أيام زمان.. الجزء... ٣٢- بيت الشعر
مسكن (مأوى) البدو في الصحراء يسمى بيت الشّعر، واحدة من أهم مفردات الحياة البدوية القديمة والحديثة، ويعتبر بيت الشعر رمز من رموز الأصالة البدوية العريقة، وتراث قديم يفتخر به سكان الصحراء، والخيمة التقليدية في الصحراء رمز من رموز التراث، الذي ميَّز البدو الرحل وسكان الصحراء، وحدد خصوصيتهم، حيث يمثل بيتهم الثابت والمتنقل حسب الحاجة، والظروف التي يحددها المرعى والمشرب والأمن، لذا فبيت الشعر هو الوسيلة الوحيدة التي تتوافر للناس الذين يعيشون حياتهم في الترحال، فهو سهل لعملية التنقل، ويمكن طيه ونقله بسهولة، كما أنه قابل للصمود أمام هزات الطريق، ويلائم ظروف المناخ الصحراوي صيفاً وشتاءً، كما أن المواد الأولية التي يُصنع منها متاحة.
يمثل بيت الشعر تجسيدًا للعلاقات الاجتماعية والروابط الأسرية، فبيت الشخص يعني أسرته إذ يقال "تخيم الشخص" أي تزوج وصار رب بيت، ويعتبر من أهم الوسائل التي صنعها البدو لأنفسهم، بطريقة تقنية وتقليدية، تتميز بمقاومتها وتحملها لظروف البيئة الصحراوية المتقلبة، وخفتها في عملية التنقل وسهولة صيانتها، ويسمى بيت الشعر لأنه منسوج من شعر الماعز السوداء، ويضاف معه أصواف الأغنام ووبر الجمال، حيث الإنسان الذي يعيش حياة البادية والترحال لا يستطيع أن يقيم لنفسه مسكناً دائما، و تكون البيوت مصنوعة من شعر الماعز (الشقاق)، ففي المطر تتضخم خيوط الشعر فتمنع مرور الماء إلى البيت، وعند إشعال النار داخل بيت الشعر ، فإن الدخان يصعد عن طريق الفتحات الموجودة في السقف.
يتمتع بيت الشعر البدوي بحماية خاصة في العرف البدوي، فهو محمى من جميع الجهات، ومداه 40 خطوة تعتبر حرما للبيت، لا يجوز الاقتراب منها إلا بإذن صاحبه، ويؤمن البيت البدوي كل من يدخل فيه أو دخل حرمه حتى لو كان هذا الداخل من أعداء أصحاب البيت، وفى جميع الأحوال والأزمنة لا يجوز إتيان البيت من ظهره، وإلا عد ذلك من قبيل التحريم الذي يهدر الكرامة، ولا يمكن لبيت شعر أصيل أن يخلو من مواد التزيينين الضرورية التي توضع داخل البيت من أجل تجميله، وعادة ما تصنعها النسوة البدويات بإتقان، من مثل (الشوح، والجواعد، وفرش الزل، والحنابل القديمة، وحجاب البيت الذي توضع عليه البنادق والمحازم في الواجهة حتى يكتسب منظراً بهياً). (الجواعد تعني جلود الأغنام تفرش على الأرض. والحنابل تعني البسط أو الكليم).
هنالك قوانين معينة يعتمدها البدو عندما يختارون موقع بيت الشعر في المواسم المختلفة، ويتم ذلك من خلال انتقاله لمناطق ذات طبوغرافية ملائمة، في فصل الشتاء يُنصب بيت الشعر في المنحدرات الشرقية وليس بعيدا عن شفا وادٍ قريب، وذلك لحماية البيت من الرياح الشديدة التي قد تسقط البيت أحيانا، كما أن البدو اختاروا نصب خيامهم مرتفعة عن مجرى الوادي، كي لا يتم جرف الخيمة ومحتوياتها في مياه الفيضانات، التي تضرب تلك المناطق في فصل الشتاء. في فصل الصيف تُبنى الخيام بشكل متناثر في مناطق مستوية ومرتفعة، حيث الحاجة إلى عدم التزاحم والتراص وكذلك من أجل الاستمتاع بالرياح اللطيفة.
والمضرب مجموعة من الخيام، وينصاع البدوي الذي يقيم خيمته في المضارب الجماعية لأوامر شيخ القبيلة، الذي يقرر أين يقيم كل واحد خيمته، كما ويصمم شكل وطريقة انتشار الخيام (المضرب) وذلك وفق اعتبارات اقتصادية واجتماعية، والمضرب الشائع هو مضرب " الدوار" أي الدائري، وهو يضم عشرات الخيام تسكنها عائلات تتبع لقبيلة واحدة، وفي مركز المضرب توجد خيمة شيخ القبيلة.
هنالك بعض السمات التي يتسم بها بيت الشعر بشكل عام، فالواجهة الأمامية للخيمة عادة ما تتجه نحو الشرق رغم أن البدو يمكن لهم أحيانا أن يغيروا اتجاه الخيمة للاتجاه المعاكس في الشتاء بحسب زاوية الشمس، كما يقوم البدو في الشتاء بحفر خندق (الوني) حول بيت الشعر كي يمنع الماء من الدخول إلى البيت، ويقسم بيت الشعر لقسمين: واحد على اليمين وهو قسم للرجال فقط، ويسمى المقعد والثاني على اليسار للنساء والأطفال ويسمى المحرم، ويعتبر قسم الرجال “الواجهة العامة” للخيمة، وفيها يستقبل الرجال الضيوف، وأهم مقعد في القبيلة هو مقعد شيخ القبيلة حيث يتوجه الضيوف الذين يقصدون القبيلة، وفيه تقام اللقاءات والاجتماعات التي تضم جميع رجال القبيلة. أما قسم النساء فيتوارى عن أعين العامة وهو المكان الذي تطبخ فيه النساء، وتقوم بأعمال المنزل اليومية وتعتني بالأطفال، ويحوي قسم النساء على المطبخ الذي يسمى الحدرة، وفيه توجد طاولة خشبية متوسطة الحجم (الإرزل) حيث توضع المراتب (الفراش) والأغطية والوسائد التي تسمى (لحاف)، أما الأثاث الذي يدعى (الوهاد) يحفظ أيضا في جانب النساء. تكوم النساء أيضا مجموعة من الحجارة تسمى معا (الرصاف) وتكون في مكان خاص على جانب النساء، وهنالك العدل (جمعها: العدول) وهي حقائب كبيرة من صوف الخراف لحفظ الطعام والملابس وأغراض المنزل لتسهل عملية الترحال من مكان لمكان، توضع هذه الحقائب على الحجارة المكومة (الرصاف) لتجعلها بعيدة عن الفئران، وعند الترحال يضع البدو الأطعمة الدهنية كالزبدة
والسمن في حقائب منفصلة لتحمل على جمل مخصص لها وذلك لمنع باقي الأغراض من أن تلوث بالزيت.
وفي كلا القسمين قسم الرجال وقسم النساء يوجد “فانوس” وإن كانت العائلة البدوية فقيرة جدا يمكن أن تعتمد على النار كمصدر للإضاءة في الليل، ونتيجة لما يحمله قسم الرجال من رمزية عامة لم تتغير عبر الزمن يوجد في هذا القسم موقد يسمى النقرة، كما يحوي على الأمور التالية: الزمزمية (قارورة حديدية لحفظ القهوة) السترة (صندوق خشبي لحفظ الأشياء اللازمة لصناعة القهوة والشاي للضيوف، عليقة وهي حقيبة من النسيج لحفظ القهوة. زابية تلفظ (ضابية) وهي حقيبة مصنوعة من جلد الغزال لحفظ القهوة، شالة وهو وعاء معدني يستخدم لشرب الماء ويأتي بأحجام عدة، والنثولة وهي ثلاثة أحجار تظل قريبة من النار لوضع دلة القهوة عليها كرمز للكرم.
تشارك المرأة البدوية في عملية حياكة وخياطة الخيم كفريق، فتنادي النساء بعضهن عندما يحين الوقت لصناعة الخيمة، يخيطن سوية قطع القماش التي نسجنها مسبقا، وعند حياكة الخيمة، تسلي النساء البدويات أنفسهن عبر حكاية القصص والتحدث عن حياتهن، وغناء بعض الأغاني الخاصة التي تناقلنها من جيل إلى جيل، وعلى الرغم من أن الرجال كانوا يشاركون في عمليتي نصب وتفكيك الخيمة، إلا أنه يمكننا القول بأن وجود بيت الشعر يعتمد على المرأة في الصنع والنصب والتفكيك حيث كانت كل هذه الأمور من المهام الرئيسة التي تفعلها النساء البدويات.
من المعروف أن بيوت البدو ليست جميعها متشابهة، فالشخص الموسر (الغني) بيته يختلف عن بيت ميسور الحال والفقير، وأيضا البيوت في الصيف تختلف عنها في الشتاء وفي الصيف تصنع البيوت من القطن الأبيض الذي لا يمتص الحرارة، وهو ليس حارا بل يأتي بالبرودة.
تختلف أشكال بيوت الشعر، إذ إن بعضها لا يأخذ شكل خيمة، حيث يتم وضعها على قوائم مربعة منعاً للتعرّض للريح، وبعضها مغلق وبعضها مفتوح من الجانبين، وذلك لتتناسب مع فصول العام، وأيضاً تختلف تصميمات الخيمة باختلاف العشيرة.
بيوت الشعر أنواع متعددة، فهناك الصغير والكبير، وتطلق التسمية حسب عدد الأعمدة التي يتشكل منها كل بيت من البيوت، ويطلق البدوي أسماء كثيره على بيت الشعر منها: منها (عزام) وهو مكان للعزيمة لأنه مفتوح دائما، والوافي والساتر، وأنواع بيوت الشعر منها القطبة ويعتبر أصغر أنواع بيوت الشعر ولا يستخدم عند البدو إلا بصورة نادرة جدا وهو البيت المؤلف من خانتين والفازه وهو البيت المؤلف من ثلاث خانات(بواهر) وواسطين، والمثولث له أربعة بواهر وثلاثة وسط، والمروبع وهو البيت المؤلف من خمس خانات وأربعة وسط، وكذلك المخومس والمسودس، علما بان يتم تسمية نوعه حسب عدد الوسط ويتكون بيت الشعر من الشقه وجمعها اشقاق حيث يتم صناعتها من الشعر من خلال النسج، والرفه تكون على جوانب البيت من اليمين واليسار، الرواق وهو الذي يكون من الخلف لبيت الشعر والأعمدة (العمدان ) والأحبال المصنوعة من الألياف، والمعند وهو الذي يغطي وجه البيت ، كما يطلق على الفاصل بين الرجال والنساء أو القاطع.
ويقام بيت الشعر على هيئة مستطيل ويعد «الوراق» المكون الأساسي لبيت الشعر، وهو نسيج من الوبر والصوف والشعر ويحيط بالبيت من جوانبه ويثبت على أطراف سقفه، أما الشعبة أو الخطفة، فهذه تثبت في البيت وتربط بها الحبال، وعددها 10 في البيت الواحد، أما الواوية، فهي قطعة من الخشب تثبت منتصف البيت لتحفظه من الانهيار، بالإضافة إلى الأعمدة وعددها 9 تحيط في البيت من جميع جوانبه ولكل منها اسم مختلف عن الآخر، حسب موقعه، فهناك المقدم والواسط والعامر والزافر والبطانة وهى نسيج يلحم في طرفي البيت من الداخل لحماية السقف من رؤوس الأعمدة، والغدفة وهى نسيج من الصوف والوبر وتكون بمثابة بوابة بيت الشعر والرفة تكون على جوانب البيت من اليمين واليسار .
علاقة البدو بحياة الصحراء بشكل عام والخيمة بشكل خاص، عن قصة ميسون الكلبية (شاعرة من قبيلة بني كلب)، التي تزوجت من معاوية بن أبي سفيان، الذي نقلها من الصحراء إلى دمشق، وسكنت في أحد قصور الخليفة. لكنها كانت كثيرة الشوق والحنين لحياتها السابقة ولمسقط رأسها في الصحراء، وفي أحد الأيام سمعها معاوية وهي تُنشد قصيدة تعبر فيها عن شوقها لحياة البادية، طلّقها ومكّنها من العودة والانضمام إلى أهلها وأبناء قبيلتها.
كان البدو قديمًا يسكنون في بيوت الشعر، وفي أحد الأيام كان الجو ماطرًا وباردًا بردًا شديد. فقام أحد البدو بنحر جملٍ ليوزعه على المحيطين به نظرًا لهذا الجو القاسي، فأرسل أحد أعوانه لإخبار الناس بحضورهم للعشاء، إلا أن المرسال لم يعزم الناس للعشاء، بل أخذ يصرخ وينادي بأن بيت شعر أبو فلان وقع على عائلته وحلاله فافزعوا لنا لرفعه، وفعلًا فزع ناس ولم يفزع الكثير.
وعندما وصلوا البيت وجدوا البيت مرفوع والنار تشتعل وقدور اللحم على النار وكل شيء على ما يرام. لكن الذين حضروا عددهم قليل جدًّا، وأكثرهم ليسوا من الوجوه المقربة لصاحب الدعوة نادى صاحب البيت الداعي
يسأله عن غياب معظم الناس فقال له الداعي: أنا لم أقم بدعوتهم للعشاء، بل قلت أن بيتك وقع على عائلتك وحلالك وطلبت فزعتهم، فلم يفزع لك إلا الذين تراهم وأظنهم هم الذين يستحقون التكريم والعشاء. "الناس لا تعرفهم إلا عند حاجتك لهم، فقد يتخلى عنك أقرب المقربين ويقف بجانبك من لا تتوقع منه ذلك" الغربلة والمواقف الصعبة هي التي تحفظ القليل الصالح ويسقط خلالها التالف.
المصدر:
وكالات –تواصل اجتماعي–نشر محرري الموقع
للراغبين الأطلاع على الجزء السابق:
https://www.algardenia.com/mochtaratt/54955-2022-07-31-10-37-14.html
879 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع