عاشقنا أليوم ياسادة ياكرام ....عاشق وطن ....أحبّه... تغنى به...أضناه عشقه.....لايزال يذكر نسيمه ألعليل ...يحن ألى نخله ألوفير....تلاحقه جدران داره ألعتيق ...يؤرقه دفئ حكايات جمعت ألخال وألعم وألصديق ...ولم ينعم عليه ألوطن يوماً بالوصال... بل أدار له ظهره ...ظلمه ....جرده من جنسيته...
عندها شد ألرحيل ... وكان لابد من ألرحيل ..رحل لوطن جديد يحمل بجيبه ٥ دنانير من بعد عز وثراء صادروه وأصبح مشاع للأخرين .... وحقيبة صفيح ...وأطنان حنين ...هل أرتضى بالوطن ألجديد....أكثر من خمسين عاماً ولازال قلب عاشقنا لليوم يلهج بحب ألحبيب ألمجافي ...فمن هو ياترى عاشقنا ألحزين؟؟؟؟.
إنه البروفيسور اليهودي شموئيل موريه أو بإسمه العربي العراقي سامي إبراهيم معلم ، أحد كبار أساتذة اللغة العربية اليهود الذين هجٌروا من العراق
البروفسور سامي موريه في حديقة داره - 2012
ولد ألبرفيسور شموئيل في بغداد أواخر عام 1932 وعاش فيها حتى جيل 18 عام حين هُجّر إلى إسرائيل عام 1951. درس العربية وآدابها في الجامعة العبرية في القدس وحصل على شهادة الدكتوراة من جامعة لندن في بريطانيا. عمل بعد تقاعده أستاذا للغة ألعربية وآدابها في الجامعة العبرية وشغل منصب رئيس قسم اللغة اللغة العربية وآدابها معهد الدراسات الاسيوية والافريقية في نفس الجامعة، وما زال يدرس ويرشد طلبة الدكتوراة ويقوم بابحاثه في الجامعة العبرية.
تشكل دراساته وأبحاثه مصادر أساسية في جامعات العالم، وخاصة في ميدان الشعر العربي الحديث والمسرح العربي في القرون الوسطى والحديثة وادب يهود البلاد العربية . أشتهر بشكل خاص بأبحاثه في تطور أشكال الشعر العربي الحديث وموضوعاته وموسيقاه بتأثير الأدب الغربي، وبالذات تأثر الشعراء المهجريين، فيما استحدثوا من أشكال شعرية، بالتراتيل المسيحية البروتستانية المترجمة الى اللغة العربية.
كما تعتبر دراسته (المسرح الحي والأدب الدرامي في القرون الوسطى في البلاد العربية) سابقة أدبية، ورائدة في الأستنتاج بأن العرب عرفوا المسرح، حيث فند فيها رأي المستشرقين والباحثين العرب القائل بأن العرب لم يعرفوا المسرح البشري بل عرفوا خيال الظل. وقد اهتم بروفيسور موريه بأصدار وبحث الأنتاج الأدبي ليهود العراق باللغة العربية، و رأى فيه غصنا من شجرة الأدب العربي الحديث. وقد حصل في العام 1999 على جائزة إسرائيل، التي تعتبر أعلى جائزة يتسلمها باحث أو أديب أو كاتب في المجال الأجتماعي والعلمي.
أطلال منزل شموئيل موريه في البتاويين وراء الاستاذ مازن لطيف
- أهلاً وسهلا َ بروفيسور موريه ... أنه لشرف كبير أستضافتك سيدي ... هل لك أن تأخذنا لطفولتك:
- دأبت على رفض عقد مقابلات صحفية، لكي لا تنكأ جراح الماضي الأليم، ولكن رسالة من مثققة وأديبة عراقية درست ادبي دراسة عميقة، "صفق لها في حنايا الصدر عربيد" حنينا الى العراق، فعزمت على الرد عن طيبة خاطر وبكل صراحة:
ولدت في محلة حنون صغير وكانت تقع قرب سوق حنوني، وكان اغلب سكانها من اليهود، وكان الاهل والاقرباء يسكنون في بيوت متقاربة، وفي صغري لم يكن لنا علاقات مع جيران مسلمين، أما دار جدتي لأمي فكان يقع على شارع غازي امام سوق حنوني مباشرة، وكان جارهم اوهيّب بيرو القيسي من اقرباء البروفيسور مجيد القيسي عميد كلية العلوم في جامعة بغداد، من اشقياء المحلة من الذين يخشى جانبهم، وكان الوالدان وباقي الكبار يحذروننا من شيئين:
من اعتداء اولاد الملسمين علينا، ومن "خناق الأولاد"، فهمت فيما بعد إنها كنية لبعض الشواذ الذين كانوا يعتدون على الاطفال جنسيا ثم يقومون بقتلهم. كان عالم خيال الاطفال مليئا بالاشباح والجن والطنطل والسعلاة والخوف من الظلام والخوف من الأخر وعدم الثقة به، فالانسان ذئب لاخيه الانسان، والطريقة المثلى في التعامل مع السلطات والاقوى منك هو الرشوة، وكان الخوف من عقاب المدير أو الوالدين لاقل هفوة يلاحقنا دائما وكانت سطوة المسؤول أو الوالد سطوة تقليدية تلتزم بالقديم الذي بنيت اسسه على العبودية المتجذرة في الاوعي الشرقي واستغلال الضعيف والفقير، فهي استبداد مطلق، سلطة أبوية استبدادية يكون فيها الحاكم والأب يرى في رعيته قطيعا يستطيع التلاعب بمصيره، والمرأة بجسدها وروحها ملكا للوالد والعشيرة، والسلطة الابوية هي سلطة هرمية، في قمتها الحاكم أو الوالد، ثم الذكور حسب اعمارهم، وسلطة الاخوة الكبار تسري على الصغار في العائلة، والقول الفصل للاب ثم الام ثم الاخ البكر ثم تتناهى إلى اصغر طفل. والعلاقة بين افراد العائلة الواحدة علاقة تقليدية يشوبها الكذب والعنف والقسر، فالاكبر سنا يهدد الاصغر بالضرب إذا لم يطعه، والاصغر يهدد بالزعل مع الاكبر منه اذا لم يخضع لارادته. أليس هذا ما يحدث اليوم وبصورة مكبرة في محاولة الأسد اخضاع الشعب السوري لارادته عنوة؟
تعرفت على اولاد المسلمين بعد انتقالنا عام 1936 الى محلة البتاويين، وكنا من أوائل العائلات اليهودية التي انتقلت خارج محلات اليهود القديمة التي كانت ضيقة الشوارع، مكتضة بالسكان، بعيدة عن الشمس حتى كان بعض الاطفال في هذه المحلات يصابون بمرض السل الخطير، بينما بنيت الدور الجديدة خارج بغداد القديمة على الطراز الحديث، بحديقة زرعت فيها الاشجار المثمرة وشوارع واسعة قريبة من بساتين منها بستان مامو وبستان الخس، حيث كانت تسكن معظم العائلات المسلمة من كبار السياسيين والتجار. وفي بعض الاحيان كانت علاقات أجتماعية سطحية بين العوائل اليهودية والاسلامية والمسيحية من تلكيف وكلدان واشوريين والصابئة ولم يتم التصاهر بين هذه العائلات المختلفة الأديان بتاتا، فكل عائلة كانت تعيش ضمن تقاليدها الدينية والاجتماعية المتوارثة جيلا بعد جيل لسماحة الدين الاسلامي الذي اتاح حرية العبادة للجميع. أما بين الطبقات المتوسطة فكان تربط بينهم روابط صداقة وتزاور.
وقد شهدت بداية دراستي في مدرسة السعدون تصاعد مد القومية العربية والدعاية النازية في العراق مما جعل النعرات الدينية والقومية تستيقظ على اشدها. وكانت مدرسة السعدون النموذجية في البتاويين حيث انتقلنا اليها، نموذجا مصغرا للتيارات السياسية في العراق، كان يدْرس فيها اولاد كبار رجال الدولة من امثال فيصل ابن رشيد عالي الكيلاني وأبناء فاضل الجمالي، وابناء عائلة كبة والازري والقاضي والجابي وغيرها، وكان تصرفهم انعكاسا للأفكار التي كان يتمسك بها الكبار، لذلك كان الطلاب فيها يمثلون التيارات السياسية والدينية في العراق، مما ضايقني وافسد علي مرح الطفولة وصفاءها، فكثر الاعتداء على اليهود حتى ادى الى مذبحة "الفرهود" الذي خلف في قلوبنا جرحا عميقا لا يلتئم، ثم جاءت حرب 1948 واجهزت على البقية الباقية من تسامح العرب مع يهود البلاد العربية، ولا سيما في العراق حيث لقي حاج أمين الحسيني الترحاب وحرية العمل السياسي، فبث دعايته ضد اليهود بدون تمييز، وكان هذا خطأ فادحا.
- تذكر سيدي حصولك على الجائزة الأولى في مسابقة القصة في مدرسة شماس الثانوية بين عامي 1948- 1949 كانت تلك الحادثة ألوحيدة الجميلة قبل ألرحيل ..ياريت لو تحدثنا عنها.
كنت في المتوسطة ادرس في مدرسة فرنك عيني قبل ان انتقلت الى البناية الجديدة بعد هجرتنا عام 1951، وكان الاستاذ محمد حسن الصوري مدرس اللغة العربية يشجعني على المطالعة والكتابة، ثم انتقلت عام 1948 الى مدرسة شماش لكي استطيع تعلم الانكليزية بصورة جيدة وتقديم امتحانات المتريكوليشن في قبل المجلس البريطاني ثم اداء امتحانات البكلوريا العراقية، مما سيمكنني من الدراسة العليا في احدى الجامعات البريطانية، وكان مدرس اللغة العربية في مدرسة شماش آنذاك الاستاذ والاديب اليساري التقدمي حسين مروة قد عقد مسابقة ادبية في كتابة القصة القصيرة. قدمت قصة قصيرة بعنوان "الشقي"، تحدثت فيها عن تدهور اخلاق بطل القصة بسبب تدليل والديه له، فقد كان يرى انه يستحق كل شيء لا لسبب سوى لانه الابن البكر المدلل في العائلة، فإذا لم ينل ما يريد، كان يلجأ الى العنف للحصول على مبتغاه الى ان ارتكب جريمة قتل فحكم عليه بالشنق حتى الموت. وقال الاستاذ مروة في تقييمه للقصة بانها امتازت باسلوبها المتين وبالتحليل النفسي، فرشحني للجائزة الأولى واهداني كتاب "مرآة الضمير الحي" لطه حسين. طلب ساسون زميلي في الصف، قراءت القصة قبل تقديمها للمباراة، قال لي أن قصك تستحق الجائزة الأولى لاسلوبها، فلما رشح الاستاذ مروة قصتي للجائزة الأولى، صار ساسون هذا يظهر كأن تقييمه هو الذي ادى إلى منحي الجائزة، وهو الى اليوم ينسب كل نجاح لمعارفه واصدقائه الى فضله هو بالارشاد والتقييم. وكان الاستاذ مروة شخصية متميزة بين الاساتذة، إذ لم يكن العالم عنده منقسما الى مسلم ويهودي، بل كان يعامل الطلبة كل حسب مواهبه واخلاقه، وكان ينزعج من اطلاق إذان الظهر بواسطة مكبرات الصوت اثناء الدراسة فينقد المؤذن وتوقيت الإذان نقدا لاذعا.
-كنت قبل أيام من مغادرتك العراق تشتري ثيابا جديدة من شارع الرشيد وفجأة التقيت زميلك في الدراسة الابتدائية عبد الرحمن الجابي (كان والده صاحب صالونات الجابي في شارع الرشيد)، الذي بادرك بالسؤال: سامي سقّطت (الجنسية) ولو ما سقـّطِتْ؟، حين أجبته بأني سقطت قال: يا للأسف...." كيف تروي لنا تلك ألايام ألاولى في أسرائيل؟؟
- كان عبد الرحمن صائبا في المرحلة الاولى من هجرتنا، ولكن نتائج الأمور تقاس بعشرات السنين فيما بعد. كانت تلك الايام اياما عسيرة، فجأت قدمنا الى بلاد جديدة سكرى بانتصارها على سبع دول عربية بجيوشها ودباباتها وطائراتها ومجاهديها المتحمسين لإلقاء اليهود في البحر..
عائلة يهودية عراقية في احدى مطارات اسرائيل
فكان الموظفون في اسرائيل ينظرون الى مهاجري البلاد العربية نظرة استخفاف، وكانوا يسألون فيما اذا كان في العراق سيارات ومستشفيات ومدارس تدرس اللغات الاوربية، وخاب املنا عندما نقلونا الى معسكرات من الخيام التي اقيمت على عجل لاستيعاب لاجئين من الدول العربية والاوربية، نقف في طوابير لشراء حاجياتنا من دكان المخيم وحنفيات الماء والحمامات مع شحة المواد الغذائية فاضطررنا للعمل في اعمال لم نتعود عليها كالبناء وتعبيد الطرق والزراعة. وكان التحاقنا بالجامعة العبرية هو المنفذ الذي انقذنا من العمل في الخدمات العامة، وسرعان ما اثبتنا اننا نستطيع ان نقف على قدم المساواة في دراسة العلوم المختلفة، مما مهد لنا الطريق نحو الاندماج السريع في المجتمع الإسرائلي. وكان لتفوق العديد من الطلية في الرياضيات والفيزياء اكبر الاثر في اندماجنا السريع في هذا المجتمع الذي يقدس العلم.
- أيامك ألاولى في أسرائيل عملت لاستلال لقمة العيش...بعدها جُندت في ألجيش...ثم عدت لأكمال الدراسة في الجامعة العبرية في القدس، وقد نجحت وحصلت على منح دراسية كثيرة، منها منحة لكتابة أطروحة الدكتوراة في جامعة لندن (معهد الدراسات الآسيوية والأفريقية) في موضوع الشعر الحديث. وقد حصلت عليها من المجلس البريطاني وأصدقاء الجامعة العبرية.....كيف كانت تلك ألايام؟؟
- كانت الايام الأولى من سكنى الخيام ايام عسيرة، أيام "عزيز قوم ذلّ"، بلا نقود ولغة عبرية نستطيع التعامل بها مع السلطات، كان علينا ان نبتدئ من نقطة الصفر. وكان لقائي بأخي الاصغر مني يدعوني الى الاتحاق به في خيمته لكي لا تسلب منه لانه اعزب ووحيد، صدمة نفسية كبرى، فتشنا عن عمل في البناء قصم ظهورنا، قال الأخ البكر يجب الدراسة في الجامعة وإلا فسنقضي العمر عمالا بسطاء، كانت ايام الدراسة صعبة للغاية، بدون عمل وفي جامعة لغة التدريس فيها هي اللغة العبرية التي لا تتعدى إلمامنا بها سوى بعض مفردات من التوراة، وكنا نقوم باعمال حقيرة لكسب لقمة العيش، ومع ذلك ثابرنا على الدراسة واستطعنا التفوق فيها بعد ان ملكنا ناصية اللغة العبرية. ساعدتني المنح والجوائز التي حصلت عليها لتفوقي العلمي على مواصلة الدراسة. ولما قررت الجامعة توسيع مجالات التدريس في مجال الادب العربي الحديث، اختارتني لمواصلة دراستي في الخارج في ميدان الشعر العربي الحديث.
كان انتقالي للدراسة في جامعة لندن بمنحة دراسية من اسعد ايام حياتي، فقد كنت متفرغا للمطالعة والبحث العلمي الذي اهواه، وكانت مكتبة معهد العلوم الشرقية في جامعة لندن ومكتبة المتحف البريطاني غاصة بالكتب العربية التي صدرت في القرن التاسع عشر ومطلع العشرين، وكنت اقضي جل يومي في المكتبات باحثا ومنقبا في بطون الكتب والمجلات دون الاعتماد على ما كتبه الباحثون قبلي، فعثرت على جذور احياء الثقافة العربية والاحتكاك بالغرب في خطواته الأولى، وخاصة في سوريا ولبنان ومصر والعراق. وقد عثرت على الترانيم الدينية المسيحة فوجدت تشابها كبيرا من حيث الأوزان ونمط التقفية والمواضيع الروحية والترانيم و بين شعر المهجر، وقد دفع تهميش الاقليات الدينية في سوريا ولبنان خاصة، على الهجرة الى أمريكا، وجاء انتشار الحركة الماسونية في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين وازدهارها نتيجة لرغبة المسيحيين وبعض المثقفين العرب للتخلص من النير العثماني والتعصب الديني، فقد رأى هؤلاء المهجريون ان الاصلاح الأخلاقي والروحي والفلسفي هو الطريق الامثل لمحاربة التعصب الديني، ثم حلت الافكار الماركيسية في العراق خاصة محل الافكار الماسونية لتحقيق المساواة بين الاديان والطوائف المختلفة، وكان رجال الدين من اشد اعداء التيارين الماسوني والشيوعي، وتم القضاء عليهما وخاصة على التيار الشيوعي العلماني بالعنف، فالاضطهاد السياسي ادى الى تشريد كبار المثقفين العراقيين والعرب الى اوروبا الشرقية والغربية، وسجن وشنق زعماء الشيوعية في العراق خاصة. ولم تستطع النظم الملكية تحقيق تطلعات الشعوب العربية، ثم جاء حزب البعث في العراق وسوريا بتأكيده على القومية العربية المتطرفة، وتهميش الاقليات الدينية الاخرى. وانشغل بالتنافس السياسي الداخلي وبحروب خارجية بدل الاعمار والبناء والتعليم واحرقوا ثروات البلاد بالتسلح والحروب أكلت الاخضر واليابس.
- بدأت التدريس في الجامعة العبرية عام 1966 موضوع اللغة العربية وآدابها....وكنت تقول دائماً أن أللغة ألعربية بمثابة أم .... أما ألعبرية فلا تتعدى أن تكون أما صديقة أو زوجة..
- سجلت في السنة الأولى في الجامعة لدراسة الرياضيات والفيزياء، ثم وجدت إني كنت اكثر سعادة مع الأدب العربي الذي اجد فيه تجاوبا نفسيا وروحيا، فقررت في أول يوم دراسي الى تغيير موضوع الدراسة الى الادب العربي، فغضب الموظف المسؤول وقال، ماذا ستجني من وراء اللغة العربية وآدابها؟ اتظن اننا سنفتتح سفارات في البلاد العربية وتصبح سفيرا؟ ادرسوا العلوم الحديثة فإنها اجدى! قلت له، هذا اختياري النهائي ولا احيد عنه، فوافق على مضض، تقبلت كل اساليب التدريس في الجامعة وخاصة الطريقة الاوربية في تدريس قواعد اللغة، وكان الطلاب العراقيين يعترضون عليها ويطالبون بتدريسها حسب كتاب سيبويه لانهم اعتادوا عليها، أما المصطلحات العلمية الاوروبية في الاعراب فقد كانت عويصة على فهمهم، وكنت ارى ان علينا تفهم الدراسات الحديثة ولا نجمد على القديم. وطريقة البحث التي ارشدني إليها اساتذتي هي الاعتماد على النص الادبي وفهمي له وتحليله دون الرجوع الى ابحاث الآخرين وتلخيصها، وبعد الانتهاء من الكتابة مقارنة استنتاجاتي بما كتبه الباحثون قبلي، وهكذا افلحت في التجديد في ابحاثي واستقلالي بها. إن فهمي للغة العربية كلغة أم جعلت ابحاثي تمتاز باستقلالها وبعمقها، والى اليوم اجدني أفضل الكتابة باللغة العربية على العبرية التي لم تتمكن من الاستحواذ على مشاعري لتحل محل العربية بموسيقاها الرائعة ومفرداتها الغنية وايقاعها الفريد التي تتناغم مع افكاري وعواطفي، فتركت اللغتين العبرية والانكليزية للابحاث العلمية وابقت على لغة الام العربية في كتاباتي الادبية التي تتلاعب بنياط القلوب، ويستطيع القاريء العربي التماهي معها.
نعم، كتبت شعرا باللغتين العبرية والانكليزية، ولكنني اجد اللغة العربية اجمل واكثر انصياعا وتناغما مع عواطفي وافكاري من اللغات الأخرى، فهي لغة الأم ولا بديل لها، أما باقي اللغات التي تتعلمها فتبقى هامشية.
- أي من أبحاثك أو دراساتك تعتز بها بشكل خاص.
- كتابي عن الشعر العربي الحديث وأثر التيارات الفنية والفكرية الاوروبية فيه والذي نشرته باللغة الانكليزية، وبحثت فيه تطور الهيكل الايقاعي ونمط التقفية بتأثير الشعر الاوروبي ثم ظهور الشعر المرسل لاغراض المسرحيات الشعرية والمطولات والشعر الحر للتخفيف من عبودية القصيدة التقليدية للشاعر ثم الشعر المقطعي أو شكل الأدوار الشعرية محاكاة لفنون الموشح والزجل، واخيرا ظهور تيارات الشعر المنثور والشعر الحر وقصيدة النثر، يحثا عن شكل يلائم روح العصر الحديث ومتطلبات حرية التعبير بطرق جديدة طلبا للتخلص من قيود الماضي في التعبير الشعري.
وهكذا استطعت ان اقف على التيارات التي اثرت على الفكر العربي الحديث. وقد لاقى الكتاب نجاحا في الاوساط العلمية وقام اساتذة مصريون بترجمته الى اللغة العربية.
أما الموضوع الثاني الذي انفقت في دراسته عشر سنوات طويلة، فهو موضوع المسرح العربي، وهل عرف العرب المسرح البشري أم اكتفوا بمسرح خيال الظل؟ راجعت كتبا قديمة لم يهتم بها الباحثون سابقا من كتب يونانية ولاتينية وآرامية وعبرية و وألمانية وفرنسية وانكليزية، فتوصلت الى نتيجة ان العرب عرفوا المسرح البشري وكانوا يطلقون عليه اسم خيال، فلما جاء مسرح خيال الظل من جنوب شرق اسيا مع التجار والملاحين، اطلق عليه العرب اسم خيال الظل اي التمثيل بواسطة شخوص ينعكس ظلها على ستارة من نور شمعة.
أما البحث الأخير فهو تحقيق كتاب "عجائب الآثار في التراجم والاخبار" للشيخ عبد الرحمن الجبرتي المصري، حققته على مخطوطة المؤلف التي كتبها بخط يده والمحفوظة في جامعة كمبردج في انكلترا، في اربعة اجزاء مقارنا النص مع طبعة بولاق وما يقارب 30 مخطوطة صححها المؤلف بخطه او نقلت من مخطوطة المؤلف، ووضعت فهارس شاملة في اربعة اجزاء اخرى، فيكون مجموع صفحات الكتاب 2700 صفحة، بالاضافة الى مجلد كامل باللغة الانكليزية في اكثر من 400 صفحة عن حياة الجبرتي واعماله التاريخية والعلمية. وسيصدر قريا النص العربي لكتاب عجائب الآثار عن سلسلة مكس شلوسنجر التذكارية التابع للجامعة العبرية .
- ما هي الدوافع التي جعلتك تصدر دراسة عن المسرح؟؟؟
- البداية كانت محاولة معرفة فيما إذا كان مسرح يعقوب صنوع تقليدا للمسرح الاوروبي او انه كان امتدادا لمسرح مصري شعبي يقوم الممثلون الذين كان يطلق عليهم اسم محبظون بعرض مسرحيات كما ذكرهم المستشرق البريطاني ادوارد وليم لين في كتابه ا"خلاق وعادات المصريين المحدثين"، وطريقة تمثيلهم المشابهة للمسرح الاوروبي، واستطعت ان اثبت أن هذا المصطلح كان معروفا في القرون الوسطى، وانه استبدل مصطلحي "خيال" و "حكاية" اللذين استخدما في صدر الاسلام للدلالة على مسرح يقوم في الممثلون بارتداء ملابس تعود الى فترات تاريخية قديمة لكي يقوموا باحياء الماضي في الحاضر امام المشاهدين للامتاع والنقد الاجتماعي والوعظ .
- ما رأيك بكتّاب يهود عراقيين كتبوا باللغة العربية في البداية ثم انتقلوا للكتابة باللغة العبرية؟ وهل تذكر أنور شاؤل رائد ألقصة ألعراقية؟؟.
- الكاتب هو ذو رسالة يريد توصيلها الى جمهور القراء، وكان عدد القراء اليهود باللغة العربية في إسرائيل يتناقص مع الزمن، أما العرب في اسرائيل فلهم مشاكهم التي يهتمون بها، فما يكتبه القادم من العراق لا يهم القارئ العربي، وقد اراد الكتاب العراقيين تعريف المجتمع اليهودي بمشاكلهم ومواقفهم من المجتمع الجديد والحديث وعن تجاربهم الانسانية والسياسية والاجتماعية في العراق وموقفهم من التيارات الفكرية والسياسية في اسرائيل، فانتقلوا الى الكتابة باللغة العبرية ليكون لهم جمهور قراء، وهذا يفسر لنا لماذا كانت اغلب رواياتهم تعتمد على السيرة الذاتية للمؤلف.
- تسكن في شارع يحمل اسم "نهر الفرات" في بلدة "ميفاسيريت يروشلايم" والتي تبعد نحو ستة كيلومترات فقط عن العاصمة. بعد أن عَلِمَت السلطات في البلدية بأنك تسكن في هذا الشارع الذي كان يحمل في السابق اسم "مدخل أ" قامت بتحويل الاسم إلى شارع "نهر الفرات"، ثم نَمَتْ في نفس السنة فسيلة نخلة تمْر من نُواة لم يخطط لها أحد. فرأيت في ذلك تعويضا عن العراق ....هل كان يكفيك ألفرات ونخلة.
- طبعا لا يكفيني، بل كان الامر يثير الحنين بصورة اشد مما كنت اتصور، حتى بدأت اشعر ان العراق قدري وانه يلاحقني في كل مكان حتى في عقر داري، ولا استطيع الفكاك منه، وبما ان زيارة العراق كانت وما تزال امرا مستحيلا، فقد تعزيت عن فقد العراق بما اتاحه لي القدر واكتفيت بمراسلة اصدقائي والاستفسار عن دارنا في البتاويين وما حل بها، ومازلت احلم بزيارة العراق بعد توقيع معاهدة سلام معها وأنا بالانتظار حتى يأتي الله امرا كان مفعولا.
- صدر عن مكتبة كل شيء كتاب "بغداد حبيبتي" يقع الكتاب في 425 صفحة، نشر في جريدة "إيلاف" ثم في جريدة "ألأخبار" منقحا مع قائمة بمؤلفاته وصور من حياته وفهرس اسماء الاعلام
يقول الدكتور سمير الحاج في مقدمة الكتاب "البروفيسور موريه محاضر في الجامعة العبرية – القدس في موضوع اللغة العربية وآدابها وباحث عريق في موضوع الادب العربي، تشكل دراساته وأبحاثه مصادر اساسية في جامعات العالم, الكتاب عبارة عن سيرة ذاتية يتحدث فيها المؤلف عن ذكرياته الجميلة والعلاقات بين العرب واليهود في العراق وعن الأيام الأخيرة في مسقط رأسه بغداد
هنيئاً لمن يمتلك هذا ألكتاب .... حدثني عن فكرته وان كان يروي ذكريات وشجون يهود ألعراق ....كم أستغرق منك وقت لكتابته
- لم اخطط للكتاب ولم افكر في تدوين ذكرياتي، غير ان القدر اجبرني على ذلك، كان الاستاذ عبد القادر الجنابي قد طلب من صديقي الدكتور سمير الحاج ان يعقد معي مقابلة حول حياتي، فوافقت على مضض، ولكنني اليوم اشكر الاستاذ الجنابي على مبادرته المباركته ، التي شجعتني على مواصلة تدوين ذكرياتي التي سر بها كثير من القراء واضفت فيها الى ذكريات العراق صفحات لم تكن معروفة من قبل.
- في الحلقة الأخيرة من الكتاب والتي يتحدث فيها عن الرؤيا المباركة رؤية رسول الله (ص) في المنام صفحة 346 تقول: "وعندما سمع صديقي استيفان حديثي عن الرؤيا المباركة ظن انني اختلقتها، فقلت له بأنني كشرقي ولد في البلاد العربية، اؤمن بكرامات الانبياء واحترم رسالاتهم ولا تطاوعني نفسي عن اختلاف احلام او الكذب في روايتي، واعد ذلك تطاولا عليهم، فلنا اعتقاد راسخ بحرمة الانبياء وقداستهم". ماهي تلك ألرؤيا
- هذه الرؤيا التي شاهدتها كانت كانها حقيقة واقعية، لم اصدق ان النبي محمد (ص) يأتي بجيش جرار على صهوة افراس بيض ويحلق فوقه الملك جبريل يحرسه، ويطلب لقائي، فلما تقدمت من صف الفرسان الاول ترجل عليه الصلاة والسلام واخذ يدي وصافحني، وأنا ارى انه لو لم يكن ينوي المصالحة مع اليهود لما ترجل وصافحني وشملني برعايته. ولما كرر كراماته معي.
لوحة لاجئون بريشة إيمان ألبستاني
الشاعر ألفلسطيني زياد مشهور مبسلط يرد على قصيدتك ألمؤثرة بعنوان الرحيل وألتي تقول فيها :
قالت لي أمي والأسى في عينيها:
"ظلمونا في العراق،
وضاقَ المُقامُ بنا يا ولدي،
فما لنا و"للصبر الجميل" ؟فهيا بنا للرحيل"
وعندما بلغنا الوصيدا،
قالت لي: "يا ولدي لا تَحزنْ،
إِاللّي ما يريدكْ لا تريدَهْ "،
هَمستْ: " يا حافرَ البير "
بربكَ قلْ لي لهذا سببْ؟ "
ورَحلنا ...
وقبلَ رَحيلِها الأخيرْ،
قالتْ لي أمّي،
والقلبُ كسيرْ :
" أحنّ إلى العراق يا ولدي،
أحنّ إلى نسيمِ دِجلة
يوشوِشُ للنخيلِ،
إلى طينها المِعطار
إلى ذيّاك الخميلِ،
بالله يا ولدي،
إذا ما زُرتَ العراقْ
بعدَ طولِ الفراقْ
قبّلِ الأعتابْ
وسلم على الأحبابْ
وحيّ الديار
وانسَ ما كانَ منهم ومنّا!"
* * *
يرد على قصيدتك ألشاعر ألفلسطيني ويقول
شموئيل ُ تحن ّ ُ و أمـك َ للعيش ِ ببغداد
ارحل عن وطني ،
عد ْ من حيث ُ أتيت ْ
وتذكّر ذاك البيت ْ
ليس على أرضي لغريب ٍ بيت ْ
عد ْ من ْ حيث ُ أتيت ْ
كيف تجيبه وهو عاشق وطن هو ألاخر؟
- أقول للشاعر الفاضل زياد، بأني متفهم لآلآمه ومأساته، فقد مررنا بنفس المأساة، وطردنا مثل الفلسطينيين وسكنا الخيام مثلهم ولذلك يرى بعض الكتاب والشعراء الاسرائيليين المطرودين من البلاد العربية، اننا اقرب الى مأساة الفلسطينيين وعلينا ان نشاركهم في العثور على حل للمشكلة بصورة واقعية ومقبولة من الطرفين لحقن الدماء. والكثير من يهود البلاد العربية يرى ان من حرض الحكومات العربية ضد اليهود في البلاد العربية هم الفلسطينيون دون التمييز بين الصهيونيين وغير الصهيونيين، وكان هذا اساس البلاء. ان رفض العرب للتقسيم واصرارهم على القاء اسرائيل في البحر هو الذي ادى الى كل المصائب لدي الشعبين اليهودي والعربي. إن طلبه ان ارحل عن وطنه، مثلما طلب محمود درويش ان يرحل اليهود ويأخذوا موتاهم معهم، هو حل ساذج، اي يريد من كان السبب في طردنا من العراق أن نعود الى العراق مرة اخرى في مجتمع لا يثق باليهود ويمكن ان يأخذهم رهائن في حالة حرب مع اسرائيل او اتهامهم بالجاسوسية، أي ان نعيد المأساة مرة اخرى، وكان الاحرى به ان يفكر بحل اكثر واقعية، لا بصورة ساذجة بان يأمر ان أعود من حيث اتيت!
- لو شرفتني بزيارة وإن كانت أمنية ... ماذا كنت تطلب مني أن أعد لك من ألاكلات ألعراقية؟؟
- كنت اطلب ان تعدي پاچة عراقیة وقرع وأوراق عنب محشية وشلغم مايع. وقد علمت بعض العائلات الفلسطينية بولعي بالپاچة منها عائلة مساعدة الابحاث العلمية في الجامعة العبرية الآنسة "شيرين تواتي"، فقد أخذوا يعدون لنا الپاچة في الاعياد وقد تعلموا من زوجتي الفنلندية اعداد كبة الرز وكبة البرغل العراقية اللذيذة الطعم،
لك صورة جميلة تجمعك مع صحن خشبي مرسوم عليه نخلة ....ماقصة هذا ألصحن....وهل يحوي مسكنك لوحات عراقية
- وعن الصورة التي تجمعني مع النخلو فهذا هو أحد الكراسي لطاولة المائدة التي زخرفت على وجوهها صورة النخيل التي هي عندي رمزٌ للعراق الحبيب، وجدران دارنا تزينها الصور الحافلة بمناظر عراقية، منها صورة زيتية لبيت عراقي قديم بشناشيله وبابه المزخرف مع الدقاقة النحاسية لطرق الباب اهداها الي صديقي الاعلامي الاستاذ حسين الحلي نزيل كندا التي اعتز بها، وصور زيتية لرسامين عراقيين، وخاصة صور زيتية رسمها اخي الرسام مراد موريه نزيل باريس، ورسوم لوالدي لمواكب زيارة الكفل بالشموع والبيارق وغيرها، التي احافظ عليها، واتعزى بها عن الماضي.
- عندما ترى ما يحدث في العراق، ما يخطر ببالك وماذا تتمنى للعراق؟
- كلما اسمع او ارى في التلفزيون ما يحدث من تفجيرات بين صفوف افراد الشعب العراقي العزل، أحزن كثيرا وتتقطع له نياط القلب وتحترق شغافه مني، واترحم على الشهداء، وكلما حاولت فهم المغزي من قتل الاطفال والنساء والرجال من قبل الارهابيين لا استطيع ايجاد تفسير منطقي لهذه الاعمال التخريبية العبثية المجرمة. فأردد الآية الكريمة "إن الظالمين لهم عذاب أليم".
- هل إنتهى دور يهود العراق في العراق؟
- طبعا انتهى دور يهود العراق في العراق، بعد ما حدث من تخريبه وتخريب الاخلاق العراقية الكريمة فيه، فيهود العراق يعيشون في وطن جديد تبوؤا فيه مكانة هامة في اسرائيل في جميع مرافق الحياة العملية والعلمية، وهم يتمتعون بالتأمين الوطني والتأمين الصحي والدراسات العالية التي تعد من افضل التأمينات الصحية والدراسات في العالم، واندمجوا في الحياة الاجتماعية واختلطوا مع باقي الجاليات الاخرى ولا سيما مع الاشكناز اندماحا تاما بمستواهم الاجتماعي والعلمي والقليل من ابناء الجيل الثاني والثالث من يتكلم العربية أو يجذبه ماضي اليهود في البلاد العربية. ولا نجد سوى القليل الذين يتمتعون بسماع الموسيقى والاغاني والافلام العربية التي يبثها الراديو والتلفزيون. ويتمنى الجميع ان يعقد اتفاقية سلام مع العراق يليستطيعوا زيارة دورهم ومحلاتهم التي تركوها او تركها آباؤهم وما زالوا يحنون اليها. ويرى الكثير ان يهود العراق انهم يستطيعون اعادة رفاهية العراق كمستشارين ولا يفكرون بالعودة الى العراق بسبب الوضع الامني والصحي وانقطاع تيار الكهرباء والماء والاتصالات الكهربائية كما هو عليه اليوم.
- نعود الآن إلى الأدب والشعر، مَن مِن الشعراء العراقيين تأثرت به بصورة خاصة
- اكثر ما اثر علي هو الشاعر العراقي الكبير بدر شاكر السياب بنجاحه المنقطع النظير في تطعيم الشعر العراقي والعربي عامة بالشعر الحر ومواضيعه الانسانية والصور الشعرية الحركية المعبرة، بدلا من الاسلوب التقريري القديم، فهو لا يقول بصورة نثرية غير موحية، "أني حزين"، بل يصور موقفا تدرك منه مدى الحزن الذي يعاني منه الشاعر، وصورة الحنين الى العراق، واليأس والفقر الذي يعاني منه يصوره بصورة حركية مأساوية يائسة:
أصيح بالخليج، يا خليج، يا واهب اللؤلؤ والمحار والردي
فيرجع الصدى كانه النشيج:
يا خليج! يا واهب المحار والردي!
وبأسقاط كلمة "اللؤلؤ" ندرك بانه لم يكسب في دول الخليج سوى المحار (الافلاس) والردى (المرض الذي ادى الى موته). كما تأثرت بعبد الوهاب البياتي وجبران ، ونزار قباني. أما أمير الشعراء العرب أحمد شوقي وتقمصه روح مجنون ليلى، فقد اثرت عليّ بأني اصبحت ارى نفسي قيس ابن الملوح عاشق ليلى المريضة في العراق، فاعبر عن خوالج نفسي بابيات قيس في حنيني للعراق.
- وماذا عن الفن والموسيقى. من هو فنانك العراقي المفضل؟؟
- الأخوان صالح وداوود الكويتي، وناظم الغزالي وسليمة مراد، والمنولوجيست الناقد الاجتماعي الكبير عزيز علي، الذي اذا قال منلوجا اصبح العراق في غده منشدا لمنولوجه.
https://www.youtube.com/watch?v=AL0hG5e4TXs
- هل تحن إلى أجواء بغداد ... هل تذكر ليالي الجزرة والنزهات بالبلام على دجلة في أيام الصيف المقمرة، ورائحة ضفاف دجلة ودخان السمك المسكوف يعطر الأجواء ...هل خلقت لك أجواء مشابهة في أسرائيل.
- طبعا كان نزهات البلام وليالي الجزرة المقمرة واكل السمك المسكوف ورائحة ضفاف دجلة العطرة التي احن إليها وخاصة في الصيف، هي حلم الطفولة والصبا الى اليوم، وكان صيد السمك بالشص والشبكة هي من هوايتنا، ولاسيما اننا كنا قريبين من دجلة الخير قرب شاطئ أبو نواس، ولا يبعد عن بيتنا سوي مسافة عشر دقائق مشيا على الاقدام. وكنا كثيرا ما نهرب من البيت ونسبح ونصطاد السمك، فنعاقب على ذلك، اذا ما وشى بنا احد الجيران، ولكننا كنا نشعر بالأمان مع الوالد والأخوة. وكنا نصطاد السمك الصغار من الشبوط والبني وابو سويف، ونضعها في نافورة الحديقة. واحيانا كانت تعلق في صنارتنا سمكة جرية فنرميها مرة اخرى الى النهر أن نرجمها بالحجارة الانها كانت محرمة علينا لان جلدها بدون فلوس وهي من الاسماك المفترسة. ولم نعثر على أجواء مثيلة لها لا في اسرائيل ولا في اوروبا وامريكا..
كما انني لم اشم توابل سوق الشورجة في اي سوق عربي زرته في الاقطار العربية، وكما قلت في ذكرياتي، الحلقة 21 عن سوق الشورجة: "هناك فقط كنت اشعر بأني في نعيم احضان وطني، فيغمغم وجاني بوجد صوفي مسكر: "وطني وريحة أمي بيك"!
-كيف تحكي عن صداقتك بالأستاذ جلال چرمگا ومدى متابعتك لموقعه؟؟
- تراسلنا مرارا ونشر قصيدتي "الرحيل" مزينة بالصور الحركية التي تضفي على الأبيات اجواء رائعة من المشاعر والاشواق، فاعجبني فنه الذي اعاد الى ذهني طريقة صندوق الدنيا حيث تعرض الصور مع صوت محرك الصور، فتندمج مع المعاني مع الصور بصورة رائعة.
- لو أخذتك من يدك ألان ووصلنا بغداد ... ماهي أمنيتك أن تزور أول شئ وهل تذكر أصدقائك ألقدامى ....وماذا ستحمل من بغداد أذا عدنا.
- أول ما ازور هو دارنا في البتاويين، وان قيل لي بانها هدمت واقيم على ساحتها مطبعة، فابكي الديار واطلال الذكريات، ثم ازور كنيس مئير طویگ، لاقف خاشعا امام ذكريات الماضي السعيد فيه، ثم اواصل السير الى مدرسة السعدون الأحيي طفولتي الباكرة وذكرياتها الحلوة والمرة..
وامر من سياج قصر جلال بابان، ثم بارك السعدون لاستعيد ذكرى تسلقي العمود في ميلاد المرحوم الملك فيصل الثاني الذي قتل غدرا ولم يرحم القاتل شبابه وكونه من احفاد النبي محمد (ص) ولم يشفع له رفع القران الكريم فوق رأسه، وهل هناك اثم اشد من هذا الاثم، فكان العقاب موت قاتله اللئيم منتحرا وشبح الملك المغدور يطارده ليل نهار، ثم يقتل كل من شارك في الانقلاب الغاشم. فأقول مع شوقي "أعظم بوجهك يا رب من قاض ٍ ومنتقم"!ٍ
- ماذا تريد أن تقول لنا أخيراً ....نحن قرائك ومتابعيك ...وأن كان جلنا مثلك قد أكتوينا بنار عشق ألوطن ومرارة ألغربة وألرحيل ....لقد هُجرنا جميعاً من صاحب ألموقع أستاذ جلال .... ألى كتَابه ومحرريه.... وجل قرائه .... لقد حملت أنا أطفالي ياسيدي كعجين خبز .... وحقيبة رُتبت على عجل ... كحال ألجميع ... وأرتحلنا عن ألوطن ... بدون وداع .... أنت كان ينتظرك وطن ....نحن بتنا نستجدي وطن .... ولقمة عيش لأطفالنا مغمسة بمرارة ألذل ... أنت تركت ألعراق بأول عمر ألشباب ....ونحن أحرقنا ألشباب بخدمة ألوطن .. لم نجازَ ألا بالبعثرة بين ألدول .... لم يُستثنى أحد ... ألمسلم وألمسيحي وألارمني وألصابئي وأليزيدي وألكردي قبل ألعربي وحتى ألتركماني .... سيدي أنتم بدأت بكم ألمأساة ... وبنا أنتهت!
- سيدتي الجليلة، كم أنا حزين لقراءة ما كتبتِ، نعم، هذا ما كتبه صديقي حمزة الحسن في روايته الرائعة "عزلة أورستا": "أرانا ... غرقنا في وحل واحد. لكنك أفضل حالا، أنت في وطن وأنا في منفى. هل تقبل بهذه المقايضة؟".
الحقيقة أنني أأسى لمأساة اخوتي واخواتي العراقيين وما هل بهم من تشرد كنا أول من ذاق ذله، فقد مررنا به نحن يهود العراق قبلكم، كل ما استطيع قوله باني اتعاطف واحزن معكم، ولعلكم تستطيعون اقامة مؤسسة عالمية لإغاثة المنكوبين بدعم من الحكومة العراقية وايجاد الوظائف لمن يريد العودة الى العراق، بتعويض من الحكومة العراقية، فما اشد حاجة العراق الحديث الى المغتربين والعلوم التي درسواها خارج العراق.
وعند قراءتي لما يكتبه العراقيون من مآس فإني احمد الله انني اعيش في دولة ديموقراطية تناصر حرية الفكر والكلمة، اكتب عن حبي وحنيني الى العراق فلا يقول لي احد باني خائن لوطني الجديد لأنني احب العراقيين والمسلمين، هذا الوطن الجديد الذي احسن اليّ والى جميع اللاجئين اليه، وبوّأني واخوتي اعلى المناصب العلمية ومنحني اعلى الجوائز والأوسمة وخاصة أنه أنعم علي بجائزة إسرائيل، وكم يحزّ في نفسي وانا اشاهد الفرق بين اسرائيل ومعاملتها لنا على قدم المساواة وتشجيع ذوي المواهب بالمال وفرص الدراسة العالية، بينما بقي اللاجئون الفلسطينيون في معسكراتهم في فقر مدقع وبدون أمل، ولا ادري الحكمة من وراء ذلك. وانا ادعو الله ان يزيل هذه الغمة عن الفسطينيين وعن العراق ويهدي الحكام العرب الى سواء السبيل والاهتمام بشعوبهم بتقسيم ثروات البلاد العربية بالعدل، فالعدل اساس الملك، ودولة الظم ساعة ودولة العدل حتى قيام الساعة.
- ختاماً، ستبقى كرامات نبينا الكريم محمد (ص) تواصل سحرها السماوي الشافي في حفظ وسلامة النبيل العراقي سامي، وسيبقى صوت نبينا الملائكي المهيب، يردد في مسامع كل الطيبين:
- “انت سامي اليهودي"
.. نعم
"خدمت أمتي، فأنت في رعايتي وذمتي، لا تخشَ شيئا"
وهل تـُغفل الحقائق عن كرامات نبي عظيم..؟ نعم هي حقيقة ناصعة، فقد كرس البروفيسور شموئيل سامي موريه معظم سني حياته في خدمة الحضارة والأدب العربي والإسلامي
وسيشفع لنا نبينا ألكريم لي ولكم قرائي ألاعزاء ....أليس هو من قال - طوبى للغرباء - ونحن غرباء
في أمان ألله .. لضيفنا ... ولكم
- سيدتي، قد لا تصدقين أنني الي اليوم احظى بكرامات النبي الكريم، بحيث تذهلني رعايته، ويعجب اصدقائي المسلمين من ذلك وقد شاهدوا بعضها بأم اعينهم، وتشهد على ذلك الآنسة شيرين تواتي التي شاهدتها بأم عينيها بعض هذه الكرامات ولا تزداد إلا ايمانا به. وحفظه لوعده، فلا املك إلا أن أقول: صلى لله عليه وسلم. "ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا". وشكرا لك على هذه الاسئلة الشيقة.
تعقيب - لوحة لاجئون ألمعروضة في أللقاء كنت قد رسمتها أيام كنا لاجئين في ألمانيا وعٌرضت في معرض سألني ألالمان يومها من تقصدين أليهود قلت لهم بل ألجميع ...رسمت نفسي أحمل أطفالي بملامح كالطين ..طلبوا رفعها من ألعرض وأشتراها ثري سويسري..
جلال چرمگا: كل الشكر والتقدير للبروفيسورالعراقي الأستاذ / سامي موريه على هذه المقابلة الرائعة وهذا الشعور الجميل والنبيل تجاه وطنه(العراق)..نطلب من الباري أن يمدكم بالصحة والعافية والعمر الطويل...
1567 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع