ذكريات الفرهود.. مذبحة بغداد عام ١٩٤١
المشرق/سارة إبريخ-ترجمة: حمد علي حسين الطائي:فِي الأول من حزيران عام 1941، انطلقت في بغداد مذبحة مدبرة من قبل النازيين لتضع بذلك نهاية ألفي سنة من الوجود المسالم للأقلية اليهودية في المدينة. لقد شهد بعض الأطفال اليهود تلك المذبحة واحتفظوا، فيما بعد، في ذاكرتهم طوال سبعين سنة بذكريات حية عن تلك الأحداث شهد "ستيف أكرا" شجاعة المسلمين أصحاب الدار، من فوق نخلة الصبي "حسقيل حداد" وهو صبي في الحادية عشرة وكاد على وشك الانتهاء من تناول وجبة طعام الاحتفال وان يتهيأ للاحتفال بالعيد اليهودي "شافوت" غير واع بالغوغاء الغاضبين الذين كانوا على وشك احتلال المدينة. كان آلاف من المسلمين في هياج جامح وهم يحملون السيوف والسكاكين والبنادق. ولقد عُرف هذان اليومان اللذان عقبا العنف بالفرهود واللذان أديا إلى نهاية الوجود اليهودي الذي تمتد جذوره إلى أيام بابل. تذكر بضع التقارير المعاصرة أن (180) فردا قد قُتلوا، إلا أن بعض المصادر تجعل العدد اكبر ويذكر متحف التراث البابلي الإسرائيلي أن نحو (600 ) آخرين هم ضحايا غير معروفي الهوية حيث تم دفنوهم قي قبر جماعي. يذكر حداد الذي هو الآن طبيب عيون حاذق في نيويورك "لقد اعتاد ، في الليلة الأولى من عيد "شافوت"، الذهاب إلى المعبد لقضاء الليلة في دراسة التوراة. تناهى إلى أسماعنا صرخات: الله، الله، ثم أُطلقت عيارات نارية، خرجنا إلى السطح لنستطلع الأمر ومعرفة ما كان يجري، شاهدنا النيران والناس في حارة اليهود على السطوح وهم يصرخون ويتضرعون إلى الله ليساعدهم. تواصل العنف تلك الليلة. ثمة إشارة يد حمراء أو "خمسة" قد رُسمت على البيوت اليهودية لتمييزها عن بيوت غير اليهود، فتوجب على العوائل ان تدافع عن نفسها بكل وسيلة ممكنة. يتذكر "حداد" وفي النهاية، نزلوا إلى الشارع فجرا في وقت كان هو يراقبهم من فوق السطح وكانوا قد وصلوا الدار المجاورة له "كان ابي يحمل بيده خنجرا وأنبوبا ليحول دون مهاجمتهم لنا على السطح.
عندها خطرت لي فكرة، أخذتُ بعض الطابوق من الجدار وشرعت اقذفهم به وجاء معي صبية آخرون وراحوا يرشقون أولئك الناس وحين أصبنا أحدهم وبدأ ينزف بدأوا بالصراخ "الله ـ الله" ثم غادروا المكان تاركين وراءهم ما كان قد سلبوه. قدمت بعض العوائل الرشى لرجال الشرطة ليتولوا حمايتهم، حيث أعطوا كل واحد منهم نصف دينار مقابل إطلاق كل رصاصة. وقد أدين بعض اليهود بحياتهم للمسلمين الذين جازفوا كثيرا من أجل حياتهم.
ثدي امرأة
في شارع في حي يهودي ومسلم مختاط عاش "ستيف أكرا" مع أمه الأرملة وثمانية من أقرباه في دار يملكها رجل مسلم واكد وهو الآن يعيش في مدينة مونتريال، انه تسلق نخلة في ساحة الدار حين بدأ العنف يضرب اطنابه, ولا يزال يتذكر صرخة "أقتلوا اليهود" التي تعني أذبحوا اليهود، كما يتذكر أنه استطاع أن يرى، من فوق النخلة، صاحب الدار جالسا في مقدمة الدار وعند مجيء الغوغاء تحدث اليهم وأخبرهم بأننا مجرد أيتام وقد احتموا في داره وليس بوسعهم مس احد منا وأنهم إذا ما كانوا يبغوننا فعليهم قتله هو. لحسن الحظ انصرف الغوغاء إلى دار أخرى.. بعدها خرج كثير من الرجال وأضرموا النار في الدار وهم يطلقون صيحات فرح وقد رفعوا بابتهاج شيئاً بدا انه شريحة لحم، ثم اكتشفنا انه ثدي امرأة قطعوه بعد ان عذبوها ثم قتلوها, كانت هي "سابجة" صديقة أمي.. من الجدير بالذكر أنه لغاية يوم الفرهود كانت بغداد تعد نموذجا للتعايش السلمي لليهود والعرب حيث كان اليهود يشكلون ما يقارب ثلث سكان المدينة عام 1941 وكان أكثرهم يعدون أنفسهم عراقيين أولاً ويهود ثانياً.
المد النازي
فماذا الذي أدى إلى التحول المرعب للأحداث؟
قبل شهر، قام محام مناصر للنازية، رشيد علي الگيلاني، بقلب نظام العائلة المالكة العراقية وشرع يذيع الدعاية النازية عبر الراديو وحين باء الهجوم على القاعدة البريطانية خارج بغداد إلى الفشل المهين، أجبر الكيلاني على الهرب وبسب غياب السلطة عقب ذلك حدث القرهود.. في تحول مأساوي للقصة، ثبت ان الجيش البريطاني قد كان بوسعه التدخل لينهي العنف.
في الأول من حزيران، كانت الخيالة البريطانية على بُعد ثمانية أميال فقط من المدينة وكانت قد سارت بسرعة لمسافة (600) ميل من فلسطين ومصر من أجل حماية النفط العراقي من السقوط في أيدي النازيين. يقول المؤرخ "روكا" المؤلف المشارك مع الناجية من الفرهود "كيوليتا ساماش" في "كتاب ذكريات عدن" (ان من دواعي الخزي للبريطانيين ان يتوقف الجيش. أن السير "كياهان كورنوواليس" السفير البريطاني في بغداد، لأسباب خاصة به جعل القوات في وضع تدفع عن نفسها إزاء عصيان مباشر لينفذ اوامر "ونستون تشرشل، بان عليهم احتلال المدينة لسلامتها إلا أن عوضاً عن ذلك عاد السير كياهان إلى مقر إقامته وتناول عشاءه على ضوء الشموع ولعب لعبة البريدح. وأخيرا قام محافظ بغداد والشرطة الموالية للمملكة العراقية بالتحرك لإنهاء المذبحة وفرضوا في اليوم الثاني من حزيران حظرا للتجوال من الساعة الخامسة مساء. بعد الفرهود تحولت الحياة إلى التطرف والعنف.
641 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع