كاترين الأولى.... الخادمة التي أصبحت امبراطورة
عندما يقلّب التاريخ صفحاته ويقف أمام هذه الإمبراطورة يصيبه الدهشة فهي فتاة صعدت لأكبر إمبراطورية في ذلك الزمان بعد أن أوقعت الحاكم بشباك غرامها رغم أنها لم تكن بشيء من الجمال كما يؤكد معاصريها من رجال البلاط الروسي ، إنها كاترين الأولى اسمها الحقيقي مارتا أما لقب كاترين الأولى فقد منحها إياه بطرس الأكبر، احتار التاريخ في نسبها وجذورها الأصلية، فلا يوجد ما يؤكد على تاريخ ميلادها أو مسقط رأسها، ورغم ذلك ذكر بعض الباحثون أنها ولدت في قرية من قرىأسوج أو بولندا تقريباً 1685 من أبوين فقيرين، لها إخوة وأخوات عرفوا بلقب سكوفرونسكي..
عندما بلغت سن السابعة عشرة عملت خادمة للقس كلوك راعي كنيسة مارنبرج تهتم بواجباتها كخادمة تجاه أسرته .في تلك الفترة حاصرت الجيوش الروسية مدينة مارنبرج، فخُيّر الأهالي بين الموت داخل المدينة أو الموت بين الأعداء فقرر القس وأسرته وخادمته مارتا " (كاترين )الفرار ،فخرجوا من المدينة متوجهين لمعسكرالروس يطلبون الرحمة وهناك أعجب القائد بمارتا فاستبقاها عنده وأرسل القس وأسرته إلى موسكو.. فاستطاعت مارتا كاترين كسب مودة الضباط ورجال الجيش وكانوا يتسابقون في الاستماع لحديثها الشائق، وكانت تحاول بألا تثير الغيرة بينهم بأن تراضيهم جميعاً ، فسرق قلبها أحدهم فهام بها عشقاً ولكنه بعد ذلك هجرها فكتمت أشجانها ولوعتها داخل قلبها . انتقلت "مارتا بعد ذلك لخدمة منشيكوف صديق الإمبراطور المقرب منه باعتبارها وصيفة له ، فأحبها وصار يلازمها ولا يستغني عنها حتى أنه سافر مرة مضطراً الى مدينة ويتسبك لمهمة سياسية فشعر بالشوق إليها فأرسل إليها رسالة يستقدمها لجواره فلازمته حتى انتهاء مهمته .
وفي موسكو زاره الإمبراطور بطرس الأكبر فاندهش لحسن تنظيم وترتيب منزله فسأله عن سر ذلك ، فلم يتفوه الوزير بكلمة واكتفى بإزالة الستار وكانت مارتا ورائه وهي تنظف وتمسح الزجاج ، وهناك تعرّف الإمبراطور عليها، وحار المؤرخون في ذلك لأنها لم تكن بشيء من الجمال، ولكنها بأخلاقها وبملامحها البسيطة كسبت حبه، استطاع الإمبراطور بعدها أخذها من منزل الوزير معه إلى البلاط واظهر حبه لها وأغدق عليها الهدايا ، ويقال أنه في إحدى المرات جاء إليها بالكثير من الحلي والجواهر وكانت وقتها نائمة فلما استيقظت قالت له بلهجة عتاب وهل تحتاج أن ترشوني لتنال حبي يا مولاي فأعجبه كلامها وازدادت مكانتها في عينيه، نالت مكانة رفيعة في البلاط نتيجة أخلاقها ووجها المشرق الصبوح، وما يميزها أنها صريحة في القول والفعل لا تتصنع ذلك، أحبها الجميع ولم يكن لها أعداء داخل أو خارج البلاط لحسن معشرها وخلقها ، حتى حسدتها على ذلك الأميرات والملكات رغم ملامحها البسيطة،
حتى أن صورها وضعت داخل قصور ملوك الروس على هيئات مختلفة. ساهمت كثيراً في إبداء نصائح جوهرية ثمينة لبطرس الأكبر لإدارة المملكة وقد صرح بعض المؤرخين أن الإمبراطور بطرس الأكبر تزوجها سراً ودليل ذلك أنه في عام 1708 خرج الإمبراطور من موسكو لينضم إلى جيشه فكتب وصيته بخط يده قبل ذهابه تقول إذا شاء الله أن أموت قبل أن أعود إلى عاصمة مملكتي فإنني أوصي لكاترين وابنتها بثلاثة آلاف روبل.
ومن هنا نستدل أن كاترين قد ولدت له أولاداً رغم أن زواجهما لم يكن رسمياً ، لذا قرر الإمبراطور بعد عودته لموسكو أن يتزوجها رسمياً وتم ذلك عام1712 فشهد البلاط الروسي أفخم الحفلات. أحب الجميع كاترين وتسرب ذلك الحب والاحترام والود لها إلى الجيش من صغار وكبار القواد فكانت ابتسامتها لا تفارقها وكانت تساند الجيش في ساحة المعركة بأن تمتطي جوادها صامدة مبتسمة أمام الجيش المقاتل والقنابل تتساقط أمامها والقلى من جميع الجهات.
وبعد أن بلغت كاترين تلك المنزلة استقدمت أهلها الفقراء فقد كان أحد إخوتها فلاحاً وآخر اسكافياً وثالث منهم سائقاً والرابع خادماً فأغدق عليهم الإمبراطور الهدايا وخصص لهم مرتباً سنوياً يتقاضونه وأولادهم من بعدهم.
وقد شهد الجميع بأنها كانت متواضعة لم يكن الغرور من صفاتها ، فقد كانت دائماً تفخر بأنها كانت وصيفة عند الوزير تغسل ثيابه فيضحك الإمبراطور لكلامها الذي كانت تطلقه من القلب.ومن شدة غرام الإمبراطور بكاترين كان يتبادل معها الرسائل الغرامية ويقال أنها لو جمعت ستضم مجلدات ضخمة فإذا ما فارقها أسبوع كان يراسلها يوماً بيوم ويخاطبها بـ"حبيبتي" و"حبة فؤادي" و"ملاكي"، ويجري الزمن بسرعة ليهدي كاترين أعظم هدية فقد حكم الإمبراطور بطرس على ولي عهده الكسيس بالموت لأسباب تتعلق بالسياسة وأعفي عنه بعد ذلك ولكن ولي العهد مات بالسجن مذبوحاً، فاتخذ بطرس الأكبر خطوة جريئة بتعيين ابن كاترين الوارث للعرش، وبقيت كاترين تنتظر بلهفة تتويجها كإمبراطورة وتم بالفعل ذلك في شهر مايو عام 1729م وتمضي السنون وتعصف بوجه كاترين حتى كادت تسقط مجدها للأسفل ، فقد كانت كاترين محاطة دائماً برجال البلاط الذين كانوا يتوددون إليها فعشقت أحدهم ويدعى وليم موس أخ الآنسة مونس المقربة من الإمبراطور ، فساد خبر العشاق في البلاط وخشي الجميع من تسريب الخبر للإمبراطور ولكن الإمبراطور عرف بذلك بعد أن باغتهما ذات ليلة يسيران معاً في حديقة القصر تحت ضوء القمر وقد احتضن أحدهما الآخر.
وفي نفس الليلة أمر الإمبراطور بالقبض على مونس ، فجيء به للإمبراطور فاعترف بكل ما نسب إليه فأمر الإمبراطور بقتله ويقال أنه عندما قُتل كانت كاترين ترقص في إحدى حفلات البلاط على وقع الآلات الموسيقية وعلى ثغرها ابتسامة تخفي حزناً عميقاً. وظل الإمبراطور غاضباً على كاترين فترة من الزمن حتى رق قلبه لها فتعاطف معها، فعاد يغدق أمواله عليها إلى أن وافته المنية وهو ما يزال مخلصاً في حبه لها، ولكن كاترين لم تحفظ الأمانة فأخذت تلهو بأموال القصر بإقامة الحفلات تاركة إدارة المملكة بين يدي منشيكوف إلى أن أدركتها المنية بعد أن حكمت المملكة بسنة وأربعة أشهر.
471 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع