فنجان قهوة - الصابئة المندائيون رواد فن النقش والنحت في العراق حامد رويد: من ابي تعلمتُ، فانطلقت الى الشهرة

          

الصابئة المندائيون رواد فن النقش والنحت في العراق ،حامد رويد: من ابي تعلمتُ، فانطلقت الى الشهرة ،القيثارة السومرية تمثل قمة الابداع الفني على الصعيد العالمي..

   

قبل ان ابدأ رحلتي الصحفية، مع فنان النقش والنحت العراقي الاستاذ حامد رويد، وددت ان اوضح للقارئ قبل ان يبحر معي في هذا اللقاء الشيق، ان النقش: هو إزالة جزء من مادة العمل المراد ابرازه، سواء كان على الخشب او المعادن بأشكالها، اما النحت فهو عمل فني يعتمد على ابراز الشكل في أبعاد ثلاثية (مجسماً)، من خلال التحديد والنحت الغائر والبارز.. بعد هذه المقدمة المعلوماتية السريعة، أدعوكم لنسافر ونتجول سوية عبر محطات الحياة، وهي محطات كثيرة ومتنوعة..

               

وفي توقفنا عند محطتنا في بيت الفنان النقاش والنحات الشهير الاستاذ حامد رويد ارتشفنا معه فنجان القهوة وتحاورنا عن حضارة وادي الرافدين وكيف جسدها عبر منحوتاته ونقوشه الفنية كي تبقى خالدة على مر العصور.. وفي البدء اقول ان الاستاذ حامد عبد الرزاق رويد درس هندسة النفط في جامعة بغداد وتخرج عام 1988، غير ان ولعه كان في تخصص فن النقش على المعادن فأبدع فيه وهو يقول عنه "لا توجد علاقة عضوية تكاملية تفاعلية بين هندسة النفط وفن النقش، فالصدفة وحدها من جمعت وربطت بين طرفي العلاقة"..
ومن هنا، كان مسك حبل النقاش مع الفنان رويد:
** ممكن تحدثنا عن مسيرتك الابداعية في مجال (النقش على المينا)؟
كوني أحد افراد عائلة فنية متخصصة بفن الصياغة والنقش والتطعيم بالمينا، فاني تربيت وترعرعت وتشربت بكل تفاصيل ذلك وبحرفية عالية جدا. وقد مارست انا واخوتي ومنذ نعومة اظفارنا فن النقش كهواة ولسنوات طويلة ولمساعدة والدي في عمله. لذلك فأننا امتلكنا فن النقش بالفطرة من الالف الى الياء.
ففي نهاية ثمانينيات القرن الماضي حدثت انعطافه مهمة في مسيرتي الفنية، انتقلت فيها من هاوِ للمهنة الى محترفً لها، حيث تقدم والدي في السن مع ضعف بصره كضريبة دفعها لممارسته فن النقش الدقيق، أي أنى دخلت معترك هذا الفن عنوةً وكما يقولون ((رب ضارة نافعة)).. لكي أحل محله في هذه المهنة المتوارثة لدينا أبا عن جد، فنجحت بامتياز إثر نجاح والدي في توريث هذا الفن ونقله لي ولإخوتي بكل امانة مهنية وحرفية، فكان (عبد الرزاق رويد) قدوتي وخير معلم لي في هذا المجال، فهو من علمني اسرار هذا الفن الابداعي وفك كل طلاسمه.
كانت هذه المحطة الأولى في مسيرة الابداع والتي فجرت ينابيع الحرفة والغوص في اعماقها، اما المحطة الثانية فقد كانت دراستي الاكاديمية في فن النحت عام 2004. في جامعة بغداد كلية الفنون الجميلة ففيها صقلت موهبتي وارتقت ذائقتي الفنية.

      


**من، من عائلتك كان يمتهن النقش. ؟
الصياغة، النقش والتطعيم بالمينا فن جميل ومهنة تخصص بها العديد من العوائل المندائية، ولكن هناك القليل منهم من تميز بهذا الفن الراقي، كالعائلة العلكمية - بيت علكم – ومنهم عائلة (آل رويد) التي تعتبر فرع مهم من تلك العائلة الفنية الكبيرة، ويعتبر عبد الرزاق رويد العمود الفقري للنقاشين في هذه العائلة، كما ان عائلة بيت ملا خضر وعائلة زهرون فرعان من تلك العائلة. وعائلة بيت مراد التي ينتمي لها الشاعر الكبير عبد الرزاق عبد الواحد وهذه العوائل الفنية قد أبدع افرادها بهذا الفن الجميل.
امتهن جميع اخوتي وإحدى اخواتي فن النقش واتقنوه. واخص بالذكر اخي محمد رويد الذي أبدع بزخرفة الخط العربي واللاتيني، إضافة الى نقش الصور الشخصية (البورترية). وأيضا اختي انعام رويد التي ابدعت هي الأخرى بالنقش والزخرفة بكل أنواعها حيث تميزت تصاميمها بالدقة والاتقان، وقد تأثرت كثيرا بزخرفة والدي (عبد الرزاق رويد) زخرفة على الذهب والفضة في العراق والتي عرفت باسم (زخرفة او ورد عبد الرزاق) والتي كان يبث فيها الروح حسب وصف من كان يراها.
اما اخي أكرم رويد فهو الاخر أبدع بشكل خاص بفن الصياغة والتطعيم بالمينا بكل أنواعها وكذلك اخي منعم رويد الذي تخصص بهذا الفن وأبدع بنقش الصور الشخصية. وحتى اخي الراحل عبد السلام الذي كان ايقونة فنية بهذا المجال لكنه رحل في مقتبل العمر. علما ان جميع اعمامي واولادهم قد أتقنوا فن النقش، هذا الإرث الجميل وعلى الجميع تقع مسؤولية الحفاظ عليه.

         

** ما هي مراحل فن النقش عبر التاريخ، وماهي ابرز المكتشفات التاريخية والاثرية ؟
فن الصياغة والنقش والتطعيم فن قديم قدم المعرفة الإنسانية، فقد مارسته اغلب شعوب وحضارات العالم القديم، وبعضها تميزت وابدعت به، ومن بينها حضارات بلاد ما بين النهرين، بدءا السومريين ومرورا بالأكديين والبابليين والاشوريين، وحتى تطور وتنوع فن النقش عبر الزمن في بعديه الافقي والصوري كانت حضارات وادي الرافدين لها النصيب الأكبر في هذا التطور.
السومريون هم من رفعوا لواء الفن والابداع وتميزوا به، لهم الكثير من الإنجازات وهم اول من عمل بالمعادن والنقش عليها، فالختم الاسطواني الذي انفردت به حضارات وادي الرافدين يمثل قمة الإنجازات، حيث كان يتميز بالدقة والاتقان العالي رغم صلابته وصغر حجمه (قطر1سم ×الطول 5سم) وكانت يصنع من العقيق او اللابيس (من الأحجار الكريمة). ومن الكنوز المهمة أيضا القيثارة السومرية ولواء اور واللتان تمثلان قمة الابداع الفني في هذا المجال، بالإضافة الى خوذة الملك (مسكلام دوك) الذهبية والأسلحة والاواني المعدنية والقطع الفنية.

   

اما اناء لكش للملك السومري انتمينا (ارتفاع 30سم) فهو يعد من أجمل وأرقى واندر الاعمال الفضية. الذي اتسم بجمالية التصميم ودقة الصياغة واناقة النقش ورشاقته، الذي زين بالرمز القومي السومري المعروف (انزو او امدكود) هو طائر اسطوري اشبه بصقر ناشر جناحيه برأس اسد يصطاد غزالين، وقد اتخذت الكثير من دول اوروبا هذا المخلوق الوهمي شعارًا لها كروسيا مثلا.
وعلى مدى الاف السنين تطور هذا الفن عند الرافديين الى ان وصل الى قمة نضجه عند الاشوريين، فالنقش عندهم يمثل الابداع الفني، فهم بلا منازع يعتبرون من أمهر شعوب حضارات الشرق الأولى القديمة. فالكنز الملكي الاشوري ونقوش الجدران الداخلية للقصور الملكية تمثل قمة انجازاتهم الفنية أما الواجهات الخارجية فقد لجأ الآشوريون إلى فن زخرفي آخر في تزيينها وهو الآجر المزجج، الذي تؤلف مجموع قطعه إذا ما رصفت زخارف هندسية وحيوانات أسطورية ذات بروز خفيف، وكانت المشاهد تلمع في الضوء بأبهى الألوان الترابية والزرقاء والمائلة إلى الخضرة كما في واجهات بعض معابد خورسباد.
** لدى حضرتك معلومات لا حصر لها عن حضارات وادي الرافدين.. ما السبب؟
يعود اهتمامي الشخصي والعميق بحضارات وادي الرافدين اولًا، لأني انتمى لها وهي مصدر الهامي في تأطير هويتي وثقافتي الرافدينية. وثانيا لثراء وعظمة هذه الحضارة وبشهادة علماء الاثار الذين اندهشوا من غزارة وقدم وفرادة إنجازاتها المادية والفكرية وفي اغلب متاحف العالم. هذا ولايزال الجزء الأكبر منها مطمورا ومدفونا في (25) ألف موقع أثرى.

    

** كان في بغداد مركز ثقافي وفني متخصص بحضارة وادي الرافدين، ممكن تحدثنا عن طبيعة ذلك المركز، واهم إنجازاته؟
نعم، لقد كان مركز (MESOPOTEMIA) ميزوبوتاميا للفن الرافديني هو احدى منظمات المجتمع المدني، لقد كان بحق مركز ثقافي وفني مهم ولعب دورا حيويا في اغناء الثقافة العراقية بالمعلومة والمعرفة العامة عن بلاد وادي الرافدين وكل حضاراته العريقة.
المركز كان يهتم بحضارة وثقافة وتراث بلاد ما بين النهرين ومن ناحية فنية وفكرية وثقافية محاولة لتوثيق ونشر كل ما يخص حضارة وادي الرافدين وبكل أساليب النشر من ان كان تشكيلي او بصري او سمعي او معرفي، والغاية هي الحفاظ على هذا التراث، باعتباره ورشة لكل ما يخص حضارة وادي الرافدين، لهذا أصبح متحفا مصغرا ومعرضا دائما لكل إنجازاته التشكيلية.
ومن انشطته أيضا، إقامة الندوات والدورات والمحاضرات والمعارض بأنواعها بين فكرية وأخرى تهتم بإنتاج الأفلام الوثائقية والتسجيلية والتي تؤرخ حضارة وادي الرافدين للحفاظ على هويتنا باي أسلوب او طريقة، ومن خلال المركز كان هناك توعية للناس للحفاظ على التراث وتشجيعهم للتبرع للمتحف بأية قطعٍ اثرية بحوزتهم وتعريفهم ان تلك الاثار ملك للجميع. ومن بين تلك القطع كانت المسكوكات الفضية والاختام الاسطوانية والرقم الطينية وبعض المنحوتات، إضافة الى انتاجات المركز كالمجسم المصغر لمسلة حمورابي نحت ونقش من المرمر الأسود من انتاج مركز ميزوبوتاميا (الارتفاع 1/5 م).
ومن إنجازات المركز الأخرى تصحيح بعض الأخطاء التاريخية الواردة في كتاب التاريخ المنهجي للصف الأول المتوسط حيث عثر على حوالي (20) خطا تاريخيا بين الصورة والمعلومة وتم معالجة الأخطاء بإصدار نسخة جديدة من الكتاب وبعد مخاطبة وزارة التربية سنة 2006.

   

** دراستك الاكاديمية، أكانت لها أهمية مع ما حصلت عليه من موهبة من العائلة في مجال النقش؟
بكل تأكيد، فدراستي لفن النحت أكاديميا قد امدتني بزخم فني كبير من المعلومات مع خبرتي الأولية، وأنضجت خبرتي الفنية وصقلت موهبتي التي اكتسبتها بالفطرة، وهذا ما ساعدني على التوليف بين النقش والنحت والمزج بينهما وبحرفية عالية ويمكن تسميته هنا بـ (النقش النحتي).
ودراستي لفن النحت أكاديميا حفزتني لدخول عالم الفن بشكل عام وواسع، وبالتالي اكتمل نضج تجربتي الفنية، فقد بدأت اتحسس واتذوق الاعمال الفنية من كل جوانبها بمنظار رؤية فنية كناقد ومحلل وباحث عن الإحساس والجمال، إضافة الى توسع وانفتاح مداركي الذهنية والفكرية وامتلاكي طاقة فنية جديدة نحو تذوق الفن.
واهم ما حصلت عليه من تجربتي هي تلك القدرات الفنية الفائقة والنادرة في آلية المزج والتداخل بحرفية ومهنية عالية بين تقنية النقش والنحت. حيث ان النقش كما متعارف عليه ينفذ ببعدين إثنين اما النحت فهو بثلاثة أبعاد، والنقش العراقي على المعدن بأسلوب النافر او الغائر وكلاهما يكون على سطح المعدن وفي بعدين، ولهذا يمكن ان نسمي النقش على المعدن بشكل عام (النقش السطحي) لان النحت يكون مجسم.
** هل هذا يعني أنك محترف بالنحت والنقش؟
نعم.. هذه خبرة تعلمتها بإتقان وصبر ودقة مع اخلاص بالعمل، وقليل من الفنانين تجدينه بارعا بالنحت والنقش معا. قبل وبعد احترافي لفن النقش الذي أصبح حرفتي ومصدر عملي، أقول لازلت اعمل به بروحية الهاوي، ولهذا قد أنجزت قطعا فنية غاية بالندرة والفرادة واحتفظ بها، وكان دافعي الرغبة العارمة في الابداع، وان اغلب اعمالي المنجزة هي خارج معادلة السوق ولا تخضع لقانون العرض والطلب، واعمل بحثا عن التميز مع الاتقان ولا اتقيد بقيدي المال والوقت.

                       

** ما هي اهم الشهادات التي حصلت عليها بهذا الاختصاص؟
حصلت على الكثير من الشهادات التقديرية وكتب الشكر من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية الثقافية والفنية والعلمية والإعلامية. واهم شهادة تقديرية اعتز بها كثيرا من (HOLAND AND HOLAND) وهي شركة عالمية لتصنيع بنادق الصيد يدويا، واعتزازي بها لأنها متخصصة بنفس مجال عملي وفيها اعتراف بقدراتي الفنية بالنقش على قطع الأسلحة.
** حدثنا عن معارض خاصة بأبداعك ؟
نعم. اقمت معارض فنية خاصة كثيرة وعامة كمشارك بها في بغداد، كما اقمت العديد من المعارض في عمان، واهمها المعرض الشخصي لأعمال عائلة (اّل رويد) على ارض السفارة العراقية في عمان. والمعرض الاخر المهم على قاعة رجال الاعمال العراقي في الأردن وفي ذات الوقت تحدثت عن طبيعة واهمية وصفات الاثار العراقية والمنتشرة في متاحف العالم. ومشاركتي في معرض السلك الدبلوماسي في عمان أيضا.

            

** ماهي ميزات النقش العراقي.. واين تضع العراق في تسلسل فن النقش على المينا؟
النقش في العراق يمارس بأسلوبين هما: الأول (الحفر) ويعني إزالة جزء من سطح المعدن والأسلوب الثاني (الطرق) ويعني انبعاج سطح المعدن، وقد مارسه اليهود العراقيون في نقش الفضة والتي اشتهروا بها في العراق. وأيضا مورس أسلوب الطرق في مناطق الكاظمية، النجف وكربلاء من قبل فناني تلك المناطق كنقش واجهات الاضرحة الدينية المغلفة بالفضة او الذهب او النحاس واضافة الى نقش بعض الاواني والمعدات واغلفة السيوف والخناجر.
النقش بالحفر الذي انحسر في ممارسته من قبل الصابئة ويكاد ينفردوا به دون غيرهم اما الحفر حاليا يمارس بالعراق لكن النقاشين من خارج طائفة الصابئة، وهو يتطلب مهارة عالية لتنفيذه بإتقان.
ويمكن ذكر بعض من اختلافات الطرق والحفر، الطرق عموما أسهل من الحفر تنفيذا وخطورته اقل من الحفر اثناء العمل، لكن يتطلب تركيز وسيطرة وجهد اقل من الحفر والقطعة التي يستخدم بها النقش بالطرق تبدو أكثر جمالا من الحفر لأنه أكثر بروزا وتجسيما، ولهذه الأسباب أصبح الطرق واسع الانتشار وتمارسه اعداد كبيرة من النقاشين مقارنة بالحفر، والدول المتقدمة بهذا الفن مثل تركيا وإيران والهند ودول القوقاز بالمقارنة مع العراق الذي يحتل مرتبه ربما مشابه لا يستهان بها بمثل هذه الصناعة الحرفية القديمة والدقيقة، فهو يحتل المراتب الأولى عربيا، وان وجد أصلا فيكون بعضها. واظن ان النقش العراقي من شدة اتقانه ودقته لا يتفوق عليه الا النقش الروسي.
واضافة الى ذلك فالنقوش الدقيقة جدا بالحفر لا يمكن تنفيذها بالطرق ابدا مهما كان دقيق، والنقش بالحفر ينفذ أحيانا بنقوش دقيقة جدا بحيث لا ترى بعض التفاصيل بالعين المجردة، خصوصا الصور الشخصية وبعض أنواع الزخرفة النباتية، والفنان الماهر يعملها وتبدو من شدة الاتقان وكأنها مطبوعة على المعدن آليا.

 ** النقش فن دقيق ، ويتطلب صبرا ، وهذه مواصفات تمتلكها المرأة ، هل هناك نقاشات عراقيات معروفات ؟

عرف فن النفش العراقي بانه ذكوري بامتياز ومنذ نشأته الأولى، ولفترة طويلة لم تمارسه أي امرأة بشكل احترافي. لكن بالفترة الأخيرة وقبل حوالي أكثر من عقدين من الزمن دخلت المرأة هذا معترك الفني. حيث تميزت اختي (إنعام رويد) بفن النقش اليدوي وبشكل احترافي.
وان سبب عزوف النساء عن هذا الفن له أسبابه الموضوعية، فهو يتطلب القوة البدنية والصلابة والمطاولة والرغبة لتعلمه إضافة للصبر طبعا. وسبب اخر لعزوف النساء عن هذا العمل هو الخطورة ربما التعرض لجروح خطيرة او ضعف البصر. رغم ذلك اختي انعام مارسته وهي تعتبر اول عراقية تعمل بهذا المجال وبشكل احترافي. حيث دخل اسمها موسوعة اعلام العراق كأول امرأة تمارس هذا النوع من العمل اليدوي.. ووصل بها التحدي للنقش حتى على الأسلحة الحديدية على الرغم من صعوبة النقش عليه.. ودخلت هذا المجال أيضا (هبة قاسم المندوي) ابنة اختي ابتسام عبد الرزاق رويد، ووضعت ابنتي (سمارة) قدميها على هذا الطريق لأكمل مسيرته.

   

** عرف المندائيون (الصابئة) بتفوقهم في فن النقش. هل تحدثنا عن هذه الميزة؟
لقد أبدع الصائبة في الكثير من العلوم والفنون، فهم قد ورثوا من اسلافهم الرافدينيون الأوائل ارث فني كبير يتمثل بفن الصياغة والنقش والتطعيم. وقد تميزوا وأبدعوا بهذا الفن في المجتمع العراقي. واوجدوا النقش وانفردوا به وسمي (نقش الصابئة)، وهم دون منازع اسياد هذه المهنة النادرة والجميلة ولفترة طويلة من الزمن وحتى عند هجرتهم خارج العراق. ولا ننكر ان فئات أخرى تميزت به كيهود العراق، لكن بصمة الصابئة مختلفة يمكن تسميتها بالفن النخبوي من حيث عدد مقتنيه ممارسيه.
فهم قد امتلكوا قدرات ومهارات ذاتية فطرية إبداعية بهذا الفن الجميل لدرجة ان الصابئي يولد وهو يحمل بفطرته قدرات إبداعية فائقة بهذا الفن، لهذا فان نقشهم فيه دقة واتقان فريد يبدو وكأنه منمنمة منقوشة على المعدن، حيث أعمالهم اليوم تباع كقطع فنية نادرة وتعرض في أشهر المعارض والمزادات العراقية والعربية، لان لها بصمة مميزة واسما لامعا.
وان اغلب المستشرقين والرحالة الغربيين والمؤرخين الذين درسوا طبيعة المجتمع العراقي واطيافه، قد أكدوا ان الصابئة قد امتلكوا مهارة عالية جدا بهذا الفن، ما دفعهم بأطلاق تسمية (Sabian work) عليه، فأصبح شغل الفضة والصابئة صنوان لا يفترقان فهما وجهان لعملة واحدة فلا يمكن ذكر الأول ما لم يكن حاضرا معها الثاني.

** هل اثرت الالة على فن النقش ، لاسيما ان السوق تمتلأ بأعمال نقش على العديد من التحفيات المعمولة بالمصانع.؟
الالة نتاجها واسع، كبير، سريع، مكرر، دقيق، جميل ورخيص مقارنة بالإنتاج اليدوي. والاعمال المنتجة اليا بهذه المواصفات اكيد ستغزو السوق، علما انها اعمال لا تساوي شيئا في مقياس القيمة والنوع إذا ما قورنت بالأعمال الفنية اليدوية.
ان اغراق السوق بهذه الاعمال الالية ستوثر حتما على ذائقة البعض سلبا، وبالأخص من لديه تردد بين اقتناء الاعمال اليدوية او تلك المصنعة، وهناك المتأثر سلبا هو الشخص الذي لا يهتم بالأعمال اليدوية أصلا، لان الاعمال اليدوية لا تشكل له أي قيمة تذكر، فكلاهما سوف يميل للقطعة المصنعة بالألة للأسباب التي ذكرتها سابقا.
ان للآلة إيجابياتها، فالأعمال اليدوية انحسرت في ايدي المهرة وافرغت الساحة الفنية من الدخلاء على هذه المهنة، اما الدخلاء على المهنة فقد فضلوا الارتماء في أحضان الالة بسبب مغريات المال. وان لكل فنان اسم يصنعه بخبرته الطويلة في مجال عمله ولا يعرف قيمته ويتذوقه الا من يمتلكه، فاليوم صناعة الاسم او الحفاظ عليه من الصعوبات ولا يعرفه الا من يعشق العمل اليدوي وحرفيته. نعم، ان طغيان الاعمال الالية يعد جريمة بحق العمل الفني اليدوي، فالأعمال اليدوية ساحة للمبدعين والمهرة وهنا ستتحقق المقولة: البقاء للأقوى والاصلح والارقى، فالعمل اليدوي يعلو ولا يعلى عليه.

** حضرتك تميزت بنقش الحروف العربية والصور الشخصية والنقش على قطع الأسلحة ايضا، من كان الأصعب ومن يأخذ الوقت الأكثر؟
النقش على الأسلحة له اختصاصه ومكانته الخاصة في عالم النقش. وهناك شركات عالمية متخصصة به، بعضها تمارس النقش ميكانيكيا وبعدة طرق ووسائل وهذا النقش لا قيمة فنية له. وأخرى تنفذ النقش اليدوي وبطرق متعددة وهذه القطع لها قيمة عالية جدا. لكن النقش اليدوي له يكون بعدة مستويات منها ما هو متدني او متوسط ومنها ما هو راقٍ واخر معقد تصميما وتنفيذا.
وبخصوص درجة الاتقان، فهي تدخل في تحديد القيمة الفنية للنقش على الأسلحة، ولكن ان كان النقش على (مسدس، بندقية، سيف او خنجر) كلها لها صعوبة بالغة والكثير من النقاشين يتجنبوا نقش الأسلحة لأسباب منها صلابة المعدن وعدم انتظام اشكاله وأحيانا ضخامة احجامها، فهذه العوامل تعيق العمل وتعقد عملية النقش الا على المتقن الماهر والمتخصص بهذا المجال.
اما الخط العربي فيعتبر خط الثلث من أصعب أنواع الخطوط العربية تنفيذا، فهو بحق يعتبر أرقى انوع الخط العربي (أبو الخطوط - كما يقال) خصوصا إذا كان دقيقا وينفذ بإتقان وبأسلوب النقش النافر، فالخطاط او المزخرف عندما ينتهي من تنفيذ عمله على الورق، يعتبر هذا العمل قد انجز!
لكن في عملية النقش يتطلب من النقاش إتمام العمل على المعدن وهي بداية مرحلة جديدة وصعبة لإنجاز العمل، والرسم على الورق لا تحمل صعوبة تذكر امام النقش على المعدن خاصة مع زخرفة الحروفية او الرمزية او الهندسية والمواضيع التراثية والاثارية والفلكلورية العراقية والصور الشخصية التي تسبب القلق تحسبا من عدم القدرة على تحقق ذلك التماثل بين الأصل والصورة، وهنا تبرز مهارة التنفيذ.

** من الأسهل او الأصعب في النقش.. النحت على الفضة ام الذهب؟
ان النقش العراقي عادةً ما ينفذ عل الذهب والفضة حصراً، ولكن بالآونة الأخيرة تعددت وتنوعت الخامات. في عالم النقش، فنوع الخامة له تأثير في قيمة العمل الفني كالذهب والبلاتين والفضة، وهو العامل الوحيد الأساسي والحاسم في ذلك التقييم. اما في حالة الرسم او الخط على الورق او القماش او الخشب فهنا العمل لا تتأثر قيمته ابدا بنوع الخامة لأنها أصلا هي مواد رخيصة لا قيمة لها مقارنةً بقيمته الفنية، وهنا تبقى القيمة الفنية بعيدة عن نوع الخامة ولا تقلل من نوع العمل الفني.
ان النفش على المعادن الصلبة هو الأصعب تنفيذا وأحيانا يؤثر ذلك المعدن سلبا على مستوى النقش لصعوبة تنفيذه كالحديد مثلا. وخصوصا إذا كان النقاش متوسط المهارة والخبرة او غير متخصص او متمرس بالنقش على المعادن الصلبة كالحديد (الأسلحة والسيوف والخناجر)، ويعتبرالنقش على الفضة أسهل من الذهب او المعادن الأخرى، لأنه أكثر طراوة وليونة.

** اين تضع مستوى النقش على الأسلحة في العراق عالميا؟
النقش العراقي على الأسلحة اليوم له مكانة وسمعة مرموقة محليا واقليميا ولا نغالي ان قلنا انه اليوم يتفوق وينافس شركات كبيرة بهذا الاختصاص. كشركة (هولاند ان هولاند) الإنكليزية التي تأسست في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، والمتخصصة في تصنيع ونقش بنادق الصيد النادرة يدويا وبامتياز، والدليل على ذلك أنى قد حصلت على شهادة منها تؤكد كلامي هذا، حيث منحتني شهادة التميز بهذا المجال وبشكل رفيع المستوى.
واتذكر دخولي لهذا المجال عن طريق الأصدقاء بالرغم من عدم رغبتي في ذلك اول الامر فقد كان دخولي اشبه بالتحدي، حيث الفارق الوحيد بين النقش على باقي الخامات والأسلحة هي الصعوبة التي يواجهها النقاش على قطعة السلاح وأيضا يحتاج على أدوات ومعدات كافية وملائمة لهذا الاختصاص.

** أحيانا تدفعنا التحديات وننجح.. اليس كذلك؟
نعم، وبعد فترة من الزمن وجدت نفسي بهذا العالم وتمكنت منه لولعي وشغفي بروح التحدي، فهو من طبعي، واي فنان ينتج قطعة تحمل روح التحدي ستبقى خالدة بخلود العمل الإنساني واعتقد انا اول من ادخل للعراق هذا الفن بشكله الاحترافي والتخصصي الدقيق وجعل منه فنا متعارفا ومتداولا وله شعبية وانتشار بعد ان كان غائبا عن الساحة المحلية لسنوات طويلة.

       

** فن المزاوجة بين النحت والنقش من الفنون النادرة وكل قطعة تأخذ من الوقت والجهد البصري الكثير. لكن هل هناك قطعة غالية على نفسك لا يمكن ان تفرط بها؟
فعلا تأخذ منه الوقت والجهد الكثير وان اغلب اعمال النقش على المعدن وخصوصا الدقيقة منها والمعقدة التنفيذ تكون صغيرة الحجم، وأكبر لوحة نفذتها كانت بقياس (45سم×30سم) ونفذت عليها صورة الملك فيصل الثاني (رحمه الله) ويعتبر هذا العمل وبهذا الحجم غاية في الصعوبة والتنفيذ بل نغالي إذا قلنا ان هذا مع مواصفاته المذكورة يعد مستحيل تنفيذه في نظر بعض النقاشين. فنقش الصور الشخصية (البورترية) على المعدن بالقياس الطبيعي تكون بمعدل (8 سم) تعد عملية صعبة ونادرة، فكيف إذا نفذت بقياس خارج عن المألوف؟
واهم اللوحات التي نفذتها بقياس (30سم×22 سم) لوحة الجنائن المعلقة والملكة عالية وفتاة بغداد بجوها التراثي نفذت بإتقان عالي حتى تبدو للناظرين كأنها رسم على المعدن، وهذا الاعمال من نوادر القطع الفنية ربما حتى في العالم.
وبخصوص القطع التي لا يمكن التفريط فيها كثيرة منها لوحات وذكرت منها أعلاه وغيرها يمكن ذكر قطع واواني فضية. وأيضا قطعة سلاح قديمة وهي قمة اعمالي بفن النقش واستمر العمل بها حوالي ستة شهور متواصلة، حيث نفشت عليها قصة حضارة العراق. ولقد نقشت سطوحه الداخلية والخارجية كاملةً، ولهذه الأسباب قمت بمراسلة مؤسسة غينيس للأرقام القياسية للمشاركة، لكن كان جوابهم لي " ان مؤسسة جنيس تتعامل مع الية كسر الأرقام القياسية بكافة الاختصاصات، ولا تتعامل مع جماليات وصعوبات الفن عموما، ولا توجد آلية يمكن اعتمادها لمنحك رقم في قياس جمالية الفن ودقته ويأتي غيرك لكسره" لكن ربما مستقبلا تدرس الحالة كما ذكروا.

** ما هي اغلب المواضيع التي تنفذها بلوحاتك، وما أصعب عمل نفذته؟
النقش العراقي جزء من المدرسة التشكيلة العراقية، فاغلب موضوعاته ومفرداته ورموزه نابعة ومستلهمة من البيئة العراقية. فالفنان الذي يستوفي اعماله من بيئته يكون منتمي لها، والفنان الذي يسبح في فضاء الفن ولم تمتد جذوره لبيئة محددة، هو فنان لا منتمي لها وبالتالي اعماله ستكون سائبة وعائمة ولا هوية له. ان انتماء الفنان لبيئته لا يشكل مثلبة بل بالعكس فهو يحدد الاعمال الفنية بهوية محددة واضحة المعالم، وهذا الكلام ينطبق على جميع الفنون والآداب قديمها وحديثها.
لذلك جميع اعمالي الفنية هي انعكاس لطبيعتي العراقية الغنية والثرية لتنوعها الثقافي والحضاري والتراثي، حيث تجسد الحياة اليومية العراقية البغدادية الريفية والشعبية والفلكلورية، كالعمارة الإسلامية القديمة والحديثة والشناشيل البغدادية والمدن والشخصيات والازياء التراثية والحياة المهنية الشعبية، واغلب تلك المواضيع تنفذ بالأسلوب الواقعي.

** هل لدى حضرتك مؤلف او بحث بخصوص هذا الفن لضمان الحقوق لكم؟
نعم. لقد قمت بتأليف كتاب مهني عن فن النقش والصياغة والتطعيم بالمينا، لكن لم يطبع بعد. ويعتبر مرجع مهم لكل شخص يود دخول هذا العالم (فن النقش) ومعرفة كل ما يتعلق عن الأمور الفنية والتقنية وخباياه واسراره. وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بالمينا السوداء (المْحُرَك) ولهذا اسميت هذا الكتاب بـ (اسرار نقش الصابئة).
ودوافعي من اصدار هذا الكتاب هو الحفاظ على هذا الفن وعدم اندثاره لأنه جزء من التراث العراقي وأيضا فراغ الساحة العراقية والعربية من هكذا مصادر تتحدث عن النقش الا ما ندر وان وجدت فأنها تتحدث عنه بشكل مقتضب جدا، واضيف ان خبرتي العلمية والنظرية بهذا الجمال زادت من اندفاعي نحو تأليف الكتاب، الذي يتكون من سبعة فصول.
الفصل الأول: يتحدث عن طبيعة النقش الالي واهميته وقيمته، وعمل مقارنة موضوعية بين النقش اليدوي والالي.
الفصل الثاني: يتحدث عن النقش اليدوي بشكل تفصيلي، من بداياته واصوله وطبيعته واهميته.
الفصل الثالث: يتحدث عن فن الصياغة.
الفصل الرابع: يتحدث عن أهميته المينا السوداء(المْحُرَك).
الفصل الخامس: يتحدث عن النقش على أنواع الخامات.
الفصل السادس: يتحدث عن طبيعة النقش على الأسلحة.
الفصل السابع: يتحدث عن تعلم وممارسة فن النقش تقنيا ونظريا، لمن يرغب بتعلمه. حيث نقلت خبرتي بكل امانه وصدق بهذا المجال لمعرفة القيمة الفنية للقطع المنقوشة لهذا الفن الثمين.

** في الوقت الحاضر (زمن كورونا). هل إثر على عملك من ناحية الإنتاجية سلبا ام ايجابا؟
بالنسبة لي لم يؤثر حظر كورونا سلبًا، بل العكس ربما ذلك الحظر قد اعطاني فرصة إضافية (فسحة من الوقت) للإنتاج الفني.

** طموحاتك المستقبلية بمجال عملك؟
اكيد لدي الكثير من المشاريع والطموحات الفنية ومن بينها مشروع وطني عراقي انساني كبير، يتضمن النقش اليدوي للصور الشخصية (بورتريه) لاهم وأبرز وأعظم الشخصيات العراقية بكافة اختصاصاتهم وعندما يكون جاهز سيتم عرض تلك الاعمال في معرض متنقل في كل دول العالم لتعريف الناس بأهم علماء وعباقرة وقامات العراق في هذا المجال.
وكذلك التهيئة للقيام بمشروع عالمي، هو عبارة عن لوحة كبيرة جدا، أجسد فيها تراث وثقافة دول العالم، أقدمها هدية باسم (عائلة آل رويد) لهيئة الأمم المتحدة لتعرض هناك.

 ومشروع اخر، اخطط للقيام به انا وعائلتي، هو تأسيس متحف او معرض دائم بأعمال (آل رويد) بهذا الاختصاص، إضافة لتأسيس مدرسة او معهد لتعليم فن النقش لمن يرغب بتعلمه، للحفاظ عليه ومنعًا من اندثاره.

       

      

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

751 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع