أطباء البصرة الروّاد في القرن العشرين – الجزء الخامس

  

      أطباء البصرة الروّاد في القرن العشرين – الجزء الخامس

  

  


    

أودُّ في البداية أن أبين أن ما كنت أفكر في تضمينه في هذا المقال سيتم تغطيته بأجزاء أربعة أو خمسة على أكثر تقدير ليغطي السيّر الحافلة لما يقرب الخمسين من روّاد أطباء البصرة لكن الواقع الذي فرضته متابعات وتداخلات العديد من أبناء وعوائل الكثير من الأطباء وأطباء الأسنان والصيدلة الرواد والتشجيع الكريم والمستمر لإدارة موقع مجلة الگاردينيا مشكورةً، جعلني أتوسع بالأجزاء التي أخمن لها الآن أن تصل الى عشرة أجزاء. ولا بد لي هنا من تقديم الشكر الجزيل لجميع الأعزاء الذين تفضلوا بالكتابة معلقين، في حدائق الگاردينيا، على الأجزاء التي نُشرت لحد الآن و للذين أتصلوا بي مباشرة وأبلغوني بملاحظات وإضافات هامة. ومن البديهي أن أقول أنه بدون مثل هكذا ردود فعل لايمكننا تطوير ما نشر أو تصحيح ما يرد فيه أو إضافة ما فاتنا من معلومات تساهم في إنتاج توثيق دقيق وشامل. ولغرض وضع هذا المفال في إطار توثيقي محفوظ فإننا سنقوم بإعادة كتابة وترتيب محتويات الأجزاء عند إكتمالها لتضمينها إضافات ومعطيات وصور جديدة لم تنشر سابقاً لألتزامنا بإختصار السيّر في هذا المقال ونعمل بجد لجمع كل المعلومات المتوفرة والناقصة لغرض طبعها بشكل كتاب يكون في متناول الباحثين والقراء وعوائل الرواد المذكورين وأطباء المستقبل ووفقا لذلك سنقوم بتثبيت الملاحظات التي تردنا من القراء وعوائل الرواد الممشمولين وإعادة بعض السيّر إذا كانت الإضافات جوهرية ومكملة بشكل رئيسي لما سبق نشره. لذلك سيحتوي هذا الجزء والجزء القادم على عدد من الرواد من مواليد العقود الأولى من القرن العشرين إضافة لمواليد العقد الرابع وبدايات العقد الخامس.
66. الدكتور عبد الرحيم مَمُّو

                

ولد الدكتور عبد الرحيم فتح الله مَمّو سنة 1910 في مدينة الموصل في عائلة موصلية عريقة ومعروفة وأنهى فيها دراسته الأبتدائية والثانوية ودخل كلية الطب في جامعة آل البيت ببغداد قبل إلغائها سنة 1933 ليتخرج من الكلية الطبية الملكية سنة 1939 ويلتحق بالطبابة العسكرية لتأدية خدمة الأحتياط. وبعد إنهائه الخدمة مارسَ الطب في الموصل وكركوك ومن ثم في البصره قبل سفره الى إنكلترا وإيرلندا حيث عمل وتدرب في مستشفى همرسمث في لندن ومستشفى روتندا التعليمي في دبلن وهو مستشفى عريق تأسس عام 1745 وحصل على الدبلوم العالي في امراض النسائية والتوليد سافر بعدها الى النمسا للتدريب فحصل على زمالة الاختصاص في الامراض النسائيه والتوليد والعقم من مستشفى فيينا التعليمي وهو بذلك يعتبر من اوائل الاطباء العراقيين في هذا الاختصاص وأولهم في البصرة.

   
 مستشفى روتندا التعليمي في دبلن كما كان يبدو عام 1892
عاد الدكتور مَمّو للعمل في البصرة بعد التخصص أوائل الخمسينيات حيث أسّسَ ردهة الامراض النسائية والتوليد في مستشفى البصرة الملكي (الجمهوري فيما بعد) وقام بجهود مضنية لتجهز القسم باحدث الاجهزة والاثاث ومن مصادر متعددة. وكانت حالات الأمراض النسائية والتوليد حتى ذلك الوقت تُعالج ضمن ردهات الجراحة للنساء. وعمل الدكتور عبد الرحيم مَمّو مع العديد من الاطباء والمولّدات (القابلات) وكان المنقذ لألاف الحوامل في حالات الولادات العسرة التي تستوجب التوليد بالملقط او العملية القيصرية وبناءاً على ذلك وعرفاناً بفضله قام الكثير من النساء بتسمية مواليدَهم على إسم ممو. تحكي لي إبنته الدكتورة مَي أنها تتذكر وهي طفلة عندما كانت تلعب خارج منزل العائلة بالقرب من حديقة النخيل في حي الجزائر أنها سمعت الأطفال ينادون عاليا اسم (مَمّو) بينهم فظنت أنهم ربما ينادون عليها بإسم والدها فهبت للتحقق وهي حانقة من نكران إسمها الأول العزيز عليها ليتبين لها أنهم كانوا ينادون على فتاة صغيرة أخرى معهم وكانت ذات شعر طويل وجميل فذهبت للاستفسار منها عن اسمها فردت أن إسمها (مَمّو) فقالت لها كيف يكون لديك هكذا إسم فقالت ان امها حكت لها أنها تعسرت في ولادتها وكانت في عداد الأموات فسمتها على إسم الدكتور ممو الذي ولّدها وأنقذ أمها وأنقذها كذلك. وحكت لي الدطتورة مس  كذلك أن أختها الأكبر الدكتورة ليلى وكانت أستاذة في جامعة الملك سعود في الرياض عندما جاءتها طالبة سعودية تسألها إن كان لها علاقة بالدكتور عبد الرحيم مَمّو وعندما قالت لها أنه والدها أخبرتها الطالبة أن إسمها (مَمّو) لأن والدتها أسمتها على أسم الطبيب الذي ولّدها في البصرة!

عُرفَ الدكتور مَمُّو بحسن المعشر وحلاوة اللسان وإجادة النكتة وظرافة الحديث وكان عِلمُه لا يقتصر على الطب فهو حاذق في هندسة البناء والاعمار وكان يُؤخذ برأيه في هذا المجال. كانت عيادته في سوق الصاغة والصيادلة وكانت معروفة وله مرضاه من جميع اطراف البصرة والقرنة والعمارة والزبير والكويت والسعودية. مارس إختصاصه وكذلك الطب العام في البصرة طيلة حياته في عيادته بعد تقاعده وكان بيته المطل على الساحة عند تقاطع شارع الجزائر وشارع 14 تموز أحد أربعة فلل جميلة مع بيت الدكتور كلبرت وبيت العمر وبيت الخليل وكان للدكتور مَمُّو  إهتمامات واسعة في البناء والأعمال الحرة وكان يملك عدداً من اللأملاك منها شقق للأيجار محاذية لبيته وقد سكنتُ أنا شخصياً في أحداها وتقع فوق محلات أبو شعير الشهيرة وقد قام الدكتور مَمُّو بتخطيطها وبنائها على جزء صغير من أرض مجاورة لحديقة بيته وضمت بالطابق الأرضي محلات أبوشعير المطل على الساحة وعدد من الدكاكين الأصغر على الشارع الفرعي المجاور وبنى فوقها أربع شقق بطابقين وسطح لكل منها وكانت مساحات الشقق متداخلة مع بعضها وبأشكال هندسية فريدة لتسع 3-4 غرف وحمامين ومطبخ وكانت الشقق تؤجر للعوائل فقط وكنت أزوره في عيادته وبعد انصراف مرضاه كل شهر لأسلمه الأيجار وأتبادل معه الحديث الشيق وهو الإنسان الإجتماعي والألمعي والمحب وأحاديثه كانت من أجمل ما تكون الأحاديث.
توفي رحمه الله في عام 1976 وخلف إبنه الدكتور وليد وهو طبيب أسنان أخصائي وثلاث بنات: الصيدلانية الدكتورة ليلى الحاصلة على الدكتوراه من بريطانيا في الكيمياء الحيوية الطبية والدكتورة مَي الإستشارية في امراض النسائية والتوليد وتعمل في انكلترا والأبنة الأصغر المهندسة سناء.
<<<<<<<
67. الدكتور توفيق طيّارة


   

هو الدكتور توفيق شكوري يوسف طيّارة وهو من أوائل الأطباء الذين عملوا في العراق والبصرة وكان عمله مفتصراً على القطاع العام ودون أن يفتحَ له عيادة خاصة طيلة خدمته الني أمتدت لأكثر من ثلاثين عاماً متواصلاً. ولد في بغداد مع بدايات الحرب العالمية الأولى سنة 1914 وفيها أنهى دراسته وأتجه الى بريطانيا سعياً وراء العلم فحضّر لأمتحانات الشهادة البريطانية المعادلة للثانوية العراقية وحصل على المستوى العالي الذي أهله لدخول كلية الطب الأقدم في بريطانيا وفي أسكتلندا بالذات ليتخرج طبيبا منها عام 1939 ولم يكتفِ بذلك فجمع ما كان لديه وما كان قد أجراه من دراسات عن الصحة في العراق وسجل على شهادة الدكتوراه في الطب في كلية الطب بجامعة لوزان في سويسرا وفي يوم الخميس المصادف 30 مايس عام 1940 وقّع عميد الكلية البروفيسور راميل على شهادة "الدكتوراه في الطب" بعد نجاح الدكتور توفيق بمناقشة أطروحته والدفاع عنها وكان عنولنها "دراسة الطاعون والوقاية منه في العراق".


   

أطروحة الدكتوراه في الطب جامعة لوزان 1940
عاد الدكتور توفيق الى بغداد ليخدم في طبابة الجيش العراقي ويصادف ذلك أثناء حركة رشيد عالي الكيلاني وبعد أداء خدمة الأحتياط صدرت الأرادة الملكية المرقمة 195 لسنة 1945 يتعيينه طبيباً في مديرية السكك الحديدية العامة وفي الصنف الوظيفي الثاني من أصناف الخدمة المدنية وترقى في خدمته في السكك فأصبح بدرجة مدير ومن ثم عُين معاوناً لرئيس صحة مديرية السكك.
   

الإرادة الملكية رقم 195 لسنة 1945 بتعيين الدكتور طيارة طبيباً في السكك
في بداية عام 1950 فاتحت شركة نفط البصرة الجهات ذات العلاقة وتم نقل خدماته رئيساً لصحة شركات النفط وكان مكتبه في مقر شركة تفط البصرة في محلة الرباط الكبير وكان بموجب وظيفته مسؤولاً عن الصحة في شركة نفط البصرة وشركة نفط العراق في كركوك وشركة نفط الموصل في عين زالة. وفي عام 1952 تزوج في البصرة من السيدة كاميل نعيم من عائلة عمسو المعروفة في البصرة رحمها الله حيث أقيمت مراسيم الزواج في كنيسة الكلدان بالعشار أعقبها حفل أستفبال كبير في نادي شط العرب حضره 400 من الضيوف.
  

وبعد خدمة أمتدت طوال عشرين سنة أحيل الدكتور طيارة على التقاعد عام 1969 وقد كتبت عنه مجلة "العاملون في النفط" وكانت مجلة شهرية تصدرها شركة نفط العراق باللغتين العربية والأنكليزية وتتحدث عن إنجازات الشركة ونشاطاتها في تطوير صناعة النفط في العراق وتنقل أخبار العاملين في مدن النفط الرئيسية وهي كركوك والبصرة وعين زالة، ومحطات ضخ النفط. ولفترة طويلة كانالأديب المعروف جبرا أبراهيم جبرا رحمه الله رئيسا لتحريرها وكانت تطبع في لندن وتصدر بغلاف ملون وورق صقيل ولامع يحمل في كل عدد لوحة لأحد أعلام التشكيلين العراقيين أو بعض الرسامين الشباب الواعدين وتضم بين صفحاتها العديد من الموضوعات الأدبية والثقافية. وفي أحد أعداد المجلة الصادر عام 1969 وبعد أشهر معدودة من إحالته على التقاعد، كتبت مقالا عنه تحت عنوان: "خمس دقائق مع الدكتور توفيق طيّارة" تقول فيه: لم يعد الدكتور توفيق طيارة يستيقظ مع أبيضاض الفجر ليجهز نفسه ليوم جديد في خدمة العاملين في النفط ولم يعد يستلم مجلته المقضلة هذه بانتظام في مطلع كل شهر بمكتبه كرئيس لصحة شركة نفط البصرة فمنذ ثلاثة أشهر وهو يرسل عتابه الرقيق الى زملائه في أنهم كانوا أحد الأسباب التي حرمته من قراءة "العاملون في النفط" من ألفها الى يائها كعادته!  غير أن الزملاء يعتذرون يأشغالهم الكثيرة في رفق أيضا. وقد زعم له غير واحد وهم صادقون فيما يزعمون أن إحالته على التقاعد سوف لن تنسيهم مجهوداته الطيبة التي بذلها لهم خلال عشرين عاما تقريبا فأبناء البصرة وهم الأوفياء يثمنون خدماته وإخلاصه لجميع العاملين في الشركة. وبعيدا عن الطب، كان الشاب توفيق طيارة قبل إلتحاقه بالشركة مصارعاً هاوياً وقد خاض جولات عديدة ويقول انه خسر معظمها ليعترف أنه لم يُخلق لمصارعة الأبدان بل لمصارعة مايصيب الأبدان من ميكروبات وأمراض. فلسفته في الحياة: إعمل الخير لكل الناس دون أن تتوقع أي أجر من أحد ويحفظ من الشعر كثيرا ومن الشعراء يحب الرصافي والزهازي ومن الزهازي يحب نصرته للمرأة ومن الرصافي مواقفه الوطنية مستشهدا بقول الأخير:

أرى مستقبل الأيام أولى....بمطمح من يحاول أن يسودا
فما بلغ المقاصد غير ساع...يردد في غد نظرا سديدا
فوجه وجه عزمك نحو آت...ولا تلفت الى الماضين جِيدا
وأسس في بنائك كل مجد...طريف وأترك المجد التليدا

    
 مجلة "العاملون في النفط" عدد تشرين الأول 1964
يخبرني ولده الأستاذ رمزي توفيق طيارة عن حياة الوالد قائلاً: "كلا لم يفتح عيادة خاصة له طيلة عمله ولاحتى بعد تقاعده فقد كانت الوظيفه تأخذ كل وقته" ويتذكر رمزي (وهو من مواليد 1958) وفي طفولته كيف كان التلفون يرن في منتصف الليل لحالات طارئة فكانت سيارة الشركة المخصصة له وسائقها يأتي ويأخذه ولا يرجع حتى الصباح في معظم الحالات. كما يستذكر رمزي أن والده حدثه أنه "راجعه يوما في طبابة الشركة مريض وكان شاباً ضعيف البنية ومن أهل أبو الخصيب وكان يعمل في وظيفة كتابية في الشركة بالبصرة في ذلك الوقت المبكر من عام 1950 وقام الدكتور توفيق طيارة بتشخيص مرضه فوجده مصاباّ بالتدرن والذي كان في ذلك الوقت وباءاً مستوطناً واسعَ الأنتشار في العراق فأوصى بإرساله على حساب الشركة الى لبنان حيث توجد المصحات الخاصة بالعلاج وبعد تحسنه أو ماكان يبدو شفاءه وتركه للوظيفة في الشركة، عاد ذلك الشاب وألتقى الدكتور توفيق في يوم خريفي من أيام البصرة صادف 20 أيلول 1950 وكان سعيداً جزلاً ويحمل كتاباً قام بتأليفه وطبعه في النجف فوقّع إهداءاً لنسخة من الكتاب وأهداه للدكتور عرفاناً لما لقيه منه من تشخيص وعناية ومساعدة." ولم يكن ذلك الكتاب سوى ديوان الشعر المعنون "أساطير" وهو الديوان الثاني لشاعر العراق الكبير بدر شاكر السيّاب والذي تضمن قصائد تبلورت فيها أهم ملامح السيّاب الشعرية المميزة له كرائد في تطوير الشعر العربي. وهذا الحديث يكشف ولأول مرة على أن الدكتور توفيق طيارة كان أول طبيب يشخص علة السياب التي ما أنفكت عن جسده المضني فأغتالته مضاعفاتُ علّته تلك بإنتشارها الى العمود الفقري فأضعفت ومن ثم شلّت حركة أطرافه السفلى وأطفأت شمعةَ الشعر العربي الحديث التي بدأها وهو في عمر لم يتجاوز الثمان والثلاثين سنة وقد ذهب الكثير من المؤرخين بوصف إصابته بمرض ضمور العضلات وذلك غير صحيح حيث بين العلم بعد ذلك أن أحد أخطر مضاعفات التدرن هو وصوله الى العمود الفقري والنخاع الشوكي مسيياً مضاعفات العضلات ويتم الآن معالجته إذا تم إكتسافُه مبكراً بالتصوير بالرنين النووي المغناطيسي الذي لم يكن مكتشفاً حتى الثمانينات.    
  
صورة نادرة لديوان أساطير بتوقيع السيّاب مُهدىً للدكتور طيارة 1950
(المصدر: من مقتنيات الأستاذ رمزي توفيق طيارة)

عاد الدكتور توفيق طيارة الى بغداد بعد تقاعده وعاش أوقاته يقضيها مع عائلته واحفاده وحتى وفاته رحمه الله يوم 29 كانون الأول 1982 تاركاً ولديه رمزي ورائد وبناته رموز ورفاه ومي حيث يعشوا كلهم في المهجر.
<<<<<<<
68. الدكتور رؤوف هندو

                   
 
                 الدكتور رؤوف هندو مايس 2017
وهو اليوم في الرابعة والتسعين يستذكر جيداً رؤوف جبرائيل هندو اللعب مع صديق طفولته هوشيار حازم شمدين آغا، ابن الحاكم الكردي، حازم بيك في زاخو. كان رؤوف يبلغ من العمر خمس أو ست سنوات في ذلك الوقت، ويتذكر أن هوشيار كان المالك لأول دراجة بعجلات ثلاث في القرية. إتفق رؤوف والصبي على تناوب دفع بعضهما البعض على الدراجة. دفع رؤوف هوشيار على الدراجة لفترة من الوقت، وعندما أراد رؤوف أن يأخذ دوره بكى الصبي هوشيار وقال لا فأمر  الأب، وهو القائد في المنطقة، إبنه بإعطاء رؤوف دوره وجعله يدفع الدراجة وعليها رؤوف. حافظ هوشيار ورؤوف على صداقتهم الوثيقة طوال مرحلة الطفولة والتقيا من جديد في وقت لاحق في الكلية الطبية الملكية في بغداد ودرسا الطب معاً.
         

رؤوف على العجلة وأخوه حبيب يعزف مع أبن خالته وأبن عمه في العشرينات
وكان رؤوف قد رُسِّمَ في الثامنة من عمره شماساً في خدمة الكنيسة السريانية الكاثوليكية وكان والده، جبرائيل هندو، شماساً كذلك، وكان جده، توما هندو، قد رُسِّمَ كاهناً كاثوليكياً بعد زواجه من جدة رؤوف وكانت عمتُه مارتا هندو قد دخلت الدير في قرية آزخ لتصبح راهبة وبعد الحرب العالمية الأولى انتقلت إلى العراق للدخول في دير في الموصل حيث تدرجت وأصبحت "الأم العليا" في وقت لاحق وكانت يُشار إليها باسم "الأخت ماري آمي." يتذكر رؤوف زيارة مارتا في الموصل وهو صبي صغير حيث كان يجلس بجانبها على وسادة على الأرضية المكسوة بالرخام الأزرق المائل للخضرة في حين جلست عمتُه على كرسي عال وهي تدرس عدداً من الراهبات وهن جالسات أمامها على المصاطب.
انتقلت عائلة رؤوف من قرية آزخ إلى زاخو في لواء الموصل في عام 1920 حيث ولد رؤوف هناك في عام 1923 وهو أصغر خمسة أطفال (أربعة فتيان وفتاة واحدة). لم تكن هناك مدرسة في زاخو في ذلك الوقت، فتم إرسال إخوته للموصل لدخول المدرسة الابتدائية ولكن في وقت لاحق وبعد تأسيس المملكة العراقية تم بناء مدرسة ابتدائية فبقي رؤوف في زاخو وقضى فيها سنوات دراسته الابتدائية. في عام 1936 انتقل رؤوف إلى بغداد لدخول المدرسة الثانوية ويعيش مع أخيه حبيب الذي كان يدرس الطب هناك في الكلية الملكية وعندما تخرج حبيب من كلية الطب وتعين في وظيفة في شمال العراق انتقل رؤوف إلى البصرة للعيش مع أخيه الأكبر توما حيث أتم هناك إستكمال السنتين الأخيرتين من المدرسة الثانوية. كان أخوه الدكتور توما قد أستقر في البصرة ويعمل فيها ويملك عيادة طبية خاصة هناك وكان متزوجاً من السيدة فيكتوريا ومستقراً بالبصرة. وفي عام 1949 غادر والدا رؤوف زاخو ليتبعاه الى الزبير وبعيشوا معه أثناء تعيينه هناك في أول مهمة حكومية له كطبيب.

   
 
رؤوف هندو طالباً في الكلية الطبية الملكية بغداد 1946
دخل رؤوف الكلية الملكية للطب في بغداد عام 1941 وأمضى ست سنوات فيها  وتخرج عام 1947. بعد تخرجه من كلية الطب التحق بعد التدريب بطبابة الجيش العراقي وتم تعيينه في الكتيبة المدرعة الأولى التي أرسلت إلى فلسطين في الحرب العربية الإسرائيلية الأولى في عام 1948 وكان رؤوف ضابطا في المجال الطبي وبرتبة رئيس (كابتن) وعلى كتفه ثلاث نجوم. وخلال أوقات الهدنة في الحرب، عمل مع سكان فقراء في بلدة قلقيليا الفلسطينية حيث كان في المدينة حوالي الف أسرة ولا يوجد فيها أطباء أو مستشفيات فيتذكر أنه خرج من التحصينات وشرع بالقيام بزيارات متكررة للمرضى في منازلهم وعالج المدنيين الذين يحتاجون إلى المعونة ويتذكر أنه يوما عالج أحد المرضى على وجه الخصوص وكان رجلاً من القرية ومقاتلاً في المجاميع المسلحة الفلسطينية وجُرح في القتال مما أدى الى استقرار حالة الرجل مع الدواء الذي أعطاه إياه ولكنه قرر أن الرجل يحتاج المستشفى وكان أقرب مستشفى لهم يقع في مدينة  نابلس في وقت لم يكن لدى الرجل وأسرته أي أموال لنقله فقام ومعه الضباط في وحدته بجمع الاموال لدفع ثمن النقل واستأجروا سائق لنقل الجريح الى المستشفى في نابلس. كما عالج رؤوف بالطبع العديد من الجرحى في القوات العراقية ولكنه يتذكر أنه عالج كذلك الكثير من الجرحى من الجنود الاسرائيليين الذين اسرتهم القوات العراقية.

      

الدكتور رؤوف هندو (الثاني من اليسار) مع ضباط الجيش العراقي في فلسطين 1948
بعد مغادرة الجيش، تم تعيين رؤوف في مدينة الزبير في عام 1949 حيث مارس الطب هناك لمدة أربع سنوات وأثناء إقامته في الزبير، أنشأ أول صيدلية في المدينة وكانت الزبير وقتها تدار من قبل شيوخ محليين شكلوا مجموعة تسمى جمعية الإصلاح الاجتماعي للإشراف على الرعاية الاجتماعية لسكان المدينة. وهناك فتح الدكتور هندو عيادة خاصة وأصبح من الواضح أن مرضاه سيواجهون صعوبة في الحصول على الأدوية التي كانت تتضمنها وصفاته الطبية حيث كانت أقرب صيدلية لهم تقع في البصرة وكان معظم الناس لاتتوفر لهم وسائل النقل. ويتذكر الدكتور رؤوف ذلك اليوم ويقول: أنه خاطب رئيس الجمعية حول هذه المشكلة كما أنه أخبر صديقه جورج الذي كان لوالده صيدلية يديرها في البصرة وكانت تحمل أسم "صيدلية يوليوس في البصرة" فقدم جورج لمرضى رؤوف خصم 10٪ ولكنه كما يذكر أنه قال لرئيس الجمعية أنه شخصياً على استعداد لشراء الدواء من صيدلية يوليوس وبكميات كبيرة وتخزينها في مكتب الجمعية حيث يمكن لرؤوف وصف الدواء لسكان الزبير وتقوم الجمعية بصرف الدواء وتحت إشراف الدكتور رؤوف فتمت الموافقة على المقترح واستمر هذا الترتيب خلال السنوات الأربع التي عاش فيها رؤوف ووالديه في الزبير. واثناء وجوده في الزبير ألقى الدكتور رؤوف محاضرات في سكان الزبير حول الصحة العامة للسكان وترجم كتابا باللغة الإنجليزية عن رعاية الطفل إلى اللغة العربية مخاطباً فيه أهالي البلدة وقد قامت جمعية الإصلاح الاجتماعي بطباعة الكتاب وتوزيعه على الجمهور مجاناً. ويتذكر جيداً أنه خلال عيد الأضحى المبارك كان يقوم بإجراء عمليات مجانية لختان جميع الأطفال الذكور وكان معظم القرويين فقراء ولا يستطيعون تحمل تكاليف هذا الإجراء فكان يجري عمليات الختان ل 400 طفل مسلم فقير في يوم واحد وبالمجان. تم تنسيبه من قبل الحكومة للعمل في قضاء عفك في جنوب العراق حيث عمل هناك لمدة عام في مستوصف حكومي إضافة لعمله في عيادة خاصة له بعد الدوام وأجرى هناك مايزيد على ال 200 عملية ختان على الأطفال المسلمين الفقراء في عفك.

في عام 1954 قرر الدكتور رؤوف هندو متابعة التخصص في الطب الباطني فسافر إلى شيكاغو، بولاية إلينوي في الولايات المتحدة وتلقى التدريب في مستشفى مقاطعة كوك ومن ثم انتقل الى مستشفى سانت فنسنت في بورتلاند بولاية أوريغون  وأقام فيها وهناك التقى الآنسة بيكي جيلبرت وهي ممرضة فتزوجوا هناك وعادوا إلى البصرة عام 1960 حيث مارس الطب في مستشفى البصرة الجمهوري وحتى سنة 1963 عندما سادت أحداث وفوضى في العراق بسبب الانقلاب السياسي في ذلك العام حيث فرض حظر التجول في البصرة مما جعل الوصول الى وظيفته في المستشفى صعباً حيث كان عليه أن يتوقف ويتحدث إلى عدة سيطرات وحواجز عسكرية في طريقه للوصول إلى المستشفى ويومها وجد نفسه واحدا من اثنين فقط من الأطباء الذين تمكنوا من الوصول حيث شارك هو ومدير المستشفى في مهام رعاية جميع المرضى في المستشفى. وخلال تلك الفترة، يتذكر أنه وفي وقت متأخر من المساء جاءت مجموعة من الجنود إلى منزله ليأمروه بالذهاب معهم وتم أخذه من دون تفسير لوجهة مسيرهم لتنتهي الرحلة في السيارة في نهاية المطاف إلى بيت ناءٍ ليجد نفسه بين نساء مسنات مرضى بينهم كانت أحداهن والدة قائد كبير في الجيش وقدم العلاجات اللازمة وعاد الى بيته متأخراً ولم يمض وقت طويل بعد هذا الحادث ليجد نفسه أنه إتخذ قراراً بالعودة مع زوجته وطفليه الصغيرين إلى الولايات المتحدة البلد الذي يتمتع بقدر أكبر من الاستقرار والأمان. وهناك بدأ حياته الجديدة بالعمل في مستشفى داماش الحكومي في ولاية أوريغون حيث تلقى تدريبا في الطب النفسي من 1963-1966 ثم انتقل إلى مدينة سالم بولاية أوريغون وعمل كطبيب نفسي في مستشفى الولاية الرئيسي وأستمر هناك لمدة عشر سنوات قبل نقله إلى مستشفى ولاية أوريغون الحكومي في بندلتون فواصل عمله في الطب النفسي حتى تقاعده في عام 1985.

           
 صورة نادرة تجمع الوالد جبرائيل هندو وأبناءه الأربعة (من اليمين): أفرام ود.توما ود. حبيب ود. رؤوف في الخمسينات.

يتذكر الدكتور رؤوف هندو اليوم وهو يناهز الرابعة والتسعين من عمره المديد يتذكر وبذاكرة ثاقبة أن أعظم إنجاز له كان مساعدته المدنيين في فلسطين والفقراء المرضى في الزبير وعفك. ويفخر كذلك بعائلة والده جبرائيل هندو غير العادية حيث أن ثلاثة من أربعة أبناء تخرجوا من الكلية الطبية الملكية في بغداد وأصبحوا أطباء وهم توما هندو وحبيب هندو وهو الذي لازال على قيد الحياة ويعيش مع ابنته آن وعلى مقربة من ابنه في ولاية واشنطن في الولايات المتحدة. تمنياتنا للدكتور رؤوف هندو بدوام الصحة والعافية والعمر المديد.
<<<<<<<
69.الدكتور أحمد البدر

           

ولد الدكتور أحمد خالد البدر أواسط الثلاثينات في البصرة لعائلة نجدية معروفة وتخرج من كلية طب الأسنان في بغداد أواخر الخمسينات وعمل فترة طويلة وحتى أوائل السبعينات في رئاسة الصحة في البصرة وكان أوائل السبعينات معاوناً لمدير نستشفى البصرة الجمهوري وعاصر خلال خدمته الطويلة العديد من رؤساء ومديري الصحة في البصرة وشغل عضوية مجلس إنضباط صحة البصرة الذي كان يترأسه الدكتور صباح شاكر الملّا ومعه العضو الآخر الدكتور داود الفداغ . غادر الدكتور أحمد البدر العراق في الثمانينات وأستقر في الكويت.
<<<<<<<

70. الدكتورة نجيبة توما

                 
 
الدكتورة نجيبة توما مواليد  عقد الثلاثينات وبعد تخرجها من الكلية الطبية ببغداد وقضائها التدريب الأساسي سافرت الى بريطانيا عام 1969 حيث عملت هناك في حقل النسائية والتوليد وحصلت على شهادة الدبلوم العالي في النسائية والتوليد من أسكتلندا وعادت الى العراق عام 1972 وتعينت أخصائية في قسم النسائية والتوليد في المستشفى الجمهوري وكانت عيادتها تقع خلف سوق حنا الشيخ. تقيم حاليا وزوجها الدكتور صبري شكر في الولايات المتحدة.
<<<<<<<
71.الدكتور فائق الحداد

                       
 
ولد الدكتور فائق حميد الحداد في مدينة البصرة الفيحاء عام 1939 وأنهى دراسته الابتدائية في مدرسة المربد وبعدها في الثانوية المركزية بالعشار ودخل كلية الطب في بغداد وتخرج منها عام 1963 وبدأ مرحلة التدريب الطبي والاقامة في الطب الباطني لمدة سنة واحدة مع د. النعمة و د. بني و د. مارو ثم امضى ستة أشهر مع د. الخضار في الجراحة. أتم بعد ذلك الخدمة العسكرية برتبة ملازم اول طبيب قضاها في شمال العراق ولمدة سنتين عاد بعدها الى البصرة ليعمل في مستوصفات البصرة  لمدة سنتين ولكنه بقي خلالها على علاقهة وثيقة بالمستشفى الجمهوري من خلال مواظبته على حضور الندوات واللقاءات الاسبوعية كل يوم خميس. عُين بعدها في المستشفى الجمهوري كمقيم أقدم في ردهة الدكتور الاستشاري مصطفى النعمة لعام كامل وبعدها كطبيب استشاري مسؤول عن الردهة الباطنية للنساء والعيادة الخارجية الباطنية. وتُظهر الصورة النادرة أدناه والملتقطة عام 1970 في الردهة الباطنية الثانبة للنساء الواقفين من اليمين: د. كامل سالم (مقيم) ود. سركيس كريكور (مقيم) والدكتور فائق الحداد (أستشاري) والدكتور شاكر عبد الكريم (أستشاري) والدكتور كاظم الأسدي (أستشاري النفسيةوالعقلية) ود. نرجس (مقيمة) ومحمد العوادي (طالب طب) ود. صالح الراشد (مقيم) والجالسين: د. خليل عبود (مقيم) والممرضة أسمهان توفيق (مسؤولة الردهة) والممرضة قسمة ود. عبد الأمير الثامري (مقيم).
      

كان الطموح لإتمام الدراسة العليا في الخارج بلح على الدكتور فائق بقوة تلك الأيام ولم يكن ذلك بالأمر الهين وخاصة" لطبيب متزوج وله أربعة اولاد وكان دخله محدوداً فشجعه البعض وحذره البعض ولكن كان للمرحوم مصطفى الخضار الأثر البالغ في حصول الدكتور فائق على الموافقة على السفر للدراسة وعلى نفقته الخاصة وهو موقف لأبي رافد لاينسى الدكتور فائق أن يردده في كل حديث. التحق عام 1972 بجامعة أدنبره في بداية تدريبه في مستشفيات المدينة ولمدة ستة أشهر قدم خلالها لامتحان التعادل الأمريكي ونجح فيه فصارَ أمامه خياران للذهاب الى أميركا أو البقاء في بريطانيا فقرر البقاء ومعه عائلته. عمل في مختلف تخصصات الباطنية في مستشفيات بريطانيا في ويلز وأنكلترا وحتى حصوله عام 1976 على شهادة الاختصاص وهي عضوية كلية الأطباء الملكية للمملكة المتحدة التي كرمته بعد سنوات بمنحه زمالة الكلية تقديراً لإنجازاته. عاد بعدها الى ارض الوطن و كله اندفاع للعمل لخدمة المرضى والتدريس في كلية طب البصرة. وبقول لي الدكتور فائق متذكرا": "لن أنسى ابتسامة الاحبة والأصدقاء عند اللقاء بعد عوجتي وخاصة المصطفيان د. الخضار ود. النعمة (رحمهما الله ) حيث أهداني وقتها د. النعمة جهاز تخطيط قلب حديدي ولن أنسى أبو لمياء ما حييت مثال الالتزام مثال التنسيق و الترتيب والحرص و الأخلاق." إستمر د. فائق بالعمل والتدريس والأمتحانات والنشاطات العلمية مع زملائه في كلية طب البصرة وحتى عام 1986 كما شارك في نشاطات البورد العربي للدراسات الطبية  التخصصية و أشرف على تدريب طلبتها كما قام بتدريس طالبات مدرسة التمريض في مستشفى البصرة الجمهوري. يتذكر الدكتور فائق العمل في ذلك المستشفى الأقرب الى قلبه فيقول: "كان اللقاء العلمي الأسبوعي نشاطاً متميزاً في المستشفى الجمهوري حيث كان يحضره الأطباءُ المقيمون والأخصائيون والإستشاريون ويبذلون جهداً خاصاً لحضوره و تقديم حالات خاصة.  وكان لهذه اللقاءات قدسية خاصة تحتم حضور الجميع وأتمنى ان تكون لا زالت مستمرة." وللدكتور فائق نشاط مميز في التنظيم والأدارة حيث قام بعد إقامة بناية جديدة للأقسام الباطنية في المستشفى الجمهوري وإعادة تقسيم الردهات الباطنية قام بقيادة فريق كلف بأرشفة الملفات الطبية وإعطائها حروفاً وأرقاماً مرمزة يسهل أرشفتها وبذلك تزايدت حركة إجراء البحوث الطبية  في قسم الطب الباطني. وأجرى الدكتور فائق بحوثاً مهمة عن الأمراض السائدة في البصرة ونشرها في مجلتي كلية طب البصرة و كلية طب بغداد وفي المجلة الطبية السعودية وقدمها كذلك في المؤتمرات وشملت بحوثاً عن أمراض متوطنة في البصرة كالحمى التيفوئيدية والباراتيفوئيدية وعن الحمى الروماتزمية الحادة و دراسات مقارنة عن الجلطة القلبية بين المصابين  بالسكري وغير المصابين ودراسات مقارنة لعوامل الخطورة للإصابة بامراض القلب ودراسات منشورة كثيرة أخرى.

    

صورة للدكتور فائق الحداد أثناء مؤتمر الجمعية الطبية العراقية في البصرة عام 1978 يظهر فيها د. رياض إبراهيم (وزير الصحة) ود. محمد علي خليل و د. مكي الواعظ.
في بداية عام 1987 انتقل د فائق الى بغداد وحط رحاله في الطابق السادس الباطنية الاولى في مدينة الطب وشارك بالتدريس السريري والنظري لطلبة كلية طب بغداد وطلبة الدراسات العليا وتابع مسيرتَه ليجد نفسه مع زملائه من كلية طب البصرة الذين انتقلوا قبله الى بغداد وهم كثر فيستمر الى عام  1993 نشر خلالها بحوثاً عديدة و عمل خلالها في العديد من اللجان بوزارة الصحة حيث شغل رئاسة اللجنة الطبية الدائمية ثم رئاسة اللجنة الطبية الاستئنافية وعيادة داء السكر في مدينة الطب وقدم برامج صحية تثقيفية عبر التلفاز والمذياع والمجلات موجهة للجمهور دارت حول السكري و أمراض القلب وضغط الدم والصحة العامة والصيام كما كان عضواً في اللجان الاستشارية في وزارة الصحة لمتابعة أمراض القلب والسكري والامراض الباطنية ولجان أخرى متعددة.

في العام 1993 غادر العراق و كان ذلك آخر عهده ببلده الحبيب وذهب أولاً الى اليمن وحتى عام 1996 ومن ثم الى الأمارات العربية قبل أن يتقاعد عام 2000 ويستقر في كندا حيث يقيم حالياً. في اليمن السعيد عُهدت اليه مهمة تطوير مستشفى صغير بدون إمكانات وتحويله الى مستشفى تعليمي جامعي حيث بذل جهداً لم يقتصر على تخصصه بل تعداه الى اقسام الجراحة والأطفال والمختبرات و كذلك تطوير المكتبة الطبية وقام بترتيب الوحدات الباطنية على غرار مستشفى البصرة ومدينة الطب ونظّم بجداول خاصة أعمالَ الإستشاريين والإختصاصيين والمقيمين وشكّل لجنة اختيار المرضى لإمتحانات طلبة كلية طب صنعاء وترك إنطباعاً مميزاً لدى الممتحنين الأجانب آنذاك و بقرار رئاسي تحول بموجبه مستشفى الكويت في صنعاء الى مستشفى جامعي. وفي منتصف عام 1996 انتقل الى الأمارات العربية وخلال ما يقارب الخمس سنوات قضاها في مستشفى "سيف بن غباش" في رأس الخيمة، ترأس قسم القلب وقام بالمشاركه بالمؤتمرات الطبية وبإستظافة بعضها كما قام بإلقاء محاضرات للأطباء العاملين في رأس الخيمة ومحاضرات تثقيفية للعامة ومقالات في مجلات اماراتية. وعندما شُيّدت بناية جديدة لقسم القلب كُلّف برئاسته فقام بمهمة تأسيس وتجهيز وحدة إنعاش متكاملة ببقلب بكل مسلتزماتها ووضع معايير وتعليمات مطبوعة لكل الأطباء العاملين بها للعمل بموجبها وأنجز دراسات تقييمية وفق ذلك من بينها ما أظهرت نتائجها انخفاضآ في الوفيات في القسم من جراء الإصابة بإحتشاء العضلة القلبية من حوالي 25% الى 7.5% بعد سنتين من عمل القسم ونشر البحث في مجلة الامارات الطبية. كما قام بإجراء دراسات عديدة أخرى وأبرزها دراسات عن السمنة لدى طلاب مدارس الأمارات بأعمار من 4 الى 18 عاماً وبالتعاون مع جامعة أميركية ونَشرَ عنها بحثين الأول في مجلة أميركية والآخر في مجلة بريطانية. يبدو لك الدكتور فائق قليلَ الكلام عن بُعد ولكنه كثيرُه عن قرب في العمل والإنجاز. خالص التمنيات للدكتور فائق الحداد بموفور الصحة والعافية والعمر المديد.

 
الدكتور الحداد يتوسط منتسبي قسم القلب في مستشفى بن غباش في رأس الخيمة
<<<<<<<


72.الدكتور محمد العدناني

           
 
ولد الدكتور محمد صادق عدنان شبر العدناني في قضاء الفاو لواء البصرة عام 1939 ودخل كلية الطب في بغداد عام 1957 ليتخرج منها في عام 1963 حيث سجل في نقابة الأطباء العراقية برقم تسجيل 1966 لسنة 1963 وكان أول تعيين وظيفي له في مستشفى البصرة الجمهوري عام 1963 ثم انتقل الى الحبانية عام 1964 ولغاية 1966 اثناء أدائه خدمة الأحتياط في طبابة الجيش العراقي ومن بعدها عمل في مستشفى السيبه الجمهوري في لواء البصرة ثم أصبح مديراً لمستشفى أبي الخصيب ولغاية 1968 عندما سافر الى بريطانيا للتخصص فحصل على الدكتوراه في علم الأمراض من جامعة لندن وعمل بعد عودته بالتدريس في كلية طب البصرة وكان رئيساً لفرع الأمراض لسنوات وحتى مغادرته العراق عام 1980 ليعمل بالتدريس في كلية الطب في الكويت ومن ثم ذهب للعمل في نيوزيلاندا بعد 1990 وأستقر أخيراً في بريطانيا حيث كان نشيطاً في نشاطات مجتمعية وتوفي فيها مؤخراً عام 2016 رحمه الله.
<<<<<<<


73. الدكتور سامي نعيم

                         
 
ولد الدكتور سامي نعيم فرنسيس في البصرة عام 1937 وتخرج من الكلية الطبية ببغداد عام 1960 وبعد قضاء فترة خدمة الأحتياط في طبابة الجبش العراقي وتدريبه الأساسي تعين أوائل الستينات في المستشفى الجمهوري وعمل طبيباً في العيادة الخارجية ثم عُين مديراً لمدرسة الممرضين التايع للمستشفى الجمهوري.
<<<<<<<

74. الدكتورة سهاد خونده

                          
 
ولدت الدكتورة سهاد سامي خونده عام 1937 في بغداد ووالدها هو الصحافي المعروف الأستاذ سامي خونده وهي أخت الدكتور سرمد خونده إستشاري الأمراض النسائية والتوليد وأستاذ وعميد كلية طب بغداد الأسبق. تخرجت من كليه الطب في بغداد سنة 1960 وبعد إكمالها التدريب الأساسي سافرت الى بريطانيا للتخصص فحصلت على شهادة دبلوم الإختصاص بطب الأطفال من جامعة لندن عام 1964 وعملت بعد عودتها للعراق طبيبة إختصاصية في طب الأطفال في مستشفى الطفل العربي في بغداد من عام 1964 وحتى عام 1967 حين تزوجت الصيدلي المرحوم  عدنان شوقي وأنتقلت معه الى البصرة وأنجبت إبنتهم الدكتورة أسيل. عملت الدكتورة سهاد في إختصاصها بالبصرة من عام 1967 وحتى عام 1977 فكانت مديرة مستشفى حماية الأطفال ثم طبيبة إختصاصية في ردهة طب الأطفال في مستشفى البصرة الجمهوري. إنتقلت إلى بغداد سنة 1977 وعملت في مستشفى أطفال الكاظمية بين عام 1977 وحتى عام 1988 حين أحيلت على التقاعد وأستمرت بممارسة العمل في عيادتها الخاصة حتى سنة 1996 وهي تعيش الآن في بغداد. تمنياتنا للدكتورة سهاد خونده بالصحة والعافية والعمر المديد.
<<<<<<<
75.الدكتور هاشم الجاسم

                  
 
ولد الدكتور هاشم الجاسم عام 1938 وتخرج من الكلية الطبية في بغداد عام 1962 وتخصص بالجراحة وكان يعمل في الردهة الجراحية الثالثة في مستشفى البصرة الجمهوري مع الدكتور خالدالجلبي في الستينات والسبيعينات وكذلك كانت تعمل زوجته الدكتورة صبيحة الراضي الإختصاصية في الأمراض النسائية والتوليد.
<<<<<<<
76.الدكتور كاظم الأسدي

                   
 
ولد الدكتور كاظم الأسدي في أواخر العقد الرابع من القرن العشرين وتخرج من الكلية الطبية أوائل الستينات وتخصص بالأمراض العصبية والنفسية وكان أستشارياً في الردهة الباطنية الثانية للنساء في مستشفى البصرة الجمهوري أوائل السبعينات.
<<<<<<<
77.الدكتور حسن السكافي

   
 
ولد الدكتور حسن السكافي في مدينة النجف أواسط الثلاثينات وقصد تركيا لدراسة الطب وعاد الى العراق بعد حصوله على الدكتوراه في الطب وعين بعد خدمة الأحتياط مقيماً في مستشفى البصرة الجمهوري أواسط الستينات ومن ثم سافر الى بريطانيا وحصل على شهادة زمالة كلية الجراحين الملكية في دبلن وأدنبره وزمالة كلية الجراحين الأميركية وعاد للعمل أستشاريا في مستشقى البصرة الجمهوري وفي الثمانينات أنتقل الى بغداد حيث لايزال يمارس الجراحة في عيادته الخاصة ببغداد. تمنياتنا للدكتور السكافي الصحة والعافية والعمر المديد.  
<<<<<<<
78.الدكتور محمد الموسوي

  
 
ولد الدكتور محمد الموسوي في الثلاثينات وتخرج من كلية طب الأسنان في بغداد أوائل الستينات وعمل فترة طويلة في رئاسة الصحة في البصرة وعاصر العديد من رؤساء ومديري الصحة فيها.
<<<<<<<

79.الدكتورة تحية الخطيب

   
 
الدكتورة تحية الخطيب من مواليد الثلاثينات وكانت تعمل أخصائية في قسم الأمراض النسائية والتوليد في مستشفى البصرة الجمهوري وحتى أوائل السبعينات.
<<<<<<<
80. الدكتور عدنان يحيى

   
 
ولد الدكتور عدنان يحيى في البصرة في الثلاثينات وبعد إنهائه الدراسة الثانوية سافر الى تركيا ودخل الكلية الطبية وبعد تخرجه عمل في تركيا وتابع دراسته وتخصص في الجراحة البولية وعاد الى العراق أواخر الستينات وعين جراحاً إختصاصياً بمعية الدكتور السعدي في الردهة الجراحية الأولى بمستشفى البصرة الجمهوري حتى السبعينات.
<<<<<<<

81.الدكتور بدروس داغليان

   
 
الدكتور بدروس داغليان من مواليد الثلاثينات وهو الطبيب الأختصاصي في التخدير ومن الجنود المجهولين من الأطباء حيث كان يعمل ساعات طويلة مع كافة جراحي مستشفى البصرة الجمهوري في صالة العمليات تحديداً وكان من أبرز أطباء التخدير المشهود لهم في الستينات وأوائل السبعينات ولازلنا نجهل الكثير عنه ونتمنى أن يصلنا ما يوسع سيرته المهنية الحافلة.
<<<<<<<
82.الدكتورة صبيحة الراضي

   
 
الدكتورة صبيحة محسن الراضي من مواليد الثلاثينات وكانت تعمل أخصائية في قسم الأمراض النسائية والتوليد في مستشفى البصرة الجمهوري وحتى أوائل السبعينات وهي زوجة الدكتور الجراح هاشم الجاسم.
<<<<<<<

83.الدكتور نافع جنّو

  
 
ولد الدكتور نافع جنّو في لواء الموصل عام 1940 وأنهى دراسته الثانوية عام 1957 ودخل الكلية الطبية في لغداد وتخرج منها عام 1963 وقضى فترة خدمة الأحتياط في طبابة الجبش العراقي وأمضى فترة التدريب الأساسي عين عام 1967 في المستشفى الجمهوري بالبسرة وعمل في تخصص النسائية والتوليد وكان كذلك رئيسا للمقيمين لسنوات قبل وبعد عام 1970 وفِي سنة 1972 افتتحت مستشفى الولادة والامراض النسائية في شارع الجزائر (مستشفى ابن غزوان) حيث انتقلت شعبة الولادة والنسائية التي كانت تعمل في المستشفى الجمهوري الى هذا المستشفى الجديد بكامل عامليه وكلف الدكتور نافع بادارة المستشفى إضافة الى أعماله وتفانى في أدائه مع توسع مسؤوليات المستشفى الواسع وبذل جهوداً كبيرة في تطوير المستشفى مستغلاً علاقاته الشخصية مع رؤساء الدوائر الاخرى والشركات في المحافظة مستفيداً من إمكانياتهم ودائما ما يذكر أسماءاً لايزال يشعر لها بالأمتنان على تعاونهم ومنهم الذوات جاسم رئيس مهندسي الادارة المحلية وفاروق المعيوف مدير شركه الاسمدة وميخائيل السمعان مدير معمل الورق ودانيال رئيس مهندسي البلدية جزاهم الله كل خير. وفي عام 1978 إنتقل الى بغداد وعين في مستشفى الكاظمية وبعدها بسنة (1979) سافر الى بريطانيا قاصداً التخصص حيث عاد الى العراق بعد نيله تخصص النسائية والتوليد عام 1984 وتعين في مستشفى الكاظيه التعليمي حيث كانت قد افتتحت وبعد سنتين (1986) أحيل على التقاعد لأسباب صحية. شرع بعد تقاعده للعمل في مستشفى الرافدين الأهلي  وكانت له عيادته الخاصة في المستشفى ذاته وكان يقوم في الوقت ذاته يإدارة المستشفى حيث كان الدكتور عبدالمجيب عبدالكريم صاحب المستشفى يعمل في الوظيفة الرسمية جراحاً إخصائياً في مستشفى الكاظمية التعليمي. وعند إفتتاح مستشفى الحياة للراهبات عام 1992 في شارع 42 ببغداد نقلَ الدكتور نافع عيادتَه الى المستشفى الجديد ويعود مرة أخرى فيعمل مديراً للمستشفى وبالتعاون مع الأخوات الراهبات وكنّ لايعرن لا الكلل ولا الملل فذاع صيت المستشفى وسمعتها الممتازه لا فقط في بغداد بل إمتدت الى أكثر المحافظات وكان كثير من المرضى ىتصورون ان المستشفى كان ملكا للدكتور نافع لما كانوا يلاحظونه  من اهتمامه وحرصه وتفانيه في إتقان سير العمل وتطويره المستمر وأستمر في العمل هناك الى عام 2004 ولكن بعد ان تدهور الوضع الأمني في بغداد ذلك العام شد رحاله وسافر الى أستراليا حيث كان ولده الدكتور غزوان يعمل هناك وكان أمله ان تستقر الأوضاع بعد فترة ويرجع الى بغداد الحبيبة ويزاول مهنته وإدارته ولكن مع كل الأسف الأوضاع ساءت أكثر وأستقر في سدني ولازال حيث يحن دوماً الى البصرة والى بغداد والى الموصل والى العراق وزادت من آلامه مؤخراً فاجعة فقدانه لرفيقة حياته زوجته الدكتورة ليلى النجار صيف العام 2016 رحمها الله. دائما ما يتذكره زملاؤه والالاف من مرضاه بأبتسلمته الدائمة ومحبته الخير للجميع وأدائه المتقن في عمله وإدارته حيث يملك مواهب غير إعتيادية في التواصل الفعال. ألتقيت الأخ العزيز الدكتور نافع في لندن في حزيران الماضي ومن فرحتنا وأنشغالنا باللقاء نسينا حتى أن نلتقط صورة! تمنياتنا للعزيز الدكتور نافع بالصحة والعافية والعمر المديد.
<<<<<<<

84.الدكتور أحمد الخفاجي

 
 
هو الأستاذ الدكتور أحمد الخفاجي الأسطورة والشخصية المبدعة في الصحة العامة وفي التعليم الطبي. تعلمنا منه الكثير وهو العراقي الذي وقّع بإسم العراق على الإعلان الكوني "تحقيق الصحة للجميع بحلول 2000" أثناء حضوره مؤتمر الصحة العالمي للرعاية الصحية الأولية الشهير صيف 1978 في الأتحاد السوفييتي وقتها والذي غير الممارسة الصحية والطبية في كل دول العالم. وللدكتور أحمد الفضل الكبير في تغيير مسار الصحة العامة ومؤسسات الرعاية الصحية الأولية في وزارة الصحة وفي كليات الطب العراقية وهو بحق أول من دعى الى تطوير المناهج الطبية لتلائم الحاجات الصحية للمجتمع وكان مقاتلاً شرساً دفاعاً عن ما هو صحيح وله صولات وجولات داخل العراق وفي أقليم شرق المتوسط وفي العالم حيث بادر الى تطوير الكثير من مناهج كليات طب البصرة والموصل وتكريت وجامعة العلوم والتكنلوجيا الأردنية في إربد وقاد فرق بحثية نشرت عدداً كبيراً من البحوث المفصلية والمهمة وعمل أستاذاً ورئيساً فذاً لفروع طب المجتمع لأربعين سنة متواصلة بين 1975- 2015 في كليات طب البصرة ثم طب الموصل ثم كلية طب جامعة العلوم والتكنلوجيا في أربد بالأردن كما عمل مستشاراً في منظمة اليونيسيف أوائل التسعينات وتَخرجت على يديه الآلاف من الأطباء وهم محملين بالأفكار الكبيرة عن الرعاية الأولية والأدارة الصحية والوقاية الصحية. كما ساهم بتدريس طلبة الدراسات العليا في الصحة العامة التي أقامتها منظمة الصحة العالمية بالأسكندرية وله عدد كبير من البحوث في التعليم الطبي وفي الصحة العامة نشرها في مجلات عالمية معروفة وأشرف على عدد كبير من طلبة الدراسات العليا أينما حل وشملت 46 رسالة في ماجستير علوم الصحه العامه ( ماجستيرأمده سنتان)  وخمس رسائل في الدبلوم العالي للصحة العامة وسبع رسائل في البورد العربي لطب المجتمع واشرف مشاركة على 3 رسائل للدكتوراه انجزت في جامعة دمشق وجامعة الاسكندرية وجامعة أبردين باسكتلندا.

ولد أحمد محمد باقر كاظم الخفاجي يوم 21 كانون الأول عام 1943 فى الشطرة وهي مدينة تقع على نهر الغراف الذي يغترف المياه من دجلة غرفاً لينقذ توأمه الفرات بعد فقدان الأخير للكثير من مياهه أثناء مروره في منطقة الفرات الأوسط وينشطر الغراف شمال المدينة وبالتحديد في منطقة البدعة الى شطرين ويمنح المدينةَ إسمَها. أنتقل طفلاً الى البصرة مع والده الذي كان يعمل في الموانئ واكمل دراسته الابتدائية في مدرسة الميناء الابتدائية المختلطة في منطقة المعقل من 1950 الى 1956 وكانت من المدارس المعروفة بنشاطها التربوي عالي المستوى و تقدمها العلمي ويكفي القول في هذا المجال المحدود ان السيدة زكية عمسّو ذات الكفاءة التربوية العالية ونفاذ البصيرة كانت هي القائدة و المديرة لتلك المدرسة وكانت مثالا في تفانيها في العمل ومثابرتها الحثيثة في تربية تلاميذ  المدرسة ويتذكر الدكتور أحمد أنها كانت تحرص على حضور التجمع الصباحي لمجموع المدرسة كل يوم وتحرص ان تقول كلمة قصيرة مشبّعة بالحِكم والوصايا و تبدأ وتنتهي بجملة حُفرت في اذهان جميع من سمعها لتكرارها مرتين في اليوم "من جد وجد و من زرع حصد." ثم درس في متوسطة المعقل للبنبن من 1956 الى 1959 وكانت تقع في شارع حطين الذي كان يسمى "شارع المدارس" لكثرة المدارس فية وفي بداية ما يسمى ب "الخمسين حوش". أصبحت متوسطة المعقل للبنين ثانوية المعقل للبنين عام  1959 حيث بلغ عدد الطلبة ذلك العام 60 طالبا فاضطرت المدرسة ان تفتح صف للطلبة الذين اختاروا الفرع العلمي وكان عددهم 36 طالبا وكان أحمد أحدهم وصف اخر لطلبة الفرع الادبي وكانت المدرسة نعاني من نقص شديد في ملاك المدرسين للفرع العلمي فدخل الطلبة الامتحان الوزاري صيف 1961 ولم يكن فيها مدرس لمادة الكيمياء فدخل الطلبة الامتحان النهائي في الكيمياء معتمدين على انفسهم حيث كان احد المدرسين الاجلاء من الاعدادية المركزية بالعشار وأسمه الاستاذ "جورج" قد تبرع بتدريسنا مادة الهندسة المجسمة التي استحذت في المنهاج ذلك العام وكان يدرسها لنا بمعدل درس واحد كل اسبوعين وبعد الدوام الرسمي. وعند ظهور النتائج كان أحمد الاول على المدرسة ومن الاوائل في البصرة ذلك العام.

دخل كلية الطب في بغداد وبدأ دوامه فيها يوم  16 نشرين الأول عام 1961 وكما يذكر دائما كانت سنين دراسته ممتعة ومفعمة بالعبر والمعاني الثرة بعد المعاناة والتغلب على الصعاب الكبيرة والكثيرة وخصوصا في المرحلة الاولى حيث الدراسة باللغة الانكليزية والشعور بالغربة وعدم الانتماء لعموم الجو والمناخ الاكاديمى والطلابي الجديد واختلافة عن ما تعود عليه في الحياة في البصرة ولحين وصوله الى السنة الثالثة تحول الى الشعور بعمق والإفتخار بكونه احد طلاب هذة الكلية الشامخة بما تتميز به من علو مكانة علمية وأساتذة بارزين وطلبة مجدين. وقد أدت به تلك الصعاب لعشقه للغة الانكليزية عشقا استمر لهذا اليوم حيث بدأ بقراءة الروايات و الادب الانكليزي وخاصة روايات الكاتب الانكليزي شارلس ديكنز التي كان يقرأها ليلاً وبعد إنهائه دروسه فكان لها مفعول المهدىء والمسكن بعد ان يكون قد نال منه التعب والارهاق من جراء تصحيح و اكمال النواقص في المحاضرات مع الاصدقاء والتي كان يدونها كل منهم من ما يسمعه من الاستاذ أثناء المحاضرة وبذلك تكون الملاحظات التي يدونها كل واحد منهم  ناقصة وفي بعض الاحيان غير مفهومة حتى لكاتب تلك الملاحظات نفسه فيجتمعون مثنى و ثلاث ورباع بعيد المحاضرة لاكمال النواقص ولجعل المحاضرة مفهومة بعض الشىء ليقوم بقراءة المحاضرات ومحاولة فهمها ومقارنتها ان سنح الوقت بما هو موجود في الكتب المرجعية والتي بدأ بالاعتماد عليها كثيرا خلال السنوات الثلاث الاخيرة من الدراسة. ويتذكر العديد من أساتذته في الصف الأول أمثال الاستاذ تارنت استاذ مادة الفيزياء الذي قضى أحمد عطلة نهاية الأسبوع في قراءة وترجمة صفحة من ملزمته دون أن يفهم محتواها ليبين له أحد طلبة الصف السادس أنها كانت صفحة المقدمة! والاستاذ الدكتور جوزيف برستو تارنت بريطاني والاستاذ الدكتور روزبيك مدرس الكيمياء وهو هولندي ومدرس مادة الاحياء الاستاذ الدكتور حنا وهو عراقي. وكانت الغاية الرئيسية من تدريس هذه المواد الثلاث هي ما يتعلق بعملية "الغربلة" واختيار الطلبة للدراسة الطبية من بين المتقدمين والمؤهلين لمثل هذة الدراسة والتي عادة ما تجرى في بعض الكليات الطبية في العالم قبل الاعلان عن اسماء المقبولين وبدء الدراسة بينما كانت الكلية الطبية العراقية في بغداد وكذلك كلية طب الموصل المستحدثة عام 1959 تجعل الغربلة في نهاية السنة الاولى من الدراسة لتكون هذة الغربلة اكثر موضوعية ولتجعلها تتحلى بدرجات اعلى من المصداقية عند مقارنتها بالطرق العالمية الشائعة والتي تتمحور على جعل عملية الاختيار تتم  بواسطة اختبارات القبول والمقابلات الشخصية للمتقدمين للدراسة قبل اعلان اسماء المقبولين والبدء في الدراسة ومن باب المقارنة يُذكّر الدكتور أحمد بعمليات القبول المعمول بها حاليا في كليات الطب في العراق وفي معظم الكليات الطبية في الدول العربية التي لاتعتمد أي نظام للغربلة في عمليات القبول فضمن الطاقة الاستيعابية للكلية يقبل كل طالب تؤهلة علامتة في الثانوية من القبول دون أي اختبار قبول او مقابلة شخصية. وكانت الغربلة في الكلية بأن لايستمر طالب السنة الاولى بالدراسة ويرقن قيده ويفصل من دراسة الطب اذا رسب الصف الأول في المواد الثلاث في امتحانات الدور الاول (المحاولة الاولى في شهر حزيران) وكذلك يرقن قيده إذا رسب في مادة واحدة في الدور الثاني (المحاولة الثانية في شهر ايلول) وتدل احصائيات تلك الفترة على ان الذين كانوا يتركوا الدراسة الطبية ويرقن قيدهم بعد انتهاء السنة الاولى يشكلون حوالي 25 بالمئة من اعداد طلبة السنة الاولى والطلبة يتندرون بما عرف ب"التخرج السريع".

      

أحمد الخفاجي طالباً عام 1965 يقف بين الدكتورة لميعة البدري ورئيسة الممرضات
تخرج الدكتور أحمد من الكلية يوم 14 حزيران عام 1967 وكان عدد الخريجين  196 خريجا من بينهم 20 فقط حصلوا على تقدير جيد وكان أحمد بينهم. وبعد قضاء فترة التدريب في كلية الضباط الأحتياط التي دخلها في شهر ايلول 1967 التحق في شهر اذار 1968 بالوحدات العسكرية في الأردن في أعقاب حرب حزيران واستمر الى نهاية كانون الثاني عام 1969 ليعين طبيباً مقيماً في مستشفى البصرة الجمهوري وحتى نيسان 1970 ليعين طبيباً في منطقة الشرش التابعة لقضاء القرنة واستمرت فترة خدمته هناك الى تشرين الاول 1970 ليعين طبيباً في ناحية الهارثة. وفي اذار 1971 نقلت خدماته الى كلية طب جامعة البصرة وحصل على زمالة من منظمة الصحة العالمية لدراسة الوبأئيات والصحة العامة في كلية طب جامعة ادنبرة في بريطانيا والتي إالتحق بها يوم 8 تشرين الأول عام 1971 وحصل على الدكتوراه في الصحة العامة (الوبائيات) في 26 حزيران 1974 ليلتحق بعدها بجامعة ليفربول لدراسة الطب الاستوائي ويحصل على شهادة الدبلوم في الطب الاستوائي من كلية الطب الاستوائي في جامعة ليفربول في 19 كانون الأول 1974. كما حصل لاحقاً على أعلى شهادة مهنية في الصحة العامة في بريطانيا وهي شهادة عضوية كلية طب المجتمع في الكليات الملكية للاطباء في المملكة المتحدة وذلك عام 1982 عند تأسيس الكلية وكان بذلك اول طبيب من كل منطقة الشرق الاوسط يحصل على هذة الشهادة ثم حصل فيما بعد على شهادة الزمالة لكلية الصحة العامة  في الكليات الملكية للاطباء في المملكة المتحدة عام 2002 تقديراً لدوره في تطوير الصحة العامة في العراق والمنطقة. وكان أثناء دراسته الطب قد حصل على شهادة التعادل الطبي الامريكية وهي شهادة تؤهل حاملها للعمل مقيماً في مستشفيات أميركا الشمالية والتي حصل عليها قبل تخرجه من كلية طب بغداد ولازالت هذه الشهادة نافذة لحد اليوم.

    
 
الدكتور أحمد عند تخرجه عام 1967
كان التعليم الطبي وأساليبه وتطوراته في العالم قد إحتل جل إهتمامه وشغفه وابدى تعلقا بمواضيع تقييم اداء كليات الطب وعمليات الاعتماد لبرامج الدراسة فيها فانخرط في برامج تدريبية خاصة بذلك ولمدد مختلفة وفي كليات الطب المعروفة بخبرتها وتميزها في هذا الجانب ومنها دورة تدريبية في الامتحانات والتقييم في مركز التعليم الطبي في جامعة دندي في اسكتلندا ولمدة شهر كامل في 1977 وفيها تعرف على الأمتحان المعروف ب "أوسكي" وساهم بتطبيقه هناك على طلبة الجامعة الأسكتلندية ودورتين في التعليم المستند على المشكلة وتطوراته في كلية طب جامعة ماسترخت في هولندا عامي 1979 و1989 ودورة في اساليب التعلم الجديدة لما بعد حل المشاكل في جامعة نيوكاسل في استراليا عام 1998. وللدكتور أحمد مصدره الاكبر الذي استقى منه الخبرة في التعليم الطبي وهو قيامه بوضع المبادىء والنظريات موضع التطبيق في البرامج التعليمية التي كان يساهم بالتدريس فيها ومن ثم قياس مدى نجاح هذة التطبيقات الجديدة في الظروف المحلية وفي هذا المجال لابد أن نذكر هنا ريادته في تطبيق إمتحانات أوسكي في كلية الطب في البصرة ولأول مرة عام 1978 في مادة طب الأطفال وبالمشاركة مع الدكتور داود الثامري وكان ذلك الحدث البداية في تطبيق هذا النوع من الأمتحانات الذي لاتخلو منه حالياً أي كلية طب على نطاق العالم ومنها العراقية. وكان كذلك للحلقات الدراسية والورش التعليمية العديدة الخاصة بالتخطيط التربوي للتعليم في كليات الطب، والتي نظّمها ونفّذها بالتعاون مع بعض زملائه، مساهمة كبيرة في اغناء تجربته بالتعليم الطبي فقد قاد الفرق في تنظيم وتنفيذ 20 ورشة عمل في مواضيع مختلفة اثناء سنوات خدمته في كليات طب البصرة والموصل و14 ورشة اخرى عندما كان في الاردن بالاضافة الى الورش التعليمية التي ساهم فيها والتي انعقدت على مستوى إقليم شرق المتوسط من قبل منظمة الصحة العالمية في الخرطوم عام 1979 وفي عمان عام 1983 وفي القاهرة عام 2002 وفي ذمار في اليمن عام 2003. وفي المجال ذاته فقد أسس مركز التعليم الطبي في كلية طب البصرة عام 1979 وعين رئيسا له حتى 1985 وكذلك ترأس مركز التعليم الطبي في كلية طب الموصل من 1986 ولغاية 1993 وكان المسؤول عن التعليم الطبي وعملية الإعتماد في كلية الطب بجامعة العلوم و التكنولوجيا الاردنية من 2003 ولغاية 2015 حيث ساهم في حصول الكلية على الإعتماد عام 2011. وقام كذلك بتقييم المعهد الصحي العالي في صنعاء وأخر مثيله في عدن ولصالح منظمة الصحة العالمية عام 2002 وتقييم كلية الطب في ذمار باليمن عام 2003 ولصالح المنظمة ذاتها.

وبالرغم من نشره 52 بحثا خلال مسيرته الاكاديمية في مجلات عالمية رصينة ونشر من الكتب  خمسة بالانكليزية واربعة أخرى بالعربية في حقل الصحة وفي التعليم الطبي على وجه الخصوص فإنه يعتز ببحث على وجه الخصوص وأختار ليحدثنا عنه وكذلك عن عن كتاب واحد. يدور البحث في تقيم أداء الاطباء المقيمين الدوريين في العراق والذي جرى في عام 1982 وكانت العينة تتألف من الاطباء خريجي كليات الطب في جامعات بغداد والموصل والبصرة والمستنصرية لعام 1981. وقد صمم الأساتذة المشرفون على عمل هؤلاء الأطباء أداةَ التقييم إضافة لعملية تقييم مباشر لأداء المقيم اليومي من قبل المشرفين. كانت الاداة الرئسية التي استعملت تتكون من أسئله تحريرية متعددة الاختيارات يبدأ فيها كل سؤال بسرد مختصر لحالة مرضية معينة ومن ثم يطلب من الطبيب الدوري اختيار الاجابة الأصلح من بين خمسة اختيارات تتناول تشخيص وعلاج الحالة وتسمى الأداة ب"إدارة مشكلة المريض" (Patient Management Problem) وهو الأسلوب المعتمد في إمتحانات شهادة التعادل الامريكية وأحتوى الامتحان 50 سؤالاً توزعت بالتساوي على التخصصات السريرية التي يتدرب المقيم فيها وهي الطب الباطني وطوارىء الطب الباطني والجراحة العامة وجراحة العظام والنسائية والتوليد وطب الاطفال. يقول الدكتور أحمد مستذكراً "استغرق وضع الاسئلة حوالي الشهرين وتألف فريق البحث من عدد من اساتذة كليه الطب بالبصرة وهم طلال الجلبي ومصطفى رجب النعمة وداود الثامري واحمد الخفاجي وغانم يونس الشيخ وجورج جوزيف وسوكاثن وكان يجلس احد أعضاء فريق البحث مع استاذ أو اكثر من اختصاصيي المادة المراد وضع الاسئلة منها و يناقشوا في الجلسة الواحدة التي تمتد على مدى ساعتين او اكثر سؤال واحد فقط في احسن الاحوال وبعد اعداد الاسئلة تم مناقشتها من قبل فريق البحث نقاشا مستفيضاً." وبعد وضع الترتيبات الادارية المطلوبة للزيارات الميدانية للمستشفيات الرئيسية في المحافظات التي يعمل فيها الاطباء المقيمين الدوريين المستهدفين بالدراسة وتم عقد الامتحان في عشر محافظات في اوائل عام  1982 فذهب الفريق المؤلف من احمد الخفاجي ومصطفى النعمة وداود الثامري وعقدوا الامتحان تباعاً في كل من الحلة و النجف الاشرف والكوت وبعقوبة وبغداد وقام غانم الشيخ بعقد الامتحان في كل من الموصل واربيل والسليمانية ودهوك وتعاون فريق البحث بجميع اعضائه وعلى رأسهم الاستاذ طلال الجلبي عميد كلية طب البصرة بإجراء الامتحان لمقيمي مستشفيات البصرة. بلغت عينة الاطباء الذين شاركوا بالامتحان 301 طبيباً دورياً شكلوا نسبة 55% من خريجي الكليات الطبية الاربع للعام 1981. وعند تحليل الاجابات واجراء الاحصائيات، اشارت النتائج الى ان أداء المقيمين الدوريين في تشخيص وعلاج الحالات المرضية كان غير مقنع حيث كان معدل أدائهم يقع تحت المستوى الادنى للنجاح والذي حدّده فريق البحث قبل البدء بالامتحان وبالتالى كان الاستنتاج ان برامج الدراسة في كليات الطب لا تؤهل الخريج لأداء المهمات السريرية الاساسية المطلوب منه أداؤها كمقيم بصورة كافية وتحتاج تلك المناهج الى مراجعة جذرية لتصحيح مسارها وكان أداء خريجي الكليات المختلفة التي تخرجوا منها دون فرق ذي قيمة ولا فرق كذلك في أدائهم حسب المحافظة التي يعملون فيها ولا فرق مهم في أدائهم حسب المواضيع السريرية الخمسة التي تكونت منها الاسئلة. تم نشر البحث سنة 1983 في المجلة البريطانية للتعليم الطبي وهي مجلة رصينة ومتخصصه ومعروفة على مستوى العالم وسجل البحث ولازال رقماً عالياً في الرجوع اليه في البحوث ذات العلاقة في أنحاء العالم.

اما الكتاب الذي يذكره لنا مثالا للكتب التي كتبها فهو الكتاب الذي عانى كثيراً في كتابته لإن محتواه غير مطروق سابقاً و بقى حسب علمنا كذلك لحد الان. والكتاب من تأليفه لوحده وباللغة الانكليزية ونشرته له "مطبعة جامعة الموصل" عام 1998 وبعنوان "التعلم المعتمد على المشكلة في الوبائيات" وتضمن تمارين تحاكي الممارسة في طب الصحة العامة وهو مكتوب لطلاب الطب وللاطباء الذين يودّون تعلم مبادىء الوبائيات في داخل مجموعات نقاشية مبرمجة للوصول لإستنتاج حلول المشاكل المطروحة كما يمكن دراسة تمارين الكتاب بصورة منفردة. ويعد الكتاب منهجاً لتعلم علم الوبائيات من خلال حالات مستمدة من الواقع ومصاغة بصورة مشاكل صحية تُحل بطريقة حل المشاكل وهو ما لم يسبق إستخدامه من قبل على مستوى العالم حيث أن التعلم المعتمد على المشكلة مبني على القاعدة السببية والمنطق "الفرضي-الإستنتاجي" وهو منطق تجريبي ويمكن تطبيقه بسهولة على العلوم الطبية السريرية لان الفرضية السريرية يمكن أثباتُها او رفضُها بالالتجاء الى ثوابت العلوم الطبية الاساسية وهو اليوم من أكثر طرق التعليم الطبي شيوعاً. والوبائيات وحدها ومعها بالطبع العلوم الطبية السلوكية تنفرد من بين العلوم الطبية باعتمادها المنطق غير التجريبي وهو المنطق "الاستقرائي او الحثّي." وقد حاول الدكتور الخفاجي ونجح في ذلك لكي يكون من الروّاد في تطويع الوبائيات وحَنيَها باتجاه المنطق الفرضي الاستنتاجي فكان الجهد مضاعفا في كتابة هذا الكتاب.

أمضى الدكتور الخفاجي أربعين عاماً في الخدمة الأكاديمية فقد عُين عضواً في هيئة تدريس كلية الطب بجامعة البصرة عام 1975 واصبح رئيساً لفرع الصحة العامة في العام ذاته  وتمت ترقيته الى مرتبة استاذ مساعد عام 1980 واستمر في كلية طب البصرة حتى صيف 1985 عندما انتقل الى كلية الطب بجامعة الموصل التي استمرت خدمته فيها لغاية 1999 وخدم فيها رئيساً لفرع الصحة العامة من 1992 ولغاية 1996 وحصل على الأستاذية عام 1994. عُين بعد ذلك استاذاً في كلية الطب بجامعة العلوم و التكنولوجيا الاردنية في 1999 واستمربالعمل فيها حتى صيف 2015 وكان رئيساً لقسم الصحة العامة فيها من عام 2000 ولغاية 2014. وقام طيلة الأربعين عاماً بتدريس الوبائيات؛ الاحصاء الطبي؛ الوبائيات السريرية؛ وبائيات الامراض الانتقالية؛ الوبائيات في الخدمات الصحية؛ التعليم الطبي و تنمية قدرات العاملين في القطاع الصحي وتصميم البحوث. كما درّس معظم هذه المواد لطلبة الماجستير والبورد العربي والبورد العراقي باختصاصات طب الاسرة والمجتمع وباقي الاختصاصات السريرية وعندما استحدث مجلسُ وزراء الصحة العرب في عام 1985 برنامجَ دراسة الماجستير في الوبائيات وأمده سنتان وكانت كلية الطب في جامعة عين شمس في القاهرة مقراً لهذا البرنامج، تم دعوة الاساتذة المعروفين بقدراتهم في هذا التخصص من الدول العربية لتدريس الطلبة الذين اختيروا من مختلف الدول العربية فكان الدكتور الخفاجي في مقدمتهم لتدريس الوبائيات وبصورة مكثفة لمدة ثلاثة أسابيع كل عام. وما يُذكر له إبداعُه وريادتُه في إستحداث وتنفيذ وتطوير برامج تدريبية جديدة في محتواها وفي طرق تنفيذها قام بإستحداثها في كل الكليات الطبية التي عمل بها ويبرز من بينها المنهاج الذي يفتخر به والخاص بالتدريب الميداني في الوبائيات و طب المجتمع حيث نشر بحثا وصفيا له ببحث نشر عام 1983 في مجلة "المعلم الطبي" المتخصصة بالتعليم الطبي وتصدر في بريطانيا. وقد كان هذا البرنامج مؤثراً بحيث إلتحقت بالتدريب إضافة لكليات الطب كليات كثيرة أخرى في الجامعة. قام وبجهود مضنية بادخال التدريب الميداني في الوبائيات و طب المجتمع ليكون من ضمن منهاج الطلبة خلال سنوات تدريبهم السريرية وظلّ المنهاج معمولاً به حتى بعد مغادرته للكلية التي كان يعمل بها. ففي كلية الطب بالبصرة بدأ بتدريس هذا المنهاج عام 1977 وفي الموصل عام 1988 وفي جامعة العلوم و التكنولوجيا الاردنيه عام 2003. ويتلخص المنهاج بصورة عامة يالخروج بالطالب الى المجنمع وتخصيص مدة ثمانية أسابيع وبمعدل 9 ساعات معتمدة  يتدرب الطالب ضمنها بعد انهائه السنة الرابعة وقبل البدء بالسنة الخامسة من دراسته على وضع وسائل الوبائيات موضع التطبيق في انجاز بحث ميداني والذي يبدأ بتحديد الهدف من موضوع البحث اوتحديد انتشار مرض معين و تحديد الطرق الملائمه للوصول الى الهدف وتحديد حجم العينة ومن ثم جمع البيانات عن موضوع البحث ومباشرة من الناس الذين يزورهم الطالب في مساكنهم ومجتمعاتهم بعد ان يكون قد حدد حجم العينة وعدد المساكن التي عليه زيارتها في القريه التي يتم اعتمادها محطة للتدريب الميداني مرورا بتبويب البيانات وادخالها في الحاسوب ثم اجراء العمليات الاحصائية المطلوبة ووضع البيانات في جداول مناسبة ليقوم كل طالب على حدة بعد ذلك بتحويل البيانات الى معلومات ويكتب البحث بالطريقة المثلى (القياسيه) ويقدم البحث لزملائه الاخرين من خلال سيمنار ومن ثم يقيّم عمل الطالب و يجرى له اختبار من قبل المشرف (من اعضاء هيئة التدريس) على عمله الميداني.

   
 الخفاجي وطلبة طب البصرة في تدريب ميداني بقضاء شط العرب 1977

وخدم الدكتور أحمد الخفاجي من خلال الكثير من الأستشارات والمهمات العلمية من أبرزها: عضو مجلس جامعة البصرة ممثلاً عن اعضاء هيئة التدريس من 1976 ولغاية 1979 وعضو لجنة الترقيات العلمية لاعضاء هيئة التدريس بكلية طب البصرة من 1980- 1985 ورئيس لجنة الترقيات العلمية لاعضاء هيئة التدريس بكلية طب الموصل من 1997- 1999 ورئيس هيئة التحرير لمجلة طب الموصل من 1997 و لغاية 1999 ورئيس لجنة الترقيات العلمية لاعضاء هيئة التدريس بكلية الطب في جامعة العلوم و التكنولوجيا الاردنيه- من 2010 ولغاية 2014 والمقرر العام للجنة اعتماد كلية الطب بجامعة العلوم و التكنولوجيا الاردنية من 2003 و لغاية 2015 وإستشاري لوزارة الصحة في اليمن الجنوبي بعدن بغرض تنمية القوى البشرية في القطاع الصحي 1979 بتكليف منظمة الصحة العالمية وإستشاري لوزارة الصحة العراقية في بغداد لإستحداث "مركز تدريب القوى البشرية والتعليم الصحي" عام 1985 بتكليف من منظمة الصحة العالمية وإستشاري لمجلس وزراء الصحة العرب لبرنامج ماجستير الوبائيات في القاهره 1986 وإستشاري للهئية العربية للتعليم التقني لتنمية القدرات للمهنيين الصحيين في بغداد 1988 وإستشاري لمنظمة الطفولة للامم التحدة (اليونيسيف) مكتب العراق ببغداد 1989 وإستشاري منظمة الصحة العالمية لصحة الطفل وتقدير وفيات الأطفال القاهرة 2002  وإستشاري منظمة الصحة العالمية لوضع دليل لتطوير المناهج الطبية بالقاهرة 2006 وإستشاري لمنظمة الصحة العالمية لوضع منهج مبني على المشاكل في تخصص الإدارة الصحية في عدن 2006 كما شغل منصب نائب رئيس المجلس العراقي  للاختصاصات الطبيه (بالانتخاب)  لتخصص طب الاسرة وطب المجتمع 1987 ولغاية 1991 وعضو منتخب في اللجنة الامتحانية ولجنة إعتماد المراكز التدريبية في المجلس العربي للاختصاصات الطبية لتخصص طب الاسرة وطب المجتمع 1988 – 1994 وعضو هيئة التحرير للمجلة الدوليه للوبائيات 1990 – 1993 وانتخابه ممثلاً لإقليم شرق المتوسط في الهيئة العلمية للجمعية الدولية للوبائيات 1990 – 1993.

والخوض في تفصيل سيرة الدكتور الخفاجي تبدو عملية يصعُبُ إختصارُها ولكن كان لابد لي أن أسألَه عن قصة تمثيله للعراق في أحد أهم المحافل الصحية الدولية الذي غيّر كل مفاهيم الصحة في عموم دول العالم غنيةً كانت أم فقيرة، متطورة أم نامية أم غير متطورة. وسأدعه يحدثنا بلسانه قائلا: "إنعقد المؤتمر العالمي للرعاية الصحية الاولية في مدينة ألما آتا (والان اسمها الرسمي آلماتي) اكبر مدن جمهوية كازخستان وهي احدى جمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقا والان هي جمهورية مستقلة. إنعقد ذلك المؤتمر التاريخي في 6 - 12 أيلول 1978 وحضره ممثلون عن 134 دولة وهو عدد الدول التي كان لها تمثيل دبلوماسي في الامم المتحدة آنذاك وشارك فيه 3000 مشارك و67 منظمة دولية. وكان المؤتمر برعاية الامم المتحدة بكافة منظماتها وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية حيث وَجهت المنظمة الدعوة الى وزارات الصحة في جميع دول العالم لحضور المؤتمر لاهميته ومن بينها طبعاً وزارة الصحة العراقية ووفرت المنظمة تغطية نفقات السفر والاقامة لوفود الدول وبمعدل 6 اشخاص لكل وفد. حضرتُ أنا المؤتمر بطلب شخصي مني الى رئيس جامعة البصرة لمعرفتي باهمية المؤتمر وما سيتركه من اثر عميق وطويل المدى على النظم الصحية والخدمات الصحية في العالم فصدر الامر الجامعي لايفادي لحضور المؤتمر وعلى نفقة الجامعة ودون الخوض في معاملات وزارة الصحة وتعقيداتها. وبعد سفرة طويلة وعدة مطارات أخذت السفرة بين موسكو وألما آتا وقتاً أطول بكثير من السفر بين بغداد وموسكو ووصلتُ الى المدينة وعلى الطائرة نفسها عددٌ من اعضاء الوفود الاخرى فتم استقبالنا من قبل موظفي وزارة الصحة في المدينة واهدوا كل واحد منّا هدية وكانت تفاحة من الانتاج المحلي لمزارع المدينة وكانت التفاحة  تتميز بلونها الاحمر القرمزي وكِبَر حجمها حيث يبلغ حجم الواحدة منها حجم البطيخة وأفتهمنا بعد حين أن أسم المدينة "ألما آتا" يعني حرفياً التفاحة الكبيرة!"

وفي يوم إفتتاح المؤتمر غصت القاعة المخصصة للمؤتمر بالحضور وهي قاعة كبيرة جداً ومبهرة ومهيبة وتسع ل 3000 مشارك وكانت بيضاوية الشكل و مدرجة وبهندسة مميزة وكأنما بنيت خصيصاً لاغراض المؤتمر فجلس اعضاء الوفود كل حسب المقاعد المخصصه لدولته. فالجالس في اقصى القاعة من اليمين او اليسار يبعد عن منصة القاعة وهي في الوسط كبعد الجالس في وسط القاعة عن المنصة. وعندما بدأتُ ابحث عن مكان جلوس اعضاء الوفد العراقي بحثتُ عن الدول التي يبدأ إسمُها بحرف الآي وجدت ان المقاعد الستة المخصصة لبلدي العراق كانت فارغة جميعها بينما مقاعد الدول الاخرى القريبة والتي يبداء اسمها بنفس الحرف مثل الهند و ايران و اسرائيل و ايرلندا كانت مملوءة وهكذا كان الحال مع معظم الدول المشاركة وفي معظم الاحيان كان عدد اعضاء وفد كل دولة يفوق المقاعد الستة بكثير فكان يجلس شخص اضافي على الارض امام كل شخص حضي بمقعد وكان يرأس كل وفد وزير الصحة في ذلك البلد او نائبه. كانت اكبر الوفود عدداً وكذلك فعالية هى وفود الولايات المتحدة الامريكيه وبريطانيا وفرنسا بالاضافة الى وفد الدولة المضيّفة وهي الاتحاد السوفيتي. واذكر هنا ان محور وقطب الرحى للمؤتمر كان الوفد الامريكي وبالخصوص اثنيين من ذلك الوفد هما الاستاذ كارل والاستاذ جون براينت من كلية جونز هوبكنز للصحه العامه حيث وقعَ عليهما الاختيار لصياغة الاعلان العالمي للرعاية الصحية الاولية الشهير والذي صدر في اليوم الاخير من ايام المؤتمر وما حضور السناتور إدوارد كندي للمؤتمر إلا دليل على إهتمام الولايات المتحدة بالمؤتمر. واشترك اشتراكاً فعالا جداً في وقائع الجلسات وفي كتابة الاعلان العالمي للرعاية الصحية الاولية المدير العام لمنظمة الصحة العالمية آنذاك الدانماركي الدكتور هافدان ماهلر والذي نشر بعد ذلك سلسلة " القوز قزح " في الرعاية الصحية الاولية والمؤلّفة من ثمانية كتب تشكل اغلفتها فيما بينها الوان الطيف الشمسي ويتناول كل واحد من هذه الكتب جانباً من جوانب التقنيات الخاصة بالتطبيق العملي للرعاية الصحية الاولية في مختلف النظم الصحية القائمة في العالم.

    
 
قاعة "مركز لينين للمؤتمرات" ويبدو د. ماهلر متكلماً وهو ملتفتاً الى المنصة خلفه. أيلول 1978   
ويتابع د. أحمد: "والى يومنا هذا لاأعلم سبب عدم حضور أي ممثل عن وزارة الصحة العراقية الى المؤتمر ولكنني وبعد رجوعي للعراق حصلتُ على شكر خاص من وزير الصحة على تمثيلي للعراق في ذلك المؤتمر. وتبدو هذه القصة غريبة اوجزها كالاتي: بعد ان استمعت في اليوم الاول والثاني لرؤساء الوفود وهم يلقون كلماتهم أمام المؤتمر وبعد التدقيق ببرنامج المؤتمر وقائمة المتكلمين تيقنتُ ان رؤساء وفود معظم الدول المشاركة بتكلمون أمام المؤتمر عن انجازات بلدانهم الصحية والخطط المستقبلية. ولكني لم أجد لا كلمة ولا اسم للعراق في أجندة المؤتمر فأجتهدتُ وعزمتُ على محاولة التكلم بإسم العراق لأنه لم يكن هناك أحدٌ غيري يمثله! فذهبتُ في صباح اليوم الثالث مباشرةً الى رئيس المؤتمر وكان وزير الصحة في الاتحاد السوفيتي وكان جالساً في وسط المنصة بمنتصف القاعة ورجوته السماح لي بالقاء كلمة بإسم بلدي العراق في المؤتمر فأجابني نعم يمكنك ذلك ولكن بعد أن أجري الترتيبات المطلوبه للتأكد من الموضوع وطلب مني أن أكتب إسمي وعنوان وظيفتي وعنوان الموضوع الذي سأتكلم عنه وعلمتُ فيما بعد أنه قام بالإتصال بالمدير الاقليمي لشرق البحر المتوسط في منظمة الصحة العالمية المرحوم الدكتور طابا الذي كان يعرف عني وعن فعالياتي في حقل الرعاية الصحية الاولية فأكد له  إسمي ووظيفتي وأنه فعلا لم يحضر أحد غيري من العراق. فحصلتْ موافقة رئاسة المؤتمر على القائي كلمة العراق. وفي عصر اليوم ذاته القيتُ كلمتي وكانت موسومة: تدريب الكوادر الصحية على الرعاية الصحية الاولية وكان تسلسل كلمة العراق هو 90 من بين مجموع الكلمات ال 119 التي القيت بالمؤتمر. وشكلت العمود الفقري لمحتوى الكلمه التي القيتها بالمؤتمر تجربتنا في كلية طب البصرة من نتائج البحوث الميدانيه التي أجريناها في قرية البوراجعة في قضاء شط العرب في صيف 1977 وما رافقها من تدريب ميداني في الوبائيات الحقلية قام بها طلبة الطب في تلك القرية وتم نشر الكلمة التي القيتها في الكتاب الذي نشرته منظمة الصحه العالميه عن وقائع المؤتمر."   

وبعد أن خدم الدكتور أحمد الخفاجي سنوات طويلة في الأردن لم يجد له وطناُ يحتضنه ليعود إليه فهاجر الى الولايات المتحدة وعينه لازالت ترنو الى البصرة والى الموصل والى بغداد والى الشطرة يبكيها ويذكرها دوماً ولازال. كفاءة فذة أخرى حُرم منها العراق. يصفه طلبته بعد عشرات السنين من تخرجهم بأنه كان شخصية رائعة ومتحدث لبق ويتمتع بذكاء حاد ويفتقده أخرون مربياً فاضلاً كريماً معطاءاً قدم الكثير واستحدث الفعاليات والنشاطات العلمية الميدانية واثرى الكليات التي حضيت به بافكاره الجديدة وترك بصمته في تعليم اساليب انجاز البحوث وعمل في رئاسة تحرير مجلات تلك الكليات والكثير من الاعمال واللجان العلمية وله الفضل في استحداث دراسات عليا في طب المجتمع أينما حل أستاذاً قديراً وأباً عطوفاً ومعلماً لايكل صوتُه عالٍ بالحق عَلَماً في تخصصه والاستاذ الاول في أصول التعليم الطبي في العراق ومرجعاً في أساليب البحث الطبي كريمَ النفس لا يمكن ان يوصف بعجالة وبكلماتٍ قليلة. يقول فيه وفي مناقبه شعراً تلميذُه في طب البصرة الدكتور ذر الشاوي:
رَعى اللهُ أياماً تنادَت لذكرِكُم....وكنتم بها تَسْتنهضونَ الأمانيا
لكم تشهدُ الأيامُ قبلَ وقوعِها...وتَسْتشرفُ الأيامُ فيكم مراقيا
زرعتُم فأوفيتُم ربيعَ بِذارِكم.......وكنتم لها نهراً وكنّ السَواقيا
<<<<<<<
ومع هذه الكوكبة من أطباء البصرة نود أن أتقدم بجزيل الشكر الى الأخوات والأخوة الذين أعانوني على كتابة هذه السيّر العطرة لشخصيات أفنت أعمارها في خدمة الناس في البصرة وما جاورها وعموم العراق والى لقاء قادم في الجزء السادس من هذا المقال قريبا جداً. أقدم شكري وأعتزازي بإسهامات كل من: الدكتورة مي عبد الرحيم ممّو والأخ رمزي توفيق طيّارة والسيدة آن رؤوف هندو وزوجها السيد روجر لي والأخ نبيل توما هندو والدكتور جابي توما هندو والدكتور بسمل نافع المقادسي والدكتورة إبنهاج حسون الشيخ والدكتور فائق الحداد والدكتور داود الثامري والدكتور نافع جنو والدكتور أحمد الخفاجي والشاعر المبدع الدكتور ذر شاهر الشاوي.

للراغبين الأطلاع على الجزء الرابع:

http://algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/fereboaliraq/29558-2017-04-17-19-34-47.html

   

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

668 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع