"مشهد النذور او قبر النذور وفيه اكتشف قبر الخليفة المستنصر بالله في محلة النصة في الاعظمية"
"النذر" سلوك ديني مارسه الإنسان منذ الفترة الأولى التي بنى بها المعابد، ولكون منطقة العراق بيئة حضارية مغرقة بالقدم، لذا عرف ساكنوا هذه المنطقة النذور منذ آلاف السنين، حيث كان سكان المنطقة كالسومريين والأكاديين والبابليين والاشوريين يؤمنون بتعدد الآله، فلم تكن النذور والقرابين والتقيد بالاصول الدينية هو كل ما تحتاجه آلهة وادي الرافدين من عبادها، بل كان الاعتقاد عند سكان وادي الرافدين القدماء، ان عطف وبركات الآلهة لا تنزل إلا على اولئك الذين يحيون حياة طيبة، والذين هم آباء صالحون، وابناء بررة، وجيران طيبون، ومواطنون صالحون، والذين يقومون بالمعروف ويأتون العمل الصالح، وحتى عندما تبلور فكرة الوحدانية والله في أذهان الناس، وعلى الرغم من تغير تجلياتها، فإن هذا الاهتمام ما زال قائما ويجر خلفه ميراثا شعبيا من فترات التوحيد القديمة وعقائد ما قبل الإسلام، ولهذا تأثر العراقيون والعرب ببعض من طقوس بلاد الرافدين وتعددت افكارهم ومعتقداتهم، وما كانوا بعبادتهم الطبيعية والكائنات الحية والحجر، ولهذا لم تقتصر مسألة النذور على دولة أو مذهب، فهي موجودة لدى الصابئة المندانين و المسيحيين، قد اعتاد المسيحيون تقديم النذور إلى القدّيسين للحصول على النعم السماوية، وتتم النذور بمعاهدة أحد الشُفعاء بتقديم مقابل إذا ما تمّ للطالب مطلبُه،
وقد يكون النذر مبلغاً مالياً يقدم الى صندوق تبرعات الكنيسة وقد يكون على هيئة وقف إلى ممتلكات الكنيسة، وفي الدين الإسلامي على سبيل المثال جاء ذكر النذر في "القرآن الكريم" بسورة آل عمران بقول الله تعالى: <<إذ قالت امرأة عمران ربّ إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني انك انت السميع العليم>>، وعلى الرغم من ظهور الإسلام الذي يعد أقل الديانات تجسيدًا، وان بعض فرقه الدينية، تعتبر تقديسَ القبور ونذر النذور للأضرحة وطلب الشفاعة عملًا مخالفًا للشرع، بينما احتلت المقامات والمزارات والتبرك بها مرتبة بارزة في التقاليد الدينية لطائفة اخرى، وتعتبر زيارتها واجباً مقدساً، وهي أماكن مباركة برفاة أصحابها من العباد الصالحين الذين يملكون كرامات معينة، ويقصدها الكثيرون طلباً للخير والشفاء والرزق، فإن هذه الظاهرة لم تنقطع كإرث ثقافي وطقس روحي في التواصل بين الإنسان والخالق، فطلب الشفاعة من الأولياء، الأموات منهم والأحياء، وزيارة القبور والأضرحة المقدّسة، استمرّت كجزء من التقاليد الاجتماعية ذات الإرث الديني، واتخذت رمزيتها الكبيرة ومنزلتها كأماكن للتبرّك والشفاعة ودفع البلاء والاذى الشرور عن كاهن الانسان البسيط، اما عن الأشياء التي تقدم كنذور في زمننا الحالي فهي كثيرة، وأشهر الأشياء التي توزع في إيفاءاً للنذر هي الأضاحي، والمال، والذهب،
والاشياء العينية، او خبز العباس....
أو عدداً من شموع الخضر تطوفها على خشبة في ماء دجلة اوالفرات في زكريا، او بعض النسوة تنذر، إذا استجاب الله لدعائها، أن تذهب حافية من مدينة إلى أخرى، أو تسير حافية في الشوارع ،
او قيام بعض الفتيات الراغبات في الزواج إلى التواجد في أضرحة أولياء الله الصالحين، للاستعانة بكرامتهم في ايجاد عريس تقترن به، ليخطفها من طابور العنوسة، او ان تلجأ النساء اللاتي تأخر إنجابهن بالذهاب لأضرحة الأولياء والكنيسة، ويوقدن الشموع طلبًا للبركة لتحقيق أمنية إنجاب الأطفال.
كما هو معلوم فان العراق يحوي على اكبر واهم عدد من الأضرحة والمزارات المقدسة، كأماكن دينية يرتادها الناس للعبادة أو السياحة الدينية والتبرك بها، فأموال النذور يدفعها المواطنون للمساجد التي يوجد بها أضرحة ومقامات الأولياء، بناء على اعتقادات منهم، وهي تعبر بشكل مادي عن شغف البسطاء بأهل البيت وأولياء الله الصالحين،
وهي اموال طائلة، و كذلك الهدايا، بالإضافة واردات "الصندوق" أي شباك الضريح، كانت العتبات تدار في زمن النظام السابق من قبل وزارة الاوقاف والشؤون الدينية، وبعد تغيير النظام في عام 2003 تم حل وزارة الاوقاف وتشكيل ثلاثة دواوين للوقف (شيعي وسني ومسيحي)، وباتت العتبات المقدسة في النجف وكربلاء وسامراء والكاظمية مرتبطة بديوان الوقف الشيعي، فأموال العتبات المقدسة تصرف وبشكل مفتوح وبدون محاسبة على المنتسبين والقائمين على إدارة العتبات من رجال تستروا بالدين ومن يقف خلفهم من مؤسسات ومرجعيات دينية، وبدون رقابة الدولة عليها، حيث تحول قسم من هذه الأموال إلى حسابات شخصية في البنوك والمصارف الدولية الخارجية، اي بمعنى تحويلها إلى حسابات سياسية تحددها مصالح دنيوية لا علاقة لها بالمقدس، تقم خلفهم مؤسسات حزبية مغطاة باسم مرجعيات دينية، البعض منها مرتبطة بولاية الفقيه في ايران، وهكذا يتم استغلال العتبات المقدسة ووارداتها الخاصة بالشعب العراقي، فيسرقون أموال الناس بحجة ترميم وتوسيع العتبات، وتشييد المؤسسات التي تعود بمنافع شخصية لهم.
في جلسة بين الاصدقاء غاصت بنا الذاكرة، وشعرنا بعطر الحكاية في الأصداء التي تهمس مستدعياً الذكريات لترى العصور الماضية تنهض في لوحة الزمن القريب يأتي بيت ابو رابعة مشهد النذور أو قبر النذور عند محلة النصة في الاعظمية، التي تذخر كحي قديم وبيوتاته المطرزة بالشناشيل، فيها عبق التاريخ وسحر الحكايات، محلة النصة وهي المحلة القريبة من جامع الامام الاعظم، فيها بعض الاماكن الاثرية والتراثية، سميت بهذا الاسم لأن ارضها واطئة وكانت اول ماتجتاحها المياه عند حدوث الفيضانات في نهر دجلة وتراها دائما مبتلاة بالمياه الجوفية (النزيز) المرتفع نسبيا والقريب الى سطح الارض وفيها منطقة تعرف بالنزيزة المقابلة لبريد الاعظمية، درابينها ضيقة ومنها ذات التواء ونذكر منها حسب ما ذكرها المؤرخ " هاشم الدباغ، وهي تشترك مع محلة الشيوخ:
دربونة عبد الله السلام مقابل مقهى حجازي، و فروعها دربونة بهاء الدين البياتي والد المحامي أكرم البياتي، و دربونة عيسى عبد الأعمى و هي قرب بيت مصمم وصانع ساعة جامع ابو حنيفة الاسطة عبد الرزاق محسوب، و دربونة إبراهيم دلَّه قرب بيت عبد الله عدول بن الحاج حافظ، و دربونة حسون السكران، و دربونة الحاج حجازي و دربونة ريمة المسلمانية أو صبار وحيد الخطاط مقابل بيت رشيد شلال و قرب بيت عبد الرحمن البحري، و دربونة زماوي و سليم فريج و هي مجاورة لعلوة حسون السكران في السوق مقابل بيت عبد الباقي النجار كان فيها مدرسة أولية، و دربونة حسين حنود (حسين بلدية) والد عبد الكريم الصيدلي صاحب صيدلية الأعظمية، و دربونة خليلان التي فيها دربونة عبد الرحمن عبد الكريم الريس، و دربونة حسن كافر و أبو سبع و حمودي القصاب و دربونة إبراهيم الجاسم و نجية الخبازة و دربونة حسن قواس (دربونة مكينة الطحين العائدة للحاج عوّاد بن عماد)، وجامع الحاج نعمان، وليس بعيد عن مشهد النذور يوجد عدد من المعالم الأثرية والإسلامية القديمة من بين الأزقة، لترى الدكانين العتيقة، تكية نجيبة التي تقام فيها حلقات الذكر ودراسة القرآن وبقية العلوم الدينية وتولى الارشاد فيها الشيخ عبد الوهاب بن الشيخ ابراهيم، وسقاية سالم الحيدري حيث شيد مسجدا على ارض اشتراها، والحق بها سقاية ذات طابقين، وسقاية هيبة خاتون، وسقاية جاسم الحجية شيدها جاسم الحاج محمد خلف الحجية، خان الشابندر، بيوت بعض شخصيات المجتمع وافراده والائمة وسادني جامع الامام ابو حنيفة، منهم:
اللواء الركن عبد المطلب الامين الوزير والمتصرف والسفير ومن اولاده محمد والصديق استشاري جيولوجيا النفط والحاصل على شهادة الماجستير من جامعة لندن الصديق خالد والسيدة عاتكة زوجة السفير طه الداود، نعمان ابن عبد اللطيف بن محمد الاعظمي العبيدي متولي اوقاف الامام ابو حنيفة وكان له مجلساً، نوري بن السيد عبد العزيز الاعظمي العبيدي، وعبد الستار الاعظمي، ونعمان عبد الله بن بكر الاعظمي، والعقيد فاضل عباس الفضلي ومن اولاده الدكتور عاطر والمحامي غسق الدكتورة ورقاء وسحر، وشاكر الهاشمي ومن اولاده الأصدقاء الدكتور عامر الاختصاصي في علم الامراض والمرحوم العالم الدكتور وسام الهاشمي الذي خطف واغتيل عام 2003 وثامر ومحمود، وامين زكي ومن اولاده الاصدقاء اللواء الطيار هشام والمهندس خالد، ووليد الخوجة، والدكتور الجراح المعروف سبهان الخضيري، الاستاذ احمد حسين خضير رئيس ديوان الرئاسة في العهد الوطني والموقوف حاليا، اللهم فك اسره ، شهاب الدين الشيخلي، وسامي العجيلي، توفيق المفتي ومن اولاده نمير والدكتور سمير، سليم الدرة، عمانوئيل والد الصديق مازن وكان بيتهم يعرف ببيت جدة خاتون فرنسيس، ومحمود الفحل صاحب ورشة عمل التنانير، وفاروق ورافع، والعقيد محمد عبد اللطيف، واثق ناجي لاعب كرة القدم والحكم الدولي للكرة، شيخان العربنجي، شمس الدين محمد الحنفي، ملا حمادي ياس المختار، وملا محمد العبيدي، والد ملا صالح وناجي ومهدي، وصبري الخطاط، ونعمان بن احمد بن الحاج اسماعيل الاعظمي، ومحمد امين الاعظمي ومجلسه العامر، وملا جواد الاعظمي، وسالم العسافي، وخليل حسن ملا ابراهيم الاعظمي، وقاسم لطف الله، وفؤاد المصلاوي، والدكتور الصيدلي غسان تحسين نقيب الصيادلة في الحكم الوطني، واحمد المصلاوي، وعبد المجيد سيد وهيب الاعظمي العبيدي، والحاج ياسين الاعظمي، ومعروف بن عبد الرزاق الاعظمي العبيدي ومن العائلة الدكتور ناجي معروف والدكتور بشار والاستاذ احمد معروف والاستاذ عبد الهادي، وقاسم مقصود، وحمدان الساحر، وصفي طاهر، ونعوش، وودود العباسي، وابو نورية، ونزار، وابو صبري، ساطع وطارق الداود، وحيدر، وهاشم العبيدي، المحامي نعمان الدليمي ابو ثابت والذي كان من اوئل البعثيين في الاعظمية واخوه دكتور سعد الذي كان رئيس الاتحاد الوطني لطلبة العراق في انكلترا، قاسم حسن فريد، والحديدي من اولاده اسماعيل وصباح احد ثورة تموز1968، والعزي من اولاده السياسي والقائد في حزب البعث نزار العزي الذي اغتيل في يوم الاحتلال عام 2003 وفاروق، وهبش، وقصي صبري الصلاغ، وطوبان من اولاده عميد قوات خاصة ثامر، والعميد صفاء الملايا، وسعدي الاعظمي"فاروق"، مظفر السامرائي، وزينل، وثابت بن حمدة، وقاسم الطنبوري، والصفرة ومن الاولاد صبري وسمير ونزار، وكريم رشيد"الاسود" بطل العراق والعرب بالمصارعة، والمصلاوي ومن اولاده المصارع العميد قوات خاصة خالد والمدرس علي، وثابت بن حمدة، سكنت احدى العوائل في المحلة في بيت استأجرته من السيد وصفي طاهر، ثم غادروا بعد ثورة عالي رشيد الكيلاني، طرف المحلة يضم سوق الأعظمية القديم للخضر والفواكه واللحوم، ومحل حكمت، ومحل حمودب ملا ياس، ومسجد الشيخ جلال "وهو الشيخ جلال الدين محمد بن الشيخ محمد الحنفي الكوفي" الذي ازيل عند بناء جسر الائمة وتوسيع الشارع المؤدي له، والمطاعم الشعبية للمشاوي ومنهم، ارسلان وحقي وابو عرب، ومطعم الكبة لجوقي، وكباب مصطفى هبوبي، ومطعم قلي السمك، ومقهى عباس حسن كافر وهي مقهى واجهتها مؤطرة بالزجاج ثم تحولت إلى صيفية ولم يبق لها أثر فقد أقيمت مكانها بناية جمعية منتدى الإمام، في الجهة اليمنى منه حلويات فرج نعوش ومقهى شهاب توشة، مقابل باب جامع الامام الاعظم المطل على الساحة، صيفي وشتوي وكان اكثر المقاهي حركة ورواداً، اذ يجتمع فيه الشباب للتظاهرات في المواقف الوطنية، كان من روادها الشخصية الظريفة جاسم محمد هتلر المعظماوي وقصصه وفعالياته المحبوبة، أحبه أهل الاعظمية وغيرها وله اثر في ذاكرة المجتمع البغدادي، وهذه المقهى لم يبق لها اثر اذ ازيلت ببناء عمارة تجارية، اسكلة الحاج حمودي شهاب الاعظمي، والشريط الاخضر للكماليات وصاحبه الصديق الانيق قاسم الصفار، وفيها انشأت أول مدرسة في الاعظمية بعد سقوط الحكم العثماني عام 1917 وهي <<المدرسة الاعظمية الابتدائية>> كما وافتتحت أول مدرسة للبنات بداية الثلاثينيات من القرن الماضي هي <<مدرسة الخنساء الابتدائية للبنات>> وتقع في بيت سيد نعمان الحاج محمد الاعظمي، يحس من يزور النصة بان اهلها يمتازون بمشاعر الدفيء والجيرة والصلة الوطنية الصادقة والأنسانية الحميميةلا ن مشاعرهم خالية من اية شائبة ومرض أجتماعي أو من أختلاف مذهبي أو سياسي، أذ يتميز أهلها كبقية مناطق بغداد الاصيلة بكل مشاعر الأحترام وألأعتزاز المقرونة بألود والمحبة، كما انها كالأعظمية على مر الزمن تمتزج فيها بتجانس فكري العروبه والاسلام، فميول اهلها كانت عروبية واسلامية، رغم وجود احزاب يسارية، الا ان منظومة القيم والاخلاق والتربية التي نشأ عليها مجتمع الاعظمية الكريم فان الصداقات والعلاقات الاخوية ظلت قائمة بين اصحاب تلك الافكار والمناهج المتباينة.
في محلة النصة يوجد مسجد من مساجد بغداد الاثرية هو: مشهد النذور أو قبر النذور في العصر العباسي، سمي بذلك لأنه كما قيل لا ينذر عنده أحد الا صح نذره ، أو قبر عبيد الله بن عمر بن علي بن الحسين عليه السلام، أو المدرسة العصمتية او المصلى العتيق، وفيه قبر ابو رابعة نسبة إلى السيدة رابعة العباسية بنت الأمير احمد بن الخليفة المستعصم بالله العباسي من زوجته عصمة الدين شاه النبي الأيوبية زوجة الخليفة المستعصم بالله ووالدة نجله احمد، حيث كان الناس هناك يقيمون فيه صلاة العيدين، كان البويهيون يتعهدون هذا المشهد ويقدمون له النذور منهم عضد الدولة البويهي الذي وضع صندوقا في القبر ينفق منه على الفقراء والزائرين، ومن العادات التي اعتادها أهالي الاعظمية إنهم كانوا يخرجون يومي الأربعاء اللذين يليان عيدي الفطر والأضحى لزيارة القبر وقضاء أوقاتهم محتفلين بهذين اليومين أسوة باحتفال الناس في سلمان باك، إلا إن هذه العادة اختفت لان أهالي المنطقة بدأوا يقتطعون من المشهد قطعا يقيموا عليها مساكن لهم حتى لم يبق من المشهد إلا البئر التي كان الناس يستحمون بها لان مياه البئر شافية لبعض الأمراض الجلدية ولذلك بقي القبر وقبة صغيرة الموجود واختفى البئر.
اختلفت الروايات واختلف المؤرخون او بعض مصادر الكتب حول مشهد النذور والراقدين فيه، منها قديمة ومتوارثة ومنها معاصرة، رواية تقول انه يحوي قبر الشيخ حماد الدباس احد أصحاب الشيخ عبدالقادر الكيلاني وهذه رواية وهم لا ترتقي الى ذلك، لان الشيخ حماد مات سنة 525 هـ ودفن بمقبرة الشوينرية في الجانب الغربي من بغداد (منطقة الكرخ – وهي مقبرة الشيخ معروف الكرخي) ، ومنها تفيد أن القبر هو قبر رابعة بنت الشيخ جميل، القرامطة الذين قتلهم الخليفة المكتفي بالله ولم يعرف عددهم بالضبط سنة 201 هـ ، أبو داود بن سياه مرد بن أبي جعفر وهو رجل من البويهين مات سنة 339 هـ، نقيب الطالبين الحسن بن علي بن حمزة العلوي الاقساسي الذي مات سنة 593 هـ، الواعظ الشهير أبو الفضل البوشنجي المتوفي سنة 625 هـ، أبو محمد الحسين بن علي ابن المسلمة المتوفي سنة 634 هـ ، وهناك مصدر واحد يذكر انه بقيت جثة الخليفة المستعصم بالله في العراء لعدة أيام حتى قامت السيدة عصمة الدين والدولة زوجة احمد نجل الخليفة بنقل الجثة ودفنها في مشهد النذور، الخواجة هارون صاحب الديوان ونائبه شمس الدين زردبان وعز الدين جلال (كاتب السلة) وهو المسؤول عن تسلم العرائض من المواطنين وإحالتها إلى المسؤولين، إضافة إلى نظام الدين ابن قاضي البندنجيين الذي قتلهم المغولي تتراقيا سنة 683 هـ ، سنة 685 هـ توفيت رابعة ودفنت جوار والدتها عصمة الدين شاه لبنى، وفي سنة 688 قتل منصور ابن الصاحب علاء الدين عطا مالك الجويني شقيق رابعة لامها ودفن في المدرسة العصمتية قرب والدته وشقيقته (رابعة)، بعد ذلك بأيام أمر السلطان غازان باعتقال مظفر الدين علي ابن الصاحب علاء الدين (المار ذكره) وأمر بقتله ودفنه في دار المسناة (القصر العباسي قرب وزارة الدفاع)، ثم نقل بعد ذلك إلى جوار والدته وأخيه في المدرسة العصمتية، في سنة 646 هـ غرق المشهد بفيضان دجلة مما أدى إلى غرق آلاف الكتب الثمينة والنفيسة التي لا تقدر بثمن، وفي سنة 725 هـ غرق المشهد مرة اخرى وتكررت نفس المأساة .
كتب المرحوم العلامة مصطفى جواد حول الموضوع وأورد في كتابه سيدات البلاط انه يوجد بجانب قبر أبي رابعة رباط (تكية) عمرته وجددت بناءه امرأة تقية هي السيدة زمرد خاتون زوجة الخليفة المستضيء بأمر الله، وهذا الرباط بجانب قبر أبي عبيد الله العلوي (أبو رابعة) ووصفه صاحب المراصد بان بينه وبين سور بغداد أي السور الذي بقي أثره شمال القلعة – نصف فرسخ وهذا يوافق مكان قبر أبو رابعة شرقي الاعظمية، كما أورد الدكتور ناجي معروف في كتابه الموسوم (علماء النظامية) إنها أم رابعة وإنها حفيدة الخليفة المستعصم بالله العباسي وقال (رابعة وأمها عصمة الدين شمس الضحى من فونتان في مشهد ام رابعة المعروفة..
وقال الشيخ هاشم الاعظمي رحمه الله في كتابه الموسوم (تاريخ جامع الإمام الأعظم) ما نصه "مرقد أبي رابعة يقع بالاعظمية – محلة النصة ، مساحته 400 متر تقريبا ولهذا المكان الذي يرقد فيه أبو عبيد الله والذي يسمى بابي رابعة له تاريخ يتجاوز ستة قرون".
اما الكاتب والرياضي الموسوعي التراثي عزيز الحجية، فقد كتب:
"ابو بو رابعة، ومنهم من يسميه أم رابعة او رابعة بنت جميل، ومذهب الدكتور مصطفى جواد ان بالقرب من جامع الرصافة، قبر عبدالله العلوي وموضع هذا القبر يعرف اليوم بأسم (ابي رابعة) و(أم رابعة) وهو يقع على مسافة قليلة من شرق شارع الامام الاعظم بازاء منعطف الضريح الملكي، والسبب في نسبته الى أم رابعة ان السيدة شمس الضحى شاهلبني الايوبية بنت عبد الخالق بن ملكشاه بن صلاح الدين زوجة الامير ابي العباس احمد بن المعتصم بالله العباسي ثم زوجة علاء الدين عطا ملك الجويني والى العراق والاحواز وكانت قد انشأت عند هذا المشهد رباطا للصوفية ومدرسة سميت بالمدرسة العصمتية ويفهم من اسم المدرسة ان هذه السيدة كانت تلقب بعصمة الدين اى ذات العصمة ولما توفيت سنة 678 هــ دفنت في التربة التي بنتها بجوار مدرستها عند مشهد عبدالله المذكور .وفي سنة 685 هــ توفيت ابنتها رابعة العباسية بنت الاميلا احمد ودفنت في تربة والدتها فرابعة وأم رابعة مدفونتان هناك.
وقد زرت قبر ابو رابعة بتاريخ 15-3-1968 ويقع في الاعظمية محلة النصة على بعد 500 متر تقريبا من الطريق الذي يلي عمارة فاروق الجدة في داخل البيت المرقم 63 وهو بيت بسيط مشيد بالطابوق والجص ذو طابق واحدوبابه خشبي يتألف من فردتين .ويفتح باب الدار على ممر مكشوف طوله حوالي عشرة امتار ويؤدي الى باب حديد حديث الصنع مصبوغ بلون اخضر وفتحه لي صاحب الدار (نعمان مسعود)الذي ورث قيمومة رابعة بنت جميل عن اجداده وقد ابرز الي ورقة مسجل عليها اسماءهم هذا نصها (مهدي ونعمان اولاد مسعود بن محمود بن احمد بن حبيب بن فياض بن نافع بن عميرة بن ابراهيم بن على بن بطرس بن احمد بن شهيد العبيدي).ويفضي الباب الحديدي الى ممر (طوله حوالى ستة أمتار وعرضه حوالى مترين) مبنى بالطابوق والجص وقد عقد سقفه على شكل اقواس وفي منتصف الجدار الايسر من الممر باب خشبي واحد في وسطه صفان من مسامير نحاسية دائرية الشكل قطر الواحد حوالى اربعة انجات وفي كل صف خمسة مسامير ثبت الناب بالجدار بأطار خشبي وفي الجهة البعيدة من الجدار حلقة قطرها خمسة انجات تقربيا فوقها سلسلة حديدطولها حوالى قدم واحد وتتألف من ثلاثة زردات(حلقات) والغرفة مربعة الشكل طول ضلعها حوالي اربعة امتار وسقفها معقود على شكل (عرقجين) نصف كرة بالطابوق والجص وفي كل جدار شباك مربع الشكل مغطى بأطار خشبي (قيم) مربعات صغيرة وارض الغرفة مبلطة بالطابوق ومفروشة بحصير الخوص والكمبار وفي وسط الغرفة صندوق من الخشب الجاولي ارتفاعه عن الارض حوالى متر وهو مغطى بقماش اخضر لماع (كريم ستن)وفيه يرقد الشيخ حماد الدباس بن مسلم الذي يعتقد السيد نعمان انه زوج رابعة بنت جميل، اما قبر رايعة فهو في داخل الجدار المقابل لمدخل الغرفة وقد اثبت على الجدار شباك خشبي مربع الشكل طول ضلعه حوالى قدمين وهو مقسم الى مربعات صغيرة وفوقه توجد رازونه صغيرة فيها صخرة على هيئة شبه منحرف وحجمها يملأ الكفين وقد اخبرني السيد نعمان انها مكتوبة بحروف صغيرة ولكني لم اتمكن من رؤيتها كما اخبرني بأن عددا من الزائرين الاجانب رغبوا في شرائها، الا انه رفض بيعها لاعتقاده لقابليتها على شفاء (وجع البطن) اذا وضعت
على مكان الالم. هذا وقد انيرت الغرفة مؤخرا بمصباح كهربائي".
استمر الجدل مع كثرة الروايات حول الشخصيات المفونة في مشهد النذور، وفي عام 1972كتب الدكتور عماد عبد السلام المؤرخ المحقق والمفكر بحثا حول المشهد لا سيما حادثة دفن الخليفة الشهيد فيه في مجلة الرسالة، التابعة لوزارة الاوقاف، وسعى الى ان تقوم الدولة بذلك، واستمرت محاولاته عدة سنوات، اجرت الدولة في بداية التسعينات تنقيبات في هذا الموقع الذي حدده الدكتور عماد، وقد تولت الهيئة العامة للآثار في العراق إجراء تلك التنقيبات، فاكتشفت وجود ثلاثة قبور ترقى إلى العهد المغولي المبكر، هي قبر المستعصم، وكنته عصمة الدين، وابنتها رابعة، كما اكتشفت آثار مقبرة جماعية لا يعرف سببها، وبهذا اكتشف الدكتور عماد عبد السلام رؤوف قبر المستعصم الذي قتله هولاكو في قصر من قصور الخلافة في بغداد الشرقية في سنة 656 هـ وغيب المغول جثمانه عمداً سنوات عدة، حتى قامت السيدة أم رابعة عصمة الدين زوجة أبي العباس احمد نجل الخليفة، وحفيدة السلطان صلاح الدين الأيوبي، بنقل الجثة ودفنها في مشهد النذور في الاعظمية، ثم أعادت الدولة تسميته نسبة إلى دفينه، وتم ترميم المرقد وبني بجانبه مسجد، وتبلغ مساحة البناء 1000م2، ومساحة حرم الجامع 300م2، وبني مبنى المسجد بعمارة حديثة جميلة، واعيد بناء المقام وبني له غرفة خلف الحرم يفصل بينه وبين الحرم بساحة طارمة كما بني في المسجد غرفة للامام ومرافق منوعة باسلوب حديث، وأصبح يعرف بين الناس مسجد المستعصم بالله، وبهذا اميط اللثام والجدل عن مشهد النذور وعائدية قبوره، ودكتور عماد عبد السلام له الفضل باكتشاف قبر المؤرخ الطبري أيضاً في حديقة الرحبي في شارع عشرين في الاعظمية الملاصق لمحلة النصة، وشرعت الدولة في التخطيط لمشروع بناء القبر، لولا الاحتلال الأميركي الذي أوقف المشروع، كما انه وصل الى العديد من الحقائق العلمية الجديدة في مجال خطط بغداد وبعض المدن العراقية الاخرى، كما حدد بدقة قبر الشاعر المتنبي في ضوء وثائق عثر عليها في المحكمة الشرعية ببغداد، وقبر الامام احمد بن حنبل في بغداد، هذه المقابر أي باب حرب هي ما عرف في العهود المتأخرة بمقبرة الهبنة الى الشمال الغربي من قصبة الكاظمية وما تزال بقاها ماثلة قرب مستشفى الكاظمية التعليمي، بدلا من وجود قبر للإمام أحمد بن حنبل في شارع الرشيد في منطقة (الحيدر خانة) في مسجد عارف آغا.
السبب في نسبته الى أم رابعة ان السيدة شمس الضحى شاهلبني الايوبية بنت عبد الخالق بن ملكشاه بن صلاح الدين زوجة الامير ابي العباس احمد بن المعتصم بالله العباسي ثم زوجة علاء الدين عطا ملك الجويني والى العراق والاحواز وكانت قد انشأت عند هذا المشهد رباطا للصوفية ومدرسة سميت بالمدرسة العصمتية ويفهم من اسم المدرسة ان هذه السيدة كانت تلقب بعصمة الدين اى ذات العصمة ولما توفيت سنة 678 هــ دفنت في التربة التي بنتها بجوار مدرستها عند مشهد عبدالله المذكور، وفي سنة 685 هــ توفيت ابنتها رابعة العباسية بنت الامير احمد ودفنت
يعد المستعصم بالله آخر خليفة عباسي لبغداد، وحكمها فى الفترة بين 1242م و1258م بعد أبيه المستنصر بالله، وكان يتميز بأنه كان كريماً حليماً سليم الباطن حسن الديانة متديناً متمسكاً بالسنة كأبيه وجده، ولكنه لم يكن مثلهما في التيقظ والحزم وعلو الهمة، ولم يستطع المستعصم أن ينجو ببغداد من يد المغول بعد خيانة وزيره إبن العلقمي له، الذى ساعد هولاكو وجيشه فى خطتهم الموضوعة للاستيلاء على بغداد، حيث استطاع بحكم منصبه، واختلف المؤرخون فى كيفية قتل الخليفة المستعصم، فمنهم من يذكر أنه قد مات إثر الخنق، وقيل إنه وضع فى كيس وقاموا بركله حتى مات، بناء على أن أحد المنجمين قال لهولاكو إذا قتل الخليفة فإن العالم سيصير أسود ومظلم وستظهر علامات يوم القيامة ولهذا السبب صمم هولاكو على قتله دون إراقة دماء فقتله بهذه الطريقة.
يأخذ الاحتفال بالمولد النبوي الشريف وروحانياته في النصة اسوة لباقي منطقة الاعظمية وجامع الامام ابو حنيفة الننعمان، بتزيين الدرابين بالمصابيح الملونة وبيوتاتها المطرزة بالشناشيل التي تتدلى منها الأضواء الملونة بأنوارها الساطعة، وفي اللوحة ذاتها يطل مسجد المستعصم المقام ببهائه التاريخي، ومسجد الحاج نعمان، ودكاكينه التي زادها الزمن صلابة وجمالاً إلى توزيع الحلوى والطعام على جموع الوافدين لها، والسهر حتى ساعات الفجر الأولى على أصوات المدائح النبوية والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، تضفي طابعًا مميزًا لا يوجد في مكان سواه.
ليس كل ما هو موجود في محلة النصة مجرد بيوت متلاصقة اومتجاورة على الجانبين وطريق للمارة، هناك درابين تحوي اكثر من هذا، تعني بعضها ذكرى بعض اشخاص ولكن هناك درابين سطر علي ارضها وحوائطها صفحات من تاريخ بيوتها تكون شواخص، المرتبطة بمسجد ابو حنيفة النعمان الذي استمدت المنطقة منه مكانته الروحية، وفيها ابطال لبعض الحكايات التي تذخر بها كتب التاريخ، تأريخ محفوظ بين ترابها ومبانيها التراثية ومساجدها وتكياتها وشخوصها، فهي حياة تنبض بالمعرفة والتاريخ والحكايات والسير الانسانية التي تتجدد مع تجدد العصر والزمان، قد يغيب عنها بعض التفاصيل الا انها، ستبقى شامخة غنية بتراثها وتاريخها وتستحق ان نقف اجلالا واكراماً لها، ومن الله التوفيق.
سرور ميرزا محمود
356 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع