وبين كثير من حالات اضطرابات الحياة الزوجية، وانتقاض الأسر بالطلاق وانتشار المخدرات» ويضيف "والمرأة التي لا يكون لها عاصم من خلقها وتربيتها وكرامتها على نفسها، هيهات أن يكون لها عاصم من هذا السياج المفروض. ان ختان البنات وحشية وظلم وبطش وطغيان لا يقره عقل ولا طب ولا دين...>
وقد قامت دار "أخبار اليوم" بجمع مقالات خدعوك فقالوا وطبعتها بكتاب أصدرته عام 1997. الكتاب و أسمه " خدعوك فقالوا "عبارة عن مجموعة من المقالات ويبدأ بالحديث عن الطب و التمريض بشكل عام ووضعهم في مصر في ذلك الوقت و لا تتعجب إذا وجدت نفس المشكلات من السبعينات إلي الآن بل ربما قد يكون الوضع أفضل آنذاك، أكثر نقطة لفتت نظري غير حديثه عن التمريض و الذي نفتقده في مصر الآن ، هو حديثه عن ذهاب الأصحاء لا المرضي إلي الأطباء و أن دور الطب لا يجب أن يكون علاج المرضي بل هو أوسع و أشمل من تلك النظرة الضيقة. تأتي بعد ذلك بعض المقالات التي تحتوي علي معلومات قليلة لكنها تصحح بعض المعلومات المغلوطة الشائعة بين الناس ، فمثلا من الشائع اعتقاد وجود القلب في الجانب الأيسر ، فموقع القلب الصحيح هو وراء عظمة القص التي تتوسط الصدر و يعود شيوع هذه المعلومة الخاطئة إلي الاحساس بدقات القلب في الجانب الأيسر ، ومعلومة آخري إن القلب ينبوع العواطف بينما في الحقيقة المخ هو الأساس و ما القلب إلا صدي هتافات هذه العواطف ، و معلومة شائعة آخري مناسبة لهذه الأجواء و هو شيوع أن البرد سبب الزكام وهذا غير صحيح لأن الزكام عدوي في الأساس ، ومع هذا الجو البارد تأتي شيوع معلومة أن شرب الخمر أو المشروبات الكحولية يمنح الجسم الدفء ، لكن في الحقيقة أن الكحول يمنح الجسد دفء كاذب فالكحول يعمل علي تمدد الأوعية الدموية و نتيجة لهذا التمدد يمنح الجسم إحساس كاذب بالدفء اللذيذ ليس هذا وحسب بل أن ذلك التمدد الحادث يجعل الجسم يفقد حرارته بسرعة.
أتذكر الدكتور سعيد عبده عام 1973 وكان يأتي ظهراً الى نادي الطلبة في كلية طب البصرة ويتناول غداءه وحيداً وكنا نمتنع عن إزعاجه لحين انتهائه من غدائه وكان يقدر فينا ذلك لأنه كان يشكو من شلل العصب الخامس في وجهه مما يعني عدم إحساسه في وجهه وفمه فكان يداري ذلك بمنديله والسؤال الذي كنا نسأل أنفسنا دائما ما لذي يجده هذا العالم والأديب وهو في سبعينات عمره على تحمل جو البصرة ووحدته فيها وتردده على العراق منذ الثلاثينات ولكن دون جواب. وفهمنا منه أن إصابته بالتهاب ذلك العصب قد أتاه منذ كان طالب طب وكان السبب في إنهائه دراسته متأخراً وبعد إجرائه عملية لقطع العصب أصبح يتحمل عدم حسه في وجهه وهو كما كان يقول أهون عليه مليون مرة من نوبة واحدة من الألم المبرح الذي كان يعاني منه. وللمطلعين على الحياة الأدبية والثقافية في مصر العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي يذكر أن ذكر أسماء كأحمد شوقي وطه حسين وزكي مبارك وثروت أباظة والمازني ...الخ ولو دققنا الآن سنجد أسم سعيد عبده سيكون ضمن هذه الأسماء فقد كان في شبابه أديبا فطحلا ومن جلاس أحمد شوقي وملازميه الدائمين حتى في خلواته في "كرمة أبن هانئ" بالمطرية (أبن هانئ هو أبو نواس بعينه حيث كان شوقي من المعجبين بأبي نواس). يحكي الدكتور سعيد عن أن أحمد شوقي كان يأتيه وحي الشعر أينما كان جالساً أو ماشياً فيتناول أي شيء بجانبه ويكتب بيتاً أو أثنين على قصاصة ورق أو حافة جريدة أو مجلة أو على علبة سكائر ويرمي العلبة والوريقات أو يتركها بعد أن يغادر المكان وكان عندما يعود الى كرمة أبي نواس يتذكر بيت الشعر فيسعفه سعيد عبده بقصاصات الورق التي كان يجمعها عند المغادرة فيقوم شوقي بإكمال البيت والإتيان بقصيدة جديدة. ويحدثنا احمد الخفاجي عن معالجة سعيد عبده لعسر ولادة أشهر قصائد شوقي فيقول ما نصه: "سعيد عبده كان القابلة التي ولّدت احمد شوقي مسرحيته الشعرية الخالدة "مصرع كليوباترا."
ولكن مرة أخرى نتساءل ما السر في تعلق سعيد عبده بالعراق؟ فبعد ان قضى فترتين كأستاذ في كلية طب بغداد في الخمسينات وفي كلية طب الموصل في الستينات من القرن الماضي عاد للعراق مرة اخرى للعمل كأستاذ في كلية طب البصرة وللفترة من 1972 ولغاية 1980 والسر عند أحمد الخفاجي كذلك فيحكي لي عن لسان عبده: "وأنا أعمل في البصرة في الثلاثينات وفي أول عهدي بالعراق سكنتُ وعائلتي في بيت منيف وجميل ذي نخلتين باسقتين في محلة السعودية بالعشّار وكان جبرانا بيت الغانم وبيت الذكير وبيوتات عريقة أخرى وعوائل كريمة من كل صوب فترعرع أبنائي هنا وكانت البصرة يومَها واحةً من الجنان. وفي عملي بنيتُ خبرة كبيرة حيث كانت أوبئة من قبيل الملاريا والبلهارزيا وغيرها تنتشر بكثرة فأبليتُ بلاءً حسناً مع زملاء عراقيين وأجانب فتعلمتُ وعلمتُ. وبين شوقي لمصر وحبي للعراق فقد أعانتني الحرب العالمية الثانية على اتخاذ قراري والعودة الى مصر. وبعد سنوات زارتنا في مصر عائلة الغانم جيراننا في البصرة وقد سكنوا الكويت ذلك الوقت وحصلَ أن طلبوا يد أبنتي لابنهم حيث عرفوا بعضهم وهم أطفال ودرسوا سوية في مدارس العشار وكان ما كان أن أصبحت عودتي الى أيام شبابي المهنية في العراق بعد ذلك حباً بالعراق وتقرباً من ابنتي وزيارتها كل أسبوع وخاصة عند عملي في البصرة فما هي الا سفرة ساعتين في السيارة من مكان اقامتي في فندق شط العرب الملحق بمطار البصرة لأصل الى بيت ابنتي في الكويت." وكان آخر عهد للدكتور سعيد عبده بالعراق في آخر زيارة له للبصرة عام 1980 حيث لم يعد اليه ثانية فقد توفي رحمة الله عليه في القاهرة عام 1983.
ومع هذه الكوكبة من الأطباء الرواد الذي تجاوز عددهم المائة طبيب وصيدلي وطبيب أسنان لابد من الاعتراف بصعوبة الحصول على المعلومات والصور التي تخص الشخصيات التي لم نوفق لحد الآن بالحصول عليها وهي لأطباء رواد آخرين من مواليد العقود الأولى من القرن العشرين فاتنا توثيقها هنا لعدم توفر ما يوثق عنهم لدينا ولكن لن يفوتنا أن نتوجه الى أبناء وأقارب الأطباء الرواد الآخرين والى القراء الأعزاء بالكتابة والتعليق بكل ما لديهم من معلومات أو انطباعات أو صور لأي منهم مهما كانت معلومات طفيفة لتجميعها ولابد لنا من التذكير بأسماء العديد منهم علّنا نثير الذكريات في نفوس أهاليهم وأقربائهم ومرضاهم ومحبيهم فيكتبوا الينا توثيقا لهم ولذكراهم. ومن الأطباء الذين نحتاج لتوثيق تأريخهم المهني تقديرا لدورهم في الصحة والطب ومنهم: الدكتور بولص عتيشا والدكتورة فكتوريا عتيشا والدكتور وديع ميخا جبوري والدكتور أديب بشير هندي والدكتور ألبير ناصر كريكور والدكتور أفرام عبد المسيح صائغ والدكتور أسامة عبد الرزاق اليعقوبي والدكتور باقر رضا الموسوي والدكتور جابر محمد العطّار والدكتور حسام الدين عبد الحميد والدكتور رمزي عبد الأحد بهنام والدكتور شاكر محمود جبارة والدكتور شمس الدين سيد طالب النقيب والدكتور شيركو عبد العزيز سرهنك والدكتور عباس محمود طبيب زاده والدكتور عبد الجليل قاسم الجلبي والدكتور عبد الخالق محمد الخضيري والدكتور عبد النبي حميد العطار والدكتور عدنان مجيد الشكرجي والدكتور فليح حسن الحداد والدكتور كامل جميل صالح والدكتور قيصر المعتوق والدكتورة فكتوريا عبد الأحد مطلوب والدكتور مكي إبراهيم علش والدكتور محمد علي عبد الرسول والدكتور مثنى عبد المجيد القصّاب والدكتور ماجد عبد الحافظ القيسي والدكتور منصور حيقاري والدكتور ناجي إبراهيم ترزا والدكتور نعوم رامي والدكتور أحمد خالد المدو والدكتور اصطيفان سركيس والدكتور يشكر محمود الشهواني والدكتور يوسف بطرس عبد الإله والدكتور جورج غريب حنا والدكتور رمزي جرجيس أنطون والدكتور غسان أحمد حقي والدكتورة نظيرة عبد القادر.
ونختتم هذا الجزء السادس بنشر صورة تاريخية نادرة لم يسبق نشرها توضم الصورة ما يزيد على خمسة وثلاثين من أطباء البصرة الرواد من أوائل من التحق بمستشفى تذكار مود (مستشفى البصرة الملكي) وقد غطّينا السيَّر المهنية لهم جميعاً وغيرهم بالطبع ضمن حلقات هذا المقال وقد التقطت الصورة سنة 1971 في الباحة الأمامية المدورة وعند المدخل الرئيسي لمستشفى البصرة الجمهوري والواقعة أمام المبنى الرئيسي الذي يضم إدارة المستشفى في الطابق الأرضي وفوقه في الطابق العلوي غرف التمريض الخاص إذ كانت غرف الرجال على يمين الصاعد وغرف النساء الى يساره ويظهر على يسار الصورة جزء من غرف النساء حيث كان لكل غرفة شرفة تطل على الباحة والمدخل الرئيسي. يظهر في الصورة الجالسون (الصف الأول) من اليسار كل من الذوات الدكاترة: كلبرت فرج عبد الرحيم وإحسان الأستربادي ومصطفى النعمة وواصف العيسى ومصطفى الخضّار وداود الثامري وشاكر عبد الكريم ومحمد الموسوي. ويظهر في الصف الثاني الواقفون من اليسار كل من الدكاترة: حسن السكافي وتوما هندو وهاشم الجاسم وأحمد السلمان ومنعم الهاشمي وسامي بني ومحمد حسين السعدي وجوزيف مارو ونعيمة أسطيفان وتحية الخطيب وعدنان يحيى وبدروس داغليان وفائق الحداد وحذام ياسين طه وسامي نعيم فرنسيس وصبيحة محسن الراضي. ويظهر في الصف الثالث الواقفون من اليسار كل من الدكاترة: هجرس الربيعي ومحمد صادق العدناني وصباح شاكر الملّا وفلاح الجواهري (ويقف خلف فاروق شينا) ثم فاروق شينا ويعقوب بني وطلعت الخضيري وفاضل زيّا يوسف. وقد أهداني هذه إلصورة النادرة متفضلاً طبيب البصرة الرائد الدكتور إحسان الأستربادي (ثاني الجالسين يسار الصورة)، وهو استشاري الأذن والأنف والحنجرة في مستشفى البصرة الجمهوري والمقيم حالياً في الولايات المتحدة متمنين له الصحة والعافية والعمر المديد. والصورة فيها معان كثيرة لذكرى تلك الحظة التي التقطت فيها وذاك الزمان الذي خيم على الصورة. لم يستطع أي من الذين سألتهم عن المناسبة التي التقطت فيها الصورة ومنهم الدكتور داود الثامري وأكثر الاحتمالات أن الدكتور الثامري وكان مدير المستشفى ذلك الوقت دعا جميع من كان حاضرا في الاجتماع العلمي الأسبوعي الذي دأب المستشفى على إقامته كل يوم خميس فكانت هذه الصورة التاريخية نتيجة تلك المبادرة الجميلة. وقد أوحت الصورة للدكتور الشاعر ذر شاهر الشاوي وهو خريج كلية طب البصرة وكان وقت الصورة طالبا في الصف الأول بأبيات جميلة أهداها لمن تربى وتدرب على أيديهم قائلاً:
أعِدْ بعضَ أيامي وبعضَ بهائيا
بلمحٍ بعيد الرجعِ دانٍ إزائيا
فكنتم لعلمِ الطب رأياً مرجحاً
وكنتم لأربابِ العقولِ مَراقيا
إذا ما قسى وقتٌ علينا بوطئِه
فما زالَ غصنٌ منكمو فيه دانيا
وقصة الطب والأطباء في البصرة لا ينتهي سردُها عند هذا الحد. نعدكم [ان يتضمن الجزء القادم من هذا المقال وهو السادس وكذلك الجزء الذي يليه وهو السابع مفاجآت توثيقية غير مسبوقة. سنتعرض في الجزء السادس للإجابة عن سؤال صعب وهو: من سبق الأطباء الرواد المائة الذين وثّقنا لهم في الأجزاء الخمسة التي نشرت حتى الآن هذا المقال؟ ولمن يا ترى كان يلجأ أهالي البصرة عندما يمرضون قبل أن يسعفهم توما هندو وجمال الدين الفحام ويعقوب بني ومحمد رشاد العبد الواحد وشاكر توفيق والسعدي والسلمان والنعمة ومارو ومن ألتحق بهم بعد ذلك؟ وكيف كان الناس يُعالَجون؟ ولذلك نسترعي الانتباه الى الجزء القادم من هذا المقال. واخيراً وليس اخراً أتقدم بالشمر الجزيل للأعزاء الذوات التالية أسماؤهم للمساعدة الكبيرة في إتمام المعلومات الواردة بهذا الجزء وهم كل من الدكاترة والسادة روبرت جنيفيريان وصباح شاكر وريم ثناء حسين واحمد الخفاجي وأحمد صالح الشيخ كمر وانس احمد زكي وابتهاج الشيخ وداود الثامري وطلعت الخضيري إحسان الاستربادي وذر شاهر الشاوي.
للراغبين الأطلاع على الجزء الخامس:
https://algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/fereboaliraq/31276-2017-08-03-14-19-51.html
1722 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع