د. صبحي ناظم توفيق
خبير إستراتيجي وعسكري... دكتوراه في التأريخ"
26 شباط 2025
بعد حيازتها على "أم القنابل"... هل بإمكان "إسرائيل ضرب المفاعلات النووية الإيرانية؟؟
أول الكلام
قبل الخوض في تفاصيل هذه المقالة التي أخصّصها للتركيز على الجانب الصهيوني في أفعاله وتصرفاته وتهيؤاته المحتملة لضربته المزمعة التي يهدد بها على المفاعلات النووية الإيرانية، فإني أقطع وعداً أمام أنظار المتابعين أن أهيّئ في قادم الأيام بعون الله سبحانه وتعالى مقالة أخرى تسلّط الضوء على عزم الجانب الإيراني وتصرفاته وتهيؤاته، سواء أكانت أفعالاً محتملة أو ردود أفعال مزمعة أزاء الكيان الصهيوني.
تمهـيــد
طيلة أشهر عديدة ساخنة ومُقلِقة عمّت منطقة الشرق الأوسط المُبتَلاة طوال آلاف السنين بالحروب والصراعات وسيول الدماء وتغيّر الخرائط والديموغرافيا وإعادة تخطيط الحدود البرية والبحرية، طُرِحَت إحتمالات إقدام إسرائيل على ضرب المفاعلات النووية الإيرانية.
وعلى الرغم من خفوت الأضواء عليها خلال فترة الإنتخابات الرئاسية الأمريكية المثيرة، والحظر الذي فرضه الرئيس "جو بايدن" على الطلبات الإسرائيلية لآلاف القنابل والمقذوفات ذات الضرورة القصوى لتحقيق تلك الضربة، حتى تسنّم الرئيس "دونالد ترامب" مقاليد السلطات في البيت الأبيض، وإصدر أوامره بعد أسبوع واحد فقط إلى وزير دفاعه "بيت هيكسيث PETE HEGSETH" بالرفع الفوري عن ذلك الحظر والإسراع بتزويد الكيان الصهيوني بـ1800 قنبلة ثقيلة ذات زنة 2000 رطل (حوالي 950 كلغم) من طراز M-84 الخارقة للأعماق والذخائر المتطورة للغاية التي إشتملت ثلاثة طُرُزاً متنوعة من القنابل الأخف والمقذوفات المُسَيّرة الأدق، والتي لسنا بصدد الخوض في تفاصيلها كونها ذات أغراض أخرى لا تمتّ بصلة لقصف أهداف حصينة بمستوى مفاعلات مُنشَأة تحت سطح الأرض بواقع عشرات ولربما مئات الأمتار وسط مناطق جبلية وعرة وصخرية غاية في الصلابة، والتي لا تَفيد معها القنابل الخارقة M-84 تحديداً وطرز أخرى من شبيهاتها، بل من المؤكد أن تُستثمَر لتحقيقها قنابل أثقل منها بأضعاف وذات قوة تفجيرية أعظم هولاً.
الإحتفاظ بالتفوق
إسرائيل تبدو عازمة على الإقدام لتحقيق هذه الضربة، إنْ كان "بنيامين نتنياهو" على سُدة الحكم أو سواه من أشباهه الصهاينة المتطرفين أو الأنكى منهم تطرفاً، حتى لو أيقنوا 100% أن"إيران" لا تعتزم على إنتاج سلاح نووي قادر على قلب الموازين الستراتيجية في عموم الشرق الأوسط، والتي ظلّت لصالح الكيان الصهيوني -من حيث النوع وليس الكَمّ- منذ عقد الستينيّات ولغاية يومنا الراهن، كونها عازمة على إحتكار القدرات النووية للأغراض السلمية لصالحها، من دون أن تَتيح أو تُتاح فُرَصٌ سانحة لأية دولة عربية أو إسلامية، حتى لو أيقنت من صداقتها وإعترفت بها وطَبّعَت معها، أن تتمتع بإنجازات علمية تضاهيها أو تقترب من إمكاناتها في هذا المجال العلمي المعقّد والمُكلِف، مثلما عملت وستظل تعمل في مجالات التكنولوجيا المتقدمة والعلوم السيبرانية والذكاء الإصطناعي التي سخّرتها لتحقيق تفوّق مشهود في شؤون الإتصالات والمعلومات الإستخبارية والقدرات المخابراتية العابرة للحدود، والتي ما من أحد لم يتلمّسها في أعمالها العدائية بحق حزب الله اللبناني وفصائل محور المقاومة على الجبهة اللبنانية من حرب غزة الأخيرة.
ولمّا إنفردت "جمهورية إيران الإسلامية" في هذا المجال بتقدّمها الجَلي من دون دول المنطقة، وزجّت عشرات المليارات لإنشاء العديد من المفاعلات النووية العملاقة ونشرتها متفرِّقة في بقاعها الشاسعة، وإمتلكت كميات ضخمة ومُقلِقة من اليورانيوم المُخَصّب بدرجة 60% حسب المُعلَن، ولم يَبْقَ أمامها سوى 20- 30% لتحقِّق تخصيباً قدره 80- 90% الذي يتطلّبه صنع القنبلة النووية، ولذلك غدت هدفاً لا بد من تجريده على يد "إسرائيل" المدعومة أمريكياً وبريطانياً وفرنسياً وآلمانياً.
منشآت إيران النووية
والآن دعونا نلقي نظرة على 14 منشآة نووية فرشتها إيران في بقاعها الشاسعة المُشار إليها في الخريطة المرفقة، وأبرزها 8 منشآت، وأهمّها إثنتان "نَطَنْـز" و"فوردو":-
1. مفاعل "نَطَنْـز" لتخصيب اليورانيوم في محافظة "آصفَهان".
2. مفاعل "فوردو" لتخصيب اليورانيوم جنوب غرب العاصمة "طهران".
3. محطة "قُم" لتخصيب اليورانيوم في محافظة "قُم".
4. منجم "غاشين" لإستخراج اليورانيوم بالقرب من ميناء "بندر عباس" المتاخم لمضيق هرمز.
5. محطة "آصفَهان" لمعالجة اليورانيوم في محافظة "آصفَهان".
6. مفاعل "آراك" (خونداب) لإنتاج الماء الثقيل بالقرب من مدينة "آراك" وسط إيران.
7. محطة "كارون" النووية لإنتاج الطاقة الكهربائية في محافظة "خوزستان/ الأحواز" المطلة على "شط العرب"".
8. محطة "بوشهر" النووية لإنتاج الطاقة الكهربائية على سواحل الخليج العربي.
خريطة توضح مواقع جميع المنشآت النووية الإيرانية، ومن بينها أهم المنآت التي أوردنا ذكرها.
"ترامب" يحقق حلم إسرائيل
وأخيراً جاء القرار الأخطر للرئيس "دونالد ترامب" بتزويد الكيان بالعديد من القنابل الثقيلة للغاية الأقدر على خرق المواقع المحصنة للغاية بواقع عشرات الأمتار لأصلب الأراضي، والممثلة بالقنبلة المسماة "أم القنابل GBU-43" الأثقل في العالم... وبذلك تحقق الحُلم الإسرائيلي ولم تنقص لديها من إحتياجات ضرب المفاعلات الإيرانية سوى تهيئة العدد المطلوب من الطائرات الضخمة لحمل هذا الطراز الضخم والثقيل من القنابل، والتهيّؤ بدءاً من التدريب ووضع الخطط وتحديد التوقيت قبل إتخاذ القرار السياسي، والذي سيُعَدّ الأخطر في تأريخ الكيان وإيران وعموم الشرق الأوسط من حيث نتائجه وتبعاته المحتملة.
الإفادة من خارقات الأعماق الأَخَف
في حالة القرار على الضربة فمن المؤكد أن لا تستغني "إسرائيل" عن القنابل الخارقة للأعماق MK-84الأخف وزناً وحجماً ومثيلاتها بالمقارنة مع "أم القنابل"، من حيث إمكانات تعليقها تحت أجنحة وأبدان جميع مقاتلاتها/هجوم أرضي (كفير، F-4، F-5، F-15، F-16، F-35)... ولكن ليس لإستهداف المفاعلات الإيرانية الرئيسة، بل لضرب منشآتها ومبانيها المُحَصّنة والمُشَيّدة فوق سطح الأرض، ناهيك عن إستهداف مواقع قيادات المناطق العسكرية العليا والقواعد الجوية والبحرية المهمة والمُحَصَّنة ومنظومات الدفاع الجوي.
مواصفات "أم القنابل" الأثقل GBU-43
قبل عرض نبذة عن "أم القنابل"، أود إلفات أنظار المتابعين الكرام لوسائل الإعلام العربية عموماً وحتى القنوات الفضائية الرصينة، أن هناك خَلْطاً واضحاً ومُربِكاً بين أنواع القنابل الخارقة للأعماق جراء تنوّع طُرُزها وتسلسل علاماتها المتداخلة وأرقامها المُربِكة ومواصفاتها وأوزانها وقدراتها وتأثيراتها... وهذا التنوّع خَلُطَ الأمر ليس على المتابعين الإعتياديين فحسب، بل حتى على البعض من الخبراء غير المتعمّقين وغير الدقيقين.
ولكي أؤدي واجبي العلمي بدقة، أودّ من المتابع الكريم لهذه المقالة الإنتباه إلى أن القنابل الخارقة للأعماق من طراز "MK-84" التي تزن أقل من طن واحد، تعتبر خفيفة بمقدار الـ(سُدُس) بالمقارنة مع "أم القنابل" GBU-43" موضوعة بحثنا والتي تزن 12 طناً، وهي أشبه بطفل رضيع قياساً مع حجم أبيه أو أمّه.
وإليكم نبذة عن "أمّ القنابل" الأثقل والأضخم والأشدّ فتكاً:-
• تسمية "أم القنابل" إعلامية صِرف، أما إسمها الرسمي Massive Ordnance Air Blast ومختصره M.O.A.B، ويعني "المقذوفة الجوية العاصفة الجسيمة".
• رمزها الرسمي G.B.U-43 B"" ((Guided Bomb Unit 43 B، أي "منظومة القنبلة المُسَيّرة 43-ب".
• وزنها 12 طناً وطولها 9 أمتار وقطرها 120 سنتمتراً.
• يُحَمّل جَوفُها بحوالي 8،5 طن من مادة H-6 التي تولِّد إنفجاراً يعادل 11.5 طن من متفجرات الـTNT ذائعة الصيت.
• تُعَدّ من أثقل القنابل الأمريكية التي صُنِعَت طوال التأريخ، ووُصِفَت بالقنبلة الأثقل وزناً والأعظم تدميراً قياساً بالقنابل غير النووية.
• أولى تجاربها العملياتية جرت بإسقاطها من جوف طائرة نقل عسكرية أمريكية من طراز "هيركلس C-130" على هدف حقيقي وسط جبال "تورا بورا" الآفغانستانية.
• تُوجّه بدقة متناهية بنظام تحديد المواقع GPS المرتبط بعدد من الأقمار الإصطناعية.
• هي قنبلة إرتجاجية بغلاف ألمنيومي رقيق، يدفعها محرك صاروخي مثبّت في مؤخرتها لمضاعفة سرعتها بعد الإسقاط، ولا تعتمد في قدرتها التدميرية على التشظية، بل على هول الإنفجار الذي تنتجه المتفجرات المشحونة في بدنها.
• تنفلق قبل ارتطامها بالأرض بأمتار، وتُوَلِّد موجة صادمة وعاصفة تحقق هشاشة بقُطر 150 متراً تمهِّد إختراقاً بعمق يصل إلى 60 متراً في أصلب الأراضي قبل أن ينفجر رأسها الحربي ليُدمّر كل محتوياته في حوالَيه.
صورة أم القنابل الأمريكية الأضخم GBU- 43 MOAB محمولة على ظهر شاحنة تمهيداً لتحميلها في جوف طائرة ضخمة
• ولكي نعطي لكل ذي حق حقه في مجالات التصنيع العسكري، لا بد من ذكر "روسيا الإتحادية" التي إمتلكت قنبلة ضخمة للغاية منذ 2022 أسمتها "أبو القنابل"، بقوة إنفجار تفوق على زميلتها الأمريكية بـ4 أضعاف، بل تتميز عليها بكونها أصغر حجماً!!!! وتُكافيء في قوتها التدميرية 44 طنا من مادة "TNT" شديدة التفجير حسب المعلن، أي ما يعادل 4 أضعاف "أم القنابل" الأمريكية.
مخطط يوضح إسقاط "أم القنابل" الأمريكية الأضخم من جوف طائرة اننقل "C-130 هيركلس" بإستخدام مظلّة ضخمة على هدف مُعادٍ بالتعاون مع أقمار صناعية تجسسية سنة 2017 في آفغانستان.
معضلة تحميل "أم القنابل"
ولكن الحجم الهائل لـ"أم القنابل GBU-43" من حيث الطول (9 أمتار)، والزِنَة (12 طن)، يرغم "إسرائيل" ضرورة تدبّر هذه المعضلة، والتي نناقشها وفقاً لما يأتي:-
• الـقنابل خارقة الأعماق الأخف وزناً MK-84(2000 رطل/ 925 كغم) والتي جرّبتها ميدانياً في خرقها الممتاز للأعماق في لبنان، وحقّقت دماراً مُمِيتاً وقضت على أهداف ذات قيمة باهظة لا تقدَّر بأغلى الأثمان... ولكن ليس بإمكانها إحداثَ خرقٍ كافٍ ومُدمِّر للتحصينات الرصينة والمُتقَنة التي صَمَِّمَت "إيران" منشآتها النووية الكبرى بموجبها.... لذلك أمسى وجوباً على الكيان الصهيوني إستثمار "أم القنابل المُوَجّهة أو المُسَيّرة الأثقل والأضخم "GBU-43" زنة 12 طناً وطول 9 أمتار، التي أهداها الرئيس "ترامب" إليها مؤخراً.
• وهنا تكمن المعضلة، فالـF-15"" التي توصف بطائرة الهجوم الأرضي الأضخم لدى "إسرائيل" ليست مصممة لتحميل "أم القنابل" في جوفها أو تعليقها تحت جناحَيها أو بَدَنِها... أما الـ"F-35" الشَبَح رغم تصميم جوفها لتحميل عدة قنابل خارقة للأعماق، ولكن ليست بضخامة قنبلة تُضاهي"أم القنابل" مطلقاً.
دور القاصفات الأمريكية الستراتيجية
ولذلك تتمنى "إسرائيل" أن تجهزها الولايات المتحدة الأمريكية بعدد من قاصفاتها العملاقة، وبالأخص الـB-2" سبيريت" الشبح الأحدث المصمم أساساً لحمولات بضخامة "أم القنابل".. أو القاصفة "B-1 لانسَر" الأسرع من الصوت، أو القاصفة الأضخم "B-52 ستراتو فورتريس"، أو إعارة عدد منها وفقاً لـ"قانون الإعارة والتأجير الأمريكي" ساري المفعول رغم صدوره سنة 1940 في بدايات الحرب العالمية الثانية.
ولكن هذا الإجراء الخطير إنْ تحقّق، فأنه يعني دخول الولايات المتحدة عملياتياً في هذا الصراع... وهذا ما لا ترغبه بالوقت الراهن.
الإعتماد على الذات
إذن على "إسرائيل" الإعتماد على الذات وإستثمار ما متوفّر لديها من المقاتلات/هجوم أرضي، وعلى رأسها الـ"F-35 والـ"F-15"، والإكتفاء بتحميلها بأقصى عدد مُستطاع من القنابل الخارقة للأعماق MK-84 ذات الوزن 2000 رطل، ولكن شريطة أن تُقذَف بالتتابع لتسقط على بقعة ضيقة محدودة لتَتَسَلسَل إنفجاراتها واحدة تلو الأخرى، فتُحدِث حفرة بعد أخرى بواقع عدة أمتار للقنبلة الواحدة لغاية الوصول إلى قعر المنشأة النووية المستهدفة.... وهذه عملية معقدة تحتاج لدقة عالية والإعتماد على الأجهزة والمنظومات الراقية.
أما إذا قدّرت عدم كفاية تلك القنابل لإحداث الضرر المرتجى بحق المفاعلات النووية الإيرانية، عندئذ يجب الإعتماد على ما متوفر لديها من طائرات قادرة على إحتضان هذه الحمولة في جوفها، وتأتي في المقدمة طائرات النقل العسكري -التي تمتلك "إسرائيل" العشرات منها- وهي من طراز "C-130 هيركُلِس" ذات مدى يقارب 4000 كلم، وسرعة 500- 680 كلم/ساعة، وسقف إرتفاع أقصى حوالي 7000 متر، وحمولة قصوى بواقع 100 طن، والتي جرّبتها الولايات المتحدة في عملية ناجحة لدى إستهدافها لإرهابيين -حسب تسميتها- في آفغانستان سنة 2017.
طائرة النقل العسكري "C-130 هيركلس" الإسرائيلية
معضلات خطيرة مُضافة
ولكن عند القرار على زجّ طائرات النقل C-130 تظهر معضلة الرادارات الإيرانية ذات المديات البعيدة والقادرة على كشف الأجسام الطائرة تمهيداً لإستهدافها وإسقاطها، لا سيّما وأن بطؤ سرعة هذه الطائرة وسقف إرتفاعها يعتبران ضمن المديات القاتلة لمنظومات الدفاع الجوي الإيرانية.
وثمّة معضلة ثانية تكمن في قدرة الطائرات المقاتلة الإيرانية على التقاطع مع الـC-130 وإسقاطها بسهولة، فحجمها الضخم وسرعتها البطيئة ومناورتها المحدودة، تجعلها عاجزة عن التَمَلُّص والهرب.
التوقيت المحتمل للضربة
في عمليتي "الوعد الصادق (1 و 2) غير المسبوقتين واللتان نفذتهما "إيران" على الكيان الصهيوني سنة 2024، برهنت "طهران" أن مُسَيّراتها ومقذوفاتها الكروز وصواريخها البالستية -التي أُطلِقَت من داخل حدودها- قادرة على بلوغ الأجواء الإسرائيلية... ورغم زعم "إسرائيل" أنهما لم تحققا أثراً كبيراً وخسائر عالية، إلاّ أنهما بَرهَنَتا أن الكيان أمسى في خطر داهم للمرة الثانية في تأريخه بعد الضربة الصاروخية العراقية الأولى في أيام حرب الخليج الثانية (1991)، ويرى أن الوقت قد حان لدرء الخطر الإيراني الداهم، والذي إذا تطورت قدراته النووية فإن مصير "إسرائيل" ذات المساحة المحدودة والكثافة السكانية العالية سيؤول نحو الزوال بقرار ثوري يحتمل أن يتخذه نظام عقائدي يهدد منذ ثورته سنة 1979 بحتمية القضاء على هذا الكيان وتحرير القدس والمسجد الأقصى.
ولربما كان إنشغال "إسرائيل" بالحرب على أربع جبهات في وقت واحد لغاية الأشهر الأخيرة من 2024 في مقدمة الأسباب التي أرجأت توقيت الضربة التي تتطلب إستحضارات دقيقة وخططاً رصينة وتدريباً مُتقَناً وإمكاناتٍ لوجستية هائلة لأسباب معروفة قد نأتي على ذكرها... ولربما كان الحظر الذي فرضه الرئيس "جو بايدن" على طلبات الكيان من القنابل الخارقة للأعماق وإحتمال عدم موافقته على تنفيذ الضربة وإستهداف المدنيين الأبرياء وسط قطاع "غزة" في مقدمة الأسباب التي أجّلَت الضربة لعدة أشهر، حتى جاء الرئيس "دونالد ترامب" ومستشاريه المشحونين بمشاعر الضد نحو "إيران" لتغدو الفرصة سانحة أمام "تل آبيب" أكثر من أي وقت مضى لتنفيذ الضربة.
ورغم تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي "إسرائيل كاتز ISRAEL KATZ" لنظيره الأمريكي الجديد "بِيت هيكسيث PETE HEGSETH" بأن بلده سيقدِم على عمليات عسكرية تجاه "إيران" في الأشهر القادمة، فقد تواردت الأنباء أن القنابل MK-84 ال1800 وكذلك "أم القنابل GBU-43" قد أمست بيد الكيان الصهيوني.
وفي هذه الأيام تابعنا الزيارة الطويلة لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي "الجنرال هيرتسي هاليفي" إلى "واشنطن" وإجتماعاته المتتابعة في البنتاغون، وإنتقاله إلى ولاية "فلوريدا" ضيفاً على "الجنرال مايكل كوريللا"، وتواصل لقاءاته مع كبار القادة في مقر القيادة المركزية الأمريكية، والتي من إحدى أهم مسؤولياتها تحقيق الأمن القومي الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط الساخنة للغاية منذ 7 أكتوبر 2023 ولغاية يومنا الراهن... ومن المؤكد أن هذه الزيارة الطويلة والإجتماعات المتتالية لم تَصُب سوى على التعاون والتنسيق المشترك في مجال الضربة الإسرائيلية المزمعة إذا حصلت.
وبالمقابل تُجري "إيران" منذ 3 أشهر مناورات ضخمة تتطور الواحدة بعد الأخرى بمشاركة المزيد من الوحدات والتشكيلات المتنوعة والمتداخلة من مختلف القوات المسلحة الرئيسة، وكونها ممزوجة ما بين مناورات دفاعية وهجومية بالذخائر الثقيلة، رافقتها تصعيد في مستويات التصريحات والتهديدات العنيفة المتبادلة، وكلها تشير إلى تفاقم الأوضاع وقرب المواجهة المحتملة.
وفي الجانب الأمريكي الساند للكيان الصيوني بلا حدود، وبالأخص منذ تسنّم الرئيس "ترامب" سدّة الحكم، فقد تابعنا في الأيام الأخيرة إستعراضاً للقوة، من حيث تحليق عدة قاصفات عملاقة "B-52 H" وبرفقتها طائرة صهريج KC-135 طيلة نهار يومين متتاليين في أجواء البحر المتوسط والشرق الأوسط، وبالأخص "العراق" وعلى طول حدوده مع "إيران"... وهذا تأكيد غير مستغرب بأن الولايات المتحدة ستقف مع "إسرائيل" وتدافع عنها، ولربما تشاركها في الضربة إن إحتاجت أو أُعتُدِيَ عليها.
تقدير الموقف الستراتيجي
سوف لا أعتمد على مصادر ومراجع سوى عند الحاجة، فتقديري للموقف في حالة القرار الإسرائيلي على الضربة سوف أُجريه على شكل عناوين فرعية إعتماداً على ما تعلّمْتُه في كلية الأركان والقيادة قبل 52 عاماً، وما تابعتُه وكتبتُه وألّفتُه ونشرتُه عن الطيران والطائرات والقوات الجوية طيلة 5 عقود من حياتي، والتي أختصرها على شكل نقاط مركزة:-
• الموقف السياسي الأمريكي، وبالأخص بعد جلوس "دونالد ترامب" على سدة الحكم، أضحى لصالح "إسرائيل" ومؤيداً لها لما يقارب 100%، يقابله محدودية توفّر أي موقف سياسي مُسانِد لإيران" سواء من لدن الدول العظمى الأربع الأخرى والدول الكبرى ذات التأثير... لذلك فإن بإقتدار "إسرائيل" الإقدام على ضرب إيران من دون عوائق سياسية تُذكَر.
• الضربة المزمَعة على إيران إقتربت من الجاهزية من ناحية القدرات التي لم تكن مُحقّقة في نوعيّة القنابل القادرة على إختراق أعماق بالقدر الذي تحققه "أم القنابل" موضوعة بحثنا، ولم يَبْقَ سوى تحديد الوقت وإتخاذ القرار النهائي بهذا الخصوص والذي سيُعَدّ الأخطر في تأريخ الكيان وإيران وعموم الشرق الأوسط في نتائجه وتبعاته المحتملة.
• جميع المقاتلات/هجوم أرضي الإسرائيلية قادرة على حمل القنابل الخارقة للأعماق من طراز MK-84 بوزن 2000 رطل... إلاّ أن "كفِير KFIR" ذات الصناعة الإسرائيلية والـ"فانتوم F-4" يحتمل عدم إشراكهما في الضربات بالعمق الإيراني لقِدَمِهما، بل تُكَلّفان للتصدي للأجسام الطائرة المعادية عبر أجواء "إسرائيل" ودول الجوار.
• يحتمل كذلك أن لا تُقحَم الـ"F-16 فالكون" بالتوغل في العمق الإيراني لِقِصَر مداها نسبياً، إنما تُكَلّف لحماية طائرات الضربة في رواحها وإيابها سواء في غربي إيران أو عبر الأجواء العراقية والسورية، وبالأخص عند تزوّدها بالوقود جواً من طائرات الصهريج.
• تبقى بين أيدي الكيان نوعان مقتدران من مقاتلات الهجوم الأرضي وهي:- "F-15 إيكل" ذات الحمولة العالية والمدى البعيد، والـ"F-35 لايتننك" الشبح ذات المدى البعيد كذلك، وهما مُطوّرتان لحمل القنابل ذات وزن 2000 رطل الخارقة للأعماق، سواءً بإسقاطها من فوق الهدف، أو تلك المقذوفات المصممة لإطلاقها عن بعد عشرات أو مئات الكيلومترات، مثلما حصل في الضربة الإسرائيلية الثانية على "إيران" في أكتوبر 2024.
• الموقف في الشرق الأوسط بعد الأحداث التي سادت الشرق الأوسط منذ 7 أكتوبر 2023، والتي جاءت نتائجها -مع الأسى والأسف- لصالح "إسرائيل" مهما قيل عكس ذلك عبر التصريحات الإيرانية والوسائل الإعلامية لمحور المقاومة المؤتمر بأوامرها.. فمن دون الخوض في التفاصيل، فإن "حماس" أضحى في موقف لا يُحسَد عليه وأمسى ينتظر إعمار قطاع غزة من الدمار المُريع بأموال عربية وأجنبية لا يُعقَل أن تُدفَع من دون مقابل... ومحور المقاومة أزاء "إسرائيل" تفكّكت أواصره بإضمحلال قدرات الذراع الإيراني الأعظم الممثل بحزب الله اللبناني... وإنهار نظام بشار الأسد المتحالف مع إيران، في حين تركت القوات الروسية الأرض السورية طواعية... والفصائل المسلّحة غير العربية التابعة للحرس الثوري الإيراني تركت الأرض السورية من دون قتال وهربت إلى العراق... وغدت الدولة السورية خارجة عن السيطرة الإيرانية ويحكمها نظام جديد مناوئ لطهران... والطريق البري الستراتيجي العابر من إيران إلى لبنان عبر العراق وسوريا إنقطع عملياً، وبدأت الشكوك تفرض أوزارها على الطيران المدني بين طهران وبيروت... وأصبح في لبنان قادة سياسيون لا يرتبطون بإيران ولا تتحكم في إختيارهم وتسميتهم... وإنبثقت في بيروت حكومة لا تأتمر بأوامر طهران... والفصائل المسلحة العراقية التابعة لإيران -رغم رفض البعض منها وتعنّتها- توقّفت عن إطلاق نيرانها، وما زالت تتعرّض لضغوط أمريكية لحلّها والإستغناء عن سلاحها، وضرورة إنضمامها تحت ظلال مؤسسة أمنية حكومية رسمية... والحوثيون توقّفوا من إطلاق مقذوفاتهم نحو الكيان الصهيوني على إثر الهدنة التي تحققت في قطاع غزة.
• الأجواء الميدانية غدت ملائمة للضربة من ناحية مسالك الطيران، وأمست لصالح الضربة الجوية الإسرائيلية المزمعة... فالسماء السورية أضحت معدومة الطائرات المقاتلة وتهرّأت منظومات الدفاع الجوي ودُمِّرت الرادارات، وإنحرمت حتى من القدرات الروسية التي تركت بلاد الشام... أما الأجواء العراقية فإن الدفاعات الأرضية ضئيلة للغاية وضعيفة بشكل لا موجب للتحذّر منها، ناهيك عن السيطرة الأمريكية الكاملة عليها بحيث ليس بإمكان العراق تحريك ساكن يًذكَر... مع التذكير بأن الدولتين في حالة حرب رسمية منذ 1948 لم تنْتهِ رسمياً لحد الآن، ما يسمح للطائرات الإسرائيلية التوغل عبر الأجواء العراقية من دون عائق حسب المواثيق الدولية.
خطة الضربة المتداخلة
لذلك يحتمل أن تتضمن الخطة مراحل متتابعة ومتداخلة:-
• الأولى:- إعماء الرادارات الإيرانية عن طريق التشويش الألكتروني عن طريق طائرات الحرب الألكترونية الإختصاصية والأقمار الصناعية التجسسية.
• الثانية:- تدمير الرادارات.
• الثالثة:- توغل المُقاتلات المحملة بقنابل MK-84 الخارقة للأعماق ذات زنة 2000 رطل أو الأخف منها حسب الحاجة، لشل القواعد الجوية الإيرانية وتدمير قيادات الدفاع الجوي ومنصات الأسلحة الصاروخية المتنوعة المقاوِمة للطائرات.
• الرابعة:- إنتشار المقاتلات الإعتراضية في أجواء إيران تهيؤاً لأي محاولة تقاطع أو إعتراض.
• الخامسة:- إقتحام طائرات "هيركلس C-130" المحمّلة بـ"أم القنابل" الأثقل GBU-43 وإسقاطها أو إطلاقها على الأهداف الأهم والأعظم الممثلة بالعديد من المفاعلات النووية الإيرانية في مواقعها المحددة.
• السادسة:- تحقيق المقاتلات الإعتراضية الإسرائيلية أقصى حماية ممكنة لطائرات الضربة للتملّص من الأجواء الإيرانية بسلام في طريق عودتها.
ردود الفعل الإيرانية المحتملة
قادة إيران ليسوا من الطراز الذي يسكت على مضض إلاّ في الضرورة القصوى، والتصريحات التي أطلقوها خلال الأسابيع والأيام الأخيرة ليست لمجرد الحرب النفسية، بل لديهم عزم وتصميم على فعل شيء أو أشياء خططوا لها وأجروا طيلة 3 أشهر مضت مناورات واسعة ومتتابعة لإتقان تنفيذها، وهي ليست لمجرد عرض العضلات والردع فحسب، وليست دفاعية فقط، بل هي مناورات هجومية لإظهار ما يمتلكون من التصميم والأدوات الكفيلة لضربة إستباقية أو هجومية، ناهيك عن التهيؤ الصارم للدفاع عن الوطن.
ولكن الحديث عن الأفعال وردود الفعل المحتملة والمزمعة وتفاصيلها يطول، وتتطلب لها محاضرة مستقلة في قادم الأيام إن شاء الله.
776 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع