يهود العراق وملكة جماله فى جنة مدينة السلام: فيلم جديد ذاكرة بغداد
ايلاف/د. نبيل الحيدري:عرض فيلم (ذاكرة بغداد) فى (الأكاديمية البريطانية) بقلب لندن بإخراج "فيونا مورفي" وبحضور كثيف متميز من الأكاديميين والمثقفين والإعلاميين حيث ضجت القاعة بالحضور والتفاعل والإستئناس والإعجاب لأربع ساعات متتالية من الندوة والفيلم والحوار حيث الأسئلة والأجوبة.
ويعتبر هذا الفيلم من أرقى الأفلام التى صنعت عن يهود العراق وتاريخهم وهجرتهم وعشقهم لها أيام الخير والمحبة والتسامح. تبنى دعم الفيلم مؤسسة الثقافة الى دنكور التابعة الى البروفسور المرحوم "نعيم دنكور" المثقف والموسوعي فى المعرفة والتاريخ والصحافة والكتابة والتجارة والإحسان والمعروف. إن دنكور ذا المشاريع الخدماتية العظيمة والكثيرة والتى استحق بجدارة لقب "سير" من ملكة بريطانيا اليزابيث الثانية عام 2006. واليوم يستلم المسؤوليه نجله داود بجدارة وإخلاص حكمة وتدبير وأناة.
بغداد جنة الدنيا ومدينة السلام
إنها قصة بغداد عندما كانت جنة كما عبر ديفيد خلاصجى وكذلك عبرت دورين أخت نعيم دنكور وهما يتحدثان عن التسامح والتعايش أيام الخير، فضلا عن حديث إيلين خلاصجى عن علاقة الملك فيصل الأول باليهود والصورة مع والدها الحاخام اليهودى الكبير عزرا دنكور والتي لازالت محتفظة بها مرسومة بالزيت الخالص. كان ثلث بغداد من اليهود ويعد التلمود البابلي هو الأثر الكبير المهم للتفسير الديني للتعاليم اليهودية وتفسيرها من الحاخامات الأصلية. أعظم وزير مالية هو ساسون حسقيل كما كتبتها في سلسة مقالات عشرة حوله. وأول قصر لاستضافة أول ملوك العراق هو قصر شعشوع من بغداد، وأول ملجأ ايتام لمناحيم دانييل وأول ملكة جمال هى رانية دنكور والدة داود دنكور ذو الأيادى البيضاء المعروفة بالخير والإحسان.
نعيم دنكور قام بتسويق شركة كوكا كولا الأمريكية في العراق وأول تعبئة لها في بغداد بدعاياته المبهرة "قريبا تشربون قنينة تلهمكم السعادة عبر العالم" عام 1950، لذلك وجدت الشركة ذكراها المئوية هى مئوية نعيم دنكور نفسه فجعلت سيرته الذاتية العطرة لتجعلها رسالتها إلى العالم. والده إلياهو دنكور هو أول من طبع القرآن الكريم في العراق. إلياهو أصدر عام 1936 "الدليل الرسمي العراقي" بمجلدين كبيرين وباللغتين العربية والإنكليزية وله خدمات كبيرة وبقي فى العراق متملا كل المصاعب حتى اضطر للمغادرة عام 1973 تاركا ورائه أملاكه المختلفة من الإستثمارات والشركات والمصانع لتصادرها الحكومة جميعا وهو يبدأ من جديد بالإستثمار في العقارات.
وجدُّهُ هو عزرا دنكور رئيس حاخامات الطائفة الموسوية في العراق، وقد أسس أقدم مطبعة أهلية عام 1904 لتطبع الكتب العربية للعالم العربي فضلا عن الكتب المدرسية المختلفة من المراحل الإبتدائية والمتوسطة والثانوية.
قام نعيم دنكور بتأسيس شركة "الصناعات الشرقية المحدودة" وهو يشارك زميله المسلم أحمد صفوت كما قال في الفيلم داود ابنه. ثم تعرّف نعيم على رينية رفيقة دربه الطويل فى العراق وخارجه.
ملكة جمال العراق رمز الخير والعز والتسامح
يقول داود أنه دُعِيَ والداه إلى حفلة ملوكية عشية السنة الجديدة وفيها صدفة مسابقة ملكة جمال العراق ووجدوا بينهم الجمال الرائع والمميز للسيدة رينية، الجمال الذى لا يرقى إليه جمال فيفوز بجدارة فائقة السيدة الأولى وسيدة بغداد وملكة جمال العراق عام 1947 والذى كتب فى جميع الجرائد والمجلات فى اليوم التالي ليكون حديث الناس. أكثر من ألفي موقع تابع ذلك حتى كتبت لندن عن ذلك بأن بغداد كانت مدينة السلام والتسامح حيث يعيشون بأمان ويحتسون القهوة تخرج بهاء السيدة الأولى بقمة جمال بغداد وروعتها ورونقها...
الفيلم يتكلم بوضوح عن العصر الذهبي فى مدينة السلام حيث عاش الجميع متحابين متسامحين خصوصا العصر الملكي فما من يهودي إلا وله أصدقاء مسلمين أعزاء كالإخوة والعكس بالعكس دون تمييز أو تباغض. يتحدث عن الحفلات الكثيرة وكذلك النوادي البغدادية لاسيما نادي الصيد ونادي العلوية في بغداد. أحدهم تحدث في الفيلم عن مصنع جده من الشوكولاتة، وديفيد خلاصجى عن أصدقائه المسلمين كأخوة أحباء، وكذا ديفيد شماش جار ديفيد دنكور فى بغداد ولندن، تحدث عن الحفلات الكثيرة التى عجت بها بغداد آنذاك وعن اللعب بالورق مع الوزراء المسلمين في بيتهم.
الفرهود ومعاناة اليهود
ويعرض الفيلم قصة المعاناة التى بدأت بتصفية الملك بتلك الوحشية ثم حكم عبد الكريم قاسم والتيار القومى العربي والتيار الشيوعي وبعده حكم البعث والتيار الإشتراكي ثم الغزو عام 2003 وما بعده فضلا عن تأسيس دولة إسرائيل. ولا ينس المحنة الكبيرة لليهود عندما جاء المفتى الحسيني إلى العراق بعد زيارته هتلر وهو يحرض على اليهود ويتحالف مع هتلر يدعوه لقتلهم والتنكيل بهم ومعاناة اليهود أيما معاناة حتى قال أحدهم في الفيلم: (لا مسيو ولا مستر، الله فى السما وفى الأرض هتلر) تعبيرا عن طغيان وظلم هتلر الذى دعا الهجوم على اليهود واتهامهم بالصهيونية والعمالة زورا وظلما وبهتانا ثم سرقة أملاكهم "الفرهود" والمشانق المعلقة في ساحة التحرير، وهجوم الناس عليهم زرافات زرافات حتى قالت إيلين خلاصجي أن أحدهم رماها بالأسيد الحارق. ولا ينسى بعضهم مثل علي أمير الذى تحدث عن وقوف جيرانه المسلمين الى جانبه دفاعا عن اليهود لاسيما جارته خيرية لثلاثة أيام تحميه من أي عدوان غادر. كما يتحدث الفيلم عن هجرة البعض إلى إسرائيل والبعض إلى لندن وغيرها. اضطر البعض الى تغيير اسمه ولقبه خوفا من الظلم ومحاولة تحصيل جواز للسفر والهروب الى الخارج.
عندها نطقت سيدة بغداد أن الوضع لا يطاق وعليهم المغادرة لترك البلد الذى عشقوه أيما عشق وخدموه أيما خدمة لكنهم أيضا عانوا أيما معاناة، لتبدأ 1959 رحلة جديدة فى المغترب من لبنان ومنها إلى لندن موطن الإستقرار والوطن الجديد لكنهم لم ينسوا بغداد وهم يتغنون بذكرياتها أيام الخير وشجرها ونهريها ونسيمها ومحبتها وأصدقائها.
وافتتح نعيم دنكور بلندن مجلته الرائعة "سكرايب" في الحنين الى بغداد ويهود بابل، لينطلق بها فى آفاق رحبة ويستلم رئاسة التحرير لثلاثة عقود متواصلة ... ثم مؤسسة "المنفيون" الخيرية لمساعدة طلاب العلوم فى بريطانيا وأنحاء العالم. وأيام الحصار قدّم نعيم أكثر من مليون جنيه مساعدة للشعب العراقي.
نعيم دنكور مؤرخ وتاجر ورجل السلام والخدمات والمشاريع
لاشك أن نعيم مؤرخ عظيم حتى أن المختصين البريطانيين يرونه من كبار المؤرخين السياسيين من خلال متابعاته وما كتبه من بحوث وقالات حول العالم عامة والعربي خاصة
كما أنه كان رجل السلام من خلال مؤسساته وحركاته لاسيما "برنامج الدكتور دنكور للتوحيد العالمي" وتحت شعار “إله واحد وعالَم واحد. نعمل سوية من أجل تحقيق السلام” ومؤتمر قبرص بين الديانات الثلاث اليهودية والإسلام والمسيحية. وتشجيعا للدراسة العليا قدم منحة من مليون جنيه للجامعات البريطانية عام 2005.
يبقى الأمل موجودا
وفي العام 2006 حصل نعيم على أعلى وسام في بريطانيا من الملكة إليزابيث الثانية في عيدها الثمانين، عندما منحته وسام الإمبراطورية البريطانية على أعماله الخيرية في دعم مجال التعليم، ومساعدة المدارس المتضررة من الهدم، ومشروع الأرز في القدس، إضافة إلى إرسال عشرة آلاف من الأكياس أسبوعياً للمدن الفقيرة
كما تبرع نعيم بثلاثة ملايين جنيه، كمنح لزمالات علمية للتلاميذ العراقيين الفقراء في الجامعات البريطانية وغيرها
ويعتبر دنكور أحد مؤسسي صندوق رأس الجالوت الذي يرأسه في لندن.
ومن أعماله الخيرية الكبيرة تأسيسه "ويستمنستر أكاديمي"، وتقديم الخدمات العلمية لهم خصوصا الذين تكون اللغة الإنكليزية ضعيفة لتقويتهم، هذا المركز الخيري يعد صرحاً علمياً كبيراً ومشروعاً ثقافياً اجتماعياً عظيماً، حيث النسبة العظمى من الطلاب فيه اللاجئين الذين لا يجيدون الإنكليزية، وتكون الإنكليزية لغة ثانية لهم، فيساعدهم المركز لتجاوز اللغة وتقويتها بشكل علمى من أساتذة متخصصين
يقول داود دنكور (دائما كان هناك أمل حتى فى أشد المراحل معاناة وصعوبة وعندما تتحسن الأوضاع يعودون للقول كيف نغادر بغداد التى أحبيناها وعشقناها).
تقول إيلين خلاصجى: (كانت أحلى الأيام ولازلت أحلم بالعودة، لقد كانت جنة الدنيا).
ويؤيد دنكور الشاعر الطغرائي في الأمل قائلا:
أعلل النفس بالآمال أرقبها ... ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
لقد خسر العراق كثيرا بفقدانه أعز أحبابه يهود العراق في تاريخ مشرق ومشرف وأمجاد خالدة طوال الدهر.
وتظهر سيدة بغداد الأولى في أكثر من ألفي موقع معاصر رمزا لأيام الخير والتسامح والتعايش والمحبة لمدينة السلام.
704 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع