أيام زمان الجزء...٤٢ النقارون والبيوت الموصلية / ٢
أشتهر النقار الموصلي المسيحي، بقص الحلان والمرمر وحفر ونقش المنحوتات، وهم المشاركين في البناء، وخير دليل على ذلك كنائس ومساجد ومحلات الموصل وسهل نينوى، وتميّزت العِمارة في الموصل عن مِثيلاتها في العراق بِخصائص منحتها لونٌ خاصٍ، ويظهر الإبداع في البناء في الموصل القديمة، على الرَغم من بَساطة المواد المُستعملّة في البناء آنذاك، ويبدو واضِحاً إبداع النقارون والبناؤون والنقاشون والخزافون في إظهار جمالية لِلبِناء. وقد قتل العشرات من النقارين بسبب سقوط قطع المرمر عليهم أثناء العمل، أو بسبب انهيار جرف المقطع عليهم أ ي جزء من المقلع.
صنعة اقتلاع المرمر الأزرق من المقالع، وقطع المرمر الأبيض (الحلان)، من المقالع الجبلية ونحت هذا المرمر ونقشه، وصنعه تفردت بها مدينة الموصل من غيرها من المدن العراقية، منذ مئات السنين لوجود المرمر الأزرق في ضواحيها بوفرة، ولقرب بعض الجبال التي يقتلع منها المرمر الأبيض كجبل مقلوب، وجبل بعشيقة وجبل باعذرا.
بُني البيت الموصلي القديم على عوامل عديدة أخذت بِالحسبان، مِنها مناخية واجتماعية واقتصادية أيضا، فَجُدران البيوت القديمة تكون مبنيةً من الحجر والجص والنورة، وتزين واجهاتها بالمرمر الأزرق (الفرش)، لمنع تآكلها ولبرودتها في موسم الصيف، أما سقوف الغرف فكانت مستوحاة من العمارة العراقية القديمة، كاستخدام القباب والأقبية والأقواس ولها عدة أغراض، فهي تُخفف الحرارة المتسربة داخل المباني، بسبب الفراغات الداخلية الكبيرة، أي الفراغ الواقع بين القوس والسطح، وتسمح لِلهواء بحرية الحركة ضمن الفراغ الكبير لِلمباني، مما يلطف الجو الحار في فصل الصيف، وكانت تُبنى من الجرار الفارغة لِتخفيف وزن السقف ولِتأمين العزل الحراري، ومن الملاحظات المُهمة على الأبنية الموصلية القديمة، خُلوها من الشبابيك المطلة على الطرق والشوارع لِمنع النظر إلى داخل البيت.
تظهر الجمالية في البيت الموصلي من الباب الخارجي، التي يبدو فيها إبداع النقار الموصلي في الزخارف على الرخام، بِأشكال هندسية ونباتية وحيوانية أيضاً، والباب يتم النقش عليه أيضاً ويُدق عليه مسامير برؤوس مدورة بِأشكال جمالية، أما الغُرف الداخلية فَتُزين القمريات فيها بِقطع رُخامية مُخرمة وفيها زُجاج ملون تعكس ألوان جميلة كما يتم النقش على الرخام المستعمل ببناء الجدران.
وأجمل ما يشاهده الزائر لبيوت الموصل القديمة، بيوت فيها الرخام الأزرق البديع، الذي المستخرج من المقالع القريبة من المدينة، ويتفنن النقار لنقش أقواس الأبواب والشبابيك، فجميع النقارون القدماء يتقنون في عملهم، وللتدليل على مهارة النقار الموصلي القديم على سبيل المثال، تلك الأيونات القديمة التي زينت أقواسها بزناجيل من المرمر الغليظ، وزنجيل الإيوان يتكون من عدة قطع، في كل قطعة أكثر من عشر حلقات مدورة، وكانت القطعة تحفر من قطعة مرمر واحدة بخلدها، بمثقب ونحتها وصقلها بأدوات في نهاية البساطة. وكان طول كل زنجيل بطول حنيتين (عوجتين) من حنايا (المنطقة)، وتثبت نهايات الزناجيل بين الحنيات فتظهر وكأنها زنجيل واحد معلق ب (المنطقة) من عدة أماكن.
تختلف البيوت الموصلية باختلاف الحالة المادية لساكنيها، فَتتفاوت من حيثُ المساحة والبناء، وكذلك تتفاوت بيوت أصحاب الدخل المحدود، والأسياد والباشوات والأُسر الغنية والمتصرفين، ولكنها تشترك بِأقسام البيت حيثُ يقسم البيت الموصلي إلى عدة أجزاء:
الإيوان هو فراغ كبير بين غرفتين ويكون مفتوحاً على الحوش، وعلى شكل تجويف ويكون ارتفاع سقفه أكثر من ستة أمتار، ويُستخدم للجلوس ومكان للتجمع وهو من لوازم الدار في الموصل، ويكون مُبطن بالمرمر تُشرف عليه الأبواب والشبابيك العائدة للغرف المقامة، وللإيوان دور مهم في البيت الموصلي إذ يوضع فيه ديوان من الخشب، ويكون فيه الجلوس فيه بداية الربيع والصيف، أما أرضيته تكون عادة من الجص أو السمنت وتطورت فيما بعد أخذت تصف الأواوين بالكاشي المزخرف.
أما الحوش وهو الفناء أو الباحة، التي تُحيط بِه بقية أجزاء البيت من منافذ على الفناء (الحوش)، أو غُرف في بداية الدخول إلى البيت، وهو فناء البيت ويكون غير مُسقف ويتوسطه حديقة صغيرة تُسمى البستان، ولا تتسع هذه البستان أكثر من شجرة أو شجرتين، تكون شجرة عنب أو شجرة زيتون لتلطيف الجو، وتحت الحوش يكون السرداب، أما الغرف التي تقع على جانب الإيوان، هُناك غرفة أو غُرفتان تطل عادة شبابيكها على الحوش أو على الإيوان، حتى تستقبل الغرف الإضاءة أولاً، والسيطرة على الحوش ثانياً ، لِكونه مسرح العائلة وتختلف الغُرف واحدةً عن الأُخرى فهُناك غرف صغيرة بحسب مساحة الدار، وقسم مِنها تبرز في حيطانها عمق تُسمى (قبالي) وهذا العمق يوضع له رفوف وأبواب مُزججة، تُخزن فيها حاجات البيت ويكون سقف الغرفة مبني من الآجر والجص وتُسمى بالعقدة، وتطور بعد ذلك البناء وتم استخدام حديد الشلمان أما أرضية الغرفة فتُبنى عادة إما من الجص الأملس أو يصف بالمرمر. يلحق المنزل غرفة المونة وتُبنى بِجوار المطبخ عندما يكون البيت صـغيراً ولا يتوفر فيه سرداب.
وهناك عدة أنواع من الاخشيم في البيت الموصلي، وهي عبارةٌ عن فراغٍ يُترك بين الغرف ويكون ضيقاً ومُغلفاً وله فتحتان: الأولى في السطح والثانية في الحـوش ويُستخدم لِحفظ مواد مُختلفة مِثل الحنطة أو وقود التنور. وفي كل بيت قديم موصلي الرهرة، التي تختلف عن السرداب وتتصف بِالعمق القليل، وتكون أكثر الأحيان مبلطة بالمرمر، والرهرة تقع تحت أحد الأجنحة في البيت، وهناك ما يُسمى (بالزنبور) الذي يرتبط بمجرى أو تجويف أسطواني أو مكعب، بين الرهرة والسطح وتستخدم عادة كَتيار هواء، يُستفاد منه في فترة الصيف أو لِتبريد الماء، بواسطة الإناء الفخاري، والرهرة أحياناً تُستخدم في الشتاء في حالة عدم اتساع البيت لِسُكانه، كَغُرفة جلوس بعد أن توضع فيها الزوالي ومناضد الفحم التي تُستخدم لتدفئة الرهرة وعمل الشاي والقهوة.
أما السرداب وهو مُشابه للرهرة، ويكون أعمـق ويقع عادةً تحت حوش البيت أو على جوانبه، فإذا كان تحت حوش البيت تكون الإضاءة والتهوية فوق سطح الحوش، وتشكل بحدود أربع شبابيك أو اثنين حسب مساحة الحوش. وهناك إضاءة وتهوية جانبية تكون على جانب من البيت مُطلة قليلاً بارتفاع عن الحوش، وتكون إما مُستطيلة أو نصف دائرة وفيها نقوش من الحديد للحماية، ويكون السرداب عادةً عميقاً وقسم من السراديب مصفوفة جدارها وأرضيتها بالمرمر والقسم الأخر بالجص، ويمكن الدخول إليه بواسطة درج خاص به، ويُستخدم السرداب عادةً لعدة أغراض منه لِخزن الحبوب والمواد الغذائية، وهُناك بعض السراديب تُستخدم لِتربية الحيوانات أو لمزاولة بعض الحرف فهو دافئ شتاءً ومُعتدل صيفاً ومُكيف لظروف المناخ.
والسرداب المُعتم هو أعمق من السرداب ويكون امتداد له، يقع في طرفه ويكون رطباً وبارداً في الصيف ويستخدم كَمخزن أيضاً المواد الغذائية وشعـلة التنور، وهناك ملحقات أُخرى في البيت الموصلي مثل الخزانة التي تُلحق بِالغرف من داخلها ويكون سقفها مُنخفضاً. والعليا تنطلق من الخزانة درج إلى أعلى وتُسمى العليا. ومكان الوقود ويكون مكانه في موقع مناسب في البيت، وعلى الأخص في سطح الدار تُبنى تلك المكان للتنور لِعمل الخبز، وهناك مكان آخر يُختار تحت الدرج أو في زاوية الحوش أو قرب القنطرة مكان (الاتفية).
أما الزخرفة في معظم البيوت الموصلية، مثبتة ومؤطره بالمرمر أو الجص المنسق وهناك أنواع من الزخارف منها: الزخرفة الهندسية، وتشغل مساحة من البيت الموصلي خطوطها المنسجمة، مع أُطر وحافات العناصر المعمارية المختلفة، وتغلب عليها الوحدات المكونة من الأشكال الهندسية المتداولة، كَالمُربع والدائرة والمثلث والأشكال
النجمية، والزخرفة النباتية وتكثر في الأشرطة وداخل الساحات التي تحضرها الزخرفة الهندسية، وترسم فيها الثمار وزهرة الربيع (البيبون) وأوراق العنب والتين، والزخرفة المجردة: يكون استخدمها محدود إلا في بعض الأشرطة والزوايا والأطراف. والزخرفة الكتابية: تُستخدم على شكل أشرطة وتكون نصوصها محدودة على شكل لوحات أو آيات قرآنية، أما الحيوانية فَتُرسم وجوه الأسود والنمور وعادة توضع على واجهات الدار. وتظهر الجمالية في البيت الموصلي من الباب الخارجي، التي يبدو فيها إبداع النقار الموصلي في الزخارف على الرخام، بِأشكال هندسية ونباتية وحيوانية، أيضاً والباب يتم النقش عليه أيضاً، ويُدق عليه مسامير برؤوس مدورة بِأشكال جمالية، أما الغُرف الداخلية فَتُزين القمريات فيها بِقطع رُخامية مُخرمة وفيها زُجاج ملون تعكس ألوان جميلة. ويذكر أن أحد النقارين واسمه سليمان ادمو، كان قد نحت زنجيل من المرمر طوله ذراع واحد من قطعة واحدة من المرمر الأزرق، قطر كل حلقة من حلقاته سنتمتر واحد. ويقال انه قد أهداه للسلطان عبد الحميد.
ومن النقارين أصحاب المقالع الأخوة بطرس ويوسف وعبّو (عبد الله) ومتي من عائلة النقّار، وكُنيتها السابقة عائلة " أبو لحي". وولدي متي النقّار جمال وغانم النقّار (أبو لحي)، وكان غانم النقّار قد شاركه في العمل نايف هندوش وفضيل عبّو السمعان ونوغي وكان للشركاء الأربعة مقلع في باب سنجار، مجاور لمقبرة الإنكليز وبمساحة 47 دونم استخدمه الإنكليز بعد ذلك كمستشفى، وبجانب هذا المقلع كان هنالك مقلع آخر لأغوات باب البيض. ويملك أيضاً النقّار إبراهيم عبد الأحد (المكنى بابن أمينة) وأولاده سعيد وفضيل ولطيف مقلع مسطّح باب سنجار، ولإبراهيم عبد الأحد أخ نقّار أيضاً اسمه يعكوب عبد الأحد (والمكنى بابن أمينة أيضاً).
كذلك من النقارين المعروفين فتوحي عجعوج، وولديه غانم وبهنام عجعوج، والنقار يوسف كبّي وولده أدور، وكان يوسف فناناً يحفر الرسوم والصور وكذلك يخط على المرمر. ومن النقارين المعروفين بمهارتهم يوسف توما المختار، ونجيب كلـّو، وحازم كلـّو، ونعيم كلـّو، وفتوحي كلـّو، ونوئيل حودي، ونايف بطي وتوما عباصة، ونافع صلوحة وفضيل عبو السمعان والأخوة حازم وكامل عطو، والأخوة فرج وكامل صوفيا، وخضر الاكزير.
و صبيح شعو، و الأخوة حكمت رحيمو وسعيد الذي امتلك معملا للحلان، وتوما كيوتا وأولاده سمير و نجيب و أبلحد سموعي والأخوة حميد وأدور السبع و الأخوة رزوقي ونجيب عزوز وكان لهما معامل حلان، وقد امتلك نوزت ابن رزوقي معملا للحلان أما معمل حلان النعمان فكان لصلاح رزوقي ، و عامر نجيب عزوز انشأ معملا كبيرا واصبح ذات شهرة في هذه المهنة ، وكذلك النقارين متي رفو و متي صاموئيل و عزيز منوسة ، ومن أصحاب معامل الحلان الإخوة ( عامر ، وفوزي ، وموفق حودي )، واسم معملهم حلان الثقة . ومعمل أولاد عفاصة يديره أياد عفاصة باسم معمل الشهامة، وكان لأياد معمل الزقورة، وكذلك معمل فتوحي، ومعمل حلان غرناطة لفارس وغيرها من معامل الحلان للمسيحيين.
المصدر:
بطرس بهنام، صنعة نحت المرمر في الموصل، مجلة التراث الشعبي، بغداد
أسحق عيسكو، صناعة الرخام في الموصل، مجلة التراث الشعبي
أزهر العبيدي
ويكيبديا
للراغبين الأطلاع على الجزء السابق:
https://www.algardenia.com/mochtaratt/59253-2023-06-30-17-17-45.html#google_vignette
736 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع