فنجان قهوة مع الفنانة التشكيلية الرائدة وداد الاورفلي
إيمان البستاني
ضيفتنا يا سادة يا كرام ....ان نطقتَ بأسمها ستحضر أمامك بغداد , بكل جَمالها وسِحرها , وزُرقة قِبابها وتلألئ مَناراتها , كانت هي شهرزادها , تروي لنا حكايات الف ليلة وليلة منمنمة بتركواز الحُلم ولون الشفق , حتى شهريار بصولجانه خجل من عِشقها فنفض جلبابه وأنسحب, تاركاً اياها صنوان لبغداد , فرسمت ورسمت واحتضنت كل من يحب الجمال , علّمت ودرّبت ونصحت وأسّست مركزاً للفنون , كان قِبلة لعشاق بغداد
منذ طفولتها كانت شقية متمردة , متطلعة للمعرفة والتغيير وتسكنها حكايات الدار وحنة صواني زكريا , سافرت لتكمل دراستها في بيروت على خطى شقيقاتها من قبل , ثم اقترنت برجل عظيم أسفاره الكثيرة جعلتها تبحث عن نفسها علها تجدها, ووجدتها لتكون بعدها ملاذ لكل عاشق فن , ان تعبت من الرسم كتبت شعراً وان تعبت من الشعر لحنت لحناً فجمعت الفنون فأبدعت
ضيفتنا بكل حب وتقدير السيدة وداد الاورفلي التشكيلية الرائدة , ولدت في بغداد ١٩٢٩ , درست الفن والخدمة الاجتماعية في الجونير كوليج في بيروت وتركت في السنة الرابعة واكملت الدراسة في كلية الملكة عالية , وتخرجت بدرجة اولى قسم الخدمة الاجتماعية
درست ٤ سنوات في مرسم الدكتور خالد الجادر في كلية الملكة عالية و تخرجت من معهد الفنون الجميلة فرع الفنون التشكيلية قسم المسائي عام ١٩٦٠ لتبدأ مشوار حياتها الحافل بالعطاء والتميز
تتشرف مجلة الكاردينيا الثقافية بأستضافتك ست الكل وممتنين لموافقتك وأجاباتك على اسئلتنا النابعة من محبتنا وتقديرنا لشخصك الكريم فأهلاً وسهلاَ
س - ( محمد أمين) اسم لولد اعطوه لك عند ولادتك هل تروين هذه الواقعة الغريبة ؟
ولدت في بغداد يوم 25 تموز 1929 في بيت جدي أبراهيم الاورفه لي والد أمي، وانتقلت وأنا طفلة الى بعقوبة، بحكم انتقال والدي من الموصل كرئيس محاكم، الى ديالى. امي هي وصفية ابراهيم الاورفه لي، متزوجة من ابن عمها مكي عبد الرحمن الاورفه لي. وكانت امرأة بسيطة طيبة القلب، تزوجت والدي، ابن عمها، حسب طريقة أيام زمان إذ لم يلتقيا أبداً، عندها أشاروا لها بأن هذا الواقف بعيداً هو ابن عمك وخطيبك. كان يكبرها بعشر سنوات فهو من مواليد -1889 وهي من مواليد 1898.
كان والدي ذا عقلية متفتحة جدا فجلب لها معلمة في الدار لتدريسها بالرغم من انها سبق وان تعلمت في الكتاتيب وتقرأ القرآن جيداً. انجبت والدتي خمس بنات وولدين وانا كنت رقم 6. جهاد هي أختي الكبرى ثم نهاد وفائق وماجدة وطارق ووداد ثم سداد
والدتي ( وصفية ) رحمها الله كانت تحزن أذا ما انجبت بنت , لان ولي العهد دائماً يكون هو الولد حسب العقلية العربية المتوارثة كما يقول المثل (ألف ولد مجنون ولا بنية خاتون !!!) , كانت كلما رُزقت ببنت تبكي وتكتئب , ولدت عام ١٩٢٩ وكان ترتيبي السادس بعد ولدين وثلاث بنات , تحكي عمتي رحمها الله كانت تسكن معنا , انهم أحضروا لوالدتي حال شعورها بطلق الولادة ( القابلة المأذونة ) او بالعامية ( الجدة ) وكانت ولادة ليست سهلة , فذهبت عمتي لوالدي تقول له ( ابو فائق افتح الحزام ) دلالة لتسهيل الولادة حسب الطقوس البغدادية , ولدتُ كقطعة لحم زرقاء بدون بكاء او صوت فظنوا انني ميتة رموني على الارض لان همهم الشاغل هو الوضع الصحي الخطر لوالدتي كانت في شبه غيبوبة , ارادت عمتي ايقاظها بقولها ( ام فايق اصحي ترا اجاج ولد ) حتى تفرحها , كان عدنا بنت كردية تربت في بيتنا مع العائلة , ذهبت هذه البنت لوالدي تبشره ( عمي بيبي وصفية جابت ولد ) , فقام والدي في الحال بكتابة برقية لجدي في شهربان يعلمه بالمولود الذكر فجاء جوابه ( قدومه خير , سموه محمد أمين ) , بقيت ٣ ايام اسمي محمد أمين لحين ما صحت والدتي ووضعوني بحضنها , ارضعتني وعندما جاء وقت تبديل القماط عرفت باللعبة وانني بنت وليس ولد فأغمى عليها المسكينة رحمها الله
وظلت أمي بهذه الطباع التي تعودت عليها بكره إنجاب البنات , وبالمناسبة، يوم حملت بابنتي هيلة أقسمت والدتي اذا جاء المولود بنتا فلن تهديني شيئاً، وقالت، ( اذا اتى ولد اهديك جناجل ذهب ) فجاءت هيلة وخسرت الجناجل لتهديني فقط بطانيتين
ولادتي تختلف عن المألوف، وخطوبتي وزواجي ايضا يختلفا، فلم البس ثوب عرس مثل بقية النساء، ولا حتى أخذت صورة تذكارية لعرسي الا بعد 7 سنوات، وبعد ان انجبت ولدي عباس، وكما تقول اغنية فاضل
عواد (لا خبر لا جفية ولا حامض حلو ولا شربت) سترون أن حياتي وأفكاري تختلف عن الاخرين
********
س - ذكرياتك في اول مدرسة كانت مدرسة مدام عادل , صحيح ؟
كانت مدرسة مدام عادل هي مدرستي الاولى، ومدام عادل لبنانية زوجها أنيس عادل. تأسست المدرسة في بداية الثلاثينيات، حسبما نشرته في كتاب عن المدرسة وفي البداية فتحت المدرسة ولم يزد عدد طلابها عن ثمانية طلاب ثم أنتقلت الى محلة الاورفه ليه في الباب الشرقي وكانت منطقة جديدة وبيوتها جميلة وحصلت على دار في محلتنا التابع لجدي أبراهيم الاورفه لي الذي أعطاها البيت بأجور مخفضة مساهمة منه لنشر الثقافة وكانت المدرسة واسعة تقع مقابل سينما الاورفه لي (السندباد) بالباب الشرقي ببغداد شارع السعدون حاليا
كانت مدام عادل سيدة شديدة وصارمة وقاسية والقصاص قائم على الضرب، نتلقاه في البيت والمدرسة سيان ولعل مدام عادل كانت شديدة القسوة مع الجميع. كانت تحبسنا ساعة أو اكثر بالمدرسة بعد الدوام وتمشي في الفرصة ودائما بيدها المسطرة و تكون جاهزة لضرب اي طالبة او طالب أساء الأدب
في يوم من الأيام، جاءت شقيقتي ماجدة الى المدرسة لتقف على أسباب حبسي بعد الدوام ساعة أو ساعتين فوجدتني محبوسة في سرداب مظلم به باب كأنه سجن. والست فكتوريا تهددني من خلف القضبان وتخوفني بالجني والحية والعقرب وانا جامدة في مكاني، هذا العقاب كان لكوني طفلة كثيرة الحركة وأرسم على الحائط والكتاب والرحلة…. ولما شاهدت اختي الست فيكتوريا وسمعت ماذا تقول، علا صوتها عليها وقالت: ست فيكتوريا ما هذا ؟ كيف تحبسينها بالسرداب وتخيفيها بالحية والعقرب؟؟ أنا فرحت جداً بالرغم من خوفي لأنها قالت ما قالته للست فيكتوريا وأخذتني اختي الى الدار وقصت لأهلي الخبر. فقال والدي: سننقلها نهاية العام الى مدرسة اخرى
كما لا يمكن أن أنسى اليوم الذي حبستني مدام عادل في قفص ابيض أذكر أنه كان نظيفاً وجميلاً وضع في ساحة المدرسة وفتحت ست فيكتوريا بابه ودفعتني وأغلقته وكل طلاب المدرسة يتفرجون علي. أتذكر جلبوا لي طعام (الفاصوليا والرز) والى الآن كل ما آكل الفاصوليا اليابسة أتذكر الحادثة وحقدت على ست فكتوريا ومدام عادل وأصبحت اكثر تمردا من ذي قبل. ولا أنسى منظري في ذلك القفص. وعندما عدت للدار قصصت لاهلي ما حدث وبدأت ابكي واقول، “بعد ما أروح مدرسة.. ما أروح ..ما أروح.. ما أروح.” وأنا أهز كتفي وما أن علم والدي بالأمر حتى غضب وقرر نقلي الى مدرسة الراهبات (العقيدة حاليا).
يا لهذا الظلم.. كان العقاب شديداً في ذلك الوقت وأنا الآن أحيانا أقول حسنا ما كانوا يعملون. وليس مثل هذا الزمن الذي تغيرت فيه طرق وأساليب التربية ومحاسبة الأبناء بسبب انشغال الأم والأب بنمط وبمتطلبات الحياة والتي لا تعطيهم الوقت الكافي لمتابعة ابنائهم. وتطبيق قوانين جديدة في المدارس تمنع استخدام الضرب والشدة في معاقبة الطلاب فظهر الجيل الجديد الذي اسميه (جيل دعدع تحكي معه ولا يسمع.. وترسله لا يرجع ..وياكل ولا يشبع..)
سمعت والدي يقول: أحسن شيء نسجل وداد بالقسم الداخلي في مدرسة الراهبات…. أنا فرحت جدا وناديت مربيتي ماما أمينة وقلت لها: أحملي هذا الفراش وتعالي معي… وأخذتها وذهبنا الى مدرسة الراهبات وكانت قريبة جدا من دارنا. طرقت ماما امينة باب المدرسة فأطلت علينا امرأة تلبس فوق راسها طاقية كبيرة بيضاء (راهبة) وسألت باستغراب: ماذا تريدون؟ ومن انتم؟ فأجبت: ست سمعت بابا يريد يخليني داخلي عندكم وجبت فراشي !! فردت بأستغراب وبلهجة غريبة: قولي لأبوكي خلى هو يحكي معانا.. وصاحت مرتين:« ياللا.. ياللا ..غوحو ..غوحو»، يعني أذهبوا وأغلقت الباب بوجهنا بقوة ورجعنا فاشلين. طبعا لم يعلم والدي بما أقدمت عليه والا كان نصيبي جرة الأذن التي أعتدت عليها.
وفي بداية السنة الجديدة (وكان عمري سبع سنوات) سجلوني في مدرسة الراهبات وهي مدرسة أصولها فرنسية ومنتشرة بكل العالم ويدرسون اللغة الفرنسية والأنكليزية بجانب العربية وأختلف الأمر كثيرا عن مدرسة مدام عادل فالعقوبات كانت أخف وأرحم. كان العقاب أن نقف في الساحة على قدم واحدة، وطبعا لا نتمكن ان نقف على رجل واحدة لمدة طويلة فنبدلها بالرجل الثانية واحيانا تكون الشمس حارة ونلحق الظل الموجود أينما يكون، ودائما هناك طالبات من صفوف اخرى، فنقف تحت الظل ونتكلم ونستمتع بالحديث في الهواء الطلق، وأما القصاص الثاني فكان أن تكتب الماسير (الراهبة)سطر في دفتري وانا علي أن أكتبه على الصفحة كلها بخط مستقيم واذا لم يكن صحيحا تجعلني أعيد الكتابة وتقول: أبدئي بالكتابة من الأسفل الى الأعلى حتى لا تقلدين خطك الأعوج. وطبعا هذا القصاص كان هيناً علي مقارنة بمدرسة مدام عادل
في مدرسة الراهبات أتذكر في أعياد الميلاد كنا نقف جميعنا في صف وتجلس المامير(أي المديرة) أو رئيسة الراهبات ونقبل يدها وكنت أشعر بخشية وأتمنى أن أدخل الى الكنيسة معهم ولكن لا أدري لماذا لم يسمحوا لي؟؟ ولذلك كنت أقترب من الباب وأتفرج وأشعر برهبة كبيرة من الهدوء الذي يعم المكان والشموع المضيئة
كانوا يعلمونا الاناشيد واللغة الفرنسية وكيفية لفظها وأنا حفظت نشيداً واحداً والى حد هذا التاريخ أتذكر بعض كلماته. كان والدي بين الفترة والاخرى يناديني ويقول: اسمعينا ما تعلمت… فاقول النشيد بهدوء وأرفع يدي في الهواء ويصفقوا لي وبعد أيام أقرأه بصوت عال (وهو نفس النشيد) ومرة أخرى أمثل بالإلقاء وأغير نبرات صوتي وكانوا يصفقون لي كثيراً وفي كل مرة يظنون أني أنشد نشيداً جديداً. الآن أكتب هذه الاسطر وأضحك، كيف لم يكتشفوا حيلتي بالقاء النشيد نفسه؟
*********
س - من المدرسة الامريكية للبنات في بغداد الى كلية بيروت للبنات , مسيرة دراسية متنوعة ؟
كان والدي يمتلك عقلية متفتحة جدا وكانت رغبته ان ننهل العلم خارج الوطن. وفعلا عمل على ارسال شقيقي فائق في الثلاثينيات من القرن الماضي، وهو لم يزل في الصف الثاني الأبتدائي، مع إبن عمي عادل للدراسة في لبنان وبسبب حنين أمي وخالتي ام عادل الى ابنها، أجبر والدي على اعادته الى العراق. إلا ان والدي عاد وارسل فائق مجددا الى لبنان بمدرسة في مدينة عاليه بعد ان أكمل المرحلة المتوسطة بمعية اخي الاصغر طارق. وما أن أكملا المرحلة الثانوية حتى أرسلهما الى الولايات المتحدة الامريكية في الاربيعنات. ففايق درس علم الاجتماع وطارق درس الزراعة في كاليفورنيا. رحمهم الله جميعا
أما شقيقتاي نهاد وماجدة فأرسلهما للدراسة في الجونيور كوليج للبنات في بيروت وأنهيا دراستهما عام 1944. وبنفس الكلية درست أنا ايضا بعد ان انهيت الثانوية في المدرسة الامريكية للبنات ببغداد نهاية العام الدراسي 1949- 1950
كان والدي دائما يحثنا ان نغتنم وجودنا في البلد الذي ندرس به ونطلع على اثاره ونزور متاحفه ومعالمه ومصاحبة الصديق الجيد والاهتمام بالدراسة والحصول على الشهادة التي تجلب الاحترام لنا
**********
س - كيف كانت الدراسة في كلية الملكة عالية , وكيف اللقاء مع الدكتور خالد الجادر ؟
لما عدت من بيروت تركت الكوليج وانا في الصف المنتهي لاسباب عائلية ، فسجلت في كلية الملكة عالية بالصف الرابع لاكمل دراستي في عام 1956 ودخلت قسم الخدمة الاجتماعية
كانت ست أمت السعيد هي عميدة الكلية ولم تبق سوى 6 شهور وتقاعدت بعدها ثم تسلم العمادة ( د. محمود غناوي) وكانت في الكلية السيدة سارة الجمالي الامريكية الجنسية زوجة رئيس الوزراء فاضل الجمالي تدرس اللغة الانكليزية والتي أعتادت ان تعطي درجات للطالبات 20 وحتى 30 تحت الصفر
وكما كان يدرس حينذاك دكتور سليم النعيمي(اللغة العربية) والسيدة شهبال فاضل والست لمعان البكري والست نزهة محمد طيب آل حويز أيضاً في الادارة، ومن اساتذتي مستر أدمس وهو امريكي الجنسية واستاذة فليبينية تدرسنا اللغة الانجليزية، ودرسنا أستاذ علم الاجتماع الدكتور حاتم عبد الصاحب الكعبي الذي لا يمكن ان أنساه ابدا
وانا في الكلية سمعت ان هناك مرسما يفتح بعد الظهر في الكلية، يشرف عليه الدكتور خالد الجادر, طبعا فرحت كثيرا لهذا وذهبت الى الدكتور خالد فرحب بي كنت وقتها أرسم على اسطوانات, جمعت ما عندي من اسطوانات وذهبت بها الى الاستاذ الجادر، وبفرح قدمتها له وانا أقول: أستاذ أنا ارسم, رفع رأسه ونظر الى الاسطوانات، كما نظر إلي نظرة تشائمت منها وفجأة رأيته يمسك الاسطوانات الواحدة تلو الاخرى، يكسرها ويرميها في سلة المهملات وأنا مندهشة واقول وهو يواصل التكسير: لماذا يا أستاذ؟ لماذا تكسرها ؟
وعدت الى البيت وانا أبكي وقررت أن لا أذهب للمرسم ابدا, لاحظ والدي عدم ذهابي الى الكلية فبادرني بالسؤال عن سبب ذلك, فقلت له: استاذ الرسم كسر كل لوحاتي, بادرني بالقول: عليك الذهاب الى الكلية غدا والتوجه الى الدكتور خالد والاعتذار منه , قلت محتجة وانا ابكي: لماذا أعتذر له وقد كسر كل أسطواناتي التي تعبت برسمها ؟؟. فقال بحكمته (التي شكلت انعطافا حادا في حياتي) : تذكري يا أبنتي (أمشي وراء اللي يبـﭼيك ولا تمشي ورا اللي يضحكك)، ثم اضاف: هذا الرجل يريد لك الخير وسترين صدق قولي لاحقا, بالرغم من ثقل الأمر على نفسي، الا اني التزمت برأي والدي واعتذرت للأستاذ الجادر الذي بادرني بالقول: أين أنت ؟ فكررت الاعتذار له فيما سألني أن كنت قد أشتريت عدة الرسم من أصباغ, فأجبت بنعم فدعاني الى المرسم أنذاك , قال لي بالحرف الواحد: إذا كنت تريدين التقدم، أتبعي خطواتي والتزمي بما أقوله لك وأتركي الرسم بدون توجيه مني
كنت أراقبه بعناية وهو يرسم ويفسر لنا كل خطوة من الرسم, كان الصف يضم 20 طالبة والمتميزات بفن الرسم كنا أنا ونعمة محمود حكمت وعذراء العزاوي (وكانت معيدة في الكلية ) وناثرة الكتاب
أهتم بنا ورعانا رعاية جيدة. لقد قلب هذا الاستاذ حياتي رأسا على عقب , وأنا بمرسم الدكتور خالد الجادر في كلية الملكة عالية ببغداد أقامت جمعية الفنانين معرضاً في النادي الاولمبي عام 1956 وشارك فيه العديد من الفنانين.وكنت واحدة منهم، إذ شاركت بلوحتين.وقد أفتتحه جلالة الملك فيصل الثاني الذي منحوه لقب عضو شرف في جمعية الفنانين أذ كان جلالته يدرس الرسم على يد الرائد حافظ الدروبي, ثم أقيم معرض الفن التشكيلي في نادي المنصور عام 1957 وأيضا برعاية جلالة الملك فيصل الثاني وشارك فيه كبار الفنانين من أساتذة معهد الفنون الجميلة منهم فايق حسن وأكرم شكري واسماعيل الشيخلي وعطا صبري وزيد صالح وعيسى حنا والدكتور نوري مصطفى بهجت والدكتور خالد الجادر والدكتور خالد القصاب وغيرهم من الاساتذة الكبار. وطلب الدكتور خالد الجادر من تلاميذه، وانا واحدة منهم، ومعي عذارء العزاوي وناثرة الكتاب ونعمة محمود حكمت، ان نشارك بالمعرض، وبالفعل قدمت 5 لوحات، ولكن اللجنه اختارت لوحتين فقط من كل فنان ورفضت بقية الاعمال
*********
نعمت محمود حكمت جلالة الملك فيصل الثاني
س - أول معرض كان معرض للفن العراقي للرواد والشباب عام ١٩٥٧ , هل هو المعرض الذي حضره جلالة الملك المغفور له فيصل الثاني ؟ وما شكل مشاركتك في المعرض ؟
كنا اربعة تلاميذ يشرف علينا الدكتور ( خالد الجادر ) رحمه الله ....وصادف ان طلب منا خمسة لوحات لكل منا ليختار الأنسب للمشاركة في معرض في قاعة الشعب في باب المعظم يحضره جلالة الملك المغفور له ( فيصل الثاني ) عام ١٩٥٧ , حضر الملك المعرض واختيرت لوحتين على ان يتم ارسال اللوحات لديوان الملكي كهدية من الفنانين لجلالة الملك المغفور له فيصل الثاني
اللوحتين كانت واحدة لي والاخرى للفنانة الرائدة المرحومة (نعمت محمود حكمت )...وكان علينا تقديم اللوحات شخصياً لجلالته مع التاكيد علينا بحفظ أتيكيت هكذا مقابلات وضرورة مناداته ب (جلالة الملك ) ....اخذونا للديوان ولا زلت اذكر قنفات صالة الأنتظار ...على الباب حراس اثنين بقبعات بيضاء ....فتحوا لنا الباب انا و زميلتي نعمت وكل منا يحمل لوحته , فأذا جلالة الملك فيصل الثاني جالس في مكتبه الواسع جداَ يحيط به أثاث على الطراز البريطاني كئيب ومظلم , وقف حال رؤيتنا مرحبا بكلمة ( أهلاً......أهلاً ) وتقدمنا نحوه وقدمت له اللوحة وقلت له ( أستاذ نقدم لكم هذه اللوحات هدية ) نسيتُ كلمة (جلالة الملك ) وانتبهت لغلطتي وليس هناك حل لأصلاحها , سكتُ وبدأت الوم نفسي فجاء صوته رحمه الله ليقول ( أشكركم على هداياكم ) , رجعنا وحكيت للجميع مقابلتنا كيف تمت والخطأ بمناداته استاذ فقام الجميع يلومني على فعلتي , وقالوا ألم تتدربي على كلمة (جلالة الملك ) فقلت ( خلص هذا اللي صار) , الله يرحمهم جميعاً
**********
س - قمت بتدريس مادة الرسم في مدرسة الثانوية الشرقية ثم عينت في مركز وسائل الإيضاح لرسم وسائل ايضاحية للمدارس ثم عملت كمسؤلة للدعاية والأعلان في اكبر معمل البان في العراق وعملت في مديرية التراث الشعبي كمسوؤلة للمتحف واجريت دراسة ميدانية شاملة لتوثيق سوق الصفارين و حرفة الطرق على النحاس , ما المميز في كل تلك المهام ؟
تم تعييني مدّرسة رسم ورياضة وفنون بيتية في الثانوية الشرقية مع ست لميعة ابنة عمي وكانت شديدة المراس تحب عملها وتجبرنا على السهر حتى ساعات متأخرة عندما يتم تكليفها بعمل مثل تزيين قاعة الملك فيصل سعة ( ٥٠٠ ) شخص لنرسم الديكور للقاعة حسب نوع الاحتفالية
كانت فعاليات المدرسة لا تنتهي , نستقبل وفود عربية وعلينا تدريب الطالبات لاداء فعاليات فنية كالرقص على الموسيقى , كنت اقوم بتأليف الموسيقى وتدريب الطالبات على الرقص وفق نوتات الموسيقى وكنت اعزف لهم واشرف على خياطة ملابس الطالبات المؤديات للفعالية عدا تدريسي لهم مادة الرسم
صادف ان تمرضت بأنفلونزا والتهبت اذني فطلبت مني ست لميعة ان اذهب للمستوصف وقالت لي ( و روحي للبيت ) , رغم كل سهرنا وتعبنا كنت احب عملي واعشقه فوجدت هذه العبارة تجريح لي فقدمت استقالتي من الثانوية الشرقية بعد مضي ( ٧ ) سنوات لي فيها
بعدها جاءني اخي طارق رحمه الله وقال لي بأن الدولة قد فتحت معمل البان كبير في منطقة ابو غريب وكانت المنطقة ايامها عبارة عن بساتين خضراء و جو نقي عذب عكس ابوغريب الان , وقال لي سيتم تعيينك من قبل ( دكتور خالد تحسين علي ) مدير عام شركة الآلبان وبالفعل قابلته وتم تعييني ( مسؤلة الدعاية والأعلان ) , فذهبت لمكتبة مكنزي لأحضار كتب انكليزية تعلم كيفية عمل الدعاية والاعلانات وهو موضوع مهم في دول الغرب بينما عندنا كان امر جديد , لازلت اذكر ما قرأته مرة عن الدعاية ( اذا عندك مشروع ب ١٠٠ دولار , اصرف ٩٠ دولار للدعاية فقط واجعل ال ١٠ دولار رأس المال )
كان الناس اول افتتاح لمعمل الآلبان لا تحبذ فكرة شراء منتجاته بحجة انها جميعاً مصنوعة من حليب باودر وهم المعتادين على كل شيء طبيعي ومن البقرة مباشرة
وضعنا خطة بأعتبارها مسؤوليتي في ترويج منتوجات المعمل , اول شيء عملته دعوة الصحفيين والاجانب الهولنديين وكانوا الاجانب يتعجبون من اجراءات النظافة في المعمل , كان كل نهاية يوم تغسل الارضية بماء وصابون والاعتناء بنظافة المكائن والمعدات ونظافة العمال وملابسهم وكان نهاية الدعوة نعطيهم هدايا من منتوجات المعمل حتى يجربوها ويكتبون عنها
وبعدها خصصنا باصات موزعة في ارجاء بغداد كتُب عليها ( مصلحة الآلبان تجدها في كل مكان ) وكانت الناس تتصل هاتفياَ لتحصل على طلباتها بأيصالها لباب الدار , ثم قمنا بالاستفادة من خشب متروك بعمل سياج وقمنا بصبغه باللون الابيض للدور التي بنيت لأهل الابقار الذين تم توزيع اوعية معقمة يضعون فيها الحليب ويجلبوه للمعمل وكانت تسمى منطقتهم بقرية ( الذهب الابيض ) دلالة على الحليب
قام المعمل بتصنيع اجبان بأشكال واوزان مختلفة والحليب مطعم بنكهات مختلفة , هذا كله زمن عبدالكريم قاسم , حتى كنا نبعث منتوجات المعمل هدايا للوزراء لتعريف الناس وعمل دعاية للمعمل
بعدها تمت خطوبتي على حميد العزاوي الدبلوماسي في سفارتنا في النمسا فيينا ورافقته في دول عديدة حسب مقتضيات عمله الدبلوماسي
عملت في دائرة التراث الشعبي عام 1974 عندما عدنا من باريس الى بغداد , ولقد علمت ان الحكومة اعلنت في الجرائد عن فتح الباب لمن يرغب بالعودة للعمل من العاطلين , فقلت لماذا لا ارجع وعندي الان شغالة ووقت وفراغ ورجعت الى الوظيفة, وفكرت ان اعمل في وزارة الثقافة وكان لي الاختيار من 5 مؤسسات فقررت ان اعمل في دائرة التراث الشعبي , مديرها العام كان الدكتور (اكرم فاضل) مقره في وزارة الثقافة الواقعة في الباب الشرقي ودائرتنا كانت مطلة على تمثال كهرمانه في الكرادة وصدر امر تعييني بدار التراث الشعبي
في هذه الدائرة اخذني المدير لطفي الخوري في جولة بالدائرة و صدر امر تعييني بدرجة ملاحظة و مسؤولة عن المتحف الذي هو في نفس الدائرة وبالحقيقة لم يكن سوى فترينات على طول الممرات وبها معروضات معظمها لم تكن من التراث الشعبي العراقي
كانت هناك قاعة عرض للمنتوجات التراثية في الطابق الاسفل المطل على الشارع بها الكثير من البسط الشعبية والسجاد والفضيات والملابس الشعبية , ولاحظت ان صناعتها غير مرتبة اي اطوالها مختلفة
كان المدير معي اخذني لكل الاقسام فبدات انتقد الاعمال المعروضة وقلت له ممكن ان تطلبوا ممن يحيك هذه البسط ان تكون بشكل احسن وتكون القطع متوازية بشكل صحيح لا واحدة اقصر من الثانية , اجاب : هذا شغل يدوي , فقلت : واذا يدوي ممكن الدائرة ان تفرض عليهم طلباتها حتى يتمكن المشتري ان يقتنيها . وقلت له هل هذه المعروضات جميعها عراقية ؟؟؟ ارى اشياء سورية ولا تنتمي الى التراث العراقي و لاحظته انه لم يعجبه كلامي
كنت دائما اراجع مدير التراث الشعبي العام في مركز الوزارة الدكتور اكرم فاضل, وقال لي انتقلي الى الوزارة وتعالي عندي., انا احتاجك اريد شخصا مثلك نشيطا ومخلصا في العمل , هذا المدير سيثير لك المشاكل اذ الجميع يشكون منه , قلت له : انا مرتاحة واعمل بصمت في غرفتي وفكرت بعدد من المشاريع ارغب ان انجزها قال لي :ما هي المشاريع؟ قلت: ارغب في عمل دراسة ميدانية واقعية عن سوق الصفافير اكتب عن عاداتهم واعمالهم وتقاليدهم. ورحب بالفكرة وقلت له: سأتواجد يوميا هناك وقد شجعني واصدر الامر
في اليوم التالي ذهبت الى السوق لدراسته ودخلت عدة اماكن اتفرج على ما يصنعون وسالتهم واجابوا بكل ترحاب وبدأت اذهب يوميا ومعي المسجل اسجل ما يقولونه بمرور الزمن اصبحت معروفة لديهم ويرحبون بي واجلس معهم على ( تنكة او تختة) فوقها مخدة واسالهم واسجل كل المقابلة وبدات من اول دكان الى ان غطيت السوق كاملا , في اليوم الثاني اكتب في سجل ما سجلته وقضيت معهم عدة شهور كنت احيانا أكل معهم ما يقسمه الله مرة اعزمهم ومرة يعزموني فوجدت, ان الصفارين اناس طيبين وهم بغداديون اصلاء عندهم الكرم وحب الخير وحب المساعدة , درست عاداتهم وتقاليدهم وتاريخ مهنتهم وادواتهم واسماء العماله والعدد التي يستعملونها ,عملت لكل واحد منهم شجرة للعائلة كتبت اسم الجد الاول وكم عدد اولاده وما هي صنعتهم فوجدت ان الجد صفّار واولاده صفّارين اما الجيل الثالث بدى الاختلاف واضحا منهم من يعمل كموظف. ومنهم معلم . او تاجر… الخ. و قال لي احدهم عيني , ست وداد (وين يقبل ابني يجلس على الارض ويعمل بهذه الروائح السامة) والله يا ست وداد نحن بعمر الاربعين نترك المهنة لكثرة ما نستنشق من السموم , وتمتعت جدا في هذه الدراسة وقررت ان اكتب كتاب عنهم, وتوقعت ان بعد عقدين من الزمان ستنقرض هذه الحرفة الجميلة والسبب وا ضح اذ ان البلاستيك بدأ يغزو السوق , ومن كان يستعمل هذه الادوات انقرض , في زمان والدتي مثلا جهاز العروس يجب ان يكون به طقما كاملا من النحاس مثل الطشت والصواني ودلال القهوة المختلفة الاحجام والاباريق والطاسات والمنقل, وفي الزمان القديم كانوا حتى ياكلون ويطبخون في الصحون النحاسية, وكانوا يطلونها ويلمعوها حتى لا يتسمموا وبمرور الوقت صار عندي معارف واصدقاء من الصفارين وكل واحد يرغب ان يساعدني , وبدات صداقة بيني وبينهم حتى احيانا يعرضون علي ما عندهم من صناعة نادرة اذ كان السوق في ذلك الوقت غير مبلط ولا مسقف
ولقد رمم لاحقا وتم تبليطه وتسقيفه واكرر عليهم علموا اولادكم فيجيبوني اولادنا بالمدارس وهذه المهنة يجب ان يتعلمها منذ الصغر. ويضيف : شوفي كيف نطرق «الجدور» اي قدور الطبخ الكبيرة !! كنت اتعجب وهو يركز( سفرية) اي جدرية كبيرة جدا على ابهام قدمه فقط , يطرق ويحركها بشكل دائري شيء لا يصدق
وقال : نعمل احجام متعددة منها الصغير ومنها الكبير الذي يستعمل لطبخ الهريسة والقيمة في ايام الزيارات للمراقد المقدسة في كربلاء والنجف
في باريس تعلمت صناعة فن المينا على النحاس, لذلك زادت الروابط بيني وبين الصفارين وقتذاك عندما عدت الى بغداد دأبت على ان ازورهم دائما فطرقوا لي انواع القطع الصغيرة ارسمها لهم وهم ينفذوها لي بصبر وممنونية مثل نفاظات سيكاير وكاسات وحلقات مفاتيح والحلي النسائية كالاساور , واستوردت الفرن الخاص الكهربائي من باريس ومواد الزجاج بالوانها المتعددة والادوات التابعة للعمل
انا من النوع المحب للاعمال اليدوية كثيرا وكان من الصعب فهم اللغة الفرنسية لذا اخذت كتيبا صغيرا واعطيته الى صديق في السفارة حينذاك لترجمته لي وبدات اعمل واطور وابتكر انواعا جديدة لقد ذاع صيتي بين صياغ الصبة والصبة اختصوا في صياغة الفضة بالدرجة الاولى وتلوينها بالمينا السوداء و هم يصنعونها ولا يعلمونها لاحد ابدا اذ هذه المهنة تتوارث عندهم كلصفارين ابا عن جد ودكاكينهم في شارع النهر براس القرية حيث يتوافد السواح هناك لشراء اعمالهم الجميلة , واذا بابن شيخ الصبة السيد بشير آل عنيز يزورني وشاهد كيف اعمل , واعطاني نخلة صغيرة وقال لي زججيها لارى كيف تعملين. ,وقلت له ما فائدة نغطي الفضة وهي معدن ثمين اما النحاس معدن رخيص لذلك نزينه بالالوان كي يكون اجمل ولكن الفضة لا وبالفعل زججتها وغطى اللون الاخضر الفضة الجميلة فاقتنع , وهم يستعملون المينا الباردة على الذهب والفضة في بغداد وطبعا كل اعمالهم يدوية ولا يستعملون الفرن الكهربائي مطلقا بل يستعملون الغاز
ولقد علمت ولدي عباس وصديقه اسمه ايضا عباس صناعة فن المينا وعملوا معرض بانواع سلاسل المفاتيح والقلائد والمحابس في نادي الصيد حاز على اعجاب الجميع، ولم يكن احد يعرف هذه الصنعة اذ كنت اعرض اعمالي في بعض المحلات المهمة في بغداد وفي عمان وبعد فترة من الزمن اتت زميلتي سهام الشكرة من الخارج وتعلمت هذا الفن وعملت جداريات كبيرة من النحاس المزجج بالمينا وهي تكون على كل مربعات تزججها وثم تلصقها على خشب وتعلق على الحائط وبعد توقفنا انا وسهام انقرض هذا الفن الجميل وانتهى ولم يعد له مكان في بغداد ولا يعرفه احد
************
س - أقترانك بالمرحوم حميد عباس العزاوي ولظروف عمله تنقلت بين الدول ألمانيا , نيويورك , باريس , عمان , أسبانيا , السودان , تونس ولندن , كانت فرصة للاطلاع على المتاحف وصالات المعارض الفنية و درست فن المينة على النحاس وفن الباتيك على القماش في باريس ؟ كيف كانت ظروف اقترانك وانتي القائلة كل شيء في حياتي مختلف عن الأخرين ؟
حميد العزاوي رحمه الله كان رجل مستقيم , نزيه ,صادق , عشت معه اسعد ايام العمر , تغمده الله برحمته الواسعة
كان المرحوم حميد ايام الشباب صديق مقرب للمعماري المعروف رفعة الجادرجي , كان هو يعمل في السلك الدبلوماسي في فيينا - النمسا و رفعة كان في لندن , وكان حميد ايضاً صديق لوالد رفعة السياسي المعروف كامل الجادرجي وكان ينصحه دائماً ان لا يتورط في قصص حب مع اجنبيات بحكم عمله لانه اذا ما اعترف لها بمشاعره فأنها ستأخذه في الحال للمحكمة ليتزوجها
بقت هذه النصيحة تدور في رأس حميد والتزم بها , كانت له صديقات نمساويات لهن الفضل في التعريف عن ثقافات المجتمع النمساوي وتمت دعوته لحفلات اوبرا ومعارض وتوسعت معرفته بهوية هذا المجتمع , وعندما جاء موعد خطبتهن او زواجهن قام حميد بدعوة تلك الصديقة و زوجها وقدم لهم هدية زواجهم وتمنى لهم حياة سعيدة
عندها بدأ يفكر بأن الجميع حوله يتزوج ويكوّن أسرة, وحان موعد ان يؤسس لحياة زوجية تكون الشريكة فتاة عراقية , فكتب في ورقة اسماء البنات من المعارف وكنت احداهن
وبدأ بوضع شروطه , ان تكون لديها ام حتى ينعم بحماة توده وتحضر له اصناف الاطعمة التي يحبها , وان تعرف العروس كيفية قيادة السيارة , وان تدخن لم لا ؟ بعد قائمة شروط ان تكون مثلاَ غير منشغلة بالسياسة , يقول ما اريد ابتلي اخذلها السفرطاس يومية للسجن !! , بقيت وحدي المرشحة الوحيدة , فكتب حميد من فيينا مكتوب الى ابن خالتي بأعتبارهم اصدقاء يتوسطه ويفاتحه بموضوع خطبتي
فاجأني ابن خالتي برغبة حميد الزواج مني من خلال مكتوب , وقلت لابن خالتي ( اكو خطبة بمكتوب ؟ جائز قصده اختي ؟ وبعدين منو هو حميد ؟) , أكد لي ابن خالتي انه ينوي خطبتي وانه الشخص الذي ساعدني في حصولي على رخصة قيادة السيارة فتذكرته ووافقت وكان النصيب
تمت الخطبة وعقد المهر وكانت اخواتي وبنات الخالات والعمات مهتمات بتفاصيل العرس , كيف ستكون البدلة , من ستخيطها ؟ من سيتم احضارها تغني للعرس , عفيفة اسكندر لو سليمة باشا ؟ وما الى ذلك من تفاصيل , جاءني يوما حميد ليقول لي: هيا … هيا أحزمي حقائب السفر, غدا سنسافر الى المانيا، ولا تقولي لأحد، لا الأهل ولا للأصدقاء
فاستغربت وقلت: غدا لماذا ؟؟؟ ولماذا نخبئ الأمر عن الاهل؟.
فرد قائلا: لقد صدر امر وزاري بنقل خمسة من موظفي الخارجية الى سفاراتنا بالخارج وانا واحد منهم ,إلا أني سمعت ان أمراً وزاريا لاحقاً سيصدر بإيقاف السفر لأسباب التقشف على مستوى الدولة, لنسافر غدا قبل ان يصدر أمر منع السفر
وذهبت بسرعة لجمع اغراضي، ولما نزلت من الطابق الاعلى اذا بوالدتي تقول: أين انتما ذاهبان؟ قالتها باستغراب حين شاهدت حقائب السفر
فقلت لها: مسافرون يا ماما غداً, أندهشت، ثم قبلت يدها وحضنتها بحرارة وأخبرتها بحقيقة الامر ووجهتنا، وأكدت عليها بعدم أخبار أحد بالأمر لحين مغادرتنا العراق, وطبعا لم أكن قد أشتريت شيئا للزواج ولم اخبر احداً (ولا خبر لا جفية لا حامض حلو ولا شربت) ولا حفلة كما كان حلم اخواتي وحلمي … خطفني أمير الاحلام على حين غفل, فهرعت صباح اليوم التالي واشتريت (كوستم) ومعطف أبيض , وانطلقنا الى المطار دون أن نخبر أحداً, وفي المطار فوجئنا ببعض الاهل والاصدقاء بانتظارنا والبسوني مصوغات ذهبية من أساور وخواتم وغيرها منهم بنات عمي فائزة ونجاة الاورفه لي وسهيلة زوجة نديم جميل حافظ (صديقه) واما اخوتي واخواني الذين حلموا بعرس كبير فلم يعرفوا بالامر ولم يحضروا !!! الم أقول لكم أن زواجي كان غريبا و(شكل تاني) !!!
وفي الطائرة أحتفل بنا طاقم الطائرة فقدموا لنا (كيكة) عليها صورة عريس وعروسة, وصادف أن كان على متن الطائرة فيصل حبيب الخيزران أبن شيخ مشايخ عشيرة العزة، التي ينتمي اليها حميد, وانا في الطائرة كنت اطير كطائر في السماء من الفرح، واذا بحميد يقاطعني ويقول: هل انت سعيدة ؟
فأجبته : الحمد لله, فاخرج من جيبه كتيباً صغيراً مطبوعاً في الرونيو وقال: وداد اقرأيه جيداً. كان يحتوي على أتيكيت الدبلوماسيين، وهو بقلم السفير سامي سليمان
قال لي حميد: تمعني به واحفظيه لانك ستحتاجينه في حياتك الجديدة, وتصفحته ووجدته يبين كيف على الموظف الدبلوماسي أن يتصرف وبه الكثير من المعلومات
ثم أردف قائلا: عزيزتي وداد ستتعرفين بالكثير من الناس الغرباء وأنت ليس عندك تاريخ قديم معهم كزميل مدرسة او جيران او موظف معك, أوصيك، وأكرر لا تدخلي بعلاقات عميقة معهم… وهنا شبك اصابع يده الى النهاية هكذا وقال : ولكن لتكن علاقتك هكذا…. وشبك اصابعه في الوسط او أقل من الوسط، وقال: حتى تتمكني من الانسحاب بسهولة بلا مضاعفات, وأنا أرى هذه نصيحة ثمينة وصحيحة
قضينا يومين ببيروت وليلتين في أمستردام العاصمة الهولندية بعدها أتجهنا الى بون
كانت بون عاصمة المانيا الاتحادية حينذاك. أشبه بقرية صغيرة ولكن بطبيعة خلابة وجميلة ويخترقها نهرالراين وتحيط بها الجبال, لقد أستأجرنا شقة بسيطة في الطابق الثالث، حيث لا وجود للمصاعد في المانيا حينذاك، وهي قديمة واثاثها احسن ما رايناه في بون
وبدأنا نتجول في شوارعها وليس فيها شيء يستحق المشاهدة ولكن بها عدد من المقاهي وفندق واحد اسمه (شتيرن هوتيل) يقع في وسط المدينة، وتوجد ساحة مقابل الفندق الوحيد، في الصباح توضع فيها اكشاك بيع الخضروات والفواكه وفي المساء تتحول الى موقف للسيارات, كنا يوميا نتمشى لنكتشف المدينة الصغيرة ونجلس في احد المقاهي الى ان استقرينا في أحد المقاهي وأخبرنا اصدقاءنا بها ومن يريد ان يرانا يأتي لزيارتنا, واكتشفنا ان بون بها محلين كبيرين هما (كاوف هوف) و(كاوف هالة) وصالة رسمية باسم (بيتهوفن هالة) فقط
تم نقلنا الى نيويورك بقينا فيها سنة , بعدها عرض على زوجي العمل اما في اليابان او الاردن فأخترنا الثانية لقربها من بغداد
كانت عمان ايامها دوار واحد فيه السفارة العراقية ودوار ثاني قيد الانشاء , كلها اراضي فارغة يغطيها شقائق النعمان وفي الليل تسمع فقط صوت الذئاب
في عمان التقيت بصديقاتي زميلات كلية بيروت واشتغلت مع الفدائيين في عمل معارض خيرية يذهب ريعها لدعم القضية الفلسطينية, بقينا ثلاث سنوات , ذهبت خلالها للقدس وصليت في المسجد الاقصى الى ان نشبت حرب حزيران ١٩٦٧ وتم نقلنا الى بغداد بعد ان رزقت بأبني ( عباس ) خلال اقامتنا بعمان
بعد عمان عدنا لبغداد الحبيبة وبقينا فترة دشنا فيها بيتنا الذي بناه رفعة الجادرجي ليأتي بعدها نقلنا الى باريس ثم تونس بعدها اسبانيا واخيراً السودان , عانيت في كل هذه البلدان في تعليم اطفالي ما ان يتقنوا لغة حتى ننتقل لبلد جديد ولغة جديدة ولكنهم كانوا اطفال والطفل كالأسفنج يمتص ويتعلم لغة التفاهم مع الاخر , المشكلة كانت معنا نحن الكبار وهذه هي ضريبة العمل الدبلوماسي
************
س - طيب كيف هي وداد الاورفلي والطبخ ؟
كانت والدتي ترغب أن أتعلم الطبخ، وتقول لي: يا إبنتي حتى بنت السلطان قد تحتاج يوماً أن تطبخ فعليها أن تتعلم وتكون جاهزة للحياة الزوجية. وعلمتني يوما أن أطبخ كمية قليلة من الرز، وكان ناحجاً جداً ولما ذاقه الوالد قال: ممتاز… لك هدية مني بارك الله بك، وأكرمني ديناراً. فرحت كثيراً وطبعاً كان للدينار وزن ثقيل
في أحد الأيام وأنا بعمر 14 عاماً، لم يكن أحد بالدار، فالطباخة في إجازة وكل إخواني خارج البيت فقررت أن أفاجئ الأهل وأطبخ لهم الرز. حلمت بدينار والدي وقلت في نفسي: ربما يكرمني أكثر لأن كمية الرز أكثر. فأتيت بقدر كبير جداً ورميت به 12 كأس رز و12 كأس ماء و12 كأس دهن حر، مع 12 معلقة طعام ملح. وبعد فتره رأيت الماء يغلي ويغلي والزيت يتطاير من القدر فخفت ولم أعرف ماذا أعمل وبدأت أغرف منه وأرميه في البالوعة وأستمر الدهن يتطاير على الأرض والطباخ.
أتصلت تلفونياً بخالتي (ملاحت) وتوسلت إليها أن تأتي لتنقذني. وجاءت وشاهدت ما فعلت وقالت جملتها المعهودة: مسودة الوجه ما هذا؟؟؟ رأت أن الرز أصبح هريسة.
فوضعت قليلا منه في صحني وقامت هي برمي الباقي إلى الدجاج وأنا أسمعها تدردم علي. وطبخت هي رز جديد . وفي وقت الغداء وضعت صحني الصغير وصحنها على الطاولة. وأنا الوحيدة ألتي أكلت منه قليلاً وحقا كان لا يؤكل. وطبعاً لم أخبر والدتي بالموضوع خوفاً منها… وخسرت الدينار، وأخذت درساً أن لا أورط نفسي بأشياء لا أعرفها
كنت أقول لوالدتي: عندما أتزوج على زوجي أن يجلب لي من يساعدني. وبما أني عشت معظم حياتي خارج العراق اكتشفت ان (الجوع أمهر الطباخين) حيث كان زوجي حميد في ألمانيا دائماً يجلب معه 4 عزاب يعملون بالسفارة (فتعلمت الحجامة برؤوس اليتامى) كما يقول المثل وجربت أنواع الطبخات إلى أن تعلمت وأصبحت ماهرة. والمسكين زوجي كان يجاملني ودائماً حين يكون الرز محروقا يقول: كيف تعرفين أني أحب الرز الشايط والمحروق
***********
س - ذكرتي حضرتك سيدتي الأثيرة بأن اول المعارض كانت في بغداد وحضرها الملك المغفور له فيصل الثاني , في بون كان لك معرض فردي حضره المستشار الالماني وتبعه سلسلة معرض ...كيف هي ذكرباتك عن تلك المعارض ؟
في عام 1958 وقعت ثورة 14 تموز التي قادها الزعيم عبد الكريم ضد الحكم الملكي وقتل جلالة الملك فيصل الثاني والعائلة الهاشمية, وبعد شهر بالضبط أقيم (معرض الثورة) الذي شارك فيه جميع الفنانين الرواد والشباب، وافتتحه الزعيم الركن عبد الكريم قاسم وأنا شاركت فيه بلوحتين
بعد أن استقرينا في بون، بدأنا نفتش عن محلات بيع المواد الفنية، فلم نجدها في بون ولكنها متوفرة في كولون المدينة الكبري و تبعد 25 دقيقة عن بون, أشتريت ما احتاج للرسم من أصباغ وفرش وكانفاس وأوراق وبدأت التحضير لمعرضي الشخصي الأول وحققت حلمي هذا بعد سنة
بون مدينة صغيرة جدا في ذلك الوقت وتخلو من قاعات العرض , فتمكن السفير الدكتور ( جابر عمر) أن يحجز لي قاعة في نادي (لاردوت) وهذا كان نادياً للطبقة الارستقراطية وتقام فيه حفلات استقبال الشخصيات والملوك ورؤساء الدول, واستطعت ان أقيم معرضي هناك , وكان برعاية سفيرنا الدكتور( جابر عمر) وبحضور حشد كبير من السفراء العرب والاجانب وضم المعرض عدداً من التخطيطات واللوحات المائية إلى جانب اللوحات الزيتية التي تمثل حياة بغداد الشعبية والاجتماعية والريفية
كانت جرأة مني أن أقدم على أقامة معرضي الأول في المانيا وليست لي بعد مدرسة ثابتة أنهج بمنهجها فكنت اتنقل من الواقعية الى التكعيبية الى التجريد إلا انني كنت مغامرة بإقامة المعرض بالرغم من كل الظروف فأعددت ملصقا عن المعرض باللغتين العربية والالمانية وضعته على واجهة نادي (لاردوت) وواجهات المحلات في الاسواق وقد كتبت الصحافة الالمانية بإعجاب عن المعرض والالوان التي استخدمتها في لوحاتي , وألقى سفيرنا جابر عمر كلمة قيمة أثنى فيها على جهودي وإقدامي على إقامة هذا المعرض
ومن بين لوحاتي المتميزة (والتي جلبت لي المشاكل) كانت لوحة عن فلسطين، تمثل المهاجرين، كباراً وصغاراً، بشكلهم المزري فكان القائمون على المعرض يطفئون أنوار القاعة بمجرد عدم تواجدي ومزق بعضهم الملصقات الخاصة بالمعرض من الشوارع فاضطررت لوضع ملصقات اخرى مكانها
وقالت لي إدارة النادي بأن زوار المعرض يجب ان يقتصروا على فئة (النخبة) ويجب أن لا يدخل النادي كل من يرغب. وبإصرار مني أستطعت أن ابقي المعرض مفتوحا على مدى 15 يوما، بعد ان قدمت شكوى بحقهم الى بلدية بون اذ لا يسمح لكل من ياتى بالدخول كما كانت الانوار مطفاة، ولكني أشتكيت وبدأت أنا من يقوم بفتحه وأبقى به من الصباح وحتى المساء
من الشخصيات الكبيرة التي حضرت المعرض المستشار الالماني(كونراد اديناور) الذي اتى في اليوم التالي لافتتاح المعرض واقتنى إحدى لوحاتي، كما علمت أن جلالة الملك الحسين (طيب الله ثراه) والسيد بهجت التلهوني (رئيس وزراء الاردن في حينها) وغيرهم من رجال الدولة، شرفوا معرضي إذ تصادف وجودهم في بون مع افتتاح المعرض، وشعرت بالاسف لاني لم اكن حاضرة وسعدت كثيرا حين حضرت معرضي المستشرقة (آنا ماري شمل) وتعرفت عليها، فهي رئيسة تحرير مجلة فكر وفن، المجلة الفنية العالمية الشهيرة, قالت لي: منذ زمان وانا أفتش عن لوحة بها أمراة عربية تلبس العباءة وسعيدة لاني وجدتها في معرضك وأنتقت لوحة من لوحاتي من المعرض وأهديتها إياها ونشرتها في أحد أعداد مجلة فكر وفن وأرتديت في حفل الافتتاح الثوب (الهاشمي) العراقي التراثي
المعرض الشخصي الثاني في نيويورك عام 1966م افتتحه السفير العراق عدنان الباججي ، ثم المعرض الشخصي الثالث في عمان ـ الاردن عام 1968م وعرض ايضا في لندن , معارض كثيرة حقيقة قاربت الثلاثون معرض
*************
س - عام ١٩٧٣ اثناء زيارتك للأندلس - أسبانيا وزيارة قرطبة قلتي وجدتها كما قالها أرخميدس , وتحول اسلوبك من الواقعية الى الفنتازيا المبهجة المنمنمة لمدن الحلم ؟ كيف كان احساسك عندما وجدت ما تبغين ؟
كان زوجي العزيز حميد دائما يتمنى أن يراني أرسم بعد أن توقفت عن الرسم ما يقارب ثلاث سنوات , والوقفة عند الفنان خطيرة، إما ينتهي أو تكون بعدها طفرة , وكان يسألني دائما: ودو… لماذا توقفتِ عن الرسم ؟
أجيبه: أنا أفتش عن وداد… ولم أجد وداداً حتى الآن
فيقول باستغراب: وماذا تقصدين؟ .فأجيب : أنا افتش عن أسلوب جديد لي فعلى الفنان أن لا يقلد أحداً وياتي بإسلوب يميزه عن غيره وهذا ما أبحث عنه
عدنا الى مدريد من الاندلس وقد علقت في ذهني كل الأشكال الفنية لقصر الحمراء وما أن دخلت البيت وأخذت قسطا من الراحة، وبالرغم من تعب الرحلة خصوصاً وأنا السائق دائماً، حتى أمسكت بورقة وقلم وبدأت أخطط امرأة اندلسية تجلس القرفصاء في قصر الحمراء وقد زخرفت ملابسها ووضعت وشاحا خفيفا على وجهها.وأستخدمت القلم العادي لم يكن سوى أسكيج بسيط ولكني أحسست أن النفق المظلم بدأ يسطع بالنور أمامي
وإذا بحميد يخرج من البيت فجأة، ولما عاد رأيته فرحاً وقد جلب لي هدية، هي علبة أصباغ بوستر ودفاتر رسم وعدد من الفرش, شكرته كثيراً وقلت له: حميد أتى الفرج أريد أن أرسم, وارتسمت الفرحة على وجهه.وفرحت لأني رأيت في علبة الألوان اللون الذهبي, هنا بدأت عندي مرحلة جديدة هي (العصر الذهبي).فمن يشاهدها ويشاهد الأعمال التي تلتها يقول انها لوحات ليس فيها تقليد، متحررة بالكامل من تأثير أي فنان , فكل من يشاهد لوحاتي يقول أنها لوحة ودادية، وهذا اسلوب وداد
أما في اللوحة الثانية فأضفت اللون الذهبي اللامع والذهبي البرونزي, الله كم شعرت بالسعادة , شغفت بعد ذلك بهذا اللون الملوكي، وصرت أوظفه في كل لوحاتي الفنتازية, فأنجزت الثانية والثالثة, وبدأت أنقط الأرضية بنقاط ذهبية مستخدمة فرشاة صغيرة جداً, وكنت أذكر أسم الله في كل نقطة أرسمها وأشعر بقوة الصبر، لأن اللوحة تأخذ مني ساعات، لا بل اياماً, وانا ارسم شعرت كأني أغوص في تاريخ الاندلس
لم أكن متفرغة للفن فقط، فأنا ربة بيت وأم ترعى 3 أطفال, وزوجي مستغرق في العمل طوال الأسبوع وألبي كل طلباته في ضيافة الأصدقاء وأقوم بواجب المرشدة السياحية لمن يأتي من الوطن من الأصدقاء والأقارب، ومن دون تردد او تذمر, فأرافقهم بسيارتي في كل تجوالهم وتسوقهم وفي جلبهم من الفندق وأعادتهم اليه, فمتى أرسم ؟؟؟ لم يكن عندي وقت سوى في الليل بعد أن ينام الأطفال، فأجلس على طاولتي لأكمل لوحة او أبدأ لوحة جديدة, وأدمنت هذه الحالة إلى الآن، أي العمل ليلاً وحتى الصباح , تيمناً بإغنية ام كلثوم رباعيات الخيام (ما أطال النوم عمراً ولا قصر في الأعمار طول السهر)
كانت الإجازات الرسمية لحميد محدودة, فيظل في عمله في السفارة بينما أقوم انا بالواجب, ولكن حميد، والشهادة لله، كان حريصا على أن يأخذ من وقته لنذهب معا الى المتاحف وقاعات الفن, واثناء مرورنا بمكتبات القرطاسية والرسم، يكون سباقاً الى شراء كل ما أرغب به من مستلزمات الرسم , لقد كان لإسبانيا الفضل الكبير عليّ، لأستفزازي وإعادتي الى العمل الفني
في إسبانيا كونت بداية مدرسة خاصة بي، فبدأت أرسم القباب والأهلة والمآذن والنقوش الأسلامية , فتزدحم اللوحة بالموتيفات المستوحاة من الجوامع والمنارات, كل ذلك بتأثير ما شاهدته من فنون عربية خالدة في الاندلس , فأنجزت عدة لوحات وكانت اللوحة يطول إنجازها عندي أكثر من شهر في بادئ الأمر, كنت أعمل بكل هدوء وروية, هذا الأسلوب لازمني طويلاً واستطعت أن انتج لوحات على الورق بالأصباغ المائية الى حجم مترين في متر, وكبرت المساحة لاحقاً حتى رسمت لوحات حجمها 6 متر على القماش وغيرت الورق وبدأت أرسم على الكنفاس بمادة الآكرليك (هي ايضا مائية ولكنها سريعة الجفاف)
**********
س - لك اكثر من عشرين معرضاً حيث شاركت في عدة معارض داخل القطر و خارجه ومن تلك المعارض كان المعرض الشخصي الخامس بعنوان ( منمنمات من التراث العربي) ما هي ذكرياتك عنه ؟
علمت ان الاستاذ اسماعيل الشيخلي مدير عام الفنون لديه قاعة الواسطي وشجعتني مديرة القاعة السيدة وفاء لامي مشكورة لاقامته في المديرية اذ في ذلك الوقت لا توجد غير قاعة الرواق تديرها الراحلة ليلى العطار والمتحف فقط .
اقمت معرضي الشخصى الخامس (منمنمات من التراث العربي ) وكان برعاية وزير الاعلام لطيف انصيف جاسم. دعا زوجي حميد اصدقائه من السلك الدبلوماسي واصدقائه في وزارة الخارجيه فحضر جمهور كبير وافتتح الوزير المعرض على الشموع واللوكسات بسبب الحرب الايرانية
وكان لمقالة الفنان التشكيلي شاكر حسن آل سعيد التي نشرها في مجلة (أفاق عربية ) في عددها الصادر 5355 في 29 عام 1984 , الصدى الطيب والمؤثر
***********
س - عام ١٩٨٣ أسستِ قاعة الاورفلي للفنون فكانت صرحاً ثقافياً وأضافت بعداً خاصاً للواقع الفني العراقي على مدى عشرين عاما، حيث كانت تلك القاعة مركزا ثقافيا جامعا ؛ فإلى جانب عرض كل أنواع الفنون التشكيلية كانت هنالك محاضرات ثقافية , امسيات موسيقية, سينما , مسرح ودورات تعليمية , هل تتحدثين عن تلك التجربة الفريدة ؟ وهل افتتاحك لقاعة الاورفلي بعمان تعويض لها ؟
بعد العودة من تونس الى بغداد, كان همي الاول ان اجد دارا للسكن , فوجد لي ابن عمي عادل الاورفه لي شقة في المنصور وكانت مدرسة وبها 3 بنايات وقال انظري الشقة الارضية المطلة على الساحة قلت هذه جيدة ان اعملها قاعة الاورفه لي , ورد علي ودار السكن قلت اي دار انا افتش ايضا عن مكان اؤسس قاعتي التي احلم بها، بدأت العمل بتهيئة المكان ليكون القاعة المنشودة
فطلبت من صاحب الملك الأذن لي باجراء بعض التغيرات ووافق وكانت الشقة قديمة جدا اذ كانت مدرسة سابقا وفعلا أزلت حائطا ما بين غرفتين متجاورتين وكبرت المساحة الى 10 * 5. وغرفة أخرى 5 * 5 لتكون قاعة عرض و مكتبا لأدارة القاعة. وغرفة ثالثة 3 * 4. والمدخل ممر 3 *6 جميع هذه المساحات كنت اعرض بها اللوحات, الى جانب مطبخ وحديقة خلفية
وبعد ان بدأت بأعداد المكان بشكل شبه كامل, حدثتني صديقة ان علي ان اخذ موافقة امانة العاصمة. فعرضت الامر على حميد, فقال لي بأننا يجب ان نسلك الطريق الصحيح . قدمت طلبا الى امانة العاصمة وكان هذا اواخر عام 1982
كانت معاناتي الحصول على الترخيص . وانا أجابه جهلة لا يفقهون اغراض الكاليري, اتاني يوما رجلا من الامانة وسألني ماذا ستعملين بهذا الدار أجبته اضع لوحات فنية كي يأتوا الناس يتفرجوا عليها, واستغرب وقال هذا ليس معقول من يترك داره ويأتي الى هنا ليتفرج على صورة وكررت عليه وخرج يهز في راسه , فاتى ثاني ولم يفهم . فذهبت الى الوزير (لطيف نصيف جاسم) فرحب بي ولكن قال لي هل فكرت جيدا ست وداد؟ فقلت نعم، فاتصل امامي بامانة العاصمة وحلت المشكلة وشكرته وبدأت اعمل بنشاط
بعض من سمع من اني سأفتتح القاعة لم ينصحني حتى استاذي الكبير اسماعيل الشيخلي وغيره، حيث قال قبلك في السبعينات فتحت قاعات واغلقت، لماذا تبذرين اموالك، قلت المشروع ليس فاشل ولكن من يديره فاشلا سترى كيف سينجح
لم أكن اعرف الفنانين الجدد بسبب غربتي الطويلة عن الوطن الا اني على دراية بالاساتذة الرواد بحكم انهم درسوني وتعرفت عليهم عن قرب,من امثال الاساتذة فايق حسن، اسماعيل الشيخلي وخالد الرحال ومعلمي الاول د. خالد الجادر. فشكلت لجنة استشارية تتكون من الفنان والاديب الفلسطيني الاستاذ جبرا ابراهيم جبرا و المهندس معاذ الالوسي والفنان رافع الناصري والنحات محمد غني حكمت والخزافة سهام السعودي
فعقد اول اجتماع للجنة اعطوني اسم 50 فنانا معظمهم لا اعرفهم . فوجدت ان هذا العدد من الفنانين , قد لا تستوعبها قاعتي المتواضعة أعمالهم
اجرت البناية المطلة على الساحة و هي القاعة الرئيسية وقلت في نفسي ساستفاد من الباحة الكبيرة لاقامة الفعاليات ولكن كانت قديمة شبابيكها مكسرة والساحة مليئة بانقاض الشركة التي كانت مؤجرة احد البنايات
ولاحقا اجرت المبنى الاول المطل على الشارع وثم افتتحت مركزا للسيراميك شارك فيه بعض الفنانين الخزافين واشرف عليه ولدي عباس
اما الطابق العلوي فيضم غرفتين، غرفة استغلها الفنان سعد محمود حكمت لتدريس الموسيقى (البيانو والاوكورديون) وفي الغرفة الثانية كان يدرس الاستاذ صلاح القاضي العود. كما درس الاستاذ صلاح القاضي الخط العربي . قمنا بتدريس اللغات الانجليزية والالمانية والفرنسية على يد اساتذة أكفاء ولاحقا الاسبانية
كانت السيدة انعام عبدالله تدرس الاتيكيت للسيدات وكانت تعمل حفل تخرج بعد انتهاء الدورة وتقدم الشهادات التقديرية
فتحت دورة لتقوية الذاكرة بأشراف صلاح الجاف للسيدات شارك فيها عدد من السيدات وفي بداية التسعينيات أقمنا دورات لتعليم ( الكومبيوتر). ولقد اقام لنا السيد صلاح بعض المحاضرات في التنويم المغناطيسي وكان يكتشف السرقات من سيارات في فترة الحصار او يكتشف الجرائم، كما لديه عيادة يعالج فيها الربو والالام . شكرا لك يا استاذي الكريم..
اما القسم الثاني من البناية ، افتتح فيه عادل الاورفه لي (بوتيك الاورفه لي) حيث كان يستورد ارقى الملابس من بيروت. وبعد ان اغلقه افتتحت الست سحر الحلو محلا فلكلوريا (ارتيزانا) تعرض به الاعمال اليدوية من تطريز وشالات وجلابيات وغيرها.
كما ان السيد على الكندي افتتح محل تصميم اشرفت عليه وأدارته الفنانة في الخياطة سهى البكري والخزافة نها الراضي وكانت السيدة سهى تصمم الملابس وتقيم عروضا للازياء في باحة القاعة.وبعدها استلمت التصميم زوجة السيد على الكندي السيدة سندس ومعها السيدة وساهرة مكية
كما افتتح الفنان رافع الناصري محترفا للغرافيك حيث جلب المكائن وخصص ركنا منه لعرض اعماله واقامة المعارض الخاصة به وزوجته الكاتبة مي مظفر هي المشرفة وكانت تستقبل الضيوف ببشاشة
وافتتحت السيدة ناصرة السعدون وزوجها مصطفى المختار مكتبة تطل على الشارع العام اسمتها (سين) وقام مصطفى المختار في ترتيب وعمل المكتبة من رفوفها وكتبها وكانت تقيم الندوات فيها رغم صغرها وتدعو الادباء والكتاب دائما وانا بدوري اسجل شكري الى المرحوم مصطفى المختار لمساهمته في فعاليات القاعة فكان دائما هو اول من يتبرع بالمساعدة
كما افتتحت ابنتي لاحقا عباسة معرضا صغيرا جميلا هندسه المهندس الراحل ضياء الدليمي لعرض مجموعة منتخبة من اعمال الخزافين اسمته (طين) وكان ملتقى لمن يحب ان يهدي عملا مميزا من السيرميك
و افتتحت قسما لصناعة تلوين النحاس (فن المينا الحارة) اذ جلبت صائغا صبيا وبدا يعمل الاساور و”تعلاقة” ميدليات المفاتيح ومحابس وقلائد وعلمته كيف يستعمل الفرن الكهربائي اذ درست هذا الفن كما ذكرت في باريس واقتُنيت معظم المنتوجات
ولاحقا اضفت قاعة للانتيكات اسميتها الديوان بعد ان بنيت غرفة خلف البناية وكانت جامعة وشاملة لكل انواع الانتيكات من فضة وصحون ولالات اي فوانيس قديمة وسجاد صغير وملابس واثاث قديمة
وفتحت ورشة لعمل اطارات اللوحات, اداره مسؤول القاعة حمزة المصري لفترة ستة سنوات وبعد سفره استلمه ابن اختي علي العبدي. ولقد سهلنا على الفنان ان يؤطر اعماله ويجلبها للعرض
قاعة الاورفلي في عمان هي أمتداد لقاعة الاورفه لي في بغداد فأنا من أقترح على السيدة إنعام (التي هي صديقتي وأبنة خالي وعمتي) أن تفتح قاعة للفنون
كنت قد شحنت مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية عام 1993 لإقامة معرض الفن العراقي بعمان وعندما لم أجد قاعة تكفي لعرض الأعمال التي جلبتها، أقترحت على إنعام أن يكون دارها (كاليري للفنون) ما دامت تعيش بهذا البيت الواسع وحدها
وفي خلال أسبوع رتبت كل شيء وعلقت الرسومات على الحائط وقلت لها: أتصلي تلفونياً لدعوة من تعرفين وأتصلت ب20 شخصاً فقط ولكن بعد فترة أصبحت قاعة رسمية وكانت هي من يديرها، وبعد أصابتها بشلل نصفي قامت بناتها (السيدة رنا والسيدة سوسن صنوبر) بإدارة الغاليري مشكورتين على حسن أدارتهما
وهنا أود أن أوضح أن غاليري الاورفه لي بعمان ليس تابعاً لي (كما يظن معظم الناس) وأنما أعطيته أسم قاعتي ليكون أمتداداً لها
********
س - سنوات الحصار التي هبت عجافاً على البلد وانشغال الناس في تدبر امر لقمة عيشهم جعلهم ينحسرون عن متابعة فعاليات قاعة الاورفلي الى ان اطلقتي رصاصة الرحمة واغلقتها ؟ بعدها جاءت قاعة الاورفلي الملاصقة لنادي الصيد ؟ كيف كانت التجربة لقاعة الاورفه لي في دارها الجديد ؟
في احد الايام وانا ذاهبة للسباحة في نادي الصيد , شاهدت اعلانا لتأجير مشتل زهور النادي, نسيت انه كان حصارا ونسيت كل شيىء, وخلال يومين فقط قمت بتأجير المشتل مساطحة لعشر سنوات من النادي وكانت مساحته 1500 متر تقريبا وتقع الارض بين نادي الصيد ونادي المنصور اذ كنت دوما اتمنى ان تكون القاعة ملكي اتصرف بها ما اشاء, ولكن مع الاسف وضع النادي شروطا تعسفية عليّ أنذاك,
اتصلت بصديقي المهندس ضياء الدليمي رحمه الله وقلت له انا باقية في بغداد لمدة اسبوع حيث لا بد ان اعود الى عمان واريد ان تعمل لي تصميم للقاعة الجديدة باسرع وقت وطلبت منه ان يبدع في كل شيء, فانا اريد قاعة لعرض اللوحات ومسرح داخلي وخارجي وصفوف للدورات وكافتيريا ومخازن
كنت بين الحين والاخر أطل على بغداد لارى اين وصل البناء وأجري على قاعتي الجديدة الاضافات والتحويرات فضمت القاعة مسرحا يأخذ تقريبا 120 شخصا, وهي تستخدم بنفس الوقت لعرض اللوحات والاعمال الفنية كما بها كافتيريا ومكتب ادارة وقاعة للسيراميك وأخرى للدروس ومخازن للصور
وحولت الحديقة الملحقة ( حوالي 700 مترا) والتي كانت احواضا للأسماك الى حديقة واشجار للفواكه المختلفة, لقد بذلت جهدا وبددت مالا كبيرا في ردم احواض الاسماك العميقة , ولم يكن هناك سورا بيني وبين مرفقات النادي الصيد سوى بعض الاشجار, اكملت المشروع بعد ان فرغ جيبي
كان نادي الصيد على جهة اليمين ونادي المنصور على جهة اليسار, ومن الخلف جامع الرحمن , هذا الجامع الذي لم اشهد له نهاية للبناء, سلم ليّ المهندس ضياء مشروعي في الشهر السادس من عام 1999, ولأودع قاعتي الاولى التي شكلت علامة في حياة الفن العراقي, قدمت بها كل ما عندي من جهد كي يتثقف الناس ويستمتعوا وينسوا هموم الحروب الجائرة
بدات عباسة وهيلة وأبني عباس وصديقنا المرحوم المهندس ضياء الدليمي والسيد فؤاد قسطنطين بتاثيث الكافتريا وشراء عدد كبير من الكراسي الحديد والبلاستيك والطاولات. وتم تزويد القاعة بمبردات ومكيفات هواء
حزنت يوم تركتني الست نشوان لتجد عملا في البحرين وبالحقيقة كانت تدير القاعة على احسن ما يكون كما ان ابنتي عباسة ذهبت لتعمل في الامارات فخسرت من يدير قاعتي الكبيرة هذه, كانتا نموذجين في الاخلاص والعمل الدؤوب فتشت عن سكرتيرة تساعدني فعينت الست كردة وابنة اختي عروبة سليم الراوي. بعد فترة عينت الست مها الهيتي تمكنوا ان يديروا شؤون القاعة على احسن ما امكن مشكورين
وعينت 5 عمال لاغراض الحراسة والتنظيف والخدمة. اكتشفت لاحقا أن الداخلين من الناس قلة قليلة فمن بمقدوره تناول علبة البيبسي التي سعرها 600 دينار وراتبه دولارين في الشهر؟. بمرور الزمن قلصت عدد العاملين الى عامل واحد وحارس والاكتفاء بسكرتيرتين فقط واخر من عمل معي من السكرتيرات هي الست عروبة سليم الراوي وهالة عبد القادر القلمجي اسجل شكري وتقديري لكل من عمل معي وساعدني على ادارة القاعة
افتتحت قاعتي الجديدة بمعرض استعادي للوحاتي عبر كل المراحل من حياتي الفنية مع عرض صور فوتوغرافية لفعاليات القاعة الاولى, وشهد الافتتاح مرور 50 عاما من عطائي الفني فعرضت اعمالي من تاريخ 1950 الى عام 2000
لقد افتتح معرضي الاستعادي السيد وكيل وزارة الاعلام الدكتور عبد الحليم الحجاج بحضور حشد من الصحفيين والمدعوين, لقد بذلت جهدا كبير لدعوة الاصدقاء القدامى ولكن مع الاسف لم يحضر منهم الكثير فالحصار الجائر أقض مضاجع الناس وكذلك مغادرة الكثير من المعارف والاصدقاء بغداد الحبيبة
اما عشاق القاعة واصدقاؤها القدامى اختفوا تماما كانوا يعتذرون عن الحضور بحجة بعضهم سيارته بحاجة الى اطار جديد .وآخر يعتذر بحجة هموم الحياة وتعذر المعيشة.ومن يعتذر لكونه لا يستطيع ترك بيته خوفا من السرقة, وهكذا فقدت القاعة جمهورها تقلصت نشاطاتها التشكيلية بشكل ملحوظ.فلا يستطيع الفنان المسكين ان يصل الى المنصور, كما ان الكثير من الجمهور الفنانين هاجروا الى الاردن او الى جهات اخرى من العالم, كنت دائما افكر كي اجد طريقة لجذب الناس, فقررت ان اعرض لوحات من مجموعتي الخاصة بصورة دائمة على الجدران , وطبعت برنامجا شهريا اكتب فيه كل الفعاليات الشهرية ففي كل يوم كان هناك برنامجا. كانت معظمها مجانية لاشجع الناس ليأتوا ويتمتعوا بالافلام الموسيقية والعروض الدائمة ومن هذه المعارض:
– المعرض الاستعادي مدن الحلم وداد الاورفه لي2002
– معرض شخصي للفنانة وسماء اغا
– معرض للفنان فارس القشطيني
– معرض للفنان الفلسطيني حسني رضوان
– معرض بين الماضي والحاضر لمجموعة من الفنانين بمناسبة يوم بغداد
– معرض الصيف المشترك
– معرض الفنان كامل حسن (رقصة حب)
– معرض الربيع السنوي المشترك
– معرض لهواة الزهور تحت عنوان (الورد جميل … جميل الورد) بحضور رئيس جمعية الورود
الدكتور خالد السامرائي حيث عرضنا انواع الشتلات لورود الخريف الجميلة
– معرض للسجاد العراقي والباكستاني والايراني
بدات ادارة نادي الصيد, تتدخل في شؤون القاعة, وكنت لا اسكت لهم عند كل اجتماع يدعوني له مع مجلس ادارة النادي فاتكلم بصراحة متناهية , فمثلا يتصلون تلفونيا عدة مرات ويقولون الصوت عالي اخفضوه , بينما هم ايضا الصوت عندهم اعلى عندما يلعبون البينكو , ومرة يتساءلون قائلين لماذا تعملين بازار ؟؟؟ . كنت اندهش لسؤالهم هذا كانوا ينزعجون وهم يشاهدون السيارات تصل الى نهاية الشارع فاقول لهم انتم نادي ولديكم موقف سيارات خاص بكم ولا تسمحون بالدخول الا لمن هو مشترك اما ابواب قاعتي مفتوحة للجميع للفنان والمسرحي والشاعر ولكل مثقف
وجاءت هجمة حرب الاحتلال في عام 2003 ونهبت وسرقت كنوز قاعتي كلها وكانت نهايتها وانقطع نفسها وكاد نفسي ان يقطع وقررنا الهجرة بعد ان قصف دارنا فقال لي زوجي: “عيني وداد هذا انذار لنا” فجمعنا اغراضنا على امل ان نبقى شهر او شهريين وها نحن مرت العشر سنوات في الغربة ننتظر الفرج. وهاجرنا الى الشام وثم استقرينا في عمان الاردن واستولى على القاعة احد الشخصيات المهمة بحجة انها تابعة للحكم السابق وكم حاولت ان افهمهم اني اخذتها مساطحة من النادي لم يفهموا
وانا اكتب هذه الاسطر والعراق يمر باصعب فترة في تاريخه, فيضانات .. عتمة بلا كهرباء.. جوع.. فقر شديد وعوز.. لا مدارس بنيت لا بل هدمت رغم ان دخل العراق ازداد من النفط فالعراقي اتعس انسان اليوم، بدا ينزح ويعيش تحت الخيام في الشتاء القارص والهرب من العنف والمفخخات في كل صوب
**************
س - نأتي الى الموسيقى , من عمر ست سنوات تعلمت العزف على البيانو بتشجيع من بيت أحب الفن بانواعه , وتتلمذتِ على يد أفضل أساتذة الموسيقى, ومنهم أساتذة البيانو التركي بهجت دادا العواد والإيطالي ألدو كاني وأساتذة العود الكبار صلاح القاضي وعلي الإمام وتعزفين ايضاً الاوكورديون والعود بمهارة , وبدأتِ بتاليف المقطوعات الشرقية والغربية ومؤخرا قدمتِ مجموعة من الحانك إلى شركة ( إي أم أي ) البريطانية للأنتاج والتوزيع حيث صدر اول البوم لك بعنوان "انغام عربية" في فبراير ٢٠١١ . وتعتبر هذه اول سابقة في تاريخ الشركة ان تصدر الألبوم الأول لامراة فنانة عربية وعراقية ورسامة وموسيقية بهذا العمر. الألبوم يتناول "رحلة من الأندلس إلى بغداد" وهو وجه آخر للوحات "مدن الحلم" من خلال الموسيقى, هل عشقك للموسيقى يوازي الرسم أم يتفوق عليه ؟
درسني على البيانو مدرس موسيقى تركي اسمه ( بهجت دادا العواد ) وكنت بعمر خمس سنوات اعزف بالفطرة بدون معرفة بالنوتات والسلم الموسيقىى, احب سماع الموسيقى وبعدها اقلدها بالعزف وهكذا , الى ان كلف والدي رحمه الله الاستاذ بهجت بتدريسي البيانو وقال لي في بداية تعليمي كل ما تعرفيه لوحدك غير صحيح عليك باتباع خطواتي حتى تتعلمي الموسيقى بشكل صحيح , بقيت سنين اتعلم منه الى ان حضرت حفلة لمدرسة اهلية وكان يعزف فيها مدرس ايطالي اسمه ( ألدو كاني ) فطلبت منه تدريسي بعد موافقة والدي وكنت حقيقة اضجر من الدروس واحياناَ اخالفه فكان يزعل لانني قليلة صبر واريد ان اعزف دون تعب , علمني ألدو كاني العزف على الكمان , وذات يوم طلب مني والدي رحمه الله ان اعزف له ليتعرف على مستوى تعلمي لهذه الآلة , فبدأت اعزف له لحن على مقام صبا المعروف بحزنه وبدأت دموع والدي تسيل وقال لي : ( كفى , لا تعلم كمان بعد اليوم , يا ابنتي الموسيقى طرب وليست كرب ) , وكنت مهووسة بالافلام وموسيقاها واغانيها , اذكر فلم لأسمهان و يوسف وهبي , قصة الفلم تدور عن قصة حب تموت البطلة اسمهان ويحزن يوسف وهبي على موتها و تسوء حالته وكان يظهر منفوش الشعر يجلس في غرفته ويعزف لحن صبا , كنت اقلده بالتمام في نفش الشعر والعزف ...ايام كانت جميلة بذكرياتها
هذه احدى المعزوفات من تآليفي بعنوان ليالي الآنس في بغداد
***********
س - شجعتي اصوات شابة لتبدأ مسيرتها الفنية بثبات منهم العازف ( نصير شمة ) و المطرب الشاب ( سيمور جلال ) و المطرب الشاب ( حسام الرسام ) عدى العشرات من شباب امتلكوا موهبة الغناء ؟
كنت افسح الفرصة للمواهب الشابة في العزف على انواع الالات الموسيقية, اذ كانت هناك فرقة احمد بيجيز , يعزف ويغني كل اغاني الفرقة بصوته الجميل وعزفه الاجمل بالغيتار, كان الشباب يستمتع بهذه الفعالية الجميلة, كنت اقف على المسرح واقول لهم غنوا صفقوا وتمتعوا وانسوا ويلات الحرب
كما قدمنا عدة امسيات كونسرت لعازفة البيانو ناتاشا على مسرح القاعة, ايضا اسست فرقة ( الهارد روك) من مجموعة من الشباب ولكن بعد فترة الغيتها لان كان الصوت عاليا ولم يستغنوا عن استعمال مكبرة الصوت الذي يؤثر على الكافتريا
اما عازف الغيتار احمد الارابيسك شاركنا مشكورا بمعظم الفعاليات وكان دائما حاضرا متبرعا
لقد فكرت ان انشط الموسيقى اكثر لعلها تجلب الناس بكثرة, فسالت زميلي الفنان امين عباس، عن طالب فنون جميلة لديه صوت جيد وفي اليوم التالي احضر لي شابان, واحد اسمه سيمور جلال والاخر حسام الرسام , اختبرتهم واذا بي أجد سيمور بصوت جميل يغني اغاني عبد الوهاب مع عزفه على العود باجادة تامة وجاء دور حسام وصعقت عندما انطلق صوته يغني وبدون ميكرفون, لما يمتلكه من صوت عالي وقوي, اندهشت وخالني ان زجاج الشبابيك يتكسر بفعل قوة صوته, فشكرت امين عباس وخرجت من القاعة بعد ان قلت لهم تعالوا غدا, وقلت في نفسي «حسام وسيمور» لعل سيكون لهما مستقبل زاهر وساوجههم
اما الفنان الموهوب نصير شمة فتعود معرفتي به بعد افتتاح قاعة الاورفلي الاولى عام ١٩٨٣ , كنت اقيم الفعاليات كافة منها الكونسرتات الموسيقية والمحاضرات في قاعة العرض، أي ان من كان متواجدا في القاعة سيجيل النظر في اللوحات المعروضة ويستمع الى الموسيقى المنطلقة من عود او البيانو وغيرهما وتصبح علاقة حب بمرور الزمن بين الأستماع ومشاهدة اللوحات
ولم اتوقف عند هذا النشاط , بل أقمت كونسرت (اي حفل موسيقي) خاص بالقاعة ومن الذين كانوا لا يزالون طلابا في معهد الدراسات النغمية واولهم كان الفنان نصير شمة فقد كان صغيرا في العمر والبنية قدمته للجمهور باسم (زرياب الصغير) , وكبر وتخرج واشتهر عالميا وافتتح بيت العود في كل من تونس ومصر والامارات, وبعد نجاحاته العريضة في أكثر من بلد عربي , شاهدته وقلت له ثانية : « ساسميك الان زرياب الكبير»
أقمت خيمة في الحديقة بمناسبة شهر رمضان المبارك اسميتها خيمة البركة, وجاء حسام ومعه ثلاثة عازفين من طلاب المعهد «طبلة وكمان وعود», غنى حسام وعدد الحضور 2 فقط, كانت رسوم الدخول 2500 دينارا للشخص الواحد, اي ما يعادل دولارين, واعطيتهما لحسام نظير تشجيعه كمطرب واعد, وقص لي حسام لاحقا وقال وزعت ما اعطيتني اياه الى العازفين, وانا رحلت الى فندقي في شارع حيفا مشيا على الاقدام واذا باب الفندق مغلقا فنمت على درج الفندق حتى الصباح
واعطيت محاضرة الى حسام وسيمور وقلت يجب ان تعلموا ان هذه قاعة محترمة جدا فلا اسمح مطلقا ان تغنوا غير الطرب تعلموا اغاني الاربعينات والخمسينات الى اواخر السبعينات العربية والعراقية و كلقدود واغاني الطرب مثل ام كلثوم وناظم الغزالى و البستات العراقية وبعض المواويل, اما سيمور كان صوته رقيق وكنا نطرب عليه وهو يغني ادوار محمد عبد الوهاب
وبدأ حسام يحضر الخيمة كل يوم يشاركه سيمور في احياء الحفلات
في خيمة البركة بدأ الناس يتهافتون ويقضون لياليهم فيها, حيث نقدم الزلابية والبقلاوة, اقامت بعض الهيئات الدبلوماسية حفلات الفطور عندنا, مثل السفارة الاسبانية وهيئة الامم المتحدة على انغام وفعاليات سيمور وحسام الرسام
علي ان لا انسى ان اذكر لعبة «المحيبس» فكانت تمتد الى الثالثة صباحا, كان مسؤولا عنها السيد محمد حسام مشكورا, والفنان سمير محمود الخزاف تواجدا معي مشكورين خلال الثلاث سنوات الاخيرة حتى أغلاق القاعة
كما كانت هناك فعاليات رمضانية يشرف عليها السيد محمد حسام ايضا ,وبدا الشباب يتوافد على القاعة من محافظات مختلفة, مثل الحلة وكربلاء والناصرية والنجف , بعد ان سمعوا بان امراة في بغداد تشجع الاصوات الجيدة, حضر الكثير ولكن كنت انتخب من هو مبدع, اقمت لكل واحد منهم حفلا, كان الحضور ضعيفا بسبب الحصار بمرور الوقت أزداد تدريجيا, وجهتهم كما حسام الرسام الوجهة الصحيحة, شرط ان لا يغني سوى طربيات الاربعينات والسبعينات
وسالتهم اذا كان بمقدورهم ان يغنوا لأم كلثوم ؟ اجابو بالنفي فطلبت منهم ان يسمعوا بعضا من اغانيها بهدف التدريب عليها, وكانت الصديقة حذام فضلي ام جمال المدربة الاولى لحسام لما وجدنا له القابلية للتعلم السريع كما انه يجيد كل انواع الغناء, حيث اخذت على عاتقها ان توجهه على غناء ام كلثوم, واعطيته شريطا غنائيا لأم كلثوم وطلبت منه ان يتمرن عليه ونجحت فعلا في صقل مواهبه
واسس حسام فرقة اسميتها فرقة «الود», فاصبحت فرقة متكاملة شرقية اللون والموسيقى, الفرقة مكونة من رئيس الفرقة عازف القانون منعم السامرائي وزبير العوادي عازف العود وعازف الكمان ياسر وعازف الرق انمار
كما كان هناك شاب مغرم بكاظم الساهر يقلده حتى يقص شعره مثله. وكبرت الفرقة وادخل الاورغ والكيتار وغيرها من الالات الموسيقية ,
لقد اكتشفت عدة اصوات ممتازة منهم علي رشيد كان في عمان وثم هاجر الى اميركا, وكذلك صوت اخر متميزا اسميته مصطفى قمر, وكان في سوريا يمارس التلحين, كان له صوتا غريبا ولا ادري اين هو الان
كما اكتشفت شابا كان مغرما بأغاني عبد الحليم حافظ اسميته اسامة عبد الحليم وكذلك فيصل ابن المطرب عباس جميل كان يغني اغاني والده واقمت حفلات لهم جميعا وبعضهم شارك في خيمة البركة, كما دعوت من كبار المطربين العراقيين من عباس جميل وياس خضر وكانت الخيمة تغص بالجمهور
***********
س - لكِ في الكتابة ايضاً شعراً ونثراً وسيرة حياة , قمتِ بكتابة مذكراتك عن سيرة حياتك ومشوارك الطويل مع الفن . ومن خلال هذا الكتاب تسعين أيضا ان تؤرخي الحياة الأجتماعية البغدادية التي عشتها من الأربعينات والتي كانت تعتبرحقبة العصر الذهبي في تاريخ العراق الحديث بما حملته من انفتاح وثقافة ورقي , هل الهام الكتابة يأتي خلسة ؟ ولو خيرتكِ بين الفنون جميعها الرسم والموسيقى والكتابة , ماذا تختارين الاقرب لك ؟
من يعرف وداد أكثر من وداد .. ؟؟؟ .. لا أحد
لذا قررت أن أكتب فصلاً عن وداد أشرح فيه تصرفاتي، أفكاري، خواطري، هواجسي، عاداتي، جنوني، فنوني، خرافاتي وأعتقاداتي وشقاوتي. قد تفاجأون من بعض أفكاري وقد تعجب بعضكم وقد لا تعجب البعض الآخر. فأقول هذه أنا
نعم لقد كنت شقية في الصغر.. دؤوبة الحركة مفعمة بالنشاط الذهني والجسدي وما زلت لا أطيق الجلوس في مكان واحد مدة طويلة إلا عندما أعزف على البيانو أو حين أجلس على الطاولة لأرسم بأسلوبي الجديد الذي بدأت به منذ عام 1974 في أسبانيا هاتان الموهبتان غيرتا مجرى حياتي في الكبر حيث أبقى أعمل أحيانا حتى الصباح فسبحان الذي يغير ولا يتغير
كنت كثيرة الحركة في طفولتي وكان لي نشاط كبير وخصوصاً في الصفوف الأولى لدخولي إلى المدرسة لذا كنت أعاقب كثيراً لأني كنت أكتب أو أرسم أينما كان على الدفتر، على الرحلة، وعلى الحائط، وفي أحد الأيام على قميص زميلتي التي كانت جالسة أمامي لذلك كنت أعاقب وأحبس كثيراً وفي أعتقادي الآن أن أي طفل شقي وديناميكي في الطفولة لا يخاف عليه بالكبر أبداً لأنه قد أخرج شحنته في الصغر وحين يكبر يصبح إنسان مختلف الشخصية
حتما أريد أن أعمل شيئاً أو أن أتعلم شيئاً أو أفكر بشيء ما جديد.. فلدي حب أستطلاع وأحب أن أتعلم أي شيء غير مألوف، أن ادقق بأي شيء غير أعتيادي وحين أكون في السيارة أقرأ كل لافته مكتوبة على المحلات التجارية وهذه العادة تلازمني حتى الآن وأنا صبية كان الراديو يدهشني، وأفكر مثلاً كيف يعمل الراديو؟ وكلما أفتحه أبقى مندهشة وكذلك السينما ..كنت أسأل اخواتي هل الممثلون بشر أم صور؟ فكانت أختي ماجدة تفسر لي، وتجلب لي كارتونة مدورة وترسم لي قفصا على الجهة الأولى من الكارتون وعلى الوجه الثاني ترسم عصفوراً ثم تضع خيطاً في اعلى الكارتونة وتبرم الخيط وبعدها تتركه يدور ويدور وأنا أرى العصفور في داخل القفص فتقول هكذا يعملون السينما فأصدقها وأبقى متعجبة وأفكر
أما ما كان يخيفني فعلاً، فهو النجوم والغيوم والقمر، فحين كنا ننام على السطح أفكر وأخاف أن تقع علينا النجوم وكيف هي ملتصقة في السماء؟ وحين وصلت في الدراسة الى المرحلة المتوسطة أصابني رعب وخوف حتى صرت أخاف أن أقرأ ما مكتوب في الكتاب عن الكواكب والأجرام السماوية وأبقى أستغفر ربي وأقول كيف يجرؤ العلماء أن يتدخلوا بشؤون الله
كما أصبحت لفترة من عمر المراهقة أميل إلى التدين فكنت أقرأ القرآن وأصوم رمضان المبارك مع كل أفراد العائلة وجاء تديني وأنا في أول مراحل المتوسطة لما سمعت أم كلثوم في فلم (سلامة) تقرأ القرآن الكريم بصوت سحرني فبدأت بقراءة القرآن الكريم وختمته
وبما أني درست في مدرسة الأمريكان للبنات ببغداد فقرأت الأنجيل والعهد القديم والوصايا العشرة في الأنجيل وبعدها قرأت القرآن الكريم فوجدت أن جميع الأديان تنبذ المحرمات، وان وصايا الله واحدة جميعها، تنهي عن القتل والسرقة والزنا والكذب خرجت بقناعة أن الدين أخلاق وأنا أقول من لا أخلاق له لا دين له
كما كنت أحب القراءة والمطالعة فأجلس بمكتبة والدي بالدار المليئة رفوفها بالكتب الأدبية والتأريخية وبعضها باللغة التركية مكتوبة بحروف عربية، وأسحب أحد الكتب وأتصفحه وقد يعجبني، فأكمل قرأته، أو أفتش عن كتاب آخر إذا رأيته معقد اللغة، ولكن أكثر ما كنت أقرأ هو الشعر والقصص
أنا إمرأة طيبة القلب، حساسة جداً، سهلة، وغير معقدة. أحب الناس ومساعدتهم وأحب الحرية الملتزمة، وأكره التعصب بكل شيء، أحب الحياة والعطاء كثيراً، أنفعل بسرعة، وأبكي كثيراً فإذا رأيت فيلماً مؤثراً تهطل دموعي، وعندما أسمع الهلاهل والزغاريد (في الحقيقة أو في فيلم) تلزمني العبرة و عند الوداع والسفر فأنا عاطفية جداً
كما أحفظ الكثير من النكات والطرائف، ويعجبني أن أحكيها للصديقات، ونضحك كثيراً (والضحك يطول الاعمار) كما إني دائماً بشوشة، ولكن الآن وبعد أن فقدت رفيق عمري نسيت كيف تكون الضحكة من القلب ووجهت نفسي لأكمل مشاريعنا التي كنا نحلم بها من سنين أنا وهو فقاطعت الزيارات والخروج من الدار إلا للضرورة القصوى، مستشفى أو طبيب أو تأدية واجبات للأصدقاء
فلو أستمريت في الزيارات وقضيت وقتي عند فلانة وعلانة لا يمكن أن أنتج أو اكتب أبداً ودائماً أقول أن 24 ساعة لا تكفيني، وأتمنى لو كان نهاري 48 ساعة أو حتى أكثر، ولكني أعوضه ليلاً لأني لا أحب النوم كثيراً ولعلي تعودت من سنين عندما كنت أرسم حتى الصباح، وأطبق المثل القائل (من طلب العلا سهر الليالي). الآن لا أضيع وقتاً لأني وكما يقول المثل الانكليزي
no body knows what tomorrow may bring only a fool could tell
يعني لا أحد يعرف ماذا يخبئ لنا الغد، المجنون فقط يزعم أنه يعرف
أي مشروع كبير قد يبدأ بحلم وهذا الحلم يبدأ صغيراً ثم يكبر ويكبر أنا خيالية ودائماً تقدح مخيلتي بأفكار جديدة وأبقى أفكر بها وأدرسها وحين أقتنع بها أبدأ بالخطوة الأولى والكل يعرف أن (رحلة المليون ميل تبدأ بخطوة واحدة)
لدي القابلية أن أفكر بأكثر من مشروع وأبدأ بالأول، ولما يقدح فكري بمشروع آخر أبدأ التفكير به أيضاً وأحيانا أفكر في الثالث والرابع وقد أركنها في بعض الأحيان ولكن لا أدعها تذهب من ذهني وطبعاً أهتم بالذي أميل اليه أكثر وأركن الثاني لفترة ثم أرجع إليه
مثلاً أنا الآن (وفي خلال الثلاث سنوات الأخيرة) بدأت أخطط لأكثر من 4 مشاريع في آن واحد، وبدأت بعمل خطة لتنفيذها والأنتهاء منها ولكن بتواريخ مختلفة وبدأت في:
الموقع الفني (website) 1 –
لقد عملت جاهدة في أن أعمل موقعاً ألكترونياً لأعمالي الفنية على الأنترنيت و حققت ذلك. لقد أستغرق مني وقتا طويلاً لجمع الصور الفوتوغرافية، لأحتوائه على مرحلة قاعة الاورفة لي وعرض للوحاتي من عام 1950 إلى هذا التأريخ و أضيف عليه بين الحين والآخر ما يستجد عندي من مواضيع.وقام الدكتور الفنان علي الزيني (إينانا) بتصميم الموقع و أوجه له شكري الجزيل. وإليكم الموقع أرجو أن تتمتعوا فيه وتتذكروا الزمن الجميل الذي لن يعود.
www.widadalorfali.com
أو
www.orfaliartgallery.com
كتابة مذكراتي 2 –
منذ أكثر من 4 سنوات وأنا أسجل ما يخطر ببالي من سيرتي ومذكراتي ومواضيع أخرى على شرائط تسجيل، وكلفت الكاتب السيد (طلال معروف النجم) بنقله من الشرائط وكتابته، فهو أديب وكاتب سياسي، وقد أضاف وصلح الكثير فيه مشكوراً، ثم راجعته وكتبت بعضه بلغتي البسيطة التي تمثل شخصيتي
الألبوم الموسيقي Rhythms of Arabia3 –
حلم حققته بعد أكثر من 80 عاما، والحمد لله، وهو اصدار ألبوم موسيقي في عام 2011 وقامت شركة( EMI إي أم آي) وهي أكبر شركة بريطانية في التوزيع والانتاج الموسيقي في العالم بتبنيه وأسمه ( أنغام عربية – رحلة من الأندلس إلى بغداد) ولدى اطلاقه عملت امسية توقيع ألبوم ومعرض لأعمالي في دبي وآخر في عمان وبالمناسبة أشكر مدير الشركة في دبي (ريتشارد حسين) ومساعده (تامر البيطار) على دورهما في إنجازه، ولكن مع الأسف لم يوزع سوى في الإمارات وبيروت وعمان، بسبب الربيع العربي والظروف التي تمر بها بقية الدول العربية ولكن من الممكن الحصول عليه من الأنترنيت عبر مواقع بيع الموسيقى أو من موقع ( آي تونز) وطبقت المثل “سنة الوبه صرنه طبلچية”.
كتاب تهاويل تراثية 4 –
سنين وأنا أحلم أن أجمع كل لوحاتي في كتاب، ولكن أسباباً كثيرة منعتني من تصوير اللوحات فوتوغرافياً لأنها توزعت في جميع أنحاء العالم، ولكن والحمد لله وجدت مجموعة لا بأس بها من الصور الفوتوغرافية أنا بصدد جمعها في كتاب سأطلق عليه اسم تهاويل تراثية
صور من الذاكرة 5 –
كما بدأت بجمع الصور الفوتوغرافية القديمة لكل عائلة الاورفه لي لأضعها في سي دي واحد ويكون مرجعاً للعائلة حتى يتعرف الأحفاد على الأجداد. فأنا احالياً لا أعرف حتى شكل أو أسم بعض أبناء أخوتي وأبناء عمومتي لأنهم أنتشروا في كل مكان من العالم
*********
س- كلنا نتمنى عودة الزمن للوراء لننعم بحضن الوطن , كلمتك الاخيرة لحبيبتك بغداد ؟
عشت بعيداً عن الوطن لسنين، ولم أشعر خلالها بالوحدة والغربة وفراق الأحبة لأني كنت في كنف زوج يرعاني ولم أشعر بوحدة وأنا معه، ولا غربة مع زوج وأطفال, وهكذا كانت سنوات الترحال في بلاد الغرب المختلفة, لم تكن سنوات غربة بل سنوات عمل وأبداع مستمدة من روح الشباب والمثابرة على الأنتاج , فكلانا كان يخدم الوطن بما يقدمه من أنتاج
واليوم .. أنا في الغربة الحقيقية … تركت الوطن بعد أن نُهب من قبل المحتل ومن قبل الرعاع ونُهبت معه نفائس قاعتي الحبيبة إلى قلبينا أعلن بأني أشعر اليوم بحق بالوحدة والغربة وفراق الأحبة
بغداد كم هي حبيبة إلى قلبي , أجدها قريبة مني ولا يفصلني عنها إلا حدود وهمية، هي الحدود الأردنية-العراقية أقسم لو كنت قوية كقوة الأمس لشددت الرحال عائدة إليها, فالموت على ترابها هو أغلى ميتة بالنسبة لعاشقة مثلي لهذه المدينة, ولكن عذراً لسيدة المدن فأن مت في الغربة، فسوف أجاور قبر زوجي حميد في الغربة أيضاً
ويوم يرفرف السلام عليك يا بغداد، أرجو أن يحن الأولاد أو الأحفاد وينقلوا رفاتنا إلى ترابك العبق في مقبرة الاورفة لية في شيخ معروف
أنا لست بشاعرة ولا أديبة ولكن أحيانا تدغدغ ذهني كلمات تأتي على حين غفلة وأكتبها على بساطتها وهذا ما كتبت عن معشوقتي بغداد في عمان بتاريخ 27/3/2007
أنا أصدك يا بغداد أرجـــع وترجعيلي
وخلي راسي أعلـى رجليـﭻ بلـيل تلوليلـي
وأصدك أشم قداحـﭻ وأنا أزهــوا وتزهيلي
ويا نــبعة الريحـانة أسمــعـﭻ تغنـيلـي
يا ريت نرجع سوة مثل گبل تهوسيلــــي
بلعبة الجوبي يايمــة كل يوم تدبجيلـــي
أشلون أنسى المسگوف بأبونواس تسگفيلــي
آني وأهــل الصوبيـــن أنغنيلج وأتغنيلـي
ويمج دجلة الصافي أنا أغسلج وتغسليلـي
عجب يرجع ذاك الزمن وشلهج وتشلهينـــي
وشم ترابـﭻ الطيب أصلي عليه وتباركينـــــي
حرگتي گلبي يا بغــداد الله عليــج ديگوليلــي
يعني أيصير أحلم فد يوم أرجع وترجعـيلـي
من أوصل لبغــداد ﭼــم (أعلـــوﭺ) تضحيلــــي
يروحــون فدوة ألــﭻ أدعيلــﭻ وتدعيلـــــي
واللة أبـﭼـي من فركتـﭻ حتى عمتلي أعيونـــي
گوليلـــي وآنة بغربتي مـــن يگــدر يداوينــي
محـــــــد أيداريني أبد أكو غيرج يداريـــني
ولا يعرف قدري بشر أنت وحــدج تقدرينــي
ولا أحد يصلــي علـي غـيرج أكو يصليلــــي
أرد أموتن أنا بأرضج وبترابج تدفنيـــــــني
بترابــــج تدفنينــي
بترابـــج تدفنـــتني
أنا أصــــدك يا بغــــــداد أرجــع وترجعيلي؟؟؟
************
أما كلمتي الاخيرة فأقول.... قبل عشرين عاماً بالتمام والكمال وفي أمسية صيف بغدادي لازالت حلاوته تحت لساني , عندما مرت من امامي ست وداد الاورفلي في قاعتها ببغداد ,مرتدية الزي الهاشمي , وتوسطت جلستنا انا ودكتورة حميدة سميسم حيث بادرتنا بعبارة طريفة ( كافي حميدة تعثوليها لجكارتج !!!) , لم اجد تحية لها سوى الوقوف احتراماً , واليوم نلتقي ثانية وان كان لقاءاً على ورق الا انه توجب الوقوف لها ثانية احتراماً لسيدة عرفت المعنى الحقيقي للحياة وعاشتها كما تستحق
في آمان الله .....لضيفتنا ولكم
1438 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع