أيام زمان الجزء السابع عشر - الزور خانه

             

          أيام زمان الجزء السابع عشر - الزور خانه

       

لكل بلد من البلدان رياضة تقليدية يعتز بها، ويقيم لها البطولات والمواسم، والزورخانة حالها حال الفنون القتالية المعروفة كرياضة الكيندو والجودو، بالإضافة إلى رياضة السومو. وكانت الزورخانة الرياضة الشعبية الأولى في العراق، وأبطالها يحظون باحترام وتقدير الأهالي فضلاً عن المسؤولين.

     

بدأت أولا في زورخانات داخل بعض مقاهي بغداد الشعبية، ومن أهل بغداد الذي كان يتتبع أخبار الزورخانة في (بلاد فارس) موطنها الأصلي ثلاثة شباب، إذا لم تكن تقام على ارض بغداد والى ما قبل منتصف ثلاثينات القرن التاسع عشر، لم يكن هنالك أي بيت من بيوت الزورخانه، حيث استهوتهم هذه الرياضة عندما سمعوا أن احد أماكن الزورخانة في (طهران) سيقيم بطولة، سافروا الى هناك عن طريق (خانقين) وحضروا الاحتفال ولكن لم يسمح لهم بالمشاركة وعادوا الى (بغداد) لينقلوا ما شاهدوه الى محبي هذا النوع من المصارعة وقام رميض الهاشمي بفتح زورخانة في (محلة الدهانة) وهذا ما عمله مصطفى الدوري في (محلة باب الأغا) ودرويش علي في (الكاظمية) حيث تعتبر هذه الزورخانات الأولى في بغداد.

               

الزورخانة وهي كلمة فارسية بمعنى بيت القوة، والكلمة مكونة من مقطعين (زور) وتعني القوة، و(خانة) معناها المكان أو ‏ ‏البيت، وهي تشير الى المكان الذي يتدرب بهِ المصارعون على الرياضة الشعبية، يعود تاريخ هذه الرياضة الى ‏ ‏ثلاثة آلاف عام خلت. وإلى طقوس المصارعة لدى السومريين والبابليين، وقد مارستها شعوب المنطقة باعتبارها عدة ألعاب رياضية متناسقة، تؤدي إلى تكوين بنية جسمية سليمة يحتاجها المقاتل لكي يكون قادراً على استخدام السيف والرمح والترس وغيرها. ولذلك نرى أن الأدوات المستخدمة في هذه اللعبة لها علاقة بالأسلحة التقليدية، فمثلاً الأميال تستخدم لرفع كفاءة المقاتل في استخدام السيف والكبادة لرفع كفاءته باستخدام القوس والحجر أو السنك لكفاءة استخدام الترس أو الدرع. وتتطابق مهام الأدوات الأخرى مع الأسلحة المستخدمة في الجيوش القديمة.
وتدل الآثار التي اكتشفها الباحثون في قرية (خفاجة) ديالى، بأن السومريين كانوا يزاولون المصارعة ويخلدونها برسومهم المنقوشة على جدرانهم، وتعود هذه الآثار الى حوالي (4450 ق.م)، كما أن الكرد المديين والكاشيين قد مارسوا المصارعة وفعاليات القوة الجسدية لأغراض عسكرية وقتالية.
الزورخانة لعبة تزرع الأخلاق الدينية، وتعزز التربية الصحيحة القائمة على احترام النفس والآخرين. هذه الرياضة تقوي الجسم بسبب التمارين القاسية التي يمارسها اللاعب، وتقوي النفس لأنها تعلم الانضباط وعدم الانفعال والدقة بأداء الحركات، وتجمع بين الفن وروح الدعوة ‏والرياضة وتحمل في طياتها رائحة التاريخ والقيم العريقة، ولهذه الرياضة تقاليد أخلاقية يجب أن يتبعها اللاعب، منها أن يكون نظيفا وذا أخلاق فاضلة ونبيلة، ويتمتع بروح التواضع، وألا يكون مغترا بقوته ويكون أمينا ومحبا لأهله. وتتوقف فعاليات هذه الرياضة خلال فصل الشتاء لتستأنف ثانية في فصل الربيع من كل عام.
يعتبر مبنى الزورخانة من ضمن الأبنية الدينية لما تمتاز به من مجموعة من الوحدات والعناصر، الى جانب أهمية وضرورة الطهارة لكل الرياضيين العاملين بها، خاصة إذا كان يدخل المنطقة المركزية بها لابد أن يخلع حذائه، وانتشرت الزورخانة في كردستان في القرن الثامن عشر وعرفت بـ كاماندي، الى جانب أن بعض اليهود في تهران وشيراز كانوا يمارسونها.
كانت الرياضة الأشهر في بغداد لقرن كامل ابتدأت ٔ سنة 1850 وانتهت سنة ،1950 وذهبت هذه الرياضة وكأن أهل بغداد لم يسبق لهم ممارستها، يوم كان صداها مماثل لصدى رياضة كرة القدم الحالي، فهي الرياضة الأولى في بغداد، لا بل تجاهلها الكثيرون حتى أنها لم تذكر في المناسبات الرياضية،
اشتهرت هذه المصارعة في بعض محلات بغداد القديمة، كالفضل، وبني سعيد، والعوينة، والقشلة، والكاظمية، والدهانة، والمهدية، وباب الأغا، والسفينة، وسواها من المحلات البغدادية.
سجلت منظمة «اليونسكو» في ألـ 16 من تشرين الثاني عام 2010، هذه الرياضة في قائمة تراثها المعنوي. كما جاء في موسوعة «بروك هاوس» الألمانية، وتحديداً في مجلدها الخاص بالرياضة، إن رياضة الزورخانة هي من أقدم الألعاب الرياضية الخاصة بكمال الأجسام في العالم.

     

يجري فيها اللاعبون مختلف الحركات برفع أشكال متنوعة من قطع الحديد، وتجري حركات اللاعبين فيها متزامنة مع إيقاعات خاصة من ضارب على الدنبك الكبير، وهذا الدنبك يسمى (زرف) باصطلاح اللاعبين، وكذلك على البعض قراءة المقامات العراقية التي منها الحماسية، ومن الطبقات العالية مثل مقام الحلاوي والناري والمحمودي، مع مراعاة الوحدة الإيقاعية من مؤدي الضرب على الدنبك، حيث يكون من الذين لهم خبرة بأوزان الإيقاعات المختلفة، التي تتناسب وتتناغم مع تلك المقامات، وهذا الضارب على الدنبك يسمى (المرشد) أو(الماندير).
تألفت بناية الزورخانة من مبنى تشبه هندسته المعمارية مبنى الحمام العام، الذي كان يقع بالقرب منه في كثير من الأحيان، وقد كانت الغرفة الرئيسية في الزورخانة تقع تحت منسوب مستوى الشارع، وذلك لتوفير درجات حرارة ثابتة، ومنع الأتربة والقاذورات التي قد تلحق الضرر بالرياضيين، ويدلف لمبنى الزورخانة من خلال سلم هابط بثلاث أو أربع درجات، والمبنى الرئيسي خالي من الفتحات للتهوية أو الإضاءة إلا تلك التي تقع في سقفها، فتحتوي على نوافذ للإضاءة والتهوية، أما المكان الذي يتدرب فيه اللاعبون فيسمى بـ (الجفرة) وهو مكان منخفض تحيط به كراسي المتفرجين، ويرافقهم عادة، (منشد) يجلس في موقع مرتفع يقرأ المقام العراقي، وأمامه جرس يقوم بقرعه لتنبيه الحاضرين حين يبدأ النزال أو التمرين شخصية مهمة.
وأول ما يلفت نظر الذي يدخل الزورخانة انخفاض بابها الخارجي، مما يحمل المشارك على ‏ ‏انحناء رأسه قليلا أثناء الدخول، وهي حركة تدعو للتواضع والابتعاد عن الغرور والطغيان، اللذين كثيرا ‏‏ما يصاحبان الرياضيين وأقوياء الأجسام، إضافة الى أنها تحمل معاني ليست بعيدة عن ‏ ‏دلالات هذه الرياضة الاجتماعية والدينية والتاريخية. وبيت الزورخانة عبارة عن قاعة كبيرة يكون مدخلها عبر باب صغير، وفي الوسط حفرة تسمى الجفرة، تبنى عادة ثمانية الأضلاع وأحياناً سداسية، ويبلغ طولها 4 أو 5 أمتار وعرضها 4 أمتار، فيما يصل عمق الجفرة نحو متر واحد، وأرضية الحفرة مهيأة بشكل جيد بحيث تكون ملائمة للعب. ويتم رش هذه الحفرة بقليل من الماء يومياً وقبل البدء بممارسة الرياضة. ومن جهة السقف يوجد فتحة مزججة أحيانا لدخول الضوء، وتنتشر فتحات صغيرة تسمى الروزاين لتغير الهواء وتكون بالعادة مظلمة.
تتوسط مبنى الزورخانة حفرة وتسمى بالجفرة، غرفة يجلس فيها المتفرجون ويضع فيها المصارعون واللاعبون حقائبهم الرياضية وأمتعتهم الشخصية ويرتدون الوزرة الخاصة باللعبة. أما جدران الجفرة، فيتم طلاؤها بمخلوط من التراب الأحمر ومسحوق الكلس وألياف القصب وتغطى حافتها بالخشب بدلاً عن الطابوق، وذلك تفادياً لجرح أجساد اللاعبين والمصارعين أثناء ممارستهم الألعاب والحركات الرياضية في الحفرة. ويضم فريق اللاعبين في الغالب من 12 الى 14 شخصا وقد يزداد في بعض الأحيان ليصل الى 30 لاعبا، يرتدون كلهم لباسا موحدا مؤلفا من قميص رياضي عادي، وسروال قصير يصل الى الركبة، ويحتوي رسوما هندسية خاصة، وهذه النقوش على سراويل اللاعبين هي ذاتها الرسوم التي وجدت على أقدم أنواع السجاد الإيراني، وتبدأ الرياضة بطقوس خاصة يحرص اللاعبون والمشاركون مراعاتها، وتقوم على تمجيد قيم الفتوة وأخلاق الفروسية والرياضيون، وتعتمد الخطوة الأولى بعد ذلك على القيام بحركات رياضية روتينية، تهدف الى إحماء جسم اللاعب وتأهيله لدخول اللعبة العنيفة، وينتظم اللاعبون في مجموعات مستخدمين أدوات هذه الرياضة المسماة بالـ (ميل) والقوس. والميل هو مخروط خشبي ثقيل ينتهي بمقبض يحركه اللاعب فوق كتفه وحول راسه ويستخدم الرياضي عادة أداتين يحركهما بشكل دائري حول كتفيه، ويرميهما الى الأعلى ثم يتلقفهما وهما في حالة دوران، وبعض اللاعبين لاسيما الهواة منهم يحملون مخروطا واحدا. وهذه الأعمدة الخشبية الغليظة كانت تستخدم قديما في الحروب، والقوس وهي عمود من الفولاذ يرتبط طرفاه بسلسلة يحركهما اللاعبون الى الأعلى يمينا وشمالا فهي من تشير الى القوس التي استخدمت في الحروب منذ القدم ويرافق ممارسة الرياضيين حركاتهم ضرب على الطبل، وقد يستبدل ملابسهم البنطلون القصير، إلى قماش ملفوف حول الوسط ويمر بين الساقين، يطرز أحيانا بزخرفه نباتيه، وعند المصارعة كانت تلبس بعض الجلود حول منطقة الركبة.
والأدوات المستخدمة الجرس الذي يشبه الجرس المستخدم التمرينات، ويتكون من وعاء نحاس مقلوب ويتم تعليق شريط من منتصفه، ويخلق صوت عند اصطدامه بجدران الوعاء، يدق المرشد عليه عند دخول شخص مهم أو لتغيير حركة أو للتوقف وهي أدوات يفهمها ويعيها الرياضيين.
والطبل الذي يغلب صوته على الموسيقى والتي تسير معها جنبا الى جنب الهتاف بقصائد مناسبة وملحمات. وطبلة المرشد يشبه الدف، مصنوع من الطين مع فتحة واسعة مغطاة ببشرة رقيقة مدبوغة. والضرب الإيقاعي الذي يسببه المرشد في تمارين وحركات إيقاعية ومتناغمة، يحاول من خلالها خلق اهتمام وحماس لدى الرياضيين والمشاهدين. في بعض الأحيان يوقد المرشد نارا بجانبه لتسخين جلد الطبلة ليعلو صوتها.
والميل هو عبارة عن معدات مصنوعة من الخشب على شكل قنينة تزن من 10 إلى30 كجم. وهناك أحمال من 1 الى 6 كجم، وخاصة لهؤلاء الذين يلعبون بهذه في حركات بهلوانيه شديدة الإتقان وله جذوره في العصور القديمة، لأن مؤسسي هذه الرياضة كانوا يستخدمون معدات مثل النادي الهندي لتناسب أجسادهم ربما كانت هذه الأداة تشبه صولجان الحديد أو الخشب في البداية وكان يستخدم لبناء الأجسام والقتال بواسطة صولجان، وكانت تعرف بنفس الاسم، ثم تم تطويرها لتناسب عدد أكبر من الرياضيين وهناك ميل للترفيه يزن 2 كجم مع ارتفاع 65 سم، هو أصغر وأقصر بحيث يمكن استخدامه للعب، وميل خفيف يزن 3 كجم بارتفاع 70 سم، كان يستخدم للترفيه في الماضي ، ولكن أصبح يستخدم فيما بعد للعب والتمارين البسيطة، وميل ثقيل يصل وزنه إلى 30 كغم وارتفاعه 110 سم. ويستخدم للمتخصصين. وهناك السلسلة والقوس التي تعتبر أحد الأدوات الرياضية بالغه الأهمية، وفي نفس الوقت تحتاج قوة عضليه ومهاره عالية، تكون الأقواس مرنة حتى تستخدم في التدريبات، وقد كان القوس الرقيق يستخدم في التمارين لتقوية أكتاف حامل السهم، كانت كلتاهما مصنوعتين من الحديد النقي ذو شكل قوس وثقل على رأسين، وسلاسل طويلة وسلسلة للحفاظ على التوازن، وقد عرفت السلسلة والقوس نوعين واحد للمبتدئين والثاني ثقيل للرياضيين المهرة، وقد كان وزن السلسلة والقوس 14 كجم وطول القوس 150 سم، والدرع أو السنك وهو المعدات المستخدمة بشكل متكرر في الزورخانة، عباره عن قطعتين من ألواح كبيرة بشكل مربع في الجزء العلوي، ومتعرج في النهاية، في منتصف كل منها يوجد ثقب ومقبض على جانبين، يتم لصقه بقطعة من قماش لمنع خدش أيدي الرياضيين، ليس للدرع وزن محدد ويعتمد حجمه على قدرة الشخص الذي يستخدمه، وفي المسابقات الدولية تزن كل قطعة 20 كغم، والتخت لوحة ضغط ودفع وهي لوحة الدفع ذو أرجل بطول 70 سم وعرض 8 سم وأرجل بارتفاع 5 سم مما يجعلها أعلى من الأرض بمسافه صغيرة، وتعتبر لوحة الدفع ليست إحدى المعدات الرئيسية في الزورخانة لأنه من الممكن وضع الأيدي على الأرض وأداء التمارين بدونها.
أثناء المراسم والاحتفالات التي تشهدها الزورخانة هو نثر الورود. وهذا الاحتفال يكثر إقامته عادة في ليالي شهر رمضان المبارك وكذلك للاحتفاء بالأبطال المعروفين والمخضرمين الكبار وتكريمهم.
المصادر
مصادر: وكالات – تواصل اجتماعي – نشر محرري الموقع

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

2178 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع