الحياة ........ حكايات المغدور شاكر فتاح
تمر علينا بعد أيام الذكرى السنوية لاستشهاد الأديب المناضل البطل (شاكر فتاح) في 27/6/1988 , وإحياء لذكراه بهذه المناسبة ارتأينا تجديد مآثره ومواقفه الوطنية التي خلدت اسمه وأعماله من خلال هذا المقال.
ولد المرحوم شاكر فتاح في مدينة السليمانية عام 1914 , أكمل الدراسة الابتدائية فيها والدراسة الإعدادية في مدينة بغداد , تخرج من كلية الحقوق – جامعة بغداد في عام 1936 وانخرط في مسار الوظائف الحكومية الإدارية , ابتدأها باستلام إدارة النواحي التالية مديراً لها:
1-مدير ناحية مزوري بالا لواء الموصل
2-مدير ناحية زرباطية لواء الكوت
3-مدير ناحية قره حسن لواء كركوك
4-مدير ناحية بيياز لواء كركوك
5-مدير ناحية خورمال لواء السليمانية
6-مدير ناحية قادر كرم لواء كركوك
ولنجاحاته في إدارة تلك النواحي تم تكليفه وتنصيبه قائمقاماً للأقضية التالية:
1-قائمقام قضاء حلبجه لواء السليمانية
2-قائمقام قضاء رانيه لواء السليمانية
3-قائمقام قضاء الشيخان لواء الموصل
4-قائمقام قضاء عقره لواء الموصل
5-قائمقام قضاء العمادية لواء الموصل
6-قائمقام قضاء شقلاوه لواء اربيل
7-قائمقام قضاء زاخو لواء الموصل
8-قائمقام قضاء جمه جمال لواء كركوك
9-قائمقام قضاء مركز السليمانية لواء السليمانية
لقد كان رحمه الله إدارياً ناجحاً ونزيهاً حريصاً كل الحرص على سمعته والتي كان يعتبرها رأسمالاً له مكنته من الاستمرار في الخدمة في كل هذه الوحدات الإدارية التي بقت ذكراه فيها بين المواطنين من خلال علاقاته وأعماله فيها ليومنا هذا شاخصة تدلل على مصداقية هذا الرجل في أنه نذر نفسه لخدمة المواطنين ووطنه في أي مكان عمل فيه.
المرحوم شاكر فتاح في شبابه
في عام 1971 تم تعينه مفتشاً إدارياً في وزارة الداخلية واستمر في هذه الخدمة لحين انتخابه في عام 1977 نائباً لرئيس المجلس التشريعي لمنطقة كردستان للحكم الذاتي المهم في مسيرة وحياة هذا الرجل هو النهاية المأساوية له نتيجة موقفه الصريح الشجاع والمناسبة التي كانت سبب نهايته مع الحياة هي إقامة الامانة العامة للثقافة والشباب لمنطقة الحكم الذاتي ندوه لتمجيد دور ( صدام حسين ) في منح الحقوق القومية للشعب الكردي وكانت الندوة بعنوان ( شعبنا الكردي في ضمير القائد صدام حسين ) للفترة من 11 – 13 آذار 1988 .
بدأت الندوة وتتابع المشاركون فيها في إلقاء كلماتهم وفيها اطناب المديح والتمجيد بدور الرئيس العراقي السابق (صدام حسين) فهذا يصفه برجل السلام والقائد الضرورة والآخر يمعن في المديح فيصفه بـ أبو الأكراد ومخترع بيان الحادي عشر من آذار والرجل موضوع بحث مقالنا هذا جالس ويستمع إلى كلامهم ويتوعدهم في قرارة نفسه
الرئيس العراقي السابق صدام حسين
وما سطره من كلمات في بحثه الممسك به في يده في أن يفاجئهم مفاجئة من العيار الثقيل غير المتوقع وأن يقلب طاولة برنامج الندوة المعد سلفاً على رؤوسهم جميعاً ويكشف عن زيف وأقاويل النظام وحقيقته وأزلامه , وعندما جاء دوره وحان وقت المبارزة والتنافس نهض من مكانه وهو يسير واثق الخطى نحو المنصة شاهراً سيفه والذي هو مجموعة من الكلمات الصادقة النابعة من صدق الإيمان بقضية شعبه وأمله وثقته بنفسه لتحقيق مبادرة ربما تكون سبباً في حل هذا الصراع المكلف ووضع نهاية للوضع الشاذ في كردستان –
بدأ الكلام بالتسلسل التدريجي ممهداً السبيل للدخول في صلب الموضوع المفجر لأجواء القاعة عند طرح أفكاره والتي يعتبرها حلاً لهذه المسألة من وجهة نظره وهي :-
أولا- إجراء المفاوضات والحوار مع الثوار وإنهاء حالة الصراع والاقتتال.
ثانيا- رفع الحصار العسكري والاقتصادي عن المدن والقرى في كردستان.
ثالثا- تفعيل جعل اللغة الكردية لغة رسمية تنفيذا لاتفاقية الحادي عشر من آذار 1970
رابعا- تطبيق بنود الاتفاقية بكافة فقراتها بحذافيرها.
قضاء چمچمال يحتفل بـ شاكر فتاح
هيمن صمت رهيب على الحاضرين وكانوا في حالة ذهول وانشداد إلى المنصة التي يقف عليها هذا الرجل المحارب لوحده بسلاح الكلمات والرأي المنطقي – وهم يتساءلون مع أنفسهم هل هم يعيشون الواقع ام الخيال فيما يشاهدونه أو يسمعونه أمامهم , لم يدم الصمت طويلاً فقد هب العديد من الحضور في القاعة وتعالت أصوات الاستنكار والشجب من قبل الفئة التي ربطت مصيرها بمصير هذا النظام وترى في طروحات هذا الرجل تهديداً لمواقعها وكشف زيف ادعائهم , تطورت الأمور بهم للتلويح بأيديهم نحوه طالبين منه قطع كلمته وترك المنصة وناعتين اياه بأشد عبارات التجريح والخيانة.
لقد حاول استئناف الحديث إلا أنه استنتج استحالة ذلك فترك المنصة بعد أن أدى الواجب الذي عزم على تنفيذه وعاد للجلوس في مكانه داخل القاعة وهو منتشي ومرتاح البال.
عند انتهاء فترة الندوة الصباحية أوعز المكلف بإدارة الندوة الحاضرين للتفضل لتناول طعام الغداء والاستراحة والاستعداد للفترة المسائية , وفي صالة الاستراحة في مبنى المجلس التشريعي وجد الرجل نفسه وحيداً حيث انفض عنه حتى أقرب أصدقائه من الحضور خوفاً من بطش السلطة والذين كانوا ملازمين له قبل إلقاء كلمته . نعم كانوا ينظرون إليه عن بعد وهم مستغربين ومندهشين من ما أقدم عليه وما أبداه من موقف تحدي صارخ لسلطة النظام وفي هذا المكان وهذه المناسبة المعدة باتقان لتمجيد رأس النظام وموقفه من الشعب الكردي , لقد كانت كلمته قنبلة موقوته غير متوقعه من الأصدقاء قبل الأعداء قلبت المفاهيم التي جاء بها القائمون على إعداد وإدارة الندوة والمشاركون فيها رأساً على عقب.
المرحوم شاكر فتاح قبل اعدامه بفترة قصيرة
لقد أصبحت مجريات وأحداث الندوة والدور المعاكس لأهدافها للمغدور ( شاكر فتاح) محل حديث ومناقشات بين المواطنين في كردستان عامة وفي مدينة أربيل خاصة , وكان رأي القله القليلة من المؤيدين للنظام نحو الرجل وتعرفه في مجالسهم ومناقشاتهم بأنه رجل مجنون أو أهوج أو متسرع وغيرها من النعوت التي تعبر عن حقدهم وسلوكهم الشاذ المنافي لأبسط قواعد الوطنية , نعم فهم يعتبرون قول الحق وابداء الرأي السديد جنوناً , وعلى عكس هؤلاء كان رأي معظم المواطنين في كردستان بأن ما قام به هذا الرجل يعبر عن شجاعته وصدق إيمانه بقضية شعبه.
بانتهاء الندوة والتي لم تنتهي تداعياتها و تبعاتها حيث لم تحقق ما كانوا يصبون إليه في تزيين الصورة القاتمة المضللة للنظام ورأسه من قضية الحقوق القومية للشعب الكردي بالإضافة إلى مسائلة اللجنة التي رعت الندوة لتقصيرها وعدم اطلاعها على مضمون كلمة الفقيد قبل إلقائها.
لقد غادر الجميع القاعة وكان بعضهم في أشد حالات الانهيار النفسي والمعنوي وخيبة الأمل والبعض الآخر مع موقف هذا الرجل في قرارات أنفسهم ولكنهم لا يستطيعون التعبير عن رأيهم صراحة , أما الفقيد فقد خرج معهم وهو تشوبه الابتسامة مرفوع الرأس وهو على يقين بأن تصرفه هذا لن تسامحه السلطة عليه , ففي ليلة (18/19) آذار 1988 تم اعتقاله من منزله في محافظة السليمانية من قبل سلطات الأمن وأودع احدى زنزانات مديرية أمن محافظة أربيل والتي حررت كتاباً برقم 1539 في 27/06/1988 مضمونه ( نرسل إليكم جثث المخربين المدرجه اسمائهم ادناه يرجى استلامها وتزويدنا بشهادات وفاتهم) وكان تسلسل المغدور هو (7) كما واستنادا لهذا الكتاب أصدر مستشفى أربيل الجمهوري وثيقة وفاة له مؤرخة في يوم 27/6/1988.
والعلم عند الله سبحانه وتعالى عن ما تعرض له المغدور الوقور من تعذيب جسدي ونفسي أثناء فترة اعتقاله من 18 / 03/1988 ولغاية 27/ 06/1988 حيث لم يشفع له طول خدمته في وظائف الدولة العراقية بحرص وتفاني واخلاص , كما لم يشفع له وهو الرجل الطاعن في السن والبالغ من العمر ( 75 ) خمسة وسبعون عاماً التصرف معه بهذه القساوة من خلال الإجراءات التعسفية غير القانونية كما لا نعلم شيئاً عن اللحظات الأخيرة من حياته حين اقتاده جلادوه لتنفيذ حكم الموت فيه ؟ لا نجانب الصواب ومن قرأتنا لشخصية هذا المناضل الصلب في أنه واجه هذه اللحظات بشموخ وكبرياء وثقة بمصداقية ما أقدم عليه والحرص على بقائه في نفس عنفوانه إلى نهاية المشوار دون استسلام أو خنوع أو ندم , كما وإني على ثقة بأنه قد وعد جلاديه وأسيادهم بعواقب وخيمة ومصير حالك السواد مقرونة بلعنة التاريخ جراء ما اقترفوه من جرائم بحق الأبرياء من أمثاله .
وزير الداخلية العراقية في العهد الملكي سعيد قزاز
واختم مقالتي بالقول بأن الفقيد المغدور قد خلد ذكراه بعمله الخارق في الشجاعة ولولاه لمات ميتة طبيعية عادية وطواه النسيان وهنا أجد من الضروري أن استذكر وجود التشابه بين مواقف هذا الرجل ورجل آخر لا يقل عنه شهامة وشجاعة خلده التاريخ في صموده وبسالته عندما وقف يدافع عن نفسه في قاعة المحكمة العسكرية العليا الخاصة ( محكمة الشعب أو محكمة المهداوي ) في عام 1959 ونقصد به آخر وزير للداخلية العراقية في العهد الملكي السياسي والإداري المحنك ( سعيد قزاز ) كما أشير إلى وجود تشابه أخر بينهما من حيث التعرف عليهما من مجرد اسميهما المعروفين به دون الحاجة إلى ذكر تفاصيل الاسمين.
وندرج لكم في الختام بعض أبيات قصيدة الشاعر رمزي عقراوي والمهداة للفقيد
لقد عشت كالضيغم الاغلب
شديد المراس ولم تغضب!
وألبست قلبك برد الحنان
متين الحياكة لم يسلب!
ونلت من الحب عند الكورد
نصيبا وافرا لغيرك لم يكتب
وأطبق فضلك كل الاماكن
فمن ابعد كانت او اقرب!
فلم تلق للتكبر بالا وأهمية
ولم تغترر قط بالمنصب!
755 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع