وفاة الدكتور شامل السامرائي وزير الصحة والداخلية الاسبق

   

وفاة الدكتور شامل السامرائي وزير الصحة والداخلية الاسبق

      

        

     

يبدو ان قدر العراق اليوم بالاضافة لمآسيه اليومية، ان يفقد كل يوم واحداً من رموزه وشخصياته وعلمائه وادبائه ومفكريه واطبائه، فقد انتقل الى رحمة الله تعالى في العاصمة الاردنية عمان، الدكتور شامل السامرائي  (1921 – 2014) الطبيب العراقي المعروف عن عمر ناهز التسعين عاماً، والذي شغل مناصب عديدة من بينها وزيرا للداخلية ووزيرا للصحة في عهد المرحومين عبدالسلام محمد عارف وعبدالرحمن محمد عارف.

              

والدكتور شامل السامرائي طبيب ووزير عراقي سابق، ولد في سامراء عام 1921، أكمل الدراسة الابتدائية في سامراء وانتقل الى بغداد ليكمل الدراسة المتوسطة والثانوية في ثانوية الكرخ ببغداد.

                      

وعندما قامت ثورة رشيد عالي الكيلاني مايس 1941 شارك وتطوع  مع كتائب الشباب، وقد اعتقلته الأجهزة الأمنية بسبب مشاركته في التظاهرات المؤيدة للحركة وأحيل إلى المحكمة العسكرية في 9/9/1941، وتوكل للدفاع عنه المحامي جمال بابان وحكمت المحكمة عليه بالسجن وأودع سجن العمارة وبعد ثلاث سنين ونصف خرج من السجن حيث أطلق سراحه، وكان معه في السجن كل من محمد صديق شنشل وفائق السامرائي وخليل كنة وخير الله طلفاح وسوادي الحسون.
بعد إطلاق سراحه مع بقية السجناء، غادر العراق إلى سوريا والتحق بكلية الطب في الجامعة السورية (جامعة دمشق فيما بعد) خلال وجوده في دمشق للدراسة، مارس النشاط السياسي مع القوى القومية والاسلامية من دون الارتباط بأي منها، فكان من أصدقائه كل من ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار والشيخ مصطفى السباعي ويوسف زعين ونور الدين الأتاسي وكان معه من العراقيين كل من الدكتور عزت مصطفى وعبد الخالق الخضيري وفاضل القدسي.
تطوع للقتال مرتين للجهاد في فلسطين المرة الأولى مع الدكتورعزت مصطفى وطبيب الأسنان الدكتور فاضل القدسي ومهدي قاسم الحكاك حيث ذهبوا إلى نابلس ومنها إلى منطقة طوباس. وفي المرة الثانية كانت مجموعة المتطوعين تضم كلا من صلاح الدين البيطار وأكرم الحوراني وقاتل معهما على أسوار القدس دفاعاً عنها، وفيما بعد التحق معه الدكتور عبد اللطيف البدري الذي جاء متطوعا من لندن حيث كان يدرس هناك للحصول على شهادة (F R C S) للمشاركة في القتال في فلسطين أيضا وبقي ومعه الدكتور عبد اللطيف البدري في مستشفى الهلال الأحمر في نابلس وكان يتم إسعاف جرحى المعارك.
بعد أن أنهى السامرائي دراسته الجامعية في الطب، قرر العودة إلى العراق عام 1952 والتحق بكلية الضباط الاحتياط ببغداد، وتخرج برتبة نقيب وعمل طبيباً في مستشفى الرشيد العسكري. وبعد تسريحه من الجيش عمل طبيبا في مستشفى الكاظمية ثم تم نقله إلى دار المعلمين العالية محاضراً لمادة الصحة العامة في قسم علوم الحياة في الدار المذكورة (كلية التربية حاليا). استمر في عمله في دار المعلمين العالي حتى وقوع العدوان الثلاثي على مصر وقيام حرب السويس عام 1956 فبعث برقية تأييد للرئيس جمال عبد الناصر أكد هو وعدد من السياسيين العراقيين وعلى رأسهم عبد الرحمن البزاز الذي كان حينذاك عميدا لكلية الحقوق في بغداد وقوفهم ضد العدوان وشجبهم لمن يقف معه، وبعد معرفة الحكومة بالبرقية من خلال الرقابة المفروضة على البريد، بدأت حملة مضايقات ضد الموقعين على البرقية، فقدم بعضهم الاستقالة من الوظيفة الحكومية وكان من بين الذين استقالوا الدكتور شامل السامرائي.

      

وبعد قيام ثورة 14 تموز 1958 وقيام النظام الجمهوري ظن الدكتور السامرائي أن الفرصة باتت مواتية لتحقيق كثير من الطموحات القومية التي يؤمن بها وخاصة الوحدة بين العراق والجمهورية العربية المتحدة، ولكن الأحداث سارت باتجاه آخر مما ألّبَ الحركات القومية ضد حكم الزعيم عبد الكريم قاسم الذي كان قد تحالف مع الحركة الشيوعية واعتمد عليها في مطاردة الجماعات القومية، مما أدى إلى حصول ردات فعل قوية على ما عدّه القوميون انحرافاً من عبد الكريم قاسم عن أهداف ثورة 14 تموز..

             

فوقعت حركة العقيد عبد الوهاب الشواف يوم 8/3/1959 ضد حكومة قاسم، وتفرد الشيوعيين في سلطة الأمر الواقع في الشارع العراقي، فتم اعتقال الدكتور شامل مع الآلاف من العراقيين ومكث في المعتقلات والنفي الإجباري إلى مدن شمال العراق لعدة شهور واستمر في مواجهة نظام عبد الكريم قاسم من دون الانتماء إلى أي حزب أو حركة سياسية وحصل التغيير الذي استهدف حكم الزعيم عبد الكريم قاسم في 8/2/1963 ومجيء حزب البعث إلى السلطة وأصبح عبد السلام محمد عارف رئيسا للجمهورية حيث اختط العراق نهجا سياسيا جديدا فيه توجهات قومية، وحصلت مباحثات الوحدة الثلاثية بين العراق ومصر وسوريا في ابريل 1963 ولكن سوء العلاقة بين حزب البعث وجمال عبدالناصر أدى إلى فشل الوحدة الثلاثية في مهدها.

                    

   شامل السامرائي وعبدالناصر وسفير العراق عبدالحميد نعمان

وبعد حركة 18 تشرين الثاني عام 1963 التي قادها عبدالسلام محمد عارف أصبح الدكتور شامل وزيرا للوحدة، وخلال مؤتمر القمة العربي الذي عقد في القاهرة في كانون الثاني 1964 شارك فيه ضمن الوفد العراقي الذي رأسه الرئيس عارف، وتم خلال المؤتمر تشكيل لجنة للوساطة بين مصر والمملكة العربية السعودية لحل مشكلة اليمن والتي أدت إلى نشوب حرب بعد انقلاب الرئيس اليمني عبد الله السلال، فأرسلت مصر آلاف الجنود إلى اليمن دفاعا عن النظام الجمهوري، وردت السعودية بالوقوف إلى جانب الإمام محمد البدر ملك اليمن، وتألفت اللجنة من الرئيس عبد السلام عارف والرئيس أحمد بن بلة على أن يختار كل منهما ممثلا له في اللجنة، فاختار الرئيس عارف الدكتور شامل السامرائي على حين اختار الرئيس الجزائري، السيد توفيق المدني وبعد جولات مكوكية بين العواصم المعنية بالأزمة قامت بها اللجنة تم كخطوة أولى وقف الحملات الإعلامية بين مصر والسعودية، ونجحت مساعير اللجنة في تقريب وجهات النظر حتى تم عقد لقاء بين الجانبين على مستوى أعلى حينما زارت اللجنة الرياض للمرة الثانية وكان دليل نجاح الوساطة أن المشير عبد الحكيم عامر وأنور السادات ضمن الوفد الذي التقى ولي العهد السعودي حينذاك الأمير فيصل ( الملك لاحقا).
في أول تعديل وزاري حصل في عام 1964 أصبح الدكتور شامل السامرائي وزيرا للصحة خلفا للدكتور عزت مصطفى وخرج مع من الوزارة بعد استقالة حكومة طاهر يحيى عام 1965 وخلفه عبد الرحمن البزاز في تأليف وزارته الأولى.

                 

الدكتور شامل السامرائي في لقاء مع امير الكويت الاسبق عبدالله الجابر الصباح

وبعد حرب 5 حزيران عام 1967 أعيد تشكيل الحكومة العراقية برئاسة الرئيس عبد الرحمن عارف، وأصبح طاهر يحيى نائبا لرئيس الوزراء، واستوزر الدكتور السامرائي وزيرا للداخلية في تلك الحكومة، وكذلك في حكومة طاهر يحيى التي خلفتها .
وعند قيام ثورة 17 تموز 1968 اعتقل الدكتور السامرائي مع عدد من رموز النظام السابق (منهم عبدالرحمن البزاز وطاهر يحيى وعبدالعزيز العقيلي واخرين)، وخضع مثل غيره من المعتقلين لأبشع انواع التعذيب في قصر النهاية حتى تم إطلاق سراحه في ربيع 1970 غادر إلى انكلترة لإكمال دراسته وعاد بعدها إلى العراق وظل يمارس مهنة الطب في عيادته الخاصة في راس الجسر قرب ساحة الشهداء بشارع النصر.
ونتيجة لانهيار المنظومة الأمنية ونشوب الحرب الأهلية واستهداف العراقيين على الهوية وخاصة الأطباء وأساتذة الجامعة بعد الاحتلال الأمريكي، فقد غادر العراق إلى عمان عاصمة المملكة الأردنية في 10/7/2006 حتى وافاه الاجل يوم امس يرحمه الله ويغفر له ويجعل مثواه الجنة وإنا لله وإنا إليه راجعون.
ان رحيل السيد الدكتور شامل السامرائي، الذي كنت ومعظم اهالينا بالكرخ، نتردد على عيادته في ساحة الشهداء ثم بعدها في حي البياع ، يشكل خسارة كبيرة يصعب تعويضها  وقد كتب عنه الاستاذ مؤيد عبدالقادر إذ جعل مسيرته في الحياة واحدة من موضوعات أحد أجزاء موسوعته في الشخصيات واﻷعلام ( هؤﻻء في مرايا هؤﻻء ) ..
عزاء حار لرفاق درب الاستاذ الدكتور شامل السامرائي من المناضلين القوميين ولعموم معارفه وأسرته، وفي المقدمة ابن شقيقه، اﻷستاذ نزار السامرائي .. للفقيد جنان الخلد مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن اولئك رفيقاً.

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

875 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع