عبد الرحمن محمد عارف الضابط الوديع الذي حكم العراق ولم ينصفه التاريخ

                

عبد الرحمن محمد عارف الضابط الوديع الذي حكم العراق ولم ينصفه التاريخ

  

    

بعد وفاة الرئيس عبد السلام محمد عارف على أثر سقوط طائرة الهليكوبتر في ظروف غامضة حيث كان يستقلها هو وبعض وزراءه في البصرة جنوب العراق مساء يوم 13 نيسان 1966، ولم يكد يذاع خبر مصرع عبد السلام عارف حتى بدا الصراع على قمة السلطة، وكانت أطراف الصراع تتمثل أساساً في جبهتين رئيسيتين، عسكرية ومدنية.. والعسكريون كانوا ممسكين بزمام القوة، حيث يسيطرون على كل المراكز الأساسية في الجيش، وقد وقفت هذه الجبهة إلى جانب اللواء عبد الرحمن محمد عارف، وكان بمنصب وكيل رئيس أركان الجيش آنذاك بالإضافة إلى قيادة الفرقة العسكرية الخامسة المدرعة، والذي كان في زيارة رسمية لموسكو من اجل إتمام صفقة شراء سلاح، الزيارة التي لم تكتمل بسبب عودته فور سماعه بنبأ وفاة أخيه. اما الجبهة الثانية فكانت مدنية تتمثل في رئيس الوزراء عبد الرحمن البزاز (1913 بغداد ـــ 1973 لندن)، الذي كان قد كلف بالقيام بمهام رئيس الجمهورية بالإنابة لحين اختيار الرئيس. لذلك وفي يوم 16 نيسان ووفقاً للدستور المؤقت كان على مجلس الوزراء ومجلس الدفاع الوطني الاجتماع لاختيار رئيس جديد للبلاد. كان مجلس الوزراء يضم 16 وزيراً من ضمنهم رئيس الوزراء، بينما يضم مجلس الدفاع الوطني 12 ضابطاً، وكان الدستور الذي صدر في 29 نيسان 1964 يقضي بموجب المادة 55 منه بعقد مثل هذا الاجتماع لانتخاب رئيس الجمهورية بأغلبية ثلثي المجموع الكلي للأعضاء خلال أسبوع واحد من خلو منصب رئيس الجمهورية وكان المرشحون لهذا المنصب كل من:

             

اللواء عبد الرحمن محمد عارف وكيل رئيس أركان الجيش وقائد الفرقة العسكرية الخامسة المدرعة وشقيق الرئيس الراحل، والدكتور عبد الرحمن عبد اللطيف البزاز رئيس الجمهورية بالإنابة رئيس الوزراء وهو رجل قانون وسياسي محنك ويعد من العناصر القومية المثقفة وله تاريخ طويل في العمل السياسي شغل عدة مناصب حكومية وتولى القضاء في العهد الملكي ثم عميد لكلية الإدارة والاقتصاد وكلية الحقوق في العهد الجمهوري. واللواء الركن عبد العزيز العقيلي (1919 الموصل ــ 1981 بغداد) قائد الفرقة العسكرية الأولى وزير الدفاع.

             

          رئيس الوزراء العراقي الأسبق عبد الرحمن البزاز

وبعد أن تحدث عبد الرحمن البزاز عن الأسلوب الديمقراطي لمجابهة الموقف جرت الانتخابات بين المرشحين الثلاثة، البزاز، وعارف، والعقيلي وكانت النتيجة 14 صوتاً للبزاز و13 صوتاً لعبد الرحمن عارف وصوتاً واحداً فقط للعقيلي (بمعنى أن الجميع لم يقبل به)، وكان عدد الضباط المصوتين لعبد الرحمن عارف 11 صوتاً من مجموع 12 باستثناء العقيلي، فيما صوت 14 من الوزراء للبزاز وعضوان لعارف، ولكون أن أحداً لم يفز بأغلبية الثلثين، بموجب الدستور فقد جرت دورة ثانية لم يحضرها العقيلي كان فيها تأثير الضباط حاسماً فقد أصروا على انتخاب عبد الرحمن عارف مهما كان الثمن، رافضين قبول تولي البزاز رئاسة الجمهورية، مما أضطر البزاز إلى سحب ترشيحه تحت ضغط العسكريين لصالح عبد الرحمن عارف، فقد كانت القوى المسيطرة على الجيش، وخاصة عدد من أقرباء عارف، وفي المقدمة منهم (العقيد سعيد صليبي) قائد موقع بغداد ورجل النظام العارفي القوي، و(المقدم الركن إبراهيم عبد الرحمن الداود)، و(العميد خليل إبراهيم الزوبعي) وغيرهم من الضباط ولاسيما من الحرس الجمهوري، لها القول الفصل في عملية الانتخاب، كما أن الرئيس جمال عبد الناصر والناصريين وقفوا إلى جانب عبد الرحمن عارف ضد البزاز، وكان مشروع عبد الحكيم عامر[1] الذي وصل مبعوثاً من عبد الناصر بعد وفاة عبد السلام بساعات، أن يتولى السلطة عارف عبد الرزاق[2] منصب الرئيس فلم تفلح جهوده فآثروا عبد الرحمن عارف..، هذا بالإضافة إلى أن قلة طموحه جعل الجميع يرضخون لانتخابه ويفضلونه على أي مرشح آخر، حيث اعتبروه أقل خطراً من غيره على مراكزهم في السلطة. وهكذا تولى عبد الرحمن محمد عارف رئاسة الجمهورية، فيما بقي البزاز رئيساً للوزارة. وصدر البيان التالي:
] بسم الله الرحمن الرحيم. انتخب بالأجماع في هذا اليوم 27 ذي الحجة 1385 هجرية الموافق 17 نيسان 1966 اللواء عبد الرحمن محمد عارف في جلسة مشتركة عقدت حسب أحكام المادة 55 من الدستور المؤقت رئيساً للجمهورية خلال فترة الانتقال إلى حين انتخاب رئيس للجمهورية حسبما ينص عليه الدستور الدائم على ان لا تتجاوز تلك المدة سنة واحدة من تاريخ هذا اليوم.
ولما قاربت هذه المدة على نهايتها دون انتهاء فترة الانتقال فقد ارتأت وزارة ناجي طالب وهي الوزارة التي رأسها بعد استقالة وزارة البزاز (شكل اللواء الركن ناجي طالب وزارته في 9 آب 1966، واستقال في 3 مايس 1967) معالجة هذه الأزمة بطريق قانوني وذلك بإلغاء عبارة "على ان لا تتجاوز تلك المدة سنة واحدة من تاريخ هذا اليوم". كان وصول عبد الرحمن عارف إلى حكم العراق بمثابة حل من الحلول الوسطى الذكية التي يمكن وصفها باختصار بأنها حلول تلقى القبول لكنها لا تلقى الاستمرار، وكان نظامه امتداداً لنظام أخيه عبد السلام وبقي محور النظام يستند على الحرس الجمهوري. وشهد العراق في عهده تصارع الأجنحة المدنية منها والعسكرية، فلم يكن العسكريون راضين على وجود البزاز رئيساً للوزارة، فأضطر في آخر الأمر إلى تقديم استقالة حكومته تحت ضغط العسكريين في 16 آب 1966. كما لم يتقبل كل من الناصريين والقوميين وجود عبد الرحمن عارف رئيساً للجمهورية، لذلك قاموا بمحاولة انقلابية فاشلة في 30 حزيران 1966 يقودها العميد الركن الطيار عارف عبد الرزاق لأقصائه عن السلطة وبتخطيط ودعم من المخابرات المصرية حسب اعتراف عارف عبد الرزاق نفسه.

        

فاز عبد الرحمن محمد عارف المولود عام 1916 في محلة سوق حمادة في منطقة الكرخ ببغداد وهو حي شعبي من احياء بغداد الفقيرة بمنصب رئيس الجمهورية ليكون الرئيس الثاني لجمهورية العراق والحاكم الثالث في العهد الجمهوري بعد الزعيم عبد الكريم قاسم الذي كان بمنصب رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة العراقية ووزير الدفاع وشقيقه الأصغر المشير عبد السلام رئيس الجمهورية. وهو عسكري ورجل دولة عراقي وكان من الضباط المشاركين في حركة 14 تموز 1958 التي انهت العهد الملكي في العراق. درس في مدرسة دار السلام الابتدائية وأتم ما بعدها في اعدادية الكرخ، انتسب إلى الكلية العسكرية 1936 وتخرج منها برتبة ملازم ثاني، وتدرج في المناصب العسكرية، وأحيل على التقاعد عام 1958، وأعيد إلى الخدمة ثانية في 8 شباط 1963 أو ما يعرف بـ (ثورة 14 رمضان) التي أطاحت بحكم عبد الكريم قاسم وتولي عبد السلام عارف رئاسة الجمهورية. ومنح رتبة لواء ثم أسندت اليه قيادة الفرقة الخامسة المدرعة ووكيل رئيس اركان الجيش العراقي. رفع إلى رتبة فريق في 14 تموز 1966. شغل العديد من المناصب العسكرية، منها آمر كتيبة صلاح الدين، وآمر اللواء المدرع السادس، وقائد قوة الميدان وكان آخر منصب عسكري يشغله هو رئيس اركان الجيش بالوكالة لأنه لا يحمل شهادة الأركان. اشترك في حياته العسكرية بأكثر من 12 دورة عسكرية وشارك في حرب فلسطين عام 1948. متزوج من السيدة فائقة عبد المجيد العاني، وله ثلاث بنات، نبال وابتهال ومنهل، وولدان قيس ونبيل.
ينحدر عبد الرحمن عارف من عائلة صغيرة تعود أصولها إلى محافظة الأنبار وكان والده محمد عارف من عشيرة الجميلة يشتغل في تجارة الأقمشة (بزاز) وقد هاجر من مدينة الرمادي في الأنبار إلى بغداد. أنظم عبد الرحمن عارف إلى مجموعة الضباط الأحرار وكان آمراً لأحدى الوحدات المدرعة (فوج) ضمن تشكيلات الفرقة المدرعة الرابعة في معسكر الوشاش الذي صارت أرضه فيما بعد متنزه الزوراء، وعلى أثر الخلاف بين أخيه عبد السلام محمد عارف وعبد الكريم قاسم بعد نجاح الحركة العسكرية في 14 تموز 1958 التي ألغت النظام الملكي. نقل مع وحدته إلى الحدود الأردنية، ثم أحيل إلى التقاعد في 21 آب 1958. وبعد حركة 8 شباط 1963 التي أطاحت بنظام حكم الزعيم عبد الكريم قاسم، منح رتبة لواء وعين قائداً للفرقة الخامسة المدرعة، وساهم في تنفيذ خطة حركة 18 تشرين الثاني 1963 التي قادها عبد السلام عارف ضد نظام حزب البعث العربي الاشتراكي. اختلفت الآراء بتقييم الرئيس عبد الرحمن محمد عارف سواء على أيام عهده ام على عهد البعثيين الطويل، ام العهد الحالي ... وبكل الأحوال فان ما كتب عنه يبدو قليلاً إذا ما قورن بما كتب عن عبد الكريم قاسم أو صدام حسين على سبيل المثال وذلك لاختلاف التأثير ونوعية الحكم وبحكم الإستقطابات الأيديولوجية وذلك بفعل ان الأخوين عارف قد عُتم على تأريخهما تعتيماً شبه كامل منذ العام 1968 كما عتم على كل الرجال العراقيين الذين كان لهم تأثير في السياسة العراقية عهد ذاك أمثال : عبد الرحمن البزاز وعارف عبد الرزاق وطاهر يحيى وعبد العزيز العقيلي وناجي طالب وصبحي عبد الحميد وعبد الكريم فرحان وشكري صالح زكي وغيرهم .. ومن المهم الوقوف على شخصيات تلك المرحلة ودراستها بشكل حيادي موضوعي. كان الرئيس عبد الرحمن محمد عارف إنساناً متميزاً لا شك في ذلك، حتى لو أنكر كثيرون أن تكون البساطة تميزاً، وحتى لو أنكر كثيرون أن توجد زعامة إنسانية مع حياة سلسة خالية من العقد والتعقيد. لقد اشيع عن عبد الرحمن عارف الكثير وأطلقت عليه تسميات غير لائقة من قبل العراقيين أنفسهم بل وعدت مسالمة الرجل ونزاهته ضعفاً، لقد كان الرجل مترفعاً عن أي طائفية او تحزب، ربما كانت له خصال يعتبرها البعض عادية ويعدها آخرون غير مطلوبة، فلقد أنتقده البعض كونه يعتبر نفسه موظفاً يكمل واجبات وضيفته اليومية ثم يذهب إلى بيته ليعيش حياته الخاصة التي كانت خالية من مظاهر الرسميات التي مارسها من جاء بعده من حكام العراق. فقد كان يعتمد على رئيس وزرائه في شؤون الحكم وتصريف الأعمال اليومية للدولة وهذا هو المتبع في دولة المؤسسات، لكن العراق لم يكن دولة مؤسساتية حتى يومنا هذا، كان عهد عبد الرحمن عارف بكل مظاهره الأساسية، استمرار لنظام شقيقة الأصغر عبد السلام محمد عارف فقد كان للجيش وخاصة الحرس الجمهوري مكانة خاصة وكان من المهم الحفاظ على التوازن بين القوى العسكرية الأخرى، إلا ان الاختلاف بين شخصيتي العارفين كان واضحاً. فقد كان عبد السلام محمد عارف شخصية كاريزمية مؤثرة في الأحداث، جمعت بين البساطة والعفوية لم تخف جانباً آخر من الحزم والصرامة والخطاب الارتجالي الشعبي الذي أثار حفيظة مناوئيه في أحيان كثيرة. أما عبد الرحمن عارف فقد كان مسالماً من الدرجة الأولى حتى أنه كان يتحرك في بغداد بسيارته الخاصة دون مواكب أو حمايات في كل مكان وزمان. وكان يستمع للآخرين من الساسة والضباط ويستشيرهم، وعرف أبان فترة حكمه بالتسامح ومحاولات فسح المجال لمعارضيه بنوع من الديمقراطية فأسس ما يعرف بـ (المجلس الرئاسي الاستشاري) الذي ضم عدداً من رؤساء الوزارات السابقين كان يعد بعضهم من الخصوم، ونشطت في عهده الأحزاب السياسية التي كانت تعمل وتتظاهر بحرية كما نشطت الصحافة الحرة حيث ظهرت لأول مرة صحف مستقلة بمواصفات عالية مثل صحيفة (المنار) التي كان صاحبها ورئيس تحريرها الصحفي عبد العزيز بركات نقيب الصحفيين والذي أعدم بعد انقلاب 17 تموز 1968 وصحيفة (العهد الجديد) المستقلة وكان رئيس تحريرها الصحفي حيدر فياض العاني وغيرها من الصحف. وكان يحتفظ بعلاقات جيدة مع كافة الجهات والأحزاب السياسية وكانت له علاقة مميزة مع الأكراد وخاصة مع الزعيم الكردي الراحل مؤسس الحزب الديمقراطي الكردستاني الملا مصطفى البارزاني وكذلك مع كافة الأقليات الأخرى.

والكل يدرك الفروق الكبيرة بين الأخوين عبد الرحمن وعبد السلام عارف، أذ ان بينه وبين أخيه مسافات واسعة في شخصية كل واحد منهما ولكنهما يشتركان بمزية واحدة هي نزاهة اليد، فقد دخل كلاهما قيادة العراق وخرجا من دون أن يملكا شيئاً إلا راتبهما التقاعدي (كان راتب عبد الرحمن التقاعدي 40 دينار شهرياً ولمدة سبع سنوات، كما هو مثبت في اضبارته التقاعدية في مديرية التقاعد العامة في بغداد)، ولكنها صفة غير استثنائية أيضا في حياتهما، أذ أن كل القادة والزعماء العراقيين السابقين كانوا يقدسون جميعهم المال العام للبلاد وحتى أولئك الذين اتهموا بالاختلاسات الكبرى ملوكاً وأمراء وقادة وزعماء ورؤساء حكومات لم يعرف عنهم انهم نهبوا العراق أو اعتدوا على المال العام، والكل كان يسمع بما اشيع عن طاهر يحيى الذي كان رئيساً للوزراء بأنه (حرامي بغداد) وإذا به يرحل وهو لا يملك غير بيته.

المهام الوطنية التي واجهت الرئيس عبد الرحمن عارف:
1 ــ في القضية الكردية أوضح عارف في اول حديث صحفي له بعد انتخابه: "ان الأكراد سيمنحون حكماً محلياً". ولتحقيق هذا الهدف أجرى البزاز رئيس الوزراء اتصالات مع ممثلي الحركة الكردية وأعلن في يوم 29 حزيران 1966 منهاجاً عن سياسة حكومته اتجاه القضية الكردية تضمن اعتراف الحكومة بالقومية الكردية بشكل قاطع في الدستور المؤقت والدستور الدائم، بحيث يتمتع العرب والأكراد بحقوق وواجبات متساوية، ووعد البزاز بتحقيق ذلك عبر تشريع عدة قوانين منها قانون اللامركزية للمحافظات، والاعتراف باللغة الكردية لغة رسمية مع اللغة العربية في المناطق التي غالبية سكانها من الكرد، وغير ذلك من القوانين الخاصة بحل القضية الكردية، وهو اكبر اعتراف بالحقوق الكردية حتى الآن. ولخلق جو من الثقة بين الحكومة وقادة الحركة الكردية قام عارف بزيارة الى المنطقة الكردية في 26 تشرين الثاني 1966 والتقى بالملا مصطفى البارزاني وبعض الزعماء الكرد.

         

          عبد الرحمن محمد عارف والملا مصطفى البارزاني

2 ــ الإسراع في تحقيق الحياة الدستورية وقيام نظام نيابي، فقد أعلن عارف بعد توليه الرئاسة مباشرة عن سعيه لتنفيذ الوعود المقطوعة بإقامة حكم دستوري سليم، وأشار الى عزم الحكومة على إجراء الانتخابات النيابية حوالي أواخر العام 1966 ليتولى البرلمان الجديد سن الدستور الدائم للبلاد وتقرير شكل نظام الحكم. وكان رئيس الوزراء البزاز جاداً في السير لتحقيق هذه المهمة، وأوضح في منهاج وزارته ذلك بالقول:
"ان هدفنا الأساسي هو أن نقيم مجلساً نيابياً، وان نضع الدستور وأن نقيم حياة رتيبة اعتيادية، وأن نترك للشعب صاحب الحق الأساسي في ان يحكم البلاد كما يريد أن تحكم". ولعل هذه السياسة هي التي أدت إلى معارضة العسكريين له والعمل على اسقاط وزارته بعد أن تزايد نفوذهم في التأثير في الحياة السياسية بعد دورهم في افشال محاولة العميد الركن المتقاعد عارف عبد الرزاق الانقلابية الثانية في 30 حزيران 1966.
3 ــ اما في مجال الانفتاح على القوى السياسية وتوفير حرية العمل للتنظيمات السياسية والنقابية فقد تناقضت تصريحات الرئيس عارف حولها، فمرة يهاجم الأحزاب السياسية ويعدها أداة "تبعثر الجهاد وتشتت الأفكار وتضييع الأهداف مما يسهل للاستعمار عملية الاندساس في الصفوف"، ومرة أخرى يعلن أن العمل يجري لتوحيد جميع القوى القومية لتحقيق قيام جبهة قومية قوية، كطريق أساس للوحدة الوطنية ومرة ثالثة يقول: " أن الجهاز الذي يجب أن نعمل فيه كلنا هو الاتحاد الاشتراكي". وأرجع أسباب فشل الاتحاد الاشتراكي إلى تغلغل الحزبية في صفوفه، ولعل هذا الرأي كان أحد أسباب الخلاف بينه وبين ناجي طالب رئيس وزارته، الذي كان يدعو إلى تجميع كل القوى القومية في أطار جبهة قومية. ومهما يكن من امر فأن السلطة لم تعترف للأحزاب السياسية على مختلف اتجاهاتها الفكرية بحرية العمل، وأن غضت النظر عن بعض أنشطتها وأطلقت سراح العديد من السجناء والمعتقلين السياسيين، وأغلقت الكثير من الدعاوي السياسية وبدلاً من إطلاق حرية العمل السياسي لجأت السلطة إلى أسلوب عقد المؤتمرات والاجتماعات في القصر الجمهوري، لكنها اقتصرت على فئات معينة دون ان تشمل جميع الاتجاهات السياسية والفكرية، وفي أغلب الحالات اقتصرت على العسكريين الذين تولوا مناصب سياسية.
4 ــ تعهد الرئيس عبد الرحمن عارف في أول خطاب وجهه إلى الشعب العراقي بأن يكون "احترام القانون وسيادته" الهدف الذي سيلتزم بتحقيقه ويتشدد في تطبيقه وقال: "أن الأمن والاستقرار لا يتوفران دون الالتزام بقواعد العدل والقانون، كما ان السعادة والرفاه لا يتوصل إليها إلا بالأمن والاستقرار ومن هذا المنطلق سنسير في رسم سياستنا وبناء مجتمعنا". ولابد من القول ان دعوات الرئيس عارف إلى مبدأ سيادة القانون والمساواة قد اصطدمت بكثير من العقبات من ذوي المصالح الخاصة والطامحين للوصول إلى السلطة، فكانت محاولة العميد الطيار الركن عارف عبد الرزاق التي سبق ذكرها، أدت إلى زعزعة الاستقرار وإلى وقوع الرئيس تحت تأثير بعض العسكريين من الذين أسهموا في قمع الانقلاب.
5 ــ اتباع سياسة نفطية وطنية، والحفاظ على قانون رقم (80) الصادر عام 1961 والذي صادر بموجبه 95,5 من الامتيازات النفطية لشركات نفط العراق والموصل والبصرة وأنهاء احتكار الشركات البريطانية الثلاث، باعتباره مكسباً وطنياً هاماً لا يجوز التفريط به وقد أولى الرئيس عارف ذلك أهمية خاصة وكان يؤكد باستمرار على ضرورة السير في سياسة نفطية تضمن مصالح العراق الأساسية في ثرواته المعدنية، ويطالب الشركات النفطية بالاستجابة لحقوق العراق المشروعة، وفي آخر خطاب له قبل الإطاحة به في يوم 17 تموز 1968 عرض الرئيس عبد الرحمن عارف إنجازات حكومته وبالنسبة للنفط قال:" ان حماية المصالح القومية العليا اوجبت على حكومتنا الوطنية العمل على استثمار الثروات الطبيعية وفي مقدمتها النفط، استثماراً يحرم الامتيازات وما في حكمها وشرعنا القانونين رقم 97 و123 لسنة 1967 وباشرنا بتنفيذ أحكامها والتعاقد بين شركة النفط الوطنية العراقية ومجموعة ايراب الفرنسية وأقررنا استثمار حقل شمالي الرميلة استثماراً مباشراً وفق احكام القانونين المذكورين ... وقد عملت حكومتنا الوطنية على التحري والتنقيب عن المعادن ووضع الخطط لأفضل السبل في استثمارها استثماراً مباشراً كالكبريت والفوسفات وغيرها".
ولعل سياسة عبد الرحمن عارف النفطية قد عجلت بسقوطه، وهو ما المحت إليه مجلة (جون أفريك) في تحقيق لها نشر في 29 تموز 1968 وقالت فيه: "إن كل ما يجري في العراق ... ذو علاقة غامضة برائحة البترول" وهو الرأي نفسه الذي ذهب أليه اديب الجادر، رئيس شركة النفط الوطنية العراقية آنذاك، وكان معتقلاً في سجن رقم (1) وبعث رسالة إلى رئيس الجمهورية احمد حسن البكر، نشرتها صحيفة المحرر اللبنانية في 6 أيلول 1968 وقال فيها: "لم أفاجأ حين اعتقلت صباح السابع عشر من تموز بعد ان علمت ان السيد عبد الرزاق النايف كان من اقطاب الحركة. وقد كان بإمكاني ان اهرب ولكنني فضلت ان أقف بالمحكمة لأدين النايف وسادته من رجعيين واستعماريين وصهيونيين.. وجريمتي في نظرهم أنى كنت مسؤولاً عن السياسة التحررية النفطية التي نفذت مؤخراً في العراق".
6 ــ كان الرئيس عبد الرحمن عارف يعتقد ان في العراق من الإمكانات في ثروة الرجال والمال ما يساعده في التحول إلى "مجتمع فاضلاً تحولاً صافياً خالياً من كل شائبة، وإشاعة العدل وإيجاد تكافؤ الفرص لأبناء الشعب" وقد عدد الرئيس عارف ما قام به، ففي مجال التعليم أصبح للعراق ثلاث جامعات رسمية ومعاهد أخرى (جامعة البصرة وجامعة الموصل بالإضافة إلى جامعة بغداد التي تأسست عام 1958)، وأعادت الحكومة النظر في مناهج التعليم في مرحلتي الابتدائية والثانوية، وأنشأت العديد من البنايات المدرسية وأولت الأمور الصحية اهتمامها بفتح المستشفيات وتوسيعها، وأنشاء المستوصفات والعيادات الطبية في أنحاء العراق، ومكافحة الأمراض الوافدة. والاهتمام بمشروع كهربة انحاء العراق، والعمل على تطوير الصناعة بافتتاح أو وضع حجر الأساس للعديد من المصانع. وإيلاء الزراعة والري اهتماماً أساسياً بالعمل على تنفيذ قانون الإصلاح الزراعي وجلب البذور المحسنة، وأنشاء مصنع للأسمدة، وتأسيس الوحدات الميكانيكية، وأنشاء الجمعيات الفلاحية التعاونية.
7 ــ وفي مجال العلاقات الخارجية أبدى الرئيس عبد الرحمن عارف نشاطاً واسعاً وقام بزيارات عدة للدول العربية والإقليمية والأوربية بهدف تعزيز مكانة العراق على مختلف الصعد. وكانت علاقات العراق قد أصبحت متميزة مع مصر بهدف التنسيق باتجاه الوحدة بين البلدين، رغم العراقيل الكثيرة في هذا الاتجاه، وقام هم ووزرائه بزيارات إلى الكويت والسعودية وإيران وتركيا والاتحاد السوفيتي، وفرنسا وكانت زيارات فرنسا قد اثمرت عن تعزيز التعاون الثنائي في مجال النفط والتسليح وارتفعت مكانة العراق الدولية بين مختلف دول العالم.

     

   انقلاب 17 تموز 1968 ونهاية حكم عبد الرحمن محمد عارف:

لم تكن القوى المؤيدة للغرب القوى الوحيدة الساخطة على النظام، فقد كان عدد من المجاميع والأفراد من الطامعين بالسلطة والحصول على موقع في المسرح السياسي عند نهاية عام 1967 مستغلين تساهل الرئيس عارف وعدم اتخاذه إجراءات حاسمة لحل المشاكل الناجمة عن تصارع القوى السياسية اليمينية واليسارية، ففي اليسار كانت ثمة حركتان شيوعيتان، واحدة تمثل اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، والأخرى منشقة تدعى القيادة المركزية بزعامة عزيز الحاج التي اتخذت من حرب العصابات وسيلة لمقاتلة النظام، وفي اليمين كان هناك القوميون المعتدلون الذين تجمعوا حول البزاز. وتجمع أيضاً ضد عبد الرحمن عارف مجموعة كبيرة من العسكريين، والجميع مصممين على استعادة السلطة وتظم هذه المجموعة عبد العزيز العقيلي، وناجي طالب ومجموعة من الضباط الناصريين استاءوا من استثنائهم من السلطة والمعاملة التي لقيها الناصريون من السلطة العارفية. وأخيراً العسكريون البعثيون، على شاكلة احمد حسن البكر، وحردان عبد الغفار التكريتي، وصالح مهدي عماش وكانت لهم أسباب سياسية وشخصية تدفعهم للإطاحة بالنظام.
ان المجموعتين اللتين وبأتلاف غير مرغوب فيه وغير مستقر؛ ستتحدان في النهاية للقيام بالانقلاب هما حزب البعث ومجموعة صغيرة من المؤيدين المتمردين على نظام عارف ويقود هذه المجموعة الثانية المقدم الركن عبد الرزاق النايف والعميد الركن إبراهيم الداود، وقد مسك هذان الرجلان إلى حد كبير بمصير النظام بأيديهما، النايف بمقتضى منصبه نائباً لمدير الاستخبارات العسكرية، والداود آمراً للحرس الجمهوري المسؤول عن حماية الرئيس وحاشيته، كان النايف والداود جزءاً من مجموعة من الضباط الشباب ممن كانوا قد شكلوا تنظيماً يعرف بـ ( الحركة الثورية العربية) ضمن الجيش، ولم يكن لهذا التنظيم إلا القليل من الأيديولوجية عدا دعم نظام عارف، وكان قد لعب دوراً اساسياً في الإبقاء على الأخوين عارف في السلطة، ومن المفترض أن هذه المجموعة كانت تدعم القومية العربية المعتدلة في عهد عارف، والأهم أن النايف والداود ينحدران من محافظة الأنبار وتربطهما روابط محلية مع عارف وسعيد صليبي، الداعم الرئيس للأخوين عارف. ومع ذلك وبحلول عام 1968، أصبح كلا الضابطين مستاءين من النظام لجملة من الأسباب فقد كانا معارضين لرئيس الوزراء طاهر يحيى وللنفوذ المتزايد لمؤيديه ذوي التوجهات الاشتراكية، خير الدين حسيب وأديب الجادر، هذا النفوذ الذي تفوق على نفوذهما.
هل تسلم النايف والداود مساعدة من جهات خارجية؟ هذا سؤال لم تتم الإجابة عنه على نحو مرض حتى الآن، فالمخلوعون من نظام عارف مقتنعون أن جهات مؤيدة للغرب على وجه الخصوص مؤيدة لأمريكا، كانت متورطة في الموضوع، فالعراقيون المؤيدون للغرب ولاسيما المؤيدون لأمريكا، اعتقدوا أن موقعهم ناله ضعف خطير فضلاً عن وهن أملهم في استعادة ثرواتهم في ظل نظام رئيس الوزراء طاهر يحيى والاشتراكيين العرب، لربما استغلوا سخط الضباط ونجحوا في نهاية الأمر بتحويل دعم النايف وزمرته من عارف إلى دعم لوجهة نظرهم، "وقد ادعت أحدى الشخصيات في نظام عارف ان لطفي العبيدي (محامي ثم رجل اعمال عراقي غني ) وسفير العراق في لبنان ناصر الحاني لعبا دوراً رئيساً في هذه الأحداث، ويعتقد آخر أن وسطاء سعوديين والملحق العسكري العراقي في بيروت، بشير الطالب، فضلاً عن ناصر الحاني قاموا باستمالة النايف وفي هذا الصدد قد يكون من المهم الذكر أن الحاني قد اصبح وزيراً للخارجية في أول حكومة بعد الانقلاب". وأين تكن صحة هذه المزاعم، فلن يكن للضباط الشباب المكانة، ولا التنظيم ولا المصداقية العامة للحفاظ على حكومة بعد حدوث انقلاب، ولهاذا تتطلب الحاجة وجود حزب سياسي أو مجموعة معروفة شعبياً لها بعض التأييد من القواعد، وكان هذا هو الدور الذي لعبه حزب البعث الذي وبمعزل عن الضباط كان يخطط للإطاحة بنظام عارف يوماً ما.
في عشية الانقلاب مثل النايف والداود أمام عارف، مطالبين بتنحية طاهر يحيى وفي الوقت نفسه أعلنا ولاءهما، ومن الصعوبة بمكان القول أكانت هذه المقابلة بمثابة المحاولة الأخيرة لتغيير رأي عارف (كما أدعى النايف لاحقاً) أو خدعة لتغطية الانقلاب المزمع، بيد أن رفض عارف إبعاد يحيى حدد المسألة بوضوح، جرى تفعيل الاتصالات بين البكر وعدد من زملائه المختارين ونظير اشتراكهما في الانقلاب طلب النايف أن يكون رئيساً للوزراء، والداود وزيراً للدفاع وأن يكون البكر رئيساً للجمهورية وصالح مهدي عماش وزيراً للداخلية، لذا وفي حين سيتولى البعثيون الرئاسة ووزارة الداخلية، مع سيطرتهم على الشرطة فإن الضباط الشباب اعتقدوا أن السيطرة الحقيقية على الحكم ستكون بيد رئيس الوزراء والجيش.
كان طلب النايف والداود الاشتراك في الانقلاب أمر يصعب البت فيه، وفي الواقع أمراً مربكاً إرباكاً كبيراً للبعث كما يشير المؤتمر القطري الثامن للحزب، ولدى نشره في كانون الثاني 1974، احتوى هذا التقرير على القصة الحزبية الرسمية للانقلاب، واعترافاً منه أن النايف "كان قد عبر عن رغبته بالاشتراك في إحداث تغيير " يزعم التقرير أن الحزب "كان قد رفض في وقت سابق خدماته" وطبقاً للتقرير كانت القيادة القطرية مجتمعة في بيت البكر في السادس عشر من تموز لاستعراض التحركات الأخيرة عندما وصل خبر من النايف عن موافقته الاشتراك في الانقلاب مقابل تسلمه منصب رئيس الوزراء ووافقت قيادة البعث على هذا الطلب، بيد أنها كانت مصممة على تنحية النايف والداود بأقرب فرصة ممكنة.

        


وفي ساعات الصباح الأولى ليوم 17 تموز 1968، بدأ الانقلاب، احتل النايف وقواته وزارة الدفاع بينما احتل الداود وأفراد من الحرس الجمهوري محطة الإذاعة وجرى العمل الحاسم في القصر الجمهوري، لعب سعدون غيدان قائد كتيبة دبابات القصر الجمهوري، دوراً رئيسياً أذ قام بفتح أبواب القصر أمام البعثيين بضمنهم البكر وعماش وعبد القادر الحديثي وحردان عبد الغفار التكريتي ودعا البعث ميليشياته واللواء العاشر للتحرك ايضاً، حاول النايف إيقاف الميليشيا واللواء العاشر من السير صوب بغداد لكنه اخفق فقد اعتزم البعث استخدام هذه المجاميع لتأكيد سيطرته على السلطة، اشتركت القوة الجوية أيضاً حيث قامت بطلعات شكلية، وفي منصف الليل جرى استدعاء عبد الرحمن عارف، وبعد مواجهة قصيرة أعلن استسلامه ــ بعد عشر سنوات من اليوم الأول على انقلاب تموز 1958 حيث التغيير الرئيس الرابع لنظام الحكم في بغداد ــ أرسل إلى لندن ومن ثم إلى المنفى في اسطنبول، حيث أمضى أكثر من عشر سنوات حتى عام 1980، عندما عاد إلى بغداد بعد أن كتب إلى الرئيس صدام حسين يرجوه الموافقة على العودة، وقد عاش في داره بهدوء وغادر العراق عام 2004 إلى عمان بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003.
في يوم الجمعة 24 آب 2007 رحل عبد الرحمن محمد عارف في أحد مستشفيات عمان عن عمر ناهز الواحد والتسعين عاماً بهدوء كما كان هادئاً أثناء فترة حكمه التي امتدت إلى سنتين وثلاثة أشهر، وتم دفنه في مقبرة شهداء الجيش العراقي في مدينة المفرق الأردنية. وأخيراً فأن عبد الرحمن محمد عارف رجل اوصله القدر إلى حكم العراق البلد الصعب بكل المقاييس ولم يستطع البقاء في السلطة كونه لا يصلح اساساً للحكم بمثل هذه القياسات وأساليب وحسن نوايا. لقد غادر هذا الرجل التاريخ منذ أن سّلم مقاليد العراق إلى البعثيين فجر يوم 17 تموز 1968 ولم يترك أي بصمات تاريخية حقيقية في تغير العراق كما ولم يستطيع فرض هيمنته على القادة العسكريين العراقيين الكبار الذين يسيطرون على مراكز القوى، وجلهم كان من بني جلدته، ولعل أفظع ما يحزن الأنسان أن يخونه اقرب المقربين اليه، كما ولم يستطع ان يحول نمط الحكم إلى الحياة المدنية وبناء مؤسسات تدير الدولة، وبالرغم من كونه انسان مسالم ووطني إلا ان مغادرته التاريخ جعل العراق كله يسلك تاريخاً من نوع آخر نعيش كل كوارثه وأهواله هذه الأيام. رحم الله عبد الرحمن عارف فلقد دخل التاريخ وخرج منه دون ارادته.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ــ المشير محمد عبد الحكيم عامر (1919 ــ 1967) كان أحد رجال ثورة يوليو/ تموز في مصر، وكان صديقاً مقرباً للرئيس جمال عبد الناصر، تولى منصب القائد العام للقوات المسلحة المصرية ووزير الحربية.
2 ــ عارف عبد الرزاق الكبيسي (1921 ــ 2007) عميد ركن طيار، رئيس وزراء العراق عام 1965 في عهد الرئيس عبد السلام عارف. ذو توجه قومي ناصري.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

826 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع