في ذكرى مصرع الملك غازي 4 نيسان 1939 .. الاسرة المالكة وفاجعة مقتل الملك
كانت الملكة عالية امرأة نبيلة وزوجة مخلصة ذات ذكاء نادر ولها تأثير في زوجها الملك غازي وهي مستودع ثقته يعهد اليها بأسراره كلها،وكانت مصدر حكمة سياسية حتى ان شقيقها الأمير عبد الإله وأفراد عائلتها كانوا يأخذون بجميع نصائحها، وكان شقيقها يجتمع معها يومياً ليبحث المشاكل التي تعترضه،اذ ان نصائحها تنطوي على الحكمة.
كما كانت تطالع الصحف اليومية العراقية وتؤشر ما يهمها من الأخبار والمعلومات التي يمكن الافادة منها في معالجة أمور البلاد.
وكان الأمير عبد الإله يذكر دائماً أنه لايستطيع العمل من دونها فهي ملازمة لعمله ولمركزه وذكر في أكثر من مرة انه إذا ماتت سوف يتخلى عن المسؤولية وبعد وفاتها قال بإنه فقد بموتها مستشاراً حكيماً .
أما زوجها الملك غازي فكانت حريصة دائما على مرافقته في معظم جولاته، على الرغم من أنها كانت على دراية بسائر تصرفاته لكنها لم تكن تسمح لنفسها بمكاشفته أو محاولة وضع مراقبين عليه كي لا تشجع أحداً على التجسس عليه. ولم تسمح لأحد بالتدخل في حياتها الخاصة، حتى الأمير عبد الإله الذي كان يخلق لها الكثير من المشاكل مع زوجها ، ولهذا السبب كان الملك غازي لايحبذ وجوده في القصر .
شعرت الملكة عالية بالكثير من المخاطر التي تحيط بزوجها الملك غازي الذي كان مناوئاً للسياسة البريطانية،التي جلبت له نقمة الموالين لهم كما كان للإذاعة الموجهة إلى الكويت من قصر الزهور أثر كبير في زيادة عداء البريطانيين للملك غازي حتى أن السفيرالبريطاني(موريس بيترسون Mourice Peterson) صرح قائلاً"وقد أصبح واضحاً للعيان أن الملك غازي يجب أن يسيطر عليه أو خلعه عن العرش".
وكان لعلاقة الملك الحميمة مع بكر صدقي أثر في زيادة تفاقم النقمة عليه من قبل أعدائه عن طريق سياسته الهادفة إلى تحقيق الوحدة العربية ومساندته القضية الفلسطينية وإثاره الشعب العربي ضد المستعمرين.
وكانت الملكة عالية مدركة هذه الأخطار لذلك كانت تنبهه أن يكون يقظاً في تصريحاته،وكانت تتابع لقاءاته جميعها مع الشخصيات السياسية وتراقب المكالمات الهاتفية التي كان يجريها لمعرفة كل ما يحيط به، كما أخذت تحث المرافقين المخلصين على الحرص عليه وحمايته.
ويذكر السيد فؤاد عارف مرافق الملك غازي في مذكراته"أخذ الملك غازي سيارته وأمرني بمرافقته فركبت بجانبه، وكانت الملكة عالية والأمير فيصل والخادمة في المقعد الخلفي، وبفضول كنت أحاول أن أرى وجه الملكة فلم أستطع، وكان الوقت عصراً نزلنا في قصر الملح، جلس الملك وعائلته في حديقة القصر، وبقيت واقفاً الى جانب السيارة، بعدها جاء الخادم وأسمه محمد وهو الذي كان مع الملك في أثناء مقتله فقال لي بأن الملك يطلبني، وعندما ذهبت طلب مني الجلوس معهم،قائلا: أخي فؤاد أنت أول شخص من غير عائلتنا يجلس مع الملكة عالية حتى هذا اليوم، وأعلم لست أنا الذي أختارك مرافقاً بل الست الملكة هي التي طلبت اختيارك وأنا مقتنع بذلك جداً، ثم التفت إلى الملكة عالية التي خاطبتني قائلة: لاحظ أخي فؤاد انتم لاترونني لكني أراكم جميعا وأراقبكم، وكنت أراك والعصا بيدك تمنع كل مخالف وسيدك الملك حدثني كثيراً عنك منذ دراستكما معاً، وقد لفت انتباهي ومنذ أيام لم أسمع صوت عصاك فقلت للملك ربما صديقك الكردي مريض، فلنرسل له باقة ورد، وقد فاجئني بأنك نقلت إلى السليمانية فرجوته أن يرجعك إلى هنا، وفعلا بعث ببرقية وأعادوك فوراً".
من هنا نلاحظ مدى حرص الملكة عالية على زوجها الذي يظهر في مواقفها الجريئة والحازمة التي تبين مدى درايتها في ما يحيط بزوجها الملك، كما جرى في انقلاب بكر صدقي في التاسع والعشرين من تشرين الأول 1936، حيث كانت تتصرف بهدوء وبشكل طبيعي، مما دفع سندرسن الى القول بأنها كانت على علم بالانقلاب، فقد كانت ملازمة للملك عندما كان يراقب الوضع بناظور الميدان .
وفي مناسبة أخرى تحدث فؤاد عارف عن الملكة عالية بقوله:"طلبني الملك غازي في ليلة مقتل بكر صدقي في الحادي عشر من آب 1937، وما أن دخلت عليه حتى وجدت علامات القلق بادية عليه فاخبرني بأن بكر صدقي قتل، فسألته هل مات: فأجابني بنعم فترحمت عليه، وبعد لحظة شاهدت الملكة عالية مقبلة علينا وكانت قد علمت بما حدث وربما تكون قد سمعت حديث الملك وكانت قلقة عليه خوفاً من أن لا تكون المحاولة مقتصرة على بكر صدقي، فوجهت كلامها لي قائلة أخي فؤاد أنتبه إلى سيدنا الملك غازي طمأنتها بأن الجيش كله في خدمة الملك، فأجابتني قائلة لاأثق في جيش يقتل رئيس اركانه".
وعند حدوث الفاجعة الكبيرة التي أنتهت بوفاة زوجها الملك غازي خرجت من القصر عند سماعها نبأ الاصطدام في الرابع من نيسان 1939، وأسرعت الى مكان الحادث وسط الظلام ولحقت بالحرس وبينما كان الملك مسجى والدم ينزف منه إنكبت عليه وأخذت تصرخ لجلب الأطباء لبذل كل الجهود الممكنة لإنقاذه، قائلة أريده أن يفتح عينيه سريعاً أريده أن يتكلم، وفي هذه الأثناء أنسحب احد الأطباء طالباً من الأمير عبد الإله شقيق الملكة عالية ووالدتها الملكة نفيسة تهدئة الملكة وتذكيرها بأنها والدة طفل وعليها الاهتمام به ورعايته وأن تفكر بصحتها.
وتصف السيدة مديحه السلمان في مذكراتها حالة الملكة عالية بعد مصرع زوجها وما سمعته منها شخصياً،"أنها كانت في حالة من التأثر لاتوصف فقد أذهلتها الصدمة وحزت في قلبها النكبة وكان حزنها العميق وصمتها البليغ من أشد المناظر والصور تأثيراًً في النفوس وتجريحاً للقلوب".
وحول هذا الحادث وما أشيع عنه روت الملكة عالية ما حدث للسيدة مديحة السلمان قائلة"كنت جالسة في القصر فانطفأت الأنوار فجأة فيه واستفسرت عن السبب، فسمعت أحد الخدم الذي تربى في القصر يطلب النجدة ويقول:ألحقونا سيدي الملك مصاب حصل حادث للسيارة، فركضت صوب الحادث فوجدت سيدي الملك ملقى والدم ينزف من رأسه، ووضعت يدي على قلبه فوجدته مازال يخفق، وفي الحال طلبت حضور الأطباء بالسرعة الممكنة،وكنت أطلب من الحاضرين أن يسعفوني بقطن وشاش عسى أن أتمكن من إيقاف النزف أما الذين كانوا من حولي، فالجميع حائر ومرتبك ولا يدري ماذا يعمل، وصرت أمسك بالجرح وأضغط عليه بكل شيء تقع عليه يدي وكان الملك فاقد النطق وكل شيء يدل على أنه فاقد للحياة سوى دقات قلبه ونظراته،
وجاء الدكتور سندرسن والدكتور صائب شوكت فطلبت منهم أن يبذلوا المستحيل لإنقاذه وبدأوا بالكشف عليه وفحصه وظلوا حائرين، وبعد ذلك اسلم الروح وكان أحد الذين رافقوا الملك حياً ومصاباً بكسر في يده، وقال بأن الملك غازي في أثناء عودته من قصر الحارثية إلى قصر الزهور،
أدار محرك السيارة وأنطلق بسرعة كبيرة، فاصطدمت بعمود الكهرباء وأستدارت السيارة حول نفسها ووقفت من شدة الصدمة وكان الباب قد أنفتح على يده ولم يفق من شدة الألم إلا على منظر الملك الذي كان جالساً في مقعد القيادة والعمود على رأسه والدم ينزف منه فأسرع الخادم وأبلغ عن الحادث وعن كل شيء شاهده بعينه".
وجاء في إفادة الملكة"إن زوجها كان يذهب كل مساء إلى قصر الحارثية فيبقى فيه حتى منتصف الليل ثم يعود وينام في الحال وفي تلك الليلة عاد مبكراً على خلاف عادته فما كان يشرع في خلع ملابسه حتى رن جرس الهاتف، وبعد مكالمة قصيرة عاد فلبس ثيابه ليتوجه بسيارته الى قصر الحارثية قائلا أن الشخص الذي كان ينتظره قد حضر الآن وبعد مدة قصيرة جيء به مقتولاً يقولون أن سيارته اصطدمت بالعمود الكهربائي وأصيب بجرح بليغ في رأسه".
وتروي الأميرة بديعة في مذكراتها حادثة مقتل الملك غازي قائلة"كنا مساء ذلك اليوم نجلس في الصالة لمشاهدة أحد الأفلام مع والدتي الملكة نفيسة والملكة عالية والأميرة جليلة، وسمعنا سيارة تدخل القصر، كانت سيارة الملك غازي، وكان إلى جانب الملك الخادم عيد وشخصان يعملان في الإذاعة،وخرجت أختي عالية فشاهدت الملك يصرخ بأعلى صوته بوجه الآخرين نتيجة عطل في الإذاعة، ويشكو للملكة جهلهم وكان مخموراًَ، وبعد دقائق عادت إلينا عالية بعد انطلاق الملك غازي بسيارته وكان الى جانبه الخادم عيد فقط، وبعد قليل سمعنا صوت دوي قوي وبعدها انقطع التيار الكهربائي، فخرجت اختي عالية مسرعة وتبعتها أنا ووالدتي نحو البوابة ثم لحقتنا أختي عبدية وركبنا مع السائق، وعندما وصلنا إلى مكان الحادث وجدنا سيارة الملك وقد أصطدمت بعمود الكهرباء فالتوى ساقطا على جهة السائق، ونقل الملك إلى قصر الحارثية، وبعدها أتصلنا بالسيد نوري السعيد والدكتور سندرسن والدكتور صائب شوكت، لكنهم لم يفعلوا شيئا سوى انهم قاموا بلف رأسه بقطعة قماش حتى لفظ أنفاسه الأخيرة".
أما الأمير عبد الإله فقد تلقى نبأ الوفاة كما روته السيدة عصمت السعيد نقلاً عن زوجته ملك فيضي"في ساعة متأخرة من الليل رن جرس الهاتف فرفعه الأمير عبد الإله فتغيرت ملامح وجهه وهو يصيح بأعلى صوته بأنه ذاهب إلى قصر الزهور فصحت باضطراب: ماذا حدث فأجابني بأنه هناك مصيبة فأصبت بحالة من الذهول وركضت إلى غرفة السيدة نفيسة وبناتها فلم أجد أحداً حيث كن يقضين السهرة في قصر الزهور وسألت الخدم فقالوا بأنه حادث اصطدام قد وقع قرب القصر فأسرعت الى قصر الزهور".
أعلن مجلس الوزراء في صباح يوم الرابع من نيسان 1939بياناً رسمياً عن وفاة الملك غازي و جاء فيه"بمزيد من الحزن والألم ينعى مجلس الوزراء إلى الأمة العراقية انتقال المغفور له سيد شباب البلاد جلالة الملك غازي إلى جوار ربه، على أثر اصطدام السيارة التي كان يقودها بنفسه بالعمود الكهربائي الواقع في منحدر قنطرة النهر بالقرب من قصر الحارثية في الساعة الحادية عشرة والنصف من ليلة أمس، وفي الوقت نفسه يتقدم فيه بالتعازي الخاصة إلى أعضاء العائلة المالكة على هذه الكارثة العظمى التي حلت بالبلاد، ويدعو الله سبحانه وتعالى أن يحفظ للمملكة نجله الأوحد وانالله وأنا له راجعون".
قادة الجيش العراقي يحملون نعش جلالة الملك غازي
نقل الملك من قصر الزهور إلى البلاط الملكي وشيعت جنازته في أحتفال مهيب بتوجيه من السيد تحسين قدري رئيس التشريفات الملكية، ثم نقل الى المقبرة الملكية في الأعظمية في الساعة الثامنة صباحاً،حيث دفن الى جانب والده الملك فيصل الأول، وكان الطريق محاطاً من الجانبين بآلاف من الناس وهم مذهولون من هول المفاجأة ثم خرج الشعب برمته الى الشارع معلنين اتهامهم البريطانيين ونوري السعيد بقتله.
ويصف القائم بأعمال السفيرالبريطاني(هوستن بازويلBaswall Mr.Houston) مراسيم التشييع في بغداد"كانت الساحات والطرقات الرئيسة للمدينة مزدحمة بالمعزين يندبون ويضربون على صدورهم وينفشون شعورهم مبدين غيظهم وحزنهم مرددين الخطابات الحماسية والأشعار، لازم تدفع دمه لغازي نوري نوري،وكنت مرافقا للكابتن هولت قائد القوة الجوية،وكان يحيطنا صفان من الضباط، وكان بعض المشيعين ينظرون الينا بصمت والدمع ينهمر من العيون وكان بينهم نساء قد أسلمن أنفسهن للحزن الهستيري يمزقن أثوابهن ويغطين رؤوسهن بالطين من السواقي".
لم يكد خبرمقتل الملك غازي يصل الى أسماع الشعب حتى هبت الجماهير الغاضبة في مظاهرات صاخبة أتجهت نحو السفارة البريطانية وهاتفة ومنددة بالأمبريالية البريطانية وعميلها نوري السعيد وأمتدت المظاهرات الغاضبة الى سائر مدن العراق من أقصاه الى أقصاه، ووزعت الجماهير منشورات التي تقول أن الملك غازي لم يصطدم بالسيارة كما تدعي حكومة نوري السعيد وإنما قتل بعملية إغتيال دبرتها بريطانيا وعملاؤها، ولذلك خرج نوري السعيد مسرعاً بعد إتمام مراسيم دفن الملك غازي في المقبرة الملكية، مستقلاً زورقاً بخارياً من المقبرة الى داره في الكرخ، وكان رد فعل الجماهير الشعبية في الموصل شديداً جدا، حيث خرجت في مظاهرات ضخمة توجهت نحو القنصلية البريطانية وهاجمتها وقتلت القنصل البريطاني (مونك ماسونMonck Mason )
وقام نوري السعيد بنشرأعداد كثيفة من الشرطة لقمع المظاهرات، وأعلنت الأحكام العرفية في الموصل واعتقلوا الكثير من الشباب الذين كانوا يوزعون المناشير، وأحيل المتهمون بقتل القنصل الى المحاكم العسكرية.
أعلنت الحكومة الحداد الرسمي أربعين يوماً،وفتحت الملكة عالية أبواب قصر الزهورلاستقبال المعزيات من طبقات الشعب كافة، وحددت موعد استقبال المعزيات من السيدات العراقيات وعقيلات الوزراء وعقيلات الموظفين الأجانب يومين في الأسبوع من الساعة العاشرة حتى الساعة الثانية عشرة أما عقيلات رجال الهيئات الدبلوماسية فكانت تستقبلهن من الساعة الرابعة عصراً الى الساعة الخامسة، أما نساء القصرالاخريات فقد خصصت لهن في القصر الملكي ثلاث قاعات لأستقبال وفود من نساء العراق القادمات من مختلف أنحاء البلاد فكانت القاعة الأولى للملكة عالية والثانية للأميرة ملك فيضي والثالثة للملكة نفيسة وتمر المعزيات بهذه القاعات الثلاث ثم يتناولن الطعام الذي أعد لهن في القصر.
وتشكلت لجان من النساء لاستقبال هذه الوفود وكانت من بينهن السيدة عصمت السعيد التي ذكرت"كنت من بين مستقبلات وفود الطبقة العاملة في القصر، وكانت نساء العراق بوجه عام يرغبن في إظهار مشاعرهن لأرملة الملك الشاب الراحل وكانت وفود من الطبقات الفقيرة تأتي سيرا على الاقدام من قلب بغداد الى القصر الملكي الذي يبعد عن قلب المدينة ما يوازي أربعة كيلو مترات ولمدة ثلاثة أيام متوالية وكنا نطلب من المعزيات عدم الصياح والعويل والعمل بالأصول الإسلامية احتراماً لأهل البيت والاكتفاء بقراءة الفاتحة، وكانت الملكة عالية مرهقة وافراد أسرتها، لكنها حافظت على وقارها وكانت تحني رأسها بكياسة عند مرور الوفود من أمامها".
وقد وردت برقيات التعازي الى الملكة عالية من زوجات الملوك من الدول الصديقة حيث وردت برقية من ملكة إيران ومن الملكة لئوبولد ملكة بلجيكا ومن مصر أرسلت الملكة فريدة زوجة الملك فاروق برقية تعزية ايضاً وقد كانت تربطهن بالملكة علاقات صداقة وثيقة.
تناقضت الروايات حول مصرع الملك غازي أهي حادث أم ان هناك مؤامرة وراء موته، فقد ذكر عبد الوهاب عبد اللطيف المرافق الأقدم في القصر الملكي"كنت نائما في بيتي عندما استدعيت هاتفيا من المرافق الخفر في قصر الزهور وبعد وصولي عرفت من الملكة عالية أن الملك بانتظار آلة لتصليح خلل في الإذاعة وبعد أن اخبر بواسطة التلفون بوصول الشخص الذي يحمل تلك الآلة غادر إلى قصر الحارثية، وبعدها سمعوا بوقوع الحادث".
أما الدكتور صائب شوكت فكان من بين الأطباء الذين استدعوا لفحص الملك فقد ذكر قائلا"حين وصلت إلى قصر الحارثية ورأيت الملكة عالية والأمير عبد الأله وبعض الوزراء وافراد الأسرة المالكة وعدداً من المرافقين والخدم بدأت بفحص الملك الذي كان فاقد الوعي وإذا بيدي تغور في مؤخرة رأسه وعندما سئلت عن رأيي أخبرتهم بأن الملك مضروب بهيم من الخلف أدى إلى كسر في الجمجمة وتمزق في المخ وأنه سوف لا يعيش أكثر من دقائق معدودة، وقد أخبرتني الملكة عالية بأنها لاتعرف أكثر من أن صباح نوري السعيد طلبه في الهاتف فترك قصر الزهور متوجها إلى قصر الحارثية".
أما السيد ناجي شوكت فقد بين في مذكراته بأن الملك أصطدم بعمود الكهرباء نتيجة السرعة الجنونية وحالة الانفعال والاضطراب التي كان يعيشها عند قيادته السيارة في تلك الليلة وهذا يأتي مناقضاً لما ذكره عبد الرزاق الحسني إذ يقول بان السيد ناجي شوكت لازال يعتقد بأن نوري السعيد والأمير عبد الإله لهم إسهام فعلي في فاجعة الملك غازي.
يعد مصرع الملك غازي من أكثر وقائع تاريخ العراق المعاصر غموضاً وإثارة حتى يومنا هذا، وفي ظل غياب الدليل المادي القاطع للواقعة تبقى القضية تثير تساؤلاً تقليدياً فيما إذا كانت الحادثة مدبرة أو وليدة القضاء والقدر، وأن كان هناك إجماع من الرأي العام على توجيه الاتهام إلى بريطانيا ونوري السعيد بالاشتراك مع إبن عم الملك الأمير عبد الإله فإن الذي بقي يحتاج إلى إماطة اللثام عنه هو هل أن زوجة الملك بالفعل اسهمت في عملية التخلص من زوجها كما ذكر توفيق السويدي.
ويذكر عبد الحق العزاوي الذي كان يعمل ضابطاً في الحرس الملكي يوم مقتل الملك بأنه سمع الملكة عالية طلبت طرد الدكتور سندرسن باشا من القصر، الذي كان يشرف على علاج الملك وهو في حالة إغماء قائلة"ما كفاه انه قتل أباه حتى جاء ليقتل الولد".
كانت الملكة مدركة المؤامرات التي تحاك ضد زوجها ويظهر ذلك عن طريق تأكيدها المستمر على المرافقين له بأن يلازموه ويحيطوه بحماية كاملة وحول هذاالامر يروي المحامي هشام الدباغ الذي حكم عليه بالإعدام لقيادته المظاهرات الجماهيرية في الموصل أبان مقتل الملك غازي التي توجهت إلى القنصلية البريطانية وقتل فيها القنصل البريطاني وكان للملكة اثر كبير في أبدال حكم الإعدام الصادر بحقه إلى الأشغال الشاقة وكانت تقدم له المساعدة طوال مدة وجوده في السجن كما كانت تستضيفه بين الحين والأخر بعد خروجه من السجن، وقد ذكر عن إحدى لقاءاته بالملكة عالية في قصر الرحاب قبل وفاتها بأنها قالت له بأن الإنكليز هم وراء مقتل الملك وان اليد التي نفذت ذلك هي يد أحد الآثوريين وأن شقيقها قد علم بعد إتمام الاغتيال ولكنه بناء على نصيحة نوري السعيد قد أسدل الستار عن ذلك.
وبعد وفاة الملك غازي فضلت الملكة عالية إبقاء المرافقين المخلصين والمقربين للملك لمرافقة أبنه الملك فيصل الثاني ويشير محمد حسين الزبيدي بأن المرافق سامي عبد القادر قد أخبره، بأنه بعد مقتل الملك غازي بقي مرافقاً للملك فيصل مدة طويلة وفي أحد الأيام طلب منه الوصي عبد الإله بأن يرافقه إلى قصر الزهور وفي اثناء لقائه بالملكة عالية طلبت من الأمير عبد الإله أبقاء سامي عبد القادر مرافقاً للملك فيصل الثاني قائلة له"أن سيدي الملك غازي أمرني بأن سامي هو الذي يربي الملك فيصل"لكن عبد الإله لم يجبها وبعد مدة نقله إلى البصرة.
وبعد مقتل الملك غازي بدأت الأحداث والتطورات السياسية تتفاقم وظهر دور الملكة عالية السياسي عن طريق إسناد الوصاية إلى شقيقها، حرصاً منها على ضمان بقاء العرش لكن اختيارها كان السبب في كثير من الاضطرابات السياسية، فأشتد العداء للأسرة المالكة، فقد جاء في مذكرات محمد مهدي كبة"كان عهد وصايته عهد شؤم ونحس على البلاد وأبنائها وعلى الملك القاصر".
المصدر: المدى/ نهلة نعيم عبدالعالي
عن رسالة (سيدات العائلة المالكة ودورهن)
1413 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع