كلية طب الموصل في ذكراها الستين /الجزء الأول
المقدمة
مرّت قبل سنة الذكرى الستين لتأسيس كلية طب الموصل [1959-2019] بسرعة ودون ضوضاء. يتوارد ذكرُ هذه الكلية العتيدة الى اذهان الكثيرين ممن عرفوها وعايشوها، بما اكتنزته من خزائن نفيسة بأبنيتها المهيبة ومختبراتِها النابضة بالعمل وبمواكب وأفواج الطلبة وأساتذتهم وهي تجوبُ الممرّات والساحات وتتبادلُ الأحاديث وبساحة التنس العريقة وهي تزدحم باللاعبين من الطلبة والأساتذة ولاعبين من مؤسسات أخرى من الجامعة ومن خبراء أجانب عملوا في المدينة ومن منتسبي الجيش ويقف نادي الطلبة القديم ذو الطابقين والنادي الجديد وهما يزهوان بروّاده وبوجبات طعامه الثلاثة فمنها وجبة الفطور الصباحي الزاهية ووجبة الغداء الحارة من الطبيخ العراقي الخالص ووجبة العشاء وبروائح ما يطبخه "محمد طيب" مما لذّ وطاب وبالعمّو جميل وهو منكباً على دفاتره، يسجل ما بذمة الطلبة من مبالغ فالكل يأكل ولا يُحاسِبُونه والطالب يدفع عندما يأتيه الرزق القادم من أهله من بعيد فيبادر، وبدون مطالبة، الى دفع ما عليه وكان العم جميل يحتفظ لكل طالب "مَعْميل" بصفحة او اكثر وما أكثرهم من "المَعِيميل". وهذه قاعة التشريح الفارهة، والتي طالما أرعبتْ طلبة الصف الأول عندما يتطفلون ومن فضول ينتابهم فيدخلوا رؤوسهم من الباب ليروا ما بداخلها من رعب، وبالصالة ذاتها وهي تبدو بأبهى زينتِها وقد تحوّلت احواضُها الثلاثون ناصعة البياض الى مناضد كبيرة وأنيقة تلتفُّ حولها مجاميعُ الطلبة وهم يصيحون ويضحكون بأصوات عالية لا مانع لها ذلك المساء الاستثنائي في حفل التعارف السنوي ويشاركهم فيها وبانتظام الدكتور عبد الوهاب حديد والدكتور برهان ملحم والدكتور روبرتسن والدكتور فيلكس جرجي والدكتور كو-وِي والدكتور سعيد عبده والدكتور ماينرز والدكتور كوراني والدكتور عدنان عباس فضلي والدكتور عدنان العباس والدكتور خليل الشابندر والدكتور أبراهيم أبو النجا والدكتور ممدوح المختار وآخرون كثيرون والبعض منهم يطالبون المغني الجديد الذي كان يُحيّي حفلة التعارف بإعادة تأدية أغنيته الجديدة ذائعة الصيت للمرة الخامسة ولم يكن ذلك المغني "الجديد" الا ذاك الشاب النحيل فاضل عواد. وفي غفلة من الزمن، صَحَتْ قلوبُنا فصاحت بأنين: أين ذهبت تلك المرابع ومعها مضى صدى تلك الأصوات وتلك الهيبة وذلك الضجيج وذلك الزمن المفتَخر؟
إن مأساةَ الكلية وجهٌ واحد من مئات الوجوه لمأساة الموصل الأكبر. لهذا، ولأسباب كثيرة أخرى يلفّها الكثيرُ من الشوق، والمفرطُ من العشق، والعميقُ من الألم، أردتُ أن أوثق تلك المؤسسة الكبيرة مادام فينا قدرة على توثيق ذكرياتِنا فيها وسأطيل في وصفي لأبنية الكلية وأرسم مبانيها ومن سكنها وأضيف لها ما رأيتُ وما سمعت مما كان يجري فيها وما نتذكره عنها حتى لا تكون هيبتُها دون تلك ولا ذكرُها قريباً من ذاك. أملي أن يُدلي بدلوه كلُ من يدين بعرفان بفضلها عليه ويضيف لهذا الجهد المتواضع بما لديه ويوثق ذكرياتِه حفاظاً على تأريخها الذي هو تأريخنا وخصوصاً فان خريجي هذه الكلية منتشرون اليوم ليس فقط في كافة محافظات العراق الحبيب وانما تعدى الحدود فانتشروا في بقاع العالم المختلفة.
يبدو من المتوفر مما نشر، أن التوثيقَ لكلية طب الموصل نادرٌ وشحيح مع الأسف. وأفضل ما كُتب عن الكلية واستعنتُ به هنا هو مقال الأستاذ الدكتور إبراهيم العلاف، المؤرخ الموصلي المعروف كان كَتَبه في الذكرى الخمسين للكلية وقدّمه خلال مؤتمر احتفال الكلية بتلك الذكرى عام (2009) وكان معتمداً على عادته على أدلة ووثائق مؤتمنة ومنها ما نشر ضمن أعداد "دليل الجمهورية العراقية" وأدلة جامعية. وقد استعنتُ أيضاً بما نُشر من نبذ مختصرة عن أساتذة الكلية في موقع الأطباء العراقيين على الفيسبوك بإدارة الدكتور الجراح كمال صالح الحسيني الذي يضم في عضويته المغلقة ما يزيد على [40] ألف طبيب عراقي وكذلك استعنتُ بمواقع أخرى ومنها ما كتبه الدكتور سعد الفتّال من مقالات، وكذلك مقال بديع نشرته مجلة أظن كان أسمها "العالم" أوائل الستينات وكان ذلك العدد بحوزتي ويحتوي على استطلاع مصور للكلية مع صور لمباني الكلية ومختبراتها، واعتمدتُ أيضاً نصوصاً احتفظتُ بها لمقابلات متعددة أجريتها مع أساتذتنا وأهمها أستاذنا عز الدين شكارة في لندن وأستاذنا الدكتور هاشم عبد الرحمن عندما كنا نعمل في أقاصي حضرموت بين سنوات [2010-2014]. وأضفتُ لهذه المصادر وغيرها ما اختزنته ذاكرة العديد من الأساتذة الأفاضل وأخص بالذكر استاذنا الدكتور طاهر قاسم الدباغ وأيضاً من الزملاء الخريجين وسأورد أسماءهم في نهاية المقال. وآخر ما اعتمدت عليه جاء مما احتفظتُ به في مسودات "ذكرياتي" ومنها ما يخص أيام الدراسة في الكلية وكنتُ دخلتُها ولم يكن قد تخرّج منها أحداً وعاصرتُ الدورات الخمس الأولى. ومن ثم ما عشته وشهدته في الكلية أثناء عملي في الكلية في التدريس والإدارة في الثمانينيات حيث رجعتُ اليها صيف [1983] نقلاً من كلية طب البصرة ولكني غادرتها مجبراً مرة أخرى صيف [1988]. وأُتيح لي الاطلاع على سجلات الكلية، وخصوصاَ فيما يخص الأساتذة العرب والأجانب الذين خدموا أثناء تلك السنوات، من خلال قيامي بالتحضير لورقة عن العاملين في الكلية للسنوات الخمس والعشرين الأولى من حياة الكلية [1959-1984] وضمن مهمتي وقتها كسكرتير "للجنة العليا للتحضير لاحتفال اليوبيل الفضي" للكلية والذي كان مزمعاً اقامته في [20 تشرين الأول 1984] وهو يوم تأسيس الكلية ولكن تم تأجيله الى أوائل نيسان [1985] وبسبب التأجيل، لم يُكتَب لي حضور الاحتفال لمصادفة وجودي خارج العراق بمهمة بحثية لا تؤجل.
ولذلك يأتي هذا المقال ليوثق للكلية بما لدي من ذكريات وأحداث وخصوصاً خلال مرحلة تأسيسها الممتدة بين نهايات العقد السادس [1958-1960] وطيلة سنوات العقد السابع [1961-1970] من القرن الماضي وما سبق ذلك من مراحل التأسيس. وأود أن أذكّر بأن المقال لا يتسع لتضمين كل ما لدينا من معلومات عن كل الأساتذة والعاملين والطلبة والخريجين، وهم كثر، ويستحيل أن يضم المقال المعلومات المفصلة عنهم جميعاً وانما اكتفيتُ هنا بالتذكير بالأسماء لتوثيقها مع التوسع بالمعلومات عن عدد منهم وبما له من علاقة بتوثيق الأحداث المهمة التي جرت بالكلية وسوف أفرد لتفاصيل المعلومات عن جميع الأساتذة بمقالات أخرى أتمنى أن أتابع نشرها بعد هذا المقال الجامع.
ولابد أن يتصدر هذا المقال ذكرٌ بفضل من أستجاب على تساؤلات بعثتها لعدد من أساتذتنا الكرام وكذلك من زملائنا خريجي الكلية والذين زودوني بما أسعفتهم الذاكرة من أسماء وحوادث ولولاها لما أكتمل المقال. وبكل التقدير والعرفان أذكر فضل كل من الذوات (مع حفظ الألقاب والمواقع): الدكتور هاشم عبد الرحمن (أستاذ الجراحة وعميد كلية طب حضرموت) والدكتور طاهر قاسم الدباغ (أستاذ الباطنية) والدكتور محمود الحاج قاسم (مدير مستشفى الأطفال الأسبق والمؤرخ المعروف لتأريخ الطب) والدكتور عدنان عباس فضلي (أستاذ الطب النفسي) والمرحوم الدكتور عصام سيد علي الحاتم (مؤسس ورئيس فرع الأشعة دورة 1965) والدكتور سهيل عبد الرحمن صالح (رئيس فرع الجراحة السابق دورة 1967) والدكتور زكي حسوني شبانة (دورة 1968) والدكتور عبد الغني الدباغ (دورة 1968) والدكتور محمد عباس الشمري (دورة 1969) والدكتور عبد الرضا الرواف (دورة 1969) والدكتور باسم عارف توفيق (دورة 1969) والدكتور مجيد محسن الحمداني (دورة 1969) والدكتور زكريا عبد الستار الحبال (دورة 1970) والدكتور حذيفة سعيد الديوه جي (دورة 1970) والدكتورة سندس الدوري (دورة 1970) والدكتور هلال عبد الله جرجيس (دورة 1971) والدكتور حازم سعيد الشيخ (دورة كلية الصيدلة 1972) والدكتورة الهام خطاب الجماس (دورة 1973) والدكتور صميم الدباغ (دورة 1976) والدكتور عبد الجبار الحبيطي (دورة 1976) والدكتور سمير المختار (دورة 1976) والدكتورة يسرى عبد الرحمن محمود (دورة 1982). وشكر خاص للأستاذ جنيد توفيق الفخري (الفنان والآثاري الموصلي المعروف).
يغطي هذا الجزء من المقال، وهو الأول، حقبة الـتأسيس وتطور الأبنية وما آبت اليه حتى اليوم على أن نتابع، في الجزء الثاني، اكمال ملحقات الأبنية والوحدات ونبدأ في جزء آخر تأسيس الفروع ومن هم الأساتذة الأوائل وتفاصيل أخرى لتكتمل الصورة.
البدايات
جاءت فكرة تأسيس كلية طب ثانية لأسباب ملحة وبعد مرور حوالي ثلاثة عقود على تأسيس أول كلية للطب في بغداد. يقول العلاف في مقالته المنشورة عام [2009]: "فهي أول كلية تأسست في الموصل، وكان لها دورها الفاعل في تخريج كوادر طبية وصحية عملت، مع شقيقتها كلية الطب في بغداد والمؤسسة منذ سنة [1927]، في إرساء أسس التعليم العالي الطبي في العراق على مبادئ قويمة، وسمعة طيبة واسعة لا يستهان بها داخل العراق وخارجه. وتشير المصادر المتداولة إلى أن كلية طب الموصل، كانت ثمرة من ثمار ثورة [14] تموز [1958] وتوجهها نحو تطوير التعليم الجامعي سواء من خلال تأسيس جامعة بغداد أو من خلال توسيع قاعدة التعليم العالي ليشمل عددا من المحافظات ومنها الموصل آنذاك." ويضيف العلاف "وقد جاء في دليل الجمهورية العراقية لسنة 1960 أن إنشاء هذه الكلية في العهد الجمهوري الزاهر تم لكي تعمل سوية مع كلية الطب في بغداد على إعداد أطباء أكفاء يقدمون الخدمات الصحية المختلفة إلى أبناء الوطن."
ويتابع العلاف "لقد بدأت فكرة إنشاء دراسات جامعية في الموصل منذ الأربعينات، وظهرت محاولات لتوسيع المستشفى الملكي الذي تم إنشاؤه وأفتتحه الملك غازي عام [1934]، تحضيراً لإقامة مرتكزات تدريبية استعداداً لإنشاء كلية طب. وفي صيف سنة [1954] قررت وزارة الصحة إنشاء كلية ثانية للطب وتقرر أن تكون في الموصل وسار العمل، كما يقول الأستاذ عبد الجبار محمد جرجيس في كتابه "دليل الموصل العام" في إنشاء المباني اللازمة لهذه الدراسة وتم افتتاح الكلية في [20/10/1959] وظلت الكلية الجديدة ملحقة بوزارة الصحة وحتى بدء العام الدراسي فيها [1960-1961] حين ألحقت بجامعة بغداد."
ويبدو لنا أن دليل الجمهورية العراقية المنوه عنه أعلاه، وكونه وثيقة إعلامية، قد أسس لذلك الوصف واعتباره أن تأسيس الكلية كان "ثمرة من ثمار ثورة 14 تموز" مستنداَ الى أن الكلية أفتتحت فبي ذلك العهد ليس الا ولكن الدليل أغفلَ حقيقة لا مناص منها وتتمثل بأن انشاء الكلية لابد وأن يكون مقروناً بوجود خطة متكاملة في التخطيط والبناء والتأثيث والتوظيف لا تتسع له مدة حوالي الأربعة عشر شهراً المتاحة بين قيام النظام الجمهوري وبين بدء الدراسة في الكلية في [20] تشرين الأول [1959].
من الشائع بين الناس قيام مؤسسة كولبنكيان ببناء الكلية ولغرض التثبت من ذلك قمنا بزيارة الى قسم الأرشيف في المقر الرئيسي لهذه المؤسسة والواقع في لشبونة عاصمة البرتغال. ورغم وجود الآلاف من الوثائق عن مشاريع المؤسسة في العراق حيث توثق الأوليات عن مشاريعها في العراق والتي كانت تُمثل ما يزيد على نسبة [85%] من مشاريع المؤسسة في دول الشرق الأدنى، الا أننا لم نجد أي وثيقة تشير الى قيام أو مشاركة المؤسسة في بناء المبنى الرئيسي لكلية طب الموصل خلال الخمسينات بالرغم من وجود ما يثبت الدور الكبير الذي لعبته هذه المؤسسة في تمويل مشاريع أخرى تخص كلية طب الموصل ومنها مساهمتها في بناء وتأثيث مختبرات المبنى الثالث الذي افتتح عام [1967] وشراء مستلزمات مختبر بحوث الصدر وصالة عمليات القلب ونفقات عدد كبير من زمالات المؤسسة للدراسات العليا لمنتسبي الكلية (والجامعة كذلك) وتكاليف استقدام أساتذة أجانب للكلية. وقد توقفت كافة مشاريع المؤسسة عام [1972] بعد تأميم حصة المؤسسة من شركات النفط العاملة في العراق والبالغة [5%].
يتبين من الوثائق والدراسات التي بحوزتنا أن الحاجة لزيادة عدد الأطباء في العراق كانت ملحة ومنذ الأربعينات. وقد بقي الحال غير مرضي بالرغم من تأسيس أول كلية طب لتدريس الطب الحديث في بغداد وفق المفاهيم الطبية الحديثة للحاق بالتطور السريع في الممارسة الطبية المبنية على العلم والذي كان يتجدد من خلال الاكتشافات العلمية السريعة في نهايات القرن التاسع عشر وطيلة سنوات القرن العشرين. كانت تلك الكلية قد بدأت بتخريج الأطباء اعتبارا من عام [1932] وبعد دراسة لخمس سنوات [1927-1932] وكان هؤلاء الخريجون يمثلون الدورة الأولى من كلية الطب التي كانت إحدى كليات جامعة "آل البيت" في بغداد التي تأسست عام [1924] ولكنها ألغيت عام [1930]. وبعد تخرج دورتين [1932 و1933] لم تخرج الكلية أي دورة عام [1934] بسبب اضافة سنة دراسية سادسة لطلبة الدورة الثالثة لغرض "التدريب تحت الإشراف" أو ما يعرف [الطبيب الاستاجير] فتم تخرج طلبتها عام [1935]. وكانت أعداد الخريجين قليلة نسبة الى حاجة العراق إليهم وبالرغم من الزيادة في عدد الخريجين وبعد مرور ما يزيد على الثلاثة عقود على تأسيس تلك الكلية الأم، فان العدد الكلي للأطباء في العراق بلغ في العام [1959] ما مجموعه [1428] طبيبا وطبيبة فقط من خريجي الكلية وبمعدل سنوي يبلغ 47 طبيب وطبيبة. كان هؤلاء الأطباء متوزعين على المدن الكبرى وبدون عدالة في التوزيع عند النظر الى نسبة تواجد السكان بين المدن والريف. ويشكل ذلك العدد وقتها ما نسبته طبيب واحد لكل [1,888] نسمة من السكان في بغداد تقابلها نسبة مخيفة في الناصرية مثلا وهي وجود طبيب واحد لكل [25,314] نسمة وبنسبة عامة في عموم سكان العراق بلغت ذلك العام توفر طبيب واحد لكل [4,615] وهي نسبة بعيدة عن النسبة المقبولة ذلك الوقت والتي تستهدفها الدول في خططها الصحية وهي طبيب واحد لكل ألف نسمة. وهذا يبين أنه كان على العراق، لكي يصل الى تلك النسبة المقصودة، زيادة عدد الخريجين من الأطباء زيادة سنوية تزيد كثيراً عما تُخرّجه كلية طب بغداد من أطباء حينئذ حيث تخرج منها فقط [42] طبيباً وطبيبة فقط عام [1955].
يتحدث تقرير أصدرته هيئة المخابرات في القوة البحرية البريطانية في عام [1944] عن الخطة الصحية الخمسية التي وضعتها وزارة الشؤون الاجتماعية أنه في العام [1937]، حيث بلغ عدد المستشفيات والمستوصفات في العراق [300] وعدد الأطباء [400] ويبين أن هذه الأعداد ارتفعت ببطء الى [331] مستشفى ومستوصف والى [577] طبيب في العام [1944] وأعتبر التقرير أن تلك الأرقام خلال ثمانية أعوام غير مطمئنة إذا ما أخذت بنظر الاعتبار حالة العراق الصحية المتردية خارج المدن الرئيسية والتي تحتاج آنياً لما يقارب الخمسة الاف طبيب إضافي لرفع نسبة الطبيب الواحد لكل ألف من السكان. وبما يعني أن كلية طب بغداد ووفق قدرتها الاستيعابية المذكورة أعلاه، تحتاج مائة سنة لسد تلك الحاجة والتي، في حقيقة الأمر، أن الحاجة غير ثابتة وانما تتزايد مع كل سنة مع زيادة السكان وزيادة الوعي الصحي والطلب على المؤسسات الصحية وعوامل أخرى. وقد تبين للمخططين الصحيين العراقيين والمستشارين البريطانيين أن تنفيذ الخطة الصحية الخمسية الطموحة للأعوام [1937-1942] لم يتم الوصول الى تحقيق أهدافها الأحد عشر هدفاً كما تمناه المخطط بسبب رئيسي هو قلة أعداد العاملين من الأطباء والممرضين والكوادر الصحية. لذلك، كان من أولويات مجلس الاعمار تبني مشروع تأسيس كلية طب ثانية في العراق ومعاهد أخرى وتحديد مكانها في مدينة الموصل والمدن المرشحة الأخرى. كانت بداية التهيئة لمستلزمات التأسيس شروع المجلس بتوسيع المستشفى الملكي في الموصل بزيادة عدد الردهات وزيادة عدد الأسرة وبناء معهد أشعة، ومختبر مركزي ووحدة للطب العدلي والوصول بعدد الأسرة المتاحة الى أكثر من [200] سرير عام [1960] وكما قام بتثبيته ويلسن وماكدونالد في بحث منشور في مجلة التعليم الطبي الأميركية عام [1961].
في العام 1955 وضع مجلس الاعمار خطته الخمسية الثانية للسنوات [1955-1959] في أعقاب نجاحه الباهر في انجاز خطته الأولى [1951-1955] وأقرت الخطة الثانية وتفاصيلها في قانون يحمل عنوان: "القانون رقم [43] للبرنامج العام لمشاريع مجلس الاعمار ووزارة الاعمار [1955-1959]". وقد رصد المجلس لتنفيذ تلك الخطة مبلغ [301] مليون دينار أي ما يعادل [850] مليون دولار أميركي وقتها. تركزت الخطة الجديدة على قطاعات شملت عدة مشاريع في مجالات [1] الارواء والسيطرة على الفيضانات، [2] بناء الطرق والجسور، [3] تطوير الأراضي الميري، [4] بناء المصانع [5] انشاء المباني العامة. وقد قرأتُ هذه الخطة في نسخة باللغة الإنكليزية محفوظة في أرشيف بالمكتبة البريطانية بلندن [The British Library]، وهي من كبرى المكتبات العامة وتضم كتب وثائقية يزيد عددُها على نصف المليون وثيقة. ومن ضمن المباني العامة تضمنت الخطة انشاء مستشفيات في أقضية المحمودية وأبو الخصيب والصويرة والنعمانية والمقدادية ومندلي والشنافية وعلي الغربي وسنجار. كما تضمنت وضع المخططات لمجمع طبي ضخم في بغداد وأسمته الخطة "مركز بغداد الطبي" [Baghdad Medical Centre] وتضمن المخطط المبنى الرئيسي منه ويحتوي على عشر طوابق وبسعة [950] سرير وبكلفة ثلاثة ملايين دينار. كما تضمنت الخطة بناء مستشفى الكاظمية ومستشفى الكرخ الى جانب بناء القصر الملكي ومبنى دار البرلمان العراقي. ولم يتم التنفيذ لأسباب لم أستطع استبيانها، وربما يكون أحدها زيادة الواردات من النفط وكذلك إنجاز دراسات تنموية هامة بينت حاجات العراق لمشاريع إضافية أخرى مما حدا بالمجلس الى الغاء الخطة ووضع خطة بديلة تضمنت تفصيلاً أكثر ومشاريع أوسع وبدأ تنفيذُها في نيسان [1956] على أن تنتهي بنهاية شهر آذار [1960]. ولذلك، صدرت الخطة الجديدة عن المجلس بموجب قانون يحمل عنوان "القانون رقم 54 لسنة [1956] المعدِّل لقانون البرنامج العام لمشاريع مجلس الاعمار ووزارة الاعمار رقم [43] لسنة [1955]." تضمنت الخطة الجديدة تفاصيل مشاريع مضافة لتلك الوارد ذكرها في القانون السابق والذي تم الغاؤه في المادة الأولى من القانون الجديد. خُصّص لهذه الخطة مبلغ [450] مليون دينار ما يعادل وقتها مليار و[260] مليون دولار وبزيادة [150] مليون دينار عن المرصود سابقاً في الخطة الملغيّة. تضمن القانون الجديد إضافة لما تضمنه القانون الملغي: مشاريع الإسكان وخصص لها [18] مليون دينار وابنية لكليات جامعية وبناء فندقين درجة أولى ومكتبة وطنية عامة وتطوير المصايف العراقية ومشاريع تنمية الثروة الزراعية والحيوانية. والظاهر أن تضمين الخطة الجديدة مشاريع لتوسيع التعليم الجامعي في العراق قد جاء نتيجة لأعمال استشارية كثيرة بحيث نتج عنها إقرار للبدء بتأسيس أول جامعة عراقية رسمية والتوسع بالتعليم العالي داخل وخارج بغداد.
وبالعودة للوثائق المتوفرة في أرشيف المكتبة البريطانية في لندن نرى أن الجهود المبذولة لتأسيس مؤسسة جامعية عراقية وفق المفاهيم العلمية الحديثة لم تتوقف منذ تأسيس وإلغاء "جامعة آل البيت" بين [1924-1930.] وبالرغم من وجود عدد من المعاهد والكليات العراقية كمدرسة الهندسة ومدرسة الحقوق ودار المعلمين العالية وكلية الطب، إلا أن مشروع تأسيس جامعة عراقية تجمع هذه المعاهد تحت جناحها، قد أخذ وقتاً وسنواتٍ طويلة بين اللجان والمناقشات وعلى مستويات مختلفة ولأسباب تخص المستوى العلمي لهذه المعاهد والامكانيات وما شابه. وأول جهد منظم كان في العام [1942] حين قرر مجلس الوزراء تشكيل لجنة برئاسة البروفيسور هِملي، أستاذ التربية وعلم النفس في معهد التربية بجامعة لندن وعضوية كل من الدكتور سندرسن، عميد الكلية الطبية الملكية العراقية والسير دراور، مستشار وزارة العدلية والدكتور متي عقراوي، عميد دار المعلمين العالية، والدكتور حامد زكي عميد كلية الحقوق، والمستر أنكلستن، مدير الري العام. وقد أيدت اللجنة الحاجة لإنشاء جامعة عراقية وركزت في تقريرها على ضرورة إنشاء كليات الآداب والعلوم على أسس حديثة لتكون النواة للجامعة المزمع تأسيسها وليجري الحاق الكليات الأخرى بها بعد التأكد من مستوياتها العلمية وأوصت بتسميتها "جامعة بغداد." تبعت ذلك لجنةٌ أخرى في عام [1946] برئاسة المستر مورغان، رئيس القسم التربوي في المعهد البريطاني بلندن وأوصت بأن الكليات الحالية غير مؤهلة ووجوب إنشاء كليات على أسس حديثة ومستوى رصين.
ومن أهم اللجان كانت تلك التي سميت "لجنة داروين ومورغان" وهي لجنة خبراء مستقلة شكلتها الحكومة العراقية وضمت السير جارلس كالتن داروين، مدير المعهد الوطني للفيزياء البريطاني (وهو حفيد العالم الأشهر جارلس داروين صاحب كتاب "أصل الأنواع" ومؤسس نظرية تطور المخلوقات) والدكتور آرثر مورغان، عضو هيئة رسم مستقبل التعليم الجامعي في الهند (قبل وبعد استقلالها) وضمت اللجنة أيضاً السيدة آلن روز سكرتيرة لها. قامت اللجنة بجولة في العراق في آذار [1948] ورافقها فيها الدكتور متي عقراوي وبزيارات ميدانية، تفقدت اللجنة الإمكانيات التربوية المتوفرة والمرافق ذات العلاقة في مدن بغداد والموصل وكركوك والسليمانية والبصرة. أوصت هذه اللجنة بوجود الحاجة الى انشاء كليات للتعليم الجامعي في بغداد وفي المدن الأخرى على أن تُضَم هذه الكليات الى "الجامعة العراقية" المزمع انشاؤها وبعد فترة من افتتاح وعمل الكليات وبعد التأكد من رصانة مستواها. وبناء على ذلك شكلت الحكومة العراقية لجان متخصصة لمتابعة مقترحات هذه اللجنة وضمّت في عضويتها خبراء أجانب وعراقيين وأوصوا بتأسيس "مجلس التعليم العالي" للعمل على انشاء الجامعة المقترحة. وفعلاً أُنشِئ المجلس في عام [1951] بموجب القانون رقم [16] لسنة [1951] وقامت اللجان والمجلس بوضع خطوط عامة لإنشاء الكليات ورفع مستواها بغرض ضمها الى الجامعة المزمع انشاؤها ومن بينها كلية للطب في الموصل. ولأغراض التنفيذ، قامت الحكومة بتشكيل فريق عمل ضم خبراء بريطانيين لوضع خطة لإنشاء الجامعة العراقية وضمت كل من: البروفيسور جارلتن رئيس قسم اللغة الإنكليزية وآدابها في جامعة مانجستر والبروفيسور ريجارد ساوثويل من الكلية الإمبراطورية بلندن والبروفيسور سكام من كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة لندن والبروفيسور جيب المستشرق المعروف من جامعة أكسفورد. أوصت اللجنة في نيسان [1953] بتأييد انشاء الجامعة وتسميتها باسم "جامعة بغداد" لتضم جميع المؤسسات الجامعية في العراق وأوصت اللجنة كذلك بأن مستوى الكليات القائمة ذلك الوقت سيكون أفضل إذا ما تم تجميعها تحت سقف جامعة وطنية وتهيئة مبانٍ لإنشاء كليات أخرى في مناطق العراق. وبناء على ذلك صدر القانون رقم [60] لسنة [1956] والذي تأسست بموجبه أول جامعة عراقية حديثة باسم "جامعة بغداد."
ويتبين أن انشاء الجامعة والتوصية ببناء أبنية لها ولكليات أخرى تنشأ فيما بعد في بغداد والألوية وكذلك استجابةً لقانون تأسيس جامعة بغداد كما تم ذكره أعلاه، كان سبباً لقيام مجلس الاعمار بإلغاء خطته الخمسية التي أصدرها عام [1955] واصداره بدلاً عنها خطة جديدة عام [1956] لتتضمن تخصيصات لأينية جامعية لم تكن مدرجة بالخطة الملغية. ولابد أن يكون من بين الأبنية الجامعية بناية كلية طب الموصل الذي أنتهى تنفيذه عام [1958-1959]. ونظراً لتغير الحكم في تموز [1958] وإلغاء مجلس الاعمار الذي كان يرسم لأعماله خططاً سنوية ويصدر تقارير سنوية منتظمة عن تنفيذ خططه ومشاريعه ومنجزاته، فإن التقرير السنوي لسنة [1958] وكذلك تقرير عام [1959] لم يُكتبا ولم يصدرا أبداً والذي كان من المؤكد أن يذكر الأول منهما انجاز بناء الكلية كأحد مشاريعه الذي تم البدء به بعد عام [1956] وتم تسليمه نهاية العام 1958]. وتبقى المعلومات المتوفرة حالياً غير مكتملة عن هذا المشروع من ناحية عدم التوصل لمعرفة تفاصيل مشروع مبنى كلية طب الموصل والشركة المصممة والشركة المنفذة له والذي لا بد وأن يتم الكشف عنها مستقبلاً.
موقع الكلية
تحتل مباني الكلية منذ تأسيسها جزءً من موقع المستشفى الملكي (الجمهوري بعد 1958) في الأرض التي كانت خالية قبل بناء المستشفى أوائل ثلاثينات القرن الماضي وتقع خارج سور الموصل القديم وتحديداً في الجانب الأيمن (الغربي) وفي شمال الموصل القديمة وعلى الضفة اليمنى لنهر دجلة عند دخوله موقع المدينة القديمة. كانت تشغل هذه الأرض قصور خاصة مبعثرة أتخذ الانكليز من احداها بعد دخولهم الموصل، مصحاً لعلاج المصابين بالتدرن الصدري لموقعها المرتفع على حافة النهر ولهوائها العليل. في العام [1934]، و أثناء زيارته لمدينة الموصل في يوم الثلاثاء المصادف [12 حزيران] وضع الملك غازي حجر الأساس لبناية المستشفى الملكي في هذا الموقع وربما تم تسمية المنطقة المحيطة باسم محلة الشفاء الحالية منذ ذلك الوقت أو أنها كانت فعلاً تحمل الاسم ذاته لارتفاع أرضها وعذوبة هوائها ووجود تلك القصور الكبيرة المستخدم بعضها للنقاهة وكذلك وجود عين ماء كبريتية تصب في نهر دجلة كان يستخدمها الناس بكثرة للعلاج والشفاء من أمراض متنوعة. وبعد سنوات، وحين تم اختيار الموقع لبناء الكلية، كانت البيوت والمحلات قد أحاطت بالموقع وأتصل جنوباً بالمدينة ولكن بقيت الأراضي الواقعة شمال الموقع بقيت أراض فارغة وكما تبين الصورة رقم [1-1].
الصورة رقم [1-1] تبين موقع المجمع الطبي في مركز الموصل. المصدر: كوكل [2004]
تم تخصيص جزء من موقع المستشفى لبناء كلية الطب في نهايات الخمسينات وبمساحة حوالي [12500] متر مربع ويقع على الطرف الجنوبي الغربي من المجمع الطبي ويحده من الجهة الغربية الشارع الخيطي البسيط وقتها والذي كان يفصل الموقع عن محلة الزنجيلي ومن الشمال مدرسة الممرضات التي تم انشاء بنايتها أيضاً عام [1959] وأفرغت بنايتها القديمة قرب قلعة باشطابيا والتي أصبحت مستشفى للأطفال ومن الشرق المدخل الرئيسي للمستشفى والشارع الداخلي المفضي الى المستشفى ومن ناحية الجنوب شارع سكني ومبنى دار العجزة والذي كان يحتل جزءاً من موقع الكلية حتى ازالته في العام [1965] وضُمّت أرض الدار الى موقع الكلية وكما مبين بالصورة رقم [1-2] وهي صورة أخذت بالأقمار الصناعية بتاريخ [29] كانون الأول عام [2004]. وقد بقي موقع الكلية متصلاً بالمستشفى من ناحيته الشرقية وبدون سياج منذ تأسيس الكلية حيث كان الطلبة والأساتذة يتنقلون بين الكلية والمستشفى دون أي عائق وكان الكثير من المرضى أو من ذويهم يتردد على الكلية متسائلاً عن طبيب أو عن ردهة أو عن الطبيب الخفر ظناً منه أنه يتجول في المستشفى. بعد مرور ثمانية أعوام على تأسيس الكلية وعند تسلم الدكتور محمود الجليلي رئاسة الجامعة عند تأسيسها في الأول من نيسان [1967]، أمر ببناء سياج يفصل بين الكلية والمستشفى وتخللته ثلاث بوابات واسعة يمكن قفلها وفتحها: الأولى في النهاية الجنوبية للسياج عند المدخل الرئيسي للكلية ذلك الوقت والقريب من المدخل الرئيسي للمستشفى والثاني وسط السياج عند المدخل الى الممر المفضي الى مدخل القاعة رقم [1]. أما البوابة الثالثة كانت في نهاية السياج أمام نادي الكلية الجديد وقريب من القاعة [4] المشيدة فيما بعد. وكان هناك باب رابع صغير في أقصى الجزء الشمالي من للسياج يفضي الى المدخل الخلفي لنادي الكلية الجديد والقريب من مبنى مدرسة الممرضات وكان بمثابة باب خدمات للنادي. كما تم ذلك الوقت ترميم السياج في الجهة الغربية القريب من ساحة التنس والذي أصبح مدخلاً لموقف السيارات القريب من المبنى الجديد رقم [3] الذي أفتتح ذلك العام.
الصورة رقم [1-2] يبين موقع الكلية داخل الموقع الطبي. المصدر كوكل إيرث (2004.)
احتوت الكلية في يوم افتتاحها عام [1959] على مبنيين أثنين وملحقات: المبنى رقم واحد وهو المبنى الرئيسي وكان يسمى أيضا مبنى العمادة والمبنى رقم أثنين وساحة تنس وبيت صغير للحيوانات المختبرية. وبمرور الوقت تم إضافة مبان أخرى وكالآتي: ففي العام [1964] أفتتح مبنى وكافتيريا لكلية الصيدلة المستحدثة وأفتتح ربيع العام [1965] مبنى جديد لمكتبة واسعة ودار لطالبات الكلية (قسم داخلي.) وفي العام [1967] جرى افتتاح المبنى رقم ثلاثة ومبنى مستشفى النسائية والتوليد داخل المجمع ومبنى كبير لنادي ومطعم الطلبة وقاعة مدرجة ملاصقة للردهات الباطنية في المستشفى وعلى ضفة نهر دجلة (خارج موقع الكلية.) وفي السبعينات أضيفت مبان اخرى لمركز البحوث الطبية وقاعة محاضرات داخل الكلية ومبنى وحدة المجهر الالكتروني. وفي العام [2005]، تم افتتاح مبنى كبير للعلوم الطبية الأساسية برقم [4] ومبنى آخر برقم [5] خصص للعمادة وكما تبين الصورة رقم [1-3].
الصورة رقم [1-3] تبين مباني الكلية مؤشر تاريخ بناء كل مبنى. المصدر خرائط كوكل [2004].
أبنية الكلية
كما ذكرنا، تم بين العام [1959-2006] افتتاح خمسة مباني شغلتها الكلية منذ انشائها وحتى خراب الجانب اليمين من الموصل ومعها الكلية بين [2014-2017].
المبنيان الأول والثاني
تعتبر المباني التي أفتُتِحَت عام [1959]، أقدم المباني في الكلية حيث لم يكن هناك قبلها أي مبنى مشيد على أرض موقع الكلية سوى مبنى "دار العجزة" والذي كان يشغل الجزء الجنوبي الغربي من الموقع وقد أزيلَ عام [1965] وضمت الأرض الى الموقع خلف المبنى الجديد لمكتبة الكلية الذي أفتتح ذلك العام. كانت المبنيان الأول والثاني، وحدهما، مسرحاً للحياة الدراسية لطلبة وأساتذة حقبة السنوات الأولى في مرحلة التأسيس حتى [1967]. تكونت الكلية وقتها من مبنيين أثنين متشابهين في الشكل وفي الطوابق وفي الحجم وضم كل منهمنا ثلاثة طوابق وهما المبنى الأول والمبنى الثاني. قام المصمم (الذي لا زلنا نجهل هويته) بتصميم المظهر الخارجي لإحدى جهات كل مبنى بشكل يعطي الانطباع للشكل الخارجي على كون كل مبنى يتألف من ستة طوابق وليس ثلاثة عن طريق استخدام ست مظلات شبه أفقية على الشبابيك الضخمة للمختبرات وكما يبدو في الصورة رقم [1-4] التي تظهر جزء من الواجهة الغربية للمبنى رقم واحد وتبدو في خلفية الصورة مباني المستشفى الجمهوري وأشجار نخيل الزينة الباسقة التي كانت مزروعة في الحديقة الواقعة أمام رئاسة الصحة وإدارة المستشفى منذ الخمسينات وربما قبل ذلك ولابد أنها زُرعت منذ عقود كما تبدو ومحتمل أنها زُرعت عند بناء المستشفى عام [1934] ولا تظهر هذه الأشجار في الصورة رقم [1-3] التي أخذت سنة [2004] بينما تظهر مكانها أبنية إضافية تابعة للمستشفى الجمهوري. سنقوم بجولة مفصلة في المبنيين وملحقاته لتبيان محتويات كل مبنى وكل طابق من الغرف والمختبرات وما شابه وبهدف توثيق تلك المباني التي لها ذكرى طيبة في نفوس الأجيال الأولى من خريجي الكلية.
الصورة رقم [1-4] الواجهة الغربية لجزء من المبنى رقم الأول
المبنى رقم (1):
في السنوات من [1959] وحتى [1967]، كان هذا المبنى يضم عمادة الكلية وغرف ومختبرات الفروع التي تدرس في الصف الأول وأجزم بأن الكلية، في عامها الدراسي الأول، استعملت هذا المبنى فقط لأغراضها الإدارية والدراسية. ومنذ ذلك الحين، أعتُمد هذا المبنى على أنه المبنى الرئيسي للكلية ويضم كذلك المدخل الرئيسي للكلية وبقي كذلك حتى افتتاح المبنى الثالث عام [1967] وانتقال العمادة اليه.
الطابق الأرضي للمبنى رقم (1):
ويتم الدخول الى الطابق الأرضي لهذا المبنى، عن طريق الدخول الى الموقع الطبي وكان وقتها المدخل الرئيسي للمستشفى الملكي/الجمهوري وبعد خطوات قليلة للداخل نستدير الى اليسار ونعبر موقف خاص للسيارات داخل الكلية ندخل من المدخل الجانبي للمبنى (1) وكان بمثابة المدخل الرئيسي للكلية (الصورة رقم 1-5).
الصورة رقم [1-5]: الطابق الأرضي للمبنى رقم واحد أفتتح عام 1959
يفضي هذا المدخل الى ممر عريض يقع على جانبه الأيمن عدد من الغرف الإدارية لمنتسبي الفروع العلمية يقابلها على اليسار مختبر واسع لفرع الكيمياء والكيمياء الحياتية يتبعها على اليسار آخر الممر مكتبة الكلية الأولى والتي أفتتحت عام [1959] وحتى تحولها الى بنايتها الجديدة (الحالية) خارج المبنى في عام [1965]. بعد المكتبة، يفضي الممر الى رواق واسع يضم لوحات الإعلانات والجداول. وفي نهاية الصحن، يقابلنا الباب الرئيسي المصمَّم للمبنى. وبين جدار المكتبة وهذا المدخل، يقع الدرج العريض الذي يفضي الى الطابع الأعلى للمبنى. أما نهاية الممر على الجهة اليمنى، فيقع المدخل الخلفي الصاعد الى نهاية مدرجات القاعة المدرجة رقم [1] بينما يقع المدخل الرئيسي للمدرج خارج المبنى في باحة واسعة مكشوفة قرب المدخل الرئيسي للمبنى. يتسع المدرج لما يزيد على (220) مقعد ومنصة طويلة في مقدمته وأقيمت في هذا المدرج المحاضرات اليومية والاجتماعات والندوات المختلفة ومحاضرات الزوار للكلية وحتى حادثة شتاء عام [1969] المشؤومة والتي سنأتي على ذكرها وتوثيقها لاحقاً في هذا المقال. يقع تحت مدرجات القاعة مخزن كبير للزجاجيات والأجهزة والمواد وله باب يقع خارج المبنى من ناحية موقف السيارات كما يقع تحت الدرج الصاعد الى الطابق العلوي مخزن كان يستخدم من قبل وحدة الرياضة البدنية في الكلية كما تتوزع هناك لوكرات الطلبة المرقمة حيث كان كل طالب يدخل الكلية يسلّم لوكر يقوم بوضع قفل عليه ويستخدمه حتى تخرجه حيث يسلمّ اللوكر سالماً للكلية عند تخرجه ويُوَقع له ضمن براءة الذمة من فروع وادارات الكلية.
الطابق الوسطي للمبنى رقم (1):
يتوسط هذا الطابق الوسطي، وهو نصف طابق صغير المساحة (Mezzanine)، بين الطابقين الأرضي والعلوي ويحتل الجزء الشرقي فقط من المبنى وفوق وتحت الغرف الإدارية وذلك لعلو سقوف المختبرات التي تحتل الجزء الغربي من الطابقين الأرضي والأعلى. لهذا الطابق الوسطي مدخل واحد من الدرج الصاعد من الباب الخلفي للمبنى وكما مبين في المخطط حيث يربط الدرج الكبير قرب الباب الرئيسي الطابقين الأرضي والأعلى ودون الإفضاء الى هذا الطابق الوسطي. يحتوي الطابق على ممرٍ تقع على يمين الداخل اليه غرف إدارية وغرف مختبرية صغيرة للأساتذة ويضم في نهايته مكاتب العميد وادارته أثناء شغلها للطابق طيلة الفترة بين 1959-1967 الصورة رقم [1-6].
الصورة رقم [1-6]: الطابق الوسطي للمبنى رقم واحد أفتتح عام [1959]
لا توجد عل الجهة اليسرى للداخل للطابق أي غرف لأن الحائط يفصله عن المختبرات في الطابق الأرضي ذات الأسقف العالية. وهناك غرفتان وسط هذه الغرف تفتح على بعضها وكانت خُصّصت في [1965-1967] لإنشاء نواة وحدة للبحوث الطبية أسسها الدكتور جون هارفي كرم وهو أميركي من أصول لبنانية وكان أستاذاً متفرغاً من جامعته في كاليفورنيا الى الكلية وفي فرع الطب وسنمر على تفصيل ذلك لاحقاً. وللحقيقة لا أستطيع الآن تذكر عدد الغرف بالضبط في الطابق وأؤكد أن العدد المبين في المخطط لا يمثل العدد الفعلي الذي قد يقل أو يزيد عن العدد المبين في المخطط. كانت هذه الغرف يشغلها موظفو الإدارة ورؤساء الفروع السريرية والذين كانوا يتوزعون على الغرف الإدارية في المبنيين الأول والثاني.
الطابق الأعلى للمبنى رقم (1):
كما ذكرنا في أعلاه فان الطابق الأعلى للمبنى الأول كان مكان الدروس العملية للصف الأول حيث يقضي الطالب جميع دروسه في هذا المبنى. وإذا صعدنا اليه من الطابق الوسطي بواسطة الدرج الصغير والقريب من الباب الخلفي للمبنى، سيواجهنا أول صعودنا، وعلى الجهة اليسرى للممر، مختبر البايولوجي (علوم الحياة) ومن بعده مختبر الباراسايتولوجي (علم الطفيليات) ومن بعده مختبر البكتريولوجي (علم الجراثيم) ومن ثم يليه مختبر الفيزياء كما مؤشر في الصورة [1-7] أدناه.
الصورة رقم [1-7]: الطابق الأعلى للمبنى رقم واحد أفتتح عام 1959
تستخدم هذه المختبرات من قبل طلبة الصفين الأول (البايولوجي والفيزياء) والصف الرابع (حتى 1967) للدروس العملية. وعلى يمين الممر هناك غرف إدارية تابعة للفروع العلمية وهي الفيزياء وعلوم الحياة والجراثيم والطفيليات. وفي نهاية الممر وبعد مختبر الفيزياء، هناك فسحة تضم لوكرات الطلبة وتنتهي بالدرج الواسع الذي ينحدر نحو الطابق الأرضي مباشرة عند المدخل الرئيسي للمبنى قرب القاعة المدرجة رقم واحد، أي أن هذا الدرج لا يمر بالطابق الوسطي. ويفتح على هذه الفسحة، في نهاية الممر، باب يُفضي الى سطح مستوي يمتد فوق القاعة المدرجة المذكورة وهو باب المفروض للطوارئ ولكنه عادة ما يكون مقفلاً ولكنه كان يفتح أثناء احتفالات الكلية ومنها في اليوم الرياضي الذي كان يقام سنوياً في الأول من نيسان وهو يوم تأسيس جامعة الموصل ليسمح للطلبة مشاهدة النشاطات الرياضية من علو. ولا يفوتنا أن نبين وجود درج آخر يصعد من هذا الطابق الى سقف المبنى وهو استمراراً للدرج الصاعد من الطابق الوسطي وكما مبين في الصورة رقم [1-7].
المبنى رقم (2):
يعتبر هذا المبنى، وهو الثاني، مماثلاً للمبنى الأول ويستخدمه طلبة الصفوف الثانية منذ تأسيس الكلية وحتى تاريخ هدم هذا المبنى ظُلماً في العام الدراسي [2004-2005] حيث كان الهدمُ مع الأسف "أسهل" الحلول لمعالجة ما قالته بعض المصادر الهندسية في الجامعة عن وجود ضعف في أساسات المبنى والذي قد يؤدي الى انهيار المبنى وتأثيره على السلامة العامة لمستخدميهِ. وبالرغم من أن هذا السبب لم يكن شيئاً جديداً فقد كان الحديث يجري عن ذلك منذ أوائل الثمانينات ولكن ومع الحصار المفروض وتأجيل ادامة وإصلاح وانشاء المشاريع الانشائية وما تسبب في التخوف من انهيار المبنى وما يحمل هكذا احتمال من خطورة وتهديد للسلامة وخصوصاً كان عددٌ كبير من الطلبة يستخدم مرافقه ومنذ تأسيسه. ومن المؤسف أن عملية الهدم كشفت عن قوة ومتانة المبنى والذي اكتشفه المهندسون بعد الحكم على المبنى بالإزالة والتنفيذ معاً من جراء تهمة هو برئ منها وكما أعلمني زميلاً وكان مسؤولاً ادارياً في الكلية والذي شهد تلك الأحداث. وكان هذا المبنى ونظيره المبنى الأول العمود الفقري لجميع نشاطات الكلية ويستخدمها طلبة الصفوف الأربعة الأولى. وفي الصورة رقم [1-8] في أدناه، يبدو المبنى من واجهته الشمالية بأبهى صورة والقاعة رقم [2] وكذلك تبدو ساحة التنس وقد تم اعداد أرضها وقبل تسييجها ومؤرخة في العام [1959] وقبل بدء الدراسة. كما تبدو في أنحاء الصورة مواد بناء متروكة كما يظهر كذلك، في أقصى يسار الصورة، جزء من المبنى الأول.
الصورة رقم [1-8] المبنى رقم [2] كما يبدو في [1959] وقبل بدء الدراسة
الطابق الأرضي للمبنى رقم (2):
الصورة رقم [1-9]: الطابق الأرضي للمبنى رقم أثنين أفتتح عام [1959]
يشابه هذا الطابق نظيرَه في المبنى الأول من حيث المداخل والسلالم ومكان وحجم القاعة المدرجة والتي تحمل هنا رقم [2]. وعند الدخول الى الطابق من الباب الرئيسي قرب القاعة، تقع على يمين الداخل مختبرات بحثية صغيرة وغرف للأساتذة إضافة الى الغرف الموجودة على طول الممر يسار الداخل. ولا يمكن لكافة خريجي الكلية نسيان ذكريات أهم مرفقين في هذا الطابق والتي قضى فيهما، كل طالب، وقتاً طويلاً ولابد أن لكل منهم تجربة لا تُنسى. وأقصد بالمرفقين هنا بالطبع صالة التشريح ومن بعدها يأتي نادي الكلية القديم والذي أستعمل منذ التأسيس وحتى [1967] عند انتقال النادي الى المبنى الجديد المخصص للنادي أقصى شمال موقع الكلية كما في الصورة رقم [1-9].
الطابق الوسطي للمبنى رقم (2):
الصورة رقم [1-10]: الطابق الوسطي للمبنى رقم أثنين أفتتح عام [1959]
يتكون الطابق الوسطي من غرف إدارية تعود الى فرع الفسلجة وفروع أخرى تشغل مختبراتها الطابق الأعلى وبشكل مناظر للطابق الوسطي في المبنى الأول من حيث المدخل والدرج الصاعد اليه والدرج الصاعد منه الى الطابق الأعلى. ومن الجدير ذكره هنا، أن الفضاء الذي تشغله عمادة الكلية في المبنى الأول، تشغله في المبنى الثاني إدارة فرع الفسلجة كما خُصّصت احدى الغرف لإدارة المجلة الحولية التي أصدرتها الكلية عام [1966] وأسمها "مجلة طب الموصل" كما سنبين عنها في الأجزاء المقبلة من المقال. وكان يشغل الدكتور مهدي أبراهيم حلمي غرفتين مفتوحتين على بعض واستعملها بمثابة مختبر بحوث يحتوي على أجهزة وما شابه وبصورة مشابهة لمختبر وحدة البحوث الطبية في الطابق الوسطي بالمبنى الأول كما في الصورة رقم [1-10].
الطابق الأعلى للمبنى رقم (2):
الصورة رقم [1-11]: الطابق الأعلى للمبنى رقم أثنين أفتتح عام [1959]
تتوسط بين المبنيين، الأول والثاني، باحة مكشوفة تربط بين المدخلين الرئيسيين لكل من المبنيين وكذلك بين المدخلين الرئيسيين للقاعتين المدرجتين رقم [1] ورقم [2]. وكان يجاور كل قاعة ممر مغطى يفضي الأول، وهو القريب من مدخل قاعة [1]، يفضي الى موقف السيارات عند المدخل الرئيسي للكلية قرب المدخل الرئيسي للمستشفى وكانت تحيط بالموقف أشجارُ السنديان الأنيقة وفارعة الطول وكان يقع في بداية الموقف وعى بيار الداخل للكلية، مبنى صغير وانيق هو نادي كلية الصيدلة والتي أفتتحت وقبل فيها طلبة الدورة الأولى عام [1964-1965]. أما الممر المسقف الثاني والقريب من مدخل القاعة [2] فكان يفضي الى الأرض الفارغة خلف المبنى [2] وعند نهاية الممر، يقع بيت الحيوانات التجريبية والذي كان جزء منه تحت القاعة المذكورة. وتمتد الأرض الفارغة جنوباً حتى سياج دار العجزة الذي أزيل عام [1965] وتم بناء المكتبة الجديدة والتي بقيت كذلك حتى عام [2017]. واضافة الى القاعات الدراسية والمختبرات العملية، احتوى المبنيان على مرافق مهمة أخرى ومنها مكتب مجلة الكلية ووحدة البحوث الطبية وساحة التنس والمكتبة القديمة والمكتبة الجديدة ونادي الكلية القديم كما في الصورة رقم [1-11].
المبنى الثالث
في العام [1967] تم الانتهاء من بناء المبنى رقم [3] أو ما درج على تسميته بعد ذلك بمبنى العمادة وضم ثلاث قاعات دراسية وبحجم أصغر من الموجودة في المبنيين الأول والثاني ورافق ذلك بناء قاعة كبيرة أمام المبنى برقم [4] ومبنى مستشفى النسائية والتوليد وجناح للخدمات والتدفئة والتبريد المركزي للمبنى الجديد ولمبنى مستشفى النسائية كذلك وبذلك تم وصل المبنيين القديمين بمبنى نادي الطلبة الجديد الذي افتتح قبل المبنى [3] وأصبح للكلية ست قاعات كبيرة وهي القاعات [1 و2] والقاعة رقم [3] وهي قاعة مدرجة وتقع خلف ردهات الباطنية وتطل على دجلة وتشرف على موقع عين كبريت وكانت منذ انشائها مخصصة لطلبة الصف الرابع والقاعة رقم [4] وتقع أمام المبنى الثالث الجديد وفي الطريق الى معهد الأشعة وأحتوى المبنى الثالث على ثلاث قاعات [5 و6 و7] تقع الأولى في وسط الطابق الأرضي وكانت في التصميم مساحة خضراء حولت الى قاعة ومن بعد تم مكانها بناء غرف إدارية شغلتها شعبة الشؤون العلمية في الثمانينات وكان هناك قاعتان مدرجتان في الطابق الأول للمبنى الثالث كما في الصورة رقم [1-12].
الصورة رقم [1-12] مدخل العمادة في المبنى الثالث. الصورة من مقتنيات السيد توران أدهم، وحدة التصوير الطبية.
تم افتتاح المبنى الثالث وباقي أبنية المجموعة الثالثة من المبني في أيلول [1967] وكانت بكلفة [250] ألف دينار تقريبا وافتتحها رئيس الوزراء آنذاك الفريق طاهر يحيى ورافقه كل من وزير الإصلاح الزراعي ووزير الاقتصاد ووزير الصناعة ووزير رعاية الشباب ووزير اعمار الشمال ووكيل وزير البلديات والإسكان وتم كذلك إضافة بنايتين لمبنى كلية الصيدلة ومسجد ومكتبة وأنشأت الكلية بعد تأسيسها بنايات أخرى حيث قدمت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أجهزة وحدات الكوبالت هدية لكلية الطب وتم افتتاح معهد الطب الذري في [1967] وكذلك انشاء صالة كولبنكيان لعمليات القلب وكان المهندس نزار النقيب قد أشرف على البناء. وشهد حفل الافتتاح ازدحام كبير في الموقع حيث تجمع الطلبة والجمهور وكانت الناس في وقتها تروج لشائعات فساد وسرقات حول شخص رئيس الوزراء (وتبين فيما بعد كذب هكذا اشاعات في الوثائق والشهادات التي ظهرت بعد عقود ولم يشهد بعد ذلك احد بصحتها) وأتذكر يومها وكنّا طلبة متجمعين في مجموعة ونقف أمام قاعة رقم [1] فصاح بنا أحد الطلبة وكان اسمه يوسف داود مذكراً إيانا بأن (كل واحد يدير باله على "جزدانه" أي محفظة نقوده) وحدث ان تفرقنا مباشرة بعد الحفل فرأيتُ بعد دقائق زميلنا يوسف وطالب آخر من مجموعتنا راكبين في حوض سيارة شرطة بيك اب وكما يبدو قد اعتقلتهما الجهات الأمنية والتي يظهر ان مخبرين سريين كانوا مندسين بين الطلبة وأعلمنا يوسف انهم أطلقوا سراحهم في وسط المدينة بمجرد وصول البيك اب الى هناك وبدون أن يأخذوهم الى أي تحقيق أو محاسبة!
الصورة رقم [1-13] الممر أسفل الواجهة الشرقية للمبنى الثالث في الطريق الى النادي
ويتكون المبنى الثالث من ثلاثة أدوار حيث شغلت الطابق الأرضي الإدارة وبضمنها مكتب العميد ومكتب فرع الطب الباطني ومكتب ومختبر الكيمياء الحياتية وشغل مكتب فرع الجراحة مبنى صغيرا يقع بين الطابقين الأرضي والأول فوق مكتب فرع الباطنية بينما شغلت الطابقين الأول والثاني مكاتب ومختبرات فروع الكيمياء الحياتية والأمراض والأحياء المجهرية والأدوية والصحة العامة. وكان المبنى قد تم تصميمه بشكل ليبدو من الخارج متناسقا مع المبنيين الأول والثاني وكأنه مكون من ستة طوابق.
الصورة رقم [1-14] تظهر المبنيين الثاني والثالث. الصورة من مقتنيات السيد توران أدهم، وحدة التصوير الطبية
المبنيان الرابع والخامس
استمرت الكلية باستخدام البنايات الثلاثة [1 و2 و3] ولكن حصلت أحداث أثرت في هذا الاستخدام. حيث قدم الدكتور محمود الجليلي في مطلع العام الدراسي [1969-1970] استقالته وقبلت وتم تعيين الدكتور نزار نظيف الشاوي رئيساً جديداً للجامعة أواخر تشرين الثاني [1969]. وفور تسلمه المنصب، قام الدكتور الشاوي بإجراءات كثيرة غير مدروسة أثرت سلباً على الكلية وبدون شك، على الكليات الأخرى في الجامعة.
القرار الأول: اتخذ قراراً غير موفق ألغَى بموجبه كلية الصيدلة في جامعة الموصل ونقل الطلبة الى كلية الصيدلة في جامعة بغداد وكانت الكلية قد تأسست عام [1964] وشهدت تخرج طلبة الدورة الأولى فيها في حزيران [1969]. كان القرار فوري وواجه الأساتذة والمنتسبين وطلبة الصفوف الخمسة التي كانت تداوم في الكلية ظروفاً صعبة لا توصف وهم وسط معمعة الدراسة وقبل انتهاء الفصل الدراسي الأول وهم يفكرون بالسفر وبالنقل وبالسكن في بغداد. وقد أعاد الدكتور الشاوي الكرة عند نقله من جامعة الموصل ليترأس جامعة البصرة في شهر نيسان [1971] واتخاذه القرار لإغلاق كلية طب البصرة ونقل طلبتها الى بغداد ولكن معارضة عميد الكلية وقتها الجراح البصري المعروف أحمد المناصير ووقوفه بوجه رئيس الجامعة ورفع استقالته من العمادة الى جهات علياً شارحا الأمر مما أجبر الشاوي على العدول عن خطته، وكنتُ وقتها أعمل تحت اشراف المناصير في مستشفى البصرة الجمهوري وكانت الأمر قد تحول الى قضية عامة. ومما يستدل من قرار النقل كان خطأ فادحاً هو عودة الجامعة لفتح الكلية من جديد عام [1992].
القرار الثاني: قرر أن يُقبل في العام القادم [1970-1971] جميع المقبولين من خريجي الثانوية في صف جامعي موحد ويؤدون في آخره امتحان تفضيلي للتأهل لدخول الكليات المختلفة وكان لهذا القرار تأثير ضار سنبينه لاحقاً. أما القرار الآخر الذي يخص الصف الأول في العام الدراسي القادم. وقد أخبرني الدكتور سمير المختار (خريج الدورة 12 عام 1976) قائلاً: " انا من الدورة 12 وقد أصابنا مصابان: كنا نحن الدورة الاولى التي تخرجت من السادس العلمي بعد أن كانت الدراسة الإعدادية، قبل ذلك، تنتهي بالصف الخامس وبذلك خسرنا سنة من عمرنا وأصبح الذي يكبرنا بسنة يغلبنا سنتين دراسيتين وليس سنة واحدة. كذلك نحن الدورة الوحيدة في العراق، اقصد الجامعة الوحيدة في العراق، التي طبق فيها نظام سمي بالسنة الجامعية الاولى الموحدة في سنة [1970] وبعد تخرجنا من السادس العلمي تم معاملة كافة المقبولين في الجامعة من خريجي الثانوية العامة كطلبة في كلية العلوم تحت اسم ’ الصف الاول العام’ في زمن الدكتور نزار الشاوي رئيس جامعة الموصل في ذلك الوقت وهو صاحب هذه الفكرة سيئة الصيت. وقد الغاها في الشهر الرابع سنة [1971] الدكتور محمد صادق المشاط الذي جاء بعد نزار الشاوي والذي نقل الى جامعة البصرة. كانت المواد في السنة الاولى الموحدة ثمانية مواد وهي الكيمياء والفيزياء والحيوان والنبات والرياضيات والانكليزي والجيولوجي والوطن العربي وبعد ان اجتزنا هذه السنة تم احتساب مجموع المعدل في الصف السادس العلمي مع الاول العام وتقسيمه على اثنين. وكان عدد الطلبة في السنة الاولى الموحدة هو ألف وستمائة طالب وطالبة وتم توزيعهم في السنة الثانية الى كليات الطب والهندسة والعلوم والزراعة." وبذلك أضاع طلبة الطب سنة كاملة دون أن يدرسوا مواد طبية حيث كان المنهج يتضمن دراسة العلوم الأساسية غير الطبية في الفصل الأول فقط من الصف الأول ويبدأ الطالب بدراسة العلوم الأساسية الطبية في الفصل الثاني. ويخبرنا الدكتور سمير عن معاناة الطلبة من ذلك القرار فيقول: "كان عدد الطلبة الراسبيين من الالف وستمائة طالب هو ثلاثمائة وخمسون احتارت الجامعة بهم بعد الغاء ذلك النظام فقرر رئيس الجامعة الجديد الدكتور المشاط نقلهم الى كلية الزراعة والغابات ولنتصور كيف تم التلاعب برغبات الطلبة وأهمل تفضيلهم لكلية عن أخرى. دخلنا الصف الثاني كلية الطب لندفع ثمن تلك التجربة الفاشلة حيث تفاجأنا بان مادتي الانسجة ومادة تشريح الأطراف العليا والسفلى والبطن التي كانت تدرس في الصف الاول يتوجب علينا الآن دراستها في السنة الثانية مع مادة تلك السنة وهي مادة كثيرة. اي اننا درسنا التشريح كله في سنة واحدة مع الاجنة اضافة الى الانسجة والفسلجة والكيمياء الحياتية ويشهد الله ان الجدول كان مزدحماً بالدروس والمختبرات طيلة أيام الأسبوع بشكل جنوني وحتى متأخرة ليلاً. "
القرار الثالث: وكان قبل [1970] قد قرر فور تسلمه منصبه أن ينقل مكان دراسة طلبة الصف الأول طب الى قاعات ومختبرات كلية العلوم في المجموعة وكان القرار مربك جداً للطلبة والذين كانوا قد بدأوا دراستهم ذلك العام [1969-1970] في قاعة رقم واحد ومختبرات المبنى الأول في الكلية وتنفيذ ذلك القرار أدى الى قرار آخر ينص على الحاق ونقل كافة منتسبي شُعب الكلية في علوم الحياة والفيزياء والكيمياء العامة الى ملاك الأقسام المناظرة في كلية العلوم وكان بينهم أساتذة أجانب تعاقدوا للعمل في كلية الطب فأصبحوا بليلة وضحاها يعملون في كلية العلوم دون ارادتهم وخلافا للعقد الموقع مع الجامعة.
القرار الرابع: وبعد افراغ المبنى الأول قرر رئيس الجامعة الجديد أن تخصص كل طوابق المبنى الأول ليكون قسماً داخلياً للطلاب ولم يأخذ بنظر الاعتبار أن المبنى مصمم لغرض التعليم والتدريب ويضم قاعات ومختبرات واسعة ويحتوي على تأسيسات فنية تحت أرضيات المختبرات والمبنى وكذلك لم يأخذ بنظر الاعتبار كون المبنى يقع داخل حرم الكلية وهو بذلك لا يصلح لأن يكون مكان للسكن مع كل ما يصاحب ذلك السكن من حاجات انشائية ومرافق صحية واختلاط الطلبة أثناء الدراسة مع طلبة ساكنين في غرف سكنهم ونومهم...الخ. ولكي ينفذ ذلك القرار أمر رئيس الجامعة بإجراء تحويرات وانشاء قواطع داخل المختبرات وبناء مرافق صحية ومطابخ...الخ. وبدأ العمل أثناء الدراسة في الكلية مبتدئين من الطابق الأعلى نزولاً الى الطابقين الوسطي والأرضي. كنتُ وقتها طالباً في السنة السادسة الأخيرة وكان دوامنا يتم في المستشفى طيلة اليوم فلذلك كنت أصل الكلية قليلاً بعد الساعة السادسة والنصف مشياً على الأقدام من بيتنا في محلة امام أبراهيم وألتجئ، حالي حال الطلبة المبكرين في الحضور، إما الى المكتبة أو الى احدى القاعتين الأولى والثانية أقرأ في كتب الطب السميكة وكان فرّاش المكتبة وفرّاش القاعة يفتحان قاعة المطالعة والقاعات الدراسية بوقت مبكر وكان فرّاش القاعة الأولى يبدأ بتنظيف مدرجات القاعة في السادسة وكان يسمح لنا بالدخول مرغماً ومتضامناً مع حالنا من شدة برد تلك الأيام الشتائية من شهر كانون الأول [1969]. خرجتُ من قاعة المكتبة حوالي الساعة السابعة والنصف متجهاً الى المستشفى الجمهوري وكان الجو قارصاً يلفه ضياء صباحات الشتاء الباهت. وعندما نظرتُ الى الباب الرئيسي للقاعة الأولى وهي أمامي وعلى طريقي وكان الباب مفتوحاً، بهرتني شدة الإضاءة داخل القاعة بشكل مثير وعند وصولي الى ذلك الباب في طريق للمستشفى هالني ما وجدت. كان باب القاعة ذو "السفاقتين" مخلوع والسماء قد غطت أعلى القاعة بدلاً من سقفها الذي انخسف وسقط على المدرجات. وفوراً تجمع طالبين أو أكثر منبهرين وقد أصابتنا صدمة أخرستنا وفي لحظات وجدنا فرّاش القاعة وهو يردد بأنه أرغم كل الطلبة الذين كانوا بالداخل على الخروج من القاعة وهم غاضبين منه لكي ينظف القاعة وأنه بدوره خرج بعد ذلك لكي يجلب معه أدوات التنظيف فيسمع وهو خارج القاعة صوت سقوط السقف فيعود مسرعاً ليجد كل شيء قد أنقضى وبدون أي ضحايا. لو تأخر سقوط السقف ربع ساعة لكانت القاعة قد امتلأت بمائتي طالب وطالبة ومعهم ذلك الوقت الأستاذ الدكتور عبد القادر ياسين حيث كانت له محاضرة الساعة الثامنة. ومن التحقيقات تبين أن عمّال البناء الذين كانوا يسابقون الزمن لتنفيذ أمر رئيس الجامعة لتحوير مختبرات الطابق الأعلى ويجمعون مخلفات الجدران ومواد البناء ويتركوها على سقف القاعة والذي تبين أنه سقف خفيف لم يحتمل مثل تلك الأثقال وأن إرادة الباري عز وجل وأقداره منعت من حدوث كارثة مريعة بكل معنى الكلمة وذهب ضحيتها مئات الشباب. ومنذ ذلك الحدث، لم يجرؤ أحد على المضي بخطة تحويل المبنى الأول الى قسم سكني للطلاب وتوقفت التحويرات وهُجر المبنى لسنوات طويلة لأنه لم يعد صالحاً لا للدراسة ولا للسكن، وتم فقط إعادة بناء سقف للقاعة وتأثيث مدرجاتها كما تم استخدام مختبرات الطابق الأرضي لأغراض المكتبة والفروع الأخرى وتم استخدام الطابق الوسطي عند تأسيس مركز الاستشارات الطبية ولكن بقي الطابق الأعلى مهجوراً الى الأبد.
في [11 آب 1971] صدر قانون تفرغ الاطباء في مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي رقم [121 لسنة 1971] وأعتبر نافذاً من تاريخ نشره في الوقائع العراقية العدد [2030 في 11 آب 1972] فقامت الكلية بتحويل الطابق الوسطي للمبنى الأول الى مركز الاستشارات الطبية ونجح المركز في هذا المكان وفتح باب للمراجعين وهو باب الكلية الرئيسي منذ تأسيسها وحتى [1969] وافتتحت صيدلية في مبنى نادي الصيدلة المنشأ عام [1964] والذي لم يستخدم بعد نقل كلية الصيدلة الى بغداد عام [1969].
استمرت الكلية خلال الثمانينات والتسعينات بدون إضافات في الأبنية الا ما جرى في أوائل التسعينات باستخدام مختبرات الطابق الأرضي للمبنى الأول وفتح مختبر للمهارات يتبع مركز التعليم الطبي كما تم تأهيل مبنى كلية الصيدلة وتم نقل فروع الصحة العامة وعلم الأمراض اليها. وفي بداية الألفيات تم تأسيس كلية طب ثانية وسميت كلية طب نينوى وافتتحت عام [2002] وتحمّلت الكلية الضغط على المختبرات فشرعت ببناء مبنيين: الأول وسمي مبنى فروع العلوم الطبية الأساسية (وهو المبنى الرابع للكلية) وآخر للعمادة (المبنى الخامس-مبنى العمادة) كما في الصورة [1-15].
الصورة رقم [1-15] المبنى الرابع للعلوم الطبية الأساسية (اليمين) والخامس للعمادة
خصصت لذلك الأرض الفارغة خلف المبنى الثاني والمكتبة. وبدأ العمل في المبنى الجديد قبل سنة [2003] وأُنجز مبنى العلوم الطبية الأساسية (الرابع) وانتقلت إليه الفروع ذات العلاقة في العام الدراسة [2004-2005] وبعد ذلك الانتقال تم هدم المبنى الثاني وكان وقتها المبنى الجديد للعمادة لازال قيد التنفيذ والذي أنتهى بناؤه بعد عام [2006] أو حوالي ذلك التاريخ. أما المبنى الثاني (مبنى التشريح القديم) فقد كان يُعتقد أن بنيانه يشكل خطراً على السلامة وأنه كان آيلاً للسقوط بينما تبين للمهندسين أثناء عملية الهدم أن المبنى والأسس كانت قوية ولم يكن فيها أي ضعف أو خلل يؤدي الى انهياره أو يسبب أي خطر. وبذلك هُدمت، عند هدم المبنى الثاني كل ذكريات أجيال من الطلبة عاشوا فيها في مختبر التشريح وغيره ولسنوات كثيرة بين [1959-2006] تخرجوا في أربعين دورة.
الصورة رقم [1-16] تظهر المبنى الثالث وحديقة مكان ساحة التنس بينما تظهر ساحة للتنس/السلة مكان المبنى الثاني الذي هُدم عام [2005]
القاعة رقم [1] والقاعة رقم [2]:
تتسع كل من القاعتين لعدد أكثر من [220] طالب وقد تم تأثيث كل منهما بمقاعد متصلة بين الممرات وعلى كافة مدرجاتها من المنصة الى حد الباب الخلفي وبممر وسطي يقسم المقاعد الى نصفين مع ممرين على جانبي المقاعد ولذلك بالإمكان استيعاب المقاعد لأعداد أكبر من استيعابها المقرر كما في الصورة [1-17].
الصورة رقم [1-17] للقاعة رقم [2] كما تبدو من الخارج وبعد غلقها في السبعينات.
منذ افتتاح الكلية وحتى عام [1967] وبناء المبنى رقم [3]، كانت القاعة رقم [1] قد خُصصت لمحاضرات الصف الأول عند التأسيس وخصصت القاعة رقم [2] لمحاضرات الصف الثاني والثالث بينما خُصصت لمحاضرات الصف الرابع، قاعة مدرجة بُنيت عند نهاية ممر الردهات الباطنية في المستشفى الجمهوري وكنا نسميها مجازاً "قاعة الشط أو قاعة الرابع." كانت القاعة الأولى تستخدم عند استضافة محاضرين خارجيين أو أساتذة زائرين وأتذكر استضافة محاضرة لفريق من أطباء وجراحي العيون من الاتحاد السوفييتي وتكلموا عن زرع القرنية وكان موضوعاً جديداً وقتها وكذلك محاضرات أستاذ بريطاني أسمه [Dr Peter Nixon] مختص في القلبية وشرح كيفية معالجة المصابين باحتشاء عضلة القلب عن طريق حقن مادة الزايلوكايين [Lidocaine] بالوريد وفي أحد ليالي رمضان امتلأت القاعة بالحضور من أساتذة وطلبة وعدد من أساتذة ممتحنين أجانب من بريطانيا وأميركا لمشاهدة جلسة صوفية مثيرة تخللها عرض حي في "ضرب الدرباشة" وأتذكر قيام الدكتور خليل الشابندر وقتها بالصعود الى خشبة المنصة ومعه جراح أجنبي وقاموا بفحص مدخل ومخرج الشيش الذي اخترق بطن أحد المشاركين وخرج من ظهره دون قطرة دم واحدة وكنتُ أجلس في الصف الأمامي فالتفت الينا عند عودته من الفحص وصرّح لنا قائلاً "أن ذلك حقيقي وأنه خبال في خبال."
الصورة رقم [1-18] للقاعة رقم [1] من الداخل عام [1961]. المصدر: من مقتنيات السيد معن عبد القادر آل زكريا.
أما القاعة رقم [2] فبالإضافة لمحاضرات الطلبة، كانت تستضيف الفعّاليات العلمية ويحضرها بالأساس طلبة الصف السادس والراغبين من الصفوف الأخرى حيث يتم لقاء الجراحة يوم الاحد [surgical meeting] ومن ثم لقاء الباطنية يوم الأربعاء [medicine meeting] ومن ثم الفعالية المثيرة يوم الخميس وهو اللقاء المشترك بين كل الأقسام [combined meeting] حيث كانت تقام أشرس المناقشات والمماحكات وصولاً الى تشخيص وعلاج الحالات المعروضة. ويتذكر الدكتور عزالدين شكارة تلك اللقاءات في رسالة له عن زميلة الشابندر ومؤرخة في سنة 2011 قبيل وفاته ونشرها الأخ الدكتور سعد الفتال فيقول: "بدأت علاقتي الشخصية بالشابندر تتعمق شيئاً فشيئاً على الرغم من تباين صفاتنا وعاداتنا فقد كنت أميل الى الهدوء والتروّي وخاصة في الاجتماعات....والاجتماع السريري المشترك بعكس الدكتور خليل الذي كان حاد في طبعه ونقاشاته وكثيراً ما كان يحصا الصدام العلمي بيننا ويرتفع الى حدود لم يألفها الطلبة ...من قبل وكان عجبهم يزيد عند انتهاء الاجتماع ويشاهدون [الخصمين] يضحكان سوية وتتماسك أياديهما وهما يذهبان الى من الاجتماع الى نادي الطلبة لشرب القهوة. ولا شك أن ذلك التصرف قد أعطى مثالاً طيباً عما يجب أن تكون عليه العلاقة بين الأساتذة وأن الاختلاف في الرأي لا يفسد في الوّد قضية."
دار الطالبات
كان دار سكن الطالبات، أو ما متعارف عليه بالأقسام الداخلية، في السنوات القلية بعد تأسيس الكلية، تشغل دور الإدارة المحلية ومؤجرة لصالح الكلية وهي فلل كبيرة تحيط كل منها حديقة واسعة ولكل منها بابان يودي الكبير منهما الى كراج. وكانت تحتوي على ما لا يقل عن 5 غرف واسعة إضافة الى المرافق الأخرى وخصصت كل غرفة لطالبتين فقط. واستمر الحال هكذا الى ان تم بناء مبنى بني خصيصاً ليكون قسماً داخلياً لطالبات الكلية وأفتتح في أيلول عام [1967]. تقع دور الإدارة المحلية عبر الشارع الضيق (ذهاب وإياب) والواقع غرب الكلية من ناحية ساحة التنس وكان الشارع يودي الى شمال المدينة وينتهي قليلا بعد مدرسة الممرضات وخزان الماء الكبير الذي بنيت بجانبه لاحقاً المستشفى العام ومعهد الطب الذري وكان الشارع يودي الى خارج المدينة. وتجاور البيوت غرباً محلة الزنجيلي التي تنتهي شمالا بمعمل مشروب الكوكا الكولا ولم يكن هناك أبنية وذلك قبل فتح شارع بغداد وتشييد الجسر الثالث في [1976] كما في الصورة رقم [1-19].
الصورة رقم [1-19] تظهر دار الطالبات ومركز البحوث الطبية
كانت الطالبة التي يتقرر اسكانها في الداخلي تسكن مجانا ويُدفع لها إضافة على السكن، بدلُ طعام يبلغ 3 دنانير ونصف الدينار في الشهر. أما الطالبة التي لا يتم الموافقة على اسكانها في الداخلي بناء على الحالة المعيشية لعائلتها فان بإمكانها السكن أيضا في القسم الداخلي لقاء دفعها بدل ايجار يبلغ دينار واحد ونصف الدينار فقط في الشهر وكانت الكلية تخصص لكل بيت طباخ يداوم نهارا وحارس ليلي مناوب لكل ليلة.
وفي ربيع العام [1967] وضمن المباني التكميلية التي أنجزت للكلية وهي المبنى رقم [3] ومستشفى الولادة والنسائية ونادي الكلية الجديد ومبنى مختبر البحوث الطبية، ومعهد الأشعة الذرية، كما تم بناء مبنى مخصص لإسكان طالبات الكلية الطبية ولا يبعد عن الكلية سوى حوالي خمسين متر. يقع المبنى غرب مبنى الكلية (الصورة رقم 1-19) وتحديدا على ارض واسعة تقع يسار شارع فرعي للشارع المتجه شمالا والذي وكما تم وصفه في أعلاه ومقابل مبنى مركز البحوث الطبية. كان المبنى مكون من جناحين وجزء اداري في الوسط ويتكون كل جناح من طابقين ويحتوي كل طابق على مطبخ وغرفة جلوس كبيرة وحمامات وغرف إدارية ويضم كل طابق عشرة غرف واسعة تم إسكان أربع طالبات في كل منها. وكان يداوم في القسم طباخ يعتمر العقال رأسه ويقوم بالطبخ اليومي مع ما توصيه الطالبات. وكذلك يوجد حارسان اثنان في مبنى صغير منفصل في مدخل القسم الوسطي يتناوبان على الحراسة. كان الحارس يمر على الطالبات مساء كل يوم ويسجل في قائمة يحملها طلبات كل طالبة أو في معظم الأحيان يسجل طلب كل غرفة من الاحتياجات من مواد الطبخ من الخضرة واللحوم والأرز والخبز وما شابه ويقوم بجلبها لهم في صباح اليوم التالي وعند بدء خفارة حراسته لتكون المواد جاهزة عندما تعود الطالبات من الكلية لاستخدامها في تهيئة طعامهم. ومع ذلك فان أكثر الأوقات تتناول الطالبات وجبات الطعام في نادي الكلية الذي كان يقدم ثلاث وجبات تتضمن عدد كبير من الطبخات ولا يقفل حتى المساء كل يوم عدا الجمع والعطل.
وحكت لي احدى زميلات الدراسة من سكنة الدار انهم مرة لم يكن لديهم ما يطبخونه للعشاء لسبب او آخر فاستدعوا الحارس يستشيروه في تدبير شيء جاهز يأكلونه ذلك المساء، وبعد أخذ ورد وطلب وعرض واستفسار ومقترح عن المتوفر في ذلك الليل الشتوي المظلم ونادي الكلية مغلق ولم يكن هناك مطاعم مفتوحة سوى دكاكين بقالة قريبة من مدخل المستشفى فتقول: أنهم فرحوا جدا بما أقترحه الحارس لجلبه من طعام وأنه سيكون متوفر وعاشوا لحظات ينتظرون عودته "بالأكلة" التي وعدهم بها ولم يكونوا قد صدقوا انه فعلاً سيأتي بها وخصوصاً انهم كانوا ذلك الوقت قد أصابهم الجوع ويتمنون أكل مثل تلك الأكلة. كانت تلك الأيام فترة امتحانات ينسى فيها الطالب أكلَه الى ان يصرعَه الجوع في وقت متأخر. قامت الطالبات بالتهيئة للأكلة بعمل سلطة مما تبقى لديهم من خضراوات وجلسن ينتظرن الحارس. وتفاجأت طالبات الغرفة بما جلبه الحارس لهم وبما اصابهم من خيبة أمل. كانت الطالبات تحلم بما وعدهم الحارس أكلة ساخنة ومالحة من أطباق طبخة المعكرونة الإيطالية لأنه أقترح عليهم "جلب المعكرونة لهم" ووافقوا دون تردد بينما جلب الحارس لهم ما كان يعنيه هو بلفظة "المعكرونيا" وهو الاسم المستخدم في الموصل لنوع من أنواع المعجنات الحلوة التي تصنع يدوياً وتشابه الشكرلمة والسودا الموصلية ولكنها أكثر جفافاً وتحتوي على جوز الهند وهي بالأساس مشابهة لبسكت إيطالي يشتهر بالاسم ذاته. كانت تشرف على الأقسام الداخلية مشرفات مُعَيّنات من الجامعة وليس من الكلية.
المكتبة القديمة [1959-1965]
هي مكتبة الكلية القديمة ومن المرافق المهمة التي كانت في المبنى رقم واحد حيث شغلت قاعة متوسطة المساحة في الطابق الأرضي لمبنى رقم واحد أي مبنى العمادة وكان بابُها يقابل المدخل الخلفي للقاعة المدرجة رقم واحد وكما مبين في المخطط في الصورة رقم []. كانت المكتبة مكونة من قاعة مطالعة مربعة يتصدر مدخلها منضدة مكتب يجلس عليه موظف المكتبة وتنتشر على بقية أضلاع المربع مكتبات خشبية مزججة ما عدا الشبابيك التي كانت تطل على الباحة خلف المبنى قرب بيت الحيوانات الصغير وتطل كذلك على دار العجزة الذي أزيل عند بناء بناية المكتبة عام [1965]. كانت رفوف المكتبات الخشبية تضم كتب طبية يستخدمها الطلبة من الصفوف المختلفة ولم تكن القاعة مكتظة بالقراء بحيث اتذكر أنني في بداية الدراسة في الصف الأول كنت اقضي وقتا طويلاً في هذه المكتبة وكنتُ أستعير ثلاثة او أربعة كتب مرة واحدة، خصوصا في علم الأحياء او البايولوجي حيث كان يحاضر فينا الأستاذ الهندي شاران، وكنت أقوم بوضع الكتب أمامي على طاولة المطالعة وعادة لم تكن مزدحمة واقرأ كل جزء من ملاحظات الدرس الذي أخذناه وكان دائماً ما يكون محاضرة نحاول أن نكتبها حرفيا نقلا عما يقوله الأستاذ مع القليل جداً من الفهم لما يقوله وقتها وأتنقل بين الكتب التي أمامي وأبحث ماذا يقول كل كتاب عن الموضوع لكي أجد ما له علاقة بكل جزء معين من المحاضرة وأمر على الكتب إلى ان افهم ذلك الجزء وأسجل ملاحظات عما فهمته أنا ثم اذهب إلى الجزء الذي بعده وهكذا. ولكن ذلك لم يستمر طويلاً، فبعد عدة أيام جاءتني الست سهيلة وكانت مسؤولة المكتبة وقاعة المطالعة ومنها نستعير الكتب وأخبرتني بأن اقرأ في كتاب واحد وأعيد باقي الكتب إلى الرفوف ولم تقتنع بأسبابي رغم أني أكدتُ لها استعدادي لإعادة الكتب إذا ما طلبها أحد من الطلبة ولكن دون جدوى. كان لذلك الأمر أثراً في نفسي فكرهت من حينها حفظ المحاضرات لأن الاعتماد على المحاضرة فقط لا يقود الا الى حفظها دون فهم معمق لمحتواها. وقد أجبرني ذلك الاجراء الى الذهاب الى بغداد لشراء الكتب الطبية من المكتبات مثل المكتبة الكائنة في الطابق الثاني لمحلات أوروزدي باك في شارع الرشيد وكان اسمها مكتبة مكنزي حيث اشتريت أربعة كتب بقيتْ عندي وأستخدمَها أولادي الذين درسوا الطب بعد عقود من الزمن. كان أول هذه الكتب هو قاموس طبي شهير ومفيد جداً وكان أسمه "دورلاندز" وكان يشرح مصدر ومعاني أجزاء أي كلمة أو مصطلح طبي ومنه تعلمت كيف تكتب المصطلحات الطبية وأجزاء الجسم والأمراض وتمنيت لو يتضمن منهج كلية الطب شرح ذلك (وهو ما أدخلناه على منهج كلية طب تكريت بعد ربع قرن) وكان الطلبة أيامنا يحفظون المصطلحات دون أن نفهم أجزاء كل مصطلح. ومرة سمعت الدكتورة شذى الحلي تقول أن أخاً لها خابرها من بغداد حيث كان يدرس الطب ويطلب مساعدتها لأنه عجز عن إيجاد معنى لمصطلح أنساه النوم وتبين لها أن ذلك المصطلح كان أسم مؤلف كتاب التشريح (كاننكهام) وكان يتصوره مصطلحاً طبياً وقضى أيام يبحث عن معناه في القواميس. كما اشتريت نسخة من كتاب "كرايز أناتومي" الشهير والذي نشر لي في طبعته الأميركية، أوائل الثمانينات، مصدراً من بحوث لي وكذلك اشتريت أطلس التشريح "كرانت" والأجزاء الثلاثة لكتاب التشريح العملي "كانينكهام" كتب اخرى.
وأثناء تلك الفترة أواخر عام [1964] فرحتُ جداً باكتشافي وجود مكتبة لبيع الكتب العلمية وكانت تقع في نهاية شارع الجمهورية وقبل محطة البنزين وقرب سينما كانت هناك لا أتذكر اسمها وكانت المكتبة متخصصة ببيع الكتب المستوردة من الاتحاد السوفييتي والصين الشعبية ومطبوعة بالعربية والإنكليزية والروسية والأرمنية وكثير منها كانت كتب طبية. واقتنيتُ عدد من هذه الكتب وكانت باللغة الإنكليزية فتبين لي انها مترجمة عن الروسية ولمؤلفين معروفين في بلدهم السوفييتي. وبالرغم من وجود بعض الاختلاف في النظام الطبي الروسي الا ان تلك الكتب كانت لي مصدراً مهماً في دراستي الطبية وخصوصا في الصفوف الأولى. وكانت الكتب تميل نحو الوقاية الصحية وحينها أدركت ان المادة التي تدرس لا تقارن بأهمية الطريقة التي يتعلم بها الطالب لان المادة دائمة التغيير وبسرعة لا تصدق ويتمكن الطالب من الحصول عليها حتى في غياب الاستاذ ولكنه لا يستطيع ان يتعلّم اشياء كثيرة اخرى غير المادة العلمية بدون وجود المعلّم وكان هذا اول حقيقة ثابتة لم تتغير حتى الآن في العلوم التربوية ولم أكن أتصور أن نستخدمها بعد أكثر من ربع قرن في تطوير التعليم الطبي في العراق وبلدان أخرى إضافة إلى إدراكي المبكر بأهمية الوقاية حيث كان الاتحاد السوفييتي في تلك الحقبة يحتل المرتبة الأولى في مجال الصحة العامة بحيث استضاف عام [1978] في مدينة ألما آتا، (ويعني اسم المدينة التفاحة الكبيرة] وهي عاصمة جمهورية كازاخستان السوفييتية، استضاف مؤتمراً عالمياً حول الرعاية الصحية الأولية وأدت توصياتُه الى أكبر تغيير في مجالات الصحة والتعليم الطبي في كل أنحاء العالم.
المكتبة الجديدة [1965-2014]
وبعد انتقال المكتبة الى مكانها الجديد الحقت القاعة التي كانت المكتبة القديمة تشغلها الى فرع الكيمياء الحياتية. افتتحت بناية خاصة للمكتبة في كانون الأول 1964 وتضم قاعة مطالعة كبيرة وقاعة للدوريات ومخزن للكتب وغرف إدارية وخدمية كما في المخطط في الصورة رقم [1-5]. تم تعيين اول متخصص في المكتبات كأمين مكتبة لها وهو السيد سامي زكريا للفترة بين [1964-1983] ثم أعقبه السيد عبد الرزاق كامل للفترة بين 1983-1986 وبعد استقالته أخلفه السيد حكمت الخوشي للفترة بين [1987-1991] وكان قبلها قد درَسَ وتدرب في المكتبة المركزية لجامعة البصرة وعمل ضمن ذلك في مكتبة كلية طب البصرة أوائل الثمانينات ثم أعقبه السيد محمود أيوب محمود منذ [1991]. وكانت المكتبة، في البدايات، تعتمد في تصنيف محتوياتها على خبرات المكتبة العامة واتباع نظام ديوي العشري وحتى سنة [1967] ومع تأسيس الجامعة والمكتبة المركزية حين بدأت مكتبة الكلية باتباع المكتبة المركزية في الجامعة من الناحية الفنية ولكنها كانت تختلف عن المكتبة المركزية في نظام الفهرسة حيث اتبعت فيما بعد نظام "المكتبة الوطنية للطب" أي [National Library of Medicine-NLM] وهو نظام مكتبي طبي أميركي متطور. وضمت المكتبة عام 2012 ما يقارب ال 20 ألف كتاب ومجلدات متعددة لما يزيد على 500 مجلة ودورية ووثائق ونشريات.
الصورة رقم [1-20] مخطط لمكتبة الكلية المنشأة في [كانون الثاني 1965] والتغيرات عليها في [1977].
وكما يبين مخطط المكتبة أعلاه، تكونت المكتبة من قاعة كبيرة للمطالعة، كانت لها شبابيك ضخمة تغطّي كل مساحة الحائط في جانبي القاعة بالكامل، وقاعة أخرى أصغر مساحةً مخصصة للدوريات ولمطالعة الأساتذة وقاعة لخزن الكتب إضافة الى مكاتب إدارية وخدمية. وكانت قاعة الدوريات تقع خلف حاجز يفصل بين الطلبة وبين الدوريات ومخزن الكتب ورفوفها وكان يجلس أحد الموظفين على الحاجز ويطل من خلال شباك ليلبي طلبات الطلبة لاستعارة الكتب. وكان هذا النظام لا يشجع اطلاع الطلبة على الموجود من الكتب والمجلات الدورية. وفي السبعينات تم توسيع المكتبة باستخدام مختبرات الكيمياء والكيمياء الحياتية في المبنى رقم واحد وفتح باب وممر مسقف يربطها مع المكتبة كما مبين في الصورة رقم []. وتم بموجب ذلك تحويل قسم الدوريات ليحتل قاعة مطالعة الطلبة القديمة وبذلك أتيحت الفرص للطلبة للاهتمام بالدوريات والاطلاع عليها وتؤكد لي السيدة مآرب الصالح مسؤولة قسم الدوريات في الثمانينات مراجعة الكثير من الطلبة لقاعة الدوريات وخصوصاً الذين كانوا يشاركون بمشاريع بحثية في الصحة العامة وتتذكر أن الكثير من الأساتذة كان يرتاد قاعة الدوريات ويطلبون نسخ مصورة لبحوث من المجلات المعروضة وأن الدكتور فخري الدباغ كان من أكثر الأساتذة المستخدمين للقسم وقبل حادث السيارة الذي أودى بحياته عام [1984] رحمه الله.
الصورة رقم [1-21] مكتبة الكلية كما في [2009] ويظهر خلفها المبنى رقم [5] مبنى العمادة
ومن الصور النادرة التي أخذت داخل قاعة المطالعة، صورتان أخذت في ربيع العام [1969] لحفل أقيم في قاعة المطالعة بالمكتبة حضرها رؤساء الفروع ومن هم بدرجة أستاذ والطلبة الخريجون للدورة الخامسة حيث أفرغت القاعة من مناضدها الكبيرة والكراسي ذات المساند فجلس على جهة يمين الداخل للقاعة الطلبة الخريجون وقبالتهم جلس الأساتذة وخلفهم الشبابيك الضخمة العالية التي تطل على الممر الذي يفصل المكتبة عن المبنى الأول وكما يظهر في الصورتين أدناه وتظهر الشبابيك العالية للقاعة.
الصورة رقم [1-22] وتظهر بعض خريجي الدورة الخامسة [1969] أثناء حفل أداء القسم الطبي وبحضور الأساتذة
الصورة رقم [1-23] تظهر عدد من أساتذة الكلية أثناء حفل أداء القسم الطبي للدورة الخامسة [1969] في قاعة المطالعة.
ويظهر في الصورة من الأساتذة من اليمين في الصف الأول (مع حفظ الألقاب): خليل الشابندر وثابت حسن ثابت وطلال الخياط ومحمد جودري (باكستان) وعدنان العباس وناجي عبد الرحمن ناجي وصديق الخشاب وفي الصف الثاني: محمد رشاد (أستاذ مصري في كلية الصيدلة) وهاشم عبد الرحمن وأنيسة شكارة وعبد الاله عبد الموجود ونزار طه مكي ومحمود السيد (مصر) وسعيد الجليلي وطاهر الدباغ ويظهر الى جانب الشابندر وقريب من منصة الاحتفال أستاذ آخر من المحتمل أن يكون عز الدين شكارة.
نادي الكلية القديم [1959-1967]:
مع بداية الدوام في العام الدراسي الأول [1959-1960] كان المبنى الأول يضمن مكان واسع ومصمم خصيصاً ليكون نادي الكلية وكان موقعه في الطابق الأرضي للمبنى الأول ويفتح على الممر الرئيسي بعد صالة التشريح مباشرة كما كان للنادي باب خلفي يفتح على المطبخ ويتيح ادخال وإخراج المواد اللازمة للطبخ. ويعتبر هذا النادي من المرافق التي يندر أن ينساها أحد من الطلبة في الدورات الثمانية الأولى والذي عاصر هذا النادي منذ تأسيس الكلية وحتى صيف [1967] عندما أغلق في العطلة الصيفية وأنتقل النادي الى المبنى الجديد والذي سنأتي على وصفه لاحقا في المقال. كان هذا المرفق مصمماً خصيصاً لكي يستخدم نادياً للطلبة وللمنتسبين على حد سواء حيث لم يكن هناك أي تخصيص في أنحائه للفصل بين الطلبة والأساتذة والمنتسبين. يتكون النادي من مساحة واسعة تحف به من جهات ثلاث نصف طابق أعلى وكما مبين في المخطط في الصورة رقم [1-5] أعلاه. عند الدخول من الباب، هناك سلالم على اليمين ومثلها على اليسار تفضي الى الجزء العلوي أو ما يشبه نصف طابق علوي تنتشر في جوانبه مناضد وكراسي أما الطابق الأرضي فانه يضم جزء منفصل بقاطع شفاف عن الباحة وخصص للمطبخ ويحتل الضلع الشمالي من النادي وتنتشر في باحة النادي المناضد ومن حولها كراسي وعادة ما يستعمل الطابق الأرضي للأكل أما الطابق الأعلى فيستعمل عادة للوجبات الخفيفة والجلوس في الأوقات بين وجبات الفطور والغداء والعشاء والمكان المفضل للعشاق من الطلبة وكنا أثناء الدرس العملي في التشريح الذي يستمر ثلاث ساعات متواصلة نأخذ فترة استراحة قصيرة ونتسلل الى هذا المكان نشرب ونأكل فاكهة لنعود للمختبر وهو ملاصق للنادي ونواصل العمل الشاق والمنهك بهمة أكبر. وتظهر الصورة رقم [1-24] في أدناه السلالم على جانبي باب النادي والتي تصعد الى الطابق العلوي للنادي والصورة مأخوذة في السبعينات بين [1974-1979] وبعد تحويل قاعة النادي القديم الى متحف التشريح والحاقه بفرع التشريح ويظهر في الصورة عدد من المسؤولين (ألياس فرح ومحمد حمزة الزبيدي) مع رئيس الجامعة الدكتور محمد المشاط وعميد الكلية الدكتور فخري الدباغ ورئيس فرع التشريح الدكتور محمد صديق جودري والدكتور جان توماس (خريج الدورة الثانية والأستاذ في الفرع).
الصورة رقم [1-24] داخل مبنى النادي القديم بعد تحويله الى متحف التشريح. المصدر: صور من الفيسبوك.
نادي الكلية الجديد [1967-2017]
تأسس هذا النادي الجديد في شهر اذار عام [1967] واستمر في الخدمة حتى تاريخ احتلال الموصل. ويتألف النادي من قاعتين كبيرتين الأولى مدورة الشكل محاطة بالزجاج وتطل على الكلية والمستشفى وتتسع لعدد كبير من روادها ومخصصة للطعام وقاعة مستطيلة الشكل محصصة لتناول الشاي والمرطبات.
الصورة [1-25] نادي الكلية قاعة الطعام المدورة
ومن اللافت للانتباه أن النادي بمبنييه الاثنين لم يكن يضم قاعة خاصة منفصلة للأساتذة ولذلك كان الأساتذة الذين يأتون للنادي يشاركون طلبتهم ويندمجون معهم بالجلوس على طاولات مشتركة. ويضم النادي مطبخ كبير له باب خلفي يتصل بممر المجمع الطبي كما يضم خمس غرف كبيرة ملحقة به ولكنها تفتح مباشرة على فناء الكلية وكانت تستخدم مقرات لاتحاد الطلبة والنشاط الرياضي والنشاطات الفنية للطلبة وكنا نستعمل احداها للتدريب على المسرحيات التي كنا نقدمها وخصوصاً أثناء حفلات التعارف السنوية. كان النادي يقدم ثلاث وجبات كاملة وكان المطبخ يعد أشهى الأكلات من الطبيخ العراقي الأصيل وكانت في بداية الثمانينات أشهر أكلاته هي أكلة قوزي الشام ظهراً والبوتيتة-جاب مساءاً. وكان النادي يستقبل كذلك زوار الكلية والوفود وتجتمع فيه مجاميع الطلبة في نشاطاتها اللاصفية كإقامة المعارض الفنية وعرض المسرحيات واجتماعات الجمعيات الطلابية اللاصفية. وفي الثمانيات وبعد تقاعد المتعهد (العم جميل)، أصبح المتعهد أقدم طباخ منذ أيام النادي القديم وهو السيد محمد طيب (الصورة أدناه لمن عاش تلك الأيام ويتذكر الوجوه).
الصورة رقم [1-26] السيد محمد طيب الطباخ الأول منذ التأسيس [1959]
العام الدراسي الأول
أفتتحت الكلية رسمياً يوم الثلاثاء المصادف 20 تشرين الأول سنة [1959] وبدأت الدراسة الفعلية وكان عدد الطلبة المقبولين [123] طالب وطالبة. وجرى ضمن الاستعداد للدراسة تعيين الدكتور الجراح عبد الوهاب حديد مديراً للكلية صيف عام [1958] كما عُين الدكتور برهان عبد الرحمن ملحم أول معاون للعميد وكُلّف الأستاذ عبد الفتاح الملاح بمهام أول مسجل للكلية (ماجستير صيدلة كيمياوية-عميد الكلية لاحقاً). وكانت الكلية وقتها تابعة لوزارة الصحة. وفي بداية العام الدراسي [1960-1961] تم الحاق الكلية بجامعة بغداد علمياً وادارياً وبُدّل منصب الدكتور حديد ليصبح أول عميد للكلية وكالة. وتم مبكراً نقل خدمات عدد من حملة البكالوريوس من منتسبي وزارة المعارف من المدرسين في المدارس الثانوية في الموصل وفي التخصصات المختلفة وخصوصاً التي تُدرَّس في العام الأول ومعهم عدد آخر من الإداريين من دوائر اللواء الأخرى. ووفق ذلك تم تأسيس أقسام الكلية بالتدريج وبالتوافق مع بدء تدريس طلبة الدورة الأولى عند مرورهم بالسنوات الست القادمة. ففي السنة الدراسية الأولى 1959-1960 تم تدريس المواد العلمية الأساسية وهي علوم الأحياء والفيزياء والكيمياء العامة. في هذه السنة فتحت المختبرات الثلاثة وهي مختبر الفيزياء ومختبر الأحياء في الطابق الثالث للمبنى رقم واحد ومختبر الكيمياء في الطابق الأرضي للمبنى ذاته. وكان يداوم في هذه المختبرات عدد من المعيدين وكالآتي: مختبر الأحياء: المعيدَيْن صلاح النوري، ويحيى ذنون وكلاهما يحملان شهادة البكالوريوس والتحق بهم مساعد الباحث أبراهيم بهنام. وفي مختبر الفيزياء كل من المعيد بشير عبد القادر (بكالوريوس) وفيما بعد التحقت مساعدة الباحث صبيحة شريف عبد الله (أستاذة الفيزياء في كلية العلوم فيما بعد). أما مختبر الكيمياء، فقد نقلت خدمات كل من: شريف صالح (بكالوريوس-مدرس في الإعدادية المركزية) ومساعدي الباحث طلال الخياط (أستاذ الكيمياء الحياتية بالكلية فيما بعد) ومساعد الباحث طارق محمود (بكالوريوس صيدلة). وتمت خلال العام الأول التهيئة لفتح الفروع التي تدرس موادها في الصف الثاني استعداداً للعام الدراسي القادم [1960-1961] وهي فروع التشريح (يدرس مادتي التشريح والأنسجة وبضمنها الأجنة) والفسلجة والكيمياء الحياتية والتحق بالكلية فريق من ذوي الخبرة من الإداريين ضم كل من: السيد أمجد توفيق (رئيساً للملاحظين) والسيد عبد القادر إسماعيل (ملاحظاً للإدارة) والسيد حازم حميد (محاسباً)، والسيد بشير سفر (مديراً للمخازن) والسيدة سهيلة شريف (المشرفة على المكتبة).
قام بالتدريس النظري في العام الدراسي الأول [1959-1960] ثلاثة أساتذة أجانب كانت تعاقدت الحكومة العراقية معهم وكان اثنان منهم من الاتحاد السوفييتي وواحد من بولندا وكنتُ أحتفظ بأسمائهم ولكني فقدتها وكانوا يلقون محاضراتهم في المواد الأساسية الثلاثة المذكورة أعلاه باللغة الروسية ويقوم مترجم بترجمتها الى اللغة الإنكليزية وقد ترك ذلك النمط من التدريس أثراً سلبياً على الدراسة لولا قيام المعيدين العراقيين بتوضيح المواد للطلبة أثناء ساعات الدروس المختبرية الطويلة.
الصورة رقم [1-27] لقطة تاريخية لطلبة الدورة الأولى والمنتسبين عام [1959]
وفي العام الدراسي الثاني [1960-1961]، بدأت الكلية تشهد التحاق عدد من الأساتذة الأجانب وحسب حاجة وتقدم طلبة الدورة الأولى فشهدت هذه السنة التحاق أساتذة ومعيدين للفروع التي تدرس دروس الصفين الثاني والثالث وكانت تضم خمسة مواضيع وهي التشريح والأنسجة والأجنة والفسلجة والكيمياء الحياتية وهي بجميعها علوم طبية أساسية. وعند انتهاء العام الدراسي الثالث وتحضيراً لبدء العام الدراسي الرابع [1962-1963] ابتدأت حملة واسعة لتوظيف الأساتذة الأجانب والعائدين من العراقيين الذين أكملوا تخصصاتهم في خارج العراق وعلى وجه الخصوص في أميركا وبريطانيا للتهيئة لدروس الصف الرابع الذي كانت تدرس فيه ما يسمى بالعلوم الطبية حول السريرية وهي الأمراض والأدوية والجراثيم والطفيليات والطب العدلي والصحة العامة إضافة الى البدء بالتدريس والتدريب السريري والذي يستمر حتى التخرج وكما بينا أعلاه في المقال عند حديثنا عن المنهج. وهذا يقودنا الى تفصيل نشوء وتطور الفروع العلمية التي أنشأت لتلبية متطلبات الدراسة بالتوافق مع صعود طلبة الدورة الأولى من الصف الأول الى السادس.
تخرج أطباء الدورة الأولى صيف [1965] في احتفال جامعة بغداد حيث كانت الكلية تتبعها وكذلك تخرج خريجو الدورة الثانية [1960-1966] من جامعة بغداد. وقد رفدت الكلية المؤسسات الصحية داخل وخارج العراق بأعداد بلغت ما يقارب من تسعة الاف طبيب وطبيبة حتى آخر دورة عام [2013] قبل حلول نكبتها باحتلال المجرمين الدواعش لها.
الصورة [1-28] عدد خريجي كلية طب الموصل [1965-2013]
وتكريماً لخريجي الدورتين الأولى والثانية [1965 و1966] ندرج أسماءهم قبل اختتام هذا الجزء الأول من المقال وهم خريجو الكلية تحت مظلة جامعة بغداد حيث كان عدد خريجي الدورة الأولى [52] وتخرجوا صيف عام [1965] وهم الذوات التاليةُ اسماؤهم مع حفظ الألقاب وحسب تسلسل تخرجهم في وثائق الكلية مع اجتهادي بذكر المواقع التي شغلوها وفق ما متوفر من معلومات ونتمنى على القراء والزملاء اكمال الباقي للتوثيق:
عجيب علي محو صوفي (أستاذ الطب الباطني-العصبية كلية طب الموصل) وهناء اسماعيل عباوي (أخصائية طب الأطفال) ورجاء عبد الله الجوادي وفاضلة عبد الكريم سليم وعصام سيدٌ علي الحاتم (أستاذ وأول رئيس لفرع الأشعة كلية طب الموصل) وغازي محمود داؤود (مدير مستشفى الحميّات ومدير مستوصف التدرن والامراض الصدرية) وسامية محمود داؤود ونهال عبد الاحد أنطوان وسامي اسطيفان مطلوب (أخصائي الانف والاذن والحنجرة) وأزهر كامل كساب (جراح القلب والصدر والاوعية المعروف) وسميع بشير سفر (الجراح المعروف وزميل الكلية الملكية للجراحين) وموفق متي عويد واسفندنار احمد محمد وعبد المنعم عبد المجيد (أستاذ ورئيس فرع الأمراض كلية طب الموصل) وانتصار سامي نعوم الصائغ ونادرة عبد يحيى وانعام عز الدين محمد المختار ونافع محمود شهاب (أستاذ الأنف والاذن والحنجرة كلية طب الموصل) وحذام عبد الرضا الجلبي وفائزة امين الكاتب وهشام قاسم العطار (أستاذ كلية طب الموصل) وخولة نوري عزت (كندا) وعلي محسن علي ومتّي اسطيفان عيسى ومظفر يونس احمد الحسيني (مدير عام الصحة لمحافظات كركوك واربيل ودهوك وعميد معهد الصحة العالي في أربيل) ووداد شاكر طوروس وكيورك اواديس موراديان ومحمد رشيد كامل الراوي (أخصائي طب وجراحة العيون-الرمادي) وعبد الرزاق أيوب الحاج مصطفى وصلاح علي رشه وخلود وديع رسام (أستاذة طب الأطفال في كلية طب البصرة) ومظفر سعيد محمد ومحمد علي مصطفى عبوش ومنى ذنون القصيمي (اختصاصية النسائية – دبي) وعدنان عبد الوهاب المفتي وأليس كبريل وامال بدر البياتي وجليل أنيس ولوريتا توماس ونجاة خليل أبراهيم ونجاة منسّه يوسف وسعدون عبد الغني التميمي وسارة وديع ججّي وشكيب حاج محمد وسيروهي آكوب وسهى فرنكول وطارق عيسى البياتي وعايد محمد عبد الله وكتبيّة مجيد فتحي (كندا) ونضال عبد الجبار محمود وخالدة أسطيفان ونايف كاظم حمادي.
الصورة رقم [1-29] بعض خريجي الدورة الأولى مع الأساتذة: هاشم عبد الرحمن (أقصى اليمين) وجون إيكرتن كو-وي (نيوزيلندي-باطنية) ثم أستاذ...(مصري-النسائية) ثم ماينرز (بريطاني-الجراحة) ثم نظام الدين محمود (الهند-باطنية) وأخذت الصورة أمام الباب الرئيسي الخارجي للقاعة رقم واحد.
الصورة رقم [1-30] خريجو الدورة الأولى مع الهيئة التدريسية: الصورة من مقتنيات خريج الدورة الدكتور نايف كاظم حمادي شنين أطال الله بعمره.
أما خريجو الدورة الثانية من ر-جامعة بغداد- فقد كان عددهم [49] وهم:
عبد الهادي صالح (أستاذ العصبية كلية طب الموصل) وزاهدة شهاب الدباغ وادريس ذنون حسين (أخصائي النسائية ومدير مستشفى البتول بالموصل) ولبابة عمر النعيمي (طبيبة الأطفال- مستوصف خزرج) وفاطمة عبد الستار الحبال (رحمها الله استشهدت من جراء قصف الموصل عام [2016]) ونوال خضر عبو السمعان (طب عام - الأردن) وأغاوني سيمون ورجاء عبد الكريم اليوزبكي ومحمد يوسف المختار (أستاذ الصحة العامة كلية طب الموصل) ونعمت نجيب سرسم (اخصائي الباطنية) وليلى نوري عزت (أخصائية النسائية) وسامي أنور وسمير يوسف منصور ونهى ذنون القصيمي (أخصائية الأمراض الجلدية) وحازم حميد صالح وطالب عبد الجبار وليلى عبد الله حسن وقتيبة محمد الصباغ (رحمة الله عليه توفي بنزف عام وحاد بداية الإقامة وبعد انهائه الخدمة في الطبابة العسكرية) وطلال عبد الأحد كَجَجي ومُنتهى احمد الطيّار وميامي جار الله وآمال إيليا جمعة وجان توماس حنّا (أستاذ الأنسجة كلية طب الموصل) وذكرى بشير حسن وفائزة يوسف فتح الله عنائي وهاني سالم سليمان وخالدة محمد طاهر وجبار ياسر الخشان ومحمد جاسم الحمامي ونجاة محمود صفار الياس (أستاذة الصحة النفسية كلية طب الموصل) وكامل امين عبد القادر وامل خليل عبد الكريم وموريس عزيز حمامة وإبراهيم حميد وميسون متّي حلمي ورياض حمدي يحيى (اختصاصي الطب العدلي) ورويدة فتحي الشاهري وسميرة كريستو ميخائيل وصباح بشير الدليمي وسعدية يونس مال الله النعيمي وعبد الغفار هاشم زوين ومحمد صالح سليمان ومؤيد احمد حمدي العلاف (اختصاصي الصحة العامة ومدير مستشفى أبن النفيس) ونور عبد الكريم بُنّي وذنون نايف الملاح (مدير مستشفى النسائية) وإسماعيل إبراهيم احمد ومحجوب نفل الندّاوي (رئيس المركز العربي لطب الأطفال ورئيس المجلس العلمي للاختصاص في البورد العراقي) واحمد صالح احمد وحازم محمد خليل. ومع الأسف لم أستطع الحصول على صورة تخرج لهذه الدورة وأتمنى أن يزودنا بها من لديه نسخة لغرض اكمال التوثيق.
أين أمست مرابع الصبا؟
ليس من الغريب أن أنهي هذا الجزء الأول من المقال بما انتهت إليه كلية طب الموصل اليوم.
دعوني أخاطب خريجي هذه الكلية العريقة، وهم بالآلاف منتشرين في طول العراق وعرضه وفي شتى بقاع الأرض، فأقول: لو زار أحدكُم اليوم مدينةَ الموصل ونوى أن يلاطف ذكرياتِه فيها بزيارة الكلية وأحبَّ أن يقصدَ زاوية فيها وهو الذي مكث، في صباه، في رحمها ست سنوات ليسترجع ذاكرته فيها وقتما كان طالباً ويطوف حول أبنيتها، ويشاهد قاعاتها ومختبراتها وناديها، فإنه لن يجد شيئاً واحداً من ذلك يعيده الى تلك الأيام والى تلك الذكريات الا ما نُقش منها في ذاكرته البعيدة!
انه الزمن الرديء، زمن ما بعد خراب الموصل وما بعد الدواعش المجرمين وما بعد الزمن السيء فعلاً وامام ناظريك تبدو خرائب موقع الكلية بأجمعِه وقد اختفى معظمُه تحت الأنقاض والركام والطَلَل. ومؤخراً، قامت الجهات المسؤولة بإزالة "أنقاض الكلية" وتم تجريف الموقع بالبلدوزرات فأصبح بعد ليلٍ بهيم، أرضاً بَوار ودُرِسَت مرابعُه ومحاريبُ العِلم فيها. فمن يا تُرى يصلحها...ومن يا تُرى يفلحها؟ رحم الله أبا الطيب حينما تنبأ واصفاً طَللاً، لحبيبٍ له، كان مرّ به فصاح بالربع (أي بالدار) بعد أن عفا الريحُ الدارَ أي أزال آثارَها ومحاها:
أَيَدري الرَبعُ أَيَّ دَمٍ أَراقا وَأَيَّ قُلوبِ هَذا الرَكبِ شاقا
لَنا وَلِأَهلِهِ أَبَداً قُلوبٌ تَلاقى في جُسومٍ ما تَلاقى
وَما عَفَتِ الرِياحُ لَهُ مَحَلّاً عَفاهُ مَنْ حَدا بِهِمِ وَساقا
فَلَيتَ هَوى الأَحِبَّةِ كانَ عَدلاً فَحَمَّلَ كُلَّ قَلبٍ ما أَطاقا
وليت مأساة الكلية كانت مأساة واحدة بل ثلاث مآسي متتاليات في ظرف سنوات معدودة وكل واحدة منها تتوالى وهي أسوأ من سابقتها.
المأساة الأولى: سيطرة الدواعش المجرمين
بعد مرور ثلاث وأربعين سنة على تأسيس كلية الطب في الموصل، وبالتحديد في العام [2002]، ابتدأت الدراسة في كلية طب ثانية في المدينة وسميت "كلية طب نينوى" وكانت تشغل جزء من مباني كلية طب الموصل وتشاركها في التدريس وحتى انتقالها، في حزيران [2010]، إلى مبنى خاص بها داخل الحرم الجامعي لجامعة الموصل في المجموعة الثقافية بالساحل الأيسر والمعروف بالبناية الحمراء. وتعتمد هذه الكلية في التدريب السريري لطلبتها على مستشفى السلام العام والواقع في حي الوحدة بالجانب الأيسر من المدينة. وبالطبع، قامت الكلية الأولى بدعم الكلية الناشئة بكل ما تحتاجه في السنوات الأولى وحتى تأسيس جامعة نينوى في الثالث من شباط عام [2014]. ولم يمضِ على ذلك التأسيس الا أشهر معدودة وتحصل مأساة دخول الدواعش المجرمين في حزيران ذلك العام وما حل بالمدينة والمحافظة، حلّ بالكليتين من تدمير وبعد فشل الدواعش في تشغيل الكلية الأقدم حيث هجر المدينة أساتذتُها وطلبتُها فقامت تلك العصابات بنهب المختبرات ومحتويات الكلية ونقلتها الى كلية طب كانت تحت سيطرتهم في مدينة الرقة في سوريا. ومرّت الكلية، بكوادرها وطلبتها، بأصعب الأوقات وأحرجها حيث كانت مسؤولية الطلبة وهم يرون بأعينهم كيف أن تعبهم وسهرهم الليالي ومستقبلهم بدأ يختفي من أمامهم شيئاً فشيئاً. ويجب هنا تسجيل الأعمال الخارقة التي بذلها مسؤولو الجامعتين والكلية واساتذتها وطلبتها في اكمال الدراسة رغم قساوة النزوح والتهجير وما صاحبه من إرهاب وقتل وتهجير وهلع وكذلك يجب تسجيل موقف واستقبال واستضافة كليات الطب العراقية الأخرى لأعداد كبيرة من الطلبة. وأثناء النزوح، خُصص في البداية موقع بديل في دهوك للجامعتين في بناية تم تأجيرها واحتوت على غرفة لرئيس جامعة الموصل وأخرى لرئيس جامعة نينوى وغرفة وممر للمكتب وغرفة تجمع التدريسيين وغرف أخرى للإدارات مع دعم لوجستي من جامعة دهوك.
وتخبرني الدكتورة الهام خطاب الجماس، عميدة كلية طب نينوى حالياً، بأنه "بعد انقضاء أشهر الصيف وبعد اجرا ء الامتحان التكميلي الأول، خُصصت مواقع بديلة أخرى وكان الأكبر منها في كركوك وبدعم سخي من رئاسة جامعة كركوك للبدء بالفصل الدراسي الجديد عام [2014-2015] وحينها دعت الجامعتان طلابها وتكاتفت جهودهم وجهود أساتذتهم وجميعهم مهجرون وبدأت عملية التدريس بالكوادر المتوفرة من الجامعتين. واستمر التدريس والامتحانات لحين التحرير في العام [2017]. وفي تلك السنوات الصعبة وأثناء النزوح، ظهرت مشكلة عانى منها الطلبة من أبناء العوائل التي أجبرتها الدواعش على الهجرة من الموصل ومن المحافظة ودمرت منازلهم وممتلكاتهم ومعهم طلبة الكليتين من سكنة محافظة دهوك. تم حينها فتح ثلاثة صفوف في مدينة زاخو بمحافظة دهوك وقامت الجامعتان فيها بتدريس المهجّرين من طلبتها في الصفوف الرابعة والخامسة والسادسة وذلك بدمج طلبة كليتي الطب (الموصل ونينوى) مجتمعة في التدريس والتدريب والامتحانات والادارة. وكانت مرحلة صعبة ومؤلمة جداً". أتمنى على من عاصر آلامها وصعابها أن يدلي بشهاداته ويعلق على المقال لكي نوثق تلك الأحداث قبل أن تُنسى ويتجاوزها التأريخ.
المأساة الثانية: عندما تتكلم الصور
لمن لم يشاهد الموصل بعد [2017] أقول: هل يبدو لكم أن ما أقوله في أعلاه وفيما أصفه هنا بالمأساة هو تهويلاً لما هو واقع على الأرض؟ هل للكثير منكم أن يفترض عكس ذلك أم القليل؟ وكما يقال فللصورة لسانٌ يتكلم وقلمٌ يكتب. نشرتْ صحيفة النيويورك تايمز بتاريخ [15 تموز 2017] مقالاً عن الموصل كان عنوانه: " قبل وبعد: صور الأقمار الصناعية للموصل تكشف الدمار بعد قلع تنظيم الدولة الإسلامية". ولم يتضمن هذا المقال كلاماً كثيراً سوى تحديد خمسة مواقع في مدينة الموصل القديمة (الجانب الأيمن) غطتها عشرة صور التقطت بالأقمار الاصطناعية وبواقع صورتين لكل موقع: الأولى أخذت بتأريخ [تشرين الثاني 2015] والثانية بتأريخ [تموز 2017] وتركت الكلام والأمر للقارئ لفحص الصور وتبيان الخراب الذي أصاب تلك المواقع. فهل لي أو لأحد كلام نستطيع قوله في هذا المقال بعد مشاهدة موقع الكلية والمجمع الطبي قبل وبعد الخراب.
الصورة رقم [1-31] المجمع الطبي وبضمنه موقع كلية طب الموصل في الصورة اليمنى عام [2015] والى اليسار في [2017].
الصورة رقم [1-32] مجزرة مباني المجمع الطبي الذي كان يضم ما يزيد على [1500] سرير وكلية الطب
ومدرسة الممرضات ومعاهد ومراكز تخصصية
وكانت المأساة التي حصلت بتدمير أبنية المجمع الطبي مجزرة للمباني بحق وحقيق (أنظر الصورة أعلاه) وتظهر بقايا مستشفى أبن سينا (المستشفى العام) والمستشفى الجمهوري ومستشفى النسائية ومعاهد الأشعة والمختبرات المركزية والطب العدلي والطب الذري ولا تظهر في الأفق لا أبنية كلية الطب ولا حتى منارة الحدباء والتي كانت الشاهد الدائم لكل الصور التي تصور باتجاه المدينة القديمة منذ أن دخل التصوير وظهرت صور المدينة في القرن التاسع عشر.
أما مباني الكلية فقد دمرت جميعُها ودون استثناء وبات من الصعب تمييز أي أثر لها بين الركام. وتظهر الصور التالية بعض المباني المدمرة التي تم التعرف عليها ومن التي أسهبنا في وصفها وقدمنا في المقال صوراً لها أيام كانت مركزاً علمياً مرموقاً ولم يستطع أحد الوصول لركام المبنى رقم [1] أو رقم [5] أو مبنى المكتبة أو النادي أو القاعات ربما لأنها تم تسويتها مع الأرض.
الصورة رقم [1-33] ركام مبنى الكلية الثالث وكانت تشغله عمادة الكلية قبل [2007].
الصورة رقم [1-34] ركام مبنى الكلية رقم [4] الذي تم بناؤه عام [2005].
الصورة رقم [1-35] بقايا أشلاء مباني الكلية القتيلة
الصورة رقم [1-36] تظهر أرض الكلية بعد إزالة الركام وتعديلها بالبلدوزر وفي الخلفية بقايا مبان في المجمع الطبي.
وبعد سنتين من وقوع المأساة الثانية التي ألمت بالكلية، تمت تهيئة موقع الكلية بالبلدوزر لإعادة بناء الكلية من قبل جهة فرنسية متبرعة. وتظهر الصورة رقم [1-36] أعلاه موقع الكلية بعد إزالة الركام وتعديل الأرض وتظهر في الصورة شجرة نخلة الزينة التي كانت تشمخ أمام القاعة رقم [4] أمام بناية نادي الكلية ويظهر خلفها خزان (تانكي) الماء شمال الكلية وقد استثنيت من الدمار كما تظهر في الخلفية بقايا المستشفى العام (ابن سينا) ومعهد الطب الذري مستشفى الأورام ومستشفى النسائية والى اليمين بعض الكرافانات الموضوعة مكان المستشفى الجمهوري.
المأساة الثالثة: الضربة القاضية
رُبَّ سائل يهمهم: وهل بعد كل ذلك مأساة أخرى؟
بجهود خارقة من إدارة وأساتذة وطلبة الكلية، أبقت الكلية على الدراسة مستمرة ولم تتوقف أبداً منذ احتلال المجرمين الدواعش للمدينة صيف [2014] حيث داوم الطلبة في المواقع البديلة كما بينا أعلاه وعقب تحرير الموصل عادت الكلية صيف [2017] لتجد موقعها وأبنيتها ركاماً. وقامت الكلية منذ ذلك الوقت بمشاركة الدوام سوية مع طلبة كلية طب نينوى مستعملةً مبناها داخل مجمع جامعة الموصل في الجزء الشرقي (الجانب الأيسر) من المدينة الذي تضرر بدرجة أقل من الجانب الأيمن. أعيد ترميم مبنى كلية طب نينوى وتهيئته للدراسة ولازال طلبة الكليتين حتى اليوم مستمرين بالدراسة في قاعات ومختبرات كلية طب نينوى وبعض قاعات كليتي الصيدلة والتمريض في الجانب الأيسر رغم محدوديتها. ويخبرني زميل لازال يُدرّس في الكلية أن الموقع مزدحم بالطلبة والمحاضرات ماشية بصورة جيدة جدا الا ان التدريب ليس بالمستوى المطلوب لظروف المستشفيات التي ذكرناها أعلاه ويعتمد التدريب على وسائل بديلة والكل أساتذة وطلبة مصممين على ديمومة الكلية واستمرار الدراسة فيها بأمل إعادة بناء الكلية والعودة بها الى أيام مجدها وعزها وتحقيق المستوى العلمي الذي لازمها طيلة العقود الماضية منذ تأسيسها.
والآن وقد عملت البلدوزرات فعلها وعدّلت أرض الموقع والتهيؤ للبناء وجاء المخططون والمهندسون يرسمون خطوط مبانيهم من جديد على أرض موقع الكلية ليتفاجأ الجميع بأمر لم يكن أحدٌ من البشر أن يتخيله. جاءهم من منعهم من الاستمرار بعملهم لأن ذلك الموقع أي موقع الكلية نهايات الخمسينات، لا يعود للكلية ولا حتى يعود لجامعة الموصل ولا حتى لوزارة عراقية أسمها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ولا حتى للضمير الوطني! ولذلك لا يحق لكلية طب الموصل البناء عليها؟
قالها العراقيون الأغيار سابقاً ولازالوا يكررونها: عجيب أمور غريب قضية!
أذن من هو صاحب أو وريث هذه الأرض التي شغلتها كلية طب الموصل لمدة تزيد على الستة عقود ولم ينبس بحرف طيلة تلك العقود؟ أليس هذه الأنباء مأساة ثالثة عاشتها وتعبشها ثاني أقدم كلية طب في العراق؟ وقد وصل لي أن الكلية وهي مجبرة على تدبير مكان لتدريس طلبتها، رضت بالبين وافقت على التهيئة للبناء والبدء بالبناء الأولي لبناية واحدة متواضعة للكلية على أرض تعود لجامعة الموصل في الجانب الأيمن. (الصورة ...أ وب).
الصورة رقم [1-37] تظهر مخطط الطابق الأرضي للمبنى
ويقع مكان البناء في موقع قريب من الكلية وهو موقع مطبعة جامعة الموصل ودار الكتب فيها وهو بالطبع خارج المجمع الطبي ويفصله عن المجمع طريق عام مزدحم وطرق أخرى وبمساحة محدودة جداً مما يسبب صعوبات في تعليم وتدريب الطلبة على وجه الخصوص أثناء التدريب السريري في المجمع الطبي. ولكن نعود الى سبب عدم إعادة بناء الكلية في موقعها الطبيعي بالقرب من المؤسسات الصحية حيث يقضي الأستاذ والطالب أوقات التعليم والتدريب وخدمة المرضى موزعاً بين الكلية والمستشفى والانتقال بينهما خلال دقائق ولا يمكن أن يكون مبنى كلية الطب بعيداً عن المستشفيات. من هو الذي أدعى أن ارض موقع الكلية الأصلي الذي شغلته منذ تأسيسها قبل أكثر من ستين سنة؟ الادعاء بأن ملكية الأرض ترجع لوزارة الصحة وليس لوزارة التعليم العالي!! وكأن المدعين نسوا أن انتاج كليات الطب من أطباء يخدم وزارة الصحة ومن دون هذه الكليات ستضطر وزارة الصحة لاستيراد أطباء من الخارج لسد حاجاتها المتعاظمة يوما بعد يوم. والحقيقة أن كل كليات الطب في العراق يشترط في تأسيسها أن تكون بالقرب من مستشفى عام متكامل لإجراء تدريب الطلبة ولا توجد كلية واحدة تمتلك الأرض التي تشغلها وانما تكون في العادة جزءاً من موقع صحي. نتمنى أن تكون هذه "الدعابة السمجة" مجرد أخبار غير صحيحة وأن تعود كلية طب الموصل لبناء مبان لائقة باسمها وسمعتها وتكون نموذج لمباني كلية تناسب تعليم وتدريب أطباء القرن الحادي والعشرين.
بعد تغطيتنا لأبنية الكلية في هذا الجزء الأول من المقال، سنعود في الجزء الثاني لنغطي الأحداث والاقسام والشخوص التي عايشت الكلية في سنواتها الأولى.
وأخيراً، وقفتُ افتراضيا على جانب موقع الكلية أشاهد بعين دامعة ركامَ الأبنية تمحوها المحن من على الأرض ولكنها لن تُمحي من الذاكرة ومن مخيلتي ومخيلة الآلاف من صحبي، الكثير من الذكريات ووجدت نفسي أرثي الكلية بما أصابها وأردد أبياتاً حزينة قديمة تُبكي الصخر*:
قِــفْ فـي ديـارِ الـظاعنينَ ونـادِها … يـــا دارُ مـــا صـنـعتْ بــكِ الأيــامُ
يـا دارُ أيـنَ الـساكنونَ وأيـنَ ذَيَّاكَ … الـــبــهــاءُ وذلـــــــك الإعــــظـــامُ
يــا دارُ أيــنَ زمــانُ ربـعِكِ مـونقاً … وشــعــارُك الإجــــلالُ والإكــــرامُ
يــا دارُ مُــذْ أفَـلَـتْ نُـجومُك عَـمَّنا … واللهِ مـِــن بــعـدِ الـضـيـاءِ ظــلامُ
والدارُ مُذ عدمتْ جمالَ وجوهِكم … لــم يـبـقَ فــي ذاك الـمـقامِ مـقـامُ
وحـيـاتِكم إنـي عـلى عـهدِ الـهوى … بـــاقٍ ولـــم يـخـفـرْ لـــديّ ذمـــامُ
يــا غـائبينَ وفـي الـفؤادِ لـبُعدِهم … نـــارٌ لــهـا بــيـن الـضـلوعِ ضِــرامُ
لا كُـتْـبُـكـم تــأتــي ولا أخــبـارُكـم … تُـــــروى ولا تَــدنـيـكـم الأحــــلامُ
ولـقيتُ من صرفِ الزمانِ وجورِه … مــــا لـــمْ تـخـيـله لـــي الأوهـــامُ
يـا لـيتَ شـعري كيفَ حالُ أحبتي … وبــــأيّ أرضٍ خــيَّـمـوا وأقــامــوا
مــالـي أنــيـسٌ غــيـرَ بـيـتٍ قـالَـه … صــبٌ رمَـتـه مــن الـفـراقِ سـهـامُ
واللهِ مــا اخـتـرتُ الـفـراقَ وإنـمـا … حَــكَـمَـت عــلــيَّ بــذلــك الأيـــامُ
*من قصيدة لشمس الدين الكوفي الحنفي الواعظ رَثَى فيها دارَ السلام بغداد بعد نكبتها على أيدي المغول (توفي عام 1276م.)
والى الملتقى بالجزء الثاني في القريب العاجل لنكمل قصة هذه الكلية العتيدة وكيف نخرجها من محنتها
3070 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع