في ذكرى ميلاده... ثلاث صدف صنعت نجومية عمر الشريف
العربي الجديد:محمد جابر:لم يكن يتوقع أحد، حين ظهر "الوجه الجديد" واسمه عمر الشريف على شاشة السينما للمرة الأولى عام 1954 مع يوسف شاهين في فيلم "صراع في الوادي"، أن يتمكّن من صناعة كل هذا التاريخ الحافل لاحقاً؛ لا أن يُرشح للأوسكار بعد ثماني سنوات، ولا أن يصبح ممثلاً معروفاً في أميركا والعالم، ولا بالطبع أن تمتد مسيرته لـ60 عاماً أمام الكاميرا.
وفي ذكرى ميلاد الممثل العالمي الراحل الـ86، وبينما يرتسم وجهه على شعار غوغل في العالم العربي اليوم، نسلّط الضوء على بعض المحطات التي شكّلت صدفاً حاسمة، وكثير من الاجتهاد، التي صنعت تلك المسيرة.
مرحلة البدايات: صدفة "فيكتوريا كوليدج"
مثل آلاف من الشباب، كان الشاب عمر الشريف يحب التمثيل ويرغب في أن يقتحم مجال السينما. لكن الصدفة وحدها هي التي جمعته في فترة الصبا والمراهقة بالمخرج الكبير يوسف شاهين في "فيكتوريا كوليدج" في الإسكندرية، ليتشاركا حينها شغفهما بالأفلام وأحلامهما البعيدة بأن يصبح كل منهما "ممثلاً".
حين ذهب شاهين إلى أميركا قرّر دراسة الإخراج وليس التمثيل؛ إذ اقتنع أن ملامحه تخلو من الوسامة المطلوبة للممثلين الكلاسيكيين في تلك الفترة، وقال إنه سيعطي نفسه أدواراً إذا سنحت الفرصة. وحين عاد إلى مصر مع بداية الخمسينيات أخرج أول أفلامه "بابا أمين"، وهو في السادسة والعشرين من عمره.
وقتها كان الشريف قد نحّى حلم التمثيل جانباً، وعمل في تجارة الأخشاب مع والده، ولم يتصور أبداً أن صديقه القديم يوسف شاهين يمكن أن يسند إليه، وهو الوجه الجديد الذي لم يمثل سابقاً، دور البطولة في فيلمه "صراع في الوادي"، ليقف أمام الممثلة الكبيرة فاتن حمامة وعدد من الممثلين المخضرمين مثل زكي رستم وعبد الوارث عسر وفريد شوقي.
تلك المصادفة لم تدفعه لأن يكون فقط، ومنذ دوره الأول، واحداً من نجوم السينما المصرية، بل عرفته كذلك بحب حياته (فاتن حمامة)، فتزوجا عام 1955، ما دفع المنتجين لاستثمارهما كثنائي سينمائي ذهبي يحب الجمهور مشاهدته، وهو ما كوّن المرحلة الأولى من مسيرة عمر الشريف في مصر.
مرحلة العالمية: صدفة "ديفيد لين"
تستمر المصادفات لتلعب دورها في مسيرة الشريف؛ فكثيرون لا يعرفون أن المخرج العالمي ديفيد لين (الذي كان حاصلاً على الأوسكار وقتها عن فيلمه "جسر على نهر كاواي" 1957)، حين أتى إلى القاهرة عام 1961، كي يقابل ممثلاً يلعب دور "الشريف علي" في فيلمه الضخم "لورانس العرب"، كان آتياً لمقابلة رشدي أباظة وليس عمر الشريف. ولكن "المصادفة" جعلت لين يدخل صالة السينما ليشاهد أباظة يلعب أحد أدواره، فكان الفيلم هو "في بيتنا رجل" (هنري بركات 1961) الذي كان يعرض وقتها، ليلفت نظره أكثر بطل الفيلم عمر الشريف، ويقرر أنه الأنسب للعب الدور، خصوصاً حين قابله وعرف أنه يتحدث الإنكليزية بطلاقة، فجعله شريكاً في البطولة أمام بيتر أوتول وأنطوني كوين وأليك جوينس.
نجاح الفيلم كان أسطورياً، رشّح لعشر جوائز أوسكار، من بينها "أفضل ممثل مساعد" لعمر الشريف، وفاز بـ7 منها، من بينها أفضل مخرج وفيلم. ليدخل الممثل المصري إلى هوليوود من بابٍ واسع جداً.
مرحلة الانتشار: صدفة "الوجه الشرقي"
بعد "لورانس العرب"، استفاد الشريف من صدفة بحث هوليوود عن "وجه شرقي" (غير أميركي ولا أوروبي)، ليملأ مكاناً فارغاً بالكامل إلا منه. فقدّم خلال الستينيات عدداً من الأفلام الناجحة والشهيرة التي تستفيد من ملامحه الخَشِنة؛ مثل دور "جينكيز خان" في الملحمة التي تتناول تأسيس الدولة المغولية (1965)، أو "تشي غيفارا" في الفيلم الذي يحمل نفس الاسم (1969) والذي يتناول سيرة قائد ثورة أميركا الجنوبية، وكذلك دور المقامر "نيك أرنستن" ذي الأصل الألماني في فيلم "فتاة مرحة" أمام باربرا سترايسند (1968)، والدور الأهم بعد "لورانس العرب"، ومع نفس المخرج ديفيد لين في ملحمته التالية "دكتور زيفاجو"، عن حياة الشاعر والطبيب والثوري الروسي "يوري زيفاجو" في فترة الحرب العالمية الأولى ثم الثورة البلشفية. بالإضافة إلى أفلام أخرى ناجحة، مثل "الموعد" (1969) مع المخرج الكبير سيدني لوميت، أو "أكثر من معجزة" (1967) مع المخرج الإيطالي فرانسيسكو روسي وأمام صوفيا لورين، أو "ليلة الجنرالات" (1967) مع بيتر أوتول مرة أخرى. ليصبح الشريف في هذا العقد عالمياً بالفعل، يرشح للأوسكار، وينال الـ"غولدن غلوب" مرتين، وغيرها من الجوائز.
مرحلة الصعلكة: من دون صدف هذه المرة
مع منتصف السبعينيات، ودخول الشريف في فترة عمرية أخرى، وتغير شكل السينما في هوليوود من الأساس، دخل في مرحلة أخرى أكثر مزاجية، استمرت حتى نهاية حياته، ربما تكون المرحلة الوحيدة التي اختارها ولم ترتبط بصدفة لتكونها؛ إذ عاش مرتحلاً بين بلدان مختلفة، يقدم فيلماً هنا وآخر هناك من دون ثبات أو اهتمام حقيقي بالمسيرة، مع تقديمه دوراً لافتاً كل فترة؛ مثل فيلم الفانتازيا "سارق قوس قزح" (1990) للمخرج الكبير أليخاندرو جودورسكي ومع رفيق مسيرته بيتر أوتول، أو فيلمه الرائق والناجح "مسيو إبراهام وزهور القرآن" (2003) الذي فاز عنه بجائزة السيزار الفرنسية لأفضل ممثل، أو حتى أفلامه المتفرقة في مصر على مدار السنين مثل "المواطن مصري" (مع صلاح أبو سيف 1991) أو "المسافر" (أحمد ماهر 2009).
في تلك المرحلة الطويلة كانت راحته هي ما يحركه فقط، قبل أن تنتهي حياته بهدوء في مصر عام 2015، عن عمر يناهز الـ83، بعد مسيرة حافلة ممتلئة بالصدف والسينما.
291 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع