من اليمين:خليل كنه ، سلوى الحصري ، الباشا نوري السعيد
خليل كنه ... قصة حياة سياسي عراقي من العهد الملكي
منذ سنة 1964 ، وانا اتابع وأقرأ الكثير من صفحات تاريخ العراق المعاصر . ويقينا ان معظم اهتمامي انصب اولا على العهد الملكي اي الحقبة الواقعة بين سنتي 1921 و1958 . وضمن هذه الحقبة أسهم سياسيون عراقيون القسم الكبير منهم كانوا مخضرمين أي انهم عاشوا شبابهم ورجولتهم في العصر العثماني عندما كان العراق بولاياته الثلاث بغداد والموصل والبصرة تابعا للامبراطورية العثمانية قبل ان تقوم بريطانيا بإحتلال هذه الولايات خلال الحرب العالمية الاولى 1914 -1918 .
أما القسم الثاني من السياسيين العراقيين فقد ارتبطت نشاطاتهم بتكوين الدولة العراقية الحديثة سنة 1921 ومبايعة فيصل بن الحسين ملكا على العراق في آب –اغسطس سنة 1921 .
ولعل من هؤلاء السياسيين (خليل كنه 1910-1995 )الذي تبوأ مناصب وزارية مهمة منها تسلمه منصب وزير المعارف (التربية ) ومنصب وزير المالية .كما تولى رئاسة مجلس النواب في 15 كانون الاول سنة 1957 فأصدر عن اعماله التي قام بها في المجلس كراسا بعنوان :(خطاب في الجلسة التي عقدها مجلس النواب 29 ايار 1958 ) .
ابتدأ حياته السياسية بعد ان اكمل دراسته الجامعية في الجامعة الاميركية ببيروت ، مؤيدا لجماعة الاهالي اليسارية ومعارضا لمعاهدة 1930 الجائرة بين العراق وبريطانيا والقي عليه القبض مع عدد من زملائه وكان انذاك طالبا في كلية الحقوق.
انتمى الى جماعة الاهالي وكان احد مؤسسيها وعقدت الجماعة اجتماعا في قاعة سينما رويال في الميدان .. وصدر عن الاجتماع بيان جاء فيه : (سنجوع ونعرى ايها الشعب العراقي) وعن هذه الحادثة وحقيقة انتسابه الى جماعة الاهالي قال خليل كنه للصحفي رشيد الرماحي :
" حين انتسبت الى جماعة الاهالي بزعامة جعفر ابو التمن لم اكن املك اية معرفة بإتجاه اي واحد من الجماعة سوى انهم يعارضون معاهدة 1930 ويدعون الى استقلال العراق والرغبة في الحرية وبصدور جماعة الاهالي تكشف اتجاه الجماعة وترك خليل كنه الجماعة كما تركها يونس السبعاوي ومحمد صديق شنشل وفائق السامرائي بمعنى تركها ذوو الاتجاه العروبي القومي ، وتحدد موقف الاخرين من اليساريين امثال عبد القادر اسماعيل لكن كل هؤلاء الشباب حوكموا وكان حسين جميل معهم لكنه خرج براءة فيما اصدرت محكمة جزاء بغداد حكمها على خليل كنه لمدة ستة اشهر وذهبوا الى السجن واضربوا عن الطعام بسبب طرد ادارة السجن زميلهم حسين جميل الذي كان يتردد عليهم .. وبعد انتهاء مدة محكوميتهم خرجوا وعادوا الى الدراسة في كلية الحقوق وفي سنة 1932 تخرج من الكلية .
وتعليقا على فترة السجن يقول انه لم يكن منسجما مع جماعة الاهالي وانه في توجهاته كان عروبيا وقد احس بردة فعل تجاههم ولاجل ان يبتعد عن اجواء السياسة بحث عن وظيفة ولم يجد سوى مديرية اموال القاصرين فعين فيها وكانت تسمى (مديرية الايتام ) وبعد ثلاثة اشهر نقل الى وزارة المواصلات حتى سنة 1941 .
ناصر ثورة مايس 1941 القومية واعتقل مع عدد من زملاءه الشباب القوميين المتحمسين بعد فشل الثورة وبعد اربع سنوات اطلق سراحه . وفي 12 اذار سنة 1946 كان من مؤسسي حزب الاستقلال بزعامة الشيخ محمد مهدي كبة وهذا الحزب هو ذو توجه قومي عربي وقد اجيز في 2 من نيسان سنة 1946 .يقول خليل كنه :" عند خروجنا من الاعتقال قررنا اقصد انا وجماعة من زملائي الشباب تأليف حزب يحمل اسم (الاستقلال ) وجاء ذلك بعد ان اعلن الامير عبد الاله الوصي على العرش في خطاب القاه عبر الاذاعة عن بداية الانفتاح اثر تشكيل توفيق السويدي وزارته الجديدة 1946 واضطلاع سعد صالح بوزارة الداخلية وفسحه المجال للتنظيمات الحزبية وضمان حرية الصحافة " .
كان خليل كنه مسؤولا عن جريدة (الاستقلال ) وكان يرفض ان يتعاون الحزب مع اليساريين من ممثلي الحزب الوطني الدمقراطي وزعيمه كامل الجادرجي وعندما احالت وزارة ارشد العمري كامل الجادرجي الى المحاكمة كتب محمد صديق شنشل مقالا يدافع عن الجادرجي وطلب من خليل كنه نشره وبعد اطلاعه على المقال حذف كل ما له علاقة بمحاكمة الجادرجي انسجاما مع قرار الهيئة العليا للحزب واجاز الباقي للنشر ولكن الشيخ محمد مهدي كبة رئيس حزب الاستقلال لم يرتح لما فعله خليل كنه فإعتكف بداره واعلن انه لن يعود للحزب وخليل كنه احد اعضائه فلما علم خليل كنه قدم استقالته من الحزب وهكذا انتهت هذه المرحلة من حياته السياسية .
يعلق الاستاذ حميد المطبعي على استقالته من حزب الاستقلال فيقول :"ان خليل كنه كان احد المؤسسين لحزب الاستقلال ومن الطموحين لتزعمه ولهذا السبب اصطدم بالحزب زرئيسه الشيخ محمد مهدي كبه وخرج من الحزب واصدر كراسا عن ذلك في ذات سنة التأسيس 1946 بعنوان ): هذه استقالتي من حزب الاستقلال ) ثم انضم الى منهج النظام السياسي الملكي .
بعدما استقال من حزب الاستقلال راح بالاتجاه المعاكس ليصبح من اشد انصار نوري السعيد ومحبيه وعضوا في حزبه ( حزب الاتحاد الدستوري ) والذي اجيز في 24 تشرين الثاني سنة 1949 وانتخب سكرتيرا للحزب وتزوج من ابنة عبد الهادي العسكري عم زوجة نوري السعيد بنت اخت الفريق الاول الركن جعفر العسكري مؤسس الجيش العراقي واول وزير للدفاع .
شارك في اللعبة البرلمانية وانتخب نائبا في مجلس النواب للدورة الانتخابية الحادية عشرة والتي استمرت من 17 اذار 1947 وحتى 23 شباط 1948 .وكان خليل كنه من مواليد مدينة الفلوجة بمحافظة الانبار الحالية سنة 1910 وهو خليل اسماعيل كنه البياتي وهذا اسمه الكامل .درس الابتدائية في مدرسة التفيض الاهلية ببغداد والثانوية في الجامعة الامريكية ببيروت وتخرج في كلية الحقوق العراقية سنة 1932 وقد كتبت عن حياته بضعة اسطر في موسوعات عدة منها ما كتبه كل من الاستاذ حميد المطبعي في موسوعة (موسوعة أعلام وعلماء العراق ) التي صدرت عن دار الزمان للصحافة والنشر والمعلومات ببغداد 2011 والاستاذ خالد احمد الجوال في (موسوعة اعلام كبار ساسة العراق الملكي من 1920الى 1950) التي صدرت عن دار الشؤون الثقافية ببغداد سنة 2013 بجزئين .عين بعد تخرجه في مديرية اموال القاصرين ثم مستشارا قانونيا في وزارة الاقتصاد ومديرا لشركة كهرباء بغداد 1941 .داخل عالم السياسة فأصبح وزيرا بلا وزارة في وزارة توفيق السويدي الثالثة في 15 ايلول سنة 1950 وفي وزارة نوري السعيد الحادية عشرة ( 15 ايلول 1950 واستقالت في 10 تموز 1952 ) تولى منصب وزير المعارف .
وخلال استيزاره ترأس الوفد العراقي في 12 حزيرا سنة 1951 الى مؤتمر اليونسكو –بحكم منصبه – والذي انعقد في باريس بفرنسا .وفي وزارة جميل المدفعي السادسة (29 كانون الثاني 1953 -5 ايار 1953 ) تولى ايضا منصب وزير المعارف وفي وزارة نوري السعيد الثانية عشرة ( 3 اب 1954-17 كانون الاول 1955 تولى المنصب ذاته وهكذا صار وزيرا مزمنا للمعارف بإستثناء تعيينه وزيرا للمالية في وزارة نوري السعيد الثالثة عشرة التي تشكلت في 17 كانون الاول 1955 واستقالت في 30 حزيران 1957 واثناء ذلك - وبحكم منصبه ايضا - وفي 17 ايلول 1956 ترأس الوفد العراقي الى واشنطن لحضور مؤتمر حكام صندوق النقد الدولي .وفي 12 شباط سنة 1958 اختير ليكون عضو الهيئة النيابية لسفر ولي العهد الامير عبد الاله الذي سافر الى الاردن للحاق بالملك فيصل الثاني 1953-1958 والقيام بالتوقيع على الاتحاد الهاشمي بين العراق والاردن .
بين 11-5-1954 و11-7-1954 تلقى خليل كنه رسائل خاصة من خليل كنة* وكان السعيد يتجول بين لندن وباريس وقد نشر الاستاذ الدكتور جعفر عباس حميدي هذه الرسائل كملحق في كتابه الموسوم :(التطورات والاتجاهات السياسية الداخلية في العراق 1953-1958 والمنشور ببغداد سنة 1980) والذي هو بالاصل اطروحته للدكتوراه التي قدمها الى قسم التاريخ بكلية الاداب –جامعة بغداد سنة 1978 وعدد هذه الرسائل سبعة وكلها تؤكد ثقة نوري السعيد بخليل كنة الذي كان يخبره بكل صغيرة وكبيرة تحدث في بغداد وتعكس الرسائل اراء نوري السعيد بشأن الوضع السياسي في العراق صيف سنة 1954 وما كان يجب على خليل كنة ان يفعله وموقف حزبهما (الاتحاد الدستوري ) وكان يخاطبه بعبارة (عزيزي خليل ) ويدعوه ان يكون عمل الحزب "مرتبا ومنسقا تنسيقا رترك لنا في هذه الايام تكاثر الخصوم " ويقول له ان يظل على صلة بأحمد مختار بابان وان الامور يجب ان تنسق دون ان يضطر للعودة فيما اذا جرت الانتخابات "وكان يريد ان تظل الاكثرية بيد الاتحاديين الدستوريين حتى لاتتعثر الحكومة ويدعو كنه ان لايطلع احدا على ما يدور بينهما وانه يعالج اذنه من الصمم الذي اصابهها ويقول له في احدى الرسائل وهي المؤرخة في 1 تموز 1954 ان نتائج الانتخابات التي جرت غير مرضية بالنسبة له مع ان حزب الاتحاد الدستوري حصل على 47 مقعدا و17 لصالح جبر و10 للجبهة والباقي للمستقلين .وقال لخليل كنه انه سمع بأن توفيق السويدي يريد ان يشكل حزبا لمكافحة الشبوعية وانه يريد ان يسقط جنسية الشيوعيين على غرار اسقاط الجنسية عن اليهود .وفي رسالته المؤرخة في 11 تموز 1954 قال السعيد لخليل كنه انه ضد اي اجراء غير دستوري .ومهما يكن من امر فقد عاد السعيد الى بغداد يوم 29 تموز 1954 بعد ان صدرت الارادة الملكية بحل المجلس النيابي الجديد الذي لم يجتمع الا مرة واحدة وشكل نوري السعيد وزارته في 3-8-1954 والتي انتهجت سياسة قمعية .
ولعل مما يسجل في تاريخ هذه الوزارة بالنسبة لخليل كنه وكان وزيرا للمعارف ووكيلا لوزير الداخلية سعيد قزاز الذي اضطر للسفر خارج العراق اقدام خليل كنه بإلغاء اجازة الحزب الوطني الدمقراطي بحجة "ثبوت علاقة اليهود القوية به " كما اذاع بينا بإسم نوري السعيد هدد فيه الشعب العراقي بشكل صريح في شخص ما سمي ب( النفر المحدود ) الذي يسوؤه تقدم اللملكة ورفاه ابنائها مع انذاره بالطرد كل من يشيع الفوضى والقلق ويقول الاستاذ الدكتور جعفر عباس حميدي في كتابه (التطورات والاتجاهات السياسية الداخلية في العراق 1953-1958 ) ان خليل كنه اخذ يتصرف في شؤون البلاد كأنه الحاكم الفعلي ويبعث بالبرقيات عن الوضع السياسي الى نوري السعيد الذي كان في سرسنك يطمئنه " بأن الحالة جيدة والجهات ذات العلاقة متيقظة وان الشيوعيين الذين كانوا ينادون بحل المجلس النيابي اصبحوا وجلين على النواب الذين وصلوا الى المجلس عن طريق الكتلة الوطنية وان عددا من العراقيين راجعوا الشرطة معلنين براءتهم من الشيوعية وان الهيئات السياسية الاخرى :الاستقلاليين .البعثيين .الاخوان ..يعتبرون الحكومة الجديدة عثرة في سبيل تحقيق مطاليبهم " .
كانت برقيته تلك قد ارسلت الى رئيس الوراء نوري السعيد في 5-8-1954 وفي برقيته الاخرى التي ارسلت في 6-8-1954 اقترح خليل كنه تعديل قانون العقوبات البغدادي ليتسنى معاقبة انصار السلام على اعتبار انهم شيوعيين وان الشيوعيين خافوا من ان تقوم الحكومة بإسقاط الجنسية عنهم فأخذوا يتوارون عن الانظار فلا يظهر منهم في المقاهي الا عدد قليل تقوم الشرطة بمراقبته بدقة .كما قال للسعيد ان جماعة حزب الاستقلال باتوا يخشون من المطاردة لتعاونهم مع الشيوعيين .اما الحزب الوطني الدمقراطي فمستمر على عقد اجتماعاته لكن لهجة الصحف المعارضة اصبحت (مؤدبة ) واعلم خليل كنه نوري السعيد في برقية مؤرخة في 14 -8-1954 بأن وزارة العدلية ستفرغ من تهيئة المراسيم المتفق عليها معه لمعالجة الموقف وهنا يشير خليل كنه الى المراسيم القمعية التي اصدرتها وزارة نوري السعيد التي تشكلت في 3-8-1954 ومنها المرسوم الذي نص على تجريم كل من "جند او روج ..ايا من المذاهب الاشتراكية البلشفية –الشيوعية –والاباحية وما يماثلها التي ترمي الى تغيير نظام الحكم ..." ومرسوم اسقاط الجنسية عن العراقي المحكوم وفق المرسوم الاول ومرسوم غلق اية نقابة تسلك مسلكا يمس بالامن العام او النظام العام وكل هذه المراسيم قوبلت بموجة من الاستنكار والسخط الجماهيريين .وهنا لابد من القول ان خليل كنه هو المسؤول الثاني بعد نوري السعيد عن صدور هذه المراسيم فضلا عن ان وزارة المعارف التي يتولاها اصدرت قوائم بفصل (415 ) استاذا جامعيا ومدرسا وطالبا من مختلف انحاء العراق ولم تكتف وزارة السعيد بذلك بل ساقت طلاب الكليات والمعاهد للخدمة في الجيش وسيق الالاف من الطلاب الى معسكرات التدريب .ومن اساتذة الجامعات الذين فصلتهم وزارة المعارف في عهد خليل كنه الدكتور صفاء الحافظ والدكتور ابراهيم كبة والدكتور فيصل السامر والدكتور صلاح خالص والدكتور طلعت الشيباني والدكتورة روز خدوري والدكتور عبد الله البستاني .
ظهرت بعض الخلافات بينه وبين نوري السعيد فقرر في 16 نيسان سنة 1958 اعتزال العمل السياسي لكن نوري السعيد اقنعه بالعدول عن رأية وسنتحدث عن ذلك بعد العودة الى كتابه الذي اصدره ببيروت سنة 1966 والموسوم : (العراق امسه وغده ) وكذلك متابعة حواره التفصيلي مع الصحفي العراقي الاستاذ رشيد الرماحي والذي نشر في جريدة (الاتحاد ) البغدادية في ثمان حلقات استغرقت الاعداد الصادرة بين 3 تموز 1989و21 اب 1989 .
في مذكراته (العراق أمسه وغده ) التي ظهرت طبعتها الاولى ببيروت سنة 1966 وبعد ان ادان ثورة 14 تموز 1958 التي اسقطت النظام الملكي وسماها (النكبة التي حلت بوطننا الحبيب ) قال انه يريد ان يقدم للاجيال اسباب ماجرى والحل الذي يمكن بواسطته " إزاحة هذا الكابوس ووضع منهج سليم يعيد الاستقرار والاخاء والتعاون ويوفر للعراقيين التشبث الحر والتنافس المبدع ضمن العدالة الاجتماعية ومبدأ تكافؤ الفرص " .
في الصفحة 132 من كتابه (العراق ..أمسه وغده )يتحدث عن واحد من منجزاته عندما اصبح وزيرا للمعارف في وزارة نوري السعيد التي تشكلت في 16 ايلول سنة 1950 سعيه لاصدار (قانون الخدمة التعليمية ) وقال :" وبصفتي وزيرا للمعارف شعرت ان الاسرة التعليمية تؤدي رسالتها في ظروف قاسية ولذلك رأيت لزاما علي انصافها واعلاء مكنتها وتحفيزها لاداء واجباتها الخطيرة بروح مطمئنة وبنفس لراضية ووجدت لدى رئيس الوزراء ووزير المالية عبد الوهاب مرجان التأييد والمؤازرة مما ساعد على تشريع قانون الخدمة التعليمية الذي اعتبر منذ صدوره فتحا جديدا وقوبل بإستحسان وتقدير كبيرين " .
وكان من اهم ما تضمنه القانون رفع سلم الدرجات الى 100 دينار بعد ان كانت تنتهي عند ال 75 دينارا .كما زاد الحد الذي يقف عنده المعلم الابتدائي من 25 دينار الى 40 دينارا ثم منح اعضاء الهيئة التعليمية درجات اضافية لاعلاقة لها بالترفيع .
وتضمن القانون قواعد لتنظيم الدورات الدراسية والدراسات العليا
وخفض مدة التقاعد والاخذ بيد المعلمة الام فوضع لها شروطا مختلفة في التقاعد لتنصرف الى شؤون بيتها ورعاية اطفالها مع حماية حقوقها التقاعدية .
واعطى القانون مخصصات محلية في الاماكن النائية او غير الصحية لحد 30 %من راتب المعلم .كما منح موظف الخدمة التعليمية حق المعالجة المجانية في جميع مستشفيات الحكومة .واخذ القانون بيد المعلم وقدر جهده المضني بتخفيض ساعات التدريس بنسبة 25%عند بلوغه سن الخمسين .وقال خليل كنه عن هذا القانون ان قيمته الحقيقية انه كان الاول من نوعه ولذلك كان استقبال اسرة التعليم له كبيرا كما لبى عليها وفاؤها ونبل قصدها الا ان تكرم من أحسن خدمتها .
لكن علاقة خليل كنه كوزير للمعارف اكثر من مرة مع اساتذة الجامعة :جامعة بغداد لم تكن على مايرام وقد كرهه الاساتذة وعرضوا به كثيرا وانتقدوه وكنت اشعر بذلك من خلال حديث استاذي الاستاذ الدكتور فاضل حسين عنه قبل 50 سنة وعندما كنت طالبا في قسم التاريخ بكلية التربية –جامعة بغداد 1964-1968 حيث كان يعرفه معرفة جيدة وكتب عنه ناقدا للسياسة التعليمية في العراق في جريدة (صوت الاهالي ) سلسلة مقالات غفلا من التوقيع بعنوان :" في شؤون المعارف " اعطاني اصلها وقال انه هو الذي كتبها وقد اعطيتها للصديق المؤرخ العراقي الاستاذ الدكتور صباح ارميض القريشي للكتابة عنها .كما كان الدكتور فاضل حسين ايضا من الاساتذة الذين وقعوا على عريضة الاساتذة التي قدمت الى الملك فيصل الثاني وفيها يشجبون العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956 وموقف العراق السلبي ويطالبون بالحريات السياسية وبالالتفات الى مؤهلاتهم والاستفادة من خدماتهم . وقد جاءت العريضة وسط سلسلة من الاضرابات الطلابية التي قام بها اساتذة وطلبة كليات جامعة بغداد .وقد اشار خليل كنه في كتابه (العراق امسه وغده ) بالتفصيل الى هذه الحوادث وقال ان الاساتذة قالوا في عريضتهم الى الملك :" وختاما –ياصاحب الجلالة – نود ان نعلن لجلالتكم ان الفئة المثقفة وخاصة من رجال التعليم يكونون جزءا مهما من هذا الشعب ولكنهم يشعرون انهم لم ينالوا العناية الكافية ولم تحاول السلطات الافادة منهم كما يجب " .ومن الذين وقعوا على العريضة كلا من الدكاترة والاساتذة خالد الهاشمي ومحمد ناصر وجابر عمر وعبد الرحمن البزاز .ويقول خليل كنه انه التقى بالاساتذة والمظاهرات قائمة وكان شديدا وقاسيا مع الاستاذ عبد الرحمن البزاز حتى انه قال له هل ان مايجري ينسجم مع رسالتهم التربوية ؟ فأجاب الاستاذ البزاز ان بالوسع وضع حد لهذا الوضع اذا استجابت الحكومة الى بعض الشروط وعندها قال خليل كنه وزير المعارف للبزاز متسائلا اذا كان يعتقد انه الزعيم لهذه المظاهرات حتى يتقدم بهذا الاقتراح ثم انهى الاجتماع معلنا انه سيتخذ الاجراءات التي يمليها عليه واجبه كمسؤول .
واضاف ان احمد مختار بابان نائب رئيس الوزراء جاءه وعاتبه على موقفه من الاساتذة والبزاز بالذات وقال انه قام بتقديم اقتراح الى مجلس الوزراء يطلب فيه فصل بعض الاساتذة مع اخرين ممن اعتبرهم محرضين الطلبة على الاضرابات وصدر القرار بذلك ثم القي القبض على بعضهم من بينهم عبد الرحمن البزاز واجري التحقيق معهم .وبعد فترة حضر رئيس الوزراء الى مكتب خليل كنه في وزارة المعارف واخبره انه اوعز بنقل الاساتذة من بنجوين التي نفوا اليها الى تكريت لبعدها عن اهلهم ولبرودة الطقس فيها ورجاه الموافقة على اعادتهم الى بغداد لزوال الاسباب الداعية لابعادهم خاصة وانهم اصدقاءه فرفض عودة الاساتذة الى بغداد بهذه السرعة ورجا رئيس الوزراء نوري السعيد التريث بعض الوقت حتى تهدأ الاحوال في الكليات والمدارس .
وهنا طلب رئيس الوزراء تحديد مدة لذلك فقال خليل كنه شهرا فرد رئيس الوزراء وما الضمان انك توافق على عودتهم فقال خليل كنه اني على استعداد للذهاب بنفسي الى تكريت والعودة بهم الى بغداد وهكذا ذهب خليل كنه الى تكريت قبل انقضاء الشهر والتقى ببعضهم وهم:
الاستاذ عبد الرحمن البزاز والدكتور فيصل الوائلي والاستاذ حسن الدجيلي .قد ناقش خليل كنه معهم حيثيات ما جرى ةنقل اليه رأي رئيس الوزراء وعادوا في اليوم التالي الى بغداد .
كتب الاستاذ عبد الرحمن البزاز في كتابه ( صفحات من الامس القريب " ان الحكومة اضطرت على اعادتهم لكن خليل كنه ينتقده في كتاب (العراق امسه وغده ) ويتهكم عليه ويقول انه بدا وقد قامت ثورة 14 تموز 1958 وكأنه هو من قادها وليس الزعيم عبد الكريم قاسم ثم تساءل قائلا : اين البطولة في أمر العريضة التي قدمها الاساتذة والتي اصبحت تلقب في بغداد ب (الماكناكارتا العراقية ) تشبيها لها بالماكناكارتا البريطانية وختم حديثه بالقول ان الوقائع اثبتت فيما بعد ان العريضة كانت جزءا من مخطط قام به عبد الاله واحمد مختار بابان لحمل نوري السعيد على الاستقالة في هذا الظرف العصيب واشار الى اجتماع قصر الرحاب برئاسة الملك فيصل الثاني والامير عبد الاله ولي العهد وبحضور رؤساء الوزراء ورئيسي مجلسي الاعيان والنواب والوزراء ايذانا ببدء الحملة على نوري السعيد لاحراجه وحمله على الاستقالة ويعتقد كاتب هذه السطور ان تحليل خليل كنه لما حدث من اضرابات طلابية وتذمر الاساتذة ورفعهم عريضة الى الملك ليس صحيحا وبعيدا عن الواقع وان الاوضاع في العراق كانت مضطربة والوزارة السعيدية لم تستطع معالجة الامور وامتصاص النقمة الشعبية وان عريضة الاساتذة كانت – بحق – نابعة من نفوس صادقة بحب البلد والخوف عليه ومحاولة اقالة عثرات الحكومة التي ضربت مصالحه عرض الحائط وكان كل من يعرف تاريخ العراق يدرك بأنه مقدم على زلزال خطير وجاء الزلزال صبيحة يوم 14 تموز –يوليو سنة 1958 والذي اسقط النظام الملكي كله .
في دراستي السابقة المنشورة والمتوفرة عبر النت بعنوان :"ظاهرة فصل الاساتذة في العراق المعاصر " وقفت عند حادثة عريضة الاساتذة وقلت : في 10 تشرين الثاني سنة 1956 قدم جماعة من اساتذة جامعة بغداد وعددهم (خمسة وخمسون ) عريضة إحتجاج الى الملك فيصل الثاني ملك العراق انذاك 1953-1958 ، ومنهم الدكتور جابر عمر وعبد الرحمن البزاز وحسن الدجيلي والدكتور فيصل الوائلي والدكتور محمد علي البصام والدكتور عباس الصراف والدكتور عبد القادر احمد اليوسف والدكتور عبد الجليل الظاهر والدكتور مصطفى كامل ياسين والدكتور محمد ناصر والدكتور خالد الهاشمي وخضر عبد الغفور والدكتور احمد عبد الستار الجواري والدكتور فاضل حسين وذلك احتجاجا على موقف الحكومة العراقية من العدوان الثلاثي البريطاني –الفرنسي –الاسرائيلي من مصر في 29 تشرين الاول 1956 والذي وقع بعد تأميم الرئيس جمال عبد الناصر قناة السويس في 26 تموز 1956 . وقد وقف الشعب العراقي ماعدا الطبقة الحاكمة الى جانب مصر ، وحدثت مظاهرات واضرابات في جميع انحاء العراق ، وعطلت الدراسة في جميع المدارس والكليات ، ووقعت حوادث دامية في بغداد والنجف والحي والموصل . وقد اعتقل عدد من قادة الاحزاب المعارضة في سجن نقرة السلمان .كما أعلنت الاحكام العرفية ، ومنعت الاجتماعات والمظاهرات .
ولم تكتفِ الحكومة بذلك - وكانت اذ ذاك حكومة نوري السعيد - بل قامت بفصل الاساتذة التسعة التالية اسماؤهم من وظائفهم وهم :
1.الدكتور جابر عمر
2.الاستاذ عبد الرحمن البزاز
3.حسن الدجيلي
4.والدكتور فيصل الوائلي
5.والدكتور محمد علي البصام
6.والدكتور عباس الصراف
7.والدكتور عبد القادر احمد اليوسف
8.والدكتور عبد الجليل الظاهر
9.والدكتور مصطفى كامل ياسين
كما احيل الخمسة الاولون من المجموعة الى المجلس العرفي العسكري وهم :
1.الدكتور جابر عمر (تمكن من الهرب الى سوريا )
2.الاستاذ عبد الرحمن البزاز
3.حسن الدجيلي
4. الدكتور فيصل الوائلي
5. الدكتور محمد علي البصام
وحكم على الاربعة الاخرين بالنفي الى الشمال ( بنجوين ) ، ونقل خضر عبد الغفور والدكتور أحمد عبد الستار الجواري من ديوان وزارة المعارف (التربية ) الى التدريس في دار المعلمين الابتدائية .
وقد اجتمع خليل كنة وزير المعارف مع بعض الاساتذة ، ولامهم على عملهم واستدعى البعض الاخر ومنم الدكتور فاضل حسين لمقابلته في ديوانه على انفراد ولامهم ايضا على موقفهم في التحريض والوقوف الى جانب المتظاهرين من الطلبة والاساتذة وتقديمهم عرائض الاحتجاج على موقف الحكومة السعيدية من أحداث السويس في مصر .
ورد نص عريضة الاساتذة في كتاب :"تاريخ الوزارات العراقية " لمؤلفه السيد عبد الرزاق الحسني وهي عريضة طويلة ومفصلة جاء فيها :"ان فريقا كبيرا من رجال التعليم في المعاهد العالية لم يعودوا قادرين على إداء رسالتهم الفكرية في التوجيه ، والاسهام في بناء الامة " ، وانهم باتوا يشعرون بفقد ثقتهم بالحكومة ، واننهم لايرون القمع والاساليب البوليسية حلا صحيحا ، وانهم يدعون الى ضمان الحرية الفكرية لرجال التعليم العالي ، وفسح المجال امامهم للعمل وفق شعورهم القومي وفسح المجال للطلبة للتعبير عن آرائهم .
ومن الاساتذة الذين وقعوا على العريضة فضلا عن من ذكرنا الدكتور صلاح الناهي ، والدكتور محمود الامين والدكتور حاتم الكعبي والدكتور ناجي معروف والدكتور مهدي المخزومي والدكتور سليم النعيمي والدكتور خالد الهاشمي والدكتور خزعل البيرماني والدكتور عبد الجليل الزوبعي والدكتور يوسف عبود والاستاذ خضر عبد الغفور والدكتور عبد الوهاب مطر الداهري والدكتور شامل السامرائي ، والدكتور اسماعيل مرزه والدكتور ابراهيم عبد الله محي الدين والدكتور صديق الاتروشي والدكتور علي جواد الطاهر والدكتور علي الوردي والدكتور يوسف العطار والدكتور جميل ثابت .
وكما اشرنا من قبل ، فإن الحكومة ساقت بعض هؤلاء الاساتذة الى المجالس العرفية ، واستحصلت على قرارات بوضعهم تحت مراقبة الشرطة ونقلت بعضهم الى مدن بعيدة فتعرضوا الى مخاطر صحية . ويقول عبد الرزاق الحسني ان الاستاذ عبد الرحمن البزاز كان من ضمن من نُفي الى تكريت وكان انذاك عميدا لكلية الحقوق وصدفة زارت العراق ( المس طومسون ) وهي صحفية اميركية تعرف البزاز منذ زيارته لاميركا فسألت عنه فقيل لها انه منفي ومتهم بالنشاط الشيوعي ، وكان كل من يعرض الحكم الملكي يتهم بالشيوعية أو ما كان يطلق عليه "الفكر الهدام " ، والبزاز معروف بأنه قومي عندئذ اضطر وزير المعارف خليل كنة الى السفر الى تكريت ليعيد البزاز الى بغداد وصحبه بعد هذه الفضيحة خوفا من ان تتناقل الخبر الصحف الاجنبية .ومع هذا فقد كان لاعتقال الاساتذة صدى كبيرا في خارج العراق فضلا عن الداخل .
في محاضر جلسات المحكمة العسكرية العليا الخاصة (محكمة الشعب ) وعند محاكمة خليل كنة وزير المعارف في وزارة نوري السعيد 15 الحادية عشرة ، والتي تكونت في 15 ايلول 1951 واستقالت في العاشر من تموز 1952 ، وفي وزارة جميل الدفعي السادسة التي تشكلت في 29 كانون الثاني 1953 واستقالت في 5 ايار 1953 وجهت الى خليل كنة تهمة انه كان له النصيب الاوفر في إفساد السياسة التعليمية في العراق ، وجعل وزارة المعارف بؤرة من بؤر التجسس ، وشراء الذمم وذلك من خلال تسليطه الشرطة المدججين بالسلاح ،وأريقت دماء الاساتذة والطلاب ، كما أهينت كرامتهم ، واقتيد المئات منهم الى السجون والمعتقلات ، وتعرض الكثيرون للفصل إذ بلغوا (149 ) استاذا و (3554 ) طالبا كما تبنى خليل كنة وزير المعارف سياسة التفرقة الطائفية والعنصرية " .
وقد دافع خليل كنة عن نفسه ، وقال انه عني بالتعليم بكافة مراحله وخاصة التعليم العالي ، لكن سامي باشعالم نائب الموصل في مجلس النواب وحسب ما ذكره عبد الرزاق الحسني في كتابه :"تاريخ الوزارات العراقية "قال في محضر جلسة مجلس النواب اجتماع 1955-1956 ان خليل كنة أدخل التجسس الى الكليات والمدارس ، وكانت الكليات تتلقى منه الاوامر مباشرة وخاصة فيما يتعلق بفصل الطلبة من الكليات ، وقال النائب عبد المهدي المنتفكي : أن خليل كنة وزير المعارف كان يريد قصر التعليم العالي على فئة خاصة من المرموقين والمقربين . واجاب خليل كنة قائلا : انه كان يدعو الى السياسة التعليمية السليمة التي تتيح للكفء أيا كان ان يتدرج بحسب كفاءته . وقال نائب الكوت عبد العزيز الخياط : ان من نتيجة ادخال التجسس في المدارس والكليات ان تردت اخلاق بعض الطلاب ؛ فأصبحوا لايطيعيون الاساتذة والمدرسين .
خليل كنه ونوري السعيد :
ان العلاقة بين خليل كنه ونوري السعيد ليست علاقة عادية فنوري السعيد –كما يقال – كان ينظر الى خليل كنه على انه خليفته وفي حديثه وحواره مع الصحفي الاستاذ رشيد الرماحي اشارة صريحة الى هذه العلاقة التي مرت بمراحل ابتدأت جيدة لابل ممتازة وانتهت سيئة الى درجة ان خليل كنه قرر اعتزال السياسة للتخلص من تبعات علاقاته بنوري السعيد .في الحلقة الثالثة من الحوار الذي اشرنا اليه وجرى في شقة خليل كنه بالصالحية ونشرت في جريدة (الاتحاد ) البغدادية العدد 131 في 19 تموز 1989 عنون الصحفي علاقة خليل كنه بنوري السعيد هكذا :" قصتي مع نوري السعيد ..لاحقني ..اهملني ..إختار زوجة لي وصرت نائبا في عهده " ومما جاء في هذه الحلقة ان علاقة خليل كنه بنوري السعيد ظلت مثا جدل ونقاش لسنين طويلة والى ما قبل ثورة 14 تموز 1958 بشهور عندما تمرد خليل كنه على (الباشا ) وتحول من سياسي موال للسلطة الى معارض عنيد لها فدهش السعيد لهذا الانقلاب المفاجئ في حياة الشاب الذي رعاه واختار له زوجة دفع مهرها من جيبه الخاص واعده ليكون خليفته في مقبل الايام .
ولكن كنه الذي بدأ حياته السياسية كما سبق ان قدمنا بدأ حياته دمقراطيا مع جماعة ( الاهالي ) واستقلاليا مع محمد صديق شنشل وفائق السامرائي ( حزب الاستقلال ) وسعيديا ( حزب الاتحاد الدستوري ) قرر في اواخر ايام العهد الملكي ان يظهر امام الرأي العام العراقي مستقلا برأيه وحسب قناعاته فأعلن اعتزاله السياسة ونشر ذلك في الصحف ولزم داره .
ويبدو ان بعض الامور استجدت فأهل مدينته (الفلوجة ) جاؤوه بعشرات السيارات والتمسوا منه ترك فكرة الاعتزال والترشيح للانتخابات فإستجاب ورشح نفسه مستقلا وفاز بالتزكية ودخل مجلس النواب في آخر دورة انتخابية له تحديا لنوري السعيد وبدون دعمه .ولم يكتف خليل كنه بأن اصبح نائبا تحت قبة البرلمان بل صار يمطر اعضاءه الذين كانوا بالامس القريب حلفاء له بوابل من الاتهامات والانتقادات الشديدة التي وصلت الى الحد الذي بشرهم فيه باليوم الموعود والقريب الذي سيحاسبهم الشعب فيه على ما اقترفوه من جرائم .وما هي الا اشهر قليلة حتى تحققت نبوءته فإذا الثورة تندلع فيقتل نوري السعيد وينتقم الشعب منه جراء اعدامه العقداء الاربعة الذين قاموا بثورة مايس 1941 واعدامه فهد ورفاقه الثلاثة .اعتقل عدد من اركان النظام الملكي وهرب آخرون الى خارج العراق .
اما خليل كنه فكان مصيره مع مصير من القي القبض عليهم من اركان النظام الملكي الا عتقال وقد قدم الى المحكمة العسكرية العليا الخاصة (محكمة الشعب او محكمة المهداوي كما صارت تسمى شعبيا ) وحوكم بتهم عديدة وصدر الحكم عليه بالسجن (65 ) سنة لم يقض منها الا القليل جدا فأطلق سراحه وسافر الى بيروت وفي الثمانينات وعندما بلغ من العمر (79 ) سنة عاد الى بغداد وسكن في شقة متواضعة في الصالحية .
ولكن كيف بدأت علاقة خليل كنه بنوري السعيد ؟ سأله الصحفي البارع الاستاذ رشيد الرماحي فأجاب قائلا وبلهجة شعبية محببة :" من زمان نوري كان مخلي عينه علي ..وين ما يشوفني يحب يتعرف علي " واردف قائلا :" واذكر مرة انني حين تخرجت من الثانوية اتصل نوري السعيد بعمي المرحوم عبد المجيد كنه وقال له بالحرف الواحد (آني سأرسل صائم العسكري وغازي الداغستاني الى انكلترا لدراسة الهندسة على حساب الحكومة ..خلي ابن اخوك يروح وياهم ) . يقول خليل كنه انه رفض ذلك واختار الدراسة في كلية الحقوق ببغداد وعندما قام بتأسيس النادي الاولمبي الرياضي مع زملاء عديدين له كواجهة قومية ودعوت بعض اعضاء نادي بردى السوري لاجراء مباريات ودية بكرة القدم والمصارعة انتهز السوريون من اعضاء النادي المذكور وفاة المرحوم ياسين الهاشمي فأقاموا حفلا تأبينيا له حضره نوري السعيد والقى كلمة فيه وبعدها دعا اعضاء النادي الى حفل عشاء اقامه في بيته واضاف خليل كنه يقول :" استغربتُ الامر اذ ان الدعوة وجهت اليهم مباشرة وكان المفروض ان تتم عن طريقي فلم احضر الحفل بل ذهبت الى نادي الشباب الذي كنا قد اسسناه ايضا وامضيت وقتا بين اعضائه واذا بالهاتف يرن ... رفع احدهم السماعة وجاءني مسرعا وهو يقول (يريدوك بالتلفون ) وعندما تناولت السماعة سمعت نوري السعيد يقول لي :
- وينك انت ؟
-قلت له :"انت دعيتهم ومدعيتني آني ارسلتهم الك وكعدت بالنادي "
- قال مستغربا : " هم ضيوفك ! "
- اجبته : " اذا هم ضيوفي لماذا وجهت الدعوة لهم مباشرة واهملتني ؟ "
قال محاولا تلطيف الجو : " احنا مراح ناكل اذا ما تجي "
ويمضي خليل كنه لمتابعة ما حدث خلال العشاء في بيت نوري السعيد وبينما كان منهمكا في تناول الطعام اذا بنوري السعيد يقترب ويهمس في اذن خليل كنه :" يبين انت مناسي " قلت له :"لا والله باشا مو ابالي " وكان نوري السعيد يقصد تذكير خليل كنه بأنه كان مع جماعة الاهالي وانه عارض معاهدة 1930 التي عقدت يوم كان رئيس الوزراء وان خليل كنه سجن مع عدد من اعضاء جماعة الاهالي .
ويتناول خليل كنه حادثة اخرى عندما اعترض نوري السعيد طريقه وهو يتجه الى مجلس الوزراء فقال له :
- "اشو انت متدعيني للنادي مالكم ؟ " يقصد النادي الاولمبي
-قلت له : اتفضل
- اجاب " انت داعيني وآني ماجيت "
من هنا يقول خليل كنه ان كل معرفته بنوري السعيد كانت عادية حتى حلت سنة 1946 فقام بتأليف وزارة جيدة اشترك فيها محمد حديد عن الحزب الوطني الدمقراطي وعلي ممتاز الدفتري عن حزب الاحرار وبما ان هذين الحزبين كانا من معارضي سياسة نوري السعيد فقد انتهزتها فرصة –يقول خليل كنه – وكتبتُ مقالا افتتاحيا في جريدة (البلاد ) لصاحبها روفائيل بطي انتقدت فيه مشاركة الحزب الوطني الدمقراطي وحزب الاحرار في وزارة نوري السعيد اثر استقالة وزيريهما واعلانهما ان نوري السعيد زور الانتخابات وقال خليل كنه انه قال في مقاله ان مشاركة حديد والدفتري في الوزارة السعيدية كانت بمثابة تزكية لها ،وان حجتهما قد سقطت بعد مشاركتهما المسؤولية وان الناس لن تصدقهما بعد الان لانهما يعرفان نوري السعيد وسياسته والطريقة التي تجري فيها الانتخابات ! .
ويبدو ان المقال اعجب نوري السعيد ومن اجل فضح خصومه عقد مؤتمرا صحفيا وتلقى خليل كنه مكالمة هاتفية من سكرتير مجلس الوزراء قال له فيها :
- الباشا يدعوك لحضور المؤتمر الصحفي
يقول خليل كنه :
-استغربت وقلت له :" بس آني موصحفي "
- اجابني :يقول الباشا :" خل يجي هو احسن من الصحفيين "
وعنها اضطر خليل كنه للذهاب وحضر المؤتمر الصحفي وكن يعلق بين حين وآخر على استفسارات الصحفيين حتى " صرتُبعد ذلك احضر واشارك واناقش في معظم مؤتمراته الصحفية " .
كان نوري السعيد رئيسا للوزراء سنة 1946 وخلال تلك السنة تقدم خليل كنه للترشيح للنيابة لاول مرة عن منطقة الفلوجة لان ولادته كانت فيها واهله وعشيرته هناك وفاز بيسر وسهولة وفي يوم من الايام جاءه (فراش ) مجلس الاعيان ليقول له ان نوري باشا يريده فذهب اليه وخرج عليه من المجلس ووقف معه امام السلم وسأله :
- " يكولون انت خاطب فلانه "
- اجبته :" لا آني ما عندي فكرة عن الموضوع "
قال :" زين آني حبيت اعرف رأيك بالموضوع "
يقول خليل كنه :
- "وذهبت ُ الى اهلي واخبرتهم بالموضوع فقرروا زيارة اهل الفتاة وتم ذلك فعلا وتبين لي بعد ذلك ان ام الفتاة رشحتني لذلك لاني كنت صديق صائم العسكري وزوجتي فيما بعد كانت من بيت العسكري وبعد ان رأتني معه اي مع صائم ذهبت الى توري السعيد وثالت له :" خلي خليل يخطب بنتي " وعندما ارسلت المرحوم عمي (حميد كنه ) يقول خليل كنه ليفاتح السعيد رسميا بالخطبة قال له :
- " والله لو عندي ابنيه آني انطيها لخليل "
وذهب نوري السعيد الى الامير عبد الاله الوصي على العرش ودعاه لحضور عقد قران خليل كنه في بيته يقول خليل كنه :" واذكر القاضي عندما سألني وهو يتم اجراءات عقد القران :" هل دفعت المهر المؤجل ارتبكت وسكت على مضض لاني لااستطيع قول لا او نعم فيه فإذا بنوري السعيد ينقذني من ورطتي قائلا :"أي دفع " فأكبرتُ فيه هذه المبادرة لانه انتشلني من احراج كبير وبعدها توطدت ْ علاقتي معه كثيرا " .
كان لخليل كنه ملحوظات على نوري السعيد ابرزها انه لم يعط الشباب حقه .كان لايتقبل فكرة تغيير الوجوه واحلال العناصر الشابة بدلها تفاديا لما كان يجري وراء الستار من تكتل العناصر المناوئة للحكم وفي مقدمة هؤلاء الضباط الاحرار "كان ايمان نوري السعيد –والكلام لخليل كنه وهو يتحدث مع الصحفي رشيد الرماحي جوابا على سؤال - بالشباب وقدرتهم على التغيير شبه مستحيلة لذلك استطاع خصومه داخل العراق وخارجه عزله عن الشعب وهذا ما يفسر سهولة وقوع ثورة 14 تموز 1958 " .
قال خليل كنه :" كانت النقطة الاولى التي اخذتها على سياسة نوري السعيد ايمانه المطلق بالعرش الهاشمي وضرورة دعمه والولاء المطلق له " .مرة ذهب خليل كنه يوم كان وزيرا للمالية ووكيلا لوزارة المعارف بجولتين تفقدتين الاولى شملت لواءي الديوانية والمنتفك والاخرى لواء الدليم وعند العودة استدعاه نوري السعيد وقال له بالحرف الواحد :" لاتفكر بأن تكون زعيما لهذه البلاد ،وارجو ان توجه كل جهودك لتدعيم العرش الهاشمي والولاء المطلق له لانه الجهة الوحيدة التي ارتضاها الشعب العراقي بكل فئاته " .ويبدو انه كان وراء هذه النصيحة الشيخ سوادي الحسون الذي اتصل بالامير عبد الاله واخبره ان كل الهوسات الاهازيج التي استقبلت خليل كنه كانت له وحده دون غيره .
يضيف خليل كنه الى ذلك قوله :" كان نوري السعيد معتزا بآرائه ويرى في كل من يتعاون معه ان يعمل ضمن هذه الاراء واذا ما فكر احدهم بمخالفة رأيه واجتهاداته فلا يطيقه بل لايتحمله .اضافة الى ذلك انه كان لايؤمن بالدعاية لشخصه او فترة حكمه ويرى في صرف المبالغ عليها عبثا لامجال للتساهل فيه " .
من هنا يقول خليل كنه انه حرص على ان يوجه رسائل تحذيرية الى نوري السعيد " سبقتها احداث اذكر منها يوم صدر قانون تطهير موظفي الدولة سنة 1956 وقد اوضحت رأيي فيه عبر حديث صحفي نشرته جريدة (الزمان ) البغدادية لصاحبها توفيق السمعاني قلت فيه ان اصلاح الوضع السياسي لايتم عن طريق قانون تطهير موظفي الدولة فقط انما يجب ان يشمل السياسيين ايضا واطالب بغجراء التحقيق مع نوري السعيد اولا ومعي ثانيا وقد نشر الحديث فعلا ولكن في اليوم التالي على نشره ظهر تعليق قالت فيه (الزمان ) اننا لانشك بنزاهة خليل كنه وكفاءته الخاصة فوق كل اعتبار .كما رافق هذه الفترة قيام المعارضة داخل مجلس النواب بهجوم على بعض رموز النظام طالت عبد المجيد محمود لاتهامه بالرشوة وعدم النزاهة حين كان وزيرا لمجلس الاعمار وقد جاءني وقال لي :
-آني شمسوي ؟
- قلت "فاتك القطار ،كان لازم عليك ان تقوم وتطالب بتشكيل لجنة تحقيقية وتطرح عليها ما فعلته " .
كما اثيرت اتهامات اخرى تناولت الدكتور محمد حسن سلمان وزير الصحة وشاكر الوادي وزير الشؤون الاجتماعية .
يقول خليل كنه : أنه قرر بعد إتهام هؤلاء الوزراء بكتابة رسائل الى نوري السعيد شرح فيها الوضع الداخلي ونبهه الى ضرورة التغيير مادامت القضية تتعلق بنزاهة وزراء محسوبين عليه .
يذكر خليل كنه بما اشار اليه بعض المؤرخين ومنهم الاستاذ الدكتور فاضل حسين والاستاذ الدكتور مجيد خدوري من ان السفارة البريطانية في بغداد تنبهت الى الوضع في العراق وطالبت هي الاخرى بالتغيير امتصاصا لنقمة الشعب ولكن دون فائدة وثمة وثيقة تشير الى ان صموئيل فول السكرتير الشرقي في السفارة تلقى امرا من مسؤوله السفير البريطاني بزيارة نوري (باشا ) في داره ومفاتحته بهذا الامر وعندما التقاه يقول صموئيل فول وتحدثت معه أدار (الباشا ) وجهه نحو شباك الغرفة التي كانت تجمعنا ولم يجب على استفساراتي بإي شيءمما عجل بخروجي دون نتيجة ! .
ومن هنا يظهر واضحا (والحديث مازال لخليل كنه ) ان النظام الملكي كان ينحدر بسرعة وان الشعب العراقي بمختلف اتجاهاته كان ضد الحكومات وان وزارة احمد مختار بابان التي سبقت ثورة 14 تموز بشهور ساهمت في ذلك الى حد بعيد في تجسيد الكراهية للحكم ودون ان تتخذ اجراءات لوقف هذا الانحدار وكان لابد ان يأتي يوم قريب يطيح بالنظام ورموزه وتأتي وجوه جديدة تحكم البلاد وهذا ما تم في 14 تموز 1958 .
تحدث خليل كنه عن دور العشائر العراقية في تاريخ العراق السياسي وقال ان نوري السعيد كان ضد استخدام العشائر وكذلك جعفر العسكري والملك فيصل الاول نفسه كان يود الاستعانة بالمثقفين والمتنورين في بناء العراق وادارته بعيدا عن العشائر واستخدامهم كورقة ضاغطة بيد السياسيين .
حول بداية الخلاف بينه وبين نوري السعيد قال خليل كنه :" كانت نوري السعيد يرى انه الحاكم المطلق ونحن ادوات شطرنج هو ( يحضرنه ويوجهنه ) ولابد ان نطلب رضاه دائما ولكن اذا اخذنا حرية الرأي فلا ! والحقيقة انه وظف كل امكانياته ودسائسه لابعادي عن المسرح السياسي آخرها يوم وافقت الحكومة على اعادة النظر في قانون تنسيق موظفي الدولة .وكان المفروض على وزير العدلية (العدل ) ان يذهب الى لجنة قراءة هذه اللائحة في مجلس النواب وفوجئت بالوزير يرفض الذهاب الى المجلس ويبدو ان ذلك تم بالاتفاق مع احمد مختار بابان وكان يومها يشغل منصب نائب رئيس الوزراء فطلب بابان ان اشارك في مناقشة اللائحة بدلا من وزير العدلية .قلت لبابان :
-انت تعرف ان النواب حين يأتون لمناقشة لائحة ما يتوخون اجراء تغييرات جذرية فيها خدمة لمصالحهم ومصالح اقربائهم واصدقائهم فما هو موقف الوزارة من هذه الطلبات ؟
- اجاب بابان :" احنا من حيث المبدأ قبلنا اعادة النظر بقانون تنسيق موظفي الدولة " .
وعلى هذا الاساس يقول خليل كنه انه وافق على المشاركة في المناقشة "لكني عرفت في ما بعد ان احمد مختار بابان اخبر نوري السعيد ان خليل كنه وافق على ادخال تعديلات جوهرية على القانون :قانون تنسيق موظفي الدولة وتطوع عبد الله القصاب ليزيد الطين بلة حين قال للسعيد ان خليل كنه غير كل ما جاء في القانون من اوله الى آخره .وقد ثار نوري السعيد و(زعل علي ) اي على خليل كنه وكانت المناقشة حادة معه " .
يفصل خليل كنه في موضوع (زعل ) نوري السعيد فيقول ان نوري السعيد استدعاه الى مكتبه فقال له خليل كنه :" لااتكلم قبل ان تستدعي احمدمختار بابان وتسأله من ارسلني الى هناك " فرد عليه غاضبا :" انتَ تابع لاحمد لو لي ..ليش متكلي ؟"
- رددت عليه : احمد مختار بابان نائب رئيس وزراء وانت الرئيس وما شفت اي ضرر لما آخذ توجيهات منه
- قال : ما اقبل
- قلت :"طيب آني استقيل اذا انت متقبل "
- قال :" روح للامير وقدم استقالتك "
اجبته :" لويش الامير ..آنا مسؤول امامك ..انت استوزرتني وانا مسؤول امامك بحكم الدستور ..آني الك اخبرك آني مستقيل ".
يعلق خليل كنه ويضيف الى ما قاله بشأن الاستقالة واعتزال العمل السياسي ان نوري السعيد اجرى آخر انتخابات سنة 1957 بعد ان اصبح رئيسا لوزراء الاتحاد الهاشمي مع الاردن وبموجب هذه الانتخابات قضى على اكثريته فيها فجاء بمجلس صار العوبة بيد الامير عبد الاله مما دفعني –يقول خليل كنه – الى اعتزال السياسة زكتب ذلك ونشرت جريدة (العمل ) للدكتور محمد فاضل الجمالي نص ما كتبه واصبحت زيارة خليل كنه لنوري السعيد نادرة منذ سنتي 1957-1958 حتى قامت ثورة 14 تموز 1958 .
وبعد اعتزاله السياسة ويقصد المناصب الحكومية اضطر كما يقول للترشيح للنيابة وجاء ذلك بعد الحاح ابناء واهالي بلدته (الفلوجة ) الذين جاء وفد منهم مؤلفا من شيوخ عشائر واهالي تحملهم 30 سيارة الى بغداد وطلبوا منه الترشيح للمجلس النيابي وعند وصوله مشارف الفلوجة وجد ان اكثر من خمسين سيارة تنتظره وشعر لاول مرة كما يقول " ان الجميع يريدونني نائبا عنهم وعندما فزت وحضرت جلسات المجلس صرت معارضا لكل رموز النظام والاغلبية الساحقة من المؤيدين لنوري السعيد وفي مقدمتهم احمد مختار بابان وسعيد قزاز " . والغريب انهم اتصلوا بنوري السعيد وقالوا له "خليل كنه صار وطنيا " وبالفعل جاء نوري السعيد في اليوم التالي الى مجلس النواب " وقرأ خطابي من مضبطة المجلس فإستغرب ذلك وظل العداء بيننا قائما حتى وقعت الثورة " .
يرد على من قال ان خليل كنه خليفة نوري السعيد ويضيف ان هذه اشاعة "فأنا منذ سنة 1957 اختلفت مع نوري السعيد ولزمت داري ومنذ تشكيل وزارة الدكتور محمد فاضل الجمالي سنة 1953 (شلت علم ضده ) والامير عبد الاله كان لايحبني ..كليف اصير خليفة لنوري السعيد بعد كل هذا " مرة ودعني السفير الايراني بعد دعوة حضرتها في السفارة الايرانية قائلا :" في امان الله رئيس الوزراء المقبل " فقلت له معاتبا ان ما يسمعه مجرد اشاعة ارجو ان لايصدقها فرد علي :" كل الناس يعتبروك خليفة لنوري السعيد " .
وعن اسرار تأسيس نوري السعيد لحزب الاتحاد الدستوري قال خليل كنه :" ان نوري السعيد لايؤمن بالاحزاب ويرى ان الحزبية تقيده وهو لايعير للرأي العام أي اهتمام ويعتبر الشعب العراقي (قاصر ) وهو قيم عليه ويجب ان يربيه " . كان نوري السعيد لايحب الصحافة والصحفيين ولايريد الدعاية لنفسه وما ان تنتهي مسؤوليته وتستقيل وزارة يجلس في بيته وله راء في مسائل كثيرة منها مثلا رأيه في (الحياد الايجابي وعدم الانحياز ) ورأيه بتأميم النفط ) .قال مرة لخليل كنه وهو يسأله عن وجهة نظره في تأميم النفط :" خليل النفط مؤمم وهو في باطن الارض وتبقى قضية استخراجه وتسويقه اذا كانت لدينا قابلية استخراجه سنقوم بذلك وعندما يتعذر علينا الامر نستعين بالاخرين ليتولوا استخراجه وبيعه ونقبض الثمن دون وجع راس " .
اما وجهة نظره في سياسة الحياد الايجابي وعدم الانحياز فتقوم على انه لايؤمن بها " لان العالم كله اليوم يقوم على مبدأ القوة ويوم اكون حياديا لابد ان امتلك سيفا بتارا ذا حدين احمي به بلادي من عدوي القادم من الشرق او الغرب وبما اني عاجز عن ذلك فسياستي لن تتغير (وخلي الناس يسبوني ) .
كان نوري السعيد لايقدم على عمل او قول الا اذا كان مؤمنا به .
خليل كنه والامير عبد الاله
وعن علاقته بالامير عبد الاله الوصي ثم ولي العهد قال خليل كنه انه لم يكن يرتاح اليه وانه عاتبه على ان الدكتور عبد الجبار الجومرد يناديه في البرلمان يا صديقي وانه لم يدافع عن وزارة الدكتور فاضل الجمالي فرد ان وزارة الجمالي مؤلفة من دكاترة ولاتحتاج لمن يدافع عنها وقال مرة وجهت سؤالا للامير عبد الاله وقلت له لماذا اخترت انت الدكتور الجمالي ولم تترك لحزبنا (يقصد حزب الاتحاد الدستوري ) ترشيحه وان فشل فنحن نتحمل فشله لاننا حزب سياسي فرد الامير :" حاولت احبك مكدرت ْ" و" غدا واجهوا الملك فإني انسحبت من الموضوع " .
وقال كنه للامير عبد الاله :"بعدين آني شنو ذنبي اذا قام احد النواب وهاجم الجمالي ووزارته " .كان الامير عبد الاله عنيدا وانهزاميا بطبعه يحب الحكم وعندما تتأزم الامور يهرب وهو المسؤول الاول عما حدث في العراق من تدهور الاوضاع وفساد الحكم كما انه عدو للمثقفين وبصريح العبارة كان حقودا وملولا يطمع بالسلطة عندما تكون الاجواء هادئة فإذا تعكرت اصيب بعدم القدرة على اتخاذ القرار" .ويضرب خليل كنه الكثير من الامثلة على ماقال ومنها طريقة عبد الاله في مواجهة (انتفاضة تشرين 1952 ) عندما جاءه الفريق الركن نور الدين محمود رئيس اركان الجيش وقال له :" سيدي المتظاهرين يصعدون على الدبابات ويهتفون للجيش ويسبون الحكوم ..انطوني سلطة حتى اقضي على المتظاهرين " فرد عليه الوصي :"انطيتك سلطة روح اقضي على المتظاهرين " فإلتفت اليه مصطفى العمري قائلا له :هو رئيس اركان جيش ماعنده صلاحية للتدخل في القضايا الداخلية ..هاي من صلاحيات المتصرف فإذا تريد ان تعطيه صلاحيه سويه رئيس وزراء " فرد عبد الاله :" زين سويتك رئيس وزراء " وصدرت الارادة الملكية بتشكيل وزارة نور الدين محمود والذي قام بإعلان الاحكام العرفية وتوقيف عدد من المسؤولين عن المظاهرات .وعندما انتهت الازمة واستقرت الامور كان من المنتظر استقالة وزارة نور الدين محمود وفي هذا الوقت استحق نور الدين محمود الترفيع وقصد الامير للتوقيع على الارادة وطلب الامير التريث في الامر غير ان نور الدين محمود اصر على توقيع الارادة حالا فإمتعض الامير وظل يردد ويستغيث امام نوري السعيد :"آني خايف من نور الدين " فقال له السعيد :"بسيطة " وهنا اتصل نوري السعيد بالهاتف مع نور الدين محمود قائلا له ان ارادة ملكية صدرت بتعيينك عضوا في مجلس الاعيان ففهم نور الدين الامر واستقال وداوم في مجلس الاعيان .ومن هنا يقول خليل كنه نجد ان الوصي كان قادر على اتخاذ الاجراءات المناسبة في الوقت المناسب .
وجهة نظر خليل كنه بالانتخابات النيابية :
وعن الانتخابات النيابية في العراق وتدخلات الحكومة فيها ابان العهد الملكي يعترف خليل كنه بالتدخل فيقول :" نعم تدخلنا لصالح الاكثرية ولنضمن وصول المثقفين الى المجلس " .واضاف :" ان الحكومة اذا ارادت ان تفرض شخصا ما وتجعله نائبا فإن المرشح الاخر المنافس له لايستطيع المقاومة فيقبل بالهزيمة دون ان تمس كرامته " وايد خليل كنه من يقول ان هذا التدخل السافر كان احد العوامل الرئيسة في تفجير ثورة 14 تموز 1958 وقال :"ان مفوض شرطة خارج بغداد كان بإستطاعته ان يرجح كفة مرشح على آخر وعلى هذا الاساس فإن الحكومات المتعاقبة في العهد الملكي لم تترك الانتخابات حرة بل تدخلت اكثر من مرة لتضمن مجيئ عناصر مؤيدة ومثقفة " ويعزو ذلك الى ان الوعي الجماهيري كان غائبا .
ويضرب خليل كنه بعض الامثلة ومنها انه اثناء قيام وزارة نور الدين محمود ارسلنا على (خيون العبيد وهو من شيوخ الناصرية ) وطلبنا منه الترشيح فقال لنوري السعيد :" ميخالف بس لازم اسوي حلف مع رؤساء العشاير لو ما ارشح " فقلنا له :" لا احنه منقبل ..احنه دائما نفرض على العشاير بعض المثقفين لأن في المجلس لجانا تتطلب الدراية والكفاءة " قال :" زين اتفقنا " ولكن بعد التي واللتيا قال لنوري السعيد :" خلي الامير يكلي " وهنا فقد نوري السعيد صوابه فزجره قائلا :" انت متستحي ليش خليتني احجي كل هل مدة اذا كنت تعنقد ان الامير ميرضه " .
ويستدرك خليل كنه ليقول للصحفي الاستاذ رشيد الرماحي :" ماذا تنتظر من هذا الوضع داخل بغداد وخارج بغداد اذا كان ممثلوه على هذا الشكل واذكر ان نوري وقف مرة بين النواب داخل مجلسهم وخاطب المعارضة قائلا " استقيلوا اذا كانت لكم شعبية خارج المجلس " واعتقد انه بكلامه هذا كان يتحدث بواقعية ويعترف بالتدخل في الانتخابات لأن طبيعة الوضع القائم انذاك وضمان المصلحة العامة كانتا تتطلبان التدخل ..لكن الشيء الذي يؤاخذ عليه رجال الحكم في العراق انهم ما كانوا يؤمنون بالدمقراطية ولم يحاولوا توعية المواطنين على الشعور بالمواطنة بدلا من الشعور بالعشيرة او المحلة "هذي مصارت مع الاسق الشديد " .اما المعارضة فكانت تطالب بإجراء الانتخابات بشكل مباشر وهذا غير ممكن في البداية لان اللواء (المحافظة الان ) كان منطقة انتخابية واحدة وكانت الاصوات تأتي من خارجه لتحقق فوز فلان وفلان وبعد ذلك تطورت بغداد فصارت فيها 13 منطقة انتخابية بمعنى ان كل 3-4 محلات اصبحت منطقة انتخابية وعندما جاءت وزارة نور الدين محمود تحقق مطلب المعارضة في الانتخاب المباشر لكن المشكلة لم تحل مادام الوعي قد ظل غائبا .
خليل كنه وملوك العراق
كان لخليل كنه رأي في ملوك العلاتق الثلاثة السابقين فرأيه في الملك فيصل الاول 1921-1933 انه كان محبوبا من العراقيين ومحترما منهم وكان العراقيون يقدرون دوره وحصافة مواقفه وسياسته ولما مات حظي بتشييع شارك فيه العراق كله ولايزال باقيا حيا في ذاكرة العراقيين .
اما الملك غازي 1933-1939 فلم يكن مؤهلا للملوكية لكن الشعب كان يحبه لانه يكره ويشتم الانكليز المستعمرين .
ويبقى الملك فيصل الثاني 1953 -1958 الذي لم تسنح له الفرصة كي يحكم او يمارس مسؤولياته لان خاله الامير عبد الاله تولى تربيته على ان يكون مسلوب الارادة فهو والحالة هذه لايصلح الا ان يكون رب عائلة يشرف على تربية اولاده في ظل تعيين رئيس وزراء (عاقل ) يعمل بهدوء فيوافق الملك على ذلك .
خليل كنه عند قيام ثورة 14 تموز 1958
عندما قامت ثورة 14 تموز 1958 وكان يوم الاثنين كان خليل كنه في بيته يحلق ذقنه فجاءه اخيه ابراهيم كنه واخبره بقيام ثورة وبعدما تأكد ارتدى ملابسه على عجل وذهب الى بيت شقيقته في الاعظمية وعند المساء فوجئ بحضور العقيد وصفي طاهر وثلة من الجنود يطوقون الدار وكان العقيدوصفي طاهر مرافقا لنوري السعيد وبعد الثورة صار مرافقا لقائد الثورة الزعيم الركن عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة 1958-1963 وهو يعرف خليل كنه معرفة دقيقة ويعرف علاقته بنوري السعيد . يقول خليل كنه انه دار بينه وبين العقيد وصفي طاهر الحوار التالي :
* قال وصفي : "وينه نوري السعيد ؟ "
- ما ادري
-اريد افتش الدار
-هذا بيت اختي
-هي هم اختي
وبعد تفتيش دقيق لم يعثروا على شيء فطلب وصفي طاهر من الجنود الانصراف وبقي هو ومعه بعض الحرس وجاءت سيارة عسكرية استقليتها معه وفي الطريق الى ثكنة وزارة الدفاع قال لي :" انت لاتتأثر لان عبد الكريم قاسم يريد يتعاون وياك " وسكت ولم أجبه .ويرى كاتب هذه السطور ان وصفي طاهر قصد ان الزعيم عبد الكريم قاسم يريد من خليل كنه ان يتعاون معه من اجل القبض على نوري السعيد .
في وزارة الدفاع وجد عددا ممن يعرفهم وجد محمد صديق شنشل الذي عين وزيرا للارشاد وجلال الاوقاتي الذي اصبح قائدا للقوة الجوية والعقيد الركن عبد الوهاب الشواف الذي قدم له سيكارة وقال له لاادخن وشكره ووجد العقيد الركن عبد السلام محمد عارف وقال انه لم يكن يعرفه وهو القائد الثاني للثورة وعين نائبا للقائد العام للقوات المسلحة ونائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للداخلية كما وجد العقيد عبد اللطيف الدراجي ويقول انه هو من قال ارسلوه الى المعتقل في معسكر الرشيد فأرسل .وفي المعتقل وجد عددا من المعتقلين الضباط والمدنيين وبعدها نقل الى سجن ابي غريب ومنها الى السجن المركزي وقدم للمحاكمة امام المحكمة العسكرية العليا الخاصة كما سبق ان قدمنا وحكم بما مجموعه (65 ) سنة يمكن ان تتداخل لتكون (20 ) سنة وبعد ان قضى فترة قصيرة افرج عنه وخرج من العراق وعاش في بيروت وهناك اصدر كتابه ) العراق ..أمسه وغده ) والذي قال عنه انه لايعده كتاب مذكرات انما يمكن القول انه كتاب استعرض فيه الفترة التي عاصر معظم سنيها منذ تأسيس الحكم الملكي سنة 1921 حتى قيام الثورة وسقوط النظام الملكي سنة 1958 ويعترف ان في الكتاب "هنات كثيرة فقد كتبته بعاطفة وكنتُ بعيدا عن الاحداث وواقع الحال ..بل تحاملت على الكثيرين واثبتت الايام عدم دقة موقفي وقد جر علي ذلك متاعب كثيرة فالكتاب منع وكثير من الناس الذين هاجمتهم كان بدافع الغضب و(زين منهم قبلوني ثانية ) وها وقد عدت الى بلدي : العراق لاعيش بسلام ولما عدت واطلعت على الاوضاع تألمت كثيرا مع نفسي لاني تجنيت عليهم لكن (اشلون اصلح غلطي ما اعرف ) .
واعتذر عن اعادة طبع كتابه (العراق ..أمسه وغده ) لانه من بدايته الى نهايته لايصلح ..انما الاصلح هو وضع مذكرات جديدة لااقدر على انجازها اليوم (1989 وعمره اذاك كان 79 سنة ) لاني بحاجة الى مراجعة البدايات :بدايات حياتي السياسية وما ته بعد ذلك فقد سعيت مثلا الىاصدار قانون الخدمة التعليمية يوم كنت وزيرا للمعارف وقانون الخدمة المدنية عندما كنت وزيرا للمالية وكل هذا يحتاج الى مراجع كثيرة ومراجعات اكثر وانا عاجز الان عن تحقيقها لعدة اسباب لعل في مقدمتها غياب من ييسر لي هذه المراجع ومع ان النية متوفرة –والحمد لله –الا انني كلما حاولت الكتابة تجدني اضع خطوة الى الامام واخرى الى الخلف ومع ذلك اطمح ان اعنون مذكراتي اذا ما كتبتها ب(قصة حياتي ) .
وللاسف لم يستطع خليل كنه وزير المعارف المزمن والنائب عن الفلوجة وصديق نوري السعيد والمقرب اليه ورفيقه في حزب الاتحاد الدستوري الاستقلالي السابق والسياسي والمثقف الوطني التقدمي في بدايات حياته وقبل ان ينغمس في بحر نوري السعيد ودسائس سياساته ان يحقق حلمه في كتابة مذكراته كما كان يشتهي ويرغب وبوفاته سنة 1995 عن عمر ناهز ال (85 سنة ) القى عبء تدوين وتوثيق قصة حياته على عاتق المؤرخين وانا اليوم ما كتبت دراستي هذه عن (خليل كنه : قصة حياة ) الا بدافع اعادة تشكيل حياة سياسي عراقي حاول ان يكون شيئا لكنه لم يستطع بسبب عدم اختيار الطريق الصائب في العمل السياسي واقصد طريق الرجال الوطنيين الذين التصقوا بقضايا شعبهم ووطنهم فحفظ لهم اهلهم مواقفهم لكن خليل كنه ابتدأ هكذا وانتهى ليكون تابعا لنوري السعيد ومنفذا لسياساته القمعية بحق زملائه من المعلمين والمدرسين واساتذة الجامعة فما ذكروا له موقفا يفخر به وما نسوا ما فعله بهم عندما فصلهم وقطع رزقهم وابعدهم عن عوائلهم واطفالهم واهان كرامتهم فإستحق ان لايحمد ولايذكر الا بالسيء من المواقف .
*الگاردينيا: نعتقد هناك خلل ما لكون الأسم تكرر مرتين!
1486 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع