الماسونية والماسونيون في العراق المعاصر
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس –جامعة الموصل
مع ان الاستاذ الدكتور علي الوردي عالم الاجتماع العراقي الكبير ، تحدث عن الماسونية والماسونيين في العراق،وقال أن أغلبهم وللفترة 1919-1958 ، بريطانيون ، والقليل منهم عراقيين إلا ان الدراسات العلمية تقودنا الى ان أول محفل ماسوني تأسس في العراق ، كان في مدينة البصرة سنة 1839 أي عندما كانت البصرة ، ولاية تابعة للدولة العثمانية .
وقد ذكرت ذلك جريدة "العرب " البغدادية في أحد أعدادها الصادرة سنة 1946 ، وقالت ان ( المستر مور) وهو أحد مؤسسي الماسونية في العراق ، هو من قال ذلك . وكما يقول جيل مونيه السكرتير العام لجمعية الصداقة الفرنسية –العراقية في مقاله الموسوم :" عودة الماسونية الى العراق " الذي ترجمه عن اللغة الفرنسية الدكتور عبد الاله الراوي ، ووجدناه في "شبكة أخبار العراق INN " ومواقع اخرى، فإن ذلك تم من خلال المنظمات السرية، ومنها جمعية تركيا الفتاة ، والتي كانت على صلة بالحركة الماسونية العالمية
وشكلت القاعدة الاساسية للانقلاب على السلطان العثماني عبد الحميد الثاني 1876-1909 وخلعه سنة 1909 .
وهناك من قال ان بدء تأسيس الماسونية في العراق يرجع الى سنة 1917 ، وهي السنة التي احتل فيها الغزاة البريطانيون بغداد . ويذكر العميد المتقاعد الاستاذ خليل ابراهيم حسين في الجزء الاول من كتابه :"موسوعة ثورة 14 تموز 1958 " ، بغداد 1987 ، " ان الثابت وثائقيا ان اول محفل ماسوني تأسس في البصرة سنة 1918 هو محفل ( مابين النهرين) على يد الضباط والموظفين الذين دخلوا العراق مع الحملة البريطانية وبعدها " .
والماسونية منظمة سرية،وهي واجهة صهيونية تدعو الى الاخوة والمساواة وتهدف الى انشاء حكومة عالمية ، وهي ضد الاديان ولها أذرعها وواجهاتها ومنها نوادي الروتاري والليونز المنتشرة في كثير من بلدان العالم ومنها بعض البلدان العربية ومنها مصر والاردن .
ان ما هو مؤكد في الوثائق المتوفرة بين ايدينا ان المندوب السامي البريطاني ( السير هنري دوبس ) ، هو الذي وضع الحجر الاساس رسميا للمحفل الماسوني ببغداد في 25 تموز 1925 ، وان ( الكولونيل جاب لاوارد ) وهو ماسوني كبير كان الى جانبه ، وان رخامة مرمرية موضوعة في القاعة الرئيسية السرية في بغداد تثبت ذلك .
وهناك مصدر انكليزي يشير الى ازدهار الحركة الماسونية في العراق خلال الحرب العالمية الاولى ، وقد تعطلت الحركة الماسونية عند قيام ثورة 14 تموز 1958 وعثور قادتها في خزانات البنك المركزي العراقي على اسماء الماسونيين العراقيين.
وقد حرص الزعيم الركن عبد الكريم قاسم رئيس الوزاء والقائد العام للقوات المسلحة (1958-1963 ) على الاحتفاظ بها في دُرجه ، وعدم السماح بنشرها وأطلاع أحد عليها وقوله للعقيد الركن عبد السلام محمد عارف انه يخفيها منعا للبلبلة ؛ ففيها اسماء اطباء ومهندسين واساتذة جامعة ومسؤولين ليس من الحكمة نشر اسماءهم في تلك الظروف .
في بعض البلدان ومنها تركيا وبريطانيا كسر طوق السرية عن المحافل الماسونية ، وقد نشرتُ بحثا مطولا في مجلة "دراسات اجتماعية " التي يصدرها بيت الحكمة ببغداد قبل سنوات بعنوان :" دور الماسونية في الحياة الاجتماعية والسياسية التركية المعاصرة"(العددان 3و4 1999-2000)
جريدة العرب ( البغدادية ) قالت ان عدد المحافل الماسونية في العراق بلغ سنة 1946 (18 ) محفلا ، وورد في خطاب القاه ( المستر مور ) وهو أحد مؤسسي الماسونية في العراق أن تاريخ الماسونية في العراق قديم ، وأنه يرجع الى سنة 1839 وان عدد الماسونيين في العراق قد بلغ في الاربعينات من القرن الماضي قرابة (700 عضو) .وبذلك يُعد العراق من اولى الدول التي ابتليت بهذا الداء الخبيث .
وقد كتب عن الماسونية كثيرون منهم ستيفن نانت في كتابه الموسوم :" الاخوية الماسونية :العالم السري للماسونية " والذي ترجمه سعد الدين الحسيني .وللاستاذ نجدت فتحي صفوت بحث مهم نشره مركز الدراسات العربية في لندن سنة 1980 ضمن سلسلة "اوراق عربية " بعنوان :" الماسونية في الوطن العربي " .
وقد كتب سنة 1999 عن الماسونية في العراق احد الطلبة في كلية الهندسة وهو محمد فاروق البارودي بحثا ولدي نسخة من بحثه المدعم بالمصادر والصور والحقائق .
كما ان لدى الدكتور ذوقان قرقوط بحث جميل بعنوان :"الماسونية العربية " منشور في مجلة " قضايا عربية " العدد 9 -كانون الثاني 1975 يتحدث فيه ايضا عن الماسونية في العراق .
وقد كره العراقيون ( الماسونيين ) وكانوا يلعنونهم بقولهم "فرمصوني "دليل على القسوة والبشاعة ..وكلمة فرمصوني يعرف بها الماسونيين انفسهم وتعني "البناؤون الاحرار " بالانكليزية .
كان عدد الذين تضمهم القوائم التي عثر عليها في البنك المركزي بعد ثورة 14 تموز 1958 في العراق ( 150 ) عضوا ماسونيا ، وبدرجات مختلفة واغلبهم من الشخصيات المتنفذة
وقد كشفت المحكمة العسكرية العليا الخاصة (محكمة الشعب) أو محكمة المهداوي في واحدة من جلساتها ان الدكتور فاضل الجمالي وزير الخارجية ورئيس الوزراء الاسبق كان ماسونيا ،
وان نوري السعيد كان كذلك وكذلك برهان الدين باش اعيان وتوفيق السويدي من الوزراء ورؤساء الوزراء السابقون ولم يتم التحقق مما ذكر .كما وردت اسماء لاطباء ومهندسين واساتذة.
هناك معلومات اخرى عن الماسونية في العراق منها مثلا ان المجلة الماسونية المصرية اوردت في عدد لها صدر سنة 1922 ان (يوسف الحاج ) وهو صحفي لبناني هاجر الى العراق سنة 1922 وهو من أدخل الماسونية الى العراق .
يقول العميد المتقاعد خليل ابراهيم حسين في كتابه آنف الذكر انه بعد تأسيس ( محفل ما بين النهرين) في البصرة تأسست في البصرة محافل ثلاثة اخرى هي :
1.محفل بابل رقم 326 سنة 1922 والذي كان يعقد اجتماعاته في مقر شركة (اندروير) في العشار .
2.محفل صدق الوفاء الذي كان تابعا للمحفل الاكبر المصري .
3.محفل البصرة الرقم 5105 .
وتأسست في بغداد اربعة محافل :
1.محفل العراق رقم 4471 وهو خاص بالبريطانيين فقط وكان يعقد اجتماعاته في الدار المرقمة 39-217 والعائدة لشركة ( ستيفن لينج –بيت لنج ) والتي يملكها البريطانيان كولين ومالكولم لينج وكانت عضويته تقتصر على البريطانيين .
2. محفل الفيحاء رقم 1311 وتقتصر عضويته على العراقيين الذين لايحسنون اللغة الانكليزية وكانت اجتماعاته تدار باللغة العربية .
3. محفل بغداد رقم 4022
4.محفل دار السلام رقم 5277 .
وأسس العاملون في " القاعدة الجوية البريطانية في الحبانية " والمناطق المحيطة بها لهم محفلا برقم 7024 سمي ب(محفل دجلة ) .
ولما كان المعروف انه اينما حل الانكليز اقاموا محفلا ماسونيا .وبناء على هذه القاعدة ،أسس موظفو شركة النفط محفلا في (كركوك ) برقم 7079 كان يعقد اجتماعاته في مقر الشركة آنئذ .
وكانت جميع هذه المحافل في بغداد والبصرة وكركوك والحبانية ترتبط بالمحفل الاكبر الانكليزي ، ويستثنى من ذلك محفل (صدق الوفاء) .وكل تلك المحافل تعمل بإشراف (جمعية الاخوة ) التي تقوم بتنظيم اعمال المحافل وتوجيهها والاتصال بالمحفل الرئيسي في لندن ، والتي مقرها في بغداد ولها فرع في البصرة واسست ناديا لها في 14 تموز سنة 1934 تتوسطه مسلة نقشت عليها اسماء أربابهم واتباعهم ،ليكون واجهة اجتماعية .. ومؤسسوه الاوائل هم الضباط الانكليز وكان مقره في الكرادة الشرقية ببغداد العاصمة .
يقول جيل مونييه في مقالته آنفة الذكر:" لقد تم انشاء أول محفل ماسوني في العراق سنة 1917 بإسم " ميزوبوتاميا 3820 " ، و"محفل بغداد " سنة 1919 .
وفي الخمسينات من القرن الماضي ، تأسست تسعة محافل في العراق كانت محسوبة على " المحفل البريطاني الكبير " .فضلا عن "محفل الفيحاء " الذي كان يتبع " المحفل الاسكتلندي " .
ويظهر ان مجموعة كبيرة من الوزراء ، والنواب ، والشخصيات البارزة ، والضباط الكبار في العراق كانوا من الماسونيين ومنهم كما قلنا نوري السعيد والدكتور محمد فاضل الجمالي .
بعد ثورة 14 تموزسنة 1958 ،وقيام جمهورية العراق تم غلق جميع المحافل الماسونية في العراق ، مع جرد محتوياتها ، ومصادرة سجلاتها ، واتهامها بالتجسس والتعاون مع العدو الصهيوني .ويقول العميد المتقاعد خليل ابراهيم حسين في كتابه آنف الذكر وكان يشغل منصب معاون مدير الاستخبارات العسكرية انذاك :" عندما قامت ثورة 14 تموز 1958 اغلقت المحافل الماسونية ، والغت اجازاتها، ونقلت اوراقها، ودوسيهاتها (أضابيرها وملفاتها ) ومحتوياتها من جميع المحافل الى وزارة الدفاع .
أما " النادي الماسوني " في بغداد أي (نادي الاخوة ) كما كان يسمى ،فقد استلمت لجنة من المقاومة الشعبية بموجب كتابها المرقم 948 والمؤرخ في 5-5 سنة 1959 وموافقة الحاكم العسكري العام آثاثه ومحتوياته وكانت اللجنة مؤلفة من الرئيس مسعود عباس ، والملازم خالد علوش ، والملازم حكمت نقاش .
واضاف :" كان عدد العراقيين الماسونيين حسبما اتذكر لايتجاوز الاربعمائة عراقي ، ثلثهم من المسيحيين منهم اثنا عشر ارمنيا والثلثين الاخرين مسلمين ربعهم شيعة وثلاثة ارباعهم سنة منهم اثني عشر كرديا وثلاثة تركمان وليس بينهم ماركسيا واحدا .وكان من بين هؤلاء رئيس وزراء واحد ووزراء لايتجاوز عددهم العشرة وضباط لايتجاوزون الثلاثة وكانوا قد انتموا الى الماسونية عندما خدموا في البصرة وتركوا انتماءهم الماسوني عندما نقلوا خارجها .وكان من بينهم ايضا اطباء ومحامون وسفراء وموظفون كبار ومدراء عامون من جميع الوزارات ومتصرفون ومهندسون ونواب وحملة الشهادات العليا (الدكتوراه ) وتجار كبار وهم من سكان المدن ومن المثقفين وينتمون الى الطبقتين البرجوازية والعليا في المجتمع احتل بعضهم مراكز مهمة في الدولة .ولم يكن في هذه القوائم اسم لعامل أو فلاح أو إمرأة " .
يرى العميد المتقاعد الاستاذ خليل ابراهيم حسين إن انتماء الغالبية من هؤلاء ال (400) شخص الى الماسونية في العراق ، لم يكن عن عقيدة أو دراسة عميقة وانما كان الحافز وراء ذلك : المظهر والطموح للوصول الى المراكز المهمة في الدولة مادام الانكليز هم من يسيطر على البلد ، وكانوا وراء تأسيس هذه المحافل .
لقد عرضت مديرية الاستخبارات العسكرية القوائم على قائدي الثورة الزعيم الركن عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والعقيد الركن عبد السلام محمد عارف نائب القائد العام نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية ، فإختلفا في نوع الاجراء الذي ينبغي ان يتخذ بحق (الماسونية والماسونيون ) في العراق ، وتقييم خطورتهم ، ومعرفة كنه حركتهم .
واقترح العقيد الركن عبد السلام محمد عارف نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية إصدار أوامر بإعتقال وحجز المنضمين للمحافل الماسونية تمهيدا لاحالتهم الى المحاكم المختصة ، الا ان الاقتراح لم يحظ بموافقة رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة الزعيم الركن عبد الكريم قاسم .
وحسما للخلاف بين قطبي الثورة حول الموضوع ،
إقترحت ( مديرية الاستخبارات العسكرية ) التي كان العقيد رفعت الحاج سري مديرها ،عرض الامر على لجنة قانونية . وقد تشكلت اللجنة وأوصت بتشريع قانون لتحريم النشاط الماسوني في العراق ، ومنع انشاء المحافل الماسونية ، ووضع عقوبات مشددة ضد كل من يخالف ذلك فيما اذا ارتأت حكومة الثورة اصدار مثل هذا القانون .
ينقل العميد المتقاعد خليل ابراهيم حسين نص ما جرى بين قائدي الثورة ؛فقد قال العقيد الركن عبد السلام محمد عارف وزير الداخلية لرئيس الوزراء الزعيم الركن عبد الكريم قاسم :" سيدي ،يجب حجز كل هؤلاء والتحقيق معهم وإحالتهم الى المحاكم وتطهير مؤسسات الدولة منهم ومن شرورهم وآثامهم ويكفيهم عارا انهم يسمون فرمصونيين " .فرد الزعيم الركن عبد الكريم قاسم :" لماذا ؟ تريث ...ان فيهم الكثير من الاطباء والمهندسين وغيرهم من الاختصاصيين والبلد محتاج اختصاصاتهم وخدماتهم ". قال العقيد الركن عبد السلام محمد عارف :" سيدي هؤلاء جواسيس الانكليز والاميركان ،ما فائدتهم ؟وما فائدة علمهم ؟ ماداموا جواسيس " . ورد الزعيم الركن عبد الكريم قاسم : افرض ان ما تقوله حق ،فإذا تقرر اخراجهم من وظائفهم ،الا يجب تعويضهم بغيرهم ، ومن اين نأتي بإختصاصاتهم ، اليس من الغرب ومن الشرق ؟ في الوقت الحاضر على الاقل ،اليس هؤلاء القادمين والذين سيعوضونهم جواسيس لحكوماتهم ؟ فما حصلنا الا خسارة الاموال وزعزعة الدوائر .اننا نكتفي بمراقبتهم ، وتنبيههم ، وإبقائهم في وظائفهم واشغالهم " .
فرد العقيد الركن عبد السلام محمد عارف :" سيدي هؤلاء جواسيس لليهود والصهيونية ،وهم فرماصونيون لايعرفون الله ، ولا الوطن ، ويجب اتخاذ الاجراءات الصارمة ضدهم وانا بصفتي وزير الداخلية يجب ان أحجزهم " .
ورد الزعيم الركن عبد الكريم قاسم :" أنا رئيس الوزراء ،وانا لااوافق على حجزهم ..إنتظر ." .
وتهدئة للخلاف والهياج الذي وصل الى أبعد مدى بين الاثنين –يقول العميد المتقاعد خليل ابراهيم حسين معاون مدير الاستخبارات العسكرية آنذاك – اقترحت المديرية أي مديرية الاستخبارات عرض الامر على القانونيين ومعرفة موقف القانون منهم لتشريع القوانين المطلوبة .ووافق الزعيم الركن عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة على رفع قضية الماسونية والماسونيون في العراق الى المدعي العام المدني والقانونيين الاخرين وسكت العقيد الركن عبد السلام محمد عارف على مضض وهو يغلي من الغضب ثم قال : " إعرضه وهل هناك قانوني واحد مخلص لوطنه ودينه لايدينهم ؟ " .
وجاء الرأي القانوني ليقول : " ان هؤلاء الماسونيين كانوا يمرسون نشاطهم تحت بصر الحكومة ، وسمعها ،وان احد رؤساء الوزارات كان منهم ، واحد وزراء الداخلية انتمى اليهم ، وان نادي الاخوة كان مجازا من الدولة، ويعقد اجتماعاته بعلم الحكومة واجهزتها " .واضاف الرأي القانوني :" اذا ما ارادت حكومة الثورة ان تحرم الماسونية في العراق وتعاقب من ينتسب اليها فما عليها الا ان تشرع قانونا يمنع فيه اقامة النوادي الماسونية وتضمنه ما شاءت من العقوبات ضد من ينتمي الى الماسونية بعد نفاذه " .
وقد بقي الأمر على حاله ، بعد اقصاء العقيد الركن عبد السلام محمد عارف من مناصبه . ولم يشرع مثل هذا القنون بل ذهب البعض الى القول ان الزعيم عبد الكريم قاسم الذي أحكم قبضته على السلطة ، ارسل على بعض الماسونيين واجتمع بهم لمدة تزيد على الساعتين في مقره بوزارة الدفاع ، وقام بتعيين أحد الماسونيين وزيرا. كما عين آخر بمنصب قنصل عام في أهم بلد اسيوي .وعهد الى ضابطين ماسونيين ورد اسمهما في القوائم بمنصبين مهمين .
ويعلل العميد المتقاعد خليل ابراهيم حسين ذلك برغبة الزعيم الركن عبد الكريم قاسم في الحصول على دعم الماسونية العالمية له في صراعه مع العقيد الركن عبد السلام محمد عارف والقوميين العرب .وقد كان مافعله ينم عن عدم تقديره لخطورة الماسونية على البلد الذي كانت لاتزال فيه شركات النفط الاحتكارية تمتلك نفوذا قويا في العراق ، أو أنه شعر بأن انتماء البعض للنوادي والمحافل الماسونية كان بدوافع مصلحية انتهازية .
يبدو ان وزارة الداخلية ، وفي عهد وزيرها العقيد الركن عبد السلام محمد عارف قامت ، وبالرغم من كل ماجرى ،بنشر اعداد معينة من قوائم اسماء الماسونيين وقد تداولت الايدي هذه القوائم بعد اقالة العقيد الركن عبد السلام محمد عارف ، واتذكر ان كاتب هذه السطور قرأ –في حينه – اسماء بعض الماسونيين لكني أحجم عن ذكر من عرفته لانني لم أر القوائم الاصلية ، ولأن اسماءا اضيفت ، واخرى حذفت وان ثمة من اتخذ القوائم وسيلة للتشهير بالخصوم ، وضاعت الحقيقة وبلغ عدد رؤساء الوزراء اكثر من واحد في القوائم المزورة والوزراء قاربوا الاربعين وكبار ضباط الجيش اكثر من اربعين ، وضوعفت اعداد السفراء والمتصرفين الماسونيين خمسة امثال ما كان عددهم في القوائم الماسونية التي وجدت في محافلهم واختلط الحابل بالنابل ولم نعد نعرف من هو الماسوني حقا .
عدت الى مجلة صدرت في بغداد سنة 1959 هي مجلة (14 تموز) العدد 11 لسنة 1959 وفيها تحقيق صحفي قام به عبد الرزاق المسعودي وصوره مصور ستوديو (التراث ) .والتحقيق بعنوان :" ماذا تعرف عن الماسونيين في العراق ؟ " وفيه عنوان فرعي هو :" أخطر تحقيق صحفي تقوم به مجلة 14 تموز " . وفي التقرير اشارات واضحة لارتباط الماسونية بالاستعمار وحكومته في العراق انذاك ووردت اسماء الدكتور محمد فاضل الجمالي ومدير شرطة بغداد عبد الجبار فهمي (اعدم بعد ثورة 14 تموز 1958 ) ، وان كاتب التحقيق واجه صعوبات كثيرة للوصول الى مقر المحفل الماسوني في بغداد وهو عبارة عن قصر كبير من طابقين فيه قاعة كبيرة وغرف وارائك كثيرة وهو مشيد على ارض مساحتها قرابة أل ( 1000 ) متر، والقصر محاط بحديقة غناء ووجدوا في القصر بعض الصور والتعليمات للماسوني ومنها
ان على الماسوني ان يحترم الحكومة ويخضع لشرائعها وان لايشترك في أية مؤامرة ضدها وان يواظب على حضور الاجتماعات ويساعد اخوانه في اشغالهم وان لايدخل في اية مجادلة تتعلق بالسياسة وان ينجز ما يعهد اليه من عمل .وان من شروط من ينتسب الى المحفل ان يكون مقصده حبا بالماسونية ومبادئها وليس من اجل مساعدة الفقير او الاطلاع على اسرارها والا يكون ممن تضطره احواله المالية للانضمام ، والا يكون عالة على اخوانه ، وان يكون ذا عمل وحرفة وقد كشف التحقيق ان ثمة ارتباط بين الجمعية الماسونية البغدادية أي المحفل الماسوني في بغداد مرتبط بالمحفل الاعظم في لندن وهذا دليل على العلاقة بين الماسونية والاستعمار .
بعد حدوث انقلاب 17 تموز 1968 ، وافق مجلس قيادة الثورة على تعديل المادة (201 ) من قانون العقوبات البغدادي المرقم 111 لسنة 1969 وجعلها كالاتي :" يعاقب بالاعدام كل من حبذ أو روج مبادئ صهيونية ، بما في ذلك الماسونية ،أو انتسب الى اي من مؤسساتها او ساعدها ماليا او ادبيا ،او عمل بأي كيفية كانت لتحقيق اغراضها " .
وفي سنة 1970 ، تم اكتشاف صندوق للودائع بإسم : " إحدى الجمعيات الماسونية في البصرة " خلال عمليات جرد لبنك كان مؤمما منذ سنة 1964 ، هو فرع " البنك العربي " الذي أسسه الوطني الاقتصادي الفلسطيني عبد الحميد شومان ، وكشفت من خلال هذا الصندوق ، وعلى سبيل الصدفة قوائم بعض اسماء ماسونيين لذلك جرت محاكمتهم امام محكمة الثورة في بغداد ، وصدرت عليهم احكاما مختلفة حسبما يشير الى ذلك الاستاذ احسان وفيق السامرائي في مقالته الموسومة :" ما التاريخ الذي كتبه سليمان فيضي ؟ " ، ونقلته قناة الديار الفضائية في 14 نيسان سنة 2009 وكذلك ما اشار اليه الاستاذ ميشيل سبع في مقالته الموسومة :" الماسونية في الشرق العربي " 14 شباط 2008 .وللاسف لم اطلع على الاسماء .
وفي سنة 1975 صوت المجلس الوطني العراقي (البرلمان ) على قانون إعتبر بموجبه الماسونية كالصهيونية وتجريم من يرتبط بها بأي شكل من الاشكال .
وقد اصدر مجلس قيادة الثورة انذاك قرارا في جلسته المنعقدة في 13 -8-1975 القانون رقم 130 لسنة 1975 ، وهو التعديل الثالث لقانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 ونصه التالي :
المادة الاولى : يلغى نص المادة 201 في القانون ويحل محلها مايلي :
المادة 201 :يعاقب بالاعدام كل من حبذ أو روج مبادئ صهيونية بما في ذلك الماسونية أو انتسب الى أي من مؤسساتها أو ساعدها ماليا أو ادبيا و عمل بأية كيفية كانت لتحقيق أغراضها .
المادة الثانية:ينشر القانون في الجريدة الرسمية ويتولى الوزراء تنفيذ احكامه .
أحمد حسن البكر
رئيس مجلس قيادة الثورة
والقانون لازال حتى كتابة هذه السطور نافذا .
ومنذ صدور هذا القانون –يقول جيل مونييه – لم نعد نسمع عن الماسونية في العراق الا ربما بين الملكيين العراقيين اللاجئين في بريطانيا ويقصد بعض افراد الاسرة المالكة العراقية .
كما ان ديوان التدوين القانوني اصدر في 2 آذار سنة 1976 قرارا جاء فيه :" حيث ان الترابط اصبح ثابتا بين الصهيونية ، كحركة عنصرية ادانتها الامم المتحدة والماسونية التي تحولت اداة بيد الدوائر الاستعمارية والصهيونية ... لذا عمد المشرع العراقي الى ادانة النشاط الصهيوني والماسوني بنص المادة 201 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 وجعلها من الافعال المعاقب عليها جنائيا " .
وهكذا اتخذت الحكومة بعض الاجراءات القانونية بحق الاشخاص الذين اتهموا بمواصلة النشاط الماسوني ، وعرضت القوائم الحقيقية التي تملكها الحكومة على المحاكم ، وعرف الماسونيون الحقيقيون ، والغيت نواديهم كالليونز والروتاري في العراق ولم يعد لهم وجود قانوني لكن وجودهم الفعلي لم ينتِه على مايبدو اذ تيسرت لهم الفرصة للعودة بعد الاحتلال الاميركي البغيض للعراق واسقاط النظام السابق في التاسع من نيسان 2003 .
يقول الاستاذ مهدي شاكر العبيدي في مقال له في جريدة " العراق " البغدادية العدد 18-7-1984 بعنوان :"حول انضمام بعض الادباء الى المحافل الماسونية " ان دخول اليهود والمستعمرين في هذه المحافل ، وقيادتهم لها ، وتغلغلها في اماكن سيطرتهم له اهداف خبيثة منها التشجيع على النشوز على اجماع الامة ، وزرع قيم الاستعلاء والتدليل على التفوق واشباع الغرائز الجامحة في التسلط ويتم ذلك بالسيطرة على الصحف ووسائل العمل السياسي والمهني ، وترويض الناس على الاذعان لحكم الاجنبي ، والقبول به والاقتناع بمقاصده وما يستتبع ذلك من اعمال تساعد في قبول التدخلات الاجنبية السياسية والعسكرية واغوائهم لرفض قيم مجتمعهم النبيلة وتبني قيم اجنبية بديلة .
ولدينا صور لشعارات ماسونية في جمعيات واحزاب منها مثلا جمعية الاتحاد والترقي التركية التي خلعت السلطان عبد الحميد الثاني 1876-1909 لرفضه التعاون مع الحركة الصهيونية والتفريط باراض في فلسطين كما ان هناك صورا لعلماء دين ، وملوك ورؤساء جمهوريات ووزراء ورؤساء وزراء واطباء ومهندسين واساتذة جامعات عرب وممثلين مصريين انضموا للحركة الماسونية .
بعد الاحتلال الاميركي البغيض للعراق 2003 ، وجدت الماسونية لها في العراق دفعا جديدا. ومما يثير الشكوك في تعاظم دور الماسونيين ان العديد ممن يتسلم المناصب العليا يحملون جنسيات اجنبية وخاصة من بريطانيا والولايات المتحدة هاتان الدولتان اللتان تحتضنان الماسونية ,
يقول جيل مونييه ان الماسونية عادت الى العراق ، وظهرت ثانية بصورة شبه علنية ومكشوفة منذ 9 نيسان 2003 من خلال محافل القوات الاميركية ، والبريطانية، والايطالية الغازية .
وربما ايضا من قبل قوى المعارضة العراقية ضد النظام السابق ، والتي تم تجميعها من قبل وكالة المخابرات المركزية الاميركية في (المؤتمر الوطني العراقي) الذي كان يقوده الدكتور أحمد الجلبي .
ويضيف ان الماسونية كانت شريكة القوات الاميركية في كل اعتداءاتها على العراق منذ سنة 1991 . وفي شهر كانون الثاني 2006 ذكر ريتشارد فيلبي عضو محفل الملك سليمان في مجلة (ماسونيك فيلاليش ) انه التقى سنة 2001 ماسوني عراقي ، وهو ضابط كان يتلقى تدريبا في فلوريدا ، وكان معه في هذه الدورة اعضاء من المؤتمر الوطني العراقي وان هذا الضابط كردي واسمه ( ايراب) وهو برتبة مقدم قال ان جده وهو عقيد سابق في الجيش العراقي ،كان ماسونيا .وقد لجأ المقدم ايراب الى الولايات المتحدة الاميركية بعد حرب الخليج الاولى 1980-1988 وان ايراب أخبره بوجود ماسونيين في العراق، لكن لايوجد محفل يضمهم .
ومما علمه ريتشارد فيلبي ان اول ظهور علني للماسونية في العراق بعد منعها كان بعد الغزو الاميركي 2003 ، وكان بإنشاء ( محفل ارض ،فضاء ‘بحر رقم 1 ) من قبل المحفل الكبير لنيويورك في ايار سنة 2005 في (قاعدة بلد ) ، من قبل (الميجر) والتر قائد القاعدة ، وانه و"سام لي " من (محفل القائد حيرام 40 ) من كارولينا الشمالية كانا يقومان بتنظيم اجتماعات ماسونية .
وفي الوقت نفسه ؛ فإن المحفل الكبير لنبراسكا ، قدم جدول الاعمال في (محفل في حقيبة يد ) .كما ان محفل ماساشوسيتس اطلق مشروع (ماسونيك تروب بروغرام ) في الوقت الذي كان هناك في بغداد المحفل العسكري (فرات 152 ) يقوم ببذل الجهود من اجل وقف ظاهرة الانتحار في الجيش الاميركي .
ان الحركة الماسونية الاجنبية ، ممثلة بقوات الاحتلال الاميركي عملت على التنسيق مع عدد من العملاء الذين حاولوا كسب عناصر من العسكريين، واستذة الجامعات ، ورجال دين ، ووجهاء ومثقفين الى الحركة الماسونية ، لكن الامر ليس سهلا وفيه الكثير من الصعوبة لان العراقيين يدركون -منذ زمن بعيد - خطورة النشاط الماسوني ويعرفون خباياه ، واهدافه التجسسية الخبيثة لكن مما بدأت تفعله الماسونية هو التغلغل داخل (منظمات المجتمع المدني ) ، ومساعدة المهجرين ، وممارسة الانشطة الانسانية المختلفة بين السكان ، ومن ثم تقوم بتجميع المعلومات، وتحليل الافكار بهدف إعادة بناء المجتمع وفق الصيغ التي يريدها الغرب ومصالح المحتلين الاميركان .
وقد نقلت مجلة (فريماسون ) في نهاية سنة 2005 ، خبرا عن عملية توزيع اقلام ودفاتر مصورة للتلوين في مدينة البصرة من قبل ماسونيين اسكتلنديين وبريطانيين يعملون مع الجيوش المحتلة على جمع من الاطفال البصريين الذين كانوا يركضون وراءهم ، لكن هؤلاء لم يسلموا من الضرب بالحجارة ، لذلك فإن الجهر بالافكار الماسونية والقيام بالنشاط الماسوني العلني ليس مأمونا في العراق ، وقد يخاطر من يقوم بذلك بحياته .
إن مما يجب الوقوف عنده اليوم ان هناك صفحة على الفيسبوك بعنوان :" الماسونية في العراق "
Freemasons in Iraq" "يديرها – على مايبدو - شاعر وقاص بصري (...) وجاء في هدف الصفحة المنشور انها أي الصفحة:" تهتم بشؤون الحركة الماسونية في العراق .. وتتناول تاريخ إنشاءها وتأسيسها وأنشطتها وأهم محافلها والمنتمين اليها .. وبكل موضوعية"
وقبل الانتهاء من كتابة هذه السطور اطلعت على بعض ما كتبه من يدير الصفحة ( ... ) عن واجبات الماسوني منقولا –كما قال من " أوراق المجلس الماسوني المثالي الموقر " ولم يحدد أين يقع هذا المجلس أو اين يعمل لكنه قال وهو يتحدث عن واجبات الماسوني :" واجب البناء الحر قائم في أصدق التعاليم ،التي تحث عليها الإنسانية ،من معاملة الناس بالحسنى ،وتزويدهم بالنصح .وسيان أكان المرء ماسونيا،أو غير ما سوني ،فواجبه أن يعامل الناس ،بما يجب أن يعاملوه به ،وتمتاز البناية الحرة ،بجعل هذا الشعار ،لازما في حياة كل إنسان ...فواجب الماسوني ،نحو أخيه ،أمانة في عنقه .فليكن ضميره ،حاضرا دائما،وليشعر بوخز فيه ،إذا قصر عمدا ،أو بغير عمد ،فإن السقف الذي يجلس تحته ،يمنع وجود الخلاف في ظله ،وليذكر العهود ،التي وضعها على نفسه .
وليفهم الماسوني دائما،أن وعوده ،محسوبة عليه ،وأن صفة طيبة تلازمه في حياته ،عندما يعرف الناس عنه ،شرف النفس ،ان احترامه في الدنيا ،قائم في فضله ،أنه رجل صادق في وعده ،شريف في كلامه .
أن الوعود التي قطعناها،كافية لوقوف الإنسان ،عند حد ،يجب ألا يتعداه ،لا أقول للإخوان لاستغلال بعضهم للكسب ،أو للطمع ،أن الماسونية ،بعيدة عن هذه الرذائل ،لأنها مدرسة حقيقية للأخلاق ،ان حقوق الأخ عند أخيه لاتضيع ،والأحكام بيننا ،تقام في وجه المخطئ ،في حق أخيه ،فهنا عدل ،وهنا إخاء ،وهنا مساواة ،لاطمع ،ولا نفاق ، و لا رئيس أو مرؤوس، إلا في حدود رمز الوظيفة ودرجتها ،ومقامها ،لأننا نجتمع جميعا ،كبناءين أحرار ،على الزاوية القائمة،ونفترق على الميزان. "
ويبدو ان الرجل مقتنع بما يكتب ، ولايهمه فيما اذا كان كلامه عن الماسونية ، يعرضه للمساءلة في العراق في ضوء ماهو نافذ من قوانين أم لا .. لكنه على الاغلب يعمل بحرية ، فله صلات وعلاقات مع عدد كبير من الناس وخاصة المثقفين منهم ، ولاندري هل ان اولئك يعرفون او قد اطلعوا على ما يحمله من افكار ماسونية أم لا.
هذه هي قصة الماسونية، والماسونيون في العراق .. ولطالما كان هناك نفوذ اجنبي ، وغياب للسلطة الوطنية الحقيقية ؛ فإن القصة لم تنته بعد وقد يأتي بعدنا من يرويها بشكل اكثر تفصيلا .
2177 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع