تشهد السينما المصرية في السنوات الأخيرة تراجعا أفقدها ثقة عشاقها الذين كانوا ينتظرون منها الأفضل على مستويي الإخراج والسيناريو، لذلك أصبحت دور العرض فارغة إلا من بعض عشاق الأفلام الأجنبية، ليلحق هذا القطاع بالأزمة الشاملة التي تعيشها البلاد منذ ثورة يناير.
العرب / سارة محمد -القاهرة - وسط الأزمات المتعددة التي تمر بها السينما المصرية على أكثر من مستوى، تبرز ظاهرة القطيعة الواضحة بين قطاعات واسعة من الشباب والأفلام المصرية، وبات من المعتاد رؤية مشاهدين صغار السن يصطفون أمام شبابيك تذاكر الأفلام الأجنبية، بينما يخلو شباك تذاكر الفيلم المصري من الزبائن تقريبا.
وتشهد دور السينما المصرية إقبالًا شاحبا والذي بدأ في التراجع سنة بعد أخرى بعد أن عاشت زمنا مضيئا في أواخر القرن الماضي، وكانت العائلات تتزاحم لمشاهدة أبطال الأفلام المصرية التي كانت تعبر عن قضايا المصريين، وكانت قاعات السينما مكانا رائقا لمثل هذه الأسر تسعى للتردد عليه كوسيلة للتسلية والاستفادة. أما اليوم فلا أحد يذهب لمشاهدة الأفلام المصرية، في أزمة شاملة هي جزء من أزمة المجتمع المصري وأزمة المشاكل السياسية والاقتصادية.
وأبدى منتجون وفنانون ومخرجون ونقاد قلقهم إزاء استمرار الظروف الصعبة التي تمر بها السينما المصرية منذ أحداث ثورة 25 يناير، ورأى البعض أن الأزمة العامة في البلاد تخيم حاليا على المشهد السينمائي المصري.
عزوف الشباب والعائلات المصرية عن السينما المصرية يحمل أكثر من إشارة، أولها أنه رد فعل عن الأزمة التي تمر بها صناعة السينما في السنوات الأخيرة وانصراف كبار النجوم إلى التلفزيون، أو أنه نوع من الاكتفاء بالدراما المصرية بسبب الجرعات المكثفة منها في الفضائيات المختلفة، لدرجة أن المشاهد لم يعد لديه شوق لمشاهدة نجمه أو نجمته المفضلة.
هناك من يتحدث أيضا عن أن غياب البطل الرمز، الذي كان في الماضي، أحد أسباب انصراف الشباب عن السينما المصرية، وفريق آخر يرى المشكلة في انقطاع لغة التواصل بين السينما وأجيال جديدة سمتها الأساسية هي التمرد على كل الموروث الثقافي والقيمي وحتى اللغوي السائد في المجتمع.
الناقدة ماجدة خير الله أكدت لـ”العرب” أن جمهور الشباب يحرص على متابعة الأفلام الأجنبية، لأنه غير راض عما يقدم في السينما المصرية، ضاربة المثل بفيلم “الهرم الرابع” الذي يعرض حاليا بدور السينما والذي يتناول موضوع القرصنة الإلكترونية، لكنه مكتوب بشكل ساذج في نظر الشباب المتابع للسينما العالمية الذين سبق وشاهدوا ما هو أكثر عمقا.
أما مسألة إقبال البعض على متابعة سينما السبكي فهو نوع من “الفرجة” وليس المتعة، والحقيقة أن السينما المصرية لا تعبر عن الشباب، لأن الأفلام تنتج بوسائل لا علاقة لها بالمنطق.
وتعلّق خير الله على آلية تنفيذ الفيلم السينمائي في الوقت الحالي، فتقول إنها عادة لا تخرج عن منطق الشللية، فكل مجموعة من الأصدقاء تنشئ ما يسمى “ورشة كتابة”، وفي الغالب تكون السيناريوهات التي تقدمها هذه الورش مليئة بالأخطاء الساذجة.
كما تتعجب الناقدة السينمائية المصرية من إصرار المنتجين على الاستعانة بعدد من النجوم الذين ثبت فشلهم، مثل محمد رجب ورامز جلال، ما يقود إلى أزمة جديدة تتعلق بدور شركة الإنتاج في اختيار الكوادر السينمائية.
السينما المصرية شهدت طفرة فنية واضحة في حقبة التسعينات من القرن الماضي بظهور عدد هائل من النجوم الشباب، بخلاف العقد الأخير، وهو أمر أرجعته خير الله إلى التدهور المستمر، فعندما ظهر نجوم التسعينات لم تكن الأوضاع السينمائية متدهورة مثل ما هي عليه الآن، فلم تكن هناك سينما الإنترنت وكان الذهاب إلى السينما المتنفس الوحيد للشباب الذين رأوا أن النجوم الذين ظهروا في هذه المرحلة يعبرون عنهم، الأمر الذي استمر لفترة حتى بدأ هؤلاء في تقديم أفلام تدور في دوائر ضيقة، وللأسف ليس هناك بطل رمز للشباب في الوقت الحالي لأن هؤلاء النجوم لم يكن لديهم الذكاء الكافي لإدارة موهبتهم.
نادر عدلي الناقد السينمائي، يرى أن هناك نجوما لا يجتذبون الشباب لدور العرض لكونهم مستهلكين تلفزيونيا، وقال “فيلم مثل ‘كدبة كل يوم’ للممثل عمرو يوسف المعروض حاليا حقق إيرادات ضعيفة جدا، وأحد أسباب عدم نجاحه أن بطله كثير الظهور في التلفزيون سواء كممثل أو كمقدم برامج”.
وأوضح أن الحالة السينمائية العامة تمر بظروف إنتاجية ضعيفة، بالتالي تبقى المعالجة، سواء في الطرح أو في تناول القضايا سطحية، فالكائنات الإنتاجية الكبرى لم تعد تنتج مثل الماضي وبالتالي ظهر لنا “المنتج الطياري” الذي يقدم فيلما أو اثنين ثم يترك الساحة في ما عدا السبكي الذي يقدم توليفة قديمة موجودة في السينما بين الكوميديا والغناء والرقص، مع اختلاف وجود أبطال أكثر أهمية حينها.
633 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع