عالية .. المرأة الوحيدة التي حصلت على لقب ملكة العراق ما موقف الملكة عالية من مصرع زوجها الملك غازي بحادث السيارة المروّع؟
كان الأمير عبد الإله يذكر دائماً أنه لا يستطيع العمل من دون شقيقته الملكة عالية فهي ملازمة لعمله ولمركزه وذكر في أكثر من مرة انه إذا ماتت سوف يتخلى عن المسؤولية وبعد وفاتها قال بإنه فقد بموتها مستشاراً حكيماً. أما زوجها الملك غازي فكانت حريصة دائما على مرافقته في معظم جولاته، على الرغم من أنها كانت على دراية بسائر تصرفاته لكنها لم تكن تسمح لنفسها بمكاشفته أو محاولة وضع مراقبين عليه كي لا تشجع أحداً على التجسس عليه.
ولم تسمح لأحد بالتدخل في حياتها الخاصة، حتى الأمير عبد الإله الذي كان يخلق لها الكثير من المشاكل مع زوجها ، ولهذا السبب كان الملك غازي لا يحبذ وجوده في القصر.
شعرت الملكة عالية بالكثير من المخاطر التي تحيط بزوجها الملك غازي الذي كان مناوئاً للسياسة البريطانية ،التي جلبت له نقمة الموالين لهم كما كان للإذاعة الموجهة إلى الكويت من قصر الزهور أثر كبير في زيادة عداء البريطانيين للملك غازي حتى أن السفيرالبريطاني( موريس بيترسون ) صرح قائلاً " وقد أصبح واضحاً للعيان أن الملك غازي يجب أن يسيطر عليه أو خلعه عن العرش " .
وكان لعلاقة الملك الحميمة مع بكر صدقي أثر في زيادة تفاقم النقمة عليه من قبل أعدائه عن طريق سياسته الهادفة إلى تحقيق الوحدة العربية ومساندته القضية الفلسطينية وإثاره الشعب العربي ضد المستعمرين.
وكانت الملكة عالية مدركة هذه الأخطار لذلك كانت تنبهه أن يكون يقظاً في تصريحاته،وكانت تتابع لقاءاته جميعها مع الشخصيات السياسية وتراقب المكالمات الهاتفية التي كان يجريها لمعرفة كل ما يحيط به ، كما أخذت تحث المرافقين المخلصين على الحرص عليه وحمايته.
ويذكر السيد فؤاد عارف مرافق الملك غازي في مذكراته " أخذ الملك غازي سيارته وأمرني بمرافقته فركبت بجانبه ، وكانت الملكة عالية والأمير فيصل والخادمة في المقعد الخلفي ، وبفضول كنت أحاول أن أرى وجه الملكة فلم أستطع ، وكان الوقت عصراً نزلنا في قصر الملح ، جلس الملك وعائلته في حديقة القصر ، وبقيت واقفاً الى جانب السيارة ، بعدها جاء الخادم وأسمه محمد وهو الذي كان مع الملك في أثناء مقتله فقال لي بأن الملك يطلبني ، وعندما ذهبت طلب مني الجلوس معهم ،قائلا أخي فؤاد أنت أول شخص من غير عائلتنا يجلس مع الملكة عالية حتى هذا اليوم ، وأعلم لست أنا الذي أختارك مرافقاً بل الست الملكة هي التي طلبت اختيارك وأنا مقتنع بذلك جداً ، ثم التفت إلى الملكة عالية التي خاطبتني قائلة لاحظ أخي فؤاد انتم لاترونني لكني أراكم جميعا وأراقبكم ، وكنت أراك والعصا بيدك تمنع كل مخالف وسيدك الملك حدثني كثيراً عنك منذ دراستكما معاً، وقد لفت انتباهي ومنذ أيام لم أسمع صوت عصاك فقلت للملك ربما صديقك الكردي مريض، فلنرسل له باقة ورد ، وقد فاجئني بأنك نقلت إلى السليمانية فرجوته أن يرجعك إلى هنا، وفعلا بعث ببرقية وأعادوك فوراً".
من هنا نلاحظ مدى حرص الملكة عالية على زوجها الذي يظهر في مواقفها الجريئة والحازمة التي تبين مدى درايتها في ما يحيط بزوجها الملك، كما جرى في انقلاب بكر صدقي في التاسع والعشرين من تشرين الأول 1936، حيث كانت تتصرف بهدوء وبشكل طبيعي ، مما دفع سندرسن الى القول بأنها كانت على علم بالانقلاب ، فقد كانت ملازمة للملك عندما كان يراقب الوضع بناظور الميدان .وفي مناسبة أخرى تحدث فؤاد عارف عن الملكة عالية بقوله :" طلبني الملك غازي في ليلة مقتل بكر صدقي في الحادي عشر من آب 1937 ، وما أن دخلت عليه حتى وجدت علامات القلق بادية عليه فاخبرني بأن بكر صدقي قتل ، فسألته هل مات: فأجابني بنعم فترحمت عليه ، وبعد لحظة شاهدت الملكة عالية مقبلة علينا وكانت قد علمت بما حدث وربما تكون قد سمعت حديث الملك وكانت قلقة عليه خوفاً من أن لا تكون المحاولة مقتصرة على بكر صدقي ، فوجهت كلامها لي قائلة أخي فؤاد أنتبه إلى سيدنا الملك غازي طمأنتها بأن الجيش كله في خدمة الملك ، فأجابتني قائلة لاأثق في جيش يقتل رئيس اركانه ".
وعند حدوث الفاجعة الكبيرة التي أنتهت بوفاة زوجها الملك غازي خرجت من القصر عند سماعها نبأ الاصطدام في الرابع من نيسان 1939، وأسرعت الى مكان الحادث وسط الظلام ولحقت بالحرس وبينما كان الملك مسجى والدم ينزف منه إنكبت عليه وأخذت تصرخ لجلب الأطباء لبذل كل الجهود الممكنة لإنقاذه ، قائلة أريده أن يفتح عينيه سريعاً أريده أن يتكلم ، وفي هذه الأثناء أنسحب احد الأطباء طالباً من الأمير عبد الإله شقيق الملكة عالية ووالدتها الملكة نفيسة تهدئة الملكة وتذكيرها بأنها والدة طفل وعليها الاهتمام به ورعايته وأن تفكر بصحتها.
وتصف السيدة مديحه السلمان في مذكراتها حالة الملكة عالية بعد مصرع زوجها وما سمعته منها شخصياً ، "أنها كانت في حالة من التأثر لاتوصف فقد أذهلتها الصدمة وحزت في قلبها النكبة وكان حزنها العميق وصمتها البليغ من أشد المناظر والصور تأثيراًً في النفوس وتجريحاً للقلوب".
وحول هذا الحادث وما أشيع عنه روت الملكة عالية ما حدث للسيدة مديحة السلمان قائلة "كنت جالسة في القصر فانطفأت الأنوار فجأة فيه واستفسرت عن السبب، فسمعت أحد الخدم الذي تربى في القصر يطلب النجدة ويقول :ألحقونا سيدي الملك مصاب حصل حادث للسيارة ، فركضت صوب الحادث فوجدت سيدي الملك ملقى والدم ينزف من رأسه، ووضعت يدي على قلبه فوجدته مازال يخفق ، وفي الحال طلبت حضور الأطباء بالسرعة الممكنة ،وكنت أطلب من الحاضرين أن يسعفوني بقطن وشاش عسى أن أتمكن من إيقاف النزف أما الذين كانوا من حولي ، فالجميع حائر ومرتبك ولا يدري ماذا يعمل، وصرت أمسك بالجرح وأضغط عليه بكل شيء تقع عليه يدي وكان الملك فاقد النطق وكل شيء يدل على أنه فاقد للحياة سوى دقات قلبه ونظراته ،
وجاء الدكتور سندرسن والدكتور صائب شوكت فطلبت منهم أن يبذلوا المستحيل لإنقاذه وبدأوا بالكشف عليه وفحصه وظلوا حائرين، وبعد ذلك اسلم الروح وكان أحد الذين رافقوا الملك حياً ومصاباً بكسر في يده، وقال بأن الملك غازي في أثناء عودته من قصر الحارثية إلى قصر الزهور، أدار محرك السيارة وأنطلق بسرعة كبيرة ، فاصطدمت بعمود الكهرباء وأستدارت السيارة حول نفسها ووقفت من شدة الصدمة وكان الباب قد أنفتح على يده ولم يفق من شدة الألم إلا على منظر الملك الذي كان جالساً في مقعد القيادة والعمود على رأسه والدم ينزف منه فأسرع الخادم وأبلغ عن الحادث وعن كل شيء شاهده بعينه" . وجاء في إفادة الملكة " إن زوجها كان يذهب كل مساء إلى قصر الحارثية فيبقى فيه حتى منتصف الليل ثم يعود وينام في الحال وفي تلك الليلة عاد مبكراً على خلاف عادته فما كان يشرع في خلع ملابسه حتى رن جرس الهاتف، وبعد مكالمة قصيرة عاد فلبس ثيابه ليتوجه بسيارته الى قصر الحارثية قائلا أن الشخص الذي كان ينتظره قد حضر الآن وبعد مدة قصيرة جيء به مقتولاً يقولون أن سيارته اصطدمت بالعمود الكهربائي وأصيب بجرح بليغ في رأسه".
وتروي الأميرة بديعة في مذكراتها حادثة مقتل الملك غازي قائلة " كنا مساء ذلك اليوم نجلس في الصالة لمشاهدة أحد الأفلام مع والدتي الملكة نفيسة والملكة عالية والأميرة جليلة ، وسمعنا سيارة تدخل القصر، كانت سيارة الملك غازي ، وكان إلى جانب الملك الخادم عيد وشخصان يعملان في الإذاعة ،وخرجت أختي عالية فشاهدت الملك يصرخ بأعلى صوته بوجه الآخرين نتيجة عطل في الإذاعة ، ويشكو للملكة جهلهم وكان مخموراًَ، وبعد دقائق عادت إلينا عالية بعد انطلاق الملك غازي بسيارته وكان الى جانبه الخادم عيد فقط ، وبعد قليل سمعنا صوت دوي قوي وبعدها انقطع التيار الكهربائي ، فخرجت اختي عالية مسرعة وتبعتها أنا ووالدتي نحو البوابة ثم لحقتنا أختي عبدية وركبنا مع السائق ، وعندما وصلنا إلى مكان الحادث وجدنا سيارة الملك وقد أصطدمت بعمود الكهرباء فالتوى ساقطا على جهة السائق، ونقل الملك إلى قصر الحارثية ، وبعدها أتصلنا بالسيد نوري السعيد والدكتور سندرسن والدكتور صائب شوكت ، لكنهم لم يفعلوا شيئا سوى انهم قاموا بلف رأسه بقطعة قماش حتى لفظ أنفاسه الأخيرة").
648 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع