الجيش المغولي بقيادة هولاكو بدأ بالزحف نحو بغداد وتمكن من غزوها عام 1258 .
طه العاني- الجزيرة نت:في مثل هذه الأيام قبل 763 عاما تعرضت مدينة بغداد للغزو المغولي الذي دمّرها وأنهى صفحة مشرقة دامت نحو 5 قرون من الازدهار كانت في أثنائها حاضرة الدنيا وعاصمة الخلافة العباسية.
بدأت جحافل القوات المغولية الغازية بالوصول إلى مشارف بغداد في 29 يناير/كانون الثاني عام 1258، واجتاحتها في 10 فبراير/شباط بعد أيام من القصف والحصار، والمعارك غير المتكافئة.
تعرضت بغداد عام 1258 لدمار كبير نتيجة الغزو المغولي
الخلفية والأسباب
كانت الخلافة العباسية في آخر سنواتها تعاني ضعفا شديدا، وكان المستعصم بالله آخر الخلفاء العباسيين يتسم باللامبالاة، حسب المفكر والمؤرخ الإسلامي الدكتور عماد الدين خليل.
ويضيف خليل -للجزيرة نت- أن "المستعصم بالله لم يحاول تشكيل جبهة إسلامية، لمجابهة الغزو المغولي، ومن ثمّ نال جزاءه أثناء الغزو، فذبحه المغول ذبح النعاج".
ويشير إلى أن الخليفة العباسي لم يبذل أي جهد، بل قام بتسريح جنوده، ولم يبقِ منهم سوى 12 ألف مقاتل، وأصبحوا يتسوّلون في الأسواق.
وعلى الجانب الآخر، يقول أستاذ العصور العباسية المتأخرة وتاريخ المغول الدكتور مصطفى هاشم إن قبائل المغول نشأت في وسط بيئة قاسية، فمارست أعمال العنف والتحايل على أسباب العيش، واكتسبت صفات خلقية واجتماعية قاسية جعلتهم أخطر شعوب العالم الذين عرفهم التاريخ في ميدان القتل والتخريب والتدمير.
ويضيف هاشم -للجزيرة نت- أن كل هذه الظروف القاسية دفعت المغول إلى التفكير جديا في التوسع، وبعد أن استطاع "جنكيز خان" تثبيت أسس ملكه في الداخل شرع في توسيع حدود دولته خارج منغوليا.
فوجّه جنكيز خان قواته إلى محاربة الإمبراطورية الصينية في الشرق وهزمها، ليتابع نحو الغرب لمواجهة الدولة الخوارزمية التي لم تصمد أمامه، حسب هاشم.
كبوة بغداد
بدأ المغول يعدّون العدة لإسقاط الخلافة العباسية في بغداد بموجب خطة وضعها الإمبراطور منكو خان عام 649هـ-1251م، وأوكل مهمة تنفيذها إلى أخيه هولاكو، كما يفيد هاشم.
ويشير إلى أن هولاكو بدأ بالزحف نحو بغداد بجيش كبير، وتمكن من غزوها عام 656هـ-1258م بعد معركة دحر فيها الجيش العباسي عند منطقة الدجيل قرب بغداد التي استباحها قتلا ونهبا وحرقا، وكان من ضحاياها الخليفة العباسي المستعصم بالله وعدد من أفراد أسرته وحاشيته.
وينوّه هاشم إلى أن العراق فقد استقلاله السياسي بغزو بغداد وبقية المدن، وأصبح جزءا من إمبراطورية واسعة عرفت باسم الدولة الإيلخانية.
ويروي الباحث في التاريخ الإسلامي خلدون حميد الكبيسي عن الإمام ابن كثير وغيره قولهم إن المغول استباحوا بغداد وقتلوا ما بين 800 ألف إلى 1.8 مليون إنسان، وأحرقوا آلاف الكتب ورموا القسم الأعظم منها في نهر دجلة، وجعلوا صحن جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني وصحن الإمام موسى الكاظم مرابطا لخيولهم.
ويضيف الكبيسي -للجزيرة نت- أنه بعد وصول أخبار بغداد إلى أنحاء العالم الاسلامي وعلمهم بعزم المغول استباحة المناطق الأخرى منه، بدأ الناس بالهجرة والفرار إلى الأماكن الأكثر أمانًا وبعدًا عن مراكز الاحتكاك العسكري والاضطرابات السياسية والأوضاع غير المستقرة.
دماء ووباء
أسبوع كامل من الذبح المتواصل شهده سكان بغداد، حسب خليل الذي أكد عدم نجاة أحد إلا من استطاع الهرب بنفسه إلى أماكن بعيدة، مشيرا إلى أن الميادين كانت تقطر بالدماء، لأن الهاربين من البغداديين كانوا يلاحقون ويذبحون هناك، فتنساح دماؤهم إلى الأرض.
ويذكر أستاذ التاريخ الإسلامي المساعد الدكتور رغيد الخالدي، نقلا عن مصادر تاريخية، أن تعداد الجيش المغولي الذي اقتحم بغداد بلغ أكثر من 200 ألف مقاتل.
ويضيف -للجزيرة نت- أن الغزو والقتل والحرق والتدمير والإهمال الذي أصاب كل مجالات الحياة أدى إلى انتشار وباء الطاعون ففتك بكثيرين ممن نجوا من سيف المغول.
ويشيد الخالدي بدور العالم الفلكي "نصير الدين الطوسي" الذي أسهم، رغم مرافقته هولاكو في استباحة بغداد، في إنقاذ حياة كثير من الأشخاص، والحفاظ على ما تبقى من الكتب.
النتائج والتداعيات
وأدى ضياع كثير من الثروة والتراث العلمي والأدبي والفني إلى انحدار كبير أصاب الحضارة الإسلامية، بعد أن كانت منارا للعلم والتقدم في مجالات الحياة المختلفة، كما يفيد الخالدي. ويواصل حديثه قائلا "بسقوط الخلافة العباسية ما عادت بغداد مركز الإسلام ومعين الثروة والرخاء وكعبة العلماء".
ويرى المؤرخ خليل أن الغزو المغولي أتى على الحضارة الإسلامية في الجناح الشرقي من العالم الإسلامي، لكنه لم يقض عليها نهائيا.
ويستدل على ذلك بظهور كوكبة من العلماء الكبار في تلك الحقبة، في الشام ومصر وشمال أفريقيا وفي الأندلس، فكان ذلك بمنزلة رد فعل على الغزو المغولي لبغداد، إذ ظهر كبار المفكرين، منهم ابن تيمية وابن خلدون والمقريزي وكثير من المؤرخين، وألفوا مؤلفات مهمة بغية حماية الفكر الإسلامي من الضياع.
في حين يعرب خليل عن اعتقاده أن فكرة تدمير الغزو المغولي للحضارة الإسلامية فكرة خاطئة؛ لأن الغزو لم يدمر سوى الجناح الشرقي للعالم الإسلامي، أما جناحه الغربي فقد انتعش في تلك المرحلة، وصولا إلى الأندلس، وقدم كثير من العلماء جهودًا قيّمة.
مطمع للغزاة
رجعت بغداد إلى حياتها الطبيعية بعد مدة وجيزة من الغزو المغولي، فأعيد بناؤها وإدارتها وعمرانها، وعادت كما كانت عليه من قبل، حسب المؤرخ خليل.
ويلفت إلى أن كثيرا من المغول أنفسهم أعلنوا إسلامهم بعد 30 عاما من المذابح التي اقترفوها، وحققوا حضارة إسلامية عظيمة في الجناح المغولي في الهند، استمرت قرونا عدة، وتوسعوا نحو روسيا حتى دخلوا موسكو.
ويشيد الكاتب العراقي علي العبودي بمكانة بغداد وعمقها التاريخي الحافل بالمنجزات منذ بداية تأسيسها، فهي كانت ملاذ المفكرين وقبلة السياحة وطلب العلم والتجارة.
ويؤكد العبودي -للجزيرة نت- أن الغزو المغولي أربك الصورة الجميلة لبغداد، فتحولت إلى مدينة يكثر فيها طمع الغزاة، وزاد من اضطرابها الغزوات اللاحقة.
ويختم حديثه بالإشارة إلى أن مكانة بغداد لا تزال تربك كل من يحاول الاستحواذ عليها، كونها تحمل الثقل التاريخي ومكانة جغرافية مهمة في العمق العالمي.
وشهدت بغداد أكثر من 20 هجوما منذ تأسيسها قبل 13 قرنا، لكنها تعود وتزدهر من جديد بعد كل كبوة.
2194 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع